MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers


أرشيف وجهة نظر

الــرسـائـل الـمـولـويـة الـسـامـيـة لـصـاحـب الـجـلالــة -قراءة تحليلية لخطاب العرش 2025-

القرار 255/25 للمحكمة الدستورية: نحو ترسيخ رقابة دستورية ضامنة للحقوق والحريات

الأستاذ المصطفي الرميد يرد: إلى الأستاذ عبد الرحيم الجامعي (أنت أيضا، لست مفتيا، ولامرشدا، فلا تكن محرضا)

النقيب الجامعي: رسالة إلى الاستاذ مصطفى الرميد، لست لا مفتيا ولا مرشدا، فلا تكن محرضا ؟

La Cour constitutionnelle censure le nouveau code de procédure civile marocain

رفع القبعة للمحكمة الدستورية .. استقلالية القضاة في دستور 2011 المغرب، ركيزة أساسية لدولة الحق والقانون

نطاق المسائل الدستورية وغير الدستورية لتعديلات النظام الداخلي لمجلس النواب حسب قرار المحكمة الدستورية رقم 256/25 بتاريخ 2025/08/04 في الملف عدد 304/25

المسائل الثمانية غير الدستورية في قانون المسطرة المدنية حسب قرار المحكمة الدستورية

الملك ومشروع التحول الوطني: قراءة في خطاب العرش 2025

ملاحظات بشأن نظرية الخرق الدستوري البين على ضوء قرار المحكمة الدستورية بخصوص فحص عدم دستورية بعض مواد قانون المسطرة المدنية.



الــرسـائـل الـمـولـويـة الـسـامـيـة لـصـاحـب الـجـلالــة -قراءة تحليلية لخطاب العرش 2025-

     


اسـامــة كــلاس
حاصل على الماستر المتخصص
في قانون العقار والتعمير



مقدمة

من المسلم به ودون ريب، أن بلدنا المغرب له هوية ثقافية عريقة وليس وليد اللحظة، بل كان -ولازال كذلك- من ضمن دول العالم التي تزأر بتاريخ قديم، وقد توالى على حكمه سلاطين جعلت من الشريعة الإسلامية مذهبا لها، بل وشرعا يفصل به بين الرعية؛ وقنديل يضاء في عتمة الليل قصد السهر على مصالح رعاياها.
سلاطين كانت تخاطب الرعية في مختلف المناسبات، من ضمنها ذكرى ولايتها للعرش، الذي بدأ الاحتفال به بشكل رسمي، مع الملك الراحل محمد الخامس في أكتوبر 1934، وذهب على نفس المنوال الملك الراحل الحسن الثاني، كرم الله مثواهما، وسار على نفس النهج الملك محمد السادس بعد اعتلائه للعرش في تاريخ 30 يوليوز 1999.
في تاريخ 29 يوليوز 2025 ألقى جلالته الملك محمد السادس بالقصر الملكي بتطوان، خطابه بمناسبة عيد العرش المجيد، الذي يصادف الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين.
تضمن خطاب جلالته، مجموعة من الرسائل الملكية السامية، التي خاطب بها شعبه، وخاطب بها جميع الهيئات والأجهزة وكذا الأطراف المعنية والساهرة على مصلحة من مصالح الدولة أو الشعب، وهذا ما دفع للبحث فيها وتحليل مضامينها، قصد استنباط المعاني والدلالات، تبعا لذك، يمكن التساؤل عما هي بعض هاته الرسائل التي وجهها جلالته؟ وماذا كان المقصد منها؟ وما المعاني المستنبطة من ذلك؟

أولا: العبرة بالنتائج الواقعية الملموسة وليس بالتنفيذ الاستعراضي

من ضمن ما قاله جلالته نصره الله في خطابه، ما يلي: "شعبي العزيز، تعرف جيدا أنني لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات. لذا، ما فتئنا نولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه."
بمعنى، أن جلالته يؤكد على ضرورة تحقيق النتائج والأهداف المنتظرة من كل مخطط أو برنامج، تحقيقا ملموسا واقعيا، يلامس المحيط الذي يتعايش فيه شعبه، وليس مجرد تنفيذ لها؛ إذ المغزى ليس في التنفيذ، بل في النتائج المتوصل لها عبر هذا التنفيذ، وكذا بمدى التأثر والتأثير الإيجابيين في كل الفئات الاجتماعية.
علاوة على ذلك، فجلالته يحث ويؤكد على شمولية التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، لجميع التراب الوطني، وليس أن تقتصر على بعضه دون الآخر، ليفهم من ذلك: تحقيق العدالة المجالية التي يفتقر إليها الوضع الحالي.
أبعد من ذلك، فجلالته يصر على أن تقديم الدعم المباشر، ينبغي أن يتجه به نحو الأسر التي تستحقه؛ ليستشف منه تبعا، وجود ضرورة ملحة، لإعادة النظر في الظروف الحالية، التي يمنح فيها الدعم المباشر المشار للأسر، وكذا في المعايير التي عبرها يمنح هذا الدعم من عدمه، خاصة وأن المشهد الواقعي، قد أبان بذلك، إذ هنالك من الأسر التي منح لها الدعم وهي في استغناء عنه؛ في المقابل، هنالك من سحب منها، رغم أنها في أمس الحاجة إليه.

ثانيا: الوضع الحالي غير مُرضِِ ويستوجب التغيير نحو الأفضل

قال جلالته، وهو في حسرة وتأسف على الوضع الحالي: "غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية. وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية. فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين."
يؤكد جلالته، أنه على علم بما يعانيه العالم القروي من مظاهر الفقر والهشاشة، نتيجة لنقص البنيات التحتية والمرافق الأساسية؛ وهو ما ينادي من خلاله، بضرورة توجه السياسة الحكومية نحو تنمية العالم القروي، وإعطائه ما يستحقه من حقوقه، ومنحه التنمية المنشودة، حتى يكون هنالك مغرب واحد، وليس مغربين داخل مغرب واحد: مغرب ينعم في الرخاء؛ ومغرب يكدح في الشقاء.
علاوة على ذلك، فجلالته يعبر عن عدم رضاه عن الوضع الحالي، إذ هذا الأخير، ليس نتيجة لرؤيته السامية، وليس وضع ناتج عن الجهود التي يبذلها في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية وتحقيق العدالة المجالية؛ بل كان ينتظر أكثر من ذلك، ولا ريب أن جلالته يرى ويشهد الوضع والصعوبات اللذين يواجهان الطبقة اليسيرة، ناهيك عن الوضع المزدري الذي تعانيه وتواجهه الفئات المهمشة.
قال جلالته في فقرة سابقة لتلك التي سبق تحليلها: "وقد أبانت نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، عن مجموعة من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية."
يحث جلالته جميع المعنيين والمتدخلين في مختلف مراحل إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، على الاستفادة من النتائج المتوصل إليها في عملية الإحصاء العام للسكان 2024، ويجب الاعتماد عليها وأخذها بعين الاعتبار عند إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.
غير خاف بطبيعة الحال، أنه لا يمكن وصف إحصاء 2024 بالمثالية أو الكمالية، لكن، على الأقل يمكن وصفه، بمرآة شبه مضببة نوعا ما، تعكس الواقع؛ إذ قد رصد أرقام يطمئن لها ويخشى منها في آن واحد -تشخص الواقع- لذا، ينبغي اعتمادها والأخذ بها، والنظر إليها بشكل عميق، فضلا عن قراءتها من زوايا مختلفة.

ثالثا: انتقاد الولاية الحكومية الحالية وتوجيه القادمة

قال جلالته نصره الله: غير أنه مع الأسف، […] ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا […] فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين." ثم استرسل وقال جلالته: "شعبي العزيز، لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية. لذلك ندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة."
مفاد ذلك، أن جلالته يحث مختلف الفاعلين والمتدخلين، وجميع المعنيين بهيكل من هياكل الدولة، وكذا الساهرين على تحقيق مصلحة من مصالح الدولة، على الاشتغال والعمل في إطار موحد ومندمج، كلهم يلتقون في نقطة واحدة؛ وهي التنمية المجالية المندمجة، حتى يتسنى أن تشمل التنمية جميع التراب الوطني، دون تفاوت في ذلك.
بصيغة عكسية، فجلالته لا ينتظر أن تشمل التنمية مجالا دون آخر، ولا أن تستفيد منها فئات معينة على حساب أخرى؛ كما لا ينتظر أن تتحقق التنمية المجالية دون التقائية فيما بينها؛ بل الذي ينتظره: هو تلك التنمية المجالية التي يمكن وصفها بالمندمجة والشاملة ثم الالتقائية؛ التي تجمع بين مختلف الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.
فالهدف والغاية من ذلك كما قال جلالته في خطابه "أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء." وتحقيقا لهاته الغاية كما يرى جلالته، فقد وجه "الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية."
حري بالبيان، أن توجيه جلالته خطابه بشكل صريح، على شمولية ثمار التقدم والتنمية جميع المواطنين، ولكل المناطق والجهات، مع تأكيده على عدم التمييز والإقصاء؛ هو بمثابة صفعة قوية للولاية الحكومية التي هي على مشارف الانتهاء.
بصيغة أخرى، كأنما يخاطبها بأنها، لم تنفذ برنامجها الحكومي كما ينبغي له، ووفقا للمبادئ التي سبق وأن خاطب بها جلالته في مختلف المناسبات؛ في المقابل، يعد ذلك، خطابا قبليا، للولاية الحكومية القادمة قبل تنصيبها، وعليها أن تراعي هذا التوجيه الملكي، وتأخذ به وهي بصدد إعداد برنامجها الحكومي، وكذا أثناء تنفيذه خلال السنوات المقبلة من ولايتها الحكومية.

رابعا: التأكيد على الاستمرار في التنزيل وإيلاء الأولويات الواضحة

أكد جلالته على ضرورة توجه البرامج نحو توحيد الجهود واعتماد أوليات واضحة، واتخاذ مشاريع ذات تأثير ملموس، كلها تصب في أربعة محاور رئيسية، على رأسها "دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي" هنا جلالته، يحث على خفض مستوى البطالة من خلال توفير مناصب الشغل وعبر الاهتمام بالاستثمار المحلي؛
في محور ثاني، حث فيه جلالته على "تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية" وهذا في تأكيد على ضرورة الاستمرار في تنفيذ الأوراش الملكية المتعلقة بالتغطية الصحية والحماية الاجتماعية، وكذا السهر على تنزيل خارطة الطريق 2022-2026 المتعلقة بالتعليم، بالإضافة إلى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية 2015-2030؛
في المحور الثالث، دعا فيه جلالته إلى "اعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ" وهذا بطبيعة الحال، إشارة مباشرة إلى الاستمرار الفعلي في تنزيل مختلف البرامج والمخططات المتعلقة بالماء والمناخ.
من ذلك مثلا: البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، ثم المخطط الوطني للمناخ 2020-2030. وليس الاكتفاء بها فقط، بل العمل على الوقاية من الأزمات قبل الوقوع فيها، ذلك عبر تشخيص الواقع بشكل استباقي، فضلا عن البحث في سبل الحد من تفاق الأزمات في حالة الوقوع فيها، وهذا يمكن تسميته بتنبأ المستقبل؛
أما المحور الأخير، فقد أكد في جلالته على الضرورة الملحة لِـ "إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد." والمقصد من وراء ذلك، هو توحيد والتقائية مختلف البرامج التي تنجز على مستوى مختلف مناطق المملكة، سواء أكانت من لدن أشخاص القانون العام أم الخاص، مع البرامج الكبرى والاستراتيجيات التي تشتغل الدولة على إنجازها، من ذلك مثلا: الالتقائية مع البرنامج الوطني للتطهير السائل ومعالجة المياه العادمة، وكذا مع الاستراتيجية الوطنية للتنقلات الحضرية.
هاته المحاور الأربع، التي خاطب بها جلالته، ينبغي على الولاية الحكومية القادمة التي ستتزامن مع كأس العالم 2030، أن تنطلق منها، وتراعيها في إعداد وتنفيذ برنامجها الحكومي؛ فولايتها قد تزامنت مع حدث بارز سيستقبله المغرب؛ حدث يقتضي هياكل ومرافق قادرة على استقباله واستيعابه، ناهيك عن حاجته لموارد بشرية ذات كفاءة عالية، لها من الخبرة والتجربة ما هو كفيل بتغطية جميع الطوارئ التي قد تحصل دون أية سابقة إنذار، خاصة ما يتعلق بقطاعي الصحة والأمن.
من زاوية أخرى، لا ينبغي لها أن تميل كل الميل نحو القطاع الرياضي: أي الاهتمام بكأس العالم 2030؛ وتتنحى جانبا على باقي القطاعات الأخرى، والتي أهميتها تعلوا بكثير عن أهمية هذا الحدث الرياضي، على رأسها  قطاع التعليم والصحة ثم التغذية.



السبت 20 سبتمبر 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter