MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



تساؤلات حول الإثبات في المعاملات الالكترونية

     

بلخنفر هشام

باحث بماستر المقاولة و القانون بكلية سطات



تساؤلات حول الإثبات في المعاملات الالكترونية
مقدمـــة:

لا يمكن لدارس أن يغفل التطور الذي شهده مجال العقود، في خضم ثورة رقمية وصحوة معلوماتية تكنولوجية، أثرت بشكل كبير في العديد من المجالات، اجتماعية، سياسية، ثقافية، حتى سارت هذه التكنولوجيا وسيلة ضرورية للتواصل وإبرام التصرفات التجارية والمدنية، ألقت بظلالها على مجال العقود وطرق صياغتها، حتى أبرزت في خضم الأخذ بها، جرائم وجنح جنائية وغيرت مفاهيم عديدة من ضمنها الإثبات.
حيث أصبح المتعاملون يتخذون من شبكة الانترنيت والآلات المعلوماتية مجالا افتراضيا لإبرام العقود، حيث تتم الصفقات التجارية والتزويد بالخدمات وذلك بالارتكاز على الكتابة الالكترونية المذيلة بالتوقيع كوسيلتين متحدتين من وسائل إثبات التصرفات القانونية.
فأصبح التعاقد عبر الانترنيت من أسمى وسائل المعاملات التجارية وذلك بتكريس هذه التقنيات لقواعد القانون التجاري القائمة على السرعة والثقة والائتمان.
ففي المغرب مثلا في متم دجنبر 2010 تم تداول سبعة ملايين بطاقة أداء الكترونية وحسب مركز النقديات جرى استعمال البطاقات في 10 ملايين عملية اداء من قبل المقاولات الصغيرة وحدها بقيمة 6,3 ملايير درهم ، أما العمليات التي جرت بواسطة الانترنت في المملكة المغربية ارتفع بنسبة 276 % أي 295000 عملية ، همت منها 190 ألف عملية أداء الفواتير ّ{الماء، الكهرباء ،الهاتف}
في حين أن هناك أزيد من 4545شباك بنكي ، كل هدا يحيل الى حجم التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية ، مما يجعل السؤال يطرح حول مدى حجية هده الوسائل و مستخرجاتها في إثبات المعاملات الإلكترونية
امام هذه الارقام المتزايدة سرعان ما نجمت عن هذه الوسائل عدة إشكالات أمام التطور التكنولوجي وعدم كفاية ضماناتها أو بالأحرى عدم اكتسابها للثقة اللازمة من طرف المتعاملين الكترونيا أو حتى من المقبلين مستقبلا على ذلك فما كان من الفقه والقضاء في الأول إلا ترجيح وسائل الإثبات وفق القواعد العامة ووفق طرق كلاسيكية مقدسة تحكمها تراتبية معينة.
ومرد ذلك أن الإثبات يعد من الموضوعات المهمة التي لا يستطيع أي قاض الاستغناء عنه لأنه هو الفيصل بين الحق والباطل، كما أن الإثبات لا يمكن أن يتجاهله المدعي وذلك لتفادي الدعاوى الكيدية حتى كرست قاعدة فقهية باعتبار << إن الحق مجردا من الإثبات ، يصبح هو والعدم سواء>>.
