MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الدفاع الشرعي بين تقييد النص المغربي ومرونة القضاء المصري قراءة مقارنة في ضوء الاجتهاد القضائي

     

هشام حنوز،
أستاذ التعليم الابتدائي
مجاز في العلوم القانونية وعلم الاجتماع



الدفاع الشرعي بين تقييد النص المغربي ومرونة القضاء المصري قراءة مقارنة في ضوء الاجتهاد القضائي
يُعدّ الدفاع الشرعي من أبرز تطبيقات نظرية انتفاء الركن الشرعي للجريمة. فهو يمنح الإنسان حقًا طبيعيًا في حماية نفسه أو ماله أو غيره من أي خطر حالّ، شريطة أن يتوفر عنصرا الضرورة والتناسب بين الفعل الدفاعي والخطر المحدق.

وقد كرّست المنظومة القانونية هذا المبدأ كآلية توازن دقيقة بين حماية الأمن العام من جهة، وصيانة حق الفرد في الدفاع المشروع من جهة أخرى.
لكن طريقة تنظيم هذا المبدأ وتفعيله تختلف من دولة لأخرى، بحسب المرجعيات التشريعية والثقافية. ففي الوقت الذي يتسم فيه القانون المغربي بشيء من الصرامة والتقييد في تنظيم الدفاع الشرعي، نجد أن النموذج المصري أكثر مرونة وتفهمًا لظروف الفعل الدفاعي، خاصة في لحظات الخوف أو الارتباك.
تسعى هذه القراءة المقارنة إلى تسليط الضوء على كيفية تنظيم الدفاع الشرعي في كل من التشريعين المغربي والمصري، من خلال محورين أساسيين:

1. الدفاع الشرعي في القانون المغربي وحدود تفعيله القضائي؛
2. مرونة النموذج المصري وتقديره للبعد الإنساني للحظة الدفاع.
 
  • الدفاع الشرعي في القانون المغربي وحدود تفعيله
  1. الإطار القانوني: تقييد أكثر من حماية
ينظم المشرّع المغربي الدفاع الشرعي ضمن الفصول من 124 إلى 126 من القانون الجنائي، باعتباره أحد أسباب الإباحة التي تُسقط المسؤولية الجنائية متى كان الفعل دفاعًا ضروريًا لرد خطر حالّ.
لكن رغم الاعتراف المبدئي، فإن الشروط التي يفرضها المشرع تُضيق الخناق على هذا الحق. إذ يُشترط:
  • أن يكون الخطر حقيقيًا، حالًا، ومباشرًا؛
  • أن يكون غير مشروع؛
  • أن تكون وسيلة الدفاع هي الخيار الوحيد لرد الاعتداء؛
  • وأن يكون هناك تناسب واضح بين حجم الخطر ورد الفعل الدفاعي.
هذه الصيغة تضع عبئًا ثقيلًا على المدافع، خاصة حين يكون رد فعله لحظيًا وتلقائيًا في لحظة تهديد، يصعب فيها التقييم العقلاني.
  1. الدفاع المفترض: حالات محدودة دون نفس واقعي
يُقرّ الفصل 125 من القانون الجنائي المغربي ببعض الحالات التي يُفترض فيها وجود الدفاع الشرعي تلقائيًا، مثل:
  • دخول المسكن ليلًا بوسيلة غير مشروعة؛
  • اقتحام المسكن بالكسر أو التسلق؛
  • التهديد أثناء السرقة.
ورغم أهمية هذا الاعتراف، إلا أن نطاقه يظل محدودًا، إذ لا يشمل الحالات التي يتصرف فيها الشخص بناءً على اعتقاد معقول بوجود خطر، كما هو معمول به في بعض التجارب المقارنة.
  1. الاجتهاد القضائي: التزام حرفي بالنص
تتجه محكمة النقض المغربية إلى تفسير الدفاع الشرعي تفسيرًا ضيقًا، مع تشدد كبير في التحقق من شروطه. ففي القرار عدد 248/6 بتاريخ 11 أبريل 2013، جاء ما يلي:
"لا تقوم حالة الدفاع الشرعي إلا إذا ثبت وجود خطر داهم حالّ، وكان الفعل المرتكب هو الوسيلة الوحيدة لرده، مع احترام التناسب بين الخطر ووسيلة الدفاع."
هذا التوجه يُلزم القاضي بتطبيق حرفية النص، حتى في المواقف التي تتطلب تقديرًا ظرفيًا لحالة المدافع، مما قد يُفضي إلى تجريم أفعال كانت في الأصل دفاعًا عن النفس.
  1. غياب التمييز بين أنواع التجاوز
ينص الفصل 126 من القانون الجنائي المغربي على أن كل تجاوز لحدود الدفاع يُعيد الفعل إلى دائرة التجريم، دون تمييز بين:
  • التجاوز العمدي بدافع الانتقام؛
  • والتجاوز غير العمدي بسبب الخوف أو الارتباك.
  • وقد كرّس هذا الموقف القرار عدد 544/7 بتاريخ 22 يوليو 2014:
"أي تجاوز في الدفاع، سواء من حيث الوسيلة أو الشدة، يخرج الفعل من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم." هذا الموقف لا يترك مجالًا لتقدير دوافع المدافع وظروفه النفسية، ويجرد مبدأ الدفاع الشرعي من طابعه الإنساني والوقائي.
  • النموذج المصري – مرونة واقعية وتقدير إنساني
  1. الاعتراف بالدفاع الظني: الإنسان لا النص فقط
يقرّ المشرّع المصري بمبدأ الدفاع الظني وفقًا للمادة 250 من قانون العقوبات، حيث يُعفى الشخص من المسؤولية إذا اعتقد، بحسن نية، أنه في خطر داهم، حتى إن لم يكن الخطر موجودًا فعلاً.
هذا المبدأ يُراعي طبيعة اللحظة الدفاعية، التي لا تتيح غالبًا تحليلًا دقيقًا، بل تُبنى على الانفعال ورد الفعل التلقائي.
  1. التمييز بين درجات التجاوز
نصت المادة 249 من القانون ذاته على أن التجاوز في الدفاع لا يُعاقب عليه إذا كان ناتجًا عن خوف شديد أو اضطراب مفاجئ، بينما يُعاقب فقط في حالة التعمد.
وقد أكدت محكمة النقض المصرية هذا المبدأ في الطعن رقم 2235 لسنة 85 ق:
"تقدير حالة الدفاع يجب أن يتم بالنظر إلى الظروف الشخصية للمدافع، مع مراعاة شدة الخوف وسرعة رد الفعل، دون اشتراط أن يكون الخطر متحققًا فعلاً."
هذا المنظور يمنح القاضي هامشًا أكبر لتقدير الظرف الإنساني، ويوفر عدالة أكثر مرونة وشخصانية.
  1. الدفاع المفترض: توسيع واقعي لحالات الحماية
وسع المشرّع المصري من حالات الدفاع المفترض لتشمل محاولات القتل أو الاغتصاب، والاعتداءات بالسلاح، واقتحام المسكن عنوة. ويهدف هذا التوسيع إلى تشجيع رد الفعل الدفاعي المشروع دون خوف من الملاحقة القضائية، ما دام السلوك متزنًا ومنطقيًا.
 
  • مقارنة ختامية
تكشف المقارنة بين النموذج المغربي والنموذج المصري في تنظيم الدفاع الشرعي عن اختلاف جوهري في الفلسفة التشريعية. فالمشرع المغربي يعتمد مقاربة صارمة تغلّب النص القانوني على الواقع العملي، حيث يُشترط تحقق خطر حقيقي ومباشر وتناسب صارم بين الفعل والخطر، دون الاعتراف بحالات الدفاع الظني أو التمييز بين درجات التجاوز. هذا التوجه يُقيد سلطة القاضي ويُحمّل المدافع عبئًا ثقيلًا لإثبات مشروعية فعله، حتى في ظروف يكون فيها رد الفعل نابعًا من خوف مشروع أو ارتباك لحظي. في المقابل، يتسم النموذج المصري بمرونة أكبر وتقدير إنساني أوسع للحظة الدفاع، إذ يُعترف بالدفاع الظني إذا بُني على اعتقاد حسن النية، ويُميز بوضوح بين التجاوز العمدي وغير العمدي. كما يمنح القاضي سلطة تقديرية واسعة لتقييم الملابسات النفسية والشخصية للمدافع، ويوسّع نطاق الدفاع المفترض ليشمل حالات كالاعتداءات الجنسية أو المسلحة. بذلك، يُقدم التشريع المصري نموذجًا أكثر توازنًا بين حماية الأمن العام وضمان العدالة الفردية، حيث لا يُحاكم الإنسان على لحظة خوف، بل يُفهم ويُحتضن قانونيًا في ضوء ظروفه. يتضح أن الدفاع الشرعي لا ينبغي أن يُختزل في قواعد جامدة، بل يجب أن يُفعّل بروح إنسانية تراعي واقع الخوف والارتباك الذي يعيشه المدافع. لذلك، تُعد مراجعة الفصول المنظمة له في القانون الجنائي المغربي خطوة ضرورية نحو عدالة تنصف الفرد وتحميه بدل أن تجرّمه في لحظة دفاع عن نفسه.

📚 المراجع

1. مجموعة القانون الجنائي المغربي، الفصول 124 – 126.
2. قانون العقوبات المصري، المواد 249 – 250.
3. قرارات محكمة النقض المغربية:
  • القرار عدد 248/6 بتاريخ 11/04/2013.
  • القرار عدد 544/7 بتاريخ 22/07/2014.
4. قرار محكمة النقض المصرية:
  • الطعن رقم 2235 لسنة 85 ق.
5. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات – القسم العام، دار النهضة العربية، 2018. 6. عبد الفتاح عبد الله، شرح قانون العقوبات المصري – القسم العام، دار الفكر الجامعي، 2020.



الخميس 7 أغسطس 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter