MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



مشروع قانون حصانة العسكريين على ضوء مقتضيات القانون الجنائي الدولي

     

محمد بوبوش :

باحث في العلاقات الدولية،

كلية الحقوق-جامعة محمد الخامس-الرباط



مشروع قانون حصانة  العسكريين على ضوء مقتضيات القانون الجنائي الدولي
يحتل القضاء الجنائي على الصعيد الدولي أهمية كبيرة في حسم المنازعات فيما بين الدول وإقرار العقوبات المناسبة بحق مرتكبي أبشع الجرائم الدولية بصورة وحشية والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان .

وتتمثل الصعوبة الأساسية في العقاب عن معظم الجرائم الدولية في أنها تُرتكب من فبل أفراد يعملون إستنادا لأوامر عليا من حكوماتهم ، وعلى هذا فقد كان لابد من إتخاذ أعضاء المجتمع الدولي مجتمعين ، خطوات هامة لمواجهة هذه الجرائم وعدم إفلات مرتكبيها من العقاب تحت غطاء الحصانة الرئاسية ، أو التمسك بإسناد الأفعال الجرمية للدولة بتطبيق مبدأ أعمال الدولة .
الدفع بالحصانة

درجت التشريعات الجنائية الوطنية في مختلف الدول على النص على خضوع جميع الأشخاص على إقليم الدولة إلى أحكام قانون العقوبات لتلك الدول ولإختصاصها القضائي سواء أكان هؤلاء وطنيين يحملون جنسيتها أو مقيمين تطبيقاً لمبدأ إقليمية القانون الجنائي. غير أن هذا المبدأ لا يسري بشكل مطلق وإنما يخضع إلى بعض الإستثناءات ومنها ما ينصرف إلى مسؤولية الرؤساء عن بعض الجرائم التي قد يرتكبونها وفق ما يمكن تسميته بالحصانة .

والحصانة
( Impunity أو Immunity )
يقصد بها إعفاء بعض الأشخاص أو الأموال من تطبيق القواعد العامة عليهم في المسائل القضائية والمالية ، وفي القانون الدولي يقصد بالحصانة الدبلوماسية : مجموع الإمتيازات التي تتعلق بحرية الممثلين السياسيين الأجانب ، ومفادها أنهم لا يخضعون مبدئياً لقضاء البلاد الذين يقيمون فيها ، بل يظلون خاضعين لحكوماتهم وقضاء وطنهم .

والحصانة نظام دولي تقليدي يتم من خلاله تحصين أشخاص معينين وهم ( رؤساء الدول والحكومات والوزراء والكادر الدبلوماسي والعسكريين الموجودين في الدولة المضيفة ) من المقاضاة أمام المحاكم الأجنبية . ويقرر التشريع الوطني إعفاء هؤلاء من الخضوع للقضاء الجنائي عن الأفعال التي يرتكبونها رغم توافر الصفة الجرمية لما يأتونه من الأفعال .

هذا وتنص الدساتير في كثير من الدول على إعفاء بعض الأشخاص من المسؤولية المترتبة على أفعالهم ، لإعتبارات يرجعها غالباً الى ( مقتضيات المصلحة العامة ) مما يترتب عليه إنه لا يمكن محاكمة هؤلاء على أي جريمة قد يرتكبونها على إقليم الدولة لعدم خضوعهم إلى الإختصاص القانوني والقضائي فيها .

إقرار المسؤولية الجنائية الدولية للفرد

لم يكن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية الدولية للفرد يسيراً أو متاحاً إلاّ بعد تطور فقهي وقانوني استغرق فترة طويلة . فلم يتخذ فقه القانون الدولي موقفاً واحداً من إمكانية مساءلة الفرد جنائياً على الصعيد الدولي فقد ظهرت اتجاهات فقهيه عدة .

الاتجاه الأول : ذهب هذا الاتجاه إلى إن الدولة وحدها المسؤولة عن الجرائم الدولية ، على اعتبار أن المفهوم التقليدي للقانون الدولي يعتبر الدولة الشخص الوحيد للقانون الدولي .

الاتجاه الثاني : ينادي أنصار هذا الاتجاه بالمسؤولية الجنائية المزدوجة لكل من الدولة والفرد لان الدولة والأفراد الذين يتصرفون باسمها يتحملون المسؤولية الجنائية عن مخالفات القانون الدولي ، والمسـؤولية الفردية في ظل القانون الدولي ، يمكن أن تنشـأ نتيجة لارتكاب جريمة بصورة مباشرة أو نتيجة للتحريض على ارتكابها أو لجرائم اقترفها أشخاص خاضعون لسلطة آمره .

الاتجاه الثالث : ذهب هذا الاتجاه إلى القول بأن الجرائم الدولية لا يمكن أن تُرتكب إلاّ من قبل شخص طبيعي ، وبالتالي هو المحل الوحيد للمسؤولية الجنائية .
وقد نصت المادة ( 27) من نظام روما الأساسي في شأن المحكمة الجنائية الدولية على إنه ( 1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون تمييز بسبب الصفة الرسمية ، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص ، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً ، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي. كما إنها لا تشكل في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في أطار القوانين الوطنية أو الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص ) .

يؤكد هذا النص مبدأين مهمين : الأول هما مساواة الأشخاص أمام هذه المحكمة بصرف النظر عن الصفة التي يتمتع بها أياً منهم حتى ولو كانت هذه الصفة رسمية ، بمعنى إن الصفة الرسمية ليست سبباً لتمييز من يتمتع بها عن الآخر الذي لا يحمل هذه الصفة ، أما الثاني فانه يخلص إلى عدم الاعتداد بالحصانات أو القواعد الإجرائية سواء نص عليها في القوانين الجنائية الوطنية أو الدولية .

مشروعية الدفع بأوامر الرئيس الأعلى

غالباً ما يدفع كبار مجرمي الحرب (جنود وضباط بمختلف الرتب) بأن الجرائم التي ارتكبوها كانت بأمر من أصدره إليهم من رئيس أو قائد لم يكن بإمكانهم مناقشته أو عدم إطاعته ، وقد حاول الفقه والقضاء منذ وقت طويل وضع حدود لهذا الدفع ، ومن ذلك إن قوانين العقوبات العسكرية قد درجت على معالجته ، فقد نص قانون العقوبات العسكري الألماني لسنة 1940 على مسؤولية الشخص عن فعله الجنائي إذا ارتكب هذا الفعل في مدى أبعد مما يتضمنه الأمر أو إنه ارتكب الفعل المأمور به وهو يعلم بالصفة الجنائية له .
أما على صعيد القانون الدولي الجنائي فقد تطرقت المادة ( الثامنة ) من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ إلى تأثير الأمر الصادر من الرئيس الأعلى فنصت ( إن إدعاء المتهم بأنه تصرف وفقاً لأوامر حكومته أو رئيسه الأعلى لا يعفيه من المسؤولية ولكن يمكن أن يعتبر ذلك سبباً يخفف العقوبة إذا رأت المحكمة إن العدالة تقتضي ذلك) .
وقد طبقت المحكمة هذا المبدأ بالنسبة إلى كايتل ( Keitel ) رئيس أركان حرب الجيش الألماني الذي ادعى إنه كان خاضعاً لواجب الطاعة .
وعلى العموم فإن الاحتجاج بالأمر الرئاسي الصادر إلى الشخص وإن لم يصل إلى مرتبة أسباب الإباحة ، فأنه وبمقتضى نص المادة الثامنة من نظام المحكمة كان يمكن أن يُعد سبباً مخففاً للعقوبة ، وتقدير ذلك من سلطة المحكمة ، غير أن اللجنة التي صاغت المبادئ التي جاءت بها أحكام المحكمة ، والتي كان لها شأن في تطوير قواعد القانون الدولي المتعلقة بمحاكمة مجرمي الحرب ، قد حذفت الشطر الأخير من المادة السابعة ، ونصت على عدم رفع المسؤولية فقط دون أن تتطرق إلى تخفيف العقوبة .
ومن ثم فإن أمر الرئيس الأعلى لا يمكن أن يُعد عذراً مقبولاً في دفع المسؤولية استنادا إلى مبادئ محكمة نورمبرغ ، وقد ترك للمحكمة سلطة تقديرية في قياس مدى حرية الإختيار التي يتمتع بها الشخص عند تنفيذ الأمر المكوِّن للجريمة الدولية . ولا شك إن حرية الإختيار تختلف حسب وظيفة ومركز الممتثل إلى الأمر ومدى سلطة صاحب الأمر عليه .
وفي هذا السياق نصت المادة (33) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على إنه (1- في حالة إرتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة ، لا يعفى الشخص من المسـؤولية الجنائية إذا كان إرتكابه لتلك الجريمة قد تم إمتثالاً لأمر حكومته أو رئيساً عسكرياً كان أم مدنياً عدا الحالات الآتية :

