MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




ضمانات حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة بقلم الدكتورة أمينة رضوان

     



ضمانات حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة بقلم  الدكتورة أمينة رضوان

 
مقدمة:

  إن المقاولات باعتبارها وحدات اقتصادية تكون معرضة للوقوع في صعوبات مالية تجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها(1)، نتيجة عوامل قد تكون داخلية مرتبطة بسوء التسيير والفوضى في التمويل، و قد تكون خارجية كمشكل التسويق و ضعف الاحتياط الذاتي. و هذا ينعكس على كل مكوناتها. و قد كان الهدف الأسمى لقانون صعوبات المقاولة(2) هو خدمة المصلحة العامة، عن طريق الإبقاء على الوحدات الإنتاجية للمقاولة، و بالتالي الحفاظ على عقود الشغل و ضمان أداء دين الأجراء.
        فما هي الضمانات القضائية التي يتمتع بها الأجراء في ظل قانون معالجة صعوبات المقاولة، سواء على مستوى الحفاظ على عقود الشغل؟ (مبحث أول) أو على مستوى ضمان أداء دين الأجراء؟ (مبحث ثاني).

 
 
 

(1) أنظر في هذا الصدد:
Lahlou Mehdi . système éducatif. Entreprises et difficultés de la transition au marocain science technologie et croissance au maghreb. Actes de la 1ére conférence maghtech. 1994 – sous la dir . de la abdelkader afeflat et riadh zydals biruni. 1995. p 23 etc.      
 
(2) إذا كان القانون التجاري القديم لسنة 1913 عرف الإفلاس في المادة 197 منه، فإن مدونة التجارة الجديدة لم تعرف صعوبات المقاولة و إن كان المشرع المغربي يعبر عن هذه الصعوبات حسب مراحل المسطرة، ففي مرحلة الوقاية يعبر عنها بالوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال (المادة 546 من م.ت)، و في مرحلة المعالجة بأنها تلك التي تجعل وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه (المدة 658 من م.ت)، و في مرحلة التصفية القضائية بأنها هي التي تجعل وضعية المقاولة مختلفة بشكل لا رجعة فيه (المادة 619 من م.ت).
سعد القاسيمي . خصوصيات نظام صعوبات المقاولة (دراسة مقارنة) تقرير لنيل د.د ع م في قانون الأعمال . جامعة الحسن الثاني عين الشق كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الدار البيضاء . س ج 1998 – 1999 . ص9-10.

 
 
مبحث أول
مظاهر الحماية القضائية للأجراء على مستوى الحفاظ على عقود الشغل

يظهر الجانب الاقتصادي في مساطر معالجة(1) صعوبات المقاولة بشكل قوي إضافة إلى الجانب الاجتماعي(2). فالأجير يعد فاعلا مهما داخل المقاولة التي تمر بصعوبة اقتصادية. لهذا يجب عدم تهميشه، باعتبار أن المعالجة تقوم على أساس استمرارية المقاولة و الحفاظ على عقود الشغل كلها أو بعضها.
 فما هو مصير عقود الشغل أثناء فتح مسطرة المعالجة؟ و هل ثمة من حماية قضائية تضمن استيفاء حقوق الأجراء خلال هذه المسطرة؟.
و للإحاطة بوضعية عقود الشغل في إطار مساطر صعوبات المقاولة سيتم تقسيم هذا المبحث حسب الآتي:

مطلب أول
مصير عقود الشغل في فترة الملاحظة
(3)

تكتسي فترة إعداد الحل la préparation de la solution، أو فترة الملاحظة أهمية بالغة وحيوية، لكونها توفر للمحكمة التجارية اختيار الحل الملائم بين الحلول الثلاثة، التي يمكن للسنديك أن يقترح واحدا منها، و هي إما مخطط الاستمرارية و إما مخطط التفويت وإما التصفية القضائية(4)

 
 
 

(1) المقصود بمعالجة صعوبات المقاولة (أو الوقاية منها) حسب مقتضيات المادتين 545 و 560 من م.ت المساطر التي يتعين سلوكها لتفادي الصعوبات التي تعتري المقاولة خاصة تلك الصعوبات التي تترتب عن عدم قدرة كل تاجر و كل حرفي و كل شركة على تسديد الديون المستحقة عليهم عند الحلول بما في ذلك الديون الناتجة عن الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556 من م.ت المتعلقة بالوقاية الخارجية من الصعوبات عن طريق مسطرة التسوية الودية.
رحال حاتم . قراءة في الكتاب الخامس من مدونة التجارة المغربية (القانون رقم 95-15 / صعوبة المقاولة) مجلة المحامي . ع 39 . س 2001 . ص 41.
(2) إذا كان قانون 25 يناير 1985 المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية الفرنسي، قد عمل على خلق توازن بين الجانب الاقتصادي و الجانب الاجتماعي. فإن قانون صعوبات المقاولة المغربي رجح الجانب الاقتصادي على الجانب الاجتماعي، و بذلك غلّب مصلحة المقاولة على مصلحة الأجراء.
(3) تعتبر فترة الملاحظة هي المرحلة الفاصلة بين تقديم الطلب و اتخاذ الحل، كما تعرف أيضا بكونها فترة تشخيص حالة المقاولة أو فترة إعداد الحل أو الفترة المؤقتة.
 أنظر في هذا الصدد:
-Jean Paullusseau . droit des faillites au droit des entreprises en difficulté . in études offertes à Houin Roger. Problèmes d’actualité posés par les entreprises . Dalloz Sirez. 1985 . p 9
-Mechel Jeantin . droit commercial (instruments de paiement et de crédit entreprises en  difficulté) 3éme édition . dalloz 1992. p.338.
(4) و إن كانت التصفية القضائية لا يمكن اعتبارها حلا، ما دامت ستؤدي إلى زوال المقاولة.



و هي حلول ترفق بمجموعة من المعلومات و الأسباب التي يقوم عليها اقتراح الحل، و التي من شأنها أن تضمن للمحكمة حسن اختيار الحل المناسب و الملائم لإنقاذ المقاولة المتعثرة أو التي تعاني من صعوبات اقتصادية(1). و قد منح المشرع للسنديك وحده(مكرر1) في هذه المرحلة إمكانية المطالبة بتنفيذ العقود الجارية(2)(2مكرر) بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها بعد توجيه إنذار إلى السنديك يظل دون جواب لمدة تفوق شهرا(3) ، و من هذه العقود الجارية نجد عقود الشغل، حيث تبقى عقود الشغل الناشئة لفائدة الأجراء قبل صدور حكم فتح المسطرة خاضعة لإرادة السنديك شأنها شأن باقي العقود الجارية الأخرى. فما هي حدود سلطة السنديك بخصوص عقود الشغل المذكورة؟.

 (1) أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . مطبعة المعارف الجديدة. الرباط . 2004 . ص 363
(1 مكرر) جاء في قرار محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 20/09/2007 ع 1173/06 ما يلي: « يعتبر العقد المبرم قبل الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية في حق الشركة من العقود الجارية التي بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذها وفق أحكام المادة 573 من مدونة التجارة».
 قرار منشور بمجلة المحاكم التجارية ع 3/4- ص 216 و ما يليها.
(2) عرفت الغرفة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية العقد الجاري بأنه «كل اتفاق في الالتزامات الرئيسية لم يقع تنفيذه يوم الحكم بفتح المسطرة». Cass. Com 2 mars 1993. Dalloz, 1993 p.573 note devese        
 
و عرفه الفقيه الفرنسي (دريدا) بأنه: « العقد الذي لم يقع الانتهاء من تنفيذ بعض أجزائه»
 Derrida. Code et sortais. Redressement et liquidataion judiciaires des entreprises. Dalloz .3éd 91 n°392         
(2 مكرر) أنظر في هذا الصدد :
حياة حجي . نظام الضمانات و قانون صعوبات المقاولة (دراسة مقارنة) ط . الأولى  . دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع الرباط . 2012. ص 282 و ما يليها.
(3) الفقرة الأولى من المادة 573 من م.ت.

 
 
 
إذا كانت الصياغة العامة للمادة 573 من مدونة التجارة لا تسعف في استثناء عقود الشغل، بحيث إنها هي المطبقة على كافة العقود الجارية و بدون أي استثناء. فإننا نميل إلى الاتجاه(1) الذي يذهب إلى القول أن السنديك يجب عليه أن يراعي عند تطبيق هذه المادة أحكام مدونة الشغل، ليس تعاطفا مع الأجراء كما قد يقال، و إنما تماشيا مع المبادئ  العامة التي توجب الرجوع إلى القواعد الخاصة  عند الاقتضاء. و عليه فإذا ما قرر السنديك إنهاء عقود الشغل خلال هذه المرحلة، فإنه يكون واجبا عليه تطبيق مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية كما هي منصوص عليها في المواد من 66 إلى 71 من مدونة الشغل، و هو أيضا ما كرسته المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حكم(2) لها جاء فيه: «... و حيث إن مقتضيات المدونة في باب صعوبات المقاولة عند تقرير مخطط استمرارية المقاولة  سمحت بإمكانية فسخ عقود العمل كإجراء و قرار مصاحب للاستمرارية شريطة اتباع و تطبيق القواعد المنصوص عليها في مدونة الشغل و يتعين على السنديك تنفيذ المخطط بهذا الخصوص و مراقبة تنفيذه طبقا للمقتضيات القانونية».

 
 
 

 (1) هشام الزاهير. تعامل القضاء مع عقود الشغل في نطاق صعوبات المقاولة . رسالة لنيل د د ع المتخصصة في القانون الخاص (وحدة المهن القضائية و القانونية) جامعة محمد الخامس السويسي الرباط. س.ج 2005-2006  . ص81.
رشيد مهيد . دور السنديك في نظام صعوبات المقاولة . رسالة لنيل د د ع م في القانون الخاص . وحدة قانون المقاولات . كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية أكدال الرباط . س ج 2003 – 2004 . ص40.
(2) - حكم ع. 267 بتاريخ 04/03/2002 في الملف التجاري رقم 375/201/10 . حكم غير منشور.

 
 
و بخلاف المشرع المغربي فقد حرص نظيره الفرنسي على استثناء عقود الشغل من خانة العقود الجارية المطبقة عليها مقتضيات المادة 37 من القانون المؤرخ في 25 يناير 1985 المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية والمعدل بتاريخ 20 يونيو 1994، مستبعدا بذلك أية صلاحية للسنديك(1) في إنهاء عقود الشغل.
و قد أسندت المادة 45 من القانون المذكور مهمة الإذن بإعفاء الأجراء خلال هذه المرحلة للقاضي المنتدب وفق شروط محددة، تتمثل في كون هذا الإعفاء له صيغة استعجالية urgent و لا يمكن تفاديه inevitable وضروري indispensable(2) ، و بالإضافة إلى ذلك فقد خول القضاء الفرنسي حق الطعن للأجراء الذين سيشملهم الفصل في أمر القاضي المنتدب أمام المحكمة في حالة تم ذلك دون استشارة لجنة المقاولة أو مندوبي العمال، و في هذه الحالة فإن حكم المحكمة هو الذي يخول فصلهم(3)

المطلب ثاني
مصير عقود الشغل خلال مرحلة اختيار الحل

إن اختيار المحكمة الحل المناسب للمقاولة التي تتخبّط في مشاكل مالية لا يخرج عن أحد الحلين: إما استمرارية نشاط المقاولة (فقرة أولى) أو تفويتها إلى الغير (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى
مصير عقود الشغل خلال مخطط الاستمرارية

تعتبر استمرارية المقاولة «la continuation de l’entreprise» من أهم آليات التسوية أو التصحيح « le redressement » الذي تسعى إليها سائر الأطراف من رئيس المقاولة و الدائنين و الأجهزة القضائية المتدخلة في المسطرة(4). و لا يمكن للمحكمة إلا أن تقرر استمرارية المقاولة إذا ثبت لها أن هناك إمكانية جدية لتسوية وضعيتهـــــــا

(1) و الذي يدعى في التشريع الفرنسي بالمتصرف.
(2)Philipe long lois. l’emploi des salaries . Revue trimestrielle du droit commercial . 1996 . N° spéciale. p.153
                                                                                                                                      
Cour de cassation . arrêt N°95 . 42 – 220 . soc. 27/03/1998.(3)
(4) و هي المحكمة و القاضي المنتدب و النيابة العامة و السنديك.

 
 
 
و سداد خصومها تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 592(1) من مدونة التجارة. و عليه فيعد مخطط الاستمرارية حلا من حلول مساطر معالجة صعوبات المقاولة إلى جانب كل من التفويت(2) و التصفية القضائية، حيث استهدف المشرع من خلاله إنقاذ المقاولة، ذلك الكائن الذي انتقل من فكرة كونه مجرد وحدة قانونية إلى أخرى تصنف ضمن الوحدات الاقتصادية(3).
هكذا و بعد تقرير استمرارية المقاولة في نشاطها، يقوم السنديك بدراسة العروض المقدمة إليه، حتى يتأتى له اختيار العرض الملائم و يعرضه على أنظار المحكمة من أجل المصادقة عليه(4).
و تجدر الإشارة أن الحكم القاضي بحصر مخطط الاستمرارية(5) ينص على عدة إجراءات، تختلف باختلاف كل قضية على حدة، و كمثال على ما يمكن أن ينص عليه الحكم:

 
   
 
 

 (1) أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 2 . م.س . ص 431.
(2) Mustapha El mach .L’intérêt social dans les sociétés commerciales .mémoire pour l’obtention du diplôme des études supérieures Approfondies droit des affaires .université Hassan II  Ain chock faculté des sciences juridiques économiques et sociales Casablanca année académique 2001-2002.P 40
 
(3) إبراهيم البهالي . م.س . ص 13
(4) هذه الحالة التي تتعلق بإعداد الحل تكون المحكمة ملزمة بالاستماع لأقوال ممثلي الأجراء قبل إصدار الحكم القاضي باختيار الحل أو استدعائهم بصفة قانونية، مما يعطي لهؤلاء الممثلين الحق في الطعن في الحكم إما باختيار مخطط الاستمرارية أو تفويت المقاولة أوتصفيتها قضائيا.
عبد الرحيم السلماني . وضعية الأجراء في ظل قانون معالجة صعوبات المقاولة . م.س . ص 151.
 
 (5) مع ملاحظة أن اقتراح السنديك ليس ملزما للمحكمة.

 
* المصادقة على العرض الذي تراه المحكمة يحقق استمرارية المقاولة.
* تعيين الأجهزة المكلفة بتنفيذ المخطط من قاضي منتدب و سنديك مكلف بتنفيذ مخطط الاستمرارية(1)
و في هذا الإطار يجب إشراك الغرف المهنية أثناء وضع مخطط الاستمرارية، و تظهر فائدة إشراك هذه الغرف أكثر على صعيد المقاولات الفردية، التي لا تتوفر على أجهزة مثل التي تتوفر عليها الشركات من جمعية عامة أو أي شخص آخر(2).
و في نظرنا أنه خلال مخطط الاستمرارية يلزم تدخل الدولة من أجل إنقاذ المقاولة، و ضمان استمرار نشاطها الاقتصادي، و حمايتها من الدائنين ذوي النيات السيئة.
و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل ستستمر عقود الشغل خلال مخطط الاستمرارية؟
 
(1) محمد أيت بلحسين . عرض موجز حول مساطر صعوبات المقاولة . مجلة المحامي . ع 43 . س 2003 . ص17.
كما يمكن للمحكمة أن تقرر في الحكم الذي يحصر مخطط الاستمرارية عدم إمكانية تفويت الأموال التي تعتبرها ضرورية لاستمرارية المقاولة، دون ترخيص منها لمدة تحددها.
أنظر حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء : حكم رقم 408/2002 المؤرخ في 14 أكتوبر 2002 . في الملف ع 287/2002/10. منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات . ع  5 . س 2002 . ص 175.
(2) محمد المرابط . المقاولة و مستجدات القانون الجديد للتجارة . في المدونة الجديدة للتجارة : أشغال اليوم الدراسي المنظم بالرباط  في 5 يوليوز 1997 . المركز المغربي للدراسات القانوني الرباط . 1997.ص 56

 
 
 
إن المشرع الفرنسي استثنى بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 37(1) من قانون25 يناير 1985  المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية عقود الشغل من نطاق تطبيق مبدإ مواصلة العقود جارية التنفيذ في تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية(2). فما هو الوضع بالنسبة للمغرب؟
في هذا الإطار تنص الفقرة الأخيرة من المادة 573(3) من مدونة التجارة على أنه : «لا يمكن أن يترتب عن مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقد، على الرغم من أي مقتضى قانوني أو شرط تعاقدي». والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا المجال هو : هل تدخل عقود الشغل في حكم هذه المادة؟.
 
 

article 37 : « … les dispositions du présent article ne concernent pas les contrats de travail ». (1)
(2) امحمد لفروجي . وضعية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة (دراسة تحليلية نقدية في ضوء القانون المغربي و القانون المقارن) مطبعة النجاح الجديدة . الدار البيضاء . ط. 2006 . ص 36.
(3) تعتبر مقتضيات المادة 573 من م.ت من النظام العام، لا يجوز الاتفاق على خلافها ، و يعد كل اتفاق مخالف لهذه المقتضيات باطلا و كأن لم يكن، و لا تخضع هذه المقتضيات لأي استثناء اتفاقيا كان أو قانونيا أو قضائيا، و هذا ما سار عليه الفقه في المغرب و كذلك فرنسا لمماثلة النص في التشريعين، حيث المادة 57 من م.ت مغربية تقابلها المادة 37 من قانون 25/01/1985 فرنسية.
عمر أزوكار . استمرار العقود الجارية في مساطر معالجة الصعوبات . مجلة المحاكم المغربية . ع 92 . س 2002 . ص76.
و تجدر الإشارة إلى أن هناك إشكالا يتمحور حول نطاق تطبيق المادة 37 فرنسية التي تقابلها المادة 573 مغربية المتعلقتين بتنفيذ العقود الجارية أوفي طور التنفيذ، هل يقتصر على التسوية القضائية أو التصحيح القضائي أم أن مفعولهما و أثرها يشمل كذلك مسطرة التصفية القضائية، عندما تأذن المحكمة إن اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين ذلك؟.
بالنسبة للتشريع الفرنسي وقع جدال حول مفهوم هذه المسألة قبل تعديل 1994، أما بالنسبة لتشريعنا المغربي، فقد تلافى هذا الإشكال حتى قبل تعديل 1994 الفرنسي، و عليه فنطاق تطبيق المادة 573 من مدونة التجارة المغربية، يشمل المرحلتين معا، مع إبراز الفرق التالي: أنه إذا كانت متابعة النشاط بعد الحكم بالتسوية القضائية (المادة 571 من م.ت) يقع بقوة القانون، و يروم إنقاذ و تسوية وضعية المقاولة، فإن متابعة النشاط بعد الحكم بالتصفية القضائية يتوقف على جملة من الشروط، منها مصلحة الدائنين و إذن المحكمة، و بذلك تهدف هذه المتابعة إلى تحسين وضعية أصول المقاولة.
أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م س . ص339 و ما يليها.

 
 
للإجابة عن هذا السؤال نستعين بما وصل إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي و نستشهد بآراء الفقه و الباحثين في هذا الشأن، حيث أدت الطبيعة الخاصة لعقود الشغل إلى تباين الأحكام و القرارات القضائية في فرنسا، بين مؤيد و معارض لتطبيق نظرية العقود الجارية على عقود الشغل، فالقضاء في البداية، جعل هذا النوع من العقود (= أي عقود الشغل) ينفسخ بقوة القانون بمجرد الحكم بفتح المسطرة، و الملاحظ أن هذا الحل كما يذهب إلى ذلك الأستاذ أحمد شكري السباعي (1) كان «كارثيا» يحول دون إنقاذ المقاولة، لأن هذه الأخيرة في أمس الحاجة إلى استمرار عقود الشغل، لمتابعة النشاط أملا في تسوية وضعيتها، الأمر الذي دفع الغرفة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية إلى أن تتفادى الانتقادات التي وجهت إلى الموقف القضائي السابق، حيث ورد في أحد قراراتها(2) أنه :
«يمكن للمتصرف أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية عند صدور حكم التصحيح القضائي دون تمييز بين ما إذا كانت هذه العقود قد أبرمت على اعتبارات شخصية أم لا».
و بخصوص الفقه فقد انقسم إلى فريقين متعارضين، فهناك من يرى عدم شمول العقود الجارية لعقود الشغل، و هناك من يؤكد إدراج عقود الشغل ضمن العقود الجارية. و من الفريق  الأول نجد الأستاذين «روبيروروبلو»(3) اللذان يذهبان إلى أن : «نظرية العقود الجارية لم تأت واضحة و لا تغطي بالضرورة العقود المستمرة التنفيذ contrat à exécution successive  أي التي يدخل عنصر الزمن في تنفيذها كعقد الإيجار و عقد العمل». و في نفس الاتجاه يسير بعض الفقه المغربي(4)  الذي  يقول : «... بالرغم من سكوت النص في القانون المغربي عما إذا كانــــت عقـود العمل مشمولة أم لا بالقاعدة المنصوص عليها في المادة 573 من مدونة التجارة، فإن هذه العقود يتم استثناؤها من نطاق تطبيق القاعدة المذكورة، و ذلك لعدة أسباب من بينها الأجر salaire في عقد الشغل

 
 
 

(1) أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 2 . م.س . ص340.
(2) و هو القرار المؤرخ في 08/12/1987 .
 أورده أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م.س . ص340-341.
(3) أشار إليه أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م س . ص339.
(4) امحمد لفروجي . وضعية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة .م س . ص36-37.

 
له طابع اقتصادي(1) و اجتماعي(2) خاص، مما يحول دون إخضاعه لمختلف الأحكام المتعلقة بالديون الأخرى، التي تكون مرتبة على رئيس المقاولة. أضف إلى ذلك أن عقد العمل يخضع دائما لنظام خاص به يختلف كثيرا عن ذلك المطبق على غيره من العقود الأخرى التي تكون مبرمة مع المقاولة المفتوحة ضدها مسطرة المعالجة...و أن المشرع المغربي يعترف بخصوصية الدين الناتج عن عقد العمل، و ذلك عندما لم يخضعه لنفس المعاملة التي تسري على الديون الأخرى، ذلك أن هذا الدين لا يخضع لمسطرة التصريح بالديون إلى السنديك طبقا للمواد من 686 إلى 690 من مدونة التجارة،  كما أن استيفاء الدين الناتج عن عقد العمل يحظى بالامتياز تطبيقا للمادتين 780 و 1248(3) من قانون الالتزامات و العقود المغربي».

 
 
 

 (1) ينظر إلى الأجر من الناحية الاقتصادية، باعتباره الثمن الذي يتحدد على ضوء العرض و الطلب للسلعة المعروضة في سوق الشغل.
عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج1 . م س . ص289.
(2) أصبح الأجر اليوم يضطلع بوظيفة اجتماعية معيشية، و هذا التصور الجديد للأجر و لوظيفته هو الذي يبرر منح الأجير جملة من التعويضات و الآداءات بصرف النظر عن تقديمه لأي عمل لفائدة المشغل، و ذلك من قبيل التعويضات العائلية، و التعويضات والإيرادات عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية، و التعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها، و راتب الزمانة أو راتب الشيخوخة، فالأجر اليوم و مع بقائه متوقفا على مدة العمل، و نوع الخدمات المؤداة لمصلحة المشغل، صار ينظر إليه بمعيار الغاية منه، و هي ضمان حد أدنى من وسائل العيش الكريم.
عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج1 . م.س . ص290-291.
(3) هذا كان قبل خروج مدونة الشغل إلى حيز الوجود.
أنظر المادة 382 من م.ش، التي منحت الأجراء امتياز الرتبة الأولى، قصد استيفاء ما لهم من أجور و تعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته.

