MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





الرقابة القضائية على الجزائات المطبقة على المتعاقد في صفقات الجماعات الترابية

     



يوسف بلشهب
ماستر قانون المنازعات العمومية








مقدمة:

تعتبر مرحلة تنفيذ الصفقة من أهم المراحل التي تمر منها صفقات الجماعات الترابية وأكثرها خطرا على المقاولة، باعتبار أن حريتها في التصرف تتقلص إلى حد بعيد لكونها أولا محكومة ببنود العقد،
[1] ولكونها ثانية ملزمة بالانصياع لأوامر وتعليمات الجماعة الترابية صاحبة المشروع، التي تصدرها في إطار سلطة الرقابة والتوجيه التي تتمتع بها إزاء نائل الصفقة.
فإذا كانت التزامات المتعاقد مع الإدارة تتصل بالصالح العام، لذلك فإن كل إخلال بهذه الالتزامات يشكل بالإضافة إلى الإخلال بالتزام تعاقدي مساسا بالمرفق العام موضوع العقد
[2]. وفي هذا الإطار منح المشرع  للإدارة سلطات مهمة، تستمدها من امتيازات السلطة العامة، في مواجهة المتعاقد الذي يخل بالتزاماته التعاقدية، حيث يمكن لها أن تطبق عليه جزاءات تكتسي أهمية خاصة، من حيث أنها تطبقها من جانب واحد، وبدون اللجوء إلى القاضي[3].
غير أن سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات ليست مطلقة، بل مقيدة بعدة ضمانات أقرها المشرع لصالح المتعاقد، يسهر القضاء الإداري على حمايتها من حيث بسط رقابته ليس فقط على سلامة شكليات الجزاء (المبحث الأول)، بل أيضا على مضمون الجزاء (المبحث الثاني).
 
 
المبحث الأول: الرقابة على الإجراءات الشكلية للجزاء:

تعرض دفتر الشروط الإدارية العامة للجزاءات التي يمكن للإدارة أن تطبقها في حق المقاول الذي أخل بالتزاماته التعاقدية، غير أن تطبيق هذه الجزاءات يتوقف على عدم استجابة المقاول لملاحظات الإدارة وتنبيهه بضرورة الوفاء بالالتزامات التي تتضمنها الصفقة، وذلك بواسطة إعذار يبلغ إليه، ويمنح له أجل محدد لذلك قبل تطبيق الجزاءات المنصوص عليها
[4].
ويقصد بالإعذار طبقا للقواعد العامة إثبات حالة تأخير المتعاقد في تنفيذ التزاماته إثباتا قانونيا، فهو يعتبر إذن إجراء تمهيدي يجب أن يسبق تطبيق الجزاء القانوني أو التعاقدي.
فطبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 70 من دفتر الشروط الإدارية العامة، فإنه يتعين على الإدارة أن تقوم بإعذار صاحب الصفقة بعدم تنفيذه التزاماته أو بتأخيره في هذا التنفيذ، كما تدعوه للوفاء بالتزاماته، ويتبين في هذا الإعذار الجزاء الذي سوف يطبق عليه إذا لم ينفذ مقتضيات العقد تنفيذا كاملا، وعلى هذا الأساس لا يمكن مؤاخذة المتعاقد على مماطلته في التنفيذ إلا عن وقت إعذاره
[5].
فالجماعة الترابية المتعاقدة يجب أن تعمل على إخطار المعني بالأمر في التقصير الذي يطال جانبه التعاقدي وعلى الإجراء المنوي اتخاده في حقه
[6]. وعلى هذا الأساس ذهبت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء وهي تقرر عدم مشروعية قرار فسخ عقد الصفقة لإخلال الإدارة لمسطرة الإعذار، وقضت بما يلي: "إن المحكمة عاينت أن الإدارة لم تحترم مقتضيات الفصل 35[7] من كناش الشروط الإدارية العامة...... فإن المحكمة ترى أن الفسخ جاء مشوبا بالشطط في استعمال السلطة مخالفا للقانون"[8]. وهو نفس الاتجاه الذي ذهبت إليه المحكمة الإدارية بوجدة عندما اعتبرت "أن قيام الإدارة بفسخ دون اتباعها المسطرة المنصوص عليها... يخول للمدعي الحصول على المصاريف التي أنفقها"[9]. كما أن إدارية مراكش اعتبرت أن عدم إعذار المقاولة طبقا للقانون هو إجراء تعسفي وقضت بأن "... الإعذار يعتبر من الإجراءات الشكلية الأساسية التي تعقد منه الإدارة إلا إذا وقع التنصيص على ذلك في الصفقة"[10]. فإدارية مراكش في حكمها اعتبرت أن إجراء الإعذار للمتعاقد إجراء جوهري، يؤدي عدم احترامه إلى اعتبار الجزاء الذي اتخذته الإدارة في حق المتعاقد تعسفيا، وبالتالي قررت حق المتعاقد في التعويض.
فالإعذار الذي يجب أن توجهه الجماعة الترابية صاحبة المشروع للمتعاقدين يجب أن يتضمن تحديدا للاختلالات والتي تعتبرها موجبة لإيقاع الجزاء على المتعاقد معها، حتى يكون هذا الأخير على علم بجوانب القصور المنسوبة إليه.
ويستفاد من حيثيات الأحكام السابقة أن الضمانة المتعلقة بحق الإعذار والإعلام بالمخالفة ووجوب تداركها، حق مكفول للمتعاقد حتى ولو لم يتم النص عليه في العقد.
كما أن من ضمن الحقوق الأساسية التي سنها المشرع وأقرها القضاء الإداري انسجاما مع قواعد العدل والإنصاف نجد حق المتعاقد في مهلة لإصلاح الاختلالات المرصودة من طرف الجماعة الترابية والمضمنة في الإعذار. فالغاية من إلزام الجماعة الترابية صاحبة المشروع بتوجيه إعذار إلى المتعاقد معها قصد إعلامه بالإخلالات المنسوبة إليه، وبالجزاء المنوي اتخاده في مواجهته، هي محاولة لاستدراك هذه الإخلالات التعاقدية من جانب المتعاقد، وذلك بإصلاحها لضمان التنفيذ الجيد للصفقة وحسن انتظام المرفق العام المحلي.
وحتى يتمكن المتعاقد من إصلاح الأخطاء التعاقدية المنسوبة إليه، فإنه يجب أن يمنح له أجل لذلك.
وهكذا نصت الفقرة الأولى من المادة 70 من دفتر الشروط الإدارية العامة C.C.A.G على ضرورة توجيه إعذار إلى المقاول للامتثال لتعليمات صاحب المشروع يتضمن أجلا معينا، وهذا الأجل لا يمكن أن يقل عن 15 يوما
[11] يحسب من تاريخ تبليغ الإعذار، ماعدا حالة الاستعجال، حيث يكون للسلطة المختصة تقليص هذا الأجل.
ويلاحظ أن العمل القضائي يسير في اتجاه حماية المتعاقد، وذلك بمنحه الأجل اللازم لإصلاح الإخلالات، فالقاضي الإداري يسهر على استمرار تنفيذ الصفقة بقدر الإمكان، فالأخطاء المرتكبة من المتعاقد قد لا يكون مقصودة، وبالتالي تكون مصلحة المتعاقد قائمة بإعذاره لإصلاح هذه الأخطاء.
وعلى هذا الأساس قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء –في حكم سبقت الإشارة إليه- بما يلي: "إن المحكمة عاينت أن الإدارة لم تحترم مقتضيات الفصل 35... الذي يلزم الإدارة أن تمنح المقاول إعذارا لمدة عشرة أيام لكي يصلح الإخلالاتوالأعطاب التي تنسبها الإدارة له، وحيث أنه أمام إخلال الإدارة بالمسطرة المنصوص عليها... فإن المحكمة ترى أن الفسخ جاء مشوبا بالشطط في استعمال السلطة ومخالفا للقانون ليستحق معه المتعاقد تعويضا كاملا عن الأضرار الحاصلة له عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب"
[12].
في المقابل، يقوم القاضي الإداري برفض الطلب إذا تبين له أن الإدارة قد استوفت جميع الإجراءات المتطلبة في الإعذار، وهكذا قضت إدارية أكادير بأنه: "... على الإدارة أن تنذره - أي المتعاقد – بما تنوي اتخاده من إجراءات وأن تطالبه بالوفاء بالتزاماته وتعهداته داخل أجل شهر على الأقل حتى ولو لم يكن العقد ينص على أي أجل، وحيث تبت للمحكمة أن الإدارة المتعاقدة قامت بإنذار المدعية لمدة تفوق الشهر... ويكون قرار الفسخ قد صدر وفقا للقانون، مما يتعين معه التصريح برفض الطلب"
[13].
وهو نفس ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها بتاريخ 22 نونبر 2012 "حيث أسس  المدعي  الطعن على  وسيلة واحدة تتعلق بعدم ملائمة القرار الإداري المطعون فيه للظروف المالية الصعبة للشركة نتيجة رفض إمهالها للأداء. وحيث دفعت الجهة المدعى عليها  بكون الطلب لا يرتكز على أي أساسقانوني أو موضوعيلعدم أداء الشركة المدعية الأداءات المترتبة فيذمتها رغم إمهالها لمدة أزيد من خمسين يوما ومخالفتها للفصل 39من دفتر الشروط العامة بدليل عدم تنفيذ بنود عقد الاقتناء، وحيث إنإقرار الشركة المدعية بعدم وفائها لالتزاماتها التعاقدية رغم إنذارها يجعلها في حالة مطل   مبررةلفسخ العقد، لأن منح مهلة الميسرة للأداء تخضع للسلطة التقديرية للإدارة.وحيث تبعا لذلك يكون الطلب غير مؤسس وحليفه الرفض"
[14].
وما يمكن ملاحظته أن أجل 15 الذي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 70 هو أجل قصير نوعا ما عندما يتعلق الأمر بمشاريع ضخمة كالسدود والطرق السيارة والمطارات، فهذا الأجل لا يكفي المقاول للاستجابة لمطالب الإدارة، بالإضافة إلى أنه لا يسمح له بالإدلاء بملاحظاته ورده على مطالب الإدارة
[15].
وعموما، يكمن القول أن سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات في مواجهة المتعاقد معها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية، فالقاضي الإداري يوفر حماية مهمة لفائدة المتعاقد من خلال حرص القاضي على مراقبة احترام الإدارة للإجراءات الشكلية المتطلبة لتوقيع الجزاء، سواء من حيث حق المتعاقد في الإعلام بالجزاء أو الإخلالات المنسوبة إليه، وكذلك من حيث منحه مهلة لتدارك هذه الإختلالات، مع الاعتراف للمتعاقد بحق التعويض في حال مخالفة الإدارة لهذه الإجراءات الشكلية، واعتبار الجزاء ملغى.

المبحث الثاني: الرقابة على مضمون الجزاء:

إذا كان من حق الجماعة الترابية صاحبة المشروع أن تطبق الجزاءات المنصوص عليها في الصفقة وكذا في النصوص القانونية أو التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية دون اللجوء إلى القاضي، فإن من حق المتعاقد كذلك أن يلجأ إلى القضاء للطعن في قرار الجزاء كلما اعتبر أن هذا الإجراء يشكل تعديا على حقوقه، فهذا الحق هو من النظام العام، وأن أي شرط في العقد يهدف إلى استبعاده يعتبر باطلا.
[16]
وهكذا، يمارس القاضي الإداري رقابة المشروعية تنصب على أسباب الجزاء، ورقابة الملائمة على الجزاءات المطبقة على المتعاقد[17].
فسبب القرار الإداري هو مجموعة العناصر القانونية والواقعية التي تشكل أساس القرار الإداري
[18]، فالسبب هو واقعة موضوعية سابقة عن اتخاذ القرار، ومراقبة القاضي لأسباب قرار الجزاء يتطلب أن يكون القرار معللا[19] بشكل كاف، فتسبيب القرارات الإدارية في المحال العقدي ضروري لتمكين الأفراد من معرفة الأسس التي ارتكزت عليها الإدارة في مواجهتهم[20].
وتظهر أهمية التعليل بشكل كبير في مجال الصفقات العمومية، فالعقوبات الصادرة في حق المتعاقدين مع الإدارة يجب أن تكون مبنية على أسباب مشروعة، وقد عمل القضاء الإداري المغربي على تقرير هذا المبدأ من خلال العديد من الأحكام والقرارات الصادرة عنه. و هكذا جاء في حكم للمحكمة الإدارية بوجدة: "إن قاضي العقد يراقب سلامة الإجراءات الشكلية وكذا الأسباب المتعلقة باتخاذ الجزاءات، وأن فسخ العقد من طرف الإدارة يعطي الحق للمقاولة للمطالبة بقيمة الأشغال المنجزة وإرجاع الضمانة مادام لم يثبت بشكل قاطع وجود خطأ أو تقصير من طرفها"
[21].
فالقاضي الإداري في إطار مراقبته لمشروعية الجزاءات، يبحث في الوجود المادي للاخلالات والأخطاء التي تنسبها الإدارة للمتعاقد، فإذا ما ثبت له إنعدام الوقائع التي تدعيها الإدارة، أقر بعدم مشروعية القرار كما جاء في الحكم أعلاه، فالإدارة مطالبة بالاعتماد على وجود سبب حقيقي لإصدار الجزاء وإلا عرضت حكمها للإلغاء
[22].
ويلاحظ أن القاضي الإداري في إطار مراقبته لمشروعية الجزاءات، يعتمد على مقتضيات العقد المتوافق بشأنها، حيث يسهر على التأكد من تنفيذ طرفي العقد لإلتزاماتهم التعاقدية، فإذا ما تبين له أن الجزاء الذي أوقعته الإدارة بدعوى مخالفة المتعاقد معها لإلتزاماته التعاقدية غير صحيح ألغى الجزاء، ذلك أن الهدف من الجزاءات هو تنفيذ العقد بصورة سليمة لتحقيق سير المرفق العام دون مصادرة حقوق المتعاقد، وهذا ما يميز النظام القانوني للجزاء في العقد الإداري
[23]. وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار له بتاريخ 29/09/2004: "حيث أنه بالرجوع إلى قرار الإنذار الصادر من الإدارة صاحبة المشروع تبين أنه معلل بالتأخير في إنجاز الأشغال التي حددت مدتها في 18 شهرا، وحيث دفعت المقاولة بأن السبب في تأخير الأشغال يعود للإدارة التي لم تدلي بما يثبت تسليمها للمدعية المستأنف عليها التصاميم التقنية الحاملة لعبارة "صالحة للتنفيذ"، كل هذه الوقائع الثابثة في حق الإدارة تجعل المستأنف عليها في وضعية قانونية سليمة تجاه عقد الصفقة مما يجعل مسؤولية الإدارة في فسخ عقد الصفقة قائمة"[24]. فمن خلال هذا القرار نلاحظ أن الإدارة ارتكزت في توقيعها الجزاء الفسخ في مواجهة المتعاقد معها على أساس أنه تأخر في إنجاز الأشغال خلال المدة المحددة بالصفقة كما جاء في الإنذار الذي وجهته للمتعاقد، لكن الغرفة الإدارية بعد مراقبتها للوقائع تبين لها أن سبب التأخير يعود للإدارة التي أخلت بالتزاماتها التعاقدية، بحيث لم تسلم المقاول التصاميم التقنية الخاصة بالصفقة لبدء التنفيذ، وبالتالي خلصت الغرفة الإدارية إلى اعتبار جزاء الفسخ غير مشروع. وهو نفس الموقف الذي سارت عليه الغرفة الإدارية في قرار لها قضت فيه بأن: "فسخ الصفقة وفرض الغرامة الناتجة عن التأخير في إنجاز الأشغال لا تلجأ إلا بعد إثبات أن الإدارة قد أوفت بالتزاماتها المنصوص عليها في عقد الصفقة تجاه المقاول المتعاقد معها"[25].
يلاحظ من خلال هذه القرارات أن القاضي الإداري يمارس رقابة فعالة على الأسباب المعتمدة لاتخاذ الجزاء في حق المتعاقد، وذلك ضمانا لمشروعية هذه الأسباب، وبالتالي توفير الحماية الكافية للطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية وهو المتعاقد في مواجهة تعسفات الإدارة.
كما توجد إلى جانب رقابة القضاء الإداري على مشروعية أسباب الجزاء، رقابة على مدى ملاءمة الجزاء للمخالفة. فمراقبة القاضي الإداري لا تقتصر فقط على التأكد من الوجود المادي لأسباب الجزاء وتكييفها القانوني، وإنما تشمل هذه المراقبة أيضا مدى ملاءمة الجزاء مع خطورة الأفعال الصادرة عن المقاول
[26]. فسلطة الإدارة في توقيع الجزاءات ليست مطلقة، وإنما تقديرية تستهذف المصلحة العامة، وحينما تستعمل هذه السلطة فإن القضاء يحتفظ بحقه وسلطته في المراقبة من حيث المشروعية والملاءمة[27].
وهكذا، فإذا لاحظ القاضي الإداري أن الأعمال الصادرة عن المقاول لا تشكل خطورة كافية تبرر اتخاد الجزاء الصادر عن الإدارة، فإنه يمكن له أن يقرر عدم صحة الجزاء المتخذ من طرف الإدارة والذي يعتبر مبالغا فيه
[28]
وفي هذا الصدد، قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بما يلي: "إنه إذا كان الفقه والقضاء الإداريين قد استقرا على أن حق الإدارة في إنهاء عقودها... فإن ذلك رهين بوجود ظروف تستدعي هذا الإنهاء، وأن يكون رائد الإدارة في الإلتجاء إليه هو تحقيق المصلحة العامة... وحيث أن الإدارة حينما تستعمل هذه السلطة فإنها تستعملها تحت رقابة القضاء الإداري، وذلك لمراقبة الأسباب الحقيقية التي دفعت الإدارة إلى إنهاء العقد، وأنه في حالة فسخ العقد كجزاء لخطأ المتعاقد، للقضاء أن يبحث مدى ملاءمة الفسخ كعقوبة للخطأ المنسوب إلى المتعاقد.
وحيث أن عقوبة الفسخ التي لجأت إليها الإدارة كجزاء لسوء الصيانة وعدم احترام بنود العقد لا تتلاءم مع الأخطاء المنسوبة إلى المتعاقد معها... فإن المحكمة ترى أن الفسخ جاء مشوبا بالشطط في استعمال السلطة ومخالفا للقانون يستحق معه المتعاقد تعويضا كاملا عن الأضرار الحاصلة له عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب"
[29].
فرقابة القضاء الإداري لم تعد تقتصر على رقابة المشروعية، بل امتدت لتشمل الملاءمة يظهر ذلك من خلال حيثيات الحكم أعلاه، والذي رسخ مجموعة من المبادئ تهدف إلى تقييد السلطة التقديرية للإدارة في فرض الجزاءات على المتعاقد معها. فالمشرع وإن كان لم يقيد السلطة التقديرية للإدارة فإنه جعل من تحقيق المصلحة العامة سندا لاستعمال الإدارة لهذه السلطة وبالتالي فالإدارة تبقى مقيدة بتحقيق المصلحة العامة وخاضعة في ذلك لرقابة القضاء الإداري. وهكذا فإن الجزاءات التي تفرضها الإدارة على المتعاقد معها يجب أن تكون بهدف تحقيق الصالح العام المتمثل في تنفيذ الصفقة بشكل سليم وضمان حسن سير المرفق العام.
كما أن رقابة القضاء الإداري تمتد إلى مدى تناسب الجزاء مع جسامة الأخطاء المنسوبة للمتعاقد
[30]، فالقاضي الإداري لا يكتفي بالتأكد من الوجود المادي للوقائع، وإنما يعمل على تقييمها للتأكد من سلامة تكييفها. ويمكننا أن نورد كمثال ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها بتاريخ 2 ماي 2013 جاء فيه: "لئن كان ليس هناك ما يمنع قانونا الإدارة من مطالبة نائل الصفقة قضاء من المطالبة بغرامة التأخير رغم اندراجها ضمن صلاحياتها بصفتها سلطة عامة تباشرها تلقائيا بمعاينة التأخير في إنجاز عقد الصفقة، فإن نسبة مسؤولية التأخير يجعل الطلب غير مؤسس وحليفه رفضه"[31]. فمن خلال هذا الحكم ارتأت إدارية الرباط بأن نسبة التأخير لا ترقى لأن تكون موضوع غرامة تأخير.

             
              لائحة المراجع


  • الزياتي محمد، القاضي الاداري و الصفقات العمومية بالمغرب منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 78-79، يناير- أبريل 2008.ص.12.
  • الأعرج محمد، نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية وفق قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسة مؤلفات وأعمال جامعية، عدد 88، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2011.
  • حميدي حماد، "الجزاءات المطبقة في ميدان الصفقات العمومية"، المجلةالمغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 14-15، يناير-يونيو، 1996.
  • قصري محمد، القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية، مجلة البحوث، العدد 9، 2009.
  • بلمليح منية، "دور القاضي الإداري في مراقبة المشروعية في المجال العقدي"، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة دراسات، عدد 83، 2008.
  • بوزرزايت ادريس، "أسس ونطاق الرقابة القضائية على الجزاءات الإدارية بواسطة دعوى الإلغاء"، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 3-4، 2005.
  • جردان ادريس، "الجزاءات في العقود الإدارية بين امتياز السلطة العامة و اختصاص القضاء"، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 3-4، 2005.
  • قصري محمد في مقاله "الآثار القانونية المترتبة عن فسخ عقد الصفقة في مواجهة الإدارة والمقاولة"، المقاولة"، مجلة المعيار، عدد 34، 2005.
الهوامش

[1] - الزياتي محمد، القاضي الاداري و الصفقات العمومية بالمغرب منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 78-79، يناير- أبريل 2008.ص.12.
[2] - الأعرجمحمد، نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية وفق قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسة مؤلفات وأعمال جامعية، عدد 88، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2011.، ص.76.
[3] - حميدي حماد، "الجزاءات المطبقة في ميدان الصفقات العمومية"، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد مزدوج 14-15، يناير-يونيو، 1996، ص.21.
[4] - حميدي حماد، المرجع السابق، ص.27.
[5] - حميدي حماد، المرجع السابق، ص.27-28.
[6] - قصري محمد، القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية، مجلة البحوث، العدد 9، 2009 ص.53.
[7] - المادة 35 من المرسوم الملكي المؤرخ في 19 أكتوبر 1965 بشأن كناش الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال لوزارة الأشغال العمومية، و التي حلت محلها المادة 70 من مرسوم 04 ماي 2000 بمثابة دفتر الشروط الإدارية العامة.
[8] - حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 243، بتاريخ 23/02/1996، أورده قصري محمد في مقاله "القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية"، مرجع سابق، ص.53.
[9] - حكم المحكمة الإدارية بوجدة، عدد 31، بتاريخ 02/10/1996، أورده قصري محمد في مقاله "القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية"، مرجع سابق، ص.53
[10] - حكم المحكمة الإدارية بمراكش، عدد 261، بتاريخ 28/11/2001، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 43، 2002، ص.179.
[11] - كان الأجل المحدد بموجب المادة 35 من كناش الشروط الإدارية العامة المؤرخ في 19/10/1965 هو 10 أيام.
[12] - حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 243، بتاريخ 23/02/1996، أورده قصري محمد في مقاله "القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية"، مرجع سابق، ص.53-54.
[13] - حكم المحكمة الإدارية بأكادير، بتاريخ 04/01/1996، منشور بمجلة المحاكم الإدارية، عدد  1،ص.855.
[14] - حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 4294، بتاريخ 22 نونبر 2012،منشور بمجلة العلوم القانونية على الموقع www.marocdroit.com
[15] - حميدي حماد، "الجزاءات المطبقة في ميدان الصفقات العمومية"، مرجع سابق، ص.30.
[16] - حميدي حماد، "الجزاءات المطبقة في ميدان الصفقات العمومية"، مرجع سابق، ص.42.
[17] - حميدي حماد، المرجع السابق، ص.42.
[18] - حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 2009/05/405، بتاريخ21 مارس 2013، منشور في مجلة العلوم القانونية على الموقع www.marocdroit.com
[19] - تحدد المادة 2 من القانون 01-03، المتعلق بإلزام الإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية، القرارات الخاضعة لإلزامية التعليل.
[20] - بلمليح منية،"دور القاضي الإداري في مراقبة المشروعية في المجال العقدي"، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة دراسات، عدد 83، 2008، ص.14.
[21] - حكم المحكمة الإدارية بوجدة، عدد 37، بتاريخ 02/08/1998، أورده قصري محمد في مقاله "الآثار القانونية المترتبة عن فسخ الصفقة في مواجهة الإدارة و المقاولة"، مجلة العيار، عدد 34،2005، ص.62.
[22] - بوزرزايت ادريس، "أسس و نطاق الرقابة القضائية على الجزاءات الإدارية بواسطة دعوى الإلغاء"، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 3-4، 2005، ص.78.
[23] - جردان ادريس، "الجزاءات في العقود الإدارية بين امتياز السلطة العامة و اختصاص القضاء"، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 3-4، 2005، ص.58.
[24] - قرار الغرفة الإدارية، عدد 923، بتاريخ 29/09/2004، أورده قصري محمد في مقاله "الآثار القانونية المترتبة عن فسخ عقد الصفقة في مواجهة الإدارة والمقاولة"،المقاولة"، مجلة المعيار، عدد 34، 2005، ص.23.
[25] - قرار الغرفة الإدارية، عدد 50، بتاريخ 28/01/1999، أورده قصري محمد في مقاله " الآثار القانونية المترتبة عن فسخ الصفقة"، مرجع سابق، ص.65.
[26] - حميدي حماد، "الجزاءات المطبقة في ميدان الصفقات العمومية"، مرجع سابق، ص.43.
[27] - جردان ادريس، مرجع سابق، ص.60.
[28] - حميدي حماد، المرجع السابق، ص.43.
[29] - حكم المحكمة الإدارية  بالدار البيضاء، عدد 243، بتاريخ 23/09/1996، منشور بالدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، الجزء الثاني، ص.414.
[30] - و هو ما يمكن ملاحظته من خلال حيثيات الحكم أعلاه ( حكم إدارية البيضاء).
[31] - حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 2008/1047، بتاريخ 02 ماي 2013، منشور في مجلة العلوم القانونية على الموقع www.marocdroit.com.



الاثنين 28 أكتوبر 2013

تعليق جديد
Twitter