أ- إذا كان على الشخص إلتزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني .
ب- إذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع .
ج- إذا لم تكن مشروعية الأمر ظاهرة .

2- لأغراض هذه المادة تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر إرتكاب جريمة الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية ) .

ويتبين من النص إن الفقرة الأولى منه قد أوردت ثلاث فرضيات إعتبرت كل منها سبباً مانعاً من مساءلة مرتكب الجريمة الدولية وهي :

أولاً: إذا كان الجاني ملزماً قانوناً بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني

يتعلق هذا النص بالوظيفة العسكرية التي تُلقى على المرؤوس واجباً قانونياً بتنفيذ الأمر الصادر إليه دون مناقشته . وقد بينا إن إعتبار تنفيذ أمر الرئيس مانعاً من المسؤولية في القانون الدولي الجنائي سـيؤدي إلى نتائج سلبية وإفلات الكـثير من المجرميـن من العقاب ، لأن الأمر لا يعدو أن يضعنا في حلقه مفرغة ، لأن كل رئيس هو في الحقيقة مرؤوس لرئيسه الأعلى وإذا ما رجعنا بالمسؤولية على أحد منهم سيدفع بأنه ينفذ أوامر رئيسه ويدفع الأخير بذلك أيضاً ، مما يصعب معه تحديد المسؤول الرئيس عن الفعل المكون للجريمة ، مما يشجع على التمادي في إرتكاب المجازر والأعمال الوحشية .

.ثانياً:- إذا كان الجاني لا يعلم بان الأمر غير مشروع

الحالة الثانية التي يمكن من خلالها الدفع بعدم مسؤولية المرؤوس عن تنفيذ أمر رئيس غير المشروع هي تنفيذ المرؤوس الأمر غير المشروع وهو لا يعلم بعدم مشروعيته .
ففي هذه الحالة لا تنهض المسؤولية الجنائية على المرؤوس لإنعدام القصد الجنائي المتمثل بعلم الفاعل بالصفة غير المشروعة لعمله المكون للجريمة الدولية والناتج من تنفيذه لأوامر رؤسائه ، أما إذا كان المرؤوس عالماً بعدم مشروعية الأمر ومع ذلك أقدم على تنفيذه فإنه يُسأل في هذه الحالة لإنصراف إرادته الى إرتكاب فعل يُعد جريمة مع علمه بذلك .

وعلى هذا الأساس يكون من المنطقي أن يُعذر المرؤوس عندما يعتقد إن فعله مشروع وأن يُقبل منه الدفع بإنتفاء القصد الجنائي لديه .