ولما كانت أغلب التعريفات القانونية للإثبات تسير على أنه << إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية متنازع عليها يؤكدها أحد الأطراف وينكرها الطرف الآخر>>.
فإن التساؤل يطرح حول مدى اعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة المتطورة والتي بلغت درجة أمان قصوى ولم يقم القانون بتحديدها كوسيلة من وسائل الإثبات؟
إن مسايرة الوسائل الحديثة في الإثبات تفرض نفسها بقوة، فلو نظرنا نظرة قصيرة إلى الوراء، لوقفنا عند التقدم الهائل في هذا المجال منذ اعتماد وسائل اعتقادية مرورا باعتماد الشهادة والقرائن وصولا إلى الكتابة .
ولما كان العصر الذي نعيشه هو عصر المعلوميات والتكنولوجيا بامتياز فإن عدة مفاهيم شملها التطور وأصبح للدليل الكتابي مفهوما آخر بعد أن كان معتمدا على الورق، وفي هذا الإطار عملت التشريعات الحديثة على التسوية بين المحررات بغض النظر عن الوسائل والدعامات معتمدة على مبدأ النظير الوظيفي الذي يعد المعيار في اعتماد الأدلة.
وأمام هذا الاعتراف الصريح والمساواة بين الأدلة المحررة على دعامات مختلفة، يترك في ذهن الدراس مجموعة من الانطباعات ويثير مجموعة من الأسئلة المبنية على مفارقات ومعطيات واقعية، من بينها ضعف الثقافة التكنولوجية والقانونية، لدى عدد كبير من المغاربة (دول العالم الثالث والبلدان النامية على العموم) في نسبة كبيرة من أمية القراءة والكتابة، فما بالكم بأمية التعامل مع الكمبيوتر والانترنيت.
فكيف هيأ المشرع المغربي المحرر الالكتروني وما هي ضمانات اعتماده في ظل البنى التحتية المادية والبشرية التي تعيشها المملكة؟
وإذا كان المشرع قد سوى بين المحررات في خطوة جريئة، فما هو العمل في حال تضارب وتنازع بين الدليل الكتابي الورقي والمحرر الالكتروني؟ بل أكثر من ذلك ما العمل في حالة التضارب بين محررين الكترونيين؟
وهل كان المشرع المغربي مسايرا لشركائه الاقتصاديين ووفيا لقانون الأونسترال النموذجي، بإعمال مبدأ الحياد التكنولوجي ؟ وإذا كان العمل القضائي المغربي يعد من أكثر المؤسسات القضائية التي قيدت مجال الإثبات، حيث أن المجلس الأعلى لم يأخذ بالتوقيع بالبصمة مما يجعل التساؤل يطرح حول حدود الأخذ بالتوقيع الالكتروني في ظل قضاء لا يتجه إلى الأخذ البصمة التي يعد أكثر مادية وواقعية من التوقيع الالكتروني المعرض لعمليات القرصنة والتزوير.
فهل حدد المشرع إطار محكما للتوقيع الالكتروني؟ وما هي شروط الاعتداء به ؟
وهل يمكن إثبات العقد الالكتروني بالنظر للشروط المتعلقة بالسند الكتابي ؟ وما هي الاستثناءات الواردة عليه؟
كل هذه الأسئلة والإشكالات سنحاول الاجابة عنها عن طريق تساؤلات متسسلسلة في الموضوع

1_أمام اعتراف المشرع بين المساواة بين المحرر العادي الورقي و المحرر الالكتروني ، يثار إشكال تضارب بين الدليلين في حالة تقديمها امام القضاء ، فأي الدليلين ياخد بهما؟

المشرع المغربي أعطى للقضاء السلطة التقديرية في ذلك ـ غير أن ذلك يبقى غير كاف

نرى بعض الحلول
- خلق خلية في المحاكم مكونة تكوينا قانونيا و تقنيا في هذا المجال
- الأخد بالخبرة لتحديد الدليل الأرجح
- ترجيح الورقة الرسمية على العرفية


2.أ- كيف نتصور حضور الموظف الرسمي لوضع التوقيع الإلكتروني؟ هل بحضوره الفعلي الملموس بذاته وصفته أو بحضوره الافتراضي على الشبكة؟
2.ب- وهل مهمته تنحصر في حدود الإشهاد على وضع التوقيع أم تمتد للإشهاد على صحة التعيين عن إرادة المتعاقد وموافقته على التصرف؟


إن الحضور الشخصي للموثق في المعاملة الإلكترونية، لا يمكن أن يكون في مجلس واحد بسبب تباعد الأطراف مكانيا، ومن تم فإن ما يمكن تصوره هو حضور الموثق الفعلي لوضع التوقيع الإلكتروني لأحد الأطراف فقط، تم بعد ذلك يرسل الوثيقة إلكترونيا للطرف الآخر للغرض نفسه، أمام موثق آخر وأمام نفس الموثق إذا تسنى له الانتقال لدى ذلك الطرف.
وأن مثل هذا الإجراء ينطوي على عدة تعقيدات مقارنة مع الوظيفة التقليدية لعمل الموثق لأنه يستوجب تدخل أكثر من موثق واحد وهذا غير مستساغ قانونيا.
أما إذا لم يكن هناك طرف آخر في التعاقد كما لو تعلق الأمر بالتزام بإرادة منفردة، فإن الموثق يمكن أن يحضر شخصيا لمعاينة وضع التوقيع الإلكتروني ويحفظ بعد ذلك الوثيقة حفظا إلكترونيا في ذاكرة حاسوبه.
وأما إذا تصورنا الحضور الافتراضي للموثق فمعنى ذلك أن معاينته كذلك تكون افتراضية لوضع التوقيع الإلكتروني، لأن هذا يتطلب معدات تقنية متطورة جدا لكي توفر مجالا لتلاقي الموثق بالأطراف على شبكة الإنترنيت، وهذه الإمكانية غير متاحة حاليا في أغلب البلدان المتقدمة فبالأحرى في بلادنا، إذ مازال استعمال وسائل الاتصال في التوثيق مقتصرا لدينا على الطبع وتخزين البيانات وعلى البريد الإلكتروني والويب.
وأما مهمة الموثق في التعاقد الإلكتروني فإن النص حددها على سبيل الحصر في معاينة وضع التوقيع على الوثيقة، إذ جاء فيه:"تصبح الوثيقة رسمية إذا وضع التوقيع المذكور عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق" ومن المعلوم أن الوثيقة المقصودة هي المنصوص عليها في الفصلين 1-417 و 2-417 المعدلين من ق.ل.ع.
فالنص يوحي بأن صلاحية الموثق في العقود الإلكترونية تقف عند معاينة وضع التوقيع على الوثيقة ولا تمتد تلك الصلاحية إلى مراقبة مضمونها والإشهاد على صحة الإرادة بالموافقة عليها من لدن المتعاقد.
+أما بالنسبة عن توقيع الموظف العمومي على الوثيقة الرسمية الإلكترونية إلى جانب الأطراف فإن المشرع سكت عن هذه المسألة، لكن بما أنه لكي يشهد الموثق على واقعة وضع التوقيع الإلكتروني لابد له من الناحية القانونية أي يوقع على إشهاده يتحمل مسؤولية نسبته إليه، فإنه لا مفر من وجوب توقيعه هو أيضا على المحرر الإلكتروني حتى يكتسب الصبغة الرسمية

3- إذا كانت المحررات الكتابية تستمد حجيتها من طابعها الرسمي ، فإن التساؤل يطرح بخصوص المحررات الالكترونية من أين تستمد حجيتها ؟

تستمدها من البيانات الالكترونية المتداولة و التي تنتج عن اتفاق الأطراف فيما بينهم ، وغالبا ما تتضمن هذه البيانات التي يتم تداولها المواصفات و المقاييس الخاصة بمحل التعاقد ، بالإضافة إلى معالجة الرسائل الالكترونية و الاقرار باستلامها ـ بالاضافة الى خدمة المصادقة الالكترونية ـ التي تشرف عليها السلطة الحكومية


-4 بداية حجة كتابيه أو مبدأ الثبوت بالكتابة كما تسميها بعض التشريعات العربية،
نص عليها المشرع المغربي في صريح الفصل 447 من ق ل ع والذي جاء فيه: (لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق عندما توجد بداية حجة بالكتابة وتسمى حجة بالكتابة كل كتابة كانت صادرة ممن يحتج بها عليه أو ممن أنجز إليه الحق منه أو ممن ينوب عنه.
وتعتبر صادرة من الخصم كل حجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة في محرر أو حكم قضائي صحيحين شكلا).
ويستنتج من نص الفصل أعلاه أنه يستلزم لإعمال هذا الاستثناء شرطان، أولهما أن توجد كتابة، وثانيهما أن تكون صادرة ممن يحتج بها ضده، لكن ما المقصود بالكتابة في هذه الحالة؟ وما هي الحلول القانونية المتبعة في حالة إنكار هذه الورقة ممن يحتج بها ضده؟.

