MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات

     

المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات
-مقاربة بين التشريعين المغربي و الإسباني -

محمد ضرضور
طالب باحث
ماستر قوانين التجارة و الاعمال - وجدة



المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات
يعرف الشخص المعنوي بأنه مجموع الأشخاص والأموال التي يعطيها المشرع الشخصية القانونية .
وقد أثار موضوع المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي نقاشا حادا بين مؤيد ومعارض لإسناد المسؤولية إليه، ويرجع هذا النقاش إلى اختلاف وجهة نظر كل فقيه، بين من يرى أن أساس المساءلة في القانون الجنائي هو العلم والإرادة، وبالتالي لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي لانعدام الإرادة لديه، وقد وصل الأمر بأحد المغالين في إنكار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى القول "بأنه لم يسبق لي أن تناولت الفطور مع شخص معنوي"، وأما الاتجاه الآخر فقد سلم بكون الشخص المعنوي له جميع مقومات المساءلة الجنائية.

وإذا تركنا هذا النقاش جانبا، وعدنا إلى التنظيم التشريعي، فإننا نجد أغلب التشريعات قد نصت على المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، ومن ذلك المشرع الفرنسي الذي نص عليها في الفصل 121-2 من قانون العقوبات. وكذلك المشرع المغربي نص على العقوبات التي يمكن أن يحكم بها على الأشخاص المعنوية في الفصل 127 من ق.ج، وإن كنا نشاطر الرأي القائل بأن هذا الفصل هو نص معاقب وليس مجرما أو واضعا لقواعد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.

أما التشريع الإسباني، فإنه لم يكن حتى عهد قريب يعترف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إلى أن تم إقحامها في الفصل 129 و الفصل 31 من ق.ج، بموجب التعديل الذي أدخل على ق.ج لسنة 1995 بقانون 2010/5 .

فالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إذن أضحت من الثوابت فقها، وقضاء، وتشريعا في ظل القانون الجنائي، إلا أن هذا الثبات ما يزال في حاجة إلى تدقيق وتحديد في مجال إدارة وتسيير الشركات ورقابتها، حيث أن المقتضيات الجنائية المنصوص عليها في قوانين الشركات تلتزم"الصمت" فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وتقتصر على تحميل المسؤولية للأشخاص الطبيعيين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الشركة تعتبر ضحية لهذه الجرائم، فكيف يتصور أن تكون مسؤولة عنها؟
إن التسليم بكون الشركة ضحية لجرائم الشركات هو مجرد تحليل سطحي للمقتضيات الجنائية المنصوص عليها في قانون الشركات، فالمسؤولية الجنائية قد تكون مثارة، فما هو مرجع هذه المسؤولية؟ وما هي شروط قيامها؟

المحور الأول: المرجع القانوني للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات

من المعلوم أن الشركة تكتسب الشخصية المعنوية ابتداء من تاريخ تقييدها في السجل التجاري، وذلك حسب مقتضيات المادة 7 من ق.ش.م.م، والمادة 2 من ق.96.5 المتعلق بباقي الشركات، فمتى اكتسبت الشركة الشخصية القانونية فإنها تصبح أهلا لتحمل الالتزامات والوفاء بالواجبات، كما تتحمل المسؤولية المدنية والجنائية التي قد تترتب عن مزاولة نشاطها، وذلك طبقا لقواعد القانون الجنائي أو بعض القوانين الأخرى .

وإذ نحن في إطار تناول المسؤولية الجنائية عن جرائم الشركات والتي تسند من حيث الأصل إلى أعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير أو التدبير حسب مقتضيات المادة 373 من ق.ش.م.م، مما يجعل مجال دراستنا هو المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي المسير للشركة.

من المعلوم أن الشخص المعنوي لا يمكن أن يكون مسيرا للشركة ذات المسؤولية المحدودة ، ولا رئيس مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة لشركة مساهمة، حيث أن مهمة التسيير في هذه الشركات تقتصر على الأشخاص الطبيعيين، إلا أنه قد يحدث أن تسند مهام التسيير للشخص المعنوي في شركة المساهمة المبسطة طبقا لمقتضيات المادة 432 من ق.ش.م.م، فالمادة صريحة في التنصيص على إمكانية تعيين الشخص المعنوي رئيسا لشركة المساهمة المبسطة، فهل يتحمل هذا الشخص بصفته رئيسا للشركة المسؤولية الجنائية المترتبة عن أحد الجرائم المقترفة أثناء ممارسته لمهامه، كإساءة استعمال أموال الشركة التي يترأسها؟

إن القراءة المتأنية للفصل 432 السابق الإشارة إليه، تبين لنا أن المشرع المغربي من خلال هذا النص قد حاول تحميل المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين مسيري الشخص المعنوي رئيس شركة المساهمة المبسطة، إلا أن هذا النص لا ينبغي أن يقرأ بمعزل عن المقتضيات الأخرى، فإذا عدنا إلى المادة 437 من ق.ش.م.م نجد انها تنص على ما يلي: "تطبق العقوبات المقررة لأعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة على رئيس شركة المساهمة المبسطة".

فالمشرع من خلال هذا النص لم يميز بين ما إذا كان رئيس شركة المساهمة المبسطة شخصا طبيعيا أم معنويا، وبالتالي فالمسؤولية الجنائية يتحملها رئيس شركة المساهمة المبسطة أيضا، وذلك بتطبيق قواعد الترجيح بين النص المجرم والنص غير المجرم، فإذا كان الفصل 432 المشار إليه قد حمل المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين فقط، فإن الفصل 437 لم يميز في تطبيق العقوبات بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي، وهو ما يمكن أن نعتبره انسجاما مع مقتضيات القانون الجنائي، حيث أنه نص على إمكانية تطبيق العقوبات على الشخص المعنوي (الفصل 127 ق.ج) دون أن يضع قواعد وأسس المسؤولية الجنائية لهذا الأخير.

بالإضافة إلى هذه المقتضيات المتعلقة بشركة المساهمة المبسطة فإن الشخص المعنوي يمكن أن يعين متصرفا في شركة المساهمة وذلك طبقا لمقتضيات المادة 42 من ق.ش.م.م، وقد حمل المشرع من خلال هذا النص المسؤولية الجنائية لممثلي هذا الشخص دون الشخص المعنوي.

وقد دفع الإصرار التشريعي على تحميل المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين أحد الباحثين إلى إنكار وجود المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات في صلب قوانين الشركات،وهدا التوجه وإن كان له ما يستند عليه أمام غموض وعدم صراحة النصوص فإنه مع ذلك يبقى محل نظر وفي حاجة إلى تفصيل كما أشرنا إلى ذلك.

ويمكن اعتبار النقاش الدائر حول التنصيص على المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات امتدادا للنقاش الذي أثاره الموضوع في القانون الجنائي لعقود خلت، وهو ما تجنبه التنظيم التشريعي الإسباني من خلال التنصيص على جرائم الشركات في صلب قواعد القانون الجنائي، مما يجعل القضاء والفقه في مهمة أسهل بعد إقحام مقتضيات الفصلين 129 و 31 من ق.ج بموجب قانون 5/2010، فأمام عمومية النصين وشمولهما لجميع الجرائم المنصوص عليها في ق.ج فإن الشخص المعنوي المسير للشركة يمكن أن يساءل جنائيا، والحكم عليه بالتالي بأحد العقوبات المنصوص عليها في الفصل 33-7 من ق.ج.إس، والمتمثلة في الغرامة أو الحل أو الإيقاف من مزاولة النشاط لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، أو إغلاق محلاتها، أو الحرمان من مزاولة الأنشطة التي اقترفت في إطارها الجريمة.

وإذا كان هذا هو الشأن في التنظيم التشريعي فإن تعامل القضاء المغربي لم يسلم من التخبط الذي ميز تنظيم المسؤولية الجنائية، إذ أنه وعلى غرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين لم يتطرق لمسؤولية الشخص المعنوي عن جرائم الشركات لكونه لا يعتمد على المقتضيات الجنائية المنصوص عليها في قانون الشركات، ما عدا تطبيق مقتضيات الفصل 127 من ق.ج في جرائم إصدار شيك بدون رصيد أو جرائم الغش في البضائع، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالناظور "وحيث أن المحكمة اقتنعت بثبوت التهمة في حق الضنينة (الشركة الإسبانية المغربية للمشروبات) ويتعين بالتالي التصريح بمؤاخذتها من أجلها وطبقا لمقتضيات الفصول... حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وبمثابة حضوري، بمؤاخذة الضنينة في ممثلها القانوني من أجل ما نسب إليها، وعقابها بغرامة نافذة 300 درهم مع تحميلها الصائر وإتلاف المحجوز".

وإذا كان هذا هو شأن القضاء المغربي، فإن القضاء الإسباني لا يسعف كثيرا في إيجاد قواعد لمسؤولية الشخص المعنوي، ويعود السبب في ذلك إلى حداثة التنظيم التشريعي لهذا الموضوع، ولا نعلم إلى حدود كتابة هذه السطور عن صدور أي قرار يطبق مقتضيات الفصلين 129 و 31 من القانون الجنائي الإسباني بعد التعديل.
إلا أن القضاء الإسباني قد أقر ما يمكن تسميته بالمسؤولية الجنائية للشركة قبل التعديل وذلك في قرار صادر عن المحكمة العليا الإسبانية في قضية جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، وذلك بتحقيق مصالح مباشرة في شركة أخرى، حيث قضت المحكمة بحل الشركة على اعتبار أن الجريمة اقترفت من طرف مسيرها ولحساب الشركة.

فالقضاء الإسباني من خلال هذا القرار حاول تحميل المسؤولية الجنائية للشركة قبل وجود تنظيم قانوني صريح، إلى أن تدخل المشرع بتقرير مبدأ المساءلة الجنائية للشخص المعنوي بنص صريح وواضح (المادة 129 من ق.ج.إس) .

وأمام تسليمنا بكون المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات قائمة وإن بطريقة ضمنية، فما هي شروط هذه المسؤولية؟

المحور الثاني: شروط قيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

أمام غياب نص قانوني صريح يتبنى المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الشركات، فإن مرجعنا في تناول شروط هذه المسؤولية سيكون بالاعتماد على قواعد ق.ج وما كرسه الفقه والقضاء خصوصا الفرنسي، وكذا مقتضيات الفصل 129 ق.ج.إس.

وبناء عليه فإن إعمال المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يقتضي توافر شرطين ، يتمثل الأول في ارتكاب جريمة من طرف الشخص المعنوي، وأما الثاني فيتمثل في ارتكاب جريمة لحساب هذا الشخص.

أولا: ارتكاب الجريمة من طرف ممثل الشخص المعنوي

نظرا لطبيعة الشخص المعنوي، فإنه لا يتمكن من ممارسة نشاطه إلا من خلال أشخاص طبيعيين يمثلونه ويعملون باسمه .

وقد نصت المادة 121-2 من قانون العقوبات الفرنسي والمادة 129 من ق.ج.إس على تمثيل الشخص المعنوي، وهذا الممثل يمكن أن يكون شخصا واحدا أو مكونة من مجموعة الأشخاص الذاتيين، وذلك طبقا لطريقة تنظيم وهيكلة الشخص المعنوي.

والأصل أن يكون ممثل الشخص المعنوي ممثلا قانونيا، كما يمكن أن يكون من الأشخاص الذين يمارسون مهامهم بطريقة فعلية، مما يطرح إشكال مدى صحة التمثيل.
فإذا رجعنا إلى مقتضيات المادة 440 ق.ش.م.م، نجدها تنص على أن مقتضيات الفصل 437 و439 تطبق على كل شخص زوال فعلا بصفة مباشرة، أو بواسطة شخص آخر إدارة شركة مساهمة مبسطة تحت اسم أو محل رئيس ومسيري الشركة، فالمسؤولية إذن يمكن أن تطال المسير العلي للشخص المعنوي رئيس شركة المساهمة المبسطة.

وتجدر الإشارة إلى أن ثبوت المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لا تعفي من متابعة الشخص الطبيعي ممثل الشخص المعنوي، وهو ما نص عليه الفصل 121/2 من ق.ج.ف والذي جاء فيه: " المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لا تحول دون إثارة مسؤولية الشخص الذاتي كفاعل أو مشارك عن نفس الأفعال".
وفي هذا الإطار نجد أحد الباحثين يطالب بضرورة التمييز بين مسؤولية الشخص المعنوي ومسؤولية الأشخاص الذاتيين المنتمين إليه، حتى لا يتخذ تحميل المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ذريعة للتملص من المسؤولية.

وفي نفس الاتجاه فقد قضى المجلس الأعلى بما يلي: "يكون كل شخص سليم العقل قادر على التمييز مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها وأنه لا يوجد في القانون ما يعفي مدير الشركة باعتباره ممثلا للشخص المعنوي من هذه المسؤولية متى ثبت أن الأفعال التي ارتكبها ولو باسم الشركة التي يمثلها أو بتفويض منها تندرج ضمن الأفعال المجرمة قانونا".

ثانيا: ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي

لكي تتحقق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد الأشخاص الطبيعيين الممثلين له، يتعين أن تكون الجريمة المرتكبة قد ارتكبت لصالح ولفائدة هذا الشخص، وهو ما نص عليه المشرع الإسباني في الفصلين 129 و 31 من ق.ج السابق الإشارة إليه، حيث نص الفصل 129 على أن "الجرائم المقترفة باسم أو في إطار المقاولات" فالفصل ينص على الجرائم المقترفة في إطار الشركة أو بواسطتها، حيث أن الشركة لا تتحمل المسؤولية الجنائية عن الأفعال الإجرامية المرتكبة لمصلحة ممثل الشخص المعنوي آو لفائدته، وإنما يتعين أن تكون الجريمة قد نفذت بهدف جلب الربح للشركة، سواء كان هذا الربح ماديا أو معنويا، وسواء تحقق أو لم يتحقق، وإنما يكفي أن تقترف الجريمة لحساب الشخص المعنوي .

فمتى اقترفت الجريمة من طرف ممثل الشخص المعنوي ولحساب هذا الأخير، فإنه يتحمل المسؤولية الجنائية المترتبة عن الجريمة.

إلا أنه لا ينبغي التسليم بالمسؤولية المطلقة للشخص المعنوي، وإلا كان في ذلك مساسا بأحد أهم ركائز القانون الجنائي ويتعلق الأمر بمبدأ شخصية الجرائم والعقوبات، فقد يحدث أن ترتكب الجريمة من طرف ممثل الشخص المعنوي ولحساب هذا الأخير، ورغم ذلك فإن القضاء كيفها على أساس كونها تعريض لمصلحة الشركة للخطر، ولنا في القضاء الفرنسي سند قوي حيث كيف فعل تقديم مدير الشركة لرشوة بهدف الحصول على صفقة بكون جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، وهو ما جاء في قرار شهير لمحكمة النقض الفرنسية "أن استعمال الأموال يكون بالضرورة تعسفيا إذا ما تم لهدف غير مشروع"، وتتلخص وقائع النازلة في أن مديري شركة carbaye moralitrise قاموا بمحاولة رشوة عمدة مدينة Salazie بهدف الحصول على صفقة تتعلق بالنقل المدرسي لمصلحة الشركة، وقام المديرون بدفع 200 ألف فرنك من أموال الشركة، فأصدرت المحكمة العليا القرار المشار إليه.

وإذا كانت هذه القضية قد أثيرت قبل تعديل قانون العقوبات الفرنسي في مارس 1994، والذي تبنى بموجبه المشرع الفرنسي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، فإنه مع ذلك قد أقر مبدأ أساسيا يتمثل في تحميل المسؤولية للمسير (الشخص الطبيعي) عن الأعمال غير المشروعة، وإن كانت قد تمت لحساب الشركة.

وإن كان لهذا التوجه ما يستند إليه قبل صدور قانون 1994 الفرنسي، فإن السير على نهجه قد يؤدي إلى نتائج غير مستساغة، بحيث سيؤدي إلى استحالة المساءلة الجنائية للشخص المعنوي، ذلك أن كل الأعمال غير المشروعة التي ترتكب لصالح الشخص المعنوي عبارة عن جرائم، فكيف سيتم متابعة الشخص المعنوي إذا سلمنا بهذا الطرح؟



للإطلاع على مراجع المقال أو نسخه يرجى التحميل على الرابط التالي

سيتم إدراج الرابط بعد ساعات



الاربعاء 30 نونبر 2011

تعليق جديد
Twitter