MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



خصوصيات إجراءات افتتاح مسطرة التسوية القضائية

     

ذ/ نشاط محمد محام بهيئة سطات

طالب باحث بجامعة الحسن الأول كلية الحقوق سطات



خصوصيات إجراءات افتتاح مسطرة التسوية القضائية

مقدمـة


تعد المقاولة التجارية النواة الأولى للاقتصاد الوطني و ذلك بالنظر إلى الدور الكبير الذي تلعبه في توفير الموارد المالية و فرص الشغل، و بالنظر إلى هذه الأهمية أحاطها المشرع بحماية كبيرة و ذلك قصد حماية المصالح الموجودة بداخلها، إذ قرر تجاوز نظام الإفلاس الذي يطبق على كل تاجر توقف عن دفع ديونه بصرف النظر عن أسباب هذا التوقف، ليتبنى منظورا جديدا يهدف إلى معالجة الصعوبات التي تعترض المقاولة وفق مقتضيات قانونية تستجيب لهذا التوجه.
وسعيا من المشرع إلى إيجاد الأرضية الملائمة لتطبيق هذا القانون الجديد واستجابة لطموحات فعاليات المجتمع القائمة على تغيير القوانين وخصوصا المرتبطة منها بمجال الأعمال والمقاولات، عمد إلى إحداث المحاكم التجارية بتاريخ 12 فبراير 1997، التي دشن من خلالها مرحلة جديدة، تؤكد الرغبة الملحة في تحديث الترسانة القانونية المتعلقة بعالم المال والأعمال، إذ تعتبر هذه المحاكم محطة من المحطات الكبرى في تاريخ مؤسساتنا القضائية المعاصرة، و طفرة نوعية من أجل تحديث و تطوير و تدعيم منظومتنا القانونية و الحقوقية ،وبملامسة مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة يتضح بشكل جلي التوجه الجديد للمشرع المغربي، حيث تبنى مساطر متنوعة تطبق بحسب درجة الاختلال الذي تعاني منه المقاولة، فهناك:
- مسطرتي الوقاية من الصعوبات: وهما مسطرة الوقاية الداخلية و الوقاية الخارجية اللتان تطبقان على كل مقاولة تجارية تعاني من صعوبات من شأنها أن تخل باستمراريتها دون أن تصل إلى مرحلة التوقف عن الدفع.
- مسطر التسوية القضائية: التي تفتتح لفائدة المقاولة التي تعاني من صعوبات أدت إلى توقفها عن الدفع و دون أن تكون مختلة بشكل لا رجعة فيه، أي أن هناك إمكانيات جدية لعلاجها و تصحيح وضعيتها.
- مسطرة التصفية القضائية : و تطبق هذه المسطرة على المقاولة الميئوس من وضعيتها، لكونها مختلة بشكل لا رجعة فيه، و تعد الخيار النهائي للمحكمة التجارية المفتوحة أمامها المسطرة.
وبذلك يكون المشرع قد أحدث تغييرا جذريا على الطبيعة القانونية التقليدية لنظام الإفلاس وعلى أهدافه، مرجحا المصلحة العامة على المصلحة الخاصة للدائنين ومغلبا الطابع الاقتصادي والاجتماعي على الطابع القانوني ، وأناط بالقضاء سلطة واسعة في سير المساطر الجماعية لما يعرفه من ضمانات الإستقلال والتجرد وعلى أساس أن هذه المساطر تجمع في إطارها مصالح متعارضة يصعب التوفيق بينها دون
تدخل سلطة محايدة تتمثل في المحكمة التجارية، ومعنى ذلك أن القضاء أصبح له دور جديد في تأطير الخصومة، إذ لم يعد دوره يقتصر على البت في المنازعات وإصدار الأحكام والإشراف على تنفيذها، بل أصبح يتمتع بدور اقتصادي هام يتمثل في مراقبة المقاولات والبحث لها عن حلول قصد معالجتها من الصعوبات التي تعترضها لإبقائها على قيد الحياة داخل النسيج الاقتصادي، أو الحكم بتصفيتها إذا كانت وضعيتها ميئوس منها ولا يمكن معالجتها .
ولا شك أن الدور الجديد الذي أصبح يقوم به القضاء فرضته الحاجة الملحة المتمثلة في ضرورة مساهمته في التنمية الاقتصادية، على اعتبار أن المؤسسة القضائية مدعوة بدورها إلى مواكبة العصر والتخلص من سلبيات الماضي، وفي هذا السياق جاء في أحد خطب الملك الراحل الحسن الثاني:
" بأن القضاء لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعية والمجتمع، بل أصبح أمرا ضروريا للنماء ولا يمكن للمغرب أن يفتح أبوابه للمال الأجنبي إذا لم يكن ذلك المال عارفا أنه في مأمن من الشطط وسوء الفهم" .
وهكذا فإن الأهداف التي حددها المشرع وهو بصدد وضع النصوص القانونية المتعلقة بنظام صعوبات المقاولة، أعطت الإشارة لتراجع دور و مفهوم التاجر إستنادا إلى فكرة الفصل بين الشخص و المقاولة ، و أفرزت العديد من الخصوصيات التي أصبحت تميز هذا النظام بشكل كبير سواء على مستوى الموضوع أو على مستوى الإجراءات المسطرية، وهذه الأخيرة هي التي ستشكل موضوع هذه الدراسة .
والمقصود هنا بالخصوصيات في إطار هذه الدراسة، مجموع المستجدات المسطرية التي نظم بها المشرع مسطرة التسوية القضائية و خرج بها عن القواعد العامة الراسخة في قانون الالتزامات و العقود وقانون المسطرة المدنية.
ولذلك فإن موضوع البحث يتسم بكثير من الأهمية إن على المستوى النظري أو على المستوى العملي، لكونه موضوعا يعتمد في مادته الخام على الإجتهاد القضائي، هذا الأخير أصبح يحظى بأهمية قصوى، ويشكل مصدرا أساسيا ينبغي اعتماده لدراسة مختلف تجليات الظواهر الإنسانية، على اعتبار أن الحكم و القرار القضائي يعكسان مدى استيعاب القاضي لمفهوم القواعد القانونية والأهداف التي يهدف المشرع إلى تحقيقها .
و مما لا شك فيه أن هذه الدراسة ليس هدفها هو سرد المقتضيات المتعلقة بمرحلة التسوية القضائية، أو حسم النقاش القديم الجديد حول مدى إمكانية المحاكم التجارية من التطبيق السليم لمقتضيات الكتاب الخامس، وإنما الهاجس المحوري هو الوقوف عند ما جد واستجد من مقتضيات مسطرية خرج بها المشرع عما هو معمول به في القواعد العامة، وعليه فإن الإشكالية المحورية في هذا البحث تتمحور حول التساؤل عن الإجراءات المسطرية التي وضعها المشرع بمناسبة افتتاح مسطرة التسوية القضائية و سيرها أمام المحكمة التجارية؟ وهل استطاع المشرع أن يحقق الاستقلالية على مستوى الإجراءات المسطرية المقررة في مسطرة التسوية القضائية عن تلك المعمول بها في ق.م.م؟
تقتضي الإحاطة بإشكالية الموضوع وبمختلف التساؤلات التي وضعناها تقسيم الموضوع إلى مبحثين، نخصص المبحث الأول لتنوع آليات فتح مسطرة التسوية القضائية أما المبحث الثاني سنتطرق إلى تعدد الإجراءات الأولية قبل البث في طلب فتح المسطرة.
و استنادا إلى ما سبق ذكره، و لمقاربة كل هذه المراحل يكون مخطط الموضوع كالتالي:

- المبحث الأول: تنوع آليات فتح مسطرة التسوية القضائية
- المبحث الثاني : تعدد الإجراءات الأولية قبل البث في طلب فتح المسطرة.

المبحث الأول
تنوع آليات فتح مسطرة التسوية القضائية


يثير فتح مسطر المعالجة عدة نقاط أساسية أبرزها الجهات التي لها حق طلب فتح المسطرة و الطريقة التي أقرها المشرع لفتح المسطرة، إذ بالرجوع إلى المادتين 561 و 562 من م.ت، يتضح على أن المشرع حدد الجهات التي لها حق تقديم طلب فتح مسطرة المعالجة.
فبالإضافة إلى رئيس المقاولة الذي يتعين عليه تقديم طلب فتح مسطرة المعالجة داخل أجل 15 يوما التالية للتوقف عن الدفع، يمكن فتح المسطرة بناء على مقال إفتتاحي لأحد الدائنين، أو بناء على طلب النيابة العامة.
كما يمكن للمحكمة أن تضع يدها على المسطرة تلقائيا متى اتضح لها من خلال أية وثيقة، أو دعوى رائجة أمامها أن مقاولة ما في وضعية توقف عن الدفع، أو في حالة عدم تنفيذ الإلتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي أو في حالة فشل مسطرة الوقاية الخارجية لعدم التوصل لاتفاق بين المدين و دائنيه.
من خلال الجهات التي منحها المشرع الحق في تقديم طلب فتح المسطرة أو وضع اليد تلقائيا على المسطرة، يمكن تصنيف آليات فتح المسطرة إلى آليتين:
الآلية الأولى توجب ضرورة التقدم بطلب إلى المحكمة التجارية المختصة قصد فتح المسطرة، أما الآلية الثانية لا تتطلب أي طلب و إنما تفتح المسطرة تلقائيا.

المطلب الأول
فتح المسطرة بناء على طلب


ويتعلق الأمر هنا برئيس المقاولة أو أحد الدائنين أو النيابة العامة بالمحكمة التجارية وفق المواد 561 و 563 من م.ت.

أولا :فتح المسطرة بناء على طلب رئيس المقاولة


إستنادا إلى مقتضيات المادة 561 من م.ت ، يقع على عاتق رئيس المقاولة بصفته الشخصية أو بواسطة وكيله الخاص أو محام، طلب فتح مسطرة من مساطر المعالجة، داخل أجل أقصاه 15 يوما تلي توقفه عن الدفع، و هو نفس الأمر الذي أكدته المحكمة التجارية بالدار البيضاء حيث أكدت في أحد أحكامها على أحقية رئيس المقاولة في طلب فتح مسطرة المعالجة إذ جاء فيه :
" و حيث أنه و تطبيقا لمقتضيات الفصل 561 من م.ت، فإن فتح مسطرة المعالجة يكون بناء على طلب من رئيس المقاولة داخل أجل معين ..." .
و المشرع عندما أعطى لرئيس المقاولة الحق في الاستعانة بمحامي من أجل تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية، و ذلك لكون هذه المسطرة تتسم بالصعوبة و التعقيد، و أن المحامي مؤهل أكثر من رئيس المقاولة المدينة بحكم تكوينه القانوني .
و إذا كان المشرع المغربي أعطى لرئيس المقاولة التجارية المدينة الحق في التقدم بطلب فتح المسطرة داخل أجل 15 يوما، فإن رئيس المقاولة المدينة قد لا يحترم هذا الأجل مما يطرح السؤال عن الجزاء في حالة تقاعسه عن تقديم الطلب ؟
إن الجواب عن هذا السؤال نجده ضمن الفقرة الرابعة من المادة 714 من م.ت إذ تفرض هذه المادة جزاء يتجسد في سقوط الأهلية التجارية، بحيث يحرم رئيس المقاولة أو المسير من الإدارة أو التدبير أو التسيير أو المراقبة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لكل مقاولة تجارية أو حرفية و لكل شركة تجارية ذات نشاط اقتصادي وفق م 711 من م .ت.
والمشرع أوكل هذه المهمة لرئيس المقاولة، باعتباره أدرى من غيره بوضعية المقاولة التي يسيرها، لكن السؤال المطروح من هو رئيس المقاولة المقصود في المادة السالفة الذكر؟
بالرجوع إلى المادة 545 من م.ت، نجد المشرع حدد المقصود برئيس المقاولة الذي يكون إما الشخص الطبيعي المدين أو الممثل القانوني للشخص المعنوي المدين إلا أن هذا الأخير يختلف في المقاولة التي تتخذ شكل شركة باختلاف شكل الشركة، فهو المسير Le gérant في شركة التضامن والتوصية البسيطة إنطلاقا من المادة 6 و 21 من القانون رقم 96. 5 ، وقد يكون واحدا أو أكثر من الأشخاص الطبيعيين فقط الذين قد يتم اختيارهم من الشركاء أو من غير الشركاء بالنسبة للشركات ذات المسؤولية المحدودة وفقا للمادة 62 من القانون السالف الذكر.
أما بخصوص شركة المساهمة فإن صفة الرئيس أصبحت حسب قانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة الذي تم تعديله بمقتضى القانون رقم 20.05 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.18 الصادر بتاريخ 17 جمادى الاولى1429 الموافق ل23 ماي 2008 المنشور بالجريدة الرسمية رقم 5639 بتاريخ12 جمادى الآخرة 1429 الموافق 16 يونيو2008 ، وبمقتضى هذا التعديل أصبح يمثل شركة المساهمة أمام الاغيار المدير العام و المدير العام المنتدب .
ويتعين على رئيس المقاولة أن يودع طلبه لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة، و ذلك بعد أدائه الرسوم القضائية ، لكون طلبات التسوية القضائية غير معفاة من الرسوم القضائية، و لا يمكن قبولها شكلا دون أداء هذه الرسوم، و هذا ما أكده حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط و الذي جاء فيه :
"و حيث ثبت بالاطلاع على المقال الافتتاحي للدعوى أنه غير مؤدى عنه الرسم القضائي.
و حيث أن الفصل 158 من قانون 15 ـ 97 المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية نص على أنه، إذا ظهر عدم كفاية المبلغ المستوفي أثناء الدعوى أو قبل القيام بالعملية أو تحرير العقد المطلوب فإن المحكمة المرفوعة إليها القضية أو للرئيس حسب الحالة يقرر تأجيل الحكم أو تحرير العقد أو العملية مدة معينة و إذا انقضت هذه المدة و لم يؤد المعني بالأمر بعد إنذاره من لدن كتابة الضبط مبلغ التكميلة المستحقة وجب الأمر بشطب الدعوى و إهمال الطلب نهائيا.
وحيث أنذرت نائبة الطرف المدعي بأداء الرسم القضائي، إلا أنها تخلفت رغم توصلها بالإنذار المذكور الأمر الذي يتعين معه إعمال المقتضيات المذكورة أعلاه و الحكم تبعا لذلك بعدم قبول الدعوى."
و رئيس المقاولة غير ملزم فقط بأداء الرسم القضائي عن طلب التسوية القضائية، بل ملزم أيضا بأداء الواجبة عن سير المسطرة أو ما يصطلح عليه بمصاريف المسطرة كأتعاب الخبرة و الإشهار، و في حالة عدم أدائه لهذه المصاريف يكون مآل طلبه عدم القبول، وهذا ما أكدته المحكمة التجارية بالرباط إذ جاء في أحد أحكامها :
" و حيث أنه لم تؤد الطالبة واجب الخبرة رغم إعلامها بواسطة نائبتها و إمهالها للقيام بذلك، مما يتعين معه صرف النظر عن الإجراء المذكور" .
و يتعين على رئيس المقاولة أن يشير في تصريحه أو طلبه إلى أسباب التوقف عن الدفع، وذلك حتى تتأكد المحكمة التجارية من جدية الطلب أو التصريح من أجل قطع كل التلاعبات التي يمكن أن تصدر عن رئيس المقاولة كتأخير سداد الديون مثلا، كما يجب أن يرفق التصريح وفقا للمادة 562 من م.ت بالوثائق التالية:

1- القوائم التركيبية لآخر سنة مالية.
2- جرد وقيمة كل أموال المقاولة المنقولة وغير المنقولة.
3- لائحة الدائنين والمدينين مع الإشارة إلى مكان إقامتهم ومبلغ ديونهم وضماناتهم عند تاريخ التوقف عن الدفع.