 
 
 
 
 
أما الفريق الثاني، فيأتي على رأسهم الأستاذ أحمد شكري السباعي (1) الذي يذهب إلى القول: «أن نظرية العقود الجارية جاءت عامة على الأقل في التشريع المغربي، فالمادة 573 من مدونة التجارة تشمل العقود الفورية التي لا يدخل عنصر الزمن في تنفيذها و العقود المستمرة بطبيعتها كعقد الإيجار و عقد العمل و غيرهما، بل الأكثر من ذلك أن التشريع المغربي لم يقرن تنفيذ المادة 573 من مدونة التجارة باستثناءات ضمنية أو صريحة، على خلاف المشرع الفرنسي الذي أورد بعض الاستثناءات على المادة 37 من قانون 25/01/1985، تخرج بعض العقود التي وضع لها تنظيمات خاصة من مجال التطبيق إما لحساسيتها و تأثيرها الاجتماعي المفرط كعقود الشغل، و إما لأن طبيعتها تقتضي تنظيما خاصا كعقد النشر و التأمين و غيرهما(2)" . و يسانده في هذا الرأي الأستاذ محمد أبو الحسين (3) الذي يرى أن: «عقود العمل تستمر دون حاجة إلى تطبيق المادة 606(4) من مدونة التجارة ، و بالتالي لا أثر لفتح المسطرة على عقود الشغل و هذا راجع للمكانة التي يشغلها الأجراء في المقاولة، و التي أدت إلى الاعتراف بخاصية العلاقة التعاقدية التي تربط الأجير بالمشغل، و الإبتعاد بها نسبيا من خانة القواعد العامة إلى قانون الشغل... و أن المقصود بالحفاظ على الشغل ليس فقط عمل أجراء المقاولة لكن الشغل بمفهومه الواسع، بمعنى أن القانون يسعى إلى الحفاظ على المؤهلات الاقتصادية القابلة لخلق مناصب أخرى، و من تمة ستهتم المحكمة أكثر بمدى احتواء فرع النشاط لإمكانية خلق فرص الشغل في المستقبل، و من أجل ذلك يسمح القانون بالتقدم في المخطط باقتراحات الإعفاءات التي قد تشكل، لو بقيت، ثقلا يمنع الإقلاع الاقتصادي للمقاولة...».
 
(1)  أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 2 . م س . ص339 و ما يليها.
(2) و القول باستمرارية العقود الجارية و منها عقود الشغل كما يذهب إلى ذلك أحمد شكري السباعي سيف ذو حدين، فالطابع الإيجابي يتجلى في مساهمة هذه العقود في تنمية أصول المقاولة، و بالتالي إخراجها من الضائقة المالية و الصعوبة الاقتصادية التي تمر منها، أما الطابع السلبي فيظهر حينما تؤدي هذه العقود إلى الإضرار بالمقاولة و الزيادة في خصومها، الشيء الذي تنبه إليه المشرع، فأعطى سلطة واسعة للسنديك وحده دون غيره للمطالبة بتنفيذ هاته العقود أو التخلص منها، تبعا للطابع الإيجابي أو السلبي السابقين.
(3)  محمد أبو الحسن . تفويت المقاولة كحل في إطار التسوية القضائية . مجلة المنتدى . ع3. س 2002 . ص18 و ما يليها.
 (4) تنص المادة 606 من م.ت :«تحدد المحكمة عقود الائتماء الإيجاري أو عقود الكراء أو التزويد بالسلع و الخدمات الضرورية للحفاظ على نشاط المقاولة بناء على ملاحظات الأطراف المتعاقدة مع المقاولة التي يقوم السنديك بالإبلاغ بها.=

 
و في نظرنا فإن المادة 573 من مدونة التجارة ، تشمل أيضا عقود الشغل، التي تبقى سارية في التنفيذ ليس فقط في إطار مخطط الإستمرارية، بل أيضا في إطار التفويت و التصفية القضائية. ذلك أن الاستمرارية  في عقود الشغل فيها صيانة للمقاولة التي تمر بأزمة مالية و صعوبة اقتصادية هذا من جهة. و من جهة أخرى، فإن الاستمرار في تنفيذ عقود الشغل يضمن الاستمرار في تنفيذ باقي العقود الجارية، و في هذا ضمان أيضا لأداء ديون المقاولة أو المؤسسة ، و إن القول باستمرارية عقود الشغل خلال هذه المرحلة لا يكون إلا إذا كانت هناك إمكانية حقيقية لإنقاذ المقاولة و تسوية وضعيتها، و زيادة على ذلك فإن الحفاظ على عقود الشغل لا يفهم على إطلاقه، لأن المحكمة قد تسمح بإجراء الفصل الاقتصادي لبعض الأجراء لأسباب تمليها الإكراهات الاقتصادية و حاجيات عملية التسويق.
و الجدير بالذكر أن اختيار السنديك لمخطط الاستمرارية إذا كان فيه إنقاذ للجميع من دائنين و أجراء ومقاولة، فإن عدم تنفيذ هذه الأخيرة لالتزاماتها، بما فيها الالتزام بالمحافظة على عقود الشغل، يؤدي إلى فسخ(1) هذا المخطط(2) من طرف المحكمة و تقرير التصفية القضائية، و هو عقاب قاسي للمدين، حيث إذا كانت الاستمرارية على الاستمرارية لا تجوز، فيمكن اختيار المحكمة – في إطار سلطتها التقديرية – حل التفويت القضائي للمقاولة بدل الحكم بالتصفية القضائية، ما دام أن مشرعنا المغربي يهدف من خلال سن مسطرة التسوية القضائية عموما و إقرار مخطط الاستمرارية خصوصا، الحفاظ على استمرارية النشاط و خلق توازن عادل بين حقوق المدين و حقوق الدائنين.
= يكون الحكم الذي يحصر المخطط بمثابة تفويت لهذه العقود.
يجب تنفيذ هذه العقود وفق الشروط المعمول بها عند فتح المسطرة، على الرغم من كل شرط مخالف مع مراعاة آجال الأداء التي يمكن أن تفرضها المحكمة، لضمان التنفيذ السليم للمخطط، بعد الاستماع إلى رئيس المقاولة أو استدعائه بشكل قانوني».

(1) و هذا ما تنص عليه المادة 602 من م.ت: «ذا لم تنفذ المقاولة التزاماتها المحددة في المخطط يمكن للمحكمة أن تقضي تلقائيا أو بطلب أحد الدائنين و بعد الاستماع إلى السنديك بفسخ مخطط الاستمرارية و تقرر التصفية القضائية للمقاولة».
و نلاحظ من خلال هذه المادة، أن المشرع المغربي رتب جزاء الفسخ على عدم تنفيذ مخطط الاستمرارية، و أن: مصطلح «الفسخ» غير منسجم مع طبيعة المخطط، لأن الفسخ جزاء على عدم تنفيذ التزام مصدره العقد، و لا يمكن أن يطبق ذلك في مخطط التسوية. فاستعمال المشرع للفظ الفسخ يشكل «تعسفا لفظيا»، لأن المخطط ليست له طبيعة عقدية محضة، لكونه يجد مصدره من حكم قضائي تفاوضي منشئ للحقوق و الالتزامات محله تنظيم المقاولة و الأداء للدائنين. و المشرع لما جاء بصريح العبارة بلفظ «فسخ» في المادة 602 من ت.م، ربما أراد أن يترك للمحكمة السلطة التقديرية لتحديد الجزاء المناسب و تطبيقه على كل حالة على حدة.
محمد أبو الحسين . م س . ص 93-94.
(2) و في هذا الصدد ورد حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 222/2002 في الملف ع.66/10 بتاريخ 12/09/2002
 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات . م س . ص 183.

 
و هذا ما نصت عليه محكمة الاستئناف بباريس(1) التي قضت: «أن المادة 80 من قانون 25/01/1985 (المقابلة للمادة 602 من مدونة التجارة المغربية) لا تقيد سلطة المحكمة التي تنظر في قضية مقاولة حظيت بمخطط الاستمرارية و تحترم الآجال الخاصة بتصفية الخصوم، و لكنها توقفت من جديد عن الأداء، فيكون للمحكمة في هذه الحالة كامل الحرية لمعاينة فسخ مخطط الاستمرارية».
 و في هذا يذهب بعض الفقه الفرنسي(2) إلى: «إمكانية منح المحكمة للمدين أجلا استعطافيا لتنفيذ تعهداته المقررة في مخطط الاستمرارية قبل استصدار حكم بفسخ المخطط و بالتالي إقرار التصفية القضائية».
هذا كان حول مصير عقود الشغل خلال مخطط الاستمرارية. فما هو مصير عقود الشغل خلال مخطط التفويت؟ ذلك ما سنحاول مقاربته في النقطة الموالية.

الفقرة الثانية
مصير عقود الشغل إثر تفويت المقاولة إلى الغير(3)


يشكل التفويت الحل الأكثر أهمية في مسطرة التسوية القضائية، لأنه يهدف إلى إنقاذ المقاولة و الحفاظ على مناصب الشغل، و إقحام هذا التدبير في مسطرة جماعية، تضم تقديم العروض و اختيار الحل الأفضل.
و وعيا منها بأهمية التفويت عمدت المدونة الجديدة للتجارة إلى تعريفه و بيان الأهداف التي يروم المشرع تحقيقها من وراء نجاحه و هكذا نصت المادة 603 من مدونة التجارة على أنه : «يهدف التفويت إلى الإبقاء على النشاط الذي من شأنه أن يستغل بشكل مستقل و المحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل الخاصة بذلك النشاط و إبراء ذمة المقاولة من الخصوم».


(1) أشار إليه أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 2 . م س . ص 468.
 (2) أشار إلى ذلك  يوسف ملحاوي .آثار عدم تنفيذ مخطط استمرارية المقاولة الموضوعة في حالة التسوية القضائية . المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات . ع11 . س2000 . ص 81  .
(3) يختلف نظام تفويت المقاولة اختلافا جوهريا و جذريا عن نظام استمرارية المقاولة، حيث الأول ينقل ملكية المقاولة من مالكها الأصلي إلى الغير أو الأغيار الذين دخلوا السوق برأس مال جديد، و سيعملون دون شك بأفكار جديدة وفق خطة اقتصادية و اجتماعية محددة من أجل إنقاذ المقاولة. أما النظام الثاني فيبقي على ملكية المقاولة لأصحابها القدامى وفق شكل قانوني جديد.
أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م س . ص471.


فالأهداف السابقة الذكر هي التي جعلت من التفويت حلا ثانيا هاما و فعالا يقوم إلى جانب استمرارية المقاولة والتصفية القضائية، يجوز للمحكمة أن تلجأ إليه متى تأكدت أن استمرارية المقاولة أصبحت مستحيلة لعدم توفر شروطها، و أن تفويت المقاولة أصبح هو الحل الناجع لإنقاذها، ما دامت التصفية القضائية لم تطلها بعد.(1)
و إن من أهم ما يميز العروض، كونها تقدم داخل أجل معين يحدده السنديك، لذلك فلا يمكن تغيير العرض أو سحبه(2) بعد تاريخ إيداع تقرير السنديك، و من هنا نتساءل عن ما هو الحكم بالنسبة للعروض المقدمة خارج الأجل(3)؟.
بالنسبة للقضاء الفرنسي، فقد رجح أفضل العروض و لو قدمت خارج الأجل ، بشرط عدم حصر المحكمة لمخطط التفويت، حيث ورد في قرار لمحكمة الاستئناف بباريس(4) أن: «خرق مقتضيات المادة 83(5) و المادة 32 من المرسوم المؤرخ في 27/12/1985 (الخاص بالأجل) لأي سبب كان لا يمكن اعتباره كافيا لإبطال الحكم»


 (1) أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م س . ص470.
 (2) لأسباب ذاتية تتعلق بالإمكانيات المادية، أو لغلط في التقويم و التقدير، أو لظروف طارئة، أو لاكتشاف معطيات جديدة لم يكونوا على علم بها وقت تقديم العرض للسنديك، هذا و يبقى أصحاب العروض مقيدين بعروضهم حتى صدور حكم المحكمة القاضي بحصر المخطط، غير أنه يحق لهم التحلل من هذا القيد في حالتين اثنتين:
- الحالة الأولى، إذا لم يصدر حكم حصر المخطط خلال الشهر الذي يلي إيداع التقرير.
 - الحالة الثانية:إذا تعرض حكم حصر المخطط  للاستئناف، ما لم يوافق صاحب العرض عن طواعية و اختيار على إبقاء العرض قائما (المادة 582/2 من م.ت)
و الحكمة من هذا المقتضى تكمن في احتمال تبدل المعطيات المالية و الاقتصادية و الاجتماعية بعد مضي الشهر أو الاستئناف.
أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م س . ص377.
 (3) خاصة إذا كانت تلك العروض تحمل مزايا تهم إنقاذ المقاولة التي تمر بصعوبة اقتصادية، و في نفس الوقت تضمن الحفاظ على قدر مهم من عقود الشغل.
(4) المؤرخ في 14/10/1988.
أورده الأستاذ أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج.2 . م س . ص 480
(5) التي تقابلها المادة 604 من م.ت.

