MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




بين حماية توازنات المالية العمومية وإضعاف فعالية القضاء الإداري: قراءة في تداعيات المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية 2026

     

زكرياء الزوجال: باحث في العلو م القانونية والتحولات الاقتصادية



بين حماية توازنات المالية العمومية وإضعاف فعالية القضاء الإداري: قراءة في تداعيات المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية 2026
يمثل تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية إحدى الركائز الجوهرية لضمان سيادة القانون وتفعيل الرقابة القضائية على أعمال الإدارة. فصدور الحكم القضائي لا يعد غاية في ذاته ما لم تستكمل حلقته بالتنفيذ الفعلي، باعتباره التعبير العملي عن حماية الحقوق وصون مركز المتقاضين تجاه الإدارة. ومع ذلك، أظهرت التجربة المغربية خلال السنوات الأخيرة استمرار معضلة الامتناع الإداري عن تنفيذ الأحكام، خصوصا بعد سن المادة 9 في قانون المالية لسنة 2020، التي كرست منع الحجز على أموال الدولة وربطت التنفيذ ببرمجة مالية تتسم بالبطء والتعقيد مما أفرز توترا واضحا بين النصوص الدستورية الضامنة لتنفيذ الأحكام القضائية وبين التشريعات المالية ذات الطابع التقييدي.

وفي هذا السياق، جاء إدراج المادة 8 مكرر ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليعيد النقاش إلى الواجهة، لكونها تسير في اتجاه مضاعفة القيود المفروضة على تنفيذ الأحكام، عبر تمديد آجال التنفيذ واستمرار منع التنفيذ الجبري، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل حماية الحقوق القضائية وفعالية القضاء الإداري.

وهنا تبرز الإشكالية المركزية التالية:
إلى أي حد يسهم إدراج المادة 8 مكرر ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 في معالجة إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، أم أنه يعمق مظاهر الامتناع الإداري ويضعف الضمانات الدستورية المرتبطة بسيادة القانون وحقوق المتقاضين؟ 
 
المطلب الأول: دلالات المادة 8 مكرر وأثرها على قواعد تنفيذ الأحكام القضائية

جاء إدراج المادة 8 مكرر في مشروع قانون المالية لسنة 2026، كما صادقت عليها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية ومجلس النواب بتاريخ 14 نونبر 2025، كتعديل مباشر للمادة 9 من قانون المالية 2020، دون أي دراسة قبلية للأثر أو حصيلة تطبيق خمس سنوات من هذا المقتضى. ويعكس هذا النهج توجها ثابتا نحو إقحام التشريع المالي في مجال تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، عبر الاستمرار في منع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية، وتوسيع هامش السلطة التقديرية للإدارة في برمجة الاعتمادات اللازمة للتنفيذ.

فمن خلال القراءة الدقيقة للمقتضى الجديد، يتبين أنه حافظ على روح المادة 9، عبر جعل الآمر بالصرف هو المخاطب الوحيد بالتنفيذ ومنع الدائنين من طرق القضاء العادي شكل غير مباشر أو الحجز لضمان حقوقهم. كما احتفظ بآلية "التنفيذ خلال 90 يوما من تاريخ الإعذار" في حدود الاعتمادات المرصودة، مع إمكانية التنفيذ التلقائي من طرف المحاسب العمومي عند تقاعس الآمر بالصرف.

لكن التطور الأكثر خطورة هو رفع أجل البرمجة من أربع سنوات إلى ست سنوات، مع منح سنتين إضافيتين للأحكام القديمة قبل فاتح يناير 2026. وهنا يصبح التنفيذ حقا معلقا لمدد طويلة، يتوقف على حسن نية الإدارة وقدرتها المالية، بدل كونه التزاما دستوريا واجب الأداء الفوري أو داخل أجل معقول.

ويبرز من خلال ذلك أن المادة 8 مكرر لم تضف آليات جديدة للشفافية أو الزجر أو إلزام الإدارة بالبرمجة، ولم تضع أي ضمانة تمنع لجوء الأمرين بالصرف إلى استبعاد إدراج الاعتمادات الخاصة بالأحكام القضائية من مشروع ميزانية سنوية، مما يجعل التنفيذ احتمالية مالية ظرفية وليس قاعدة قانونية ثابتة. كما أن غياب أي تقييم لواقع تنفيذ المادة 9 خلال خمس سنوات يفاقم إمكانية إعادة إنتاج الإشكالات نفسها، بل بشكل أعمق وأكثر تعقيدا.

وتتأكد خطورة التحول التشريعي من خلال فتح الباب نظريا أمام زيادات تشريعية مستقبلية قد تمدد أجل التنفيذ، في غياب أي سقف قانوني أو قيد دستوري صريح يحول دون ذلك. وبذلك تنتقل المادة 8 مكرر من مجرد تعديل مالي إلى آلية تشريعية لإعادة هندسة العلاقة بين المواطن والإدارة، تمنح هذه الأخيرة موقعا إن أردنا وصفه نوعا ما بأنه متفوق على سلطة الأحكام القضائية وعلى مبدأ إلزامية تنفيذها.

المطلب الثاني: الإشكالات الدستورية والعملية للمادة 8 مكرر وانعكاساتها على الأمن القانوني وحقوق المتقاضين

تثير المادة 8 مكرر جملة من التناقضات مع الضمانات الدستورية التي تحكم تنفيذ الأحكام القضائية. فالفصل 124 ينص على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون، بينما يوجب الفصل 126 على السلطات العمومية المساعدة على تنفيذها. غير أن النص الجديد يجعل التنفيذ مرهونا بقدرة الإدارة على البرمجة المالية خلال ست سنوات، وهو أجل يبعد التنفيذ عن معيار "الآجل المعقول" ويرهن حقوق الأفراد بمساطر محاسباتية داخلية لا يمكن مراقبتها قضائيا.

كما أن منع الحجز على الأموال العمومية بشكل مطلق، دون فتح أي استثناءات حتى في الحالات التي تكون فيها الأموال متوفرة يمثل تحصينا غير مبرر للإدارة، ويضعف الرقابة القضائية على تصرفاتها، ويشرعن الامتناع الإداري المقنع عن التنفيذ. وهو ما يتعارض مع روح خطاب جلالة الملك الذي شدد على عدم منطقية امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام أو تأخير أداء الديون المترتبة بذمتها، خصوصا تجاه المقاولات الصغرى والمتوسطة.

أما على المستوى العملي، فإن تمديد آجال التنفيذ وتقييد آليات إجبار الإدارة يكرس تراكماً متزايداً لملفات الأحكام غير المنفذة، ويضعف ثقة المتقاضين في جدوى اللجوء إلى القضاء الإداري. فالمحكوم له يصبح، عملياً، أمام مسطرة طويلة ومعقدة، تبدأ بإعذار، ثم انتظار توفر اعتمادات، ثم إدراجها في ميزانية لاحقة، وقد تمتد لست سنوات كاملة دون ضمان.

ويضاف إلى ذلك غياب أي آليات لمراقبة احترام الإدارة لمبدأ الأولوية في البرمجة، أو لمنع التماطل المتعمد، مما يجعل التنفيذ رهينا بإرادة الآمر بالصرف دون رقابة تشريعية فعالة. كما أن اللجنة الوزارية لمعالجة إشكالية تنفيذ الأحكام التي تم إحداثها سنة 2017 لم تصدر عنها أي حصيلة واضحة، ولم تستثمر في وضع حلول مؤسساتية لمعالجة هذا الملف.

ومن الناحية العملية أيضا، فإن هذا الوضع يخلق حالة من الاضطراب القانوني، ويؤدي إلى تراجع جاذبية المناخ الاستثماري، لأن المستثمر لا يمكنه التعويل على أحكام قضائية قد لا تنفذ إلا بعد ست سنوات أو أكثر. وهو ما يشكل مساسا مباشرا بمبدأ الأمن القضائي الذي يعد أحد أهم ركائز دولة القانون.

ويبدو أن المشرع انحاز بشكل شبه كامل إلى مقاربة "الأمن المالي" للمؤسسات العمومية، دون موازنتها بالالتزام الدستوري بحماية الحقوق، مما أدى إلى إنتاج نص تشريعي يفرغ الحكم القضائي من قوته الإلزامية، ويحول وظيفة القضاء من آلية لحماية الحق إلى مجرد "تصريح بحق" دون ضمانات التنفيذ.

الخاتمة

يتبين من خلال التحليل أن المادة 8 مكرر، بدل أن تشكل إصلاحا أو تجاوزا للاختلالات التي رافقت تطبيق المادة 9، أعادت إنتاج الأزمة بصيغة أكثر اتساعا وتعقيدا، عبر تمديد الأجل، وتكريس الامتناع، ومنح الإدارة سلطة تقديرية غير مقيدة في برمجة الاعتمادات.
وإذ تدعي الحكومة أن هذا المقتضى يهدف إلى حماية توازنات المالية العمومية، فإن النتيجة الفعلية هي إضعاف فعالية القضاء الإداري، وتقويض الحقوق المكتسبة بموجب أحكام نهائية، وإعادة تكريس منطق تفوق الإدارة على القانون.
 



الاثنين 17 نوفمبر 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter