MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers


أرشيف وجهة نظر

الــرسـائـل الـمـولـويـة الـسـامـيـة لـصـاحـب الـجـلالــة -قراءة تحليلية لخطاب العرش 2025-

القرار 255/25 للمحكمة الدستورية: نحو ترسيخ رقابة دستورية ضامنة للحقوق والحريات

الأستاذ المصطفي الرميد يرد: إلى الأستاذ عبد الرحيم الجامعي (أنت أيضا، لست مفتيا، ولامرشدا، فلا تكن محرضا)

النقيب الجامعي: رسالة إلى الاستاذ مصطفى الرميد، لست لا مفتيا ولا مرشدا، فلا تكن محرضا ؟

La Cour constitutionnelle censure le nouveau code de procédure civile marocain

رفع القبعة للمحكمة الدستورية .. استقلالية القضاة في دستور 2011 المغرب، ركيزة أساسية لدولة الحق والقانون

نطاق المسائل الدستورية وغير الدستورية لتعديلات النظام الداخلي لمجلس النواب حسب قرار المحكمة الدستورية رقم 256/25 بتاريخ 2025/08/04 في الملف عدد 304/25

المسائل الثمانية غير الدستورية في قانون المسطرة المدنية حسب قرار المحكمة الدستورية

الملك ومشروع التحول الوطني: قراءة في خطاب العرش 2025

ملاحظات بشأن نظرية الخرق الدستوري البين على ضوء قرار المحكمة الدستورية بخصوص فحص عدم دستورية بعض مواد قانون المسطرة المدنية.



خصوصيات الشروط الشكلية لفتح مسطرة الإنقاذ

     

ياسين السالمي محام بهيئة فاس، باحث في سلك الدكتوراه



خصوصيات الشروط الشكلية لفتح مسطرة الإنقاذ
إن رهان المشرع المغربي على مسطرة الإنقاذ ، كمسطرة جديدة تتضمن حلولاً بديلة لمواجهة أزمة تصفية المقاولات بالمغرب، جعله يعيد النظر في مجموعة من القواعد التي أبانت عن محدوديتها في ظل النظام القديم ، ويؤسس لفلسفة جديدة، تستند على رؤى ومنطلقات مغايرة للإجراءات العقابية المترتبة عن فتح مسطرة التسوية القضائية، وتتوخى جعل مسطرة الانقاذ تنبني على منطق من التكامل والانسجام بين جميع المصالح المشتركة.
 
لقد راهن المشرع المغربي بشكل كبير على مسطرة الإنقاذ، من أجل تجاوز الفشل الذي لحق الكتاب الخامس في صيغته الأولى، لذلك عمل أثناء سنه للنظام القانوني لهذه المسطرة، على تمتيع الشروط الشكلية المتطلبة لافتتاحها بمجموعة من الخصوصيات، سواء من حيث الجهة التي لها صلاحية تقديم الطلب، أو من حيث الجهة التي لها صلاحية البت فيه.
 
فعلى خلاف مسطرة التسوية القضائية، لا يمكن للمحكمة التجارية أن تقضي تلقائياً أو بناء على طلب من أحد الدائنين بفتح مسطرة الإنقاذ، كما أنه، وعلى الرغم من أن المقاولة لا تعتبر في حالة توقف عن الدفع، فإن الاختصاص ينعقد لقضاء الموضوع، خلافاً لمسطرة الوقاية الخارجية التي جعلها المشرع من اختصاص رئيس المحكمة التجارية.
 
وسنحاول إبراز هذه الخصوصيات، من خلال التطرق في (الفقرة الأولى) لمميزات تقديم طلب فتح المسطرة، على أن نخصص (الفقرة الثانية) للجهة التي لها صلاحية البت في الطلب.
 
الفقرة الأولى: مميزات تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ 
 
دشن القانون رقم 73.17 تحولاً كبيراً في دور رئيس المقاولة وصلاحياته بعد إحداث مسطرة الإنقاذ، وذلك من خلال جعله الركيزة الأساسية في هذه المسطرة، حيث تم الانتقال من الصرامة إلى التساهل، ومن اعتبار رئيس المقاولة المسؤول الأول عن الأوضاع التي قد تصل إليها المقاولة، إلى اعتباره فاعلاً أساسياً يراهن عليه المشرع في إخراج المقاولة من الصعوبات التي تواجهها.
ورغبة من المشرع في تحفيز رئيس المقاولة على تفعيل مسطرة الإنقاذ، وجعلِ انخراطه في اجراءاتها، انخراطاً إيجابياً وتلقائياً، خول له على سبيل الاستئثار والانفراد، سلطة تقديم طلب فتح المسطرة (أولا) كما ألزمه بإرفاق الطلب الذي يتقدم به بمجموعة من الوثائق (ثانيا).
 
أولا: استئثار رئيس المقاولة بصلاحية تقديم طلب فتح المسطرة
 
من منطلق الوعي بأهمية المكانة التي يحتلها رئيس المقاولة في استشعار الصعوبات التي تواجه المقاولة، وتماشياً مع الطابع الإرادي الذي يميز مسطرة الإنقاذ عن غيرها من المساطر القضائية الأخرى، خول المشرع المغربي لرئيس المقاولة  دون غيره، صلاحية تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ، كلما تبين له أن الصعوبات التي تواجه المقاولة، ليس بمقدوره تجاوزها، ومن شأنها أن تؤدي بالمقاولة داخل أجل قريب إلى التوقف عن الدفع، وهكذا، تنص المادة 561 من مدونة التجارة، على أنه: "يمكن أن تفتح مسطرة الإنقاذ بطلب من كل مقاولة، دون أن تكون في حالة توقف عن الدفع ...".
ويتضح من خلال هذا المقتضى، أن المشرع المغربي قد راهن من خلال تنظيمه لمسطرة الإنقاذ على استحضار عامل الثقة في رئيس المقاولة، باعتباره أحد ركائز النجاح المرتقبة لهذه المسطرة. فهو الأقدر على معرفة الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية للمقاولة، وهو أكثر الأشخاص اطلاعا ومعرفة بالصعوبات التي تواجهها، وحجم وخطورة هذه الصعوبات ، لذلك فإن من شأن منحه حق احتكار صلاحية تقديم الطلب، أن يساهم في تحفيزه على تفعيل مسطرة الإنقاذ.
كما استهدف المشرع المغربي من منحه لرئيس المقاولة هذه الصلاحية، تحقيق غايات وأهداف جديدة، ترتبط أساساً بالتصور الجديد لمسطرة الإنقاذ، فإذا كانت الغاية من هذه المسطرة هي الكشف المبكر عن الصعوبات التي تواجه المقاولة، فإن من شأن منح رئيس المقاولة صلاحية  تقديم الطلب دون غيره، أن يدفعه إلى اللجوء إلى المحكمة بشكل مبكر من أجل طلب الحصانة القضائية، مما سيشكل عاملاً حاسماً في إنجاح التدخل القضائي، على اعتبار أن نجاح مهمة المحكمة في إنقاذ المقاولة، تتأسس على الوقت الذي يتقدم فيه رئيس المقاولة بطلب فتح المسطرة، فتقديم هذا الطلب في الوقت المناسب؛ - أي قبل التوقف عن الدفع-  سيمكن من إنقاذ المقاولة وتصحيح وضعيتها.
غير أن هذه الوضعية قد أفرزت نقاشاً يروم البحث عن مبررات ودواعي منع المحكمة والدائنين من إمكانية تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ ، فهل كان المشرع صائباً باستبعادهم من هذه الإمكانية؟ وهل يمكن أن يشكل هذا المنع سبباً في تحفيز رئيس المقاولة على تقديم طلب فتح المسطرة؟ أم أنه لا يعدو أن يكون تصوراً قاصراً من شأنه الحكم على هذه المسطرة بالفشل؟
استناداً لأبعاد إحداث مسطرة الإنقاذ، يمكن القول أن الداعي وراء منع المشرع للدائنين من هذه الإمكانية ، يكمن في أن استفادة المقاولة من هذه المسطرة، مشروط بعدم توقفها عن الدفع، أي أن المقاولة يجب أن تكون لديها الملاءة للوفاء بديونها الحالة والمستحقة عليها، فالأمر يتعلق بمسطرة استباقية، تهدف إلى منع تحقق حالة قانونية في المستقبل، وهي التوقف عن الدفع، وبما أن المقاولة لم تصل بعد إلى هذه المرحلة، فإنه ليس من المستساغ مباشرة الدائن لهذه المسطرة، مادام بإمكانه المطالبة بدينه عند حلول أجله حسب القواعد العامة، فأي مصلحة للدائن في تقديمه لطلب فتح مسطرة الإنقاذ، التي سيترتب عنها منح الحصانة القضائية للمدين، من خلال تقرير قاعدة وقف المتابعات الفردية، والمنع من أداء الديون، في الوقت الذي يمكنه سلوك الإجراءات العادية للمطالبة بالدين، أو التنفيذ على المقاولة؟!
يرى البعض بأن ترك صلاحية المبادرة إلى تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ رهين بإرادة المدين، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع المالي للمقاولة، إذا لم يبادر هذا الأخير في الوقت المناسب إلى تقديم الطلب، نتيجة إهماله أو عدم تعامله الجدي مع حجم الصعوبات التي تهدد المقاولة، لذلك فإن السماح للدائنين بتقديم طلب من هذا القبيل، من شأنه أن يسمح بتفادي الانعكاسات السلبية، التي قد تنجم عن عدم تقديم المدين للطلب أو التأخر بهذا التقديم .
إن التسليم بهذا الرأي يقودنا إلى طرح تساؤل مشروع، يتجسد فيما إذا كان توسيع نطاق الأشخاص المسموح لهم بتقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية، قد ساهم في تفادي الانعكاسات السلبية التي تترتب عن تأخر رئيس المقاولة في التصريح بالتوقف عن الدفع؟ 
لقد أبان الواقع عن فشل مسطرة التسوية القضائية على الرغم من منح الدائن إمكانية تقديم الطلب، وبالتالي فمنع الدائن من هذه الإمكانية في مسطرة الإنقاذ، سوف لن يكون له تأثير على هذا المستوى، مادامت أغلب الطلبات التي يتقدم بها الدائنين تستهدف التصريح بفتح مسطرة التصفية القضائية، وتكون مجرد وسيلة ضغط على رئيس المقاولة لدفعه إلى الأداء، كما أن منح الدائن هذه الإمكانية في مسطرة الإنقاذ، من شأنه تعطيل خاصية "الاختيارية" التي تميزها عن باقي المساطر القضائية، والتي راهن المشرع من خلالها على تحفيز رئيس المقاولة على تقديم طلب فتح المسطرة.
وإذا كان الاستدلال بكون الدائن في هذه الحالة يتوخى مساعدة المقاولة على الخروج من أزمتها، فإنه ليس هناك ما يمنعه من الاتفاق ودياً مع رئيس المقاولة، من أجل تخفيض جزء من دينه، أو إعادة جدولته، عوض تقديمه لطلب فتح مسطرة، سيترتب عنها آثار خطيرة على وضعيته، لذلك نعتقد أن استبعاد المشرع المغربي للدائن من إمكانية طلب فتح مسطرة الإنقاذ له ما يبرره.
ولما كان الفتح التلقائي لمسطرة التسوية القضائية من طرف المحكمة التجارية، يجد مبرره في حماية المصلحة الاقتصادية العامة، وفي تفادي الآثار التي يمكن أن تترتب عن إهمال رئيس المقاولة التصريح شخصياً بحالة التوقف عن الدفع التي وصل إليها، فإن منع المحكمة من هذه الإمكانية في مسطرة الإنقاذ، يجد أساسه في أن وضع المحكمة يدها تلقائيا ًعلى الملف، يشكل تهديداً لحرية رئيس المقاولة في تدبير مقاولته خلال هذه المرحلة، وتدخلاً يتنافى مع التصور الجديد لهذه المسطرة، التي جاءت أساساً لإعادة الثقة في رئيس المقاولة، كما أن المشرع الفرنسي سبق وأن سحب هذه الصلاحية من المحكمة حتى في إطار مسطرة التسوية القضائية، بعد أن اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي في 7 دجنبر 2012، أن الفتح التلقائي للمسطرة من طرف المحكمة غير دستوري، ويتعارض مع مبدأ حياد المحكمة .
ويرى البعض، أنه كان حرياً بالمشرع أن يمنح لرئيس المحكمة التجارية أثناء معاينته لفسخ الاتفاق الودي في إطار مسطرة المصالحة، إمكانية إحالة الملف على المحكمة من أجل فتح مسطرة الإنقاذ، خاصة وأن عدم تنفيذ الالتزامات الناتجة عن الاتفاق لا تعني بالضرورة أن المقاولة متوقفة عن الدفع .
 غير أننا نعتقد بأنه، وإن كان عدم تنفيذ الالتزامات الناتجة عن الاتفاق لا يعني بالضرورة أن المقاولة قد وصلت إلى مرحلة التوقف عن الدفع، فإن منح رئيس المحكمة هذه الإمكانية، يعتبر مظهراً من مظاهر وضع المحكمة يدها تلقائياً على الملف، وبالتالي يخضع  لنفس مبررات المنع التي سبقت الإشارة إليها، وفي هذا الصدد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 17/05/2018: "وحيث إن السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء أحال طلب فتح مسطرة التسوية الودية المقدم إليه من طرف مراقب الحسابات لشركة ... على غرفة المشورة لكون الشركة المذكورة أصبحت متوقفة عن الدفع، وحيث إن إحالة الملف على المحكمة من طرف السيد رئيس المحكمة على غرفة المشورة، هو وجه من أوجه وضع المحكمة يدها تلقائياً على الملف" .
  وقد كان حرياً في اعتقادنا بالمشرع السماح لرئيس المحكمة على الأقل، أن يقترح  على رئيس المقاولة، تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ، في الحالة التي تكون فيها المقاولة غير متوقفة عن الدفع عند فسخ الاتفاق الودي، بحيث تبقى لهذا الأخير السلطة التقديرية في تفعيل المسطرة .
من الواضح إذن، أن هذه المبررات جميعها، تجد أساسها في التصور الجديد لمسطرة الإنقاذ، والتي تؤكد في مجملها، على أن فكرة التحفيز وإعادة الثقة في رئيس المقاولة، هي التي دفعت بالمشرع إلى منح رئيس المقاولة حق احتكار صلاحية تقديم الطلب دون غيره.
 
