MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



التعويض عن تفويت فرصة نتيجة الخطأ المرفقي، تعليق على قرار للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء

     

تعليق على قرار المحكمة الإدارية بالدار البيضاء
حكم رقم 1203 بتاريخ 21/11/2007
حميد بوروضا ضد وزير العدل



التعويض عن تفويت فرصة نتيجة الخطأ المرفقي، تعليق على قرار للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء




د محمد الأعرج أستاذ بكلية الحقوق بفاس
نائب برلماني




 قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكم لها ما يلي: "الخطأ المرفقي هو الإخلال غير المنفصل ماديا ومعنويا عن ممارسة أعمال الوظيفة وتتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه... التعويض عن تفويت فرصة نتيجة لهذا الخطأ.

* قيام المدعي بتوجيه طلب ترشيحه للمشاركة في الامتحانات المهنية للترقية من منتدب قضائي إلى منتدب إقليمي وإقدام وزارة العدل على إجراء هذه الامتحانات دون إدراج طلبه رغم توفره على الشروط القانونية يعتبر تفويتا لفرصة ترقيته..."

يثير حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إشكالية حق التعويض عن تفويت فرصة نتيجة الخطأ المرفقي. بمعنى آخر أن هذا الحكم يثير تساؤلات حول طبيعة الخطأ المرفقي الذي تتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه، وكذا إشكالية شروط تقرير مسؤولية الدولة عن تفويت الفرص نتيجة الخطأ المرفقي.

للتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض الوقائع والحيثيات والمنطوق.

I- الوقائع:

يرمي الطلب إلى الحكم على المدعى عليهم بأدائهم تضمنا للمدعي تعويضا قدره 100.000,00 درهم عن تفويت فرصة اجتياز الامتحان المهني المنظم من طرف وزارة العدل برسم السنة المالية لسنة 2007 لترقية الموظفين المتوفرين على الشروط النظامية من درجة منتدب قضائي إلى منتدب قضائي إقليمي.

II- الحيثيات:

أولا: في المسؤولية

1- الخطأ:

حيث أجابت الجهة المدعى عليها الأولى بريد المغرب بأن الطلب غير مقبول لانعدام العلاقة التعاقدية بينه وبين المدعي وأنه غير مسؤول عن الرسائل العادية وأن المدعي لم يدل بما يفيد أن وزارة العدل وجهت له إشعارا بالمشاركة في الامتحان المهني المذكور.

وحيث أجابت الجهة المدعى عليها الثانية وزارة العدل بأنها حددت تاريخ 15/1/2007 كآخر أجل لوضع الترشيحات الخاصة بإجراء الامتحانات المهنية للترقية إلى درجة منتدب قضائي إقليمي إلا أنها لم تتوصل بطلب المدعي إلا بتاريخ 06/02/2007 أي بعد يومين من إجراء هذا الامتحان بتاريخ 04/02/2007  مما تعذر عليها دراسته لوروده خارج الأجل المحدد.

وحيث إن الأمر يتعلق بالخطأ المرفقي ذلك الخطأ الذي تتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه وهو الإخلال غير المنفصل ماديا ومعنويا عن ممارسة أعمال الوظيفة، والقضاء الإداري في هذه الحالة لا يبحث عن شخص مرتكب الخطأ وإنما ينصب اهتمامه وبالدرجة الأولى على دراسة هذا الإخلال أو الخطأ الواقع الذي سوف تسأل عنه الدولة مباشرة.

وحيث انه بالرجوع إلى وثائق الملف ومستنداته تبين للمحكمة أن ما أقدمت عليه وزارة العدل لعدم استدعاء المدعي للمشاركة في الامتحان المهني المذكور وإن تم في إطار القانون والضوابط التشريعية الناظمة لهذا الامتحان اعتبارا لكون طلب المشاركة في هذا الامتحان لم تتوصل به مديرية الموارد البشرية لوزارة العدل إلا بتاريخ 06/02/2007 حسب تأشيرة مكتب الضبط المركزي والامتحان نظم بتاريخ 04/02/2007 إلا أن الثابت من أوراق الملف أن المدعي تقدم بطلبه بتاريخ 01/01/2007 ولم يتم التأشير عليه من طرف مسؤوله المباشر إلا بتاريخ 15/01/2007 وهو آخر أجل لوصول طلبات الترشيح إلى مديرية الموارد البشرية لوزارة العدل.

وحيث إن المدعي يعمل كمنتدب قضائي بمحكمة الاستئناف التجارية وأن هذه المحكمة هي امتداد عضوي لوزارة العدل وأن أي تقصير من طرفها تعود المسؤولية فيه إلى وزارة العدل لعدم تمتعها بالشخصية المعنوية، وبالتالي فمسؤوليتها ثابتة ولا تعفى من المساءلة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن خطأ المحكمة المذكورة المتمثل في الاحتفاظ بطلب المدعي لمدة 5 أيام وعدم التأشير عليه إلا في اليوم الأخير المحدد لورود طلبات الترشيح على وزارة العدل وهو شيء لم تدل هذه الأخيرة بما يثبت عكسه.

2- الضرر

حيث إنه وبصرف النظر عن الشرط الذي أخذ به مجلس الدولة الفرنسي في تقرير مسؤولية الإدارة عن تفويت فرصة والمتمثل في أن تكون هناك أسباب جدية ومعقولة مع الأخذ بعين الاعتبار موقف المضرور إزاء المرفق أي وجه العلاقة بين المدعي والمرفق فإن المدعي وهو موظف تابع لوزارة العدل لا ينتظر إلا ترقيته إسوة بزملائه لتحسين وضعه المالي والإداري وبالتالي لا يمكن إعفاء الإدارة من المسؤولية وتقييد المدعي بشرط الجدية حتى وإن اعتبر خطأها بسيطا ولا يمكن نعت الضرر الذي أصاب المدعي في نازلة الحال بأنه مجرد أمل لا يرقى إلى مرتبة الحق لأن الموظف لا يتعلق له حق إلا بتفويت ترقيته وأنه إذا كانت الفرصة أمرا محتملا أو مجرد أمل فإن التفويت أمر محقق.

وحيث إن الامتحان المهني المذكور تنظم مقتضياته أحكام المرسوم رقم 403-04-2 الصادر في 02/02/2005 بتحديد شروط ترقي موظفي الدولة في الدرجة أو الإطار ومنشور وزارة تحديث القطاعات العامة رقم 2 و.ع، من أهم ما تضمنته  مقتضيات المرسوم والمنشور المذكورين تعميم امتحان الكفاءة المهنية للترقية إلى الدرجات أو الأطر المرتبة ابتداء من سلاليم الأجور رقم 2 إلى 11، أي أنهما خلقا ولول مرة في تاريخ الوظيفة العمومية، فرصة الترقي من السلم 10 الذي ينتمي إليه المدعي إلى السلم 11، وذلك دون خصم الترقيات الناتجة عن امتحانات الكفاءة المهنية برسم السنوات السابقة علما أنه يمكن اعتماد إمكانية واحدة للترقي في الحالة التي لا يخول فيها تطبيق نسبة التحصيص المالي أي إمكانية للترقي، مما حاصله أن الضرر المحتج به من طرف المدعي بخصوص تفويت فرصة المشاركة في هذا الامتحان المهني ضررا جديا وواضحا، الشيء الذي يكون معه المدعي قد تضرر فعلا بهذا الخصوص.

ثانيا: في التعويض

حيث إنه بثبوت مسؤولية وزارة العدل في قيام الضرر الناتج عن تفويت فرصة المشاركة في الامتحان المهني المذكور وثبوت العلاقة السببية بين هذا التفويت وذلك الضرر يتعين الحكم للمدعي بالتعويض الملائم على ما فاته من كسب نتيجة خطأ الإدارة وتباطئها في أداء الخدمة المطلوبة.

وحيث إنه واعتبارا للأضرار المشار إليها أعلاه فإن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية تحدد قيمة التعويض المستحق لفائدة المدعي في مبلغ خمسة عشر ألف درهم (15.000,00 درهم).

III- منطوق الحكم:

الحكم على الدولة المغربية (وزارة العدل) بأدائها للمدعي تعويضا قدره خمسة عشر ألف درهم (15.000,00) وتحميلها الصائر.
 
 
IV- التعليق:

يقتضي التعليق على هذا الحكم الإجابة على ما يلي:

- الخطأ الذي تتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه.
- شروط تقرير المسؤولية الإدارية عن تفويت الفرصة نتيجة الخطأ المرفقي.

تقوم المسؤولية التي يكون الخطأ أساسا لها على ثلاثة أركان، الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. ولقد جرى اجتهاد القضاء الإداري على التمييز بين نوعين من الأخطاء، الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي.

والخطأ المرفقي هو الخطأ الذي يتمثل في إخلال الإدارة بالتزاماتها وينسب إليها وهو خطأ تسأل عنه الإدارة وتتحمل دفع التعويض عن الأضرار الناجمة عنه، ويشكل أداء المرفق العام لخدماته على وجه سيء، خطأ مرفقي الذي يستوجب مسؤولية الدولة عن الأضرار اللاحقة بالمدعي من جراء هذا الخطأ، استنادا لمقتضيات الفصل 79 من ق.ل.ع.

ومن ثم فإن الخطأ المرفقي يختلف عن الخطأ في معناه العادي، بحيث لا يحمل أي طابع ذاتي أو أخلاقي، فالأمر يتعلق بخطأ مرفقي لأن لكل إدارة غاية محددة تهدف إلى تحقيقها بوسائل مادية وبشرية وقانونية، وإذا كانت هذه الإدارة تملك حقوقا فإنها تحمل عددا من الالتزامات بحيث يمكن القول بأن الخطأ المرفقي هو الإخلال بهذه الالتزامات.

وإذا كان الخطأ المرفقي يتمثل في إخلال الإدارة بالتزاماتها، فإن أمثلة هذا الخطأ تتعدد وتتنوع بتنوع التزامات الإدارة وتنوع صور الإخلال بها، ويمكن أن نرد مظاهر إخلال الإدارة بالتزاماتها إلى ثلاثة صور أساسية.

- التنظيم السيء للمرفق العام وتتحقق أساسا هذه الصورة في الحالة التي تكون فيها الأضرار اللاحقة بالضحية ناتجة عن التنظيم السيء.

- سوء تسيير المرفق العام، ويتمثل هنا في الأعمال الإيجابية التي تؤدي بها الإدارة خدماتها، ولكن على وجه سيء مما يتسبب في الإضرار بالغير، وقد يكون الخطأ هنا في صورة قرار إداري مخالف للقانون.

- عدم سير المرفق العام بنظام وانتظام، ويتمثل الخطأ هنا في موقف سلبي يتخذه المرفق العام بالامتناع عن أداء خدمة أو الأعمال التي يكون ملزما بها قانونا.

وبخصوص شروط تقرير المسؤولية الإدارية عن تفويت الفرصة فإنها تتمثل أساسا في أن تكون هناك أسباب جدية ومعقولة، مع ضرورة إثبات الخطأ وفي هذا الإطار لابد من الإشارة أن إثبات الخطأ يلعب دورا أساسيا في تحديد المسؤولية الإدارية، وتتجلى أهمية الإثبات داخل نظام المسؤولية الإدارية في كونه يتواجد ضمن مسطرة ذات طابع تحقيقي والمتجلية في التحقق من جدية الأسباب وخطأ المرفق المتمثل في البطء وعلاقة السببية مع الإشارة أن دور القاضي يعتبر عاملا حاسما للاقتناع بالوقائع المعتمدة أو عدم الاقتناع بها، لذلك فإن تحليل عناصر الإثبات يساعد على تحديد وضعيات الأطراف في دعاوى التعويض.

وبالتالي فإن ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بخصوص قيام الضرر الناتج عن تفويت فرصة المشاركة وثبوت العلاقة السببية بين هذا التفويت وذلك الضرر والحكم بالتعويض كان صائبا.



الاحد 2 يونيو 2013

تعليق جديد
Twitter