بالرجوع إلى أغلب الفقه نراه يجيب على أن الكتابة هنا تؤخذ بأوسع معانييها، فهي تنصرف إلى أية كتابه دون اشتراط أي شكل خاص أو توقيع، ودون أن تكون معدة للإثبات،

-5 ولكن إذا ما أخذنا بهذا المفهوم يطرح تساؤل أخر بخصوص طبيعة الدعامة التي يجب أن تدون عليها الكتابة ؟

إذا ما تمعنا في الفصل السابق نجده خاليا من أي تحديد لطبيعة الدعامة، أي انه لا يوجد ما يلزم أن تكون الكتابة فوق ورق عادى، ولكن بشرط أساسي وأن تكون الكتابة الموجودة على الدعامة لا تقبل التعديل أو التغيير ،فإذا ما توافرت هذه الشروط يمكن الحديث عن توافر شرط الكتابة.
أما فيما يتعلق بالشرط الثاني أي بوجوب صدور تلك الكتابة عمن يحتج بها عليه، فإن طبيعة التعاملات الإلكترونية والتي تتم عن طريق وسائط ليس لها وجود مادي، فإنه تبرز صعوبة نسبة هذه الكتابة لأي الشخص المراد الاحتجاج بها ضده ، بالإضافة إلى الحالة التي ينكر فيها الشخص الكتابة التي صدرت منه، فلا يوجد من الوسائل ما يمكن أن تبرهن على أن هذه الكتابة قد صدرت منه فعلا، وذلك بخلاف الكتابة التقليدية والتي تتم على محرر مادي ملموس يمكن أن يحتج به في كل سهوله إذا ما كان موقعا منه أو مكتوبا بخط يده أو من ينوب عنه.
لهذا نؤيد بعض الفقه الذي يذهب إلى استبعاد التعاملات الالكترونية من إعطاءها صفة بداية حجة كتابية للأسباب التي تم ذكرها ، وتفنيدا لما ذهب إليه بعض الفقه الأخر من إمكان إعطاء المحررات الالكترونية صفة بداية حجة كتابيه بشرط أن تكون موقعه إلكترونيا ممن صدرت عنه، وهو ما يتجافى إطلاقا مع صريح مع قانون الالتزامات والعقود من عدم الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني وعدم إعطاءه حجية التوقيع التقليدي.

6 الكتابة بين القواعد العامة و قانون 53.05؟

جاء الفصل 404 ق.ل.ع مؤكدا على الكتابة كصورة من صور الإثبات مع الإشارة أنه اعتبرها الوسيلة الوحيدة لإثبات بعض التصرفات القانونية ، خصوصا عندما تتطلب شكلية معينة ، وذلك بموجب المادة 403 ق.ل.ع المغربي :"الاتفاقات و غيرها من الأفعال القانونية …. والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة الآف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية ، و إذا اقتضى الحال ذلك تعد بشكل إلكتروني و أن توجه بطريقة إلكترونية" .
غير أن هذه القاعدة هي مقتصرة على التصرفات المدنية و التصرفات القانونية المنظمة بنصوص خاصة تستوجب الكتابة لإثباتها، في حين أن التصرفات التجارية تخضع لمبدأ حرية الإثبات وذلك بموجب المادة 334 من مدونة التجارة لسنة 1996
وأمام هذا التأرجح بين وجوب الكتابة وبين الاستعاضة عنها ، يطرح التساؤل حول الكتابة بين ق.ل.ع و قواعدها في إطار قانون 53.05

الفقرة الأولى مفهوم الكتابة الإلكترونية

مرت الكتابة بعدة مراحل تاريخية اختلفت من زمان و مكان ، واختلفت معها طريفة التدوين ووسائله .
ومن هنا تمثلت الكتابة في الحقب التاريخية القديمة بالرسم على الرقم الطينية التي مثلت يوم ذاك محررات يتقدم بها الأفراد إلى القضاء ليأخذ بها وليستند بها في أحكامه
تم تطور الأمر بعد ذلك ، لتتخذ الكتابة طريقة تدوين أو توثيق أخرى هي الرسم على جلود رقيقة أصطلح عليها (الورقة) الذي استعير فيما بعد ليطلق عليه ((الكاغد)) الذي أصبح لزمن غير بعيد المادة الوحيدة التي تدون فيها المحررات و تحفظ به

حيث أن هذه الكتابة أصبحت تتراجع أمام أنواع جديدة بظهور الكتابة على دعامات الكترونية ، وقد حمل الواقع العملي على لجنة التجارة الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة و المعروفة اختصارا ب ( الاونيسترال) ، قلنا عملت على صياغة قانون نموذجي للتجارة الالكترونية موصية به الدول الأعضاء بغية توحيد التشريعات الوطنية في هذا الشأن .
في حين لم تقم اللجنة بتحديد تعريف دقيق للكتابة ، وتركت ذلك للتشريعات الوطنية ، ونظرا أيضا لتطور التقنيات التكنولوجية
فما كان على المشرع المغربي إلا ان يسير على نفس المنوال وذلك بموجب المادة 417/1 من قانون 53.05 بالتنصيص على أن المحرر الالكتروني يقبل كحجة على غرار المحرر المهيأ على دعامة ورقية ، و هذا المبدأ هو ما بات يعرف فقهيا و تقنيا بالحياد التكنولوجي و تكريس لمبدأ النظير الوظيفي l’équivalence fonctionnelle والذي يهدف الى تحديد وظيفة الكتابة والغرض منها وليس على نوع الدعامة ،
وهو المبدأ الذي سار عليه المشرع الفرنسي في المادة 1316/3 من القانون المدني الفرنسي ، في غياب واضح لتعريف الكتابة في التشريعات السالفة الذكر
أما المشرع الأمريكي فقد خاض غمار تعريف الكتابة الإلكترونية ، فقد عرفت قواعد الإثبات الاتحادية الأمريكية ، الكتابة بأنها حروف أو كلمات أو أرقام موضوعة بشكل يدوي أو مطبوع أو بشكل تسجيل مغناطيسي أو إلكتروني أو بأية طريقة أخرى لتمثيل البيانات

وأمام اعتراف المشرع المغربي بالمحرر الالكتروني وتغاضيه عن تعريف الكتابة يجعلنا نطرح التساؤل التالي ، كيف هيأ المشرع المغربي المحرر الإلكتروني لأداء دوره كدليل كتابي كامل ؟

خصوصا و أن المشرع المغربي قد وصل الأمر به ان اعترف بالكتابة الالكترونية كركن لانعقاد التصرف القانوني حينما يستوجب هذا الأخير شكلية الكتابة ، وهذا ما يستشف من نص المادة 1/2 من قانون 53.05 رغم أن صياغة هذا الفصل جاءت معيبة في عدم التمييز بين الوثيقة و التصرف ، اذ كيف يتصور أن يكون المحرر مطلوبا لصحة وثيقة قانونية و الحال أن المحرر و الوثيقة سيان ،
الشيء الذي يستوجب علينا الرجوع الى نص المادة الأصلي بالفرنسية باعتباره مقتبسا من نص المادة 1/1108 من القانون المدني الفرنسي ، ليتبين لنا أن نية المشرع بمصطلح الوثيقة هو التصرف القانوني acte juridique وهو ما تؤكده ضمنيا الفقرة الثالثة من هذا الفصل في إبرام التصرفات القانونية في مدونة الأسرة ، وبعض التصرفات التجارية

