MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




ذ فوناني يكتب "رأي حول إمكانية تحرير محضر لعضو مجلس الهيئة أثناء مزاولته لمهامه النيابية (المادة 58 من قانون المهنة)"

     

منير فوناني – محام بهيئة المحامين بالرباط



 
1. في خضم ما عاشته المحاماة في السنوات الأخيرة من هجمات تشريعية حاولت النيل من مكانتها الاعتبارية والمحورية داخل منظومة العدالة، عرفت في هذا الاطار مجموعة من الوقفات غير المسبوقة الرامية إلى التوقف عن ممارسة مهام الدفاع، باعتبارها أسلوب اضطرت المحاماة إلى سلوكه لإسماع صوتها[1].

وبناء على قرارات جمعية هيئات المحامين بالمغرب بالتوقف عن أداء مهام الدفاع، في ثلاث محطات أساسية[2]، التي تبنته الهيئات السبعة عشر، وسهر على تطبيقه النقباء وعضوات وأعضاء المجالس، فقد صاحب هذا الشكل الاحتجاجي نوع من الاحتكاك بين هيئة الدفاع وهيئة الحكم.

مما حذا ببعض الهيئات القضائية بتحرير محضر لبعض أعضاء المجالس، حين تدخلهم لإخبار الهيئة القضائية بالقرارات المتخذة من طرف الهيئات السبعة عشر المخول لها تسيير وتدبير المجال المهني للمحاماة، وأحالوها على الوكيل العام للملك لدى محاكم الاستيناف، الذي أحالها بدوره على نقيب الهيئة، خاصة في الرباط والدار البيضاء.

وهو ما يستوجب معه طرح السؤال:

هل يمكن مواجهة عضوات وأعضاء المجالس بمقتضيات المادة 58 من القانون رقم 28.08؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التطرق للمادة 58 من قانون المهنة، في سياق بنية المادة 30 من نفس القانون، والمادة 94 أيضا، وكذا بالنظر للقسم الثامن من قانون الحاماة، المتعلق بتنظيم مجالس الهيئات.

2. يعتبر مجلس هيئة المحامين، من حيث طبيعته القانونية، مرفقا عاما ذو طبيعة خاصة، وان المقرارات الصادرة عنه تدخل في زمرة النشاط الإداري، القابلة للطعن فيها امام غرفة المشورة بمحكمة الاستيناف، وكذلك فالقرارات الصادرة عن النقيب في إطار مهامه الوظيفية لها نفس الوصف، وذلك باعتبار ان هيئة المحامون هي هيئة نظامية مكلفة بتسيير مرفق عام.

وهو ما أكدته محكمة النقض المجلس الأعلى سابقا في قرارها الذي جاء فيه:
"هيئة المحامين هي جزء من أسرة القضاء حسب المادة 1 من قانون المهنة وتستند في وجودها إلى ظهير، ولمجلس الهيئة صلاحية النظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة ومن ذلك التأديب، فالشكايات التي توجه إليه من طرف النيابة العامة هي طلبات مقدمة إلى هيئة نظامية مكلفة بتسيير مرفق عام تخضع للآجال  المحددة للجواب التي تخضع لها الطلبات المقدمة إلى أي جهة إدارية"[3]

وفي قرار أخر لمحكمة النقض جاء فيه أيضا:

"ما دام أن مجلس الهيئة وهيئة المحامين يمارسان نشاطا إداريا فيما قد ينسب إليهما من ضرر باعتبارهما هيئة منظمة قانونا، فإن الضرر المنسوب إليهما يندرج تبعا لذلك ضمن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية"[4].

ونفس التوجه كرسته محاكم الموضوع، من خلال القرار الذي أصدرته غرفة المشورة بمحكمة الاستيناف بأكادير، والذي جاء فيه:

"وحيث ان المستقر عليه في قضاء محكمة النقض والمكرس من طرف قضاء الموضوع، ان مجلس هيئة المحامين من حيث طبيعته القانونية يعتبر مرفقا عاما ذو طبيعة خاصة وأن المقررات الصادرة عنه بهذه الصفة ذات الصلة بتنظيم مهنة المحاماة تعتبر نشاطا إداريا ذو طبيعة إدارية قابلة للطعن والمنازعة فيها أمام غرفة المشورة بمحكمة الاستيناف طبقا لما هو منصوص عليه في القانون المنظم لمهنة المحاماة وأن المقررات الصادرة عن السيد النقيب في نطاق اختصاصاته الوظيفية هي الأخرى تتصف بذات الوصف، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ......... وما دام ان القرارات التي يصدرها مجلس الهيئة وكذا السيد النقيب ذات الصلة بتنظيم مهنة المحاماة تكتسي الصبغة الإدارية على النحو المنوه اليه أعلاه، فان الطعن والمنازعة فيها يتعين ان يتم داخل الآجال القانونية الخاصة المنصوص عليها في القانون المنظم لمهنة المحاماة، ولما كان المشر ع بموجب المادة 94 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، لم يفرد أجلا  محددا للطعن في القرار الضمني فان المعتبر في ذلك يبقى لما هو مقرر في المادة 23 من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية والمحدد في ستين يوما لايداع الطلب لدى الجهة المخاطب به"[5].

3. وحيث ان المحضر المحال على النقيب، إنما تم تحريره في إطار المادة 58 من قانون المحاماة[6]، وهذه المادة ينبغي وضعها في إطارها وسياقها، إذ تتحدث في بدايتها على حق المحامي في سلوك الطريقة التي يراها مناسبة للدفاع عن موكله، بمعنى أن المخاطب بهذه المادة هو المحامي الذي يدافع عن موكله، في إطار ملف معروض على القضاء، بينما المحامي موضوع المحرر بشأنه محضر، هو عضو مجلس، وحضوره بالجلسة كان في إطار ممارسته لمهامه كعضو مجلس منتخب، وهو غير مخاطب بمقتضيات المادة 58 من السالفة الذكر، التي ينحصر تطبيقها فقط على المحامي الذي يدافع عن موكله، لأن فقرات المادة المذكورة يكمل بعضها بعضا، باعتبار أن الفقرة الثانية من نفس المادة تتحدث عن الأقوال الصادرة عن المحامي أثناء ممارسة المهنة.

4. ولمعرفة المقصود من ممارسة المهنة ومهامها، يتعين الرجوع إلى المادة 30 من القانون رقم 28.08 المتعلق بمهنة المحاماة[7]، والتي جاءت في الفرع الثاني منه تحت عنوان "مهام المهنة"، وحددت بالتالي المهام التي يقوم بها المحامي.

5. إذن وفي تكامل بين المواد، نجد أن مهام المحامي المحددة في المادة 30 من قانون مهنة المحاماة، هي الموجبة لتحرير محضر خلال مزاولتها، أما في الحالة التي يكون فيها عضو مجلس يمارس مهامه بهذه الصفة، فلا يمكن أن يسري عليه تحرير محضر الجلسة، وإنما هناك أمور أخرى يتعين سلوكها.

بمعنى أنه ينبغي الوقوف على حقيقة تدخل المحامي، بين ما إذا كان في إطار ممارسة مهام الدفاع، وإذا ما كان في إطار المهام النيابية، فهي المحدد الأساسي لبيان مدى إمكانية تحرير محضر وإحالته على الوكيل العام للملك، الذي يحيله بدوره على النقيب.

6. من خلال تحليل للنصوص، نخلص إلى أن واقعة حضور المحامي للمحكمة والجلسة بصفته عضو مجلس مكلف بمهمة من طرف النقيب والمجلس بضمان السير العادي للجلسات في ظل الظروف التي كانت تعيشها المهنة، لا يمكن تحرير محضر وفق ما منصوص عليه في المادة 58 من قانون المهنة، على اعتبار أن العضوية في المجلس وممارسة مهامها مستقلة عن مهمة الدفاع التي شرعت بخصوصها تحرير المحضر المنصوص عليه في المادة 58 من قانون المهنة لمعاقبة المحامي الذي يزاول مهمة الدفاع وليس عضو المجلس الذي يمارس مهامه النيابية/العضوية، وفق ما هو منصوص عليه في القسم الثاني من قانون رقم 28.08.

ففي قرار تقريبا مماثل، يمكن الاستئناس به، نجد أن محكمة النقض قد ميزت بين الأفعال التي يقوم بها المحامي بمناسبة مزاولته لمهام الدفاع، وبين تلك التي لا علاقة لها بمهام الدفاع، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض أنه:

"حيث لئن كانت المواد 58 و59 و60 من الباب الخامس من القانون رقم 28.08 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 101.08.1 الصادر في 20 من شوال 1429 موافق 20 أكتوبر 2008 المتعلق بمهنة المحاماة تضمنت التنصيص على مقتضيات قانونية متعلقة بحصانة الدفاع، إلا أن إعمالها ينحصر لزوما في البحث أثناء مزاولة المحامي لنشاطه المهني، فهي حصانة لصيقة بمهام الدفاع، وتطبيق هذه المقتضيات القانونية على وقائع محددة من عدمه إنما هي مسألة واقعية تخضع في تقديرها للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع"[8].

وبناء عليه يتضح أن المادة 58 من قانون المحاماة، تم حصر مجال تطبيقها على المحامي الذي يرتكب الأفعال المعاقب عليها بمناسبة دفاعه عن موكله، أي ممارسة مهام الدفاع، المعرفة في المادة 30 من نفس القانون، ولا يمكن تطبيقها على عضو مجلس الهيئة في إطار ممارسة مهامه، المتمثلة في حماية حقوق المحامين طبقا لمقتضيات المادة 91 من نفس القانون.

وتبعا لذلك يبقى عضو مجلس الهيئة الذي سهر على تنفيذ قرار المجلس والسهر على حسن تطبيقه، إنما كان يمارس مهاما إدارية محضة، وبالتالي لا يمكن تحرير محضر له في إطار المادة 58 من قانون المهنة.

7. لأن حضور عضو المجلس للجلسة موضوع تحرير المحضر، جاء بناء على قرار المجلس والنقيب، الذي لم يطعن فيه السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستيناف طبقا لما تنص عليه المادة 94 من قانون مهنة المحاماة[9]، وبالتالي فالقرار تحصن، ولا يمكن تحرير محضر لعضو مجلس بناء على قيامه بمهام العضوية.

8. ذلك ان العبرة في النصوص بغاياتها ومقاصدها، وقد اتضح من خلال قراءة النصوص أعلاه أن الغاية اتحدت على حصر التطبيق على المحامي(ة) المزاول (ة) لمهام الدفاع، وليس عضو(ة) مجلس الهيئة، وهي مادة إن كانت تطبق على المحامي(ة) الذي يزاول مهام الدفاع عن موكله، فإنها لا تطبق على المحامي(ة) عضو(ة) المجلس الذي يزاول مهامه(ا) النيابية، ولا يعني هذا أن المحامي(ة) عضو(ة) المجلس، فوق القانون، ولكن الاطار القانوني للمادة 58 من القانون رقم 28.08 لا يسعف لإجراء متابعة في حقه(ا).

9. وفي النهاية ينبغي التأكيد على أن القراءة الحالية للمادة 58 من قانون مهنة المحاماة، ليس الغرض منها القول بأن هناك امتياز للمحامي عضو مجلس الهيئة، على المحامي الممارس لمهام الدفاع، بل هي محاولة للتمييز بين نطاق تطبيقها. لان المحامي عضو المجلس إذا صدرت عنه أفعال أثناء مزاولته لمهام الدفاع تطبق عليه مقتضيات المادة المذكور، وبذلك فالغاية هو معرفة من هو المخاطب الحقيقي بمقتضيات المادة موضوع النقاش.


هوامش
[1]  - منير فوناني: المحاماة في زمن استقلال السلطة القضائية – المواضيع المعروضة على المؤتمر الثاني والثلاثين لجمعية هيئة المحامين بالمغرب – المنعقد بطنجة في ماي 2025.
[2] - محطة الجواز الصحي ومنع المتقاضين من ولوج مرفق العدالة، محطة الضريبة حينما قررت الحكومة تحويل مرفق العدالة لمنجم جبائي يثقل كاهل المتقاضي، والمحطة الأخيرة مشروع قانون المسطرة المدنية الذي جاء بتسقيف الحق في ممارسة الطعون حسب المعيار المالي للنزاع.
[3] - محكمة النقض قرار 956 المؤرخ في 25/12/2003 في الملف الإداري عدد 1038/4/1/2003
[4] - محكمة النقض - قرار 569 المؤرخ في 27/05/2021 الملف الإداري عدد 1353/4/1/2021
[5] - محكمة الاستيناف باكادير – غرفة المشورة قرار عدد 13 المؤرخ في 7/5/2025 ملف عدد 13/1224/2024
[6] - المادة 58 من القانون رقم 28.08 تنص:للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله.
لا يسأل عما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته مما يستلزم حق الدفاع.
لا يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب له من قذف أو سب أو إهانة، من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها.
تحرر المحكمة محضرا بما قد يحدث من إخلال، وتحيله على النقيب، وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما.
[7] - المادة 30 من القانون 28.08: "يمارس المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة، مع مراعاة الاستثناء المنصوص عليه في المادة الثالثة والعشرين أعلاه، من غير الإدلاء بوكالة.
تشمل هذه المهام :
1 - الترافع نيابة عن الأطراف ومؤازرتهم والدفاع عنهم وتمثيلهم أمام محاكم المملكة، والمؤسسات القضائية، والتأديبية لإدارات الدولة والجماعات والمؤسسات العمومية، والهيئات المهنية، وممارسة جميع أنواع الطعون في مواجهة كل ما يصدر عن هذه الجهات في أي دعوى، أو مسطرة، من أوامر أو أحكام أو قرارات، مع مراعاة المقتضيات الخاصة بالترافع أمام محكمة النقض ؛
2 - تمثيل الغير ومؤازرته أمام جميع الإدارات العمومية ؛
3 - تقديم كل عرض أو قبوله، وإعلان كل إقرار أو رضى، أو رفع اليد عن كل حجز، والقيام، بصفة عامة، بكل الأعمال لفائدة موكله، ولو كانت اعترافا بحق أو تنازلا عنه، ما لم يتعلق الأمر بإنكار خط يد، أو طلب يمين أو قلبها، فإنه لا يصح إلا بمقتضى وكالة مكتوبة ؛
 4 - القيام في كتابات الضبط، ومختلف مكاتب المحاكم، وغيرها من جميع الجهات المعنية، بكل مسطرة غير قضائية، والحصول منها على كل البيانات والوثائق، ومباشرة كل إجراء أمامها، إثر صدور أي حكم أو أمر أو قرار، أو إبرام صلح، وإعطاء وصل بكل ما يتم قبضه ؛
5 - إعداد الدراسات والأبحاث وتقديم الاستشارات، وإعطاء فتاوى والإرشادات في الميدان القانوني ؛
6 - تحرير العقود، غير أنه يمنع على المحامي الذي حرر العقد، أن يمثل أحد طرفيه في حالة حدوث نزاع بينهما بسبب هذا العقد ؛
7 - تمثيل الأطراف بتوكيل خاص في العقود.
8 - يتعين على المحامي أن يحتفظ بملفه بما يفيد توكيله للإدلاء به عند المنازعة في التوكيل أمام النقيب أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.
غير أنه يتعين عليه الإدلاء بتوكيل كلما تعلق الأمر باستخلاص مبالغ مالية من محاسبين عموميين لفائدة موكليه في قضايا لم يكن ينوب فيها.
[8] - محكمة النقض قرار 277 المؤرخ في 19/2/2015 في الملف الجنحي عدد 8085/6/8/2014 --- قضاء محكمة النقض عدد 79 سنة 2015 الغرفة الجنحية
[9] - المادة 94 من القانون 28.08: "يحق لجميع الأطراف المعنية، والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة، وكذلك في انتخاب النقيب ومجلس الهيئة، وذلك بمقتضى مقال يودع بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف، داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ، أو إجراء الانتخابات، أو من اليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاذ المقرر الضمني".



السبت 26 يوليوز 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter