MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



مسطرة الإنقاذ خلال فترة الطوارئ الصحية قراءة على ضوء مقتضيات المقترح التشريعي

     

الدكتورة منال منصور
أستاذة القانون الخاص بكلية الحقوق بطنجة



مسطرة الإنقاذ خلال فترة الطوارئ الصحية قراءة على ضوء مقتضيات المقترح التشريعي
حماية من المشرع المغربي للمقاولة الوطنية من المخاطر والصعوبات التي تهدد استمراريتها، ومحاولة منه مواكبة المستجدات العالمية في ميدان التجارة والأعمال، حرص ولازال، على تطوير ترسانته التشريعية بما يحافظ على المصالح المرتبطة بالمقاولة وضمان استمرارية نشاطها وتكريس مقومات ثقافة الحكامة الجيدة في تسييرها، وذلك عبر عدة نصوص قانونية، لعل أبرزها التعديل الذي لحق الكتاب الخامس من مدونة التجارة، من خلال القانون رقم 73.17 الصادر في 23 أبريل 2018، المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة.
وقد تضمن هذا القانون جملة من التعديلات التي تهم أساسا تطوير آليات الرصد المبكر للصعوبات التي تعترض المقاولة، ويبقى من أهم هذه الآليات التنصيص على مسطرة الإنقاذ كإجراء وقائي لتفادي توقفها عن دفع الديون.
في هذا الصدد، وفي ظل جائحة فيروس كورونا المستجد وما لها من تأثيرات على المقاولات، تم تقديم مقترح قانون بتاريخ 13/5/2020  من طرف بعض أعضاء فريق نيابي بمجلس النواب، يستهدف تكييف مسطرة إنقاذ المقاولة مع هذا الحدث الطارئ، عن طريق تخفيف شروط الاستفادة من سلوكها استثناء من القواعد الخاصة المنظمة لمسطرة الإنقاذ، عبر اقتراح اعتمادها ولو كانت المقاولة متوقفة عن الدفع نتيجة الجائحة، وذلك شريطة تنفيذ المخطط في مدة لا تتجاوز السنة عوض خمس سنوات المقررة في المسطرة الحالية.
لاشك أن مسطرة الإنقاذ مسطرة ارادية اختيارية تتسم بالطابع الوقائي وتباشر تحت إشراف القضاء، نص عليها المشرع لضمان استمرارية المقاولة وتسديد الديون والحفاظ على مناصب الشغل، وفق مخطط تصادق عليه المحكمة التجارية يتضمن برمجة تنفيذه.
ولعل الاهتمام بوضعية المقاولة المتضررة من انعكاسات الجائحة تشكل مطلبا ملحا في الوقت الراهن، لما لها من دور هام في النسيج الاقتصادي الوطني، خاصة على مستوى جلب الاستثمار وتحقيق النمو، ونظرا لترابط مصالح المقاولات سواء على الصعيد الوطني والدولي، وفي هذا الإطار لا ضير من مناقشة مقتضيات المقترح التشريعي، سعيا لصقل الأفكار والخروج بنص قانوني مرن، فعال، مواكب، وجدير بالتنزيل.
بداية نجد أن المقترح لم يستعمل لغة دقيقة في العديد من النقط، إذ كان من الأجدر معالجة المقتضيات المقترحة في إطار حالة الطوارئ الصحية كقوة قاهرة ليشمل جميع حالات الطوارئ وليس كورونا المستجد فقط.
كما نسجل غموضا في الأسلوب عندما لم يحدد المقصود من عبارة " بشكل مباشر" كما لم يحدد نوع الصعوبات سوى أنها نتجت عن تداعيات الجائحة.
تضمن المقترح عبارات من قبيل: ليس بمقدورها تجاوزها- قبل الجائحة كانت في عافية، وهو ما يفيد أن مسطرة الإنقاذ تفتح عند توقف المقاولة عن الدفع، وهو ما يتعارض مع روح المسطرة وخصوصيتها، وسيجعلنا بالنتيجة أمام مسطرة للتسوية القضائية مكررة مرتين مع اختلاف في التسمية لا غير.
لذلك نرى أنه من الأجدر أن تضاف مقتضيات متممة لمسطرة التسوية القضائية في حالة القوة القاهرة، خاصة ما يتعلق بوضع ضمانات لتوفير التمويل الذي تحتاجه المقاولة-مع الأخذ بعين الاعتبار أن مؤسسات التمويل عرفت تأثرا على مستوى توفر السيولة نتيجة الجائحة، وبالتالي فهي متضررة كذلك ولن تستجيب بسهولة لاقتراحات تمويل المقاولات-وكذا وضع مقتضيات خاصة لطريقة سداد الديون في فترة الطوارئ، ووضع تدابير لضمان استمرارية العقود الجارية، حتى لا تخرج مسطرة الإنقاذ عن السياق الذي جاءت فيه.
نص المقترح التشريعي كذلك على أن يكون طلب رئيس المقاولة معززا -إلى جانب الوثائق المنصوص عليها في المادة 577 من مدونة التجارة- بتقديم قوائم تركيبية لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف خبير محاسبي أو خبير معتمد، يفيد أنها قبل الجائحة كانت في عافية، لاشك أن تدخل الخبراء لتقييم وضعية المقاولة أمر لا غنى عنه، لكن دراسة وضعية المقاولة من منظور شمولي يثير اشكالا يتعلق بالقطاع غير المهيكل، الأكثر تضررا من الجائحة، وهو ما يستدعي العمل على هيكلته لثقل وزنه في النسيج الاقتصادي الوطني، وبالتالي اعتماده على الخبرة المحاسبية كضرورة ملحة.
حدد المقترح لتنفيذ مخطط إنقاذ المقاولة مدة لا تتجاوز السنة، ولم يحدد الحد الأقصى للتمديد، هل هي قابلة للتمديد لسنة مماثلة أم أكثر، كما لم يحدد النصاب القانوني لعدد الدائنين لقبول طلب التمديد عند ذكر عبارة موافقة " بعضهم"، في المقابل نجد أن مقتضيات المادة 571 م ت تحدد أجل تنفيذ مخطط الإنقاذ في أجل أقصاه خمس سنوات، وهو ما يطرح التساؤل حول مدى كفاية أجل سنة لتنفيذ الالتزامات المحددة بالمخطط لإنقاذ المقاولة حتى لا يكون عرضة للفسخ أمام ما يتطلبه من تصريح وتحقيق للديون، وخاصة أن الرؤيا لازالت غير واضحة بخصوص استمرارية الجائحة من عدمه طالما أنه لم يتم بعد رفع حالة الطوارئ الصحية.
بخصوص وقف المتابعات الفردية والفوائد القانونية والاتفاقية وإجراءات التنفيذ التي يباشرها الدائنون على أصول المقاولة، لم يكن الاقتراح دقيقا في هذا الإطار، حيث لم يحدد نوعية المتابعات صراحة كما فعل في مسطرة المصالحة من خلال المادة 555 م ت، ومسطرة التسوية القضائية من خلال المادة 686، خاصة إذا علمنا أن مسطرة الإنقاذ تقوم أساسا على حسن نية المدين، وبالتالي ينبغي إعادة النظر في هذا المقتضى بما يضمن الحفاظ على جميع الحقوق.
كما أن ربط مبدأ الزجر برئيس المقاولة عند عدم تقديم الطلب بحسن نية سيؤدي لا محالة إلى عزوفه عن سلوك هذه المسطرة، خاصة إذا كان سيء النية، والحال أن مسطرة الإنقاذ إرادية تتوقف على تقديم طلب منه لفتحها دون غيره، مما سيعطل اللجوء إلى هذه المسطرة كما هو الحال بالنسبة لمساطر الوقاية وفق ما أبانت عنه الإحصاءات الرسمية، لتبقى النتيجة في الغالب تصفية المقاولة عند وصولها لوضعية مختلة بشكل لا رجعة فيه.
لاشك أن الثقل يقع أساسا على جهاز القضاء الذي ينبغي أن ينبني في قبول مخطط الإنقاذ على حلول عملية ناجعة بالأساس، من قبيل تجويد المنتوج الوطني وتنويعه لإرضاء الطلب عوض الاعتماد على الاستيراد، تغيير أساليب الإنتاج وغيره، مع إعطاء الأولوية بالأساس للممول واليد العاملة عند قبول المخطط.
وحتى تكتمل صورة إنقاذ المقاولة في مختلف تجلياتها، يبقى من الضروري وضع تعديلات تهم المقاولات المفتوحة في مواجهتها مساطر صعوبات المقاولة قبل هذه الظرفية، فلاشك أنها عرفت ديونا إضافية نتيجة الجائحة، وهنا تبرز فكرة المقاولة المواطنة وتكريس الثقافة المقاولاتية لإنقاذ المقاولة ما أمكن.
إن مواجهة آثار الجائحة يستدعي تعبئة جميع المتدخلين لإنقاذ المقاولة، وهذا لن يتأتى حاليا إلا بدعم الدولة وهياكلها ذات الارتباط بالمجال الاقتصادي، كالمراكز الجهوية للاستثمار وغرف الصناعة والتجارة...
فتدخل الدولة بات ضروريا لضمان سداد الديون بعد دراسة وضعية المقاولة، حتى يطمئن الممول ويقبل تمويل المقاولة المتعثرة، كما يقع على عاتق المقاولات ترشيد نفقاتها للخروج بأقل الأضرار، والأداء للموردين ما أمكن بحسب قدرتها على الدفع، دون أن يكون الهاجس فقط التزاحم من أجل الاستفادة من موارد صندوق مواجهة جائحة كورونا المستجد.
إذا لابد من تعديل المقترح وفق دراسة مستقبلية استباقية وعميقة تشمل بالموازاة باقي الجوانب الأخرى لنظام صعوبات المقاولة، وتراعي القطاعات الجوهرية من مختلف الزوايا، وهذا لن يتأتى إلا بوجود إرادة سياسية منتجة، لتنزيل نص قانوني عادل وجدير بالتنفيذ.
تم بحمد الله وتوفيقه



السبت 6 يونيو 2020

تعليق جديد
Twitter