وبالتالي يمكن القول أن الكتابة الإلكترونية مقبولة عندما يكون التصرف القانوني متوقفا عليها كشرط للإنعقاد
وأمام هذا الاعتراف الجريء، للكتابة الإلكترونية سواء كدليل كتابي للإثبات أو شرط انعقاد يجعلنا نطرح التساؤل حول الشروط الواجب توفرها في الكتابة المعدة بشكل إلكتروني؟ و مامدى إعمال الطبيعة القانونية لبعض العقود ( كالورقة الرسمية، والورقة العرفية) في ظل هذه الوسائل الإلكترونية الحديثة على عدة مؤسسات قانونية و إدارية ؟

الفقرة الثانية الشروط الواجب توفرها في الكتابة الإلكترونية

أمام الفرضيات و المفاهيم السابقة أعلاه يجعلنا نتساءل حول مدى إعمال الشروط الواجب توفرها في الدليل الكتابي وفق القواعد العامة على المحررات الالكترونية

أولا شروط الدليل الكتابي وفق القواعد العامة

* ان يكون مقروءا
ويراد بهذا الشرط ان تكون الكتابة مفهومة يمكن إدراك معانيها و هذا الشرط مبدئيا متوفر في الدليل الالكتروني ، غير أن بعض الحالات يستوجب الاستعانة بدعامة لقراءة المحتوى ، فهل يعني ذلك أن الكتابة الإلكترونية غير مقروءة ؟
في اعتقادنا الجواب بالنفي مادامت الوسيلة موثوق في استعمالها و في ترجمتها لمحتوى الدليل الكتابي الإلكتروني، الى حروف أو أرقام يمكن أن يفهمها القارئ ، و القائم على اعتبار قدرة الإنسان العادي في قراء الكتابة دون لبس أو غموض إذا ما طرحت أمام عينه المجردة
• صعوبة التعديل
فالوثيقة الورقية لا يمكن تعديلها و إذا ما تم ذلك يمكن إثبات التعديل الذي طرأ عليها و التأكد منه بواسطة العين المجردة ، أي أن التعديل يكون ملموسا ، وذلك راجع للاتصال الوثيق بين الدعامة الورقية والحبر الذي لا يمكن فصله عنها بسهولة و دون ترك أثر
أما الكتابة الإلكترونية فهي تفتقد مبدئيا لهذه الخاصية ، حيث يمكن تعديل محتواها دون ترك أثر trace لذلك
غير أن التقنيون في المجال عملوا على استحداث نظم و برمجيات تكشف أي تعديل للمحرر و بتاريخ العملية أيضا
ومع ذلك تبقى الوثيقة الإلكترونية ضعيفة بانعدام هذا الشرط المتوفر في الدليل الكتابي الورقي المادي الملموس ، رغم استحداث المشرع هو الآخر لمؤسسة المصادقة الإلكترونية و اعترافه بالتوقيع الالكتروني
• استمرارية الكتابة
أي أن تدوم هذه الكتابة على الأقل لمدة كبيرة ، في نظرنا أن تكون على الأقل لمدة تقادم التصرف القانوني ، مع العلم أنه يمكن حفظ المحرر الورقي لمئات السنين إذا ما تم الاعتناء به
وهذا الشرط في ظل المحرر الالكتروني يطرح عدة أسئلة خصوصا و أن المحرر الالكتروني مرتبط بوسائل تقنية متطورة و متغيرة ، بالإضافة الى أن إمكانية الاستمرارية معرضة للخطر خصوصا أمام الفيروسات و القرصنة ، سواء كانت مستهدفة المحرر بعينه من طرف سيئ للنية أو من طرف أشخاص مهووسين باختراق الوسائل الالكترونية و العبث في محتوياتها ،
و يبقى الرأي الراجح فقها أن الاستمرارية هي متوفرة في المحرر الالكتروني ،
و لإيجاد نوع من الحلول المناسبة ، قامت فرنسا باعتماد و سيلة الأرشفةArchivage وذلك بموجب قانون 13 مارس 2000 الذي أعطى بدوره للكتابة الإلكترونية نفس قيمة الكتابة على الورق وذلك بنص المادة 1316 من القانون المدني الفرنسي
وفي اطار العلاقة بين المهنيين و المستهلك فإن قانون الاستهلاك الفرنسي 21 يونيو 2004 في الفصل 132/4 أوجب على المهنيين حفظ العقد الإلكتروني ، متى تجاوز العقد 120 يورو ، وكذا تمكين المستهلك من الوصول الى محتوى العقد
وهو ما سار عليه مبدئيا قانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك بالمغرب ، غير أنه لم يحدد لذلك مبلغا معينا ولا وسيلة معينة ، وفي نظرنا أنه توفق بان ترك وسيلة الحفظ رهينة بالتطور التقني و ما ستفرزه التجربة من إعطائها النجاعة الملائمة من عدمه ، وبالتالي تكريس مبدأ الحياد التكنولوجي ، وذلك لتلافي تضارب و تنازع الأدلة الالكترونية باختلاف طرق حفظها

ثانيا شروط الإعتداد بالكتابة الالكترونية

ينص الفصل 417/1 في فقرته الثانية( تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات ، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق ، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة و محفوظة وفق شروط من شأنها أن تضمن تماميتها )
باستقرائنا لهذا الفصل نسجل أن المشرع قد سوى بين الكتابة الورقية و الكتابة الإلكترونية ، و اشترط لذلك شروطا في نفس الفصل ، غير أنه قبل تحليل هذه الشروط يتبادر إلينا مجموعة من التساؤلات لعلنا نجد إجابة لها في معرض تطرقنا لهذه الشروط ، و تتمثل في أشكال تضارب و تنازع بين شكل الكتابة الورقية و الكتابة الإلكترونية ، فأي الدليلين يأخذ بهما ؟ خصوصا و أن المشرع أمام اعترافه الصريح بهده الوسيلة يكون قد عقد المسألة
غير أنه استطرد بموجب الفصل 417 بأن أعطى للمحكمة السلطة التقديرية في الحسم
هذه السلطة التقديرية في اعتقادنا تهدد المعاملات فكان على المشرع أن يتريث إلى حين تكوين قضاة أكفاء في هذه المادة الحديثة ، و إغناء تكوينهم بأسس التكنولوجيا الحديثة ، لكن وكما هو معلوم يمكن للقضاء أن يستعين بخبراء محلفين في هذا المجال غير أن هؤلاء يجب أن يكون تكوينهم موضوعيا و في استمرار دائم في البحث و مسايرة التطور التقني .
ومع ذلك يبقى المحرر الإلكتروني المتوفر على الشرطين التاليين دليلا معتدا به أمام القضاء في الإتباث و النزول منزلة المحرر الورقي المكتوب
الشرط الأول :إمكانية التأكد من هوية مصدر الوثيقة :
وتطرح إشكالية كيفية التأكد من هوية الشخص مصدر الوثيقة ، خصوصا و أن المعاملات الإلكترونية تتم بين أشخاص متباعدين مكانيا وحتى زمنيا إن اقتضت الوسيلة الإلكترونية ذلك .
ففي إطار الكتابة العادية يمكن التأكد من الشخص بحضوره الشخصي وذلك بتوقيعه وجدير بالذكر أن القضاء المغربي ممثلا في المجلس الأعلى اعتبر التوقيع هو المحدد الوحيد لهوية الشخص و استبعد التوقيع بالبصمة و الخاتم ، بالإضافة الى انه لم يأخد بالمحرر المكتوب خطيا من طرف الشخص ولم يوقعه ولو تم نسب الخط إليه ، فالعبرة بالتوقيع للتأكد من مصدر المحرر ،
نفس الأمر سار عليه مشرع قانون 53.05 بأن اشترط التوقيع ، غير أن التوقيع الالكتروني مختلف تماما عن التوقيع العادي ،من حيث التقنية
فقد نصت المادة 417/2 في فقرتها الثالثة : ( عندما يكون التوقيع إلكترونيا يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة)
ولتفعيل وسيلة التعريف الموثوق بها ، فإن المشرع قام بإسناد هذه المهمة إلى جهة المصادقة الالكترونية التي تصدر شهادات تؤكد صحة التوقيع الالكتروني ونسبته للموقع عليه و بالتالي تبعد إمكانية تملص الشخص من مسؤوليته وتحديد أهليته القانونية و التحقق من مضمون هذا التعامل وسلامته وكذا جديته و بعده عن الغش و الاحتيال

الشرط الثاني: الحفظ و التمامية

سبق و أشرنا في شرط استمرارية الكتابة في الكتابة الورقية أن تطرقنا لمسألة الحفظ و التي جزمنا على أنها متوفرة أيضا في الوثيقة الإلكترونية من حيث الإستمرارية و الناتجة عن الحفظ ، غير أنه وكما قلنا فإن الحفظ العادي و الحفظ الإلكتروني معرضان سواسية للاندثار ، خصوصا أمام عدم ضمان استمرار الوسائل الغير المادية و تعرضها للأعطاب.
غير أن المشرع جاء بمصطلح جديد في الترسانة القانونية المغربية ، وهي (التمامية) دون أن يحدد المقصود بها، فهل ينوي القصد أن تكون محفوظة وفق شروط تضمن سلامتها من الاندثار ؟ أم يقصد أن تكون غير قابلة للتعديل و التزوير؟ أم يقصد لنا ضمان خلو إرادة مصدرها من عيوب الإرادة ؟
على خلاف ذلك قام المشرع السينغالي بتحديد التمامية في المادة 3 من قانون رقم 2008-41 المتعلق بالتشفير( التمامية هي كل خاصية تضمن عدم تغيير المعطيات أو اتلافها ، بشكل غير مسموح به أثناء إنشائها أو حفظها أو نقلها)
و المرجح من جانب كثير من الفقه أن المقصود بالتمامية هو الحفظ و السلامة من التزوير و الإندتار و التلف ، مما يحتم علينا البحث في هذه الصيغة ومدى صحة قول الفقه في هذه المسألة للبحث عن مغزى التمامية و ذلك بالرجوع للنص باللغة الفرنسية للمادة 417/2
فنجد على انها ( الوسيلة المرتبطة لضمان صلة المصدر ، بمعنى أن التمامية المقصودة هنا هي إرادة الشخص ونسبة التوقيع إليه
ولما كان القانون الفرنسي هو المرجع بالنسبة للقانون 53.05 فلا بد للبحث عن مغزى التمامية من هذا المصدر التي اصطلح عليها ب "intégrité" والتي تفيد عدم التغيير في الحالة الأصلية بقصد أو بغير قصد
وبالتالي يمكن الاستنتاج أن أي وسيلة إلكترونية مقروءة ومعدة بشكل الكتروني تضمن عدم تعديلها و تضمن إرادة مصدرها .
غير أن هذه التمامية أمام التطور التكنولوجي قد تخضع لعيب ناتج عن التدليس و التزوير ، خصوص إذا ما أوكل لأحد الأطراف دون الأخر مهمة الحفظ ، الشئ الذي يجعله متحكما فيها وفي مصيرها ،

مما يستوجب على ضرورة أن توكل هذه المهمة لطرف ثالث محايد ، هي مؤسسة المصادقة الإلكترونية.
غير أن الإشكال يثار مرة أخرى حول مسؤولية الجهة المصادقة على العقد خصوصا و أنها شركات مدنية ، مما يجعلنا نوصي بأن تسند هذه المهمة إلى جهات رسمية ، أو أن يكون المشرف على هكذا عمليات قد أدى القسم أي أن يكون محلفا

النسخة الحاملة للهوامش




الاثنين 24 سبتمبر 2012

تعليق جديد
Twitter