MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



قراءة نقدية في المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية

     

ذ/ خالد خالص



قراءة نقدية في المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية
بالرجوع إلى الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الحالي فإننا نجده ينص على أنه “يتعين على المحكمة أن تبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات وتبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة”.

وينص الفصل 5 من القانون نفسه على أنه “يجب على كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية”.

إلا أن المادة 10 من مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 – المصادق عليه من قبل الحكومة بتاريخ 24 غشت من سنة 2023 والذي عرض على لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب يوم 25 مارس 2024 – لمواصلة مناقشته تنص على أنه “يجب على كل متقاض أن يمارس حقه في التقاضي طبقا لقواعد حسن النية وبما لا يعرقل حسن سير العدالة. وللمحكمة أن تحكم إما تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو من أحد الأطراف إذا ثبت لها أنه يتقاضى بسوء نية، بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين عشرة آلاف (10.000) درهم وعشرين ألف (20.000) درهم وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر”.


وحيث إن هذه المادة تطرح إشكالا حقيقيا مقارنة مع الدستور ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والتي أصبحت تسمو على التشريع الوطني بصريح ما ورد في ديباجة دستور 2011.

وحيث ينص الفصل 118 من الدستور إلى أن “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون” تماشيا مع مختلف التشريعات والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تعترف بهذا الحق الشرعي باعتباره من الحقوق الأساسية للمواطنين.

وهكذا تنص المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه “لكلِّ شخص حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة لإنصافه الفعلي من أيَّة أعمال تَنتهك الحقوقَ الأساسيةَ التي يمنحها إيَّاه الدستورُ أو القانونُ”.

كما ينص الفصل 14 من العهد الدولي للحقوق السياسية والاقتصادية على أن “الناس جميعا سواء أمام القضاء….”، بينما ينص الفصل 26 من هذا العهد على أن “الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته”.

ومن ثمة فإنه لا يجوز عرقلة اللجوء إلى القضاء بالترهيب بأداء غرامات تتراوح بين 10000 و20000 درهم، خصوصا وأن اللجوء إلى القضاء ليس بالمجاني في المغرب بصريح الفصل 121 من الدستور الذي ينص على أن مجانية اللجوء للقضاء لا يكون إلا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي.

فالمتقاضي يؤدي مبلغ الرسوم القضائية ورسوم المرافعة ورسم الدمغة وأتعاب الدفاع والخبراء والمفوضين القضائيين والتراجم… ولا يسترجع أيا من هذه المبالغ في حالة الحكم ضده بعدم القبول أو برفض الطلب. كما أنه يؤدي رسوم الاستئناف وما يتبعها ولا يسترجع أي منها في حالة تأييد الحكم الابتدائي ويؤدي رسوم النقض وما يتبعها ولا يسترجعها في حالة عدم قبول طلبه أو رفضه ويؤدي رسوم إعادة النظر ومبلغ الكفالة ولا يسترجعها في حالة رفض طلبه، مما يجعل الحكم عليه بغرامة إضافية يشكل إرهابا وسيفا معنويا تجاهه لثنيه عن ممارسة حقه في اللجوء إلى القضاء وهو حق من حقوق الإنسان.
كما أن تطبيق مسطرة الغرامة غير واضح ومن شأنه خلق متاعب للنيابة العامة وللقضاة من جهة وللدفاع من جهة أخرى.

ذلك أن الحكم بالغرامة تلقائيا من قبل المحكمة التي قضت بعدم قبول الطلب أو برفض الطلب أمر غير منصف بتاتا، إذ يجب انتظار أن يصير الحكم القاضي بعدم القبول أم بالرفض نهائيا، وأن تنظر في الأمر هيئة مستقلة أخرى، التي يكون عليها أن تقيم المساطر التعسفية، وتثبت سوء نية أو تعسف المتقاضي في اللجوء الى القضاء – بينما دورها الحياد وتطبيق القانون – وهو الأمر الذي سيثقل كاهل المحاكم بمساطر متعددة هي في غنى عنها.

ثم لماذا إقحام النيابة العامة وخصم المتقاضي في هذه المسطرة، ذلك أن النيابة العامة غائبة عن جل الدعاوى المدنية (إلا إذا كانت طرفا رئيسيا أو منضما)، وعن كل الدعاوى الإدارية. فهل لنا ما يكفي من وكلاء الملك ومن نوابهم لمراقبة ومراجعة كل الدعاوى والمساطر التي يباشرها المتقاضون والتي تعد بالملايين سنويا؟.

وماذا لو كان المدعى عليه هو سيئ النية والمتعسف في التقاضي؟ أو كان الاثنان يتقاضيان بسوء نية. دون أن ننسى بأنها ولأول مرة نعاين بأن المشرع أقحم المواطن لكي يطالب المحكمة بالحكم على خصمه بغرامة لفائدة الدولة.

ثم من سيؤدي هذه الغرامة؟ هل هو المتقاضي – مدعي أم مدعى عليه – أم دفاع المتقاضي الذي باشر المساطر “التعسفية”؟.

ولا بد من التذكير مرة أخرى، بأن كلفة التقاضي في المغرب جد مرتفعة بالمقارنة مع الوضعية الاجتماعية الهشة والقوة الشرائية الهزيلة لأغلب المواطنين، بالإضافة الى مخاطر الأحكام التي قد تنصف وقد لا تنصف المتقاضين أحيانا، مما يجعل مقترح فرض غرامة مالية لفائدة خزينة الدولة على خاسر الدعوى “المتعسف” في استعمال حق اللجوء إلى القضاء في غير محله في ظل الظروف الاجتماعية الحالية خصوصا وأن الغرامة المقترحة جد مرتفعة مقارنة مع قيمة أغلب القضايا المعروضة على المحاكم، مع الإشارة إلى أن من سيقف وقفة تأمل في الأمر، سيجد أن الدولة ستصبح طرفا في الدعوى المدنية والإدارية والتجارية، أي أنها ستصبح خصما وحكما في الوقت نفسه وهي من سيقول بأن الدعوى تعسفية، وهي من ستقضي لفائدة خزينتها أي لفائدتها بالغرامات المسطرة بالمادة 10 من مشروع القانون.

ففي مختلف التشريعات، إلا استثناء (حيث نجدها في التشريع الفرنسي مثلا وتسمى الغرامة المدنية التي تهدف إلى تخليق المشهد القضائي وتتطلب الغرامة الفرنسية دراسة أكاديمية مستقلة ومستفيضة مع الإشارة إلى أنه لا مجال لمقارنة القضاء الفرنسي مع القضاء المغربي) نجد أن المتقاضي الذي تعسف خصمه سيئ النية في مباشرة مساطر ضده، هو من يلجأ إلى القضاء، للمطالبة بالتعويض عن الدعوى التعسفية

التي تسببت له في أضرار مادية أو معنوية، مع إلزام صاحب الحق بإثبات سوء نية خصمه.
إلا أن هذه القواعد ستنقلب رأسا على عقب في المغرب مع مشروع قانون المسطرة المدنية، لنعيش مستقبلا حالة من الفوضى والقلق في التقاضي، ولن نعود نفرق بين الدعوى المدنية والدعوى العمومية، لا لشيء إلا لأن صاحب المقترح ينظر إلى الأمور من الزاوية المادية الصرفة، وأراد بهذا النص أن يبدع ويخلق موارد مالية إضافية للدولة على حساب المتقاضين، من خلال المساطر التي تباشر أمام المحاكم، على الرغم من أن الدولة ليست طرفا في المساطر المدنية والإدارية والتجارية، وعلى الرغم من أن الدولة في غنى عن استخلاص أموال غير مشروعة، دستوريا وأمميا من مواطنيها.

ملحوظة: ما قيل في هذه الدراسة عن المادة 10 يقال عن باقي المواد التي تنص على غرامات مدنية لفائدة خزينة الدولة ضد المتعسف كالمادة 62 و87 مثلا.



الثلاثاء 16 أبريل 2024

تعليق جديد
Twitter