MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





الإشارات الكبرى للخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان

     

د. مريم بوطاهر
باحثة في القانون العام
جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء



في سياق دقيق تطبعه جائحة كورونا بطابع الأزمة  يأتي الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة ليضع المؤسسة التشريعية أمام التحديات
المصيرية التي  يفرضها السياق الراهن  .


إن الخطاب الملكي كان خطابا تشخيصيا لواقع الأزمة التي يعيشها المغرب والتحديات والإنعكاسات الصحية والإقتصادية والنفسية التي تسائل أعضاء البرلمان والحكومة على حد سواء ، هذه الأزمة الصحية التي  أبات من جديد عن ضعف البرلمان في إيجاد حلول ناجعة للحد من آثارها السلبية كما كشفت عن ارتجالية قرارات الحكومة وتناقض مواقفها .

ما يكمن ملاجظته أيضا  أن هذا الخطاب جاء استمرارية لخطاب العرش الأخير ، فجملة التدابير التي وردت فيه جاءت استكمالا للتدابير والقرارات المعلن عنها في خطاب عيد العرش .

وعليه ، حمل الخطاب الملكي مجموعة من الإشارات يمكن اختزالها في ثلاث نقاط :

الإشارة الأولى : الخطاب موجه لكل الفاعلين وليس البرلمانيين فقط

، فهو دعوة للجميع لبذل المزيد من الجهود لمواجهة الاختلالات التي كشف عنها الوباء على عدة مستويات ، هومشروع كبير يأتي بأهداف واضحة و بأرقام وأجال محددة ،ولعل  جملة الإجراءات الإقتصادية والإجتماعية التي تضمنها يمكن أن تشكل برنامج عمل حكومي يمتد  لخمس سنوات مقبلة ،وأن كسب الرهانات لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال تكاثف الجهود ، وبلورة عقد وطني بين شركاء اقتصاديين واجتماعيين وإحداث تغيير حقيقي في العقليات وفي أداء المؤسسة العمومية،  مع استحضار مبادئ الحكامة وخاصة على مستوى ربط المسؤولية بالمحاسبة . وهذا يعني أن التوجه الإصلاحي يقتضي اعتماد مقاربة تشاركية  بين الدولة ومختلف الفاعلين من برلمان وحكومة وأحزاب ومقاولات وخبراء وذلك في إطار من التشاور والمشاركة الخلاقة من أجل تنزيله لفائدة المواطن  . فالتحديات التي تمر منها البلاد تفرض تعبئة كل هؤلاء المتدخلين وانخراطهم إلى جانب عموم المواطنين لمحاصرة الأزمة بكل تأثيراتها السلبية ، مشددا جلالته على "ضرورة
تجاوز طرق  التفكير التقليدية ، ونهج استراتجيات استباقية ومبتكرة ، وهي مفتاح استمراريتنا ، ونجاحنا ، والطريق لتحقيق الرفاه ورغد العيش لكل المغاربة ".


الإشارة الثانية : الخطاب يتجاوز مسألة السياسات العمومية إلى مسألة السياسات العامة :بمعنى الملفات الكبرى التي يجب التركيز عليها حاليا ، وهو ما أكد عليه بقوله " لذا أطلقنا خطة طموحة  لإنعاش الاقتصاد ، ومشروعا كبيرا لتعميم التغطية الإجتماعية ، وأكدنا على اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة ، وإصلاح مؤسسات القطاع العام ". وأضاف  " من شأن هذه المشاريع الكبرى أن تساهم في تجاوز آثار الأزمة ، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي الذي نتطلع إليه، وإننا نضع خطة إنعاش الاقتصاد في مقدمات أسبقيات هذه المرحلة ".

إن قراءة متأنية للخطاب الملكي توضح الحس الاستباقي لتأثيرات الجائحة على النظام بصفة عامة ،  وباعتبار الملك هو الضامن الأول للسلم الإجتماعي وللاستقرار السياسي ، يحرص جلالته  دائما على أن يكون للتطور الاقتصادي تأثير مباشر في تحسين ظروف عيش المواطن وعلى تحقيق العدالة الإجتماعية. فالخطاب قدم جملة من الضمانات للنهوض بالاقتصاد كأولى أولويات المرحلة ، هذا الإصلاح يأتي مسنودا بإحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي ، أطلق عليه اسم " صندوق محمد السادس للاستثمار "  سيسخر لتعزيز الإقتصاد ومواكبة المشاريع الكبرى ، يوازيها في المقابل جملة من التدابير للنهوض بالمجال الإجتماعي باعتباره أساس الكرامة الإنسانية ووسيلة لحماية الفئات المتضررة خلال فترة التقلبات والأزمات الإقتصادية  كالتي يشهدها العالم والمغرب حاليا ، وتتمثل محاور هذا الإصلاح الإجتماعي في أربع مرتكزات : تعميم التغطية الصحية الإجبارية ، تعميم التعويضات العائلية ، توسيع الإنخراط في نظام التقاعد ، تعميم الإستفادة من التأمين على التعويض عن فقدان الشغل .

الإشارة الثالثة : الخطاب دعوة إلى اليقظة والحذر، بلغة واضحة ومباشرة يؤكد الملك محمد السادس على الوضع الصعب الذي أفرزته الجائحة ويحرص على التنبيه على أن الأزمة لم تنته  بعد      
وأن المرحلة تستدعي اليقظة والحذر والإلتزام ، وإلى المسؤوليات المرتبطة بالظرفية الراهنة ، لاسيما مواحهة التداعيات الناجمة عن الجائحة . فمضامين الخطاب تبرز أن هناك وعيا ملكيا جديا
بما خلفته الأزمة الصحية من آثار سلبية على جميع  مناحي الحياة سياسيا اقتصاديا واجتماعيا ...


الخطاب أيضا، دق ناقوس التعبئة العامة للنهوض بالاقتصاد وبالمجال الاجتماعي في ظل الأزمة الصحية ل "كوفيد 19"، فهو  إشارة قوية إلى أن الظرف صعب يتطلب تعبئة جماعية كما يتطلب ضرورة الانشغال على الأوراش الكبرى وأن كل المجهودات المستقبلية  يجب أن تنصب على إنعاش الإقتصاد وإصلاح القطاع العمومي  والحماية الإجتماعية وأن  تراعي في نفس الوقت الصحة العامة للمواطن .

ليختم جلالته هذا الخطاب بروح تفاؤلية  معربا عن ثقته في قدرة المغاربة على تجاوز هذه الأزمة وعلى رفع هذا التحدي في إطار الوحدة الوطنية والتضامن الإجتماعي .
يمكن القول ، أن جدلية السياسي والإقتصادي كانت واضحة في الخطاب الملكي، وهذا يعكس الرؤية الملكية المتكاملة ، ويحمل إجابات عملية لمواجهة التداعيات الصحية والإقتصادية والإجتماعية لهذه الأزمة تقوم على التلازم بين تحقيق النمو الاقتصادي ودعم  المجال الاجتماعي مع الحرص على اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة  وإصلاح القطاع العمومي.
 
 
 
 
 
 



الخميس 22 أكتوبر 2020

تعليق جديد
Twitter