و إضافة إلى الوثائق السالفة الذكر يمكن لرئيس المقاولة من أجل تعزيز طلبه و تقوية مركزه القانوني والواقعي أمام المحكمة، أن يرفق طلبه بمستندات أخرى كالحجج والوثائق التي تفيد أدائه لبعض الديون الحالة .
و مما تجب الإشارة إليه أن القانون الفرنسي لا يكتفي بالوثائق السابق ذكرها و إنما يلزم أن يكون التصريح مرفقا بمجموعة من الوثائق الأخرى كحالة الديون والضمانات و عدد العمال و معلومات تهم وضعية الخزينة و مستخرج من سجل التجارة و الشركات الفرنسي.
و إذا كان المشرع المغربي أوجب على رئيس المقاولة الإدلاء بلائحة تضم الدائنين و المدينين، فما هو الجزاء الذي رتبه في حق رئيس المقاولة في حالة إغفاله إدراج إسم أحد الدائنين ؟
بالرجوع إلى مقتضيات مدونة التجارة نجد المشرع المغربي لم يرتب أي جزاء وهو نفس الأمر الذي أكدته محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في قرار صادر عنها إذ جاء فيه :
" إن المشرع لم يرتب أي أثر عـن عدم إشارة المدين إلى كل الديون العالقة بذمته أثناء تقديم لائحة الديون التي هي عليه وقت طلب فتح مسطرة صعوبات المقاولة" .
من خلال هذا القرار يمكن القول أنه رغم إغفال رئيس المقاولة إدراج إسم أحد الدائنين ضمن لائحة الدائنين التي يقدمها إلى المحكمة لا يخضع لأي جزاء.
لكن السؤل الذي يتمخض عن التساؤل الأول يتعلق بالحالة التي يغفل فيها رئيس المقاولة سواء عن قصد أو بغير قصد إدراج إسم أحد الدائنين، وأن هذا الأخير لم يصرح بدينه داخل الأجل القانوني، فهل يسقط حق هذا الدائن أم أنه يتمسك بكون رئيس المقاولة لم يدرج إسمه ضمن لائحة الدائنين، و بالتالي يبقى حقه قائما على الرغم من عدم تصريحه ويطلب من المحكمة رفع أجل السقوط و تأمر السنديك بتسجيل دينه ؟ إن الجواب عن هذا السؤال نجده ضمن محتويات الفقرة الثانية من نفس القرار السالف الذكر إذ جاء فيه:
" بما أن المستأنفة لم تصرح بدينها داخل الأجل القانوني الذي هو شهرين من تاريخ نشر الحكم القاضي بفتح المسطرة بالجريدة الرسمية و أن عدم تصريحها لا يعزى لسبب خارج عن إرادتها و أنها اعتبرت أن النشر بالجريدة الرسمية ليس دليلا على ضرورة علمها بالمسطرة المفتوحة في مواجهة المدينة، في حين أن المشرع اعتبر النشر هو الوسيلة الوحيدة لإخبار الدائنين من أجل التصريح بديونهم، و أنها لم تثبت أن عدم التصريح يرجع إلى سبب خارج عن إرادتها حتى يمكنها أن تستفيد من رفع السقوط، فإنه يتعين تبعا لذلك رد الاستئناف و تأييد الأمر المستأنف".
و هو نفس الأمر الذي أكده المجلس الأعلى من خلال أحد قراراته و الذي جاء فيه:
"إن التصريح بالديون للسنديك هو مرحلة إعدادية لتحديد خصوم المقاولة و لا يتوقف على ضرورة أن يكون الدين مثبتا بسند بقدر ما يجب أن يكون محددا أو تقييميا و أن الفقرة الأولى من المادة 689 من م.ت إن كانت توجب على المدين أن يسلم للسنديك قائمة مصادقا عليها بدائنيه و مبلغ ديونه فإن ذلك لا يعفي الدائنين الملزمين
بالتصريح بديونهم إلى السنديك وفقا للمادة 689 من م.ت، ومن وجوب القيام بهذا الإجراء داخل الأجل المحدد" .
فمن خلال هذين القرارين يتبين أن التوجه الذي سار عليه القضاء المغربي هو إلزام الدائن بالتصريح بدينه على الرغم من عدم إدراج المدين لاسم الدائن ضمن لائحة الدائنين التي يقدمها للمحكمة، وأنه لا يستفيد من قاعدة رفع حالة السقوط إلا إذا كان السبب الذي منعه من التصريح بدينه خارج عن إرادته.
لكن هل حق طلب فتح المسطرة خاص برئيس المقاولة الشخص الطبيعي وحده دون غيره ولا ينتقل هذا الحق إلى الغير حتى في حالة وفاته؟
إنطلاقا من المادة 561 من م.ت، يعد هذا الحق خاصا برئيس المقاولة يمارسه شخصيا وحده دون غيره أو عن طريق وكيل خاص أو محام، أما في حالة الوفاة فإن هذا الحق يمارسه الورثة.
لكن هل الورثة يمارسون هذا الحق داخل نفس الأجل الممنوح لرئيس المقاولة؟ بالرجوع إلى الكتاب الخامس من مدونة التجارة نجد أن المشرع ساكت عن هذه النقطة وأمام سكوت المشرع لا يسعني إلا الرجوع إلى القانون المقارن والفقه لحل هذه الإشكالية.
بالرجوع إلى التشريع الفرنسي لسنة 25 يناير1985 نجده يجيز للورثة إلى جانب الدائن ووكيل الجمهورية والمحكمة من تلقاء ذاتها، حق طلب فتح مسطرة التصحيـح القضائـي LE Redressement judiciaire أو التصفيـة القضائيـة LA Liquidation Judiciaire وذلك داخل أجل سنة ويبدأ حسابها من تاريخ الوفاة إذا كان التوقف عن الدفع سابقا لواقعة الوفاة وفقا للمادة 16 من القانون السالف الفرنسي.
أما الفقه المغربي ، فقد سار في نفس اتجاه القانون الفرنسي وذلك من خلال إعطاء للورثة الحق في التقدم بطلب فتح مسطرة التسوية القضائية داخل أجل سنة.
و مدة سنة هي مدة معقولة يمكن لهم من خلالها وبعد انتقال المقاولة إليهم من الوقوف على الوضعية الحقيقية للمقاولة، ويتأكدون ما إن كانت هذه الأخيرة تعاني من صعوبات أم لا.
إجمالا، أن المشرع المغربي حسنا فعل عندما أعطى لرئيس المقاولة و ورثته من بعده الحق في التقدم بطلب فتح مسطرة التسوية القضائية، لكونه هو المعني الأول بهذه المسطرة وإشراكه فيها يفيد بشكل كبير، و لأنه العارف بخبايا وأسرار المقاولة وهذا القول يصدق على رئيس المقاولة حسن النية أما إذا كان سيئ النية وتقاعس عن طلب فتح مسطرة التسوية القضائية فإن المشرع وبالإضافة إلى الجزاءات التي فرضها عليه كما سبق التطرق إليها فإنه أعطى هذا الحق لأحد الدائنين.

ثانيا :فتح المسطرة بناء على طلب أحد الدائنين

هذا الأخير الذي يعتبر الجهة الثانية التي خولها المشرع وفقا لمقتضيات المادة 563 من م.ت الحق في تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية، وذلك بناء على مقال افتتاحي يقدم إلى المحكمة التجارية المختصة إن لم يقع سداد دينه داخل الأجل كيفما كانت طبيعة الدين مدنيا أو تجاريا، دينا عاديا أو ممتازا أو مضمونا برهن عقاري أو حيازي، وهو الأمر الذي أكدت عليه المحكمة التجارية بأكادير في أحد أحكامها و الذي جاء فيه :
" حيث إن المادة 563 من م.ت افترضت إمكانية فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة بناء على مقال من أحد الدائنين و كيفما كانت طبيعة دينه شرط أن يكون مستحقا و حالا ..." .
والجدير بالذكر أن المشرع لم يقيد حق الدائن في المطالبة بفتح مسطرة المعالجة بأجل معين، بحيث يبقى حق الدائن في طلب فتح المسطرة قائما ما دام التوقف عن الدفع مستمرا، ما لم يدرك الدين أو الإلتزام التقادم الذي يسقط الدعوى و هو ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته إذ جاء فيه :
" يحق للمتضرر رفع دعوى معالجة الصعوبة دون التقيد بالأجل المنصوص عليه في الفصل 564 من مدونة التجارة ما دام لم يثبت للمحكمة من وقائع الدعوى المعروضة عليها توفر الاستثناء الذي أورده المشرع في الفصل المذكور " .
إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ ترد عليها استثناءات تتعلق بالانقطاع واعتزال التجارة والوفاة أو الانحلال، وانسحاب الشريك المتضامن من الشركة، إذ أوجب المشرع على الدائن التقدم أمام المحكمة التجارية المختصة بطلب فتح مساطر المعالجة ضد التاجر المعتزل أو المتوفي داخل أجل سنة من الاعتزال أو الوفاة متى كان التوقف عن الدفع سابقا لهذه الوقائع وفق المادة 564 من م.ت ، و ينطبق نفس الأمر على الشريك المتضامن المنسحب وفق المادة 565 من م.ت و هو الأمر الذي سار عليه المجلس الأعلى في أحد قراراته إذ جاء فيه :
" المشرع ربط تاريخ احتساب أجل السنة الذي يجب أن يتقيد به الدائن في رفع دعوى فتح مسطرة المعالجة ضد الشركة بواقعة الانحلال قياسا على حالة الوفاة بالنسبة للشخص الطبيعي" .
إذا كان المشرع المغربي أعطى للدائن الحق في التقدم بطلب إلى المحكمة قصد فتح مسطرة المعالجة، فإنه لم يحدد بشكل دقيق هذا الدائن الأمر الذي يتطلب منا الوقوف عند هذه النقطة لمعرفة من هو الدائن الذي أراد المشرع التكلم عنه في المادة 563 من م.ت؟.
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 686 من م.ت نجد المشرع المغربي لم يأت بأي تعريف و لم يحدد نوع الدائن إذ جاء بعبارة " كل دائن يعود دينه إلى ما قبل صدور حكم فتح المسطرة " مما يستفاد من ذلك أن المشرع فتح الباب بمصراعيه أمام كل دائن له دين ثابت أو محتمل أن يصرح بدينه لدى السنديك داخل أجل شهرين إبتداء من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية تحت طائلة سقوط الدين وفقا للمادة 687 من م.ت.
وفقا لهذه القاعدة، يحق لكل دائن أن يصرح بدينه الذي نشأ قبل فتح المسطرة ما لم يتم إستثنائه بمقتضى النص، كما هو الحال بالنسبة للأجير الذي أعفاه المشرع من قاعدة التصريح بالديون وهو الأمر الذي أكده المجلس الأعلى من خلال قرار جاء فيه :
"... إن مقتضيات مدونة التجارة الخاصة بصعوبات المقاولة تجيز التصريح بالديون غير المثبت بسـند و لو بشكل تقييمي دون تخصيص لنوع هذه الديون التي قد تكون عادية أو لمؤسسات عمومية ، هذه الصفة الأخيرة التي و لئن كانت تخول الطالب رتبة امتيازية أثناء مسطرة وفاء الديون فهي لا تعفيه من التصريح بمجموع ديونه كما هو الشأن بالنسبة للمأجورين..."
فمن خلال هذا القرار تتبين بشكل واضح الحماية التي يحظى بها دين الأجير إذ جعل ديونهم مستثناة من قاعدة التصريح بالديون.
و إذا كان المشرع أعفى الأجير من التصريح بالديون، مما يتبادر إلى الذهن تساؤل يتعلق بواجبات الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فهل هي الأخرى معفاة من التصريح بها للسنديك ؟
إن الجواب عن هذا السؤال نجده بأحد قرارات المجلس الأعلى إذ جاء فيه :
"إن المحكمة عندما اعتبرت أن الدين المطلوب إدراجه بلائحة الدائنين و إن كان ناتجا عن اشتراكات العمال و المأجورين فإنه لا يعد بأي حال من الأحوال بمثابة أجور لا تتأثر بالسقوط تكون قد اعتمدت مجمل ما ذكرت و أجابت عن صواب عما أثاره الطاعن أمامها من دفوع و سايرت صحيح أحكام المادة 686 من م.ت و يكون قرارها معللا تعليلا كافيا مرتكز على أساس قانوني " .
فمن خلال القرار التالي يتبين على أن واجبات الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لم يتم استثناؤها من التصريح بها للسنديك، مما يتوجب على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن يصرح بدينه .
لكن هل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعد دائنا ممتازا و صاحب ضمانة ثم شهرها و يجب على السنديك أن يشعره قصد التصريح بدينه؟
لقد جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى ما يلي:
"لئن كان المستأنف يعتبر مؤسسة عمومية و استخلاص ديونه تكون امتيازية عن طريق الأولوية، فإنه مع ذلك لا يعد بدائن صاحب الضمانات التي تم شهرها وفق المفهوم الصريح للمادة 686 من م.ت و بالتالي لا يمكن اعتبار إشعار السنديك له قصد التصريح بديونه أمرا واجبا يترتب عن إغفاله رفع حالة السقوط، و أن المشرع أوجب على الدائنين الإقدام للتصريح بديونهم للسنديك المعين من طرف المحكمة تحت طائلة عدم قبولهم في توزيعات المبالغ بين الدائنين داخل أجل شهرين من تاريخ نشر الحكم القاضي بفتح التسوية القضائية بالجريدة الرسمية " .
واستنادا إلى هذا القرار فان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يعد دائنا من الدائنين الحاملين لضمانات تم شهرها في هذا النوع من الديون وبالتالي لا يستفيد من الإشعار الذي يوجهه السنديك إلى هذه الفئة من الدائنين.
وإذا كان المشرع قد أعطى لأحد الدائنين الحق في التقدم بطلب فتح مسطرة المعالجة، فإن هذا الطلب يجب أن يقدم بواسطة مقال مكتوب يوقعه محام مسجل في هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، مع مراعاة الاستثناءات المتعلقة بالحالة التي يرخص فيها رئيس المحكمة التجارية وبناء على طلب كتابي لمن يتوفر على الكفاءة القانونية اللازمة قصد مباشرة المسطرة في المرحلة الابتدائية.

ثالثا : فتح المسطرة بناءا على طلب النيابة العامة

أما الجهة الثالثة التي خولها المشرع المغربي الحق في طلب فتح المسطرة هي النيابة العامة بالمحكمة التجارية وفق ما تقضي بذلك المادة 563 من م.ت، وبالتالي يبقى المجال مفتوح أمامها لطلب فتح مساطر المعالجة كلما ثبت لها أن مقاولة ما تواجه صعوبات أدت إلى عجزها عن الدفع و هو ما نجده في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط إذ جاء فيه مايلي :
"حيث إن مدونة التجارة خولت النيابة العامة طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة و بذلك يكون الطلب قد قدم على الصفة و الشكل المتطلبين قانونا و يتعين التصريح بقبوله ...". .
و جاء في حكم آخر صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء مايلي:
" يمكن طلب فتح مسطرة المعالجة من طرف كل من رئيس المقاولة و الدائن و المحكمة تلقائيا و النيابة العامة.
و إن اطلاع المحكمة على تقرير الخبرة التي أمرت بها و الذي يفيد وجود ديون يجعلها تضع يدها تلقائيا على القضية بغض النظر عن أي طلب آخر " .
من خلال هذين الحكمين يتبين على أن النيابة العامة مكنها المشرع من الحق في طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، إذ تعتبر طرفا رئيسيا في جميع مراحل المسطرة، فهي الجهاز الساهر على حماية النظام العام الاقتصادي والمدافع عن مصالح الأطراف المتواجدة .
وحتى تتمكن النيابة العامة من ممارسة هذا الحق عليها أن تتقدم بعريضة تتضمن وقائع تبرر فتح مسطرة المعالجة، وينبغي للمحكمة أن تنظر في هذا الطلب وفق الإجراءات العادية، إذ يقوم رئيس المحكمة باستدعاء المدين و إرفاق الإستدعاء بنسخة من عريضة وكيل الملك كما يتم إخبار النيابة العامة بموعد الجلسة .
إن المشرع المغربي من خلال المادة 563 من م.ت، سلك نفس النهج الذي سلكه المشرع الفرنسي الذي اعترف للنيابة العامة بالحق في طلب فتح المساطر الجماعية ضد المدين المتوقف عن الدفع بموجب قانون 15 أكتوبر 1981، تم أكد على هذا الحق بمقتضى المادة 4 من قانون 25 فبراير 1985 المتعلق بالتسوية القضائية والتصفية القضائية المعدل بقانون 10 يونيو 1994 .
إلا أنه على الرغم من تمكين المشرع المغربي النيابة العامة من الحق في طلب فتح مسطرة المعالجة، فإنه اكتفى بإدراج حالة وحيدة و فريدة و هي حالة عدم تنفيذ الإلتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي .
لكن السؤال الذي يثار عن أية نيابة عامة يتكلم المشرع المغربي في م 563 من م.ت، هل يتعلق الأمر بالنيابة العامة لدى المحاكم العادية، أم النيابة العامة لدى المحكمة التجارية التي ينعقد لها الاختصاص المحلي، أم النيابة العامة لدى إحدى المحاكم التجارية الأخرى غير تلك التي ينعقد لها الاختصاص المحلي للنظر في دعوى فتح مسطرة التسوية القضائية؟
ذهب بعض الفقه المغربي، إلى أن الحديث منصب بشكل أساسي على النيابة العامة بالمحكمة التجارية، و أنه لا يوجد ما يمنع من تعاون متكامل بين النيابتين سواء بالمحكمة التجارية أو المحكمة العادية، فليس هناك ما يمنع النيابة العامة بالمحاكم العادية وهي تنظر في دعوى جنحية أو مدنية، و كذا النيابة العامة بالمحكمة التجارية الغير مختصة محليا و التي ترفع إليها محاضر الاحتجاج بعدم أداء أوراق تجارية، من أن تخطر النيابة العامة بالمحكمة التجارية المختصة محليا للنظر في الدعوى الرامية إلى فتح المسطرة، بأن المدين في الأوراق التجارية في حالة توقف عن الدفع.

إن إعطاء المشرع المغربي للنيابة العامة أمام المحكمة التجارية الحق في طلب فتح مسطرة التسوية القضائية، يعد خصوصية مسطرية تمتاز بها مساطر معالجة صعوبات المقاولة، و يعد ضمانة إضافية لحقوق الدائنين و العمال و الممونين من الضياع، و يكون بذلك تجاوز النظرة التقليدية لهذه المؤسسة المرتبطة أساسا بنظام القضاء الزجري .

المطلب الثاني
فتح المسطرة تلقائيا من طرف المحكمة


إستنادا إلى مقتضيات المادة 563 من م.ت، يمكن للمحكمة التجارية أن تضع يدها تلقائيا على مساطر المعالجة متى اتضح لها من خلال أية وثيقة، أو دعوى رائجة أمامها أن مقاولة ما في وضعية توقف عن الدفع، أو في حالة عدم تنفيذ الإلتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي، أو في حالة فشل مسطرة الوقاية الخارجية لعدم التوصل لاتفاق بين المدين و دائنيه، كما لها أن تقرر فتح المسطرة متى تم تقديم طلب من رئيس المقاولة بفتح مسطرة التسوية الودية و اتضح لها أن المقاولة متوقفة فعلا عن الدفع، و يمكنها ذلك أيضا متى ثم تبليغها بواقعة التوقف عن الدفع من أحد الأشخاص الذين يمنحهم القانون إمكانية طلب فتح المسطرة مثل الشريك أو المساهم أو مراقب الحسابات أو مندوبي العمال أو غيرهم ، و هو الأمر الذي أكده قرار صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه:
"المادة 563 من مدونة التجارة أعطت الحق للمحكمة بأن تقضي من تلقاء نفسها بفتح تلك المسطرة كلما توفرت لديها المبررات لذلك، بصرف النظر عن أي طلب آخر يبرره، لأن هذه المسطرة تعتبر من النظام العام الاقتصادي و دور المحكمة فيها لم يعد منحصرا في الفصل في النزاع بناء على طلب أحد الأطراف، و إنما يتجاوزه للمساهمة في تحقيق حماية لمختلف المصالح سواء تعلق الأمر بالمقاولة المتوقفة عن الدفع أو بالدائنين لهم عليها ديون غير مؤذاة" .
و المقصود بالمحكمة التجارية هيأة الحكم الجماعية ذات الاختصاص التقريري في فتح المسطرة على وجه الانفراد و دون تداخل مع اختصاصات أجهزة أخرى من أجهزة المسطرة، كالقاضي المنتدب الذي يعد الساهر على حماية المصالح المرتبطة بالمسطرة.
ومن الحالات التي تجسد بوضوح تدخل المحكمة تلقائيا لتصرح بوضع يدها على المقاولة التي تعاني من صعوبات أدت إلى توقفها عن الدفع، ما جاء به القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس والذي جاء فيه :
"حيث إن ما نعاه الجانب المستأنف على الحكم المطعون فيه مجانبته للصواب وخرقه للقانون لاستجابته لطلب إجراء خبرة حسابية مقدمة أمام محكمة الموضوع ولتحريفه لموضوع الطلب حيادا على مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية ولعدم توقف الشركة عن دفع ديونها.
وحيث قدمت النيابة العامة مستنتجاتها ملتمسة الحكم وفق القانون.
وحيث إنه خلافا لدفوعات الجهة المستأنفة، فإن مسطرة معالجة صعوبات
المقاولة تعتبر مـن النظام العام، وأن للمحكمة حق التدخل التلقائي عملا بالمواد 563 و 566 من ق.م.ت والمادة 115 من ق.م.م. تلك القاعدة التي تجعل البث في النوازل يتوقف مبدئيا على دعوى يرفعها أحد أطراف النزاع" .
فمن خلال هذا القرار يتضح على أنه جاء ردا على ما أثاره الدفاع في إحدى موجبات استئنافه بخرق المحكمة مقتضيات الفصل 3 من ق.م.م و كان قرارا سليما يؤكد خصوصية القواعد المسطرية لنظام معالجة صعوبات المقاولة، على اعتبار أن المحكمة التجارية و هي تنظر في طلب فتح المسطرة ضد المقاولة المدينة لا تتقيد بما يطلبه الأطراف، كما لا تتقيد بضرورة اتباع ترتيب المساطر الذي جاء به المشرع و المتمثل في سلوك مسطرة الوقاية و مسطرة التسوية ثم مسطرة التصفية، و إنما تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تحديد نوع المسطرة بحيث قد تقضي بالتصفية دون المرور عبر مسطرتي الوقاية و التسوية القضائية و ذلك متى تبين لها أن المقاولة المدينة مختلة بشكل لا رجعة فيه .
وإذا كان القرار السالف الذكر يشكل مثالا على التدخل التلقائي للمحكمة لوضع يدها على المقاولة التي تعاني من صعوبات، فإن ما أثار انتباهنا هو قرار آخر صادر هذه المرة على محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ، والذي صرحت فيه بعدم قبول الدعوى شكلا وإلغاء الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى الذي قضى بالتصفية القضائية حيث جاء ضمن حيثياته ما يلي:
"حيث إن الطاعن يتمسك بانعدام صفة طالب التصفية القضائية وبخرق المقتضيات المنظمة لمسطرة معالجة صعوبة المقاولة، وكذا سبقية البث في النازلة وصدور حكم بوضع الشركة تحت نظام الحراسة القضائية.
- وحيث إنه عملا بمقتضيات الفصلين 561 و 563 فإن طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة يتعين تقديمه من طرف رئيس المقاولة أو بمقال افتتاحي للدعوى لأحد الدائنين. كما يمكن أن تضع يدها تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة.
- وحيث إنه لا يوجد بالملف ما يثبت موافقة المجلس الإداري للشركة على تولي السيد جون لوك منصب المدير العام أو ما يثبت انعقاد الجمعية العامة لهذا الغرض بعد وفاة المسير القانوني لها، كما أنه بالرجوع إلى القانون التأسيسي للشركة، فإن نصوصه لا تتضمن ما يفيد أن المدير النائب يعين تلقائيا كخلف خاص في حالة وفاة المدير الأصلي كما هو عليه الأمر في النازلة، وهو ما سار عليه أيضا القرار الاستئنافي.
- وحيث إنه والحالة هذه، فإن طالب التصفية القضائية للشركة ليست له صفة رئيس المقاولة، استنادا لما ذكر، مما يتعين معه بالتالي إلغاء الحكم المستأنف وبعد التصدي الحكم من جديد بعدم قبول الطلب مع تحميل رافعه الصائر".
إن المشرع المغربي عندما أراد للمحكمة التجارية أن تضـع يدها تلقائيا علـى المسطرة، فإنه توخى من ذلك تفادي الخلل الذي يمكن أن ينجم عـن إهمال المقاول المدين التصريح شخصيا بحالة التوقف عن الدفع التــي وصل إليها، وتقاعس الدائنين عن ممارسة الحق الذي خولهم إياه القانون في طلب فتح المسطرة أو إغفالهم إحدى الشكليات الضرورية التي قد تؤدي إلى عدم قبول الدعوى شكلا ، وبالتالي فإن المشرع بتخويله للمحكمة التجارية مكنة وضع يدها تلقائيا على المسطرة والتصريح بفتح مسطرة المعالجة، يكون قد أسس لمسطرة خاصة في افتتاح الدعوى، حتى وإن كان على مستوى الممارسة العملية أن هناك نسبة ضئيلة جدا من القضايا الرائجة أمام المحاكم التجارية تكون هي المصدر فيها.
من هذا المنطلق أصبح القضاء سيد الموقف في تحريك مسطرة معالجة صعوبات المقاولة و توجيهها التوجيه الصحيح، و بالتالي فان مفهوم الصفة و المصلحة كشرط لإقامة الدعوى أخد أبعادا مغايرة عما هو متعارف عليه في إطار قواعد القانون القضائي الخاص.
و المشرع عندما منح للمحكمة مكنة التدخل لفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة جعل هذا التدخل يختلف من حالة لأخرى.
في الحالة الأولى لا يعدو أن يكون دورها إلا دورا تكميليا، إذ تكون دعوى جارية يقيمها الدائن أو المدين و يثبت للمحكمة أن الطلب معيب شكلا يفضي حتما بعدم قبول الدعوى طبقا للقواعد المسطرية العادية، فإن خصوصيات مساطر معالجة صعوبات المقاولة تفرض تجاوز الإختلالات الشكلية و تبرر خروج القاضي على القواعد العامة لينظر في موضوع الدعوى، وفي هذا الصدد ورد قرار صادر عن المحكمة التجارية بفاس جاء فيه مايلي :
"و حيث يلاحظ بادئ ذي بدء أن طلب فتح مسطرة التصفية القضائية في مواجهة مقاولة "ك - ج - أ" تقدمت بها المدعية بوصفها ممثلة قانونية للشخص المعنوي ضد شريكتها و الحال أن الطلب يجب أن تتقدم به المقاولة المعنية بالأمر ضد من له الحق على ما جرى به العمل القضائي، وحيث إن قواعد العدالة و الإنصاف تقتضي التغاضي عن الإخلال الشكلي المذكور الذي لا يمس بحقوق الطرفين من جهة و كدا بالنظر إلى طابع النظام العام الذي يلازم نظام صعوبات المقاولة ومساطر التصفية القضائية الذي جعل المشرع يخول للدائن و المدين و المحكمة التجارية المختصة الحق في فتح المسطرة ضد المدين إما من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العامة من جهة أخرى ..." .
هكذا إذن يعكس الحكم السالف الذكر الحالة التي يكون فيها للمحكمة دورا تكميليا، إذ أن هذه الأخيرة في هذه الحالة تتوفر على جميع المعلومات و المعطيات التي تمكنها من تصحيح الاختلالات الشكلية و تعديل طلبات الأطراف.
أما الحالة الثانية على خلاف الحالة السابقة، يعتبر من خلالها تدخل القضاء بمثابة اختبار لمدى قدرته على أخد المبادرة و المشاركة في العملية الاقتصادية، إذ لا تكون فيها أي دعوى جارية، و هنا يتعلق الأمر بالحالة التي يصل فيها إلى علم المحكمة أو النيابة العامة بعض المخالفات التي تؤدي إلى وضع المقاولة في وضعية مختلة، إذ بمجرد أن ينتهي إلى علمهما بأن إحدى المقاولات تعاني من صعوبات مما يهدد مصالح الدائنين أو المصلحة العامة فإن المحكمة تأمر ببدء الإجراءات، إلا أن هذه الحالة الأخيرة أقل شيوعا نظرا لتقاعس الجهات التي أوكل إليها المشرع الحق في إخطار المحكمة بالمقاولات التي تعاني من صعوبات.
لكن التساؤل الهام الذي يثار بخصوص هذه النقطة هو كيف يمكن للمحكمة أن تضع يدها تلقائيا على المقاولة المتعثرة، والحال أن قضاءنا التجاري لا يتوفر على جهاز يتولى تتبع المقاولات ومختلف الظروف التي تمر منها، كما هو الحال بالنسبة للمحاكم التجارية الفرنسية؟
يرى بعض الفقه الفرنسي أنه ينبغي فتح المجال أمام كل المصادر الممكنة ليضع القضاء يده تلقائيا على المسطرة، وتتمثل أساسا في محاضر الاحتجاج الممسوكة بكتابة ضبط المحكمة، والمراسلات الرسمية الواردة من البنك، أو وزارة المالية أو مصلحة الضرائب، أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

المبحث الثاني
تعدد الإجراءات الأولية قبل البث في طلب فتح
مسطرة التسوية القضائية


إذا كانت الدعوى وفق القواعد العامة في قانون المسطرة المدنية تفتح بمجرد وضع المقال بصندوق المحكمة من قبل المدعي أو من ينوب عنه، و يعتبر ذلك بدء للخصومة، و تعتبر من هذا التاريخ منتجة للآثار التي يرتبها القانون على رفع الدعوى وذلك بالرغم من أنها - حتى هذه اللحظة - لم يصل علمها بعد إلى المدعى عليه، فإن الأمر ليس كذلك في مسطرة التسوية القضائية، إذ ليس بمجرد أن يتقدم الدائنين أو رئيس المقاولة بطلب فتح التسوية القضائية تفتح هذه المسطرة وتبدأ المحكمة بالبث في الطلب.
فنظرا لخصوصيات هذه الدعوى فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الإجراءات المسطرية التي تتميز عن تلك المعمول بها في القواعد العامة، إذ أوجب المشرع على المحكمة التجارية المرفوع إليها طلب فتح مسطرة التسوية القضائية، إتباع مجموعة من الإجراءات تهدف من خلالها التأكد من ثبوت واقعة التوقف عن الدفع، و معرفة الوضعية الاقتصادية و المالية و الاجتماعية الحقيقية للمقاولة، و لهذه الغاية منحها بمقتضى المادة 567 من م.ت إمكانية الإستماع إلى رئيس المقاولة المدعى عليها، والإستماع إلى أي شخص آخر متى رأت أن أقواله مفيدة للمسطرة.
و نظرا للسرعة التي يتميز بها نظام صعوبات المقاولة، بهدف إنقاذ المقاولة المتعثرة، فقد أوجب المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 567 من م. ت على المحكمة أن تحترم أجلا لكي تبث في الطلب وقد حدده المشرع في 15 يوما على الأكثر من رفع الدعوى إليها.

المطلب الأول
تعدد الأطراف المستمع إليهم


سواء ثم تقديم طلب فتح المسطرة من قبل المدين ذاته، أو من قبل أحد دائنيه أو من طرف النيابة العامة، أو وضعت المحكمة التجارية المختصة يدها على المسطرة تلقائيا، فإن المشرع وطبقا لمقتضيات المادة 567 م.ت، أوجب على المحكمة وقبل أن ثبت في طلب فتح المسطرة أن تستمع لرئيس المقاولة أو تعمل على استدعائه قانونيا للمثول أمام غرفة المشورة .
و يعتبر استدعاء رئيس المقاولة من الإجراءات الأولية التي تتبعها المحكمة قبل البث في طلب فتح المسطرة، وذلك بهدف استفساره و تلقي شروحاته حول الأمور المتعلقة بالمقاولة و ذلك من قبيل وضعها المالي و الاقتصادي و الاجتماعي و سبب توقفها عن الأداء لديونها المستحقة، و حول ما إذا كانت لديه اقتراحات من شانها إنقاد المقاولة .
وما ينبغي تسجيله من هذا الإجراء المسطري، أن المحكمة التجارية المرفوعة إليها الدعوى الرامية إلى فتح المسطرة تتمتع بفرصة كافية لكي تطلع بمزيد من التفصيل على وضعية المقاولة المدعى عليها، و تكوين نظرة أولية عن هذه الوضعية و تقوية دورها بصفة عامة ، وذلك بطريقة تحول دون أن تتأثر سمعة المقاولة المعنية بالأمر خاصة و أن المسطرة المتبعة بغرفة المشورة لا تكون علنية.
و إذا استدعت المحكمة التجارية المختصة رئيس المقاولة من أجل الاستماع إليه بغرفة المشورة بشأن طلب فتح المسطرة، وتخلف عن الحضور في التاريخ المحدد دون عذر مقبول، فإن المحكمة المعنية بالأمر تعتبر هذا التخلف عن الحضور بمثابة قرينة على كون المقاولة المدعى عليها توجد في حالة توقف عن الدفع، مما يسمح لها بالحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية متى كانت هذه المقاولة غير مختلفة بشكل لا رجعة فيه، ومتى كانت باقي الشروط الأخرى اللازمة لذلك متوفرة .
لكن السؤال الذي يثار يتعلق بالحالة التي يتعذر فيها على مأمور الإجراءات تسليم الإستدعاء لرئيس المقاولة شخصيا، أو لمن يحق لهم تسلم الإستدعاء طبقا للمادة 38 وما يليها من ق.م.م نتيجة إغلاق المحل المعين كعنوان في السجل التجاري؟.
إن غاية المشرع من إستدعاء رئيس المقاولة، هو التأكد من وضعية هذه الأخيرة وأنه طالما أن هذه المقاولة المدعى عليها مغلقة، فإن ذلك يعتبر دليلا على أنها مختلة ومتوقفة عن دفع ديونها، وبالتالي فإن المحكمة التجارية المرفوعة إليها الدعوى تقضي بفتـح مسطرة التصفيـة القضائية مباشـرة دون أن تمر عبر مسطرة التسوية القضائية .
إضافة إلى التساؤل السابق، هناك تساؤل أكثر أهمية يتعلق بالحالة التي تغفل فيها المحكمة استدعاء رئيس المقاولة، و الأثر القانوني المترتب عن هذا الإغفال؟
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 567 من م.ت، نجد أن الصياغة التي جاءت بها هـي صيغة الأمر و الإلزام، إذ بدأ المشرع المادة بعبارة " تبت المحكمة بشأن فتح المسطرة بعد استماعها لرئيس المقاولة "، وبالتالي و احتراما لرغبة المشرع و احتراما لحقوق الدفاع، يتوجب على المحكمة إستدعاء رئيس المقاولة و هو الأمر الذي أكده
المجلس الأعلى من خلال أحد قراراته الذي جاء فيه :
" إن مقتضيات المادة 567 من مدونة التجارة، التي تنص على ضرورة الاستماع لرئيس المقاولة أو إستدعائه قانونا للمثول أمام غرفة المشورة، تتعلق بالحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية و ليس بالحكم البات في الاستئناف المرفوع ضد الحكم الذي تبنى عرض أحد الدائنين " .
لكن ماذا لو تخلف رئيس المقاولة عن الحضور لسبب خارج عن إرادته و أصدرت المحكمة حكمها بالتسوية القضائية أو التصفية القضائية؟
في هذه الحالة يتعين على المحكمة إعادة إستدعاء رئيس المقاولة و إلا كان الحكم الصادر عن المحكمة معيبا، الأمر الذي يتوجب إلغاؤه من قبل محكمة الاستئناف التجارية التي يحق لها أن تتصدى للقضية، طالما أن الاستئناف ينشر القضية من جديد أمامها، وتأمر بإعادة إستدعاءه بصفة قانونية، و تستمع إليه و ذلك ضمانا للسير السليم للمسطرة و تحقيقا لرغبة المشرع المتمثلة في الحفاظ على مصالح المقاولة و الدائنين و كذلك لكون رئيس المقاولة يعتبر المعني الأول و الأساسي بفتح المسطرة و المصدر الأساسي لجميع المعلومات التي تفيد المحكمة للوقوف على مدى جدية الطلب المقدم من قبل طالب فتح المسطرة .
و المشرع المغربي لم يتوقف عند إجراء الإستماع لرئيس المقاولة فقط، بل أضاف في الفقرة الثانية من المادة 567 من م. ت، إمكانية المحكمة التجارية الإستماع لكل شخص تبين لها أن أقواله مفيدة أو كل شخص من ذوي الخبرة حيث جاء في هذه الفقرة:
"يمكنها أيضا الإستماع لكل شخص تبين لها أن أقواله مفيدة دون أن يتمسك بالسر المهني، كما يمكنها أن تطلب من كل شخص من ذوي الخبرة إبداء رأيه في الأمر".
حسب هذا المقتضى أن للمحكمة سلطة واسعة في أن تستمع لكل شخص مهما كانت صفته أو الوظيفة التي يزاولها كالخبراء المحاسبين، مراقب الحسابات و ممثلي العمال، و موظفي البنوك أو إدارة الضرائب و غيرهم، و لا يجوز لأي أحد منهم التمسك بالسر المهني، و بصفة عامة يمكن للمحكمة التجارية أن تطلب من أي خبير أو فني أن يعطيها رأيه في الموضوع ، مما يدل على أن هذا الإجراء عكس سابقه ـ المتعلق برئيس المقاولة ـ بحيث يبقى من الإجراءات الاختيارية، و هذه الإمكانية تتيح للمحكمة فرصة إضافية لجمع المعلومات و البيانات التي من شأنها توضيح و ضعية المقاولة .
و يتم الاستماع لهؤلاء الأشخاص إما بغرفة المشورة، وإما بواسطة قاضي يتم تعيينه خصيصا لهذا الغرض، حيث يقوم هذا الأخير بالإستماع إلى كل شخص يعنيه الأمر، ويعد تقريرا في الموضوع يضعه بين يدي المحكمة التجارية التي تنظر في القضية.
و المشرع المغربي يهدف من وراء هذه الإجراءات، إعطاء المحكمة التجارية المختصة صلاحيات واسعة للقيام بكل ما من شأنه أن يوصلها إلى حقيقة الوضع المالي للمقاولة المراد فتح المسطرة في مواجهتها، والذليل على ذلك هو أنه لم يلزمها بأي شكلية معينة سواء فيما يخص الإستماع للشخص أو الأشخاص الذين ترى أن أقوالهم مفيدة أو فيما يخص أخذ الرأي في الموضوع من ذوي الخبرة.
و مما تجب الإشارة إليه أن الإستماع لكل شخص من ذوي الخبرة في إطار المادة 569 من مدونة التجارة، هو إجراء فني تلجأ إليه المحكمة للاستخبار والتقصي حول وضعية المقاولات، و يخضع بالضرورة إلى القواعد المنصوص عليها في ق.م.م و على الخصوص المادة 59 و ما يليها .
خلافا للمشرع المغربي، نجد المشرع الفرنسي يلزم المحكمة بضرورة الإستماع إلى ممثل لجنة المقاولة و في غيابه إلى مندوبي العمال أو ممثل العمال .
وإذا كان على المحكمة الإستماع لرئيس المقاولة وإلى كل شخص تراه مناسبا أو إلى ذوي الخبرة، فإن كل هذه الإجراءات رهينة بمدة زمنية معينة يتعين عليها إحترامها.

المطلب الثاني
تقييد المحكمة بأجل للبث في طلب فتح مسطرة
التسوية القضائية.


إذا كانت المحكمة وفق قانون المسطرة المدنية تضع يدها على النزاع بمجرد إيداع المقال الافتتاحي بصندوق المحكمة، أو إحالة الملف عليها بالطريق الإداري كما هو الأمر بالنسبة للنزاعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري، بحيث يمكن للمحافظ العقاري إحالة التعرضات على طلبات التحفيظ على المحكمة المختصة بعد انصرام الآجال القانونية للتعرض وفق ما تقضي بذلك المادة 32 من ظهير 12 غشت 1913 ، ويكون عليها بعد ذلك أن تفصل في النزاع بالرفض أو القبول، وذلك بعد أن توجه الدعوة للأطراف لحضور جلسات المحكمة، ودون أن يقيدها بأي أجل ، فإن المشرع المغربي في الكتاب الخامس من مدونة التجارة نحى منحى مخالفا، إذ ألزم على المحكمة التجارية المرفوع إليها طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة بأن تبث في هذا الطلب داخل مدة لا تتعدى في أقصاها خمسة عشر يوما تبتدئ من تاريخ رفع الطلب إليها، إذ تنص الفقرة الأخيرة من المادة 567 من م.ت على مايلي:
"تبث المحكمة بعد خمسة عشر يوما على الأكثر من رفع الدعوى إليها"
ومما يستفاد من التعبير المستعمل في هذه الفقرة أن المشرع المغربي يلزم المحكمة التجارية المرفوع إليها طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة بأن تبث في هذا الطلب داخل مدة لا تتعدى في أقصاها خمسة عشر يوما تبتدئ من تاريخ رفع الطلب إليها.
و على خلاف ذلك فإن المشرع الفرنسي في قانون 25 فبراير 1985 لا يحدد أي أجل للمحكمة التجارية المرفوعة إليها الطلب قصد البث فيه.
ومما تجب الإشارة إليه هو أنه رغم صراحة المادة 567 من م.ت السالفة الذكر، فإن بعض المحاكم لا تحترم الأجل المحدد لها من قبل المشرع و ذلك لكون هذا الأجل غير كافيا حتى تتمكن المحكمة من القيام بكافة الإجراءات كالإستماع لرئيس المقاولة و لكل شخص تبين لها أن أقواله مفيدة و لرأي ذوي الخبرة، الأمر الذي يدفعها إلى الإستماع فقط لرئيس المقاولة دون غيره لعدم وجود ما يلزمها بذلك ، أو أنها تتجاوز الأجل المحدد لها كما هو الأمر لعدد من المحاكم التي أخذت مدة تفوق شهرين من تاريخ رفع الدعوى إليها وهو ما يتضح من خلال حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 7 أبريل 1999 ملف عدد 1/98 ، وكذلك الشأن بالنسبة للمحكمة التجارية بالرباط التي لم تتقيد بأجل خمسة عشر يوما للبث في الدعوى موضوع الملفات عدد4/98/311 وعدد4/98/677 ، الأمر الذي سيطرح سؤالا منطقيا يتمثل في الجزاء في حالة عدم احترام المحكمة التجارية المعروضة عليها الدعوى الأجل المحدد في المادة 567 من م ت؟
نظرا للسرعة التي يتميز بها نظام صعوبات المقاولة، و التي تبررها الوضعية الهشة و الخطيرة التي تعرفها المقاولة، و لكون التدخل القضائي يتعين أن يواكب تلك السرعة من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح تلك الوضعية، لا يمكن أن يكون الجزاء هو إلغاء الحكم الصادر بعد مرور المدة المحددة بمقتضى المادة 567 من م. ت، إلا أنه ومع ذلك فإنه يتعين على المحكمة التجارية احترام رغبة المشرع الذي كان يتوخى من وراء ذلك تحقيق مجموعة من الأهداف، أبرزها السرعة في إصدار الحكم وذلك قصد إنقاذ المقاولة ومن خلالها إنقاذ الاقتصاد الوطني، ولكن تأخر المحكمة التجارية في إصدار الحكم داخل أجل خمسة عشر يوما يمكن أن يرتب مسؤولية الدولة عن الضرر الذي قد يلحق الدائنين من جراء تأخر المحكمة خرقا لمقتضيات المادة السالفة الذكر ، كما قضت بذلك محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 7 يناير 1992.
ومما تقدم يتضح على أن إجراءات فتح مسطرة التسوية القضائية تتميز بخصوصيات مسطرية عن تلك المعمول بها في قانون المسطرة المدنية و قانون الالتزامات و العقود


خاتمة


إن الكتاب الخامس من مدونة التجارة يعتبر بحق قيمة مضافة لمختلف القوانين التي أصدرها المشرع المغربي من اجل تنظيم ميدان المال و الأعمال و ذلك من خلال الآليات القانونية التي جاء بها من أجل إنقاذ المقاولة التجارية التي تعاني من صعوبات أدت بها إلى التوقف عن الدفع .
فالمشرع المغربي جاء بمقتضيات قانونية لتنظيم الجانب الشكلي و الموضوعي لدعوى معالجة صعوبات المقاولة، و ما يلاحظ على هذه المقتضيات هو تغليب الجانب الشكلي على الجانب الموضوعي، و من خلاله أسس لبوادر مسطرة ذات خصوصيات لا تتلاءم مع القواعد العامة المنصوص عليها في القانون القضائي الخاص أو قانون المسطرة المدنية، و يتجلى ذلك بوضوح من خلال طريقة افتتاح المسطرة، إذ أعطى المشرع لجهات عديدة الحق في التقدم بطلب فتح المسطرة ودون أن يعطيهم السلطة في توجيه الدعوى، بحيث يبقى للمحكمة الحق في اختيار المسطرة التي تلاءم وضعية المقاولة و دون أن تحترم الترتيب الذي جاء به الكتاب الخامس.
فمتى تبين للمحكمة أن المقاولة قادرة على تجاوز الأزمة التي تعترضها، يمكن أن تمنحها فرصة لتصحيح وضعيتها من خلال مسطرة التسوية القضائية، أما إذا كانت مختلة بشكل لا رجعت فيه فان المحكمة تقضي بالتصفية القضائية، و بالتالي فالمحكمة تتمتع في ذلك بسلطة تقديرية واسعة.
و لتحقيق رغبة المشرع من سن الكتاب الخامس من مدونة التجارة، يتعين على القضاء أن يلعب الدور الذي أنيط به و ذلك من خلال تتبع مسار المقاولات و رصد الصعوبات التي تعاني منها، على اعتبار أن القضاء التجاري أسندت له سلطات و اختصاصات واسعة و جد مهمة، لأن مصير المقاولة أصبح مسؤولية ملقاة على عاتقه.


سيتم إدراج النسخة الحاملة للهوامش لاحقا




الخميس 18 أكتوبر 2012

تعليق جديد
Twitter