ثانياً: طلب فتح مسطرة الإنقاذ
 
إذا كان المشرع المغربي قد مكن رئيس المقاولة من صلاحية تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ، فإنه قد أوجب عليه تحت طائلة عدم القبول، أن يلتزم بشكليات تقديم هذا الطلب (أ) وأن يدلي بالمرفقات المتصلة به (ب).
(أ): شكليات الطلب
حسب المادة 561 من م.ت، فإن رئيس المقاولة يجب أن يودع طلبه "لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة، ويبين فيه نوعية الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية نشاط المقاولة، ويرفقه بالوثائق المنصوص عليها في المادة 577". 
والطلب المقدم من طرف رئيس المقاولة يلزم أن يتخذ شكل محرر مكتوب، فبالرغم من أن مدونة التجارة لا تنص على ذلك صراحة، فإن الكتابة تعتبر شرطاً أساسياً بالنسبة لهذا الطلب، باستحضار أن رئيس المقاولة يكون ملزماً بأن يشير في الطلب المذكور إلى العديد من المعطيات المتعلقة بالمركز المالي للمقاولة، ويبين فيه نوعية الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية النشاط، عكس المشرع الفرنسي الذي كان صريحاً في اشتراط الكتابة بالنسبة لطلب فتح مسطرة الانقاذ، حينما حدد شكل تقديم الطلب في ملء المدين لاستمارة مخصصة لذلك  .
ولم يحدد المشرع أي أجل لتقديم هذا الطلب، فما دامت مسطرة الإنقاذ اختيارية، فإنه متى تبين لرئيس المقاولة، أن هذه الأخيرة تعاني من صعوبات ليس بمقدورها تجاوزها، ومن شأنها أن تؤدي بها داخل أجل قريب إلى التوقف عن الدفع، يمكنه أن يتقدم بطلبه إلى كتابة ضبط المحكمة التجارية المختصة، فالحق في فتح مسطرة الإنقاذ جاء غير مقيد بأي أجل، وهذا على خلاف مسطرة التسوية القضائية، التي يتعين على رئيس المقاولة تقديم طلب فتحها وجوباً، في أجل أقصاه ثلاثون يوماً من تاريخ التوقف عن الدفع حسب مقتضيات المادة 576 من م.ت.
وإذا كان المشرع الفرنسي بدوره لم يحدد أي أجل لتقديم طلب فتح المسطرة، فإنه قد اشترط في الفقرة الثانية من المادة L620-2 من مدونة التجارة الفرنسية، ألا تكون المقاولة أثناء تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ، خاضعة بالفعل لمسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية، طالما لم تنتهي إجراءات هذه المساطر ، إذ لا يمكن إخضاع نفس المقاولة في وقت واحد لعدة مساطر .
وليس هناك ما يمنع من تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ في شكل طلب مضاد، حيث يمكن أن يتقدم أحد الدائنين بطلب أصلي لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، ثم يقوم رئيس المقاولة بتقديم طلب مضاد يهدف من خلاله إلى التصريح بفتح مسطرة الإنقاذ، فقد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 12/07/2018: "وحيث يهدف الطلب الأصلي إلى الحكم بفتح مسطرة التصفية القضائية في حق الشركة أعلاه لأن وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه ... وحيث يهدف الطلب المضاد إلى الحكم بفتح مسطرة الإنقاذ في حق الشركة على اعتبار أنها تعاني من مشاكل مالية وأنها غير متوقفة عن الدفع ... وحيث إن مختلف الشروط القانونية المتطلبة لفتح مسطرة الإنقاذ في حق الشركة كلها متوفرة..." .
وإذا كان المشرع المغربي قد ألزم رئيس المقاولة، بأن يبين في طلب فتح المسطرة، نوعية الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية نشاط المقاولة، حسب المادة 561 من م.ت، فإن المشرع الفرنسي قد استوجب أن يبين المدين في الطلب، بالإضافة إلى طبيعة الصعوبات، الأسباب التي تجعل المقاولة غير قادرة على تجاوزها، طبقا للفقرة الأولى من المادة R621-1 من م.ت.ف، والتي تنص على أنه: "يودع طلب فتح مسطرة الإنقاذ من طرف الممثل القانوني للشخص المعنوي أو من قبل المدين الشخص الذاتي لدى كتابة ضبط المحكمة، يبين في هذا الطلب طبيعة الصعوبات التي تواجهه، وكذلك الأسباب التي جعلته غير قادر على تذليلها" .
وعلى الرغم من عدم تنصيص المادة 561 من م.ت، على ضرورة الإشارة للأسباب التي تجعل المقاولة غير قادرة على تجاوز الصعوبات التي تواجهها، ضمن عناصر الطلب الذي يتقدم به رئيس المقاولة، فإن هذا لا يمنع من الإشارة إليها، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 11/07/2019: "أن الطالبة أصبحت مؤخراً تواجه بعض الصعوبات المالية المؤقتة التي عرفتها خزاناتها، والتي ترجع بالخصوص إلى عدة أسباب خارجية وداخلية يمكن تلخيصها في ما يلي: - السبب الأول: يتجلى في المنافسة غير المشروعة التي يعرفها القطاع ...
- السبب الثاني: تسويقي بالأساس، إذ أن التطور التكنولوجي للأجهزة الإلكترونية والمعلومات يتغير بشكل سريع، وهو ما يدفع بالطالبة إلى تصريف المخزون في أقرب الآجال  وهو ما يخلف خسارة بالنسبة للطالبة.
- السبب الثالث: هو تراجع الاعتمادات المخصصة للاستثمار العمومي من أجل تطوير الإدارات العمومية، مما ينعكس سلبا على أرباح الطالبة.
- السبب الرابع: يتمثل في طول آجال الأداء...
- السبب الخامس: صعوبة استرجاع الديون الحالة بين يدي الزبناء ...
- السبب السادس: يتمثل في الفوائد البنكية التي تجاوزت 50 مليون درهم خلال الأربع سنوات الأخيرة دون أن تتمكن الطالبة من استخدام خطوطها البنكية لتنفيذ التزاماتها تجاه مورديها نظرا لتجميدها من طرف البنك، مما أدى بالموردين إلى فسخ عقود التوزيع مع العارضة وإبرام عقود مع موزعين منافسين لها" .
ولا شك أن الإشارة إلى أسباب الصعوبات بنوع من الدقة، سيسمح للمحكمة من التأكد من جدية رئيس المقاولة، كما سيسمح بأداء المسطرة لوظيفتها، لذلك يكون من المناسب لرئيس المقاولة، الإشارة إلى هذه الأسباب ضمن الطلب الذي يتقدم به أمام المحكمة التجارية.
أما بخصوص مرفقات الطلب، فقد حددها المشرع في المادة 577 من م.ت ، والتي نصت على أنه: "يجب إرفاق الطلب على الخصوص بما يلي :
- القوائم التركيبية لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف مراقب الحسابات، إن وجد؛
- جرد وتحديد قيمة جميع أموال المقاولة المنقولة والعقارية؛
- قائمة بالمدينين مع الإشارة إلى عناوينهم، ومبلغ مستحقات المقاولة والضمانات الممنوحة لهم
- قائمة بالدائنين مع الإشارة إلى عناوينهم ومبلغ ديونهم والضمانات الممنوحة لهم 
- جدول التحملات؛
- قائمة الأجراء وممثليهم إن وجدوا؛
- نسخة من النموذج 7 من السجل التجاري؛
- وضعية الموازنة الخاصة بالمقاولة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة".
إضافة إلى الوثائق المذكورة أعلاه، يمكن لرئيس المقاولة الإدلاء بكل وثيقة معززة لطلبه، تبين بشكل واضح نوع الصعوبات التي تعتري نشاط المقاولة، وفي حالة تعذر تقديم إحدى هذه الوثائق أو الإدلاء بها بشكل غير كامل، يجب على رئيس المقاولة أن يبين الأسباب التي حالت دون ذلك ، كما يجب أن تكون الوثائق المقدمة مؤرخة ومؤشراً عليها من طرف رئيس المقاولة ، وذلك ضماناً لصحة الوثائق ومصداقيتها.
وقد نادت بعض الفعاليات النقابية بمجلس المستشارين في إطار الحفاظ على حقوق الطبقة الشغيلة، بضرورة إرفاق الطلب الذي يقدمه رئيس المقاولة في إطار المادة 577 من م.ت، بمحضر رأي لجنة المقاولة المنصوص عليها في المادة 464  من مدونة الشغل ، على اعتبار أن لجنة المقاولة لها رأي فيما يتعلق بالوضعية الاقتصادية للمقاولة، إلا أن هذا المقترح تم رفضه .
ونظراً لإلزامية الوثائق المذكورة، فإن الطلبات المجردة منها، أو التي تنقصها إحدى الوثائق، أو التي تتضمن وثائق غير متطابقة أو متضمنة لبيانات لا تعكس الصورة الحقيقية للمقاولة، يكون مصيرها عدم القبول شكلاً، وتأكيداً على ذلك، جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 29/07/2019: "وحيث إن المادة 577 من م.ت، حددت وبصيغة الوجوب الشكل الذي يجب أن تقدم به الوثائق المشار إليها أعلاه، وفي هذا الإطار ألزمت رئيس المقاولة بالإدلاء بكل وثيقة على حدى تتضمن جميع المعلومات المتعلقة بدائني ومديني المقاولة وبأموالها .... وحيث إن المشرع قد ألزم رئيس المقاولة بالإدلاء بشكل كامل بالوثائق المنصوص عليها في المادة 577 من م.ت، لأن تقييم الوضعية المالية الحقيقية للمقاولة لن يتأتى إلا من خلال البحث في المعطيات الواردة بهذه الوثائق والتي تكتسي طابعاً مالياً واقتصادياً ومقارنتها مع الصعوبات التي تعترض المقاولة، للقول تبعا لذلك بوجود المقاولة في حالة توقف عن الدفع من عدمه، وحيث إن المشرع قد ألزم رئيس المقاولة في حالة عدم إدلائه بإحدى الوثائق المشار إليها أعلاه، أو أدلى بها بشكل غير كامل أن يبين في تصريحه الأسباب التي حالت دون تقديمها، وهذا يدل على أن البت في طلبات فتح المسطرة مرتبط بشكل كبير بهذه الوثائق، لأن غياب أحدها يحول دون معرفة الوضعية الحقيقية للمقاولة، وحيث إن رئيس المقاولة لم يرفق طلبه بالوثائق المنصوص عليها في المادة 577 من م.ت، ولم بين الأسباب التي حالت دون تقديمها بالشكل المنصوص عليه بصيغة الوجوب بالمادة المذكورة، وحيث إن طلبه والحالة هذه معيب فيتعين التصريح بعدم قبوله" .
وتفاعلاً مع هذا المقتضى، يرى البعض بأنه يجب على المحكمة أن تغض الطرف عن الاختلالات الشكلية، على اعتبار أن دعوى صعوبات المقاولة ذات طابع خاص، وأن الاختلالات الشكلية في هذه الدعوى ليس لها أي تأثير على حقوق جميع المتعاملين مع المقاولة ، كما اعتبر البعض أيضاً، أن اقتصار المحكمة على عدم قبول الطلب بعلة عدم تقديم الوثائق المتطلبة قانوناً، مخالف لروح قانون صعوبات المقاولة، الذي يرمي إلى إنقاذ المقاولة من خلال تدخل قضائي سريع وإيجابي .
غير أنه، وعلى الرغم من كثرة الأحكام التي قضت بعدم قبول طلب فتح مسطرة الإنقاذ، لعدم إرفاقه بالوثاق المنصوص عليها في المادة 577 من مدونة التجارة ، فإننا نعتقد بأن هذا الجزاء يعتبر منطقياً، لأن المحكمة لا تقضي بعدم قبول الطلب إلا بعد إنذار رئيس المقاولة بضرورة تكملة الوثائق الناقصة، كما أن هذه الوثائق ليست من قبيل الشكليات التي ليس لها تأثير على الدعوى، بل تكون مؤثرة في تكوين قناعة المحكمة، كما هو الشأن بالنسبة لقائمة الدائنين والمدينين، أو الوثائق المثبتة لأموال المقاولة، لذلك فإن وعي رئيس المقاولة بخطورة الصعوبات التي تواجه المقاولة، ورغبته الأكيدة في إنقاذها، تدعوه إلى ضرورة تقديم جميع الوثائق المحددة في المادة 577 من م.ت، أو على الأقل الإشارة إلى الأسباب التي حالت دون تقديم بعض الوثائق، إثباتاً منه لحسن نيته، ولتفادي الحكم بعدم القبول.
(ب): مرفقات طلب فتح مسطرة الإنقاذ
لعل من بين أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 73.17، إلزامه لرئيس المقاولة أثناء تقديمه لطلب فتح مسطرة الإنقاذ، أن يرفق هذا الطلب بمشروع مخطط الإنقاذ تحت طائلة عدم القبول (1) بالإضافة إلى أدائه لمصاريف المسطرة (2).
1- إلزامية الإدلاء بمشروع مخطط الانقاذ
إذا كان المشرع المغربي قد أطر مسطرة الإنقاذ بأولويات من خلال المادة 560 من م.ت، والمتمثلة في تمكين المقاولة من تجاوز صعوباتها، وذلك من أجل ضمان استمراريتها والحفاظ على مناصب الشغل بها وتسديد خصومها، فإن مخطط الإنقاذ هو الآلية التي يمكن من خلالها تحقيق هذه الأهداف، حيت تنص الفقرة الثانية من المادة 545 من م.ت، على أنه: "يتم اللجوء إلى مسطرة إنقاذ المقاولة من الصعوبات التي تعترضها، من خلال مخطط للإنقاذ  يعرض على المحكمة للمصادقة".
وتماشياً مع الطبيعة الاختيارية لمسطرة الإنقاذ، وبهدف دفع رئيس المقاولة إلى الانخراط الإيجابي في إجراءات المسطرة، خول المشرع لهذا الأخير صلاحية إعداد مخطط الإنقاذ، وجعل الإدلاء به من بين أهم مرفقات الطلب، ورتب على انعدامه جزاء عدم القبول ، وهكذا تنص المادة 562 من مدونة التجارة على أنه: "يجب على رئيس المقاولة، تحت طائلة عدم القبول، أن يرفق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ، يحدد مشروع مخطط الإنقاذ جميع الالتزامات الضرورية لإنقاذ المقاولة وطريقة الحفاظ على نشاطها وعلى تمويله، بالإضافة إلى كيفيات تصفية الخصوم، والضمانات الممنوحة قصد تنفيذ مشروع المخطط المذكور".
إن ما يعبر عن جدية طلب رئيس المقاولة، وعن حسن نيته في التغلب على صعوبات المقاولة، هو هذا المخطط الذي يكون الهدف منه هو تشخيص وضعية المقاولة، وإيجاد حلول كفيلة بتصحيح مسارها ، وفي هذا السياق جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 27/01/2020 بأنه: "يشترط للاستجابة لطلب فتح مسطرة الإنقاذ ... أن يقدم رئيس المقاولة بالإضافة إلى الوثائق المحددة في المادة 577 مشروع مخطط الإنقاذ طبقا للمادة 562" .
وبخلاف ذلك، لم يلزم المشرع الفرنسي رئيس المقاولة بإرفاق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ، وإنما أرجأ إنجازه إلى ما بعد فتح مسطرة الإنقاذ.
 وإذا كان البعض يعتقد أن إرجاء إنجاز مخطط الانقاذ إلى ما بعد فتح مسطرة الإنقاذ، هي نقطة تحتسب لصالح المشرع الفرنسي، وذلك لأن رئيس المقاولة سيستفيد من مساعدة أجهزة متخصصة ولها تجربة في التعامل مع الصعوبات التي تواجه المقاولات، حيث تقدم للمدين إرشادات أثناء وضعه للمخطط ، فإننا نرى أن إلزام رئيس المقاولة بتقديم مشروع مخطط الإنقاذ عند تقديمه لطلب فتح المسطرة، يعتبر مسألة إيجابية في القانون المغربي، لأن ذلك يبين مدى جدية رئيس المقاولة في إنقاذ مقاولته وإقناع المحكمة بذلك، كما أن المادة 562 من م.ت، تضمنت عبارة مشروع مخطط الإنقاذ، فهذا المشروع المعد من طرف رئيس المقاولة ليس بالضرورة هو المخطط الذي سيتم اعتماده من طرف المحكمة، ذلك أن المشرع أعطى للسنديك صلاحية اقتراح تعديله أو المصادقة عليه بعد استشارة الدائنين، فحتى إذا كان مشروع المخطط الذي يتقدم به رئيس المقاولة يتصف بعدم الدقة، فإن الفرصة مواتية أثناء فترة إعداد الحل لتقويمه وتصويبه.
 فقد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 24/01/2019 بأنه: "وحيث واعتباراً لأن المراد من فتح مسطرة الإنقاذ هو تفادي حالة التوقف عن الدفع ... وبالنظر إلى الصعوبات التي تعاني منها المقاولة والمفصلة أعلاه، فإنه يتعين فتح مسطرة الإنقاذ في حقها، علما أن مشروع مخطط الإنقاذ تبقى إمكانية تعديله وتحديد كيفيات أخرى لتسديد الخصوم الواردة فيه قائمة" .
 وهو ما أكدته المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حكم لها صادر بتاريخ 19/12/2019 والذي جاء في حيثياته: "وحيث يتعين على السنديك أن يعمل على إعداد تقرير الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة بمشاركة رئيسها، وعلى ضوء تلك الموازنة يقترح إما المصادقة على مشروع مخطط الإنقاذ المقترح من طرف رئيس المقاولة، أو تعديله ..." .
 ومن تم، يتضح أن مشروع مخطط الإنقاذ الذي يتقدم به رئيس المقاولة، يمكن أن يكون موضوع اقتراح تعديل من قبل السنديك، كما يمكن تعديله من قبل المحكمة أثناء إصدارها الحكم بحصر المخطط، خاصة فيما يتعلق بطرق تصفية الخصوم.
 أضف إلى ذلك، أنه ليس هناك ما يمنع رئيس المقاولة من إعداد هذا المشروع بمعية باقي الأطراف المعنية به ومنهم، الشركاء ومندوبي الأجراء والدائنين، وذلك من أجل أن يكون مضمونه محل اتفاق أو توافق بين هؤلاء، ويمكن لرئيس المقاولة إشراك حتى مراقب الحسابات متى كان معيناً بالشركة، من أجل الاستفادة من خبرته المحاسبية والقانونية على هذا المستوى، وبالتالي فإن تنصيص المادة 562 من مدونة التجارة فقط على تقديم رئيس المقاولة لمشروع مخطط الإنقاذ، لا يعني أنه عملياً سيتولى إعداده بمفرده وبدون مشاركة باقي الأطراف، وإن كان ليس هناك ما يمنعه من ذلك، على اعتبار أن تقديم مشروع مخطط متوافق عليه، سيجد فرصا كبيرة لاقتراح اعتماده من طرف السنديك المعين من طرف المحكمة، وكذا لاعتماده بسهولة من طرف هذه الأخيرة، وكذا لضمان تنفيذه ونجاحه خلال الأجل المحدد من طرف المحكمة .
وحسب المادة 562 من م.ت، يجب أن يتضمن مشروع مخطط الإنقاذ الذي يتقدم به رئيس المقاولة، جميع الالتزامات الضرورية لإنقاذ المقاولة، وذلك من خلال:
(1)- توضيح طريقة الحفاظ على نشاط المقاولة، وقد يتم ذلك عن طريق توقيف أو دمج أو تفويت أو إضافة نشاط أو عدة  أنشطة، أو عن طريق إعادة النظر في الإستراتيجية التجارية للشركة، فقد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 11/07/2019: "أن مسيري الشركة عازمون على الحفاظ على الشركة بكل مقاوماتها، ومستعدون للتضحية من أجلها، حتى تتمكن من الحفاظ على مكانتها وثقة زبنائها، وفرض اسمها وسمعتها كما هو ثابت من خلال مشروع المخطط المدلى به ... وحيث إنه يبقى بذلك طلب فتح مسطرة الإنقاذ مبرر قانوناً ويتعين الاستجابة له" .
(2)- طريقة تمويل المقاولة، بحيث قد تعتزم المقاولة اللجوء إلى الاقتراض، أو الرفع من رأسمالها، كما هو الشأن بالنسبة لمشروع المخطط المقدم من قبل مقاولة (...) أمام المحكمة التجارية بفاس، فقد جاء في حكم لهذه الأخيرة بتاريخ 26/06/2019 أن: "الحل المقترح لإنقاذ المقاولة يتمثل في الزيادة في رأسمال الشركة، والمساهمين على استعداد للقيام بذلك، بالإضافة إلى بيع القطعتين الأرضيتين للحصول على تمويل" .
كما جاء في حكم آخر صادر عن المحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 21/11/2019 أن: "المقاولة تتوفر على عقار بمدينة مراكش وأن بيعه الذي تعتزم القيام به سيوفر السيولة اللازمة لتسديد خصومها، كما سيقوم رئيس المقاولة ببيع العقار الذي يملكه شخصياً لتحقيق نفس الغاية" .
والملاحظ أن من بين أكثر الإكراهات التي يمكن أن تواجه المقاولة خلال هذه المرحلة، هي البحث عن مصادر للتمويل، لذلك غالباً ما قد تعتزم المقاولة بيع أحد عقاراتها أو منقولاتها من أجل الحصول على سيولة نقدية.
(3)- طريقة تصفية الخصوم، وقد يتم ذلك من خلال تحديد قيمة التخفيضات من الديون الموعود بها من طرف الدائنين، أو تحديد آجال تسديد الديون، وذلك باقتراح جدول زمني من شأنه الحفاظ على حقوق الدائنين، وفي هذا الصدد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 27/12/2018 بأنه: "وحسب مشروع الإنقاذ المقترح من طرف رئيس المقاولة، والذي أكد من خلاله بأن مسطرة الإنقاذ شرعت لمثل هذه الشركات التي تشغل مجموعة من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، وأنها تؤدي جميع الأجور وكذا جميع التحملات، وأنها تتوفر على صفقات مهمة، وفي المقابل غير قادرة على أداء دين واحد دفعة واحدة، بينما أنها قادرة على سداده داخل أجل 3 سنوات على أساس 32 قسط شهري بحساب 17.000.00 درهم" . 
وهو ما جاء كذلك في حكم للمحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 14/05/2019: "فضلاً على أن رئيس المقاولة أرفق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ، حدد فيه مراجعة الفوائد وحجم المديونية مع البنك وباقي الدائنين، وإعادة جدولته اتفاقياً، وبيع البقع الأرضية المجهزة، والتي تمكن الطالبة من الحصول على سيولة نقدية" .
ويتبين إذن من خلال الأحكام المشار إليها، أن المكانة الأساسية التي يحتلها عنصر تصفية الخصوم، في إطار مشروع مخطط الإنقاذ، توجب على رئيس المقاولة، أن يحدد الطريقة التي من شأنها أن تضمن الوفاء بالديون في أحسن الظروف وفي أقرب الآجال. 
وهو ما يعكس مدى تَوق المشرع وتطلعه إلى حماية النسيج الاقتصادي، على نحو يكرس "ثقافة احترام الحقوق"، والالتزام بمراعاة وضعية مختلف الفئات المرتبطة بالمقاولة، بالشكل الذي يجعلهم في مأمن تشريعي، من مختلف المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تفعيل مقتضيات مسطرة الإنقاذ .
 وفي هذا الإطار، جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 01/10/2018: "وحيث أكد رئيس المقاولة في مخطط الإنقاذ بخصوص خطة أداء الخصوم، أنه يخضع من حيث نجاحه لشرطين، أولهما انخفاض كبير في الديون المالية للشركة، من خلال قبول البنوك لمقترح شراء عقارات الشركة مقابل نقص مديونيتها ... ثم من جهة أخرى بدل جميع الدائنين لبادرة ترتكز على التخلي الجزئي عن ديونهم" .
والملاحظ من خلال الحكم الأخير الصادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، أن مشروع المخطط الذي تقدم به رئيس المقاولة جاء معلقاً على شرط واقف، وهو أمر يتنافى والغاية من منح رئيس المقاولة صلاحية إعداد هذا المشروع، الذي يجب أن يؤكد على حسن نيته وجديته في إيجاد الحلول، وعن احترامه للأهداف المحددة في المادة 560 من م.ت، وهو الأمر الذي لم يتحقق في هذه النازلة، ذلك أن الشروط التي وضعها رئيس المقاولة لنجاح المخطط، من شأنها المساس بحقوق الدائنين، وقد تدل على سوء نية رئيس المقاولة في طلب فتح المسطرة، كما أن الصلاحيات المخولة للمحكمة في إطار مسطرة الإنقاذ، لا تمكنها من أن تفرض على البنوك شراء عقارات المقاولة، أو أن تفرض على الدائنين التخفيض من ديونهم في حالة رفضهم هذه المقترحات، لذلك نعتقد بأن مشروع المخطط الذي تقدم به رئيس المقاولة لم يأت محدداً لما نص عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 562 من مدونة التجارة، ويوحي بأن وضعية المقاولة المالية قد أصبحت مختلة بشكل كبير مما يبرر فتح مسطرة التسوية القضائية وليس مسطرة الإنقاذ.
 
(4)- الضمانات الممنوحة قصد تنفيذ المخطط، كتقديم ضمانات شخصية من قبل رئيس المقاولة، وفي هذا الصدد جاء في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 14/10/2019: "وحيث إنه بعد إطلاع المحكمة على ملف النازلة، اتضح لها بأن المدعية ... لم تدل بمخطط الإنقاذ وفق الشكل المتطلب قانوناً بحيث يفتقد للضمانات من أجل أداء الديون" .
ويتضح من خلال هذا الحكم، أن إدلاء رئيس المقاولة بمشروع مخطط الإنقاذ، دون تقديم أية ضمانات لتنفيذه، سيكون مآله عدم القبول، وهو ما يؤكد على أهمية الضمانات ودورها في إقناع المحكمة بفتح المسطرة.
ويعتبر إرفاق الطلب بمشروع مخطط الإنقاذ من الخصوصيات التي تميز مسطرة الإنقاذ مقارنة مع مسطرة التسوية القضائية، التي لا يكون رئيس المقاولة فيها ملزم بالتقدم بمشروع مخطط التسوية، حيث يتولى السنديك إعداده.
 ولاشك أن أهمية إدلاء رئيس المقاولة بمشروع مخطط الإنقاذ، في إطار مسطرة الإنقاذ، ترتبط أساساً بطبيعة الجزاء المترتب على تخلفه، والذي يتمثل في عدم قبول الطلب، وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 20/06/2019 بعدم قبول طلب فتح مسطرة الإنقاذ، لعدم إرفاقه بمشروع مخطط الإنقاذ، وقد عللت المحكمة حكمها بما يلي: "وحيث نصت المادة 562 من مدونة التجارة على أنه يجب على رئيس المقاولة تحت طائلة عدم القبول أن يرفق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ، ويحدد في مشروع المخطط هذا جميع الالتزامات الضرورية لإنقاذ المقاولة، وطريقة الحفاظ على نشاطها وعلى تمويله، بالإضافة إلى كيفية تصفية الخصوم والضمانات الممنوحة في مشروع المخطط المذكور، وهو الأمر الذي لم يتحقق في نازلة الحال، ذلك أن الطالب لم يرفق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ. وحيث إن الطلب و الحالة هذه معيب ويتعين التصريح بعدم قبوله" .
 وهذا التوجه يؤكد على أن المحكمة لا يمكنها أن تتبنى مخطط الإنقاذ، دون رغبة صريحة من رئيس المقاولة ، خاصة وأن إنجاح المخطط وتنفيذه يتطلب تدخلاً إيجابياً من قبله.
وفي نفس السياق قضت المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 08/10/2019، بعدم قبول طلب فتح مسطرة الانقاذ، لعدم توفر مشروع مخطط الإنقاذ المعد من قبل رئيس المقاولة، على البيانات المنصوص عليها في المادة 562، فقد جاء في حيثيات هذا الحكم: "وحيث إنه استناداً لمقتضيات المادة 562 من م.ت، فإن يجب على رئيس المقاولة، تحت طائلة عدم القبول أن يرفق طلبه بمشروع مخطط الانقاذ ... وأن المحكمة أنذرت المدعية من أجل الإدلاء بمشروع مخطط الإنقاذ مفصل على اعتبار أن الورقة التي قدمتها رفقة طلبها لا تتضمن البيانات المنصوص عليها في المادة 562 المذكورة، لكن المدعية لم تستجب لإنذار المحكمة مما يجعل طلبها مختل ويتعين التصريح بعدم قبوله" .
وهو ما سارت عليه كذلك محكمة الاستئناف التجارية بفاس، حيث جاء في قرار لها بتاريخ 12/12/2019: "ومن جهة أخرى، فمشروع مخطط الإنقاذ الذي قدمه رئيس المقاولة المستأنف لم يأت محدداً لما نص عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 562 من م.ت.، وخاصة ما يتعلق بكيفيات تصفية الخصوم والضمانات الممنوحة قصد تنفيذ مشروع المخطط المذكور، وإنما اقتصر فقط على طلب إجراء خبرات لتحديد الوضعية المالية للشركة" .
غير أن الملاحظ أن محكمة الاستئناف التجارية بفاس لم تقض بعدم قبول الطلب شكلاً، لعدم توفر مشروع المخطط الذي تم إعداده من قبل رئيس المقاولة على الشروط المتطلبة قانوناً، وإنما قضت برفض الطلب لكون الصعوبات التي تواجه المقاولة لا ترقى إلى فتح مسطرة الإنقاذ، والحال أنه كان يجب على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الطلب دون الحاجة إلى مناقشة الموضوع، لأن الجزاء المترتب عن عدم إرفاق الطلب بمشروع مخطط الإنقاذ أو عدم توفر المشروع على الشروط المتطلبة هو عدم القبول.
وعموماً، يتضح من خلال الأحكام المشار إليها أعلاه، أن رئيس المقاولة يجب أن يرفق طلب فتح المسطرة، بمشروع مخطط الإنقاذ، كما يجب أن يكون هذا المشروع مستوفياً للشروط المحددة في المادة 562 من م.ت، ومتى كان هذا المشروع لا يتضمن أحد العناصر المهمة كطريقة تصفية الخصوم، فإنه يمكن للمحكمة وقبل الحكم بعدم قبول الطلب، أن تقوم بإنذاره من أجل الإدلاء بمشروع مفصل مستوفي للشروط المحددة، وفي حالة امتناعه أو عدم استجابته لإنذار المحكمة، فإن مآل طلب فتح المسطرة هو عدم القبول.
والطلب المرفق بالوثائق المحددة قانوناً، وبمشروع مخطط الإنقاذ، يكون مقبولاً من الناحية الشكلية، فقد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 01/11/2018 بأنه: "حيث تم تعزيز الطلب بالوثائق التي تعكس صورة الوضعية المالية للمقاولة ووضعية دائنيها ومدينيها وتحملاتها وأصولها، وبمشروع مخطط الإنقاذ الذي أنجزنه رئيسة المقاولة بنية اعتمادها، لتمكين هذه الشركة من تجاوز الصعوبات التي تعترضها ... وبالتالي فالطلب المرفق بهذه الوثائق والمقدم من طرف من له الصفة في تقديمه مقبول من الناحية الشكلية" ، وهو ما يؤكد على ضرورة احترام الشروط الشكلية في إطار هذه المسطرة، لأنه بالرغم من أن المقاولة قد تكون في وضعية تسمح لها بالاستفادة من مسطرة الإنقاذ، فإن إغفال تقديم أحد الوثائق المحددة في المادة 577 من م.ت، أو مشروع مخطط الإنقاذ، سيؤدي إلى عدم قبول طلب فتح المسطرة.
 
2- أداء مصاريف المسطرة
 
إلى جانب إلزام المشرع المغربي لرئيس المقاولة بضرورة إرفاق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ تحت طائلة عدم القبول، فإنه قد أوجب عليه أداء مصاريف المسطرة.
 وتعتبر الفقرة الأخيرة من المادة 561 من م.ت، من بين أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 73.17، والتي تنص على أنه: "يحدد رئيس المحكمة، عند تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ، مبلغا لتغطية مصاريف الإشهار وتسيير المسطرة، يودع فوراً بصندوق المحكمة من طرف رئيس المقاولة"، ومن تم يكون شرط وضع مصاريف المسطرة بصندوق المحكمة من بين الإجراءات الشكلية المهمة التي يتعين على رئيس المقاولة القيام بها.
فبالنظر إلى أن حكم فتح مسطرة الإنقاذ يخضع لمختلف إجراءات الشهر والتبليغ المنصوص عليها في المادة 584 من م.ت، ولأن تسيير المسطرة يتطلب مصاريف ليست بالقليلة، فإنه بمجرد تقديم طلب فتح هذه المسطرة مستوف للشروط الشكلية اللازمة، يتولى رئيس المحكمة، وفقاً لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 561 من م.ت، تحديد مبلغ لتغطية مصاريف الشهر وتسيير هذه المسطرة يودع فوراً بصندوق المحكمة من طرف رئيس المقاولة .
ويرى البعض، أن عدم إيداع رئيس المقاولة لهذا المبلغ داخل أجل معقول أو داخل الأجل المحدد له من طرف رئيس المحكمة، من شأنه صرف النظر عن الطلب المقدم من طرفه، وعدم إحالته على المحكمة للبت فيه، على اعتبار أن عدم أداء هذا المبلغ دليل على عدم جدية الطلب المقدم في هذا الإطار، وعلى عدم وجود إرادة ورغبة حقيقية لدى رئيس المقاولة في المضي قدماً في هذه المسطرة .
 غير أن المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حكم لها صادر بتاريخ 27/12/2018 قضت بفتح مسطرة الإنقاذ بالرغم من أن رئيس المقاولة لم يقم بأداء مصاريف المسطرة، وحددت في حكمها مبلغ المصاريف، وأشعرت رئيس المقاولة بالأداء، فقد جاء في الحكم: "إشعار رئيس المقاولة بأداء مبلغ 30.000 درهم كمصاريف للمسطرة" ، ونفس الأمر بالنسبة لحكم المحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 01/11/2018 والذي جاء فيه: "نأمر رئيسة المقاولة بإيداع مبلغ 10.000 درهم بصندوق هذه المحكمة بالحساب عدد 5 بمجرد إعلامها بهذا الحكم" .
وفي حالة أداء هذه المصاريف قبل صدور الحكم بفتح المسطرة، يجب أن يشير الحكم على أنه قد تم أداء مصاريف المسطرة من طرف رئيس المقاولة، كما هو الشأن بالنسبة لحكم المحكمة التجارية بالرباط الصادر بتاريخ 31/07/2019 الذي جاء فيه: "الإشهاد على إيداع الطالبة لمبلغ 40.000.00 درهم لتغطية مصاريف الإشهار وتسيير هذه المسطرة بصندوق المحكمة" ، كما جاء في حكم آخر للمحكمة التجارية بأكادير بتاريخ 29/07/2019: "وحيث إن المقاولة سبق لها وأن أودعت صائر المسطرة، والمحدد من قبل رئيس هذه المحكمة في مبلغ 10.000.00 درهم لتغطية نفقات النشر واتعاب السنديك وكذا جميع متطلبات المسطرة، حسب المادة 561 من م.ت" .
 لكن ما هي المعايير التي سيعتمد عليها رئيس المحكمة في تحديد قيمة مصاريف المسطرة، مع العلم أن تكلفة هذه المسطرة تختلف حسب حجم المقاولة؟ 
كما أن إسناد صلاحية تحديد مصاريف المسطرة لرئيس المحكمة التجارية، وليس لقضاء الموضوع يطرح مجموعة من التساؤلات، فلماذا لم يتم تخويل الهيئة التي ستبت في الطلب صلاحية تحديد هذه المصاريف؟ خاصة وأنها هي التي يمكنها الوقوف على وضعية المقاولة وإمكانياتها، بعد الاطلاع على الوثائق والاستماع لرئيس المقاولة.
وأمام السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة لرئيس المحكمة في تحديد مصاريف المسطرة، فإنه قد يتم الحكم بمصاريف مبالغ فيها، مما يطرح معه التساؤل حول مدى إمكانية الطعن في أمر رئيس المحكمة؟
 لقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 13/03/2013 في قضية تتعلق بمسطرة التسوية القضائية بأنه: "حيث تعيب الطاعنة على الحكم المطعون فيه إضراره بمصالحها في الشق المرتبط بتحديد مصاريف المسطرة في مبلغ 20.000.00 درهم وحيث إنه ومن الثابت أن فتح المحكمة لمسطرة التسوية القضائية واستفادة المقاولة ( فردية كانت أو جماعية من هذه المزية إنما تقتضي منها ) المحكمة تحديد مصاريفها وذلك لتغطية متطلبات نشر الحكم بالجريدة الرسمية والإعلانات القانونية، ومراسلات الدائنين ... آخذة في ذلك بطبيعة المقاولة وحجمها وإمكانياتها، والمحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه التي ثبت لها وجود الطاعنة في حالة توقف عن الدفع مرتبة على ذلك فتح المسطرة ( التسوية القضائية ) لتدليل الصعوبات التي تعترضها فإن مبلغ 20.000.00 درهم الذي حددته كمصاريف للمسطرة يبقى مبالغا فيه وترى المحكمة إعمالا لسلطتها التقديرية واعتبارا منها لحجم المقاولة ( مقاولة فردية ) وامكانياتها تخفيضه إلى 4.000.00 درهم" .
 ومن تم فإنه، يمكن لرئيس المقاولة متى كان المبلغ المحدد من قبل رئيس المحكمة مبالغ فيه، أن يطلب مراجعته، من خلال ممارسته للطعن بالاستئناف ضد الحكم القاضي بفتح المسطرة، في الشق المتعلق بتحديد المصاريف، وذلك على اعتبار أنه لا يمكن استئناف الأحكام التمهيدية، إلا في وقت واحد مع الأحكام الفاصلة في الموضوع .
ويتضح من كل ما تقدم، أن تحديد مصاريف المسطرة يجب أن يراعي طبيعة المقاولة وإمكانياتها وحجمها، حتى لا يتم اعتماد مبالغ جزافية ، من شأنها أن تؤدي إلى إثقال كاهل المقاولة بمصاريف جديدة هي في غنى عنها. 
الفقرة الثانية: المحكمة المختصة بالبت في طلب فتح المسطرة
تحتاج مسطرة الإنقاذ إلى قواعد استثنائية لمسائل الاختصاص، بشكل يسمح بإنجاح التدخل القضائي بشكل سريع وفعال، حيث لا يمكن للقواعد العامة أن تستوعب الخصوصيات والغايات المحددة في هذه المسطرة، والمتمثلة أساساً في إنقاذ المقاولة وتصحيح وضعيتها؛ لذلك شكلت قواعد الاختصاص هاجساً لدى المشرع المغربي أثناء سنه لقانون المحاكم التجارية أو قانون صعوبات المقاولة، مما دفعه إلى صياغة مقتضيات خاصة لحل النزاعات والبت فيها بالسرعة والفعالية اللازمتين.
 
والتطرق للجهة المختصة بالبت في طلب فتح مسطرة الإنقاذ يقتضي منا التمييز بين الاختصاص النوعي (أولا) والاختصاص المحلي (ثانياً) .
 
أولا: المحكمة المختصة نوعياً بالبت في طلب فتح المسطرة
 
على الرغم من عدم وجود قضايا صعوبات المقاولة ضمن التحديد الذي وضعه المشرع في المادة 5 من القانون رقم 53.95 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية، والتي حدد فيها القضايا التي تختص فيها المحاكم التجارية ، فإن انعقاد اختصاص هذه الأخيرة للبت وحدها دون غيرها في طلب فتح مسطرة الإنقاذ يجد أساسه في المادة 11 من نفس القانون، والتي تنص على أنه: "استثناء من الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية ترفع الدعاوى فيما يتعلق بصعوبات المقاولة إلى المحكمة التجارية التابع لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة" فهذه المادة وإن كانت تتعلق بالاختصاص المحلي فقط، فإنها مع ذلك تفيد بشكل قاطع أن المحكمة المقصودة هي المحكمة التجارية .
ويرى البعض أن القانون رقم 53.95 كان عليه أن يشير صراحة في المادة 5 منه على انعقاد الاختصاص للمحكمة التجارية دون أن ينتظر تنظيمه للاختصاص المحلي، وكأن المشرع في هذه المادة يحيل على اختصاص نوعي سبق وأن حدده وأشار إليه .
وفي مقابل ذلك، يرى البعض الآخر بأنه على الرغم من أن المشرع المغربي لم ينص صراحة في المادة 5 من القانون رقم 53.95 على الاختصاص بشأن مساطر صعوبات المقاولة، مع أن هذه المادة هي المكان الطبيعي لذلك، فلأن هذا الإغفال كان مقصوداً بالنظر إلى أن هاته المساطر لها ارتباط وثيق بالنظام العام الاقتصادي، ولم يكن من الممكن إدراجها في المادة الخامسة، إلى جانب نزاعات يمكن للأطراف اخضاعها لمسطرة التحكيم  .
ولعل القاسم المشترك بين هذه الآراء، أنها تؤكد على انعقاد الاختصاص للمحكمة التجارية للبت في طلب فتح مسطرة الإنقاذ، وهذا على خلاف القانون الفرنسي، الذي حدد في المادةL621-2  من م.ت.ف، وفق آخر تعديل لها بتاريخ 18 شتنبر 2019 ، قواعد خاصة بالاختصاص في مسطرة الإنقاذ، والتي نصت على أن: "المحكمة المختصة هي المحكمة التجارية إذا كان المدين يمارس نشاطا تجارياً أو حرفياً، والمحكمة القضائية في الحالات الاخرى" ، على اعتبار أن نطاق تطبيق مسطرة الإنقاذ الفرنسية لا يشمل فقط التجار، بل كل شخص طبيعي يمارس نشاطاً مهنياً مستقلاً، وكل شخص اعتباري خاضع للقانون الخاص.
وتجدر الإشارة إلى أنه وبعد دخول قانون التنظيم القضائي الجديد حيز التنفيذ، أصبحت المحكمة التجارية في المدن التي تتواجد بها، هي المختصة بالنظر في طلب فتح مسطرة الإنقاذ، في حين أصبحت الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري لدى المحاكم الابتدائية في المدن التي لا توجد بها محكمة تجارية، هي المختصة نوعياً للبت في طلب فتح المسطرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل تعديل 18 شتنبر 2019، كانت المحكمة الابتدائية الكبرى في فرنسا هي المختصة بالنظر في طلب فتح مسطرة الإنقاذ، عندما يكون مقدم الطلب غير تاجر أو حرفي، لكن بعد التعديل الأخير الذي عرفه التنظيم القضائي في فرنسا ، حلت المحكمة القضائية محل المحكمة الابتدائية الكبرى، وبالتالي أصبحت هي المختصة بالنظر في طلب فتح مسطرة الإنقاذ متى كان مقدم الطلب ليس بتاجر أو حرفي، كما تختص كذلك بالنظر في طلب فتح مسطرة الإنقاذ الذي يتقدم به التاجر أو الحرفي، بالنسبة للمدن التي لا تتواجد بها محكمة تجارية، وذلك طبقاً للمادة L721-2  من م.ت.ف ، حسب التعديل الأخير لسنة 2019.
وبما أن مسطرة الإنقاذ بالمغرب تطبق على الشخص الذاتي التاجر والشركات التجارية فقط، فإنه إذا تبين للمحكمة التجارية انعدام الصفة التجارية لمقدم الطلب، فإنها ستقضي بعدم قبول الطلب وليس بعدم الاختصاص، ومرد ذلك أن الحكم بعدم الاختصاص النوعي، يقتضي أن تكون المحكمة الابتدائية مختصة نوعياً للنظر في مسطرة الإنقاذ، في حين لا تختص بمسطرة الإنقاذ في النظام المغربي سوى المحاكم التجارية، على خلاف ما يجري به العمل في فرنسا .
وبالرجوع للفقرة الثانية والثالثة من المادة 581 من القانون رقم 73.17 نجدها تنص على ما يلي: "تكون المحكمة المفتوحة مسطرة التسوية أمامها، مختصة للنظر في جميع الدعاوى المتصلة بها. تدخل في إطار اختصاص المحكمة، بصفة خاصة، الدعوى المتعلقة بتسيير المسطرة أو التي يقتضي حلها تطبيق مقتضيات هذا القسم". 
وما يلاحظ على هذه المادة أنها تتموقع ضمن الباب الأول من القسم الرابع المتعلق بمسطرة التسوية القضائية، ولم يحل المشرع عليها من خلال المواد المتعلقة بمسطرة الإنقاذ، على خلاف المشرع الفرنسي الذي نص صراحة من خلال المادة R662-3 من م.ت.ف ، على أن المحكمة التي أصدرت الحكم بفتح المسطرة، تكون مختصة بالنظر في كل ما يتعلق بمسطرة الإنقاذ، مما يطرح معه التساؤل حول ما إذا كانت المحكمة التجارية المفتوحة أمامها مسطرة الإنقاذ، غير مختصة للنظر في الدعاوى المتصلة بهذه المسطرة؟ 
على الرغم من أن المشرع المغربي لم يحل على مقتضيات المادة 581 من م.ت، فإن المحكمة التجارية المفتوحة أمامها مسطرة الإنقاذ تبقى مختصة بالبت في جميع الدعاوى المتصلة بهذه المسطرة، والهدف من ذلك هو تأمين حسن سير العدالة، من خلال تركيز جهود المحكمة المفتوحة أمامها المسطرة، للوصول إلى حل ناجع بخصوص المقاولة الخاضعة لمسطرة الإنقاذ، ضمن آجال معقولة تفادياً لتعدد المساطر وتعدد الجهات المختصة، وقد حددت محكمة النقض المقصود بالدعاوى المتصلة بمساطر صعوبات المقاولة بأنها تلك "الدعاوى المتولدة عن هذه المساطر والتي يقتضي حلها تطبيق مقتضيات الكتاب الخامس من م.ت، وكذا الدعاوى التي قد تتأثر بها، دون الدعاوى الرامية إلى إثبات الدين وحصر مبلغه، التي تبقى من اختصاص المحاكم المختصة بها" . 
إن توحيد الرؤى والحلول بخصوص المقاولة التي تعاني من صعوبات ليس بمقدورها تجاوزها ومن شأنها أن تؤدي بها داخل أجل قريب إلى التوقف عن الدفع، يحتم تجميع نظر المنازعات المتصلة بهذه المسطرة بيد جهة قضائية واحدة.
 
ثانياً: المحكمة المختصة محلياً بالبت في طلب فتح المسطرة 
 
وضع المشرع المغربي قواعد خاصة للاختصاص المحلي فيما يتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، سواء في مدونة التجارة أو في قانون إحداث المحاكم التجارية، حيث نصت المادة 581 من مدونة التجارة على أنه: "ينعقد الاختصاص للمحكمة التابع لدائرة نفوذها مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة"؛ وهو نفس المقتضى الذي أوردته المادة 11 من ق.إ.م.ت.
وحسب المادة R-600-1 من م.ت.ف، فإن المحكمة المختصة محلياً بالنظر في مساطر صعوبات المقاولة المنصوص عليها في الكتاب السادس من م.ت، هي المحكمة التي يتواجد في دائرتها، مقر الشخص الاعتباري أو الطبيعي، والذي قام بالتصريح بعنوان مقاولته أو نشاطه .
وإذا كان الاختصاص المحلي في مسطرة الإنقاذ، ينعقد حسب المواد 581 من مدونة التجارة و11 من قانون إحداث المحاكم التجارية، للمحكمة التابع لدائرة نفوذها مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة، نتساءل حول مدى إمكانية تقديم الطلب أمام المحكمة التجارية التي يتواجد في دائرتها أحد فروع المقاولة أو وكالاتها؟
وكإجابة على ذلك، يمكن القول بأنه لا يمكن تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ، أمام المحكمة التجارية التي يتواجد بدائرة نفوذها أحد فروع المقاولة، وإنما يجب تقديمه أمام المحكمة التابع لدائرة نفوذها المقر الاجتماعي للشركة، وذلك راجع إلى أن المشرع ميز في المادة 11 من القانون رقم 53.95  بين دعاوى الشركات بصفة عامة، والتي يمكن تقديمها أمام المحكمة التجارية التابع لها مقر الشركة أو فروعها، وبين دعاوى صعوبات المقاولة التي أوجب تقديمها أمام المحكمة التجارية التابع لها المقر الاجتماعي للشركة، ولعل السبب في ذلك، هو أن جميع الوثاق التي من شأنها بيان وضعية الشركة الحقيقية تتواجد بمقرها الاجتماعي وليس بفروعها، ومن تم فإن المحكمة لها صلاحية إثارة الدفع بعدم الاختصاص المحلي من تلقاء نفسها، كلما تبين لها أن المقاولة التي تقدمت بطلب فتح مسطرة الإنقاذ لا يتواجد مقرها الاجتماعي داخل دائرة نفوذها.
فعلى خلاف القواعد المسطرية العامة المنظمة للاختصاص المحلي، فإن هذا الأخير يتسم بطابع القطعية والحصرية عندما يتعلق الأمر بنظام صعوبات المقاولة، لما له من تأثير واضح على سير المسطرة، مما يجعله موصوف بصفة النظام العام، لا يمكن مخالفته أو الاتفاق على مخالفته .
بقيت ملاحظة أساسية مفادها أن المقاولات الحديثة النشأة أو التي يصعب عليها الحصول على مقر اجتماعي، قد سمح لها القانون رقم 89.17  المغير والمتمم لمقتضيات القانون 15.95، أن تقوم بتوطين  مقرها الاجتماعي بشكل مشترك مع مقاولة أو عدة مقاولات، ويكون الاختصاص المحلي هنا للمحكمة التجارية التابع لدائرة نفوذها موطن المقاولة الموطن لديها.



الاثنين 22 سبتمبر 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter