
قراءة في القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة
د. عزالدين بوزلماط
دكتور في الحقوق
مقدمة
تعدّ العقوبات البديلة من الآليات التي تسعى الأنظمة الجنائية الحديثة إلى استثمارها للتوفيق بين متطلبات الحماية الأمنية ومقتضيات الإصلاح والإنصاف. فمع تزايد التحديات المرتبطة بالازدحام السجني وتكلفة الحبس وتداعياته الاجتماعية، بدا ضرورة تبنّي بدائل تعزز إعادة الإدماج وتخفف العبء على المؤسسات العقابية. ومن هذا المنطلق، أقرّ المغرب في منتصف 2024 القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، ليشكّل خطوة تشريعية محورية في مسار تحديث المنظومة الجنائية، إذ نصّ على إطار قانوني مفصّل لتطبيق بدائل العقوبة في بعض الجنح، وأقرّ بأنواع متعددة من البدائل وشروط تنفيذها، مع إقامة آليات الرقابة والمتابعة.
يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة تحليلية لمستجدات هذا القانون، من حيث مضمونه، نطاق تطبيقه، البدائل التي أقرتها التشريعات الجديدة، التحديات التي قد تواجه تطبيقها، والدلالات التي يحملها هذا التحول في السياسة الجنائية المغربية.
المحور الأول: الإطار القانوني والمبادئ المنهجية
أ. السياق التشريعي والتحولات المرافقة
قبل صدور قانون 43.22، كانت العقوبات البديلة تُطبَّق في المغرب بشكل جزئي وغير منظّم، غالبًا في حالات هروب أو التدابير التكميلية أو في أحكام موقوفة التنفيذ. وقد ظلّ هذا الوضع يفتقر إلى تنظيم تشريعي موحَّد يحدّد المعايير والإجراءات. إن إصدار القانون الجديد يأتي ضمن ورش إصلاح العدالة الجنائية الذي رافقه تحديث قانون المسطرة الجنائية، وإصدارات نصوص تنظيمية تكملية ومرسوم تطبيقي، مما يدل على إرادة الدولة في تأطير هذا التحول برؤية شمولية.
ب. المبادئ الأساسية والنطاق التشغيلي
يقترن هذا القانون بمجموعة من المبادئ التي ترمي إلى وضوح التطبيق واليقين القانوني، منها:
د. عزالدين بوزلماط
دكتور في الحقوق
مقدمة
تعدّ العقوبات البديلة من الآليات التي تسعى الأنظمة الجنائية الحديثة إلى استثمارها للتوفيق بين متطلبات الحماية الأمنية ومقتضيات الإصلاح والإنصاف. فمع تزايد التحديات المرتبطة بالازدحام السجني وتكلفة الحبس وتداعياته الاجتماعية، بدا ضرورة تبنّي بدائل تعزز إعادة الإدماج وتخفف العبء على المؤسسات العقابية. ومن هذا المنطلق، أقرّ المغرب في منتصف 2024 القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، ليشكّل خطوة تشريعية محورية في مسار تحديث المنظومة الجنائية، إذ نصّ على إطار قانوني مفصّل لتطبيق بدائل العقوبة في بعض الجنح، وأقرّ بأنواع متعددة من البدائل وشروط تنفيذها، مع إقامة آليات الرقابة والمتابعة.
يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة تحليلية لمستجدات هذا القانون، من حيث مضمونه، نطاق تطبيقه، البدائل التي أقرتها التشريعات الجديدة، التحديات التي قد تواجه تطبيقها، والدلالات التي يحملها هذا التحول في السياسة الجنائية المغربية.
المحور الأول: الإطار القانوني والمبادئ المنهجية
أ. السياق التشريعي والتحولات المرافقة
قبل صدور قانون 43.22، كانت العقوبات البديلة تُطبَّق في المغرب بشكل جزئي وغير منظّم، غالبًا في حالات هروب أو التدابير التكميلية أو في أحكام موقوفة التنفيذ. وقد ظلّ هذا الوضع يفتقر إلى تنظيم تشريعي موحَّد يحدّد المعايير والإجراءات. إن إصدار القانون الجديد يأتي ضمن ورش إصلاح العدالة الجنائية الذي رافقه تحديث قانون المسطرة الجنائية، وإصدارات نصوص تنظيمية تكملية ومرسوم تطبيقي، مما يدل على إرادة الدولة في تأطير هذا التحول برؤية شمولية.
ب. المبادئ الأساسية والنطاق التشغيلي
يقترن هذا القانون بمجموعة من المبادئ التي ترمي إلى وضوح التطبيق واليقين القانوني، منها:
- مبدأ التناسب: بأن تُطبَّق العقوبات البديلة في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة الحبسية خمس سنوات نافذة، واستثناء حالات العود.
- مبدأ التكامل بين العقوبة البديلة والأصلية: إذ لا يُطبَّق البديل إلا إذا التزمت به المدان، وإلا يُنفَّذ الحكم الأصلي.
- مبدأ الرقابة القضائية والتقدير الممنوح للقاضي: يُخول له استبدال العقوبة السالبة للحرية بالعقوبة البديلة، تلقائيًا أو بناء على طلب النيابة أو الدفاع، مع ضرورة بيان الالتزامات المرافقة للنص البديل.
المحور الثاني: البدائل المنصوص عليها في القانون 43.22
القانون الجديد حدد أربعة أنواع أساسية من العقوبات البديلة يمكن أن تحلّ في بعض الجنح عند توفر الشروط:
القانون الجديد حدد أربعة أنواع أساسية من العقوبات البديلة يمكن أن تحلّ في بعض الجنح عند توفر الشروط:
- العمل لأجل المنفعة العامة
ينشئ هذا البديل التزامًا لغير المدان بأداء ساعات من العمل لصالح مصالح الدولة أو الهيئات العامة أو جمعيات النفع العام، دون أجر. وقد حدّد القانون الحد الأدنى والحد الأقصى لساعات العمل (من 40 إلى 3600 ساعة) مع مراعاة الملاءمة مع الظروف الشخصية للمحكوم عليه.
- المراقبة الإلكترونية
يطبق هذا البديل عبر تقييد حركة المدان أو تتبعه إلكترونيًا (سوار أو أجهزة متابعة)، ويسمح بمراقبة الالتزام بالحدود الجغرافية المقررة أو الشروط المفروضة. ويُعاقب الإخلال بهذا الالتزام بعقوبات إضافية قد تصل إلى الحبس.
- تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية
يتيح القانون فرض التزامات إضافية مثل الحظر من ارتياد أماكن معينة، الإقامة في مكان محدد، الخضوع لبرامج علاجية أو تأهيلية، أو الالتزام بالحضور الدوري لجهة مختصة، حسب خطورة الجريمة وظروف المدان.
- الغرامة اليومية
يحدد مبلغ مالي يومي يُضاف بدلاً من تنفيذ أيام الحبس، بناء على قدرة المدان المالية وخطورة الجريمة. ويتيح القانون إمكانية تقسيط المبلغ إن لم يكن المدان معتقلًا، مع فرض غرامات إضافية أو تنفيذ الحكم الحبس الأصلي عند الإخلال.
المحور الثالث: التحديات في التطبيق وآفاق الإصلاح
أ. التحديات القانونية والمؤسساتية
المحور الثالث: التحديات في التطبيق وآفاق الإصلاح
أ. التحديات القانونية والمؤسساتية
- تأخر صدور النصوص التنظيمية اللازمة لتنفيذ القانون يُعطّل فعاليته.
- ضرورة تأهيل القضاة، وتهيئة أجهزة النيابة العامة وقضاة التنفيذ على ممارسة مهامهم في إطار العقوبات البديلة.
- الحاجة إلى بناء أجهزة المراقبة الإلكترونية، وتطوير البنية التحتية التي تتيح تتبع الالتزام.
- تباين الجاهزية بين الجهات القضائية والإدارية قد يؤدي إلى تطبيق متفاوت قد يرهق الإدارة أو يخرّب المبدأ القانوني للعدالة الموحدة.
ب. التحديات الاجتماعية والثقافية
- مقاومة ثقافية للاعتقاد بأن العقوبة البديلة ضعف في إرادة العقاب.
- ضرورة إشراك المجتمع المدني والضحية في ضمان تنفيذ الالتزامات المتفق عليها، وتهيئة بيئة تقبل إعادة الإدماج.
- الخشية من أن تُستخدم العقوبات البديلة ك «حل سهل» يؤدي إلى التهاون في الردع إن لم تُراقب وتُقيَّد بدقة.
ج. الفرص والرهانات المستقبلية
- المساهمة في تخفيف الاكتظاظ في السجون وتقليل التكاليف المرتبطة بالحجز.
- تعزيز البعد الإصلاحي في العقوبة وتحويلها من مجرد الردع إلى إعادة الإدماج.
- إمكانية توسيع نطاق التطبيق مستقبلاً ليشمل بعض الجنح الأقل خطورة أو الجرائم التي تستدعي علاجًا مثل الإدمان.
- تعزيز الثقة في المنظومة العدلية من خلال تطبيق مرن ومنصف يراعي الواقع الاجتماعي والإنساني.
خاتمة
إن قانون العقوبات البديلة رقم 43.22 يُشكّل منعطفًا تشريعياً هامًّا في مسار إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، إذ يرسّخ فكرة أن السجن ليس الحل الوحيد للجريمة، بل إن البدائل قد تُمثّل مسارًا أكثر إنسانية وفعالية. لكن نجاح هذا الورش يعتمد على القدرة على التنفيذ العملي، تأهيل المؤسسات، وضمان توازن حقيقي بين الردع وحماية المجتمع من جهة، والإصلاح وإعادة الإدماج من جهة أخرى.
إن قانون العقوبات البديلة رقم 43.22 يُشكّل منعطفًا تشريعياً هامًّا في مسار إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، إذ يرسّخ فكرة أن السجن ليس الحل الوحيد للجريمة، بل إن البدائل قد تُمثّل مسارًا أكثر إنسانية وفعالية. لكن نجاح هذا الورش يعتمد على القدرة على التنفيذ العملي، تأهيل المؤسسات، وضمان توازن حقيقي بين الردع وحماية المجتمع من جهة، والإصلاح وإعادة الإدماج من جهة أخرى.