الرقمنة كآلية لتجويد العلاقة بين المواطن والإدارة
الطوسي سعد
ذ. في القانون والعلوم الإدارية
الطوسي سعد
ذ. في القانون والعلوم الإدارية
مقدمة
في سياق التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم في مجال التكنولوجيا، أصبحت الرقمنة خياراً استراتيجياً لا غنى عنه لتحديث الإدارة وتحسين جودة العلاقة بينها وبين المواطن. لم يعد الحديث عن رقمنة الإدارة ترفاً فكرياً أو مشروعاً مؤجلاً، بل أضحى ضرورة ملحة تفرضها متطلبات العصر وسرعة تطور المجتمعات. فالمواطن المعاصر، الذي تعود على السرعة والفعالية في كل مناحي الحياة، لم يعد يقبل بأساليب بيروقراطية تقليدية، تتسم بالتعقيد والبطء وغياب الشفافية.
وعليه، فإن الرقمنة، بوصفها آلية حديثة لتبسيط الإجراءات وتحسين التفاعل بين المواطن والإدارة، أصبحت تشكل رافعة أساسية لتجويد الخدمة العمومية، وضمان الولوج السلس والعادل إليها، وتقوية الثقة في المؤسسات.
فما المقصود برقمنة الإدارة؟ وما هي رهاناتها الكبرى في تحسين العلاقة بين المواطن والإدارة؟ وأي حدود أو تحديات يمكن أن تعرقل مسار هذه الدينامية التحديثية؟ وهل يمكن للرقمنة أن تكون مدخلاً فعلياً لتكريس حكامة إدارية ناجعة ترتكز على الشفافية والفعالية والإنصاف؟
أولاً: رقمنة الإدارة بين المفهوم والسياق
يقصد برقمنة الإدارة استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، لا سيما تكنولوجيا المعلومات والاتصال، في تسيير الشأن الإداري، وتقديم الخدمات العمومية للمواطنين بطريقة إلكترونية، سريعة، وآمنة. وتمتد هذه الرقمنة لتشمل عدة مستويات:
في سياق التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم في مجال التكنولوجيا، أصبحت الرقمنة خياراً استراتيجياً لا غنى عنه لتحديث الإدارة وتحسين جودة العلاقة بينها وبين المواطن. لم يعد الحديث عن رقمنة الإدارة ترفاً فكرياً أو مشروعاً مؤجلاً، بل أضحى ضرورة ملحة تفرضها متطلبات العصر وسرعة تطور المجتمعات. فالمواطن المعاصر، الذي تعود على السرعة والفعالية في كل مناحي الحياة، لم يعد يقبل بأساليب بيروقراطية تقليدية، تتسم بالتعقيد والبطء وغياب الشفافية.
وعليه، فإن الرقمنة، بوصفها آلية حديثة لتبسيط الإجراءات وتحسين التفاعل بين المواطن والإدارة، أصبحت تشكل رافعة أساسية لتجويد الخدمة العمومية، وضمان الولوج السلس والعادل إليها، وتقوية الثقة في المؤسسات.
فما المقصود برقمنة الإدارة؟ وما هي رهاناتها الكبرى في تحسين العلاقة بين المواطن والإدارة؟ وأي حدود أو تحديات يمكن أن تعرقل مسار هذه الدينامية التحديثية؟ وهل يمكن للرقمنة أن تكون مدخلاً فعلياً لتكريس حكامة إدارية ناجعة ترتكز على الشفافية والفعالية والإنصاف؟
أولاً: رقمنة الإدارة بين المفهوم والسياق
يقصد برقمنة الإدارة استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، لا سيما تكنولوجيا المعلومات والاتصال، في تسيير الشأن الإداري، وتقديم الخدمات العمومية للمواطنين بطريقة إلكترونية، سريعة، وآمنة. وتمتد هذه الرقمنة لتشمل عدة مستويات:
- رقمنة الوثائق والمعطيات الإدارية؛
- توفير بوابات رقمية للتفاعل مع المواطنين؛
- تمكين المواطن من تقديم طلباته أو تتبع ملفاته عن بُعد؛
- ربط قواعد البيانات الإدارية المختلفة لتفادي التكرار والتعقيد.
وقد جاءت الرقمنة كاستجابة لسياق دولي متغير، حيث أصبحت الحكومات تسعى إلى تطوير نماذج "الإدارة الإلكترونية" أو "الحوكمة الرقمية"، التي تُعلي من قيمة التفاعل المباشر، الشفاف والسريع مع المواطن، وتحد من مظاهر الفساد والزبونية وتعقيد المساطر.
على الصعيد الوطني، ارتبطت الرقمنة بتوجهات إصلاح الإدارة العمومية، لا سيما بعد الخطابات الرسمية التي أكدت على ضرورة القطع مع السلوكات الإدارية السلبية، والانتقال نحو نموذج جديد يقوم على الفعالية والتواصل السلس.
ثانياً: تجويد العلاقة بين المواطن والإدارة عبر الرقمنة
على الصعيد الوطني، ارتبطت الرقمنة بتوجهات إصلاح الإدارة العمومية، لا سيما بعد الخطابات الرسمية التي أكدت على ضرورة القطع مع السلوكات الإدارية السلبية، والانتقال نحو نموذج جديد يقوم على الفعالية والتواصل السلس.
ثانياً: تجويد العلاقة بين المواطن والإدارة عبر الرقمنة
1. تبسيط المساطر وتحسين ولوج المواطن للخدمة العمومية
تُعد الرقمنة وسيلة فعالة لتبسيط المساطر الإدارية، وتجاوز التعقيدات التي كانت ترهق كاهل المواطن. فالولوج إلى خدمة عمومية لم يعد يتطلب التنقل أو الوقوف في طوابير الانتظار، بل أصبح ممكناً عبر منصات إلكترونية تقدم الخدمة على مدار الساعة.
هذا التبسيط ينعكس إيجاباً على المواطن، الذي يشعر بأنه محط اهتمام الإدارة، كما يقلل من تكاليف التنقل والوقت الضائع، ويتيح تتبع ملفاته بشفافية.
2. الشفافية ومحاربة الفساد الإداري
من أهم مميزات الرقمنة أنها تحد من التعاملات المباشرة بين المواطن والموظف، ما يقلل من فرص الرشوة أو المحسوبية. فالإدارة الرقمية لا تعرف "الوساطة" أو "المعرفة الشخصية"، بل تعتمد على إجراءات موحدة تُطبق على الجميع.
وهذا ما يخلق مناخاً من الثقة في الإدارة، ويعزز الشعور بالعدالة الإدارية والمساواة في الولوج للخدمات.
3. سرعة المعالجة وتحسين جودة الخدمات
الرقمنة تسمح بمعالجة الملفات بطريقة أسرع، كما تمكن من تقليص مدة الانتظار، وتحسين جودة الخدمة. فالأنظمة الذكية قادرة على فحص الملفات، التنبيه إلى النواقص، أو إصدار القرارات في وقت وجيز مقارنة بالأساليب اليدوية.
الأهم من ذلك، أن المواطن يُصبح شريكاً في مراقبة الإدارة، من خلال التقييم أو تقديم الملاحظات بشكل رقمي، مما يعزز ثقافة المساءلة والتحسين المستمر.
4. تقريب الإدارة من المواطن
لم تعد الإدارة، بفضل الرقمنة، مرتبطة بالمجال الجغرافي، بل أصبحت متاحة عبر الهواتف الذكية، الحواسيب أو الأكشاك الرقمية. وهذا ما يسمح بتجاوز الفوارق الجغرافية، خاصة في العالم القروي أو المناطق النائية.
وتكمن أهمية هذا المعطى في كونه يعزز مبدأ "الحق في الخدمة العمومية" لجميع المواطنين دون تمييز.
ثالثاً: تحديات وحدود رقمنة العلاقة بين المواطن والإدارة
رغم المزايا المتعددة التي تقدمها الرقمنة، فإن تطبيقها يواجه عدة تحديات ينبغي أخذها بعين الاعتبار لضمان فعاليتها.
1. الفجوة الرقمية وضعف البنية التحتية
لا تزال هناك فئات واسعة من المواطنين تعاني من ضعف التغطية الرقمية أو قلة التكوين في التعامل مع المنصات الإلكترونية. وهو ما يُفرغ الرقمنة من مضمونها، ويخلق طبقية رقمية جديدة.
2. تعقيد بعض المنصات الإلكترونية
في كثير من الحالات، يتم إنشاء بوابات رقمية بخلفية تقنية بحتة، دون مراعاة لخصوصية المواطن البسيط. فتبدو بعض الخدمات معقدة، ولا توفر المساعدة الكافية أو الوضوح اللازم، مما يؤدي إلى عزوف المواطنين عنها.
3. غياب التنسيق بين الإدارات
يُلاحظ أن الرقمنة غالباً ما تتم بشكل قطاعي، حيث تُطور كل إدارة منصتها الخاصة، دون وجود ربط أو تنسيق بينها. وهذا ما يعيد إنتاج إشكالية التكرار، ويزيد من تعقيد المساطر، عوض تبسيطها.
4. الأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية
مع ازدياد حجم البيانات الشخصية التي تتعامل معها الإدارة الرقمية، تزداد الحاجة إلى أنظمة قوية للحماية. فالمواطن بحاجة إلى ضمانات حقيقية بشأن سرية معطياته وحماية خصوصيته من الاختراق أو الاستعمال غير المشروع.
رابعاً: شروط نجاح الرقمنة كأداة لتحسين العلاقة المواطن-الإدارة
لتحقيق النتائج المرجوة من الرقمنة، ينبغي توفر جملة من الشروط القانونية والمؤسساتية والثقافية:
من أهم مميزات الرقمنة أنها تحد من التعاملات المباشرة بين المواطن والموظف، ما يقلل من فرص الرشوة أو المحسوبية. فالإدارة الرقمية لا تعرف "الوساطة" أو "المعرفة الشخصية"، بل تعتمد على إجراءات موحدة تُطبق على الجميع.
وهذا ما يخلق مناخاً من الثقة في الإدارة، ويعزز الشعور بالعدالة الإدارية والمساواة في الولوج للخدمات.
3. سرعة المعالجة وتحسين جودة الخدمات
الرقمنة تسمح بمعالجة الملفات بطريقة أسرع، كما تمكن من تقليص مدة الانتظار، وتحسين جودة الخدمة. فالأنظمة الذكية قادرة على فحص الملفات، التنبيه إلى النواقص، أو إصدار القرارات في وقت وجيز مقارنة بالأساليب اليدوية.
الأهم من ذلك، أن المواطن يُصبح شريكاً في مراقبة الإدارة، من خلال التقييم أو تقديم الملاحظات بشكل رقمي، مما يعزز ثقافة المساءلة والتحسين المستمر.
4. تقريب الإدارة من المواطن
لم تعد الإدارة، بفضل الرقمنة، مرتبطة بالمجال الجغرافي، بل أصبحت متاحة عبر الهواتف الذكية، الحواسيب أو الأكشاك الرقمية. وهذا ما يسمح بتجاوز الفوارق الجغرافية، خاصة في العالم القروي أو المناطق النائية.
وتكمن أهمية هذا المعطى في كونه يعزز مبدأ "الحق في الخدمة العمومية" لجميع المواطنين دون تمييز.
ثالثاً: تحديات وحدود رقمنة العلاقة بين المواطن والإدارة
رغم المزايا المتعددة التي تقدمها الرقمنة، فإن تطبيقها يواجه عدة تحديات ينبغي أخذها بعين الاعتبار لضمان فعاليتها.
1. الفجوة الرقمية وضعف البنية التحتية
لا تزال هناك فئات واسعة من المواطنين تعاني من ضعف التغطية الرقمية أو قلة التكوين في التعامل مع المنصات الإلكترونية. وهو ما يُفرغ الرقمنة من مضمونها، ويخلق طبقية رقمية جديدة.
2. تعقيد بعض المنصات الإلكترونية
في كثير من الحالات، يتم إنشاء بوابات رقمية بخلفية تقنية بحتة، دون مراعاة لخصوصية المواطن البسيط. فتبدو بعض الخدمات معقدة، ولا توفر المساعدة الكافية أو الوضوح اللازم، مما يؤدي إلى عزوف المواطنين عنها.
3. غياب التنسيق بين الإدارات
يُلاحظ أن الرقمنة غالباً ما تتم بشكل قطاعي، حيث تُطور كل إدارة منصتها الخاصة، دون وجود ربط أو تنسيق بينها. وهذا ما يعيد إنتاج إشكالية التكرار، ويزيد من تعقيد المساطر، عوض تبسيطها.
4. الأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية
مع ازدياد حجم البيانات الشخصية التي تتعامل معها الإدارة الرقمية، تزداد الحاجة إلى أنظمة قوية للحماية. فالمواطن بحاجة إلى ضمانات حقيقية بشأن سرية معطياته وحماية خصوصيته من الاختراق أو الاستعمال غير المشروع.
رابعاً: شروط نجاح الرقمنة كأداة لتحسين العلاقة المواطن-الإدارة
لتحقيق النتائج المرجوة من الرقمنة، ينبغي توفر جملة من الشروط القانونية والمؤسساتية والثقافية:
- إطار قانوني واضح: يحدد قواعد العمل الرقمي، وحقوق المواطن، وآليات الطعن والمراقبة؛
- تكوين مستمر للموظفين: حتى يكونوا قادرين على تقديم الخدمات الرقمية بكفاءة؛
- إدماج المواطن في التصميم: عبر اعتماد مناهج تشاركية في إعداد المنصات؛
- تعميم التغطية الرقمية: خاصة في المناطق الهشة أو القروية؛
- تعزيز الأمن السيبراني: وتطوير مؤسسات وطنية لحماية البيانات.
و في الختام الرقمنة ليست مجرد وسيلة تقنية، بل هي رهان حضاري لتجديد العلاقة بين المواطن والإدارة على أساس الفعالية، الثقة، الشفافية، والعدالة. غير أن هذا الرهان، رغم وجاهته، لا يمكن أن يتحقق دون إرادة سياسية قوية، واستثمار متواصل في البنيات التحتية، والكفاءات البشرية، والإطار التشريعي المواكب.
فالتحول الرقمي الناجح لا يقاس بعدد المنصات التي تم إطلاقها، بل بمدى تحسينه الفعلي لحياة المواطن، وتمكينه من ممارسة حقوقه بكل يسر وكرامة.