وقد يحصل أن يعلم المرؤوس إن فعله غير مشروع أصلا ً، لكنه يعتقد إن هناك سبب إباحة يجرد فعله من صفته الجرمية ويدخله في نطاق الإباحة ، فهل ينتفي قصده الجنائي في هذه الحالة ويشمله نص الفقرة الاولى من المادة (33) من نظام المحكمة الدولية الجنائية ؟ .

درج فقهاء القانون الجنائي على قاعدة مقتضاها بأن الغلط في الإباحة لا يعدل أو يساوي الإباحة ذاتها لأن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية يتعين أن تتحقق فعلاً وتكتمل لها شروطها حتى تنتج آثارها (1) .

ومع ذلك فان الغلط في الإباحة ينفي القصد الجنائي ، لأنه ينفي العلم بعناصر الجريمة التي يقوم عليه القصد الجنائي ومن الممكن أن تتحقق المسؤولية غير العمدية عن الفعل.

ثالثاً : إذا لم تكن عدم مشروعية الامر بارتكاب الجريمة ظاهرة للجاني

وفي هذه الحالة يمكن من خلالها الدفع بعدم مسؤولية المرؤوس عن تنفيذ أمر رئيسه غير المشروع، ولكن المشرع عاد واستثنى في الفقرة (2) من المادة (33) ونص على أنه تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر إرتكاب جريمة الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية

ومن الجدير بالذكر إن المشرع العراقي في الفقرتين (4،5 ) من المادة ( الخامسة عشر) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا إستبعد دفع الرئيس الأعلى للمسؤولية الجنائية الناشئة عن الجرائم التي قد يرتكبها من يعمل بإمرته .

فقد ورد" ... رابعاً : لايعفى الرئيس الأعلى من المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يعملون بإمرته، إذا كان الرئيس قد علم أو كان على وشك إرتكابها ولم يتخذ الرئيس الإجراءات الضرورية والمناسبة لمنع وقوع هذه الأفعال أو أن يرفع الحالة الى السلطات المختصة بغية إجراء التحقيق والمحاكمة .

خامساً: في حالة قيام أي شخص متهم بإرتكاب فعل تنفيذاً لأمر صادر من الحكومة او من رئيسه فإن ذلك لن يعفيه من المسؤولية الجنائية ويجوز أن يُراعى ذلك في تخفيف العقوبة إذا رأت المحكمة تحقيق العدالة يتطلب ذلك" .

الجدل حول المادة 7 من قانون الضمانات الممنوحة للعسكريين

يعد مشروع قانون الضمانات الاساسية الممنوحة للعسكريين مرجعا آخر في تعزيز المكتسبات الديمقراطية في المغرب٬ ويندرج في إطار تنفيذ مقتضيات الدستور الذي يحدد في الفصل 71 منه الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين في ما يتصل بالحقوق والحريات. لكن المادة السابعة من مشروع قانون رقم 12-01 المتعلق بالضمانات الممنوحة للعسكريين في القوات المسلحة الملكية، كما صادق عليها المجلس الوزاري في فبراير الماضي، تثير بعض الاشكاليات حيث تنص المادة 7 على أنه "لا يسأل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم، في إطار عملية عسكرية تجري داخل التراب الوطني، بمهمتهم بطريقة عادية". ويُمتع مشروع القانون العسكريين بحماية الدولة مما قد يتعرضون إليه من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة، بمناسبة مزاولة مهامهم وأثناء القيام بها أو بعدها .

إن المادة 7 من هذا القانون تتعارض مع مقتضيات القانون الانساني التي تفرض احترام حقوق الانسان في حالات النزاع المسلح الداخلي .

والحقيقة فإن السمعة التي اكتسبها المغرب دوليا على الصعيد الحقوقي توجب على المشرع إلغاء المادة السابعة أو على الأقل مراجعتها، باعتبارها "تتناقض مع مع التزامات المغرب الدولية وما هو متعارف عليه دوليا، خصوصا في مجال منظومة حقوق الإنسان، بما فيها القانون الدولي الإنساني (اتفاقية جنيف)، وكذلك البرتوكولات الملحقة به، كما أن هذه المادة، تتناقض مع توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في ما يخص حكامة الأجهزة الأمنية، وتتعارض أيضا مع المبادئ التي تضمنها الدستور الجديد، كتجريم التعذيب والاختفاء والجرائم ضد الإنسانية".

