MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الثابت والمتغير في خطابات جلالة الملك خلال الولاية التشريعية الحادية عشر

     

عادل بعيز



يمثل الخطاب الملكي الافتتاحي للولاية التشريعية، الذي يلقى عادة في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، أحد الأعمدة الأساسية للممارسة الدستورية بالمغرب، فهو ليس مجرد فعل شكلي، بل أداة استراتيجية للتواصل مع البرلمان والمجتمع المدني، وتعكس من خلاله رؤية جلالة الملك الوطنية، وتحدد أولويات الدولة في المجالات التشريعية والتنموية والاجتماعية. وفي إطار الولاية التشريعية الحادية عشرة (2021–2025)، يبرز الخطاب الملكي كوثيقة مرجعية تجمع بين ثوابت الدولة الوطنية ومتغيرات الواقع الوطني والدولي، ويمنح الملك بصفتـه رمز الوحدة الوطنية ومؤسس الدولة الحديثة، دورا محوريا في توجيه السياسات العامة، وضمان التوازن بين السلطات، وتعزيز التنسيق بين مختلف أجهزة الدولة، بما يحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي ويحمي الثوابت الوطنية في ظل التحولات الداخلية والخارجية.

تتجلى أهمية هذه الخطب في كونها مرجعا للسياسات الوطنية والاستراتيجية الملكية عبر مختلف القطاعات، إذ يتيح الخطاب التعرف على الأولويات التشريعية، وتوجيه البرلمان والمجتمع المدني نحو تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة والمساواة والتضامن بين المجالات الترابية والفئات الاجتماعية. كما يعكس دور الملك في مزامنة الثبات السياسي مع القدرة على الاستجابة للمتغيرات الطارئة، مما يعكس حكمة القيادة الملكية في مواجهة الأزمات، بالإضافة إلى متابعة القضايا الوطنية الكبرى مثل الوحدة الترابية والصحراء المغربية.
 
عند متابعة الخطابات الملكية في افتتاح السنة التشريعية بين 2021 و2025، يتضح أن هناك ثوابت تشكل العمود الفقري للرؤية الملكية، أبرزها التأكيد المستمر على وحدة المغرب الترابية كبوصلة وطنية لا تقبل التهاون، والدفاع عن الهوية الوطنية والدينية للحفاظ على استمرار القيم عبر الأجيال، وتعزيز التضامن الاجتماعي، والاهتمام بالأسرة كوحدة أساسية للمجتمع، والحفاظ على قيم العدالة الاجتماعية والإنصاف بين مختلف الجهات والفئات. كما يبرز التركيز على البرلمان كمؤسسة للتشريع والمراقبة لأن الخيار الديمقراطي لا رجعة فيه، وعلى المجتمع المدني كشريك فاعل في تنزيل السياسات الوطنية، ما يعكس الدور التنسيقي للملك في تحفيز المؤسسات على الالتزام بالقيم الوطنية وتحقيق أهداف التنمية الشاملة.

أما المتغيرات، فهي مرتبطة بالظرف الوطني والدولي لكل سنة، وتظهر في التغيرات الموضوعية للخطاب، ففي 2021 كان التركيز على تداعيات جائحة كورونا وحماية المواطنين وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية لمواجهة الأزمة الصحية، بينما في 2022 تركز الاهتمام على إطلاق برامج التنمية الترابية والمشاريع الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي واستهداف الفئات الهشة، في سياق التعافي من الجائحة. وقد جاء خطاب 2023 متأثرا بالزلزال الذي ضرب مناطق مختلفة من المملكة، فسلط الضوء على إعادة الإعمار ودعم الأسر المتضررة، مع التأكيد على التضامن والتكافل الاجتماعي. وفي 2024، برز متغير مرتبط بالقضية الوطنية الكبرى المتمثلة في الصحراء المغربية والتركيز على المكاسب الدبلوماسية والسياسية على المستوى الدولي ودعم مبادرة الحكم الذاتي، بينما جاء خطاب 2025 في السنة الأخيرة للولاية التشريعية، موجها نحو استكمال المشاريع الوطنية والتشريعية، وتعزيز التنمية المحلية والعدالة المجالية، بما يعكس مرحلة النضج السياسي والتعافي الاقتصادي والاجتماعي للمملكة للانتقال الى المرحلة المقبلة، مغرب الجهات.

يتضح من خلال هذا الرصد أن الخطاب الملكي يوازن بين الثوابت الوطنية، التي تعكس القيم المؤسسة، وبين التغيرات العملية الناتجة عن الظروف الوطنية والدولية. فهو يعكس قدرة القيادة الملكية على التكيف مع المستجدات دون المساس بالهوية الوطنية أو الاستقرار الاجتماعي، ويقدم خارطة واضحة لتوجهات السياسات الوطنية، محفزا البرلمان والحكومة والمجتمع المدني على الالتزام بالمسؤولية في التشريع وتنفيذ المشاريع الكبرى، بما يعزز وحدة المجتمع ويضمن استمرار المسار التنموي. كما أن هذه الخطب ليست مجرد كلمات رسمية، بل تمثل وثائق استراتيجية لفهم الأولويات الوطنية والاجتماعية والسياسية، وتوضح دور الملك في توجيه البرلمان والمجتمع المدني نحو تحقيق أهداف التنمية والاستقرار.
 
ومن منطلق الوعي التاريخي فإن هذه الخطابات يجب أن تكون محط دراسة علمية دقيقة من طرف الجامعات ومختبرات البحث، لما تحتويه من مؤشرات على السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ومنهجية عمل الدولة في تعزيز التنمية المستدامة، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. دراسة هذه الخطابات تتيح فهم أدوات الحكم، ودور الملك في توجيه المؤسسات التشريعية والمجتمع المدني، وتحليل الاستراتيجيات التي تقود المغرب نحو مزيد من الاستقرار والتقدم في مختلف المجالات.
 



الاحد 19 أكتوبر 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter