MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الملك الخاص للدولة في ضوء البرنامج الحكومي والتصور الحزبي بقلم الدكتور العربي مياد

     


أثار انتباهي من خلال العرض الذي تقدمت به وزيرة الاقتصاد والمالية بمناسبة عرضها حول مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الاقتصاد والمالية برسم سنة 2022، تذكيرها بأنه خلال السنة الجارية تمت تعبئة من ملك الدولة الخاص العادي، ما يناهز 158 ألف هكتار (خارج مخطط المغرب الأخضر) لدعم المخططات القطاعية والبرامج الجهوية والاستثمار المنتج، 99 في المئة من هذه المساحة تمت تعبئتها لفائدة قطاع الطاقة، واستفادت جهة كلميم - وادنون لوحدها من نسبة تفوق 94 في المئة من المساحة المعبأة. كما تمت تعبئة ما يناهز 384 هكتار تخص 9 مشاريع عن طريق طلبات العروض في إطار الشراكة الفلاحية، و تخصيص 111 هكتارا لفائدة الإدارات العمومية على رأسها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. أما بخصوص تصفية أملاك الدولة الخاصة العقارية، فقد عملت مصالح تلك الوزارة على استخراج رسوم عقارية لمساحة 63 هكتارا ، وايداع مطالب للتحفيظ بمساحة تقدر ب209 ألاف هكتار.

لكن بالرجوع إلى تقرير مديرية أملاك الدولة لسنة 2018 الصفحة 8 المدبج باللغة اللاتينية، تقدر المساحة الاجمالية للملك الخاص للدولة الذي تدبره مديرية أملاك الدولة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية طبقا للمرسوم بتاريخ 23أكتوبر 2008 المنظم لاختصاصات الوزارة المذكورة ، بما يناهز مليونين وواحد وثمانين ألفا وأربعمائة وتسعة وتسعون ( 2.081.489 ) هكتارا. وأنه تمت تعبئة 12.647 هكتارا لفائدة الاستثمارات، و4.408 هكتار في اطار الشراكة قطاع عام قطاع خاص (مخطط المغرب الأخضر) كما تم تأسيس رسوم عقارية لأكثر من 71 هكتارا وايداع مطالب لتحفيظ ما يتجاوز 43 هكتارا. مما يفيد بالعين المجردة أن هناك تراجعا إذا ما قرنا سنة 2018 بسنة 2021. وأن وزيرة الاقتصاد والمالية إنما عملت على رصد الوضعية القائمة كما توصلت بها من الإدارة المختصة .

واللافت للانتباه ، أن البرنامج الحكومي للحكومة الأسبق (يناير 2012) لم يتضمن أي إشارة للملك الخاص للدولة ، في الوقت الذي ورد في برنامجها التشريعي اعداد مشروع قانون يتعلق بالملك الخاص للدولة وتاريخه المرتقب سنة 2014.

أما بالنسبة للحكومة السابقة، وإن اكدت في برنامجها الحكومي ( 2016 – 2021) أنها ستعتمد مدونة الأملاك الخاصة للدولة تتضمن مساطر ومعايير دقيقة لتدبيرها . مما يدفعنا إلى التساؤل بأعلى صوت ماذا تحقق من وعود الحكومتين السابقة والأسبق؟

فبالنسبة للحكومة السابقة، نقر بأنها أخلفت موعدها ولم تعط أي أهمية للمدونة الموعودة، أما الحكومة الأسبق فبادرت بإعلان عن صفقة عمومية بمقابل مالي للدراسات موضوعها اعداد مشروع قانون خاص بمدونة أملاك الدولة الخاصة ، وبعد أخذ ورد تمت احالتها على الأمانة العامة للحكومة لتتخذ مسارها الدستوري ، ويبدو أنها وجدت "مطبات" في طريقها، حالت دون وصولها لممثلي الأمة من أجل المصادقة عليها بعد تجوديها ولبسها اللباس السياسي للحكومة، لكن ما يحز في النفس المال العام الذي خصص للصفقة دون أن تحقق المطلوب ، ولنا أن تساءل هل السبب يعود لجودة المشروع أو لأغراض سياسية أو فقط بسبب الروتين الإداري ؟ أم أن الأمر يتطلب اعلان صفقة جديدة ؟ علما أن مديرية أملاك الدولة كانت ومازالت تتضمن من الأطر ما يحق لها أن تفخر به ، منهم من عين بظهير شريف في مناصب عليا في الدولة وجهاز القضاء ، ومنهم من عين في مجالس حكومية ، ومنهم فقهاء وأساتذة القانون ومنهم من ينتظر نصيبه في المسؤولية الإدارية أو السياسية العليا.
ومما ينبغي التذكير به، أنه سبق لفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، عندما كان يرأسه الأستاذ عبد اللطيف وهبي الوزير الحالي للعدل، أن تقدم بمقترح قانون يتعلق بالملك الخاص للدولة خلال فترة الحكومة ما قبل السابقة ، وتم تحيينه من جديد تحت رقم 35 بتاريخ 19 يوليوز 2017 ، وأحيل على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب بتاريخ 15 غشت 2017، ومنذ ذلك التاريخ لم يراوح مكانه ، لأسباب سياسية محضة ، على اعتبار أن اللجنة المذكورة كانت تترأسها الأغلبية السابقة وبالضبط الحزب الأغلبي .

ومما ينبغي التنويه إليه كذلك ، أن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب سبق له بدوره أن تقدم بمقترح قانون لإحداث الوكالة الوطنية لتدبير أراضي الدولة رقم تسجيله 7 بتاريخ 9 أبريل 2017 ، تضمن 16 مادة من أهم نقطه الرغبة في احداث وكالة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تخضع لمراقبة الدولة ، يكون من مهامها توحيد طرق تدبير وتسيير العقار العمومي سواء تعلق الأمر بأملاك الدولة الخاصة أو العامة وغيرها .ولم يجد المقترح قانون المذكور مساره الطبيعي كذلك، رغم أن الدستور الذي صوت عليه المغاربة كعنوان للديمقراطية المباشرة يعطي أهمية لصوت المعارضة ويضمن لها المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع ، وخاصة من خلال الفصل 10 الذي ينص على أنه "يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا ، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها ، على الوجه الأكمل ، في العمل البرلماني .

والحاصل، أن الحكومة السابقة، عوضا عن الانصات لصوت المعارضة واحترام مقتضيات الدستور ، تغاضت عن مقترحات المعارضة في هذا الشأن وعملت على إخراج القانون رقم 20-52 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للمياه والغابات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 71-21-1 في 14 يوليو 2021، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7006 بتاريخ 22 يوليو 2021، الذي عهد بإدارة هذه الوكالة إلى مجلس إدارة ويسيرها مدير عام. وتخضع للمراقبة المالية للدولة، وتحل هذه الوكالة محل الدولة في جميع حقوقها والتزاماتها السابقة على صدور القانون. مع التذكير أن المساحة الغابوية بالمغرب - وهي ملك خاص للدولة كذلك - تناهز 9 ملايين هكتار ونصف هكتار . وتركت الملك الخاص للدولة العادي يدبر بالطرق الكلاسيكية المعتمدة منذ بداية القرن الماضي، أي إلى موظفين يعينون في مجلس حكومي أو بقرار لوزير الاقتصاد والمالية على رأس مديرية عادية لم ترق بعد إلى مديرية عامة وأقسام، ومصالح مركزية وجهوية ومندوبيات وأطر إدارية بعضهم لا علاقة له بطرق تدبير الأنظمة العقارية. بل حتى إن مهام وزيرة الاقتصاد والمالية نفسها لا يتجاوز اختصاصات الترخيص ولا حق لها في التقاضي باسم الدولة الملك الخاص طبقا للفصل 515 من قانون المسطرة المدنية ، ولا حق لها في ابرام العقود المتعلقة بالتصرفات المنصبة على الملك الخاص للدولة العادي، وليست لها سلطة الحلول في تصفية هذه الأملاك العقارية.
وهذا التوجه هو الذي كان ساري المفعول منذ سنة 1915 ، عندما كان مدير الأملاك المخزنية في الغالب يحمل الجنسية الفرنسية ويعين من طرف سلطة الحماية، الشيء الذي يتطلب إعادة النظر في مؤسسة تدبير أملاك الدولة العقارية وإدخالها في خانة المؤسسات الاستراتيجية .

وخلاصة القول، فإننا ندعو الحكومة الحالية بكل مكوناتها بما فيها الأمانة العامة للحكومة ، إلى إيلاء الأسبقية المطلقة لإطلاق سراح المشروع قانون المتعلق بالملك الخاص للدولة المعد منذ ما يقرب من عقد تقريبا وحتى قبل اعداد المشاريع القوانين المتعلقة بأملاك الجماعات السلالية والترابية ، واحالته على من له سلطة التشريع أي البرلمان ، وبإمكان فرق أحزاب الأغلبية تجويده ومنحه اللمسة السياسية التي عبروا عنها من خلال مقترحي قانون المذكورين ، وكذا المشروع قانون الذي تم اعداده في عهد وزير الاقتصاد والمالية الذي ينتمي للحزب الذي يقود الحكومة الحالية. وطبيعي أنه يدخل هذا العمل في اطار تعزيز إصلاح الادارة وترسيخ حكامة التدبير العمومي وتكريس فعالية الادارة التي تضمنها البرنامج الحكومي للحكومة الحالية، خاصة وأن تدبير العقار الوطني من صميم النشاط السياسي الحقيقي ، ولا يجب أن يدبر بعقلية الإداري العادي .

ألم يقول جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بأن العقار "محرك ضروري للاقتصاد الوطني ، لأنه يوفر الأرضية الأساسية لإقامة مختلف البنيات التحتية ، والتجهيزات العمومية. كما تنبني عليه سياسة الدولة في مجال التعمير والتخطيط العمراني ......لذلك ندعو للانكباب على مراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار، بشقيه العمومي والخاص ...."(مقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ) المنعقدة يومي 8 و 9 دجنبر 2015.

والأمل معقود على صوت العقل والضمير لدى أعضاء الحكومة الحالية في تنفيذ تعليمات جلالة الملك بخصوص اصدار قانون مؤطر للملك الخاص للدولة.

ولا نرى غضاضة في تقديم التحية لأطر وزارة الداخلية الذين عملوا على تحيين النصوص المنظمة لأملاك الجماعات السلالية والأملاك العقارية للجماعات الترابية في زمن قياسي .






الاحد 19 ديسمبر 2021

تعليق جديد
Twitter