والحقيقة أنه يجب دقيق بعض المفاهيم من قبيل "القيام بمهام بطريقة عادية، لأنه سيكون من الأنسب التنصيص على القيام بالمهام في إطار القانون، وهي الملاحظة التي انتبه إليها المشروع في الفقرة السابعة منه فأضاف "مع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني" بالنسبة إلى العمليات خارج الوطن، بالمقابل فإن تدخل قوات الجيش في الشؤون الداخلية للبلد يكون أمرا استثنائيا وضرورة قصوى، وهو ما يقتضي أن تتوفر له الضمانات القانونية اللازمة.

كما يلاحظ عدم مطابقة مشروع قانون "الحصانة العسكرية" لمقتضيات الدستور، لأن "عدم المساءلة الجنائية" يتعارض مع مبادئ دستورية تشير إلى أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال ". كما يتعارض مشروع القانون، مع مبدأ تجريم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ذلك أن الأصل أنه" لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة"، علاوة على أن "ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها".

كما يخالف مشروع القانون 01.12 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين، لمبدأ الحكامة الأمنية كما جرى التنصيص عليها في المادة 95 من الدستور، مشيرا إلى أن "إقرار عدم مساءلة جنائية، علاوة على عدم الملاءمة مع الضوابط القانونية وطنيا ودوليا، فإنه يضع المؤسسة القائمة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن في البلاد أمام موقف حرج".

وأخيرا يتعارض هذا المشروع مع التزامات المغرب في مجال حقوق الانسان وتراجعا خطيرا عن توصيات الانصاف والمصالحة المتعلقة بالمصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

كما ان العفو المخول للملك (في حالة ارتكاب العسكريين لانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان) يتعارض مع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، و مع مقتضيات الدستور المغربي في الفصل 58 ,

ولا يتضح من خلال النصوص الدولية الجنائية أنها أجازت أو نظمت نظام العفو عن العقوبة باستثناء ما ورد في المادتين 27،28 من ميثاقي محكمتي TPIY وTPYI حيث سمحتا للمحكوم عليه أن يطلب العفو عن العقوبة المحكوم بها عليه وفقا لقوانين الدولة التي ينفذ فيها الحكم وطلب يتقدم به إلى سلطات تلك الدولة التي عليها إخطار المحكمة الدولية لهذا الطلب .

وعلى هذه الأخيرة أن تبت فيه بما يتفق ومقتضيات العدالة ومبادئ القانون العامة. أما النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فقد أورد في المادة 110 منه حكما مماثلا، لكنه قصره على طلب تخفيض العقوبة وليس الإعفاء منها .

إن إدماج الجرائم الدولية في القانون الجنائي المغربي، يعتبر محطة أساسية لضمان تكاملية النظام القضائي الوطني مع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية، سواء جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في المواد 6 و7 و8.


ومن جانب آخر، يمكن للمشرع المغربي إدماج مجموعة من المبادئ الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية في القانون الجنائي الوطني، مثل مقتضيات (المادة27) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بالتأكيد بشكل صريح على أن "تطبق عقوبات الجرائم الدولية على جميع الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، سواء كانوا أعضاء في حكومة أو برلمان أو ممثلين منتخبين أو موظفين حكوميين أو قادة عسكرين، ولا تعفيهم بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب القانون الجنائي، كما أنها لا تشكل، في حد ذاتها، سببا لتخفيف العقوبة".


النسخة الحاملة للهوامش




الثلاثاء 12 يونيو 2012

تعليق جديد
Twitter