 
 
 
 
و بخصوص الفقه، فقد اعتبر الأستاذان «ديلبيك و جرمان»(1)، أن : «الأجل لم تعد له أية فائدة أو جدوى في ظل قانون 25/01/1985 الحالي».
و يرى بعض الفقه الفرنسي(2) أنه: «انطلاقا من المادة 83 السالفة الذكر،  يمكن تسجيل ضرورة توفر عروض الانتقاء على شرطين، و إلا رفض التفويت أو طاله عيب عدم القبول. فالشرط الأول يتمثل في ضرورة تقديم العرض داخل الأجل الذي يحدده المتصرف، و الشرط الثاني يتجلى في وجوب أن يكون العرض ثابتا و قطعيا être ferme».
أما على صعيد تشريعنا المغربي، فالملاحظ أنه لم ينص على الجزاء الذي يلحق العروض المقدمة خارج الأجل الذي يحدده السنديك. إلا أنه لما كان أجل تقديم العروض ليس أجل سقوط فإنه لا ضير من قبول العروض المقدمة خارج الأجل، متى كانت أفيد من تلك المقدمة داخله(3).
كما أن التساؤل يطرح على مستوى مصير العرض المعلق على شرط؟(4)
إن الجواب عن التساؤل أعلاه، تضمنته المادة 582 من مدونة التجارة التي نصت على : «إمكانية تغيير العرض أو تعديله أو سحبه، بعد إيداع تقرير السنديك». و الحكمة من هذا المقتضى تكمن في إعطاء العرض صفة عدم التراجع عنه في وقت وجيز، حتى يتأتى للمحكمة دراسة العرض دراسة تفصيلية تامة، اللهم إذا كان إجراء التعديل في العرض المقدم خارج الأجل في صالح المقاولة.

 
 
 

(1) أشار إليه أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 2. م س . ص 479
(2) أشار إليه أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج2 . م س . ص 480
(3) محمد أبو الحسين . م س .ص85 و ما يليها.
(4) فقد تكون هناك بعض العروض المعلقة على شرط، كاشتراط صاحب العرض مثلا بطلان عرضه عند تمديد أجل تقديم العروض.
 محمد أبو الحسين . م س. ص 86.

 
كذلك نتساءل حول مدى التزام صاحب العرض بعرضه، بعدما فرضت عليه التزامات أخرى من طرف المحكمة أو السنديك خارج نطاق الالتزامات المضمنة في مخطط التفويت؟
في هذا الصدد تنص المادة 581 من مدونة التجارة على أنه : «لا يمكن أن تفرض على الأشخاص الذين ينفذون المخطط و لو بصفة شريك، تكاليف أخرى غير الالتزامات التي تعاقدوا بشأنها عند إعداد هذا المخطط مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في المواد 583 و 606 و 610 و 617». كما صدرت في فرنسا بعض الأحكام تتعلق بالعروض في هذه النقطة، و هكذا ورد في قرار لمحكمة الاستئناف بباريس(1)  بأن: «مقتضيات المادة 21 ف 2 (2) لا تقيد المحكمة التي يصوغ لها، تحت طائلة البطلان sous peine de caducité، أن تطالب بإدخال تحسينات على الضمانات المقدمة بتنفيذ المخطط ، و بأن القانون لا يفرض على المترشح الالتزام بالعرض الذي قدمه و لو كانت التحسينات المطلوبة بسيطة أو لا تغير التوازن المالي للعرض، و أن من حق المترشح الذي لا يستجيب للالتزامات الإضافية التي فرضت عليه أن يقوم بسحب العروض التي تقدم بها»  كــــما أن هنــــاك أحكـــام أخرى أجازت للمترشح الذي قدم العرض أن يطعن في حكم حصر المخطط إذا شاب هذا الأخير عيب من عيوب الإرادة كالغلط أو التدليس أو الإكراه(3)
و نحن بدورنا لا يسعنا إلا أن نؤيد هذه الحلول التشريعية و القضائية، التي لا تقيد صاحب العرض بأكثر مما التزم به.

 
 
 

 (1) في قرارها المؤرخ في 14/10/1988. أورده  أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها . ج 2 . م س . ص378.
(2) التي تقابلها المادة 2/582 من م.ت المغربية.
(3) أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 2  . م س . ص378 و ما يليها.
 

 
 
 
المبحث الثاني
مظاهر الحماية القضائية للأجراء على مستوى أداء دين الأجر


من بين الصعوبات التي تعترض المقاولات، مشكل عدم الوفاء بالتزاماتها اتجاه دائنيها، المتمثل في التوقف عن الدفع(1)  لأسباب قد تكون داخلية خاصة بالمقاولة لسوء تسيير المقاولة، و قد تكون خارجية ترتبط بالأوضاع الاقتصادية للمقاولة. و نظرا لما للأجر في حياة الأجراء من أهمية كبرى، فقد تدخل المشرع و أحاط دين الأجر بحماية خاصة، نظرا للطابع المعيشي و الاجتماعي الذي يحتله الأجر في حياة الأجراء، و بالتبعية في حياة من يعيلونهم، فقد أضفى عليه المشرع حماية خاصة(2)، من هنا يمكن التساؤل عن طبيعة الأجر المشمول بالحماية أوالامتياز؟ و من هم الأجراء المستفيدون من هذا الامتياز؟ (مطلب أول) و ما هي وضعية ديون الأجراء خلال الفترتين السابقة و اللاحقة عن فتح مسطرة المعالجة؟ (مطلب ثاني).

مطلب أول
نطاق تطبيق حماية دين الأجر


نقصد بنطاق تطبيق الحماية، التعرف على طبيعة الأجر المشمول بالامتياز (فقرة أولى) و كذلك تحديد الأجراء المستفيدون من هذا الامتياز(فقرة ثانية)
 

(1) لأخذ فكرة عن مفهوم التوقف عن الدفع أنظر: رسالتنا حول موضوع حقوق الأجراء في نظام صعوبة المقاولة . رسالة لنيل د د ع م في ق خ .  وحدة التكوين و البحث قانون الشغل و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية . جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء . س ج 2007-2008  ص 102 و ما يليها.
(2) لأخذ فكرة أوضح عن حماية دين الأجر في التشريع الفرنسي المقارن أنظر:
Antoine Lyon – caen . la situation des salarié et de leur représentants dans la procédure redressement judiciaire des entreprises en guise d’introduction . N° 9 . septembre/octobre 1986 . p 647                          
Laurent Willemez.Le droit du travail en danger(une ressource collective pour des combats individuels) collection de l’association RAISONS.édition du croquant,avril 2006. P 78.                                                                  

                                     
فقرة أولى
ماهية الأجر(1) المشمول بالامتياز


بخلاف المشرع المغربي الذي لم يعط تعريفا للأجر في مدونة الشغل(2) عرف المشرع المصري الأجر في الفقرة ج من المادة الأولى من قانون العمل المصري الجديد رقم 12 لسنة 2003 بأنه: «كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله ثابتا أو متغيرا، نقدا أوعينا».
و كذلك فعل المشرع الأردني، حيث عرفه في المادة الأولى من قانون العمل(3) بأنه: «كل ما يستحقه العامل لقاء عمله نقدا أو عينا مضافا إليه سائر الاستحقاقات الأخرى أيا كان نوعها، إذا نص القانون أو عقد العمل أوالنظام الداخلي أو استقر التعامل على دفعها باستثناء الأجور المستحقة عن العمل الإضافي»(4).
أما على مستوى الفقه، فعرفه الأستاذ موسى عبود(5) بأنه : «كل ما يؤديه المشغل إلى الأجير مقابل العمل الذي يؤديه هذا الأخير لفائدته»، نفس التعريف نلمسه عند الأستاذ محمد الشرقاني(6) الذي ذهب إلى القول بأنه: «يعتبر الأجر كمقابل للشغل، فضلا عن اعتباره عنصرا من عناصر عقد الشغل».
أما أستاذنا عبد اللطيف خالفي(7) فيعتبر أن: «الأجر ليس فقط هو ما يؤديه المشغل للأجير نظير قيامه بالعمل المتفق عليه، و إنما هو كل ما يدخل الذمة المالية للأجير نظير قيامه بالعمل و بمناسبته، سواء أداه المشغل شخصيا، أو أداه غيره من المتعاملين مع المحل الذي يشتغل فيه، و ذلك أيا كان نوعه و أيا كانت التسمية التي تطلق عليه، و أيا كانت الطريقة التي يتحدد بها، و كيفما كان شكل و طبيعة عقد الشغل».

(1) الأجر هو : «مقابل العمل الذي يحصل عليه العامل بموجب عقد العمل».
 عبد الواحد كرم . م.س . ص 23.
(2) كذلك فعل المشرع اللبناني، حيث لم يعط تعريفا قانونيا صريحا للأجر، إلا أنه يستفاد من نص المادة 624 موحبات و عقود بأنه: «العوض المترتب لقاء العمل » كما يستفاد من نص المادة الأولى من قانون العمل، بأن الأجر يمكن أن يكون عينا أو نصيبا من الأرباح.
رفيق سلامة . م.س . ص 376-377.
 (3) رقم 51 لسنة 2002.
(4) عرفت اتفاقية الشغل العربية رقم 15 لسنة 1983 الأجر بأنه: «كل ما يتقاضاه العامل مقابل عمله بما فيها العلاوات و المكافآت والمنح و المزايا و غير ذلك من متممات الأجر».
(5) موسى عبود . دروس في القانون الاجتماعي . م.س . ص145.
(6) محمد الشرقاني . محاضرات في مدونة الشغل المرتقبة (مشروع 2000) ج.2 . م.س . ص 34.
(7) عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج1 . م.س . ص 284.

 
 
و نرى على غرار ما ذهب إليه أستاذنا عبد اللطيف خالفي أن الأجر هو كل ما يحصل عليه الأجير لقاء قيامه بعمله أو بمناسبته، و هو يشمل الأجر الأساسي و توابعه ، و يجب ألا يقل عن الحد الأدنى المقرر قانونا(1).
و يحدد الأجر بحرية، باتفاق الطرفين مباشرة، أو بمقتضى اتفاقية شغل جماعية و عند عدم تحديده(2) من قبل أطراف العلاقة الشغلية فإن هذا لا يؤثر على وجود عقد الشغل و سريان كافة آثاره ما دام أن المشرع حدد الحد الأدنى القانوني للأجر(3)، و عند النزاع تتولى المحكمة تحديده وفق العرف الجاري به العمل في مهنة من المهن.
و لما كان الأجر الإجمالي يشمل الأجر الأساسي زيادة على مجموعة من المزايا النقدية و العينية، التي يقدمها المشغل، تبعا لنوعية الشغل الذي يقوم به الأجير. يحق لنا التساؤل عما إذا كانت تلك المزايا مشمولة بالامتياز المقرر لديون الأجراء أم لا؟ و بعبارة أكثر وضوحا، ما هو نوع الأجر المشمول بالامتيازات؟

 (1) يقصد بالحد القانوني للأجر: «القيمة الدنيا المستحقة للأجير، و الذي يضمن للأجراء ذوي الدخل الضعيف قدرة شرائية مناسبة لمسايرة تطور مستوى الأسعار و المساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و تطوير المقاولة » (المادة 358/1 م.ش)
(2) و ينهى الإسلام عن تشغيل الأجير قبل تعريفه بأجره . يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: «من استأجر أجيرا فليسم له أجرته»
 (3) عرفت الفقرة الأولى من المادة 358 من م . ش الحد الأدنى القانوني للأجر بأنه: «القيمة الدنيا المستحقة للأجير و الذي يضمن للأجراء ذوي الدخل الضعيف قدرة شرائية مناسبة لمسايرة تطور مستوى الأسعار و المساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية وتطوير المقاولة».

 
 
بالنسبة لتشريعنا المغربي، فتنص الفقرة الرابعة من الفصل 1248من قانون الالتزامات و العقود على أن الامتياز يشمل: «الأجور و التعويضات المستحقة للأجرة، و التعويضات المستحقة بسبب الإخلال بوجود الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية و التعويضات المستحقة إما عن الفسخ التعسفي لعقد إجارة الخدمات(1)، و إما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة... غير أنه يطبق ما يأتي في دفع الحصة غير القابلة للحجز عليها من التعويضات المذكورة...و من المبالغ التي لا زالت مستحقة:
-         من الأجور المكتسبة فعلا للعمال المستخدمين مباشرة من المدين أو للخدم.
-         من العمولة المستحقة للمتجولين و الممثلين التجاريين و الحصة غير القابلة للحجز عليها عن التعويضات المذكورة... تحسب مستقلة عن الحصة غير قابلة للحجز عليها من الأجور.
و إن وفاء تلك الحصة غير القابلة للحجز عليها و التي تمثل الفرق بين الأجور و العمولات و التعويضات المستحقة و بين الحصة القابلة للحجز عليها منها، يجب أن يتم بالرغم من وجود أي دين آخر...».
و اعتمدت المادة 57 من مدونة الشغل في تقدير التعويض عن الفصل من الشغل الأجر بمعناه الأساسي وتوابعه، و نصت الفقرة الثانية من المادة 362 من نفس المدونة، على إعطاء الأجراء فوائد عينية، في المهن أو في المقاولات التي جرى فيها العرف بذلك، و أجازت المادة 387 من المدونة المذكورة، إجراء الحجز على الأجور المستحقة لأي أجير، مهما كان نوعها و مبلغها، و خولت المادة 387 من المدونة عند احتساب مبلغ الاقتطاع عدم الاقتصار على الأجر الأساسي فقط، بل يجب إدراج جميع توابعه فيه (2) .
 
(1) مصطلح إجارة الخدمة، انتقل إلى التشريع المغربي من التشريع الفرنسي، الذي أخذه بدوره من التشريع الروماني، هذا الأخير الذي كان يستعمل اصطلاح «إجارة الأشخاص». و هو مصطلح منتقد من قبل الفقه، على اعتبار أنه يجعل العمل الإنساني شبيها بالسلعة، و لأنه يمثل مفهوما ماديا لا يعير أي اهتمام لشخص الأجير، وبالتالي لا يراعي البعد الإنساني في علاقات الشغل.
عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج1 . م.س . ص 267.
(2) ما عدا المبالغ التالية :
1- التعويضات و الإيرادات، التي نص على عدم جواز حجزها،
2- المبالغ المستردة تغطية لمصاريف أو لنفقات سبق أن تحملها الأجير بسبب شغله،
3- التعويض عن الولادة،
4- التعويض عن السكن،
5- التعويضات العائلية،
6- بعض التعويضات المنصوص عليها في عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو يقضي بها العرف، و ذلك مثل التعويضات المؤداة في بعض المناسبات، و منها الأعياد الدينية. (المادة 389 من م.ش).


و بالرجوع إلى التشريع المصري، نجده عندما عرف الأجر في الفقرة ج من المادة الأولى من قانون العمل الجديد رقم 12 لسنة 2003، اعتبر أجرا على الأخص: العمولة(1)، العلاوات(2)، المزايا العينية(3)، المنح(4) البذل، (5) نصيب العامل في الأرباح(6) و الوهبة(7). و نص في المادة 616 من قانون التجارة بأن: «الامتياز يشمل الأجور والمرتبات المستحقة قبل صدور الحكم بشهر الإفلاس».

(1) العمولة هي: «مبلغ مالي يحصل عليه الوسيط أو الممثل التجاري، وهو يحتسب على شكل نسب مئوية من قيمة الصفقات التي أبرمها الوسيط أو الممثل التجاري لحساب الوكيل، دون اعتبار الأرباح التي سيتم جنيها من هذه الصفقات ، و قد تكون العمولة هي الأجر الوحيد الذي يتقاضاه الأجير، و في هذه الحالة يعمل على إبرام أكبر عدد من الصفقات للرفع من قيمة العمولة التي سيحصل عليها، و قد تكون العمولة إحدى الفوائد الإضافية للأجر الثابت، و في كلتا الحالتين تعد أجرا أو جزء من الأجر».
 المصطفى شنضيض .عقد العمل الفردي في ضوء مدونة الشغل / القانون رقم 99/65 و النصوص التنظيمية الصادرة بشأنه .ط الأولى _ مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2004. ص 60
(2) العلاوات هي : «التي تدفع للأجير بحسب نوعية الشغل المؤدى و أهميته و مردوديته، مثل علاوة الإنتاج و علاوة الكفاءة».
محمد الشرقاني . محاضرات في مدونة الشغل المرتقبة (مشروع 2000) ج.2 . طبع مكتبة سجلماسة مكناس . س ج 1421/1422 ه الموافق ل 2000/2001م . ص43.
(3) المزايا العينية هي :« تلك الأداءات التي يسلمها المشغل إلى الأجير، و المتمثلة أساسا في السكن أو التغذية أو الماء أو الكهرباء» و قد سمحت مدونة الشغل بإعطاء الأجراء هذه الفوائد العينية، و ذلك في المهن و المقاولات التي جرى فيها العرف بذلك، على أساس أن تمثل الأجر بكامله.
 محمد الشرقاني . محاضرات في مدونة الشغل المرتقبة (مشروع 2000)  ج.2 . م.س . ص 45-46.
(4) المنحة عبارة عن: «مبلغ من النقود، غير ثابت يضاف إلى الأجر ليس في مناسبة معينة، و إنما لاعتبارات تتعلق أساسا بصفات أو قدرات خاصة لكل أجير على حدة كأقدميته أو مؤهلاته الفنية أو إخلاصه للمشروع لمواظبته في عمله».
(5) البذل هو: «ما يعطى لعامل لقاء ظروف أو مخاطر معينة يتعرض لها في أداء عمله».
المادة الأولى (ج/6) من قانون العمل المصري الجديد رقم 12 لسنة 2003.
(6) أو ما يسمى عندنا في التشريع المغربي «المشاركة في الأرباح» و يقصد بها «إعطاء أجراء المؤسسة زيادة على أجورهم قدرا من الربح الذي قد تحققه المقاولة أو المؤسسة، و ذلك في صورة نسبة مئوية منه، تشجيعا لهم من المشغل لتفانيهم في عملهم، أو بقصد الإسراع في الإنتاج أو الزيادة فيه، أو بهدف إتقانه». و قد اعتبرت مدونة الشغل في مادتها 354  أن تقاضي الأجير نسبة مئوية من الأرباح  يعد صورة من صور الأجر.
عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج.1 . م.س . ص 316.
(7) الوهبة: هي التي « يحصل عليها العامل إذا جرت العادة بدفعها و كانت لها قواعد تسمح بتحديدها، و تعتبر في حكم الوهبة، النسبة المئوية التي يدفعها العملاء مقابل الخدمة في المنشآت السياحية».
المادة الأولى (ج/8) من قانون العمل المصري الجديد رقم 12 لسنة 2003.

 
و على مستوى الاجتهاد القضائي عملت محكمة النقض الفرنسية(1) على الفصل في بعض مكملات الأجر، حيث اعتبرت مساهمة الأجير في أرقام المبيعات هي وحدها المشمولة بالامتياز، و تلتحق بها المكافآت(2) متى كانت إلزامية و ثابتة بمقتضى عرف مهني أو اتفاق، في حين لم تعتبر المشاركة في الأرباح مشمولة بالامتياز المذكور، بدعوى اقتراب وضعية الأجير من وضعية الشريك.
و على مستوى الفقه، يرى بعض الفقه (3) أن «هذا الامتياز قاصر على الأجور و المرتبات و الحوافز والمكافآت المستحقة للعامل و التي مصدرها عقد العمل، أما غير ذلك من مستحقات العامل لدى رب العمل فلا تقيد منه هذا الامتياز».
و يعتبر جانب من الفقه(4) أن «مدلول الأجر، يصدق على كثير مما يحصل عليه الأجير من آداءات، دون أن تتخذ هذه الأخيرة شكلا واحدا، لذلك فطالما أن ما يحصل عليه الأجير يمثل مقابل ما تعهد بأدائه من عمل، تنفيذا لعقد الشغل، فيعتبر الأجر، أيا كان نوعه، و أيا كانت صورته و طبيعته، باستثناء المبالغ التي لا يضفي عليها المشرع صفة أجر»، و حسب البعض (5) «فيجب أن يؤول الامتياز بصفة ضيقة، حيث لا يمكن الدفع به لضمان المبالغ أو الديون التي ليس لها طابع الأجرة، كالمصاريف أو الصوائر المهنية كصوائر التنقل أو الترحيل مثلا.... وأنه  قد يكون فعلا من غير المعقول أن يطالب الأجير بالمكافآت التي ليس لها معنى أو أساس إلا عندما تكون وضعية المشغل مزدهرة... أما التعويض عن العطلة المؤدى عنها فهو ليس مثار صعوبة. و يدخل بطبيعة الحال في مصطلح الأجور تطبيقا لنص الفصل 1248/4 ق.ل.ع».

(1)  أشار إلى ذلك الحاج كوري . حماية الأجور على ضوء سياسة التشغيل في المغرب . رسالة لنيل د. دع م في القانون الخاص . جامعة محمد الخامس . كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالرباط . س.ج 1985- 1986 . ص 206-207.
(2) يقصد بالمكافأة: «ما يعطيه المشغل لأجرائه زيادة على أجورهم المحددة أو المتفق عليها كمقابل نقدي أو عيني، و ذلك في مناسبة من المناسبات، أو في أوقات معينة من السنة، كمناسبة نهاية السنة، مثل الشهر الثالث، و هي تبرعية، و تخضع للسلطة التقديرية للمشغل. و عليه فهي لا تعتبر جزءا من الأجر و لا تلحق به إلا إذا كانت قد أصبحت إلزامية و ثابتة بمقتضى عرف مهني أو اتفاق».
عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل .  ج1 . م س . ص 317.
(3) شريف مكرم . التوقف عن الدفع و أثره على حقوق دائني المفلس/ في ضوء قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999. ط أولى .دار النهضة العربية القاهرة . 2005. ص 350.
(4) عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج  1 . م س . ص 310.
(5) محمد حجيب . حماية الأجير في تفليسة المشغل .المجلة المغربية للقانون . ع14 . س 1987 . ص 212.

 
 
و نحن بدورنا نؤيد هذا الإتجاه ، فالأجر المشمول بالامتياز يجب أن يعطي له مفهوما واسعا، بحيث يشمل الأجر و توابعه، إلا ما استثني بنص خاص.
لكن من هم الأجراء المستفيدون من هذا الامتياز؟.

فقرة ثانية
من حيث الأجراء المستفيدون من الامتياز


تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من مدونة الشغل على ما يلي: «يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية(1) مشغل واحد أو عدة مشغلين، لقاء أجر، أيا كان نوعه، و طريقة أدائه».
نستنتج من هذه المادة أن المستفيدين من الامتياز المقرر على الديون، هم الأجراء المرتبطون بالشغل بعقد شغل يتميز بعلاقة التبعية le lien subordination. و كل استقلال عن هذه العلاقة يمنع من التمتع بالامتيازات. إذن، فعلاقة التبعية بالإضافة إلى كونها عنصرا من عناصر عقد الشغل(2) و مناط تمييز عقد الشغل عن غيره من العقود المشابهة(3)، تكون كذلك المعيار الحاسم لتمييز الأجراء المستفيدين من الامتياز عن غيرهم، كحالة مسير الشركة، التي تكون في حالة تصفية قضائية، حيث إن انعدام علاقة التبعية يخرج مسير الشركة من إطار التمتع بمقتضيات مدونة الشغل، و بالتالي فإن دينه الذي يكون على المقاولة، لا يشمله أي امتياز أو حماية، و لو كان راتبه يعتبر كأجر من الناحيتين الضريبية و الاجتماعية.

(1) لم يعرف المشرع المغربي في مدونة الشغل التبعية، و يعرفها محمد الشرقاني بأنها: «امتثال الأجير أثناء أو بمناسبة أدائه لشغله لإشراف و توجيه و سلطة المشغل، الذي يؤدي ذلك الأجير الشغل لحسابه». و في هذا الصدد، لابد من الإشارة إلى أن هناك نوعين من التبعية: التبعية القانونية و التبعية الاقتصادية، و نعرف كل واحدة على حدة: فالتبعية القانونية، subordination juridique، هي التي تنتج عن علاقة تعاقدية قررها القانون، و ينطبق عليها تعريف المادة السادسة في فقرتها الأولى من مدونة الشغل. أما التبعية القانونية فتصنف بدورها إلى نوعين: فنية و تقنية أو تنظيمية و إدارية: فالأولى تكمن في الرقابة المباشرة الدائمة للمشغل على الأجير غير المتخصص، و هي تفرض كذلك معرفة و إلمام المشغل بطبيعة النشاط الذي يزاوله الأجير أو الأجراء. و الثانية، تعني الإشراف العام الإداري من لدن المشغل على عمل الأجير، من دون أن يكون عارفا بطبيعة نشاطه، و كذلك من دون أن تكون له أية سلطات فنية في تنفيذ الأجير لعمله، و يمثل لذلك بحالة المحامي التابع لمقاولة. أما التبعية الاقتصادية subordination économique، فيرجع الفضل في ظهورها إلى الفقيه الفرنسي «بول كوش paul cuche» الذي يقول: «توجد تبعية اقتصادية حيث يعتمد الشخص الذي يؤدي الشغل على ما يحصله من هذا الشغل كمورد وحيد أو كمورد رئيسي للعيش، و مقابل ذلك فإن الذي يدفع أجر الشغل يستعمل نشاطا يؤديه بكامله و بكيفية منتظمة qu’est ce qui fait que le salarié à domicile, bien que n’étant pas en rapport de subordination avec son employeur, est lié à lui par un contrat de travail et doit être rangé parmi les assurés obligation ? c’est qu’il est sous la dépendance économique de cet employeur qui absorbe toute sa force de travail moyennant une rémunération »                                                                                                         
محمد الشرقاني . محاضرات في مدونة الشغل المرتقبة (مشروع 2000) ج1 . م س . ص177 
(2) يشترط في تعريف عقد الشغل  وجود 3 عناصر هي: أداء الشغل في مقابل أداء الأجر، و توافر علاقة التبعية، بينما يشترط في التعريف الفقهي وجود عناصر مختلفة عن العناصر القانونية، و هي أن يكون العمل مباحا، و أن يكون معلوم المنفعة، و معلوم الأجر.
عبد السلام أحمد فيغو . م.س . ص 66.
(3) لأخذ فكرة أكثر وضوحا عن هذا المقتضى، أنظر: محمد الكشبور. التبعية معيار للتمييز بين عقد الشغل و عقد المقاولة (قراءة في قرارين للمجلس الأعلى) مجلة المناهج . ع 5/6 . س 2004 . ص 149 و ما يليها.

 
هذا، و إن الاجتهاد القضائي الفرنسي(1)، لم يقبل للمتصرف المنتدب أو المتصرف الوحيد أو مسير في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، أن يكون في نفس الوقت في الوضعية الهامة التي يتمتع بها رئيس المؤسسة ، و في وضعية التبعية التي يوجد فيها الأجير المرتبط بعقد عمل.
و تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أنه لا توجد في مدونة الشغل أية مقتضيات تمنع من الجمع بين مهمة مسير شركة و مدير تقني، لأنه من السهل التفريق بين النشاطين(2).
و مجمل القول، فلتحديد الأجراء الذين يحظى دينهم بالامتياز(3) السالف الذكر، يجب الارتكاز دائما على علاقة التبعية.
بعدما حددنا الأجر و الأجراء المشمولين بالامتياز، نتعرض في النقطة الموالية إلى وضعية ديون الأجراء خلال الفترتين السابقة و اللاحقة لفتح مسطرة المعالجة.

ثانيا : وضعية ديون الأجراء خلال الفترة السابقة و اللاحقة لفتح مسطرة المعالجة

سبق و قلنا إن ديون الأجراء تحظى بامتياز و حماية خاصتين، إلا أن هناك اختلاف في وضعية هذه الديون ما بين الفترة السابقة (أ) و الفترة اللاحقة (ب) لفتح مسطرة المعالجة.

(1) أشار إلى ذلك محمد حجيب . م.س . ص 214-215.
(2) النشاط هو: «شرط وجود المؤسسة، و يمكن أن يكون صناعيا أو تجاريا أو اجتماعيا أو غير ذلك».
(3) عرف الفصل 1243 من ق.ل.ع الامتياز بأنه: «حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين».
و ورد في معجم المصطلحات القانونية، أن الامتياز prévilège/ privilege هو: «حق أولوية يقررها القانون لحق معين مراعاة لصفته»
و امتياز الأجر privilège des salariés/ privilege salaried هو : «أولوية يقررها القانون لأجر العامل عند إعسار صاحب العمل أو تصفية أحواله، على جميع الديون الأخرى».
عبد الواحد كرم . م س . ص87.

 

 
أ- وضعية ديون الأجراء خلال الفترة السابقة لفتح مسطرة المعالجة.

استثنى المشرع المغربي الأجراء الناشئة ديونهم قبل(1) فتح مسطرة المعالجة من التصريح(2) بديونهم إلى السنديك، عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 686 من مدونة التجارة  التي تنص على مايلي : «يوجه كل الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور حكم فتح المسطرة، باستثناء المأجورين، تصريحهم بديونهم إلى السنديك...»(3). هذا الاستثناء يرجع إلى الطبيعة الخاصة لهذا الدين رأفة بهذه الطائفة الكادحة من المجتمع التي غالبا ما تكون ديونها متواضعة، و في حاجة ماسة لها لسد الرمق، و المتطلبات اليومية من طعام و دواء و أجرة  كراء و غيرها من الحاجيات التي قد تضيع في ظل مسطرة قاسية و صارمة، و من النظام العام (4)

(1) كما يعفى من التصريح أيضا الدائنون الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة، نظرا للامتياز الذي يستفيدون منه، طبقا لنص المادة 575 من م ت.
(2) التصريح هو: «عبارة عن تصرف قانوني إرادي»
محمد الكشبور / بلعيد كرومي . حوادث الشغل و الأمراض المهنية . المسؤولية و التعويض (مع قراءة في القانون: 01-18 و 03-06) ط2. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2004 . ص 139.
(3) ورد في إحدى حيثيات قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19 دجنبر 2000 ما يلي : «حيث إن كل الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور حكم فتح المسطرة باستثناء الأجراء، ملزمون بتوجيه تصريح بديونهم إلى ممثل الدائنين حتى و لو لم تكن حالة الأجل...»
« Attendu que tous les créanciers dont la créance a son origine antérieurement au jugement d’ouverture. A l’exception des salariés, son tenus d’adresser la déclaration de leur créances au représentent des créances… »
أورده محمد حدوتي . التصريح بالديون في المساطر الجماعية . مجلة رسالة الدفاع . ع 6 . س  2006 . ص 60 .
أنظر كذلك قرار محكمة النقض المغربية : القرار ع. 1269 المؤرخ في 12/11/2003 . ملف تجاري ع 1135/3/2/2003. منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات . م.س . ص 123.
(4)أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج3 . م س . ص 201.

 
 
كما أن هذا الاستثناء يندرج في إطار الروح العامة لقانون صعوبات المقاولة، الذي استحضر البعد الاجتماعي للمقاولة و حرص على حماية أجرائها، و لا شك أنه سيجنبهم الانشغال بمسطرة مصير ديونهم، و سيقيهم من شر سقوط انقضاء الديون المصرح بها(1).
و نرى أن المشرع المغربي قد صادف الصواب، حينما استثنى ديون الأجراء من الخضوع لمسطرة التصريح، نظرا للطابع الاجتماعي و المعيشي للأجر، الذي يكون في حالات كثيرة المصدر الوحيد لعيش فئة كبيرة من شرائح مجتمعنا المغربي. و إعفاء الأجراء من التصريح بهذه الديون، لا يعفيهم من التحقيق، و هنا تكمن أهمية دور ممثل الأجراء الذي يجب أن يحضر عملية التحقيق و مراقبة كشف ديون الأجراء، و عند وجود صعوبة يجب عليه الرجوع إلى السنديك، و عند الاقتضاء إلى القاضي المنتدب، باعتباره الجهاز المكلف بحماية المصالح المتواجدة و على رأسها مصالح الأجراء، و بعد إعداد هذه الكشوفات فإنها تخضع لتأشيرة السنديك (2)،  كما يمكن الإحتكام كذلك إلى وسائل إثبات الوفاء بالأجر(3) و المتمثلة في ورقة الأداء(4) و دفتر الاداء و توصيل تصفية كل حساب،هذا ويستفيد الأجراء خلال هذه الفترة أو المرحلة من امتياز الرتبة الأولى (5) قصد استيفاء ما لهم من أجور و تعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته(6)، دون عقاراته. مما يستنتج منه قصور الحماية المضفاة على دين الأجر، عكس بعض الأنظمة التي أدرجت عقارات المدين في هذا الإطار، كالتشريع الفرنسي(7) مثلا.

(1)     محمد حدوتي . م س . ص68.
(2)     محمد أيو الحسن . م.س . ص 22.
(3) لم يترك المشرع المغربي إثبات الوفاء بالأجر إلى مجرد ما تقضي به القواعد العامة في القانون المدني، و التي تجعل عبء الإثبات يقع على عاتق الدائن، وإنما جعل عبء الإثبات في إطار مقتضيات قانون أو مدونة الشغل، يقع على عاتق المشغل ( أنظر في هذا الصدد المادة 63 من م .ش)
عبد اللطيف خالفي . الوسيط في مدونة الشغل . ج 1 . م.س . ص 327-328.
(4) ورقة الأداء هي: «الوثيقة التي يلتزم كل مشغل و في جميع القطاعات الخاضعة لمدونة الشغل، بتسليمها للأجير لحظة أداء الأجر، و ذلك لاطلاعه تحديدا على كيفية احتساب الأجر و مشتملاته، و تعد هذه الوثيقة قرينة على إبراء المشغل من أداء الأجر».
 محمد الشرقاني . محاضرات في مدونة الشغل المرتقبة مشروع 2000 . ج2 . م س . ص 67-68
(5) قبل خروج القانون رقم 99-65 بمثابة مدونة الشغل، كان دين الأجر يستفيد فقط من امتياز الرتبة الرابعة، حيث كان يستوفى بعد مصروفات الجنازة، و الديون الناشئة من مصروفات مرض الموت، و المصروفات القضائية (الفصل 1248 ق.ل.ع). نفس الشيء نسجله في التشريع الفرنسي فيما سبق، حيث أن دين الأجر كان يصنف في المرتبة الرابعة. أما حاليا فقد أصبح دين الأجر يتبوأ المرتبة الأولى، التي تضمن للأجير استيفاء دينيه بالأولوية على باقي الديون الأخرى، بما فيها تلك التي تحظى بالاستفادة من قاعدة الأولوية، باعتبارها ناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح مسطرة المعالجة، كما سنرى ذلك في حينه.=أما التشريع المصري فقد منح المرتبة الأولى لدين الأجر، و ذلك من خلال المادة 616 من قانون التجارة الحالي، الذي جاء فيه: «على أمين التفليسة بعد استئذان قاضي التفليسة، أن يدفع... بالرغم من وجود أي دين آخر، الأجور و المرتبات و المبالغ المستحقة...».
(6) المادة 382 من م. ش. أنظر كذلك الفصلين 1248 و 780 من ق.ل.ع.
(7) نص الفصل L 143-7 من قانون العمل الفرنسي على أن: «ديون الأجراء المرتبطة بالأجر تتمتع بامتياز على منقولات و عقارات المدين، و ذلك وفقا للشروط المحددة في الفصل 4-2101 و 2-2104 من القانون المدني».
Article 143-7 :  « la créance de salaire et apprentis est privilégiées sur les meubles et, 4 et 2104-2 du immeubles du débiteur dans les conditions prévues aux articles 2101- code civil ».                                                

 
 
 
 
كما عمل المشرع المغربي على استثناء دين الأجر من قاعدة منع السداد الكامل أو الجزئي لأي دين سابق عن الأمر القاضي بالوقف المؤقت للإجراءات خلال مسطرة التسوية الودية(1) و أوجب تضمين عروض التشغيل ، مستوى التشغيل و آفاقه حسب النشاط المعني(2)، و ألزم على المحكمة اختيار العرض الذي يضمن أطول مدة لاستقرار التشغيل و أداء مستحقات الدائنين(3) . و بالنسبة لدعوى الأجراء المتعلقة بدين الأجر أو ما في حكمه من تعويضات مستحقة لهم في ذمة مقاولتهم، و التي تكون سابقة على حكم فسخ مسطرة المعالجة فلم يخصها المشرع(4) بأي استثناء أو امتياز لتبقى مشمولة بالوقف أو المنع.
و إن كان القضاء المغربي، ممثلا في محكمة النقض المغربية استثنى هذا الدين من قاعدة وقف المتابعات الفردية ، حيث جاء في أحد  قراراتها(5) : «إن المحكمة بتأييدها للحكم الابتدائي تكون قد بتت في علله و أسبابه والمحكمة بتعليلها أن المشغلة و إن كانت تعيش أزمة اقتصادية و سلكت مسطرة التسوية القضائية، فإن هذا لا يعفيها من منح الأجير مستحقاته القانونية الناجمة عن إنهاء العلاقة الشغلية»
و هذا الاتجاه الذي أقرته المحكمة أعلاه، و إن كان يضمن تمتيع ديون الأجراء بامتيازات أكثر، فإنه يعوزه الأساس القانوني(6). مما يجعلنا نناشد مشرعنا المغربي من أجل التدخل السريع في المقتضيات المنظمة لصعوبة المقاولة لإيجاد الأساس القانوني لهذه الحماية.

(1) المادة 525 من م.ت
(2) المادة 604 من م.ت
(3) المادة 605 من م.ت
(4) المادة 653 من م.ت
(5)- قرار ع .21 بتاريخ 05/01/2005 في الملف الاجتماعي ع .927/15/2004. قرار غير منشور.
(6) علال فالي . مساطر معالجة صعوبات المقاولة . دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع الرباط . دجنبر 2012 . ص 234.

 
 
و عن النطاق الزمني لتطبيق امتياز دين الأجر، فهو يشمل حسب الفقرة الرابعة من الفصل 1248 من قانون الالتزامات و العقود الستة أشهر(1) السابقة عن فتح مسطرة المعالجة، و إن كان هذا الامتياز يشمل الأجور الممتدة إلى أكثر من ستة أشهر استنادا دائما إلى نص الفصل أعلاه الذي يضيف: «أو إذا كان الأجراء قد باشروا المطالبة ضد رب العمل قبل الوفاة أو الإفلاس (حاليا يسمى التصفية القضائية) أو التوزيع إلى ما عساه أن يكون مستحقا لهم من أجور عن الستة أشهر الأخيرة...» و هو مقتضى نؤيده على اعتبار وجود تقليص  في هذه المدة في بعض التشريعات المقارنة، كالتشريع الفرنسي و المصري(2).
و إن وفاء تلك الأجور المشمولة بالامتياز، يجب أن يتم بالرغم من وجود أي دين آخر، خلال العشرة(3) أيام التالية لحكم شهر الإفلاس أو التصفية القضائية(4).

(1) «غير أنه يطبق على ما يأتي في دفع الحصة غير القابلة للحجز عليها من التعويضات المذكورة... و من المبالغ التي لازالت مستحقة:
 - من الأجور المكتسبة فعلا للعمال المستخدمين مباشرة، من المدين، أو للخدم عن الثلاثين يوما الأخيرة.
- من العمولة المستحقة للمتجولين و الممثلين التجاريين، عن التسعين يوما الأخيرة من العمل» (الفصل 1248 من ق.ل.ع).
(2) في التشريع الفرنسي يضمن أداء الأجور المستحقة عن 60 يوم عمل السابقة لفتح المسطرة و في التشريع المصري يشمل نطاق الامتياز والمرتبات و المبالغ المستحقة قبل صدور الحكم بشهر الإفلاس عن مدة ثلاثين يوما للعاملين لدى المفلس (المادة 616/1) من قانون التجارة الحالي المصري).
و يعلق شريف مكرم عن هذا المقتضى، حيث يذهب إلى أن هذا الامتياز: « مقرر عن الحقوق التي تنشأ للعمال عن مدة الثلاثين يوما السابقة على صدور حكم شهر إفلاس رب العمل، و مؤدى ذلك أن الحقوق التالية لصدور الحكم و السابقة عليه و لمدة لا تجاوز الثلاثين يوما فهذه تخضع لحقوق الامتياز العامة المقررة لحقوق العمال عملا بالمادة 1141 من التقنين المدني» و يضيف: « و إذا كان المشرع لم يفصح صراحة عن سبب تحديد مدة الإفادة من هذا الامتياز الخاص بثلاثين يوما سابقة عن صدور الحكم، فإننا نرى ـأن النص يتحدث عن الأجور و المرتبات و المبالغ المستحقة للعمال عن عقد العمل، فإن الفرض العملي أن كل رب عمل يقوم بسداد مستحقات العاملين لديه الشهرية و هذا يعني أن الشارع افترض أن المفلس أوفى عماله عن آخر شهر سابق على الشهر الذي يسبق إفلاسه بحكم قضائي».
شريف مكرم . التوقف عن الدفع و أثره على حقوق دائني المفلس(في ضوء قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999) م س. ص 350.
(3) نفس المدة نص عليها المشرع الفرنسي، حيث يتم الأداء خلال 10 أيام التي تلي صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة، و كذلك فعل المشرع المصري في المادة 616 من قانون التجارة الحالي الذي جاء فيه: «... على أمين التفليسة بعد استئذان قاضي التفليسة أن يدفع خلال العشرة أيام التالية لصدور الحكم بشهر الإفلاس...»
(4) الفصل 1248/4 من ق.ل.ع.

 
 
و يتضح لنا من كل ما سبق أن امتياز دين الأجر، أو ديون الأجراء خلال الفترة السابقة لفتح المسطرة في التشريع المغربي هو امتياز غير كاف. نعم، إن المشرع حاول أن يخرج دين الأجر من إطار قواعد القانون المدني التي كانت تعطيه فقط امتياز الرتبة الرابعة و إدخاله في نطاق قواعد مدونة الشغل، التي ارتقت به إلى المرتبة الأولى.   لكنه بالرغم من كل ذلك يظل امتيازا  قاصرا، لأنه يشمل فقط منقولات المدين دون عقاراته، لهذا فعند عدم كفاية منقولات المدين خصومه، بما فيها ديون الأجراء، ستضيع حقوق هؤلاء الأجراء، خاصة في غياب أية مؤسسة أو مؤسسات اجتماعية و اقتصادية، تحل محل المشغل أو المقاولة المدينة، على غرار ما هو معمول به في التشريع الفرنسي(1).
و إذا كان هذا هو حدود و نطاق الامتياز الذي أضفاه مشرعنا الوطني على ديون الأجراء السابقة(2) عن فتح مسطرة المعالجة و الذي وصفناه بالامتياز غير الكافي و الناقص، فهل تدارك المشرع هذا النقص و أضفى على الديون الناشئة بعد فتح مسطرة المعالجة حماية أكثر، و هذا بالفعل ما سنحاول بحثه في النقطة الموالية و التي خصصناها لوضعية ديون الأجراء خلال الفترة اللاحقة لفتح مسطرة المعالجة.

 (1) عمل المشرع الفرنسي على إحداث مؤسسة خاصة تضمن الأداء الفعلي و السريع لديون الأجراء عند فتح مسطرة المعالجة ضدها، بمقتضى قانون 17/12/1973 تسمى: «جمعية تدبير التأمين على ديون الأجراء l’association pour la gestion du régime d’assurance des créance des salariés  (L.A.G.S) » و يتم تمويل هذه المؤسسة، عن طريق اشتراكات المشغلين وحدهم، بموجب التأمينات ضد البطالة
Nicole catale – René Bonnet . droit social européen . libraire de la cour de cassation paris 1991 . p 43 etc.                    
(2) كما تنص المادة 653 من م.ت  على ما يلي : «يوقف حكم فتح المسطرة و يمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي إلى :
- الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال،
_ فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال.
كما يوقف الحكم و يمنع كل إجراء للتنفيذ يقيمه سواء على المنقولات أو على العقارات....»
و يلاحظ من خلال هذه المادة أنها جاءت مطلقة و عامة، بحيث لم تستثن الدعاوى الجارية بتاريخ فتح المسطرة المتعلقة بديون الأجراء من قاعدة إيقاف المتابعات، لأن طبيعة دين الأجر تستوجب إبعادها، و تطبيق قاعدة إيقاف المتابعات على هذه الدعاوى قد تكون آثارها وخيمة. لهذا أوجب المشرع المغربي بالنص صراحة على أن هذه الدعاوى تستمر بقوة القانون، و بدون أية شكلية، كما هو الحال في التشريعين الفرنسي و المصري، فهذا الأخير نص في المادة 616 من قانون التجارة الحالي على ما يلي: « 1- على أمين التفليسة بعد استئذان قاضي التفليسة أن يدفع خلال العشرة أيام التالية لصدور الحكم بشهر الإفلاس مما يكون تحت يده = من نقود التفليسة و بالرغم من وجود أي دين آخر، الأجور و المرتبات و المبالغ المستحقة قبل صدور الحكم بشهر الإفلاس عن مدة ثلاثين يوما للعاملين لدى المفلس فإذا لم يكن لدى أمين التفليسة النقود اللازمة لوفاء هذه الديون وجب من أول نقود تدخل التفليسة و لو وجدت ديون أخرى تسبقها في مرحلة الامتياز».
و يفهم من هذا النص التشريعي، أنه متى تحقق أمين التفليسة من أن هناك مستحقات للأجراء، فإنه يجب عليه أن يتقدم بطلبه خلال العشرة أيام التالية لصدور الحكم. و عليه، فطلب صرف هذه الحقوق ليست مسألة جوازية أو خاضعة لتقدير جماعة الدائنين ممثلة في أمينها، و دليل ذلك أن المشرع حينما نص في المادة 614 من قانون التجارة الحالي على إمكانية استرداد المنقول المرهون بعد الوفاء بحق الدائن المرتهن، فإنه نص على أن ذلك «يجوز» لأمين التفليسة، بينما في هذه الحالة «أوجب» عليه.
و في هذا يقول الأستاذ شريف مكرم: « و لعل ذلك التقدير يستقيم و الغرض الذي قصده الشارع من تقرير هذا الاستثناء، و هو الرعاية الإنسانية و الاجتماعية للعاملين لدى المفلس، الذين لا ذنب لهم و لا جريرة من رب عملهم الذي أودى بحياته المهنية في غيوم الإفلاس، فيكون من العنت أن نلزمهم بانتظار ما تسفر عنه التفليسة، و ما قد يعتريهم من طول إجراءات حتى يستوفوا أموالهم التي يعولون بها أسرهم». شريف مكرم . م س . ص 349.

 
 
ب- وضعية ديون الأجراء خلال الفترة اللاحقة لفتح مسطرة المعالجة

في هذا الإطار تنص المادة 575 من مدونة التجارة المغربية على ما يلي: « يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أوبضمانات».
يستنتج من هذه المادة أن ديون الأجراء لم تخص بأي امتياز أو أولوية في الاستيفاء على باقي الديون التي يتم استيفاؤها جميعا بالأسبقية ،  حيث يعامل الأجراء بنفس المعاملة التي تسري على مختلف الدائنين المستفيدين من حق الأولية الوارد بشأنه نص المادة 575 من مدونة التجارة، هذه المعاملة التي تتمثل في أن جميع الدائنين المذكورين يستوفون ديونهم بالأسبقية على أولئك الذين لهم ديون ناشئة قبل فتح المسطرة و لو كانت مضمونة برهون رسمية أو رهون غير حيازية(1).  و هذه الضمانات و الامتيازات محدودة جدا، و لا توفر حماية واسعة للديون الناشئة عن عدم أداء الأجر. و قد كان من الأولى أن يتضمن قانون صعوبات المقاولة ضمانات قوية لحماية أجور الأجراء(2)، و هذا المقتضى يجعل فقط لمستحقات الأجراء امتيازات في التوزيع ، و من تم فإن المركز القانوني لدين الأجر يساوي الديون الأخرى(3)

 (1) محمد لفروجي . وضعية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة ( دراسة تحليلية نقدية في ضوء القانون المغربي و القانون المقارن / دراسات قانونية معقمة ) ع3 . مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء . س 2006 . ص 176.
(2) عبد الرحيم السلماني . وضعية الأجراء في ظل قانون معالجة صعوبات المقاولة . مجلة كتابة الضبط .ع8.س2001 . ص 153-154.
(3) إبراهيم البهالي . م س . ص32.

 
 
 
و بخصوص التشريع المقارن فقد عمل التشريع الفرنسي، من خلال المادة 40 من قانون 25 يناير 1985، المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية، على منح ديون الأجراء الناشئة بعد فتح مسطرة المعالجة المرتبة الأولى، وهي مقدمة على باقي الديون الناشئة بصفة قانونية عن متابعة المقاولة لنشاطها، خلال فترة الملاحظة التالية للحكم بالتصحيح القضائي، أو خلال الفترة التي تحددها المحكمة لمتابعة النشاط بعد التصريح بالتصفية القضائية(1).
نفس المقتضى نسجله في التشريع التونسي، حيث ينص الفصل 37 من قانون 17 أبريل 1995 على ما يلي: « تعطى الأولوية للديون الجديدة المترتبة على المؤسسة بداية من انطلاق فترة المراقبة، و التي لها علاقة مباشرة و ضرورية لمواصلة نشاطها، و تستخلص قبل الديون السابقة و لو كانت ممتازة، إلا أن الديون المنصوص عليها بالفصلين 564 و 566 من المجلة التجارية، و بالفقرات 1 و 2 و 3 من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية تتمتع بامتياز مدعم و تستخلص قبل غيرها»
و الملاحظ من خلال هذين النصين التشريعيين الفرنسي و التونسي، أن ديون الأجراء الناشئة بعد فتح مسطرة المعالجة، هي مقدمة في الاستيفاء على جميع الديون الأخرى، بما فيها تلك التي نشأت أثناء فترة الملاحظة وإعداد الحل، و كذلك في مرحلة التصفية القضائية، و هذا ما يسمى في التشريع الفرنسي ب: «الامتياز الاستثنائي أو الخاص» و في التشريع التونسي ب:«الامتياز المدعم»(2) un super- privilège
 

 
 
 

(1) article 40 : « les créances nées régulièrement après le jugement d’ouverture sont payées à leurs échéances lorsque l’activité est poursuivie. En cas de cessation totale ou lorsque’elle ne sont pas payées à l’échéance en cas de continuation. Elle sont payées par priorité à toutes les autres créances, assortie ou non de privilège ou surtés .à l’exéption des créances garanties par le privilège établi  aux articles L 143-10, L143 – 11, L742-6 et L751-15 du code du travail ».                                                                                                         
(2) أو ما يسمى بامتياز الامتيازات، كما يذهب إلى ذلك أحمد شكري السباعي.
أحمد شكري السباعي . الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها . ج 1 . م.س . ص 130.

 
 
 
و بذلك فإن المشرع المغربي قد تخلف عما هو سائد في القانون المقارن، بتخصيص ديون العمال بامتياز من الدرجة الأولى في إطار نظام صعوبات المقاولة، و اكتفى في الفصل 686 من مدونة التجارة، درا للرماد في العيون، بإعفاء الأجراء من الخضوع لمسطرة التصريح بالديون(1) ، و هم الذين يشكلون طائفة الدائنين المتضررين أكثر من غيرهم من جراء تطبيق مسطرة إخضاع المقاولة المشغلة المتوقفة عن الدفع لإجراءات المعالجة، مكتفيا بمعاملتهم بنفس المعاملة التي تجري على سائر الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية على كل الديون سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات وفق ما نصت عليه المادة 575 من مدونة التجارة. (2)
و نرى أن امتياز دين الأجر خلال هذه المرحلة هو الآخر لا يرقى إلى ما هو معمول به في التشريعين الفرنسي و التونسي، حيث إن جميع الديون الناشئة بعد فتح مسطرة المعالجة، تعامل بنفس المعاملة و لا امتياز فيها لديون الأجراء. و من هنا نسجل غياب نظام «الامتياز الممتاز» على دين الأجر في ظل تشريعنا المغربي، و بجانبه غياب كذلك مسطرة لتحديد الخصوم الناشئة عن الديون المستحقة للأجراء، حيث إن هناك مسطرة واحدة لتحديد تلك الخصوم و لا استثناء فيها للأجراء(3).
 و تجدر الإشارة إلى أن مجال تطبيق المادة 575 من مدونة التجارة عرف تباينا لدى الفقهاء المغاربة ففيما اعتبر جانب من الفقه(4)، أن: «مجال تطبيق المادة 575 من هذه المدونة يقتصر فقط على متابعة المقاولة لنشاطها في مرحلة سماها بالمرحلة المؤقتة أو الانتقالية، و أن نطاق هذه المادة لا يشمل مرحلة حصر مخطط الاستمرارية، ولا مرحلة التفويت» . ذهب جانب آخر من الفقه(5) إلى أن«مجال المادة 575 المذكورة يضم كل المراحل
 
(1) سعد القاسيمي . م.س . ص 115-116.
(2)  محمد البعدوي . حماية حقوق المأجورين بالمقاولة المشغلة الخاضعة لمسطرة المعالجة في قانون مدونة التجارة . المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية .ع50.س2003. ص 22-23.
(3) محمد أبو الحسين . م,س . ص22-23.
(4) بخلاف الأمر في التشريع الفرنسي، الذي عمل على وضع مسطرة خاصة لتحديد الخصوم الناشئة عن الديون المستحقة للأجراء Passif salarial، يشارك فيها كل من ممثل الدائنين و ممثل الأجراء.
(5)  محمد حدوتي . م.س . ص68.

 
 
الموالية لمرحلة إعداد الحل أي مرحلة الاستمرارية، مرحلة التفويت... و عليه، فلا مجال للقول بأن امتياز المادة 575 يقتصر فقط على المرحلة الانتقالية التي تمتد إلى حدود حصر مخطط الاستمرارية فقط، و أن المشرع حاول حماية الدائنين الممولين للمقاولة، في أطول فترة ممكنة في إطار التسوية القضائية» .
و فيما يخص المادة 620 من مدونة التجارة، فإن مقتضياتها تفتح نطاقا استثنائيا خارج فترة التسوية القضائية، و يمتد نطاق امتياز المادة 575 إلى فترة التصفية القضائية، لكن خارج مدة محددة و بإذن خاص من المحكمة سواء تلقائيا أو بناء على طلب موجه من السنديك أو من وكيل جلالة الملك (1) و بهذا فإن حق الامتياز خلال هذه المرحلة لا ينتهي إلا بصدور حكم(2).
أما عن شروط تطبيق نص المادة 575 من مدونة التجارة فيمكن حصرها في ثلاثة شروط، فبداية يجب أن تكون الديون، بما فيها ديون الأجراء قد نشأت بعد حكم فتح مسطرة المعالجة، و في هذا الصدد ورد في المادة 575 أعلاه أنه: «يتم سداد الديون الناشئة... بعد صدور حكم فتح التسوية...». و يعتد بتاريخ العقد الذي يقارن بتاريخ الحكم لمعرفة ما إذا كان سابقا عنه أو لاحقا له، و هنا يطرح التساؤل بشأن الحالات التي يختلف فيها بين تاريخ نشأة الدين و تاريخ نشأة العقد، و هي حالة العقود المستمرة في الزمن، و منها عقود الشغل، التي يمكن للسنديك وحده التقرير في مصيرها. لهذا أثير التساؤل حول ما إذا كان حق الامتياز يشمل فقط الديون الناتجة عن تنفيذ هذه العقود قبل فتح هذه المسطرة بدعوى عدم تجزئة الالتزام الناتج عن العقد المستمر في الزمن؟

(1) بالنسبة للتشريع الفرنسي، و لتحديد مجال تطبيق امتياز المادة 40 من قانون 25/01/1985 المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية، نميز بين مرحلة ما قبل تعديل قانون يونيو 1994، و مرحلة ما بعد التعديل.
هكذا فقبل تعديل المادة 40 المذكورة، كانت هناك بعض الريبة و الغموض بخصوص تاريخ انتهاء الامتياز، فصيغة هذه المادة كانت قابلة للعديد من التأويلات و التفسيرات، بين اتجاه قال بأن هذا الامتياز يشمل فقط مرحلة الملاحظة، و اتجاه آخر ذهب إلى أن المشرع لم يحدد بدقة التاريخ الذي تنتهي فيه الاستفادة من الامتياز، و من تم فإن الديون الناشئة بعد انتهاء فترة الملاحظة يمكنها أن تستفيد كذلك من هذا الامتياز.
و بعد التعديل، اتضحت الصورة و انتفى الغموض، و أصبح يتبين أن الديون التي ستستفيد من حق الأسبقية، تمتد إلى ما بعد فترة الملاحظة، جاء في مقتضيات المادة 40 بعد التعديل: «...إذا تم النطق بالتصفية القضائية فإن الديون الناشئة خلال فترة الاستغلال تستفيد من الامتياز...» و ليس هذا فحسب، بل نجد أن الفقه هناك أجمع على أن احتياجات التصفية القضائية تستفيد هي الأخرى من امتياز المادة 40 السالفة الذكر.
(2) أمينة ناعمي . حقوق الامتياز في مسطرة صعوبات المقاولة . مجلة القصر . ع 6 . س 2003 . ص122.

 
 
 
 
نرى أن الامتياز خلال هذه المرحلة لا يشمل إلا الديون اللاحقة لفتح مسطرة المعالجة دون غيرها، فالنصوص التشريعية في هذا الصدد واضحة و جلية، حيث لكل مرحلة خصوصياتها التي تتميز بها، و قد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن :«حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 4 من القانون الفرنسي ل 25/01/1985 (التي تقابلها في تشريعنا المغربي المادة 575 من مدونة التجارة) لا يطبق بالنسبة للعقود المستمرة الجارية التنفيذ في تاريخ الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية إلا بخصوص الديون الناشئة عن مواصلة هذه العقود بعد هذا التاريخ، أما الديون التي تكون نشأت قبل فتح المسطرة فإنها لا تخضع لحق الأسبقية بالرغم من كونها ناتجة عن عقد تمت مواصلة تنفيذه خلال فترة الملاحظة(1).
كما تشترط لاعتبار الدين مشمولا بامتياز المادة 575 من مدونة التجارة أن ينشأ هذا الدين بمناسبة مواصلة المقاولة لنشاطها خلال فترة إعداد الحل، و هذا يصدق على عقود الشغل التي تستمر في التنفيذ إنقاذا للمقاولة حتى لا تسقط في التصفية القضائية. كما تشترط هذه المادة أن تنشأ تلك الديون بصفة قانونية(2)، و لا نظن أن نشأة ديون الأجراء خلال هذه المرحلة يتعارض و هذا المقتضى، لأن استمرار عقود الشغل في السريان هو استمرار لنشاط المقاولة بصفة عامة.
و إذا كانت هناك ديون متساوية في الرتبة و مستحقة الوفاء في نفس التاريخ، فيتم العمل بمقتضيات الفصل 1245 من قانون الالتزامات و العقود التي تنص على أن : «الدائنين الممتازين في مرتبة واحدة يستوفون حقوقهم على وجه المحاصة»(3)
و صفوة القول فإننا نسجل أن المشرع المغربي حاول أن يحفظ للأجراء حقوقهم عند فتح مسطرة المعالجة، فهذه الأخيرة لا تكون سببا لإنهاء عقود شغلهم، لأن من شأن استمرار
 
(1) أمينة ناعمي . م.س . ص 123.
(2) تنص المادة 575 من م.ت على أنه:«يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية...».
(3) أمينة ناعمي . م.س . ص 128

 
 
تلك العقود و بجانبها عقود أخرى إخراج المقاولة من الصعوبة الاقتصادية و الأزمة المالية، و بالتالي إنقاذها من التصفية القضائية، و القول باستمرار تلك العقود، لا يعني الاحتفاظ بها جميعها، حيث إنه قد يكون لإستمرار بعضها ضرر للمقاولة، و زيادة في تحملاتها ونفقاتها، لهذا يلجأ إلى فصل بعض الأجراء، و لكن وفق مسطرة حمائية، هي من مستجدات مدونة الشغل تضمنتها المواد من 66 إلى 71 منها، كما أن تفويت المقاولة كحل في إطار التسوية القضائية ليس له أي وقع سلبي على الأجراء، فتغيير المركز القانوني للمشغل لا يؤثر على عقود الشغل.
و بخصوص حماية ديون الأجراء، نلاحظ تقصيرا في هذه الحماية، سواء بالنسبة للمرحلة اللاحقة أو للمرحلة السابقة لفتح مسطرة المعالجة. فإذا كان المشرع خلال الفترة الأولى جعل  امتياز دين الأجر يطال منقولات المدين دون عقاراته، فهو في المرحلة اللاحقة لفتح هذه المسطرة، لم يخص دين الأجر بأية حماية تذكر، حيث يعامل نفس معاملة الديون الأخرى التي قد تكون نشأت معه خلال نفس المرحلة، و ليس هذا فحسب، بل نجد المشرع زاد الطين بلّة عندما سمح لبعض الدائنين باستيفاء ديونهم بالأسبقية على الدائنين المستفيدين من امتياز المادة 575 من مدونة التجارة بما فيهم الأجراء، و هم: «الدائن المرتهن رهنا حيازيا، الدائن الذي له حق الحبس، و بائع المنقولات تحت شرط الاحتفاظ بملكيتها إلى غاية أداء الثمن كاملا». و هذا راجع بالأساس إلى أن المشرع المغربي استغنى عن الكثير من المقتضيات القانونية الفرنسية، التي تعد الأم في إصلاح نظام مقاولتنا بالمغرب(1).
لهذا فإن حماية حقوق الأجراء في تشريعنا المغربي  لم ترق إلى ما هو معمول به في التشريع المقارن، خاصة الفرنسي، هذا الأخير الذي عمل على إقامة توازن بين البعد الاقتصادي و البعد الاجتماعي داخل المقاولة، ولم يغلب الأول على الثاني كما فعل مشرعنا المغربي.
 
 
 

(1) محمد العروصي . مصير العقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية . رسالة لنيل الدكتوراه في ق خ . جامعة محمد الخامس السويسي الرباط (وحدة قانون التجارة و الأعمال) س. ج 2004-2005. ص 90.
 
 



السبت 5 يوليوز 2014
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter