MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




وزارة العدل و الحريات تعمم بتاريخ 21 مارس 2013 وثيقة مرجعية حول تدبير الاعتقال الاحتياطي تحت عنوان إشكالية الاعتقال الاحتياطي الواقع و آفاق الحل ‎

     



إشكالية الاعتقال الاحتياطي الواقع و آفاق الحل

وزارة العدل و الحريات تعمم بتاريخ 21 مارس 2013  وثيقة مرجعية حول تدبير الاعتقال الاحتياطي تحت عنوان إشكالية الاعتقال الاحتياطي الواقع و آفاق الحل ‎

 
أولا) ما هو الاعتقال الاحتياطي ؟

1)   يقصد بالاعتقال الاحتياطي في معناه الواسع فترة الاعتقال التي يقضيها المتهم على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة منسوبة إليه أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به؛
يتم الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي بقرار للنيابة العامة )وكيل الملك أو الوكيل العام للملك(في حالة الإحالة المباشرة على المحكمة، أو من طرف قاضي التحقيق.
لم يحدد القانون أجلا للاعتقال الاحتياطي خلال مرحلة المحاكمة على خلاف فترة التحقيق التي حددت فيها مدة الاعتقال الاحتياطي في ثلاثة أشهر كحد أقصى في الجنح و سنة كحد أقصى في الجنايات؛
يعد الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا لا يتم اللجوء إليه إلا بصفة استثنائية وبشروط خاصة(المادة159)

2)   إن المشرع المغربي حدد أربعة مداخل للاعتقال الاحتياطي وهي:
المدخل الأول: المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية أعطت لوكيل الملك في غير حالة التلبس بجنحة أن يصدر أمرا بالإيداع في السجن في حق المشتبه فيه الذي اعترف بالأفعال المكونة لجريمة يعاقب عليها القانون بالحبس أو ظهرت معالم أو أدلة قوية على ارتكابه لها والذي لا تتوفر فيه ضمانات الحضور أو ظهر أنه خطير على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال.
 المدخل الثاني : المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية التي أعطت الحق لوكيل الملك بأن يصدر أمرا بإيداع المتهم السجن إذا تعلق الأمر بالتلبس بجنحة معاقب عليها بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور.
المدخل الثالث: المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية التي أعطت الحق للوكيل العام للملك إذا ظهر له أن القضية جاهزة للحكم إصدار أمر بوضع المتهم رهن الاعتقال وإحالته على غرفة الجنايات داخل أجل 15 يوما على الأكثر.
 المدخل الرابع: المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية التي أعطت لقاضي التحقيق إمكانية اعتقال المتهم احتياطيا إذا تطلبت ذلك ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام.

3)   تختلف نسب الاعتقال الاحتياطي في العالم حسب ثلاث مستويات:
المستوى الأول منخفض بحيث لا تتجاوز فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين 20 % ونجد في هذه الخانة اليابان 11% و روسيا 15.2 % و اسبانيا 15.7 % و البحرين 16% وألمانيا 16.5 % و البرتغال 19.7%.
المستوى الثاني متوسط بحيث تتراوح فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين بين 20 % و 40 % و نجد في هذه الخانة الولايات المتحدة الأمريكية 21.5%وماليزيا 22.4% وفرنسا 25.4% وإيران 25.7 % و البرازيل 36.9 % وكندا 37%.
المستوى الثالث مرتفع بحيث تتراوح فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين بين 40% و60 % و نجد في هذه الخانة إيطاليا 40.2% و هولندا 40.6 % و السنغال41 % والأردن 47.2% و تونس 50 % والأرجنتين 52.6%.
المستوى الرابع جد مرتفع بحيث تتجاوز فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين 60 % ونجد في هذه الخانة الأورغواي 64.6%والهند 65.1% وفنزويلا 66 %.
إن اختلاف النسب المذكورة تعود إلى عدة أسباب منها النظام القضائي الذي لا يأخذ بمؤسسة قضاء التحقيق في بعض الدول ، ومستوى النجاعة القضائية الذي يؤثر على عمر ملفات المعتقلين الاحتياطيين فضلا عن ترشيد قرار الاعتقال و غيرها.  
وبالنسبة للمغرب نجده يتمركز في خانة المستوى المرتفع بحيث بلغت خلال نهاية شهر دجنبر من سنة 2011  نسبة الاعتقال الاحتياطي 42.37% بينما بلغت في نهاية سنة 2012 ما قدره 43%؛ ويرجع ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي في بعض المحاكم إلى نوعية القضايا المعروضة عليها، فلو أخذنا على سبيل المثال المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء لوجدنا أن جرائم المخدرات والسرقات والشيكات خلال الفترة الممتدة من 01/01/2012 إلى غاية 13/12/2012 احتكرت نسبة 86.36% من مجموع المعتقلين الاحتياطيين اعتبارا لكون هذا النوع من الجرائم يصعب متابعة مرتكبيها في حالة سراح نظرا لخطورتها.

  ثانيا) أسباب ارتفاع نسبة الإعتقال الاحتياطي:

إن الأسباب الكامنة وراء تنامي ظاهرة الاعتقال الاحتياطي عديدة بحيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع منها أسباب قانونية مسطرية وأسباب موضوعية وأخرى اجتماعية؛
الأسباب القانونية المسطرية: 
1- إن المشرع رغم حصره لمداخل الاعتقال الاحتياطي إلا أنه استعمل مصطلحات فضفاضة بحيث يتسع مفهومها لدرجة لا تجد معها النيابة العامة وقضاء التحقيق أي عناء في تبرير لجوئهما إليه وفق ما تقتضيه العبارات التي تمت بها صياغة النص مما يؤدي إلى تضخيم نسبة الاعتقال الاحتياطي.

2- إن التحقيق في الجنح يؤدي إلى إطالة مدة الاعتقال الاحتياطي قبل المحاكمة، و إن التجربة أثبتت عدم جدواه في العديد من القضايا حيث يقتصر دوره فقط على إعادة صياغة ما سبق عرضه عند البحث التمهيدي ؛

3- إن الأخذ بإلزامية  التحقيق في بعض الجنايات واعتماده اختياريا في باقي الجنايات رغم وجود غرفتين للبت فيها واحدة ابتدائية وأخرى استئنافية يطيل أمد البت في هذه القضايا؛

4- إن الإحالة المباشرة من طرف الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات قيدتها المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال؛

5- ضعف النجاعة القضائية المتجسد في البطء في تصريف ملفات المعتقلين وتأخر البت فيها يؤدي حتما إلى ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي؛

6- إن عدم تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الدعوى العمومية وبدائل الاعتقال الاحتياطي وبدائل العقوبات السالبة للحرية ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي.

7- إن عدم ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة يؤدي إلى  إطالة مسطرة المحاكمة، ويساهم في ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين.

الأسباب القانونية الموضوعية:

بالإضافة إلى الأسباب القانونية المسطرية نجد الأسباب القانونية الموضوعية والتي يمكن حصرها في أمرين أساسيين :
الأول يكمن في عدم ملاءمة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لمفهوم  السياسية الجنائية الحالية مثل ذلك جرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك والتي تشكل نسبة هامة من حالات الاعتقال الاحتياطي؛
الثاني يهم بعض الجرائم ذات العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة والتي لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها.
الأسباب الاجتماعية:
إن الأسباب الاجتماعية تساهم في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بشكل مهم؛ حيث نجد المجتمع المغربي يرى أن لا عدالة بدون اعتقال فوري، الشيء الذي يشكل ضغطا معنويا على النيابة العامة وقضاة التحقيق في اللجوء إلى الاعتقال؛ كما أن ضعف التخليق داخل منظومة العدالة يدفع قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق إلى استخدام الاعتقال الاحتياطي كوسيلة لإبعاد الشبهات عنهم.

ثالثا) كيفية معالجة ظاهرة ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي:

إن المستوى المرتفع من الاعتقال الاحتياطي دفع وزارة العدل و الحريات إلى إصدار ما يقارب أحد عشر منشورا في هذا الموضوع بهدف التقليص من نسبته، لكن يبدو أن الغاية المنشودة منها لم تتحقق؛ الشيء الذي يدفعنا إلى إعادة قراءة الأسباب المبينة أعلاه التي تساهم بشكل مباشر في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بغية وضع جملة من الأفكار و التصورات التي من شأنها إيجاد حلول ناجعة لمعالجة هذه الظاهرة من بينها:

1-    حصر الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى الاعتقال الاحتياطي من خلال ضبط مداخله القانونية و تدقيق مصطلحاتها؛

2-   حذف التحقيق في الجنح لما يتسبب فيه من إطالة فترة الاعتقال الاحتياطي دون جدوى؛

3-               مراجعة الموقف من إلزامية  التحقيق في بعض الجنايات مادامت المحاكمة أضحت تمر عبر غرفتين ابتدائية وأخرى استئنافية؛

4-   معالجة أو حذف المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية حتى لا يبقى الوكيل العام للملك مقيدا بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال عند إحالته على غرفة الجنايات.

5-    تحديد آجال للبت في قضايا المعتقلين بالنسبة للمحكمة لتفادي البطء في تصريف ملفاتهم وتأخر البت فيها.

6-   إخضاع قرارات الاعتقال الاحتياطي التي تصدرها النيابة العامة للطعن أمام هيئة قضائية (غرفة الحريات)؛

7-   تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الاعتقال وبدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل الدعوى العمومية؛

8-   ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة في قضايا المعتقلين الاحتياطيين.

9-   مراجعة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لتساير مفهوم  السياسية الجنائية الحالية خاصة فيما يتعلق بجرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك...

10-          مراجعة العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة نظرا لكونها لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها.

11-          نشر الوعي القانوني لدى المواطنين لتغيير نظرتهم للاعتقال الاحتياطي   تخفيفا للضغط على القضاء بسبب عدمالاعتقال؛

12-          تخليق منظومة العدالة بشكل يزرع الاطمئنان لدى قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق في قراراتهم التي يتخذونها من دون اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي.

إن معالجة إشكالية الاعتقال الاحتياطي و إن كانت بالضرورة من أولويات وزارة العدل والحريات فإنه أضحى على المجتمع المدني و من ضمنه الجمعيات التي تهتم بهذا المجال أن تساهم برأيها في ذلك من خلال ورش الحوار الوطني المفتوح من أجل الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة؛ والذي جعل موضوع ترشيد الاعتقال الاحتياطي من بين أهم المواضيع التي اشتغل عليها، حيث طرحت ندوة تحديث السياسة الجنائية بفاس  يومي 9و10 نونبر 2012 ونظيرتها بمراكش يومي 23و24 نونبر 2012 على طاولة الحوار إشكالية ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي والسبل القانونية الكفيلة بالتقليص منها؛ و سيظل الموضوع مفتوحا لمزيد من النقاش و بلورة الحلول في أفق سياسة جنائية راشدة.



الجمعة 22 مارس 2013
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter