MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الإعلاميون الجدد بقلم ذ خالد خالص المحامي بهيئة الرباط

     



الإعلاميون الجدد بقلم ذ خالد  خالص المحامي بهيئة الرباط
سبق ان اوضحنا على هذا العمود بان وسائل الإعلام، هي المرآة الحقيقية التي تعكس وضعية المجتمع من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية. ولا أحد ينكر الدور الهام الذي يلعبه الإعلام، المرئي والمسموع والمكتوب (...)، في تنوير الرأي العام، و بث الوعية، وتدعيم الثقافة وتكريس الحياة الديمقراطية، وفضح التجاوزات وغرس المواطنة و نقل الرأي و الرأي الآخر.

وأمام جسامة مسؤولية الصحفيين في التصدي لخرق الحقوق والحريات، فقد أدى منهم الكثير الثمن غاليا نظرا لما تعرضوا له من مضايقات و عمليات اختطاف واغتيالات واعتقالات ومحاكمات عبر العالم، الى درجة أصبح الإعلام معها سلطة حقيقية إلى جانب السلط الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية، نظرا للدور الذي يقوم به، ولما له من تأثير مباشر على الرأي العام.

وللإعلام ايضا دور خطير في تشكيل وجدان المواطنين، و في إعطاء الأخبار أهميتها أو تهميشها أو تمييع أهدافها. وإذا كان الكل قد نادى منذ فجر الاستقلال في المغرب، بحذف الرقابة الرسمية على وسائل الإعلام، فإن الاغلبية الساحقة لرجال الإعلام، كانت توظف الرقابة الذاتية لكي لا تزرع البلبلة داخل المجتمع، أو تؤثر سلبا على الذوق العام.

وحينما نتحدث عن هذا الإعلام، فإننا نتحدث عن الإعلام الحقيقي والمسؤول الذي نقدره ونحترمه ونتطلع من خلاله للأخبار الجدية التي يأتينا بها و التحاليل الموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... التي يمتعنا بها.

إلا أن ما أصبحنا نعيشه، وما يفرض علينا التعايش معه اليوم رغم انوفنا، مع بعض "الإعلاميين" الجدد، أولائك البراكن الموقدة للفوضى والبلبلة، صار أمر يرهبنا ويجعلنا نخشى على أبنائنا وعلى بلدنا.

فأشباه الاعلاميين أو ما يطلق عليهم اليوتوبورز، أصحاب الحسابات والصفحات الخاصة على اليوتوب وغيرها، الى جانب بعض القنوات التلفزية الرقمية، الباحثين عن الهاشطاك والكسب السهل، أصبحوا يستقطبون حتى داخل "النخب" المغلوبة على أمرها، ويعملون صباح مساء على إفساد التربية والذوق العام ويسيؤون لصورة المغرب في الداخل والخارج الى درجة صار مناخ الرداءة هو الذي يغطي معاشنا اليومي، بسبب نقل الأخبار الزائفة أو السيئة وبسبب نقل الخصومات والصراعات التافهة بين هذا وذاك والتطبيل لهذا وذاك، مما سيجعل المجتمع المغربي برمته دافع للفاتورة إن عاجلا ام آجلا.

و أعتقد بأننا سننجح لا محالة، بسب هؤلاء الإعلاميين الجدد في تكريس ثقافة الكراهية داخل الاوساط المغربية، تلك الثقافة التي تساعد على نشرها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي حولناها في المغرب الى وسائل للتنافر الاجتماعي، لننتهي بهلاك علاقاتنا الاجتماعية العادية الطيبة وفقدان المصداقية والثقة والإنسانية مستقبلا فيما بيننا.

واذا كنا جميعا نلاحظ بان الكل في هذا البلد، أصبح اعلاميا وله منبر او عدة منابر خاصة به، وهو أمر محمود لانه يساعد على تبادل الراي والمعلومة، ويكرس حرية التعبير، إلا أن الخطير هو ان تصير هذه المنابر قاطرة للتفاهة والأخطر هو أن تجد بأن بعض هذه المنابر المهوسة بالطاندانس والتي لا تفرق بين حرية التعبير وحرية التشهير صارت تدعم في المغرب من المال العام ومن جيوب دافعي الضرائب، ناهيك على ما يتلقاه اصحابها وأصحاب الحسابات الخاصة من أموال طائلة عن النقرات، من قبل شركة يوتيوب، ومن موارد الاشهارات وغيرها، دون أن تلتفت نحوهم لا الهيئة العليا للسمعي البصري، ولا النقابة الوطنية للصحافة ولا الوزارات المعنية ..ولا مديرية الضرائب بل ولا حتى النيابة العامة التي لم تعد تهتم بالامر إلا مؤخرا بخصوص الصحف الرقمية غير المرخص لها وبخصوص الاشرطة التي تتضمن سبا وقذفا اتجاه المؤسسات العليا للدولة او إذا كان الأمر يتعلق بالابتزاز.

ولابد من إثارة انتباه هؤلاء المتربصين بالمواطنين، الذين يتجولون صباح مساء بكاميرات متنقلة لرصد الفضائح ونشر القاذورات، بانهم بصدد قتل القيم وقتل الثقة والأمل والفرح داخل المجتمع المغربي، واستبدالها بالنفور والإحباط والتعاسة الى جانب إشعال الفتن وتشتيت الاسر والعائلات والتسبب في الانتحارات دون الحديث عن افساد التربية والذوق العام من خلال نشر الاشعاعة والكذب والرداءة والفضائح والتشهير وهو ما ينبأ بهلاك مناخ التعايش الذي من المفروض أن يسود داخل أي مجتمع..

والمزعج هو أن المعظلة لم تعد استتناء، بل صارت قاعدة، تتسابق نحوها بعض منابر "الاعلاميين" الجدد وملايين الرقميين الأخرين الى درجة صار الوضع كبحر هائج تتلاطم بنا أمواجه العاتية ولا ندري كم من الزمن سيدوم هذا الهيجان قبل أن يهدا وكم سيدوم هذا التخذير قبل ان نستفيق من "نشوته"، جهات رسمية ومدنية وإعلامية مسؤولة وطبقة مثقفة واعية" لننتفض بحق ضد هذا الاجتياح العارم لنرجع الامور الى نصابها ولنهدف من جديد الى وئام وطني حقيقي لأن المياه تتسرب للسفينة من جميع الجوانب بسبب سوء استعمال العالم الرقمي من قبل الكثير من المتهورين كما سبق أن أكدنا ذلك في العديد من المناسبات.
الاثنين 20 يناير 2020




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter