MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





طبيعة المرسوم بقانون: تأملات في ضوء المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية

     

بقلم ذ حميد ولد البلاد



نسخة للتحميل


عملت الحكومة المغربية على تنظيم حالة الطوارئ الصحية بموجب المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها[1]. وهو مرسوم بقانون حدد مبررات اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية والإجراءات المتبعة من أجل الإعلان عنها وتمديدها، كما أنه حدد صلاحيات لشرطة الإدارية التي تم تأهيل السلطات العمومية لاتخاذها في سبيل مواجهة تفشي الوباء، فضلا عن تجريمه للمخالفات المتعلقة بحالة الطوارئ وتحديد العقوبات المخصصة لها (الشق الجنائي)، وأخيرا تضمن مقتضى بوقف سريان الآجال المنصوص عليها في المقتضيات التشريعية والتنظيمية خلال فترة الطوارئ الصحية على أساس استئناف احتسابها من اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ، مع مراعاة أجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال ومدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
ولاشك أن تساؤلا يطرح حول القيمة الدستورية لهذا المرسوم بقانون وما إذا كان بنفس قيمة التشريع العادي (اي القانون)؟
 ذلك أنه بموجب الفصل 81 من الدستور ” يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية، يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه. وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.”  ومعنى ذلك أن الحكومة تتقاسم السلطة التشريعية مع البرلمان خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، والبرلمان يعقد جلساته أثناء دورتين في السنة، الأولى تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتفتتح الدورة الثانية يوم الجمعية الثانية من شهر أبريل، ومدة كل واحدة منهما أربعة أشهر (الفصل 65 من الدستور).
وفي نازلة الحال فإن المرسوم بقانون صدر وتم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020، بعدما سبق الاتفاق بشأنه مع اللجنتين المعنيتين في مجلس النواب ومجلس المستشارين، كما أنه صدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورة الخريفية والدورة الربيعية، بمعنى أن البرلمان لم يكن منعقدا خلالها. وإذا كان الاجتهاد القضائي الفرنسي يعتبر هذه المراسيم بقانون قبل المصادقة عليها من طرف البرلمان بمثابة قرارات إدارية قابلة للطعن أمامه استنادا إلى كونها صادرة عن سلطة إدارية بحسب المعيار العضوي، وكان المجلس الدستوري الفرنسي لا يعتبرها تشريعا يخضع لرقابته[2]، فإن الفقه اختلف حول نظرته إلى طبيعتها القانونية وما إذا كانت أعمالا تشريعية أم إدارية؟[3]
والحقيقة أن البحث في العمل القضائي، لا يسمح باستخلاص نتائج واضحة حول الطبيعة القانونية للمراسيم بقانون، وما إذا كانت قابلة للطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري أما لا، وبالتبعية ما إذا كان من الممكن ممارسة مسطرة فحص شرعيتها؟
فعلى مستوى القضاء الإداري الفرنسي، فإنه متواتر على أنها تعتبر قرارات إدارية على الأقل في الفترة السابقة للمصادقة عليها من طرف البرلمان[4]، ودائما استنادا إلى المعيار العضوي الذي يجعلها صادرة عن سلطة إدارية.
أما القضاء المغربي، فلم تتح أمامه سوى فرص قليلة لمناقشة هذا الموضوع؛ وهكذا فقد ورد في قرار صادر عن المجلس الدستوري أن[5]:
” حيث إن الطعن، المعروض على نظر المجلس الدستوري، إن كان ينصب على عدم دستورية اجتماع لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية المنعقد بمجلس المستشارين، فإنه يرمي إلى التصريح بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 2.14.596 المذكور؛
وحيث إن الدستور ينص في الفقرة الأولى من فصله 81 على أنه “يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية؛
وحيث إنه، لئن كانت مراسيم القوانين تتخذها الحكومة باتفاق مع اللجان البرلمانية المعنية بالأمر في كلي مجلسي البرلمان، وفقا للمسطرة الخاصة المحددة لذلك في الفصل81 المذكور، فإن مراسيم القوانين لا يخضع اعتمادها لكامل مسطرة التشريع المقررة في الدستور، مما يجعل سريانها يتم فور نشرها في الجريدة الرسمية ولا يتوقف على صدور أمر بتنفيذها كما تقتضي ذلك أحكام الفصل 50 من الدستور، الذي ينطبق على القوانين دون سواها؛
وحيث إنه، بناء على ذلك، فإن مراسيم القوانين لا تكتسب صبغة قانون إلا بعد المصادقة عليها من قبل البرلمان بمجلسيه في الدورة العادية الموالية لصدورها، وفقا لأحكام الفصل81 من الدستور، مما يجعلها غير مندرجة ضمن اختصاص المحكمة الدستورية المحدد بموجب الفصل 132 من الدستور؛”
وقد بتت محكمة النقض بدورها في الطعن الموجه ضد نفس المرسوم بقانون، واصدرت قرارها ورد فيها أنه[6]:
حيث إن المرسوم بقانون المطعون فيه قد تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان بموجب القانون رقم 85.14 الصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 01.15.31 وتاريخ 12 مارس 2015 ونشر بالجريدة الرسمية عدد 6348 وتاريخ 02 أبريل 2015 وبالتالي يكون هذا المرسوم قد استنفذ مساطر التشريع المقررة في الدستور وأضحى مكتسبا لصفة القانون مما يجعل الطعن بالإلغاء فيه غير مندرج ضمن اختصاص محكمة النقض، مادام الطعن في دستورية القوانين ينعقد للمحكمة الدستورية ويبقى الطلب غير مقبول.”
ويلاحظ أنه في الوقت الذي اعتبر فيه المجلس الدستوري[7] أن المرسوم بقانون الذي لم تتم المصادقة عليه من طرف البرلمان ليس بقانون من حيث الشكل الذي يسمح بالطعن فيه أمام المجلس الدستوري، فإن محكمة النقض نهجت كذلك نفس الخط من التحليل عندما اعتبرت أن المرسوم بقانون الذي استنفذ المسطرة التشريعية وأصبح قانونا تخرج رقابته بالتالي عن نطاق اختصاص محكمة النقض، دون أن يتم تحديد طبيعته القانونية خلال مرحلة صدوره من الحكومة إلى غاية المصادقة عليه من طرف البرلمان.
والواقع أنه إذا كانت هذه المراسيم بقانون صادرة عن سلطة إدارية (الحكومة) وتعتبر بالتالي قرارات إدارية بحسب المعيار العضوي من الناحية المبدئية، فإنها مع ذلك صادرة في مجال التشريع (أي المجال المخصص للبرلمان) وخلال فترة محددة وبشروط شكلية معينة، والدستور هو الذي خولها (أي الحكومة) هذا الاختصاص، فهي تتقاسم سلطة التشريع مع البرلمان، ولذلك فبحسب المعيار الموضوعي أو المادي فإن هذا العمل هو عمل تشريعي. خاصة وأن الفصل (من الدستور) الذي خول الحكومة هذا الاختصاص ورد ضمن الباب الرابع المخصص للبرلمان ويندرج بالذات تحت عنوان (ممارسة السلطة التشريعية)، فإذا كان الأصل أن هذه السلطة يمارسها البرلمان في نطاق مجال القانون (الفصلين 70 و 71 من الدستور)، فإن الحكومة تتقاسم معه ممارسة السلطة التشريعية من خلا إصدار مراسيم القوانين في مجال القانون سواء بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 70 أو بموجب الفصل 81، كما أن اختصاص الحكومة بإصدار مراسيم القوانين في النطاقين المذكورين لا يندرج ضمن اختصاصاتها كسلطة تنفيذية حتى يمكن القول بأن الأمر يتعلق بقرار إداري، سيما وأن تلك السلطة التنفيذية (الفصل 89) محدد نطاقها في تنفيذ البرنامج الحكومي وتنفيذ القوانين وتمارس السلطة التنظيمية من خلال رئيس الحكومة (الفصل 90) الذي يمكنه تفويض بعض سلطه للوزراء.
 ومن ثم، يمكن القول بأن الحكومة وهي تصدر مراسيم القوانين في نطاق الفصل 81 من الدستور تكون بصدد ممارسة السلطة التشريعية المخولة لها بحكم الدستور خلال الفترة الفاصلة بين الدورات. وإذا كانت المراسم بقوانين التي تصدرها تقع بين منزلة القرار الإداري بالمعيار العضوي والعمل التشريعي بالمعيار المادي، فإن ممارسة اختصاص خوله إياها الدستور، وفي مجال تشترك فيه مع البرلمان يقتضي استبعاد هذا العمل من طائفة القرارات الإدارية القابلة للطعن بالإلغاء وبالتبعية لفحص الشرعية، خاصة وأن التوجهات الحديثة لمحكمة النقض تعتمد المعيار المادي في تحديد الأعمال الإدارية وبالتالي تحديد اختصاص القضاء الإداري. ويمكن القول دون مجازفة أن هذا النوع من الأعمال قابل لتصنيفه ضمن أعمال الحكومة غير القابلة للطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري مادام أنها مندرجة في علاقتها بالبرلمان. والرقابة التي تخضع لها هذه المراسيم بقوانين هي رقابة قانونية وسياسية من طرف البرلمان عند عرضها عليه للمصادقة وأخرى قضائية يقوم بها القضاء الدستوري بعد المصادقة أو الرفض من طرف البرلمان[8].

[1] المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، جريدة رسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020، ص 1782.
[2] Décision N°72-73 DC, du 29 février 1972, Recueil const, p 31.
[3]  الحبيب الدقاق، العمل التشريعي للبرلمان، أية حكامة؟ مقاربة نقدية للقانون البرلماني والممارسة التشريعية بالمغرب، مطبعة المنية، الرباط 2009، ص 294 وما يليها.
[4] CE, 24 nov. 1961, féderation nationale des syndicats de police, Rec.658 ; S . 1963.59, note Hamon ; D.1962.242, note Formont ; A.J.1962.114, note J.T, les grands arrêts de la jurisprudence administrative, 7e édition,  Sirey, paris 1978, p 521.
[5]  قرار المجلس الدستوري 14/944 م.د، صادر بتاريخ 18/09/2014 في الملف رقم 14/1403، جريدة رسمية عدد 6294، 29 ذو القعدة 1435 (25 سبتمبر 2014)، ص 7094. 
[6]  قرار رقم 1702/1 صادر بتاريخ 01/12/2016، في الملف الإداري رقم 2986/4/1/2014، غير منشور.
[7] القرار صدر في إطار المهام الانتقالية للمجلس الدستوري، قبل تنصيب المحكمة الدستورية في صيغتها الحالية.
[8]  الحبيب الدقاق، نفس المرجع، ص 296.



الاثنين 27 أبريل 2020

تعليق جديد
Twitter