حاول المشرع المغربي من خلال مقتضيات فصول ق ل ع1، العمل على تحديد دائرة الأحداث التي يمكن وصفها بالقوة القاهرة والتي تحول دون تحميل المدين المسؤولية إذا ما تمسك بها عند مطالبته بتنفيذ مقتضيات العقد، كما أن الفقه2 بدوره اهتم بتنظيم مختلف الجوانب المحددة للقوة القاهرة وما يميزها عن الحالات الأخرى، وقد أسسوا موقفهم على اعتبار أن هذه الأخيرة ترتبط بالظواهر الطبيعية ( كالزلازل والجفاف والفيضانات )بالإضافة إلى أحداث أخرى خارجة عن محيط الإنسان ( كالحرب أو عمل مسلح ) ، هذا التوجه الذي سار عليه الفقه والتشريع المغربي، يتوافق مع ما استقرت عليه بعض التشريعات العربية كالقانون المدني المصري والسوري 3، وبالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي، نجد أن المشرع عندما تطرق إلى بعض الأحداث التي وصفها بالقوة القاهرة، لم يأتي على ذكرها بالتحديد، وإنما جاءت على سبيل المثال، بل سعى جاهدا إلى وضع بعض الضوابط التي تمكن من تحديد حالة القوة القاهرة ،[i]غير أن إعمال هذه المحددات والتي تتمثل في (عدم التوقع واستحالة الدفع وانتفاء الخطاء من جانب المسؤول )وان كانت تسعف القاضي في التمييز ما بين الفعل الذي يدخل في مجال القوة القاهرة وما بين الفعل الذي تنتفي عنه هذه الصفة ،إلا أن هذه المحددات تبقى ثابتة، بالمقابل يعرف العالم الكثير من المتغيرات أثرت بشكل كبير على حياة الإنسان وأضحت محط تهديد، ويدخل في هذا الباب الأوبئة والأمراض الفتاكة ،والتي تشكل عائقا ماديا أمامه وتحوله دون تنفيذ التزاماته على ضوء العلاقات التعاقدية التي يكون طرفا فيها، والذي ليس بوسعه دفع أو التنبؤ بتلك المخاطر ،وفي نفس المنحى، يعد وباء كوفيد 19 المعروف بكورونا واحدا من تلك الأخطار، حيث حال مجموعة من الأشخاص المدينين دون تنفيذ التزاماتهم اتجاه دائنيهم ،الشيء الذي جعلهم في حالة تماطل وهو ما سيحملهم تبعات قانونية ،بيد أن جل هذه الحالات، يتمسك الدائنين بكون أن هذه الجائحة هي السبب المباشر في حصول هذا الوضع ، ومن هذا المنطلق هل يسعف التشريع والقضاء المغربيان في إيجاد صيغ مقبولة لإنصاف الطرف الضعيف؟؟ وهل سيعتبر القضاء المغربي جائحة كوفيد 19 ضمن مجالات القوة القاهرة وما سيترتب عنها الآثار القانونية ؟؟ إن الإحاطة بالموضوع يتطلب منا ، الوقوف على مختلف الوسائل التي اعتمدتها الادراة في علاقتها بالمقاولات نائلي الصفقة بخصوص التأخر في تنفيذ العقود المبرمة معها، ومدى أخدها بمبداء القوة القاهرة وهو ما سنتطرق إليه في المحور الأول . على أن نتناول في المحور الثاني مدى اعتبار القضاء المغربي جائحة كوفيد 19 كقوة قاهرة.
المحور الأول : مدى اعتبار كوفيد 19 قوة قاهرة في نظر الإدارة
بالرجوع إلى مقاضيات الفصل 230 من ق ل ع والذي ينص على أن " الالتزامات التعاقدية المنشاءة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولا يجوز إلغائها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون" هذه القاعدة تنسجم كليتا مع القاعدة الفقهية " العقد شريعة المتعاقدين " حيث تنهض هذه القاعدة على مسوغات أولهما مبداء سلطان الإرادة، أي أن المتعاقدين داخل مؤسسة العقد لهم مطلق الحرية في إنشاء التصرفات وفق ما تشتهي إرادتهم الحرة ،-- وان كانت هذه القاعدة عرفت تحولات كبرى لا يسع المجال للتفصيل فيها -- ،أما بالنسبة للمسوغ الثاني، فيتجلى في أن الأطراف يجب عليهم تنفيذ العقد بحسن نية، بالالتزام بقواعد النزاهة والشفافية دون غش أو تدليس، غير أن هذه الأسس قد لا تحترم أثناء تنفيذ العقد بسبب عوامل تفوق قدرت احد أطراف العقد، وهو ما يجعله محط مسؤولية بالنظر للقوة الملزمة للعقد ، خصوصا إذا كان هذا الأخير مرتبط بأجل محدد، ( عقود الصفقات العمومية المتعلقة بأشغال التجهيز مثلا، فجل المقاولين نائلي الصفقة وفي ظل ظروف الحال وما يعرفه العالم من تفشي وباء كوفيد 19 ،دفع بالسلطات المختصة في مجموعة من الدول إلى فرض حالة الطوارئ الصحية ،الشيء الذي جعل مجموعة من المقاولات مضطرة إلى التوقف عن الأشغال تنفيذا لتلك التدابير، والمغرب بدوره سار على هذا المنوال، مما نتج عن ذلك تعطل الأشغال في كثير من المقاولات وهو ما سيحمل المقاولة تبعات هذا التعطل استنادا إلى الأجل المحدد في العقد )،إلا انه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 47 من دفتر الشروط الإدارية العامة 4، والتي تنظم مجموعة من الالتزامات ما بين الإدارة والمقاول، نجدها قد تطرقت إلى بعض حالات صعوبات التنفيذ ومنها حالة القوة القاهرة، والتي تمكن المقاول في حالة ثبوتها الحصول على تمديد معقول لأجل التنفيذ الذي يجب أن يكون موضوع عقد ملحق ،غير أن تحديد حالة القوة القاهرة وبحسب نص المادة 47 يحيل على مقتضيات دفتر الشروط الخاصة، 5 الذي يرتكز كذلك على مقتضيات الفصلين 268و269 من ق ل ع .
بيد انه ومن منطلق اعتبار أن هذه الجائحة تدخل في مجال القوة القاهرة أم لا ،لابد من الإشارة أن الإدارة المغربية أصدرت مناشير6 أكدت من خلالها على ضرورة الرجوع إلى مقتضيات المادة 47 من دفتر الشروط الإدارية العامة لإقرار حالة القوة القاهرة، وذلك بمنح مهلة إضافية للمقاولة تعادل فترة إيقاف الأشغال وفق الأجل المحدد في مرسوم حالة الطوارئ الصحية، 7والذي ينص على وقف سريان الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ المذكورة 8.
من هنا يتضح أن الإدارة اعتدت بكون أن الجائحة كوفيد19 تدخل في مجال القوة القاهرة بشكل صريح حينما أصدرت نصوصا قانونية وتنظيمية ،وسدت منافذ التأويل والتفسير، والذي لا شك انه سيرهق الطرف الضعيف ألا وهي المقاولة، كما سيشكل هذا التدخل التشريعي والتنظيمي خارطة طريق بالنسبة للقضاء الإداري حيل المنازعات التي ستعرض أمامه، والتي تتعلق بعدم تنفيذ العقود بسبب جائحة كوفيد 19.
إلا انه بالنسبة للعقود ذات طبيعة مدنية فكيف سيتعامل معها القضاء المغربي؟ وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه من خلال المحور الثاني.
المحور الثاني : مدى اعتبار كوفيد 19 قوة قاهرة من قبل القضاء
تعد جائحة كوفيد19 من الأمور المستجدة والتي أثرت بشكل متباين على الوضع الاقتصادي والصحي والاجتماعي عموما، حيث أضحى العديد من الأفراد والمؤسسات يعيشون اضطرابات بسبب تداعيات الجائحة، خصوصا بين الفئات التي ترتبط بعلاقات تعاقدية تلزمهم بتنفيذ التزامات عالقة بذمتهم والمرتبطة بأجل محددة، 10وأمام هذا الوضع والذي لا محالة سيواجه القضاء المغربي في أول محك بعد استئناف الجلسات بعد قرار القاضي بتعليق الجلسات وهو ما 9سيضع القضاء المغربي في موقف يمكن القول انه صعب بالنظر إلى القواعد القانونية والفقهية التي تؤطر عمل القاضي، والتي تصب في مجملها في اتجاه تطبيق مقتضيات العقد، مما سيثقل كاهل المدين باعتباره الطرف الضعيف ضمن هذه العلاقة، كما أن تماطله في تنفيذ الالتزامات راجع بالأساس إلى القرار الصادر عن السلطات العامة بفرض حالة الطوارئ الصحية في بعض القطاعات الحيوية الصناعية والخدماتية والتجارية .
غير أن معظم هذه الحالات المتضررة تتمسك بكون الجائحة كوفيد19 السبب الفعال في عدم تنفيذ الالتزامات، وبالرجوع إلى مقتضيات القانون من خلال الفصول 268 و269 من ق ل ع نجده قد حدد مجموعة من الضوابط للتمييز الأحداث في كونها تدخل في مجال القوة القاهرة أم لا، وهو ما تطرقنا له في المدخل، لكن السؤال الجوهري يتحدد في كون هل يعتد القضاء المغربي بكون جائحة كوفيد19 تدخل ضمن مجال القوة القاهرة أم لا ؟ إن الإجابة على السؤال ينطلق أساسا بالانفتاح إلى تجارب مقارنة ،ولعل الاجتهاد القضائي الفرنسي كان سباقا إلى إبراز مدلول القوة القاهرة من خلال قرار لمحكمة النقض، إذ اعتبرت في احد قراراتها " أن القوة القاهرة تعني وقوع حادث خارجي لا يمكن التنبؤ به عند إبرام العقد ولا يمكن دفعه عند تنفيذه "11 هذا التوجه ينسجم بشكل كلي مع مقتضيات القانون المدني الفرنسي، والذي عرف القوة القاهرة بكونها " تعد من الأمور التعاقدية عندما لا يستطيع المدين تجنب أو التوقع عند إبرام العقد وذلك باستعمال الوسائل المناسبة والتي تحول دون تنفيذ الالتزامات من قبل المدين " 12 بيد أن هذا التحديد الذي تعامل به التشريع والاجتهاد القضائي الفرنسي مع القوة القاهرة يثير إشكالا واقعيا بخصوص جائحة كوفيد 19 ،على اعتبار أن المحددات المؤطرة لمدلول القوة القاهرة لا تنطبق على مواصفات جائحة كوفيد 19، وهو ما يخرجها من دائرة القوة القاهرة، بعلة أن التنبؤ بالجائحة وإمكانية مواجهتها تعد من الممكن ،.هذا السجال الواقعي والقانوني سيرهق القاضي بدون شك بخصوص المنازعات التي ستعرض أمامه ،إلا انه وسدا لكل هذه التأويلات سارع القضاء الفرنسي عبر اجتهاد قضائي حديث،13 أكد من خلاله أن جائحة كوفيد 19 تدخل في مجال القوة القاهرة .
وبالرجوع إلى القانون المغربي، نجده يتماهي إلى حد بعيد مع مقتضيات القانون الفرنسي في تعريفه للقوة القاهرة، بالإضافة إلى أن الاجتهاد القضائي المغربي بدوره يتشبث بتطبيق المقتضيات القانونية في تفسيره للقوة القاهرة، إلا أن ما يستجد هو أن خصوصية جائحة كوفيد19 قد تفتح باب التأويلات على مصراعيها ،لدى فالقضاء في المغرب مدعو إلى الانفتاح على الاجتهاد القضائي بفرنسا بخصوص تعامله مع جائحة كوفيد19، كما أن القانون بدوره يسعف القاضي في تحقيق هذا المبتغى، ونخص بالذكر المنشور الوزاري المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية في مادته السادسة، وتأسيسا على هذه المنطلقات فقانون الالتزامات والعقود يمكن القاضي من تمتيع المدين بمهلة استرحامية في حالة وجود قوة القاهرة كسبب حائل دون تنفيذ الالتزام، وهو ما ينص عليه الفصل254 ق ل ع وكذا مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 243 من ق ل ع ،والتي جعلت هذه السلطة في يد القاضي وذلك في نطاق ضيق، كما تمكنه في ظل هذه الوقائع من تمتيع المدين بهذا الحق حتي يتسنى له تنفيذ التزاماته في مواجهة الدائن ،ولو كانت مقتضيات العقد تنص على اجل محدد ،وفي نفس السياق نجد أن القانون المغربي14 وفي مواطن عدة وجد حلولا ميسرة ( Delai de grace ( قصد تمكين المدين من تنفيذ التزاماته بسب ظروف قاهرة، هو ما تطرقت اليه مقتضيات قانون حماية المستهلك والتي تنص على مجموعة من الاعتبارات، التي تخول للقاضي إزاء أي ظرف قاهرة تمتيع المدين بهذا الحق.
إن الإحاطة بهذا الموضوع من المنظور الفقهي والقانوني يفتح النقاش بشكل موسع حول الشروط الموضوعية لتحقيق حالة القوة القاهرة ،إلا انه يتطلب قبل كل هذا استحضارا للسياق العام ومدي الأثر الاقتصادية والاجتماعية للوباء على الأفراد والمؤسسات، كما انه لابد للقضاء أن ينحو إلى تنزيل فلسفة النص القانوني في بعده الحمائي، الهادف إلى دعم استقرار المعاملات بشكل منصف وعادل، دون الغوص في جزئيات النص والتي ستفقده كنه وعمقه.
المحور الأول : مدى اعتبار كوفيد 19 قوة قاهرة في نظر الإدارة
بالرجوع إلى مقاضيات الفصل 230 من ق ل ع والذي ينص على أن " الالتزامات التعاقدية المنشاءة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولا يجوز إلغائها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون" هذه القاعدة تنسجم كليتا مع القاعدة الفقهية " العقد شريعة المتعاقدين " حيث تنهض هذه القاعدة على مسوغات أولهما مبداء سلطان الإرادة، أي أن المتعاقدين داخل مؤسسة العقد لهم مطلق الحرية في إنشاء التصرفات وفق ما تشتهي إرادتهم الحرة ،-- وان كانت هذه القاعدة عرفت تحولات كبرى لا يسع المجال للتفصيل فيها -- ،أما بالنسبة للمسوغ الثاني، فيتجلى في أن الأطراف يجب عليهم تنفيذ العقد بحسن نية، بالالتزام بقواعد النزاهة والشفافية دون غش أو تدليس، غير أن هذه الأسس قد لا تحترم أثناء تنفيذ العقد بسبب عوامل تفوق قدرت احد أطراف العقد، وهو ما يجعله محط مسؤولية بالنظر للقوة الملزمة للعقد ، خصوصا إذا كان هذا الأخير مرتبط بأجل محدد، ( عقود الصفقات العمومية المتعلقة بأشغال التجهيز مثلا، فجل المقاولين نائلي الصفقة وفي ظل ظروف الحال وما يعرفه العالم من تفشي وباء كوفيد 19 ،دفع بالسلطات المختصة في مجموعة من الدول إلى فرض حالة الطوارئ الصحية ،الشيء الذي جعل مجموعة من المقاولات مضطرة إلى التوقف عن الأشغال تنفيذا لتلك التدابير، والمغرب بدوره سار على هذا المنوال، مما نتج عن ذلك تعطل الأشغال في كثير من المقاولات وهو ما سيحمل المقاولة تبعات هذا التعطل استنادا إلى الأجل المحدد في العقد )،إلا انه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 47 من دفتر الشروط الإدارية العامة 4، والتي تنظم مجموعة من الالتزامات ما بين الإدارة والمقاول، نجدها قد تطرقت إلى بعض حالات صعوبات التنفيذ ومنها حالة القوة القاهرة، والتي تمكن المقاول في حالة ثبوتها الحصول على تمديد معقول لأجل التنفيذ الذي يجب أن يكون موضوع عقد ملحق ،غير أن تحديد حالة القوة القاهرة وبحسب نص المادة 47 يحيل على مقتضيات دفتر الشروط الخاصة، 5 الذي يرتكز كذلك على مقتضيات الفصلين 268و269 من ق ل ع .
بيد انه ومن منطلق اعتبار أن هذه الجائحة تدخل في مجال القوة القاهرة أم لا ،لابد من الإشارة أن الإدارة المغربية أصدرت مناشير6 أكدت من خلالها على ضرورة الرجوع إلى مقتضيات المادة 47 من دفتر الشروط الإدارية العامة لإقرار حالة القوة القاهرة، وذلك بمنح مهلة إضافية للمقاولة تعادل فترة إيقاف الأشغال وفق الأجل المحدد في مرسوم حالة الطوارئ الصحية، 7والذي ينص على وقف سريان الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ المذكورة 8.
من هنا يتضح أن الإدارة اعتدت بكون أن الجائحة كوفيد19 تدخل في مجال القوة القاهرة بشكل صريح حينما أصدرت نصوصا قانونية وتنظيمية ،وسدت منافذ التأويل والتفسير، والذي لا شك انه سيرهق الطرف الضعيف ألا وهي المقاولة، كما سيشكل هذا التدخل التشريعي والتنظيمي خارطة طريق بالنسبة للقضاء الإداري حيل المنازعات التي ستعرض أمامه، والتي تتعلق بعدم تنفيذ العقود بسبب جائحة كوفيد 19.
إلا انه بالنسبة للعقود ذات طبيعة مدنية فكيف سيتعامل معها القضاء المغربي؟ وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه من خلال المحور الثاني.
المحور الثاني : مدى اعتبار كوفيد 19 قوة قاهرة من قبل القضاء
تعد جائحة كوفيد19 من الأمور المستجدة والتي أثرت بشكل متباين على الوضع الاقتصادي والصحي والاجتماعي عموما، حيث أضحى العديد من الأفراد والمؤسسات يعيشون اضطرابات بسبب تداعيات الجائحة، خصوصا بين الفئات التي ترتبط بعلاقات تعاقدية تلزمهم بتنفيذ التزامات عالقة بذمتهم والمرتبطة بأجل محددة، 10وأمام هذا الوضع والذي لا محالة سيواجه القضاء المغربي في أول محك بعد استئناف الجلسات بعد قرار القاضي بتعليق الجلسات وهو ما 9سيضع القضاء المغربي في موقف يمكن القول انه صعب بالنظر إلى القواعد القانونية والفقهية التي تؤطر عمل القاضي، والتي تصب في مجملها في اتجاه تطبيق مقتضيات العقد، مما سيثقل كاهل المدين باعتباره الطرف الضعيف ضمن هذه العلاقة، كما أن تماطله في تنفيذ الالتزامات راجع بالأساس إلى القرار الصادر عن السلطات العامة بفرض حالة الطوارئ الصحية في بعض القطاعات الحيوية الصناعية والخدماتية والتجارية .
غير أن معظم هذه الحالات المتضررة تتمسك بكون الجائحة كوفيد19 السبب الفعال في عدم تنفيذ الالتزامات، وبالرجوع إلى مقتضيات القانون من خلال الفصول 268 و269 من ق ل ع نجده قد حدد مجموعة من الضوابط للتمييز الأحداث في كونها تدخل في مجال القوة القاهرة أم لا، وهو ما تطرقنا له في المدخل، لكن السؤال الجوهري يتحدد في كون هل يعتد القضاء المغربي بكون جائحة كوفيد19 تدخل ضمن مجال القوة القاهرة أم لا ؟ إن الإجابة على السؤال ينطلق أساسا بالانفتاح إلى تجارب مقارنة ،ولعل الاجتهاد القضائي الفرنسي كان سباقا إلى إبراز مدلول القوة القاهرة من خلال قرار لمحكمة النقض، إذ اعتبرت في احد قراراتها " أن القوة القاهرة تعني وقوع حادث خارجي لا يمكن التنبؤ به عند إبرام العقد ولا يمكن دفعه عند تنفيذه "11 هذا التوجه ينسجم بشكل كلي مع مقتضيات القانون المدني الفرنسي، والذي عرف القوة القاهرة بكونها " تعد من الأمور التعاقدية عندما لا يستطيع المدين تجنب أو التوقع عند إبرام العقد وذلك باستعمال الوسائل المناسبة والتي تحول دون تنفيذ الالتزامات من قبل المدين " 12 بيد أن هذا التحديد الذي تعامل به التشريع والاجتهاد القضائي الفرنسي مع القوة القاهرة يثير إشكالا واقعيا بخصوص جائحة كوفيد 19 ،على اعتبار أن المحددات المؤطرة لمدلول القوة القاهرة لا تنطبق على مواصفات جائحة كوفيد 19، وهو ما يخرجها من دائرة القوة القاهرة، بعلة أن التنبؤ بالجائحة وإمكانية مواجهتها تعد من الممكن ،.هذا السجال الواقعي والقانوني سيرهق القاضي بدون شك بخصوص المنازعات التي ستعرض أمامه ،إلا انه وسدا لكل هذه التأويلات سارع القضاء الفرنسي عبر اجتهاد قضائي حديث،13 أكد من خلاله أن جائحة كوفيد 19 تدخل في مجال القوة القاهرة .
وبالرجوع إلى القانون المغربي، نجده يتماهي إلى حد بعيد مع مقتضيات القانون الفرنسي في تعريفه للقوة القاهرة، بالإضافة إلى أن الاجتهاد القضائي المغربي بدوره يتشبث بتطبيق المقتضيات القانونية في تفسيره للقوة القاهرة، إلا أن ما يستجد هو أن خصوصية جائحة كوفيد19 قد تفتح باب التأويلات على مصراعيها ،لدى فالقضاء في المغرب مدعو إلى الانفتاح على الاجتهاد القضائي بفرنسا بخصوص تعامله مع جائحة كوفيد19، كما أن القانون بدوره يسعف القاضي في تحقيق هذا المبتغى، ونخص بالذكر المنشور الوزاري المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية في مادته السادسة، وتأسيسا على هذه المنطلقات فقانون الالتزامات والعقود يمكن القاضي من تمتيع المدين بمهلة استرحامية في حالة وجود قوة القاهرة كسبب حائل دون تنفيذ الالتزام، وهو ما ينص عليه الفصل254 ق ل ع وكذا مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 243 من ق ل ع ،والتي جعلت هذه السلطة في يد القاضي وذلك في نطاق ضيق، كما تمكنه في ظل هذه الوقائع من تمتيع المدين بهذا الحق حتي يتسنى له تنفيذ التزاماته في مواجهة الدائن ،ولو كانت مقتضيات العقد تنص على اجل محدد ،وفي نفس السياق نجد أن القانون المغربي14 وفي مواطن عدة وجد حلولا ميسرة ( Delai de grace ( قصد تمكين المدين من تنفيذ التزاماته بسب ظروف قاهرة، هو ما تطرقت اليه مقتضيات قانون حماية المستهلك والتي تنص على مجموعة من الاعتبارات، التي تخول للقاضي إزاء أي ظرف قاهرة تمتيع المدين بهذا الحق.
إن الإحاطة بهذا الموضوع من المنظور الفقهي والقانوني يفتح النقاش بشكل موسع حول الشروط الموضوعية لتحقيق حالة القوة القاهرة ،إلا انه يتطلب قبل كل هذا استحضارا للسياق العام ومدي الأثر الاقتصادية والاجتماعية للوباء على الأفراد والمؤسسات، كما انه لابد للقضاء أن ينحو إلى تنزيل فلسفة النص القانوني في بعده الحمائي، الهادف إلى دعم استقرار المعاملات بشكل منصف وعادل، دون الغوص في جزئيات النص والتي ستفقده كنه وعمقه.
[i][i]1 الفصول 268 و269 من قانون الالتزامات والعقود المغربي
2 د مامون الكزبري .- نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي – ج 1 – ط الثانية 1972 –ص415
3د عبد القادر العرعاري – مصادر الالتزامات – الكتاب الثاني المسؤولية المدنية – ط3 2005 ص 119 مطبعة دار الأمان
4 المرسوم رقم 2.14.394 الصادر في 6 شعبان 1437 موافق 13 ماي 2016 القاضي بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال
5 دفتر الشروط الخاصة هو عبارة عن عقد يجمع ما بين الإدارة صاحبة المشروع والمقاول نائل الصفقة يحدد على وجه التدقيق مختلف الجواتب المفصلة للعقد من المدة والثمن والمواد المستخدمة و الاشطر ...
6 منشور وزير الاقتصاد والمالية واصلاح الادارة مؤرخ في 31/مارس/2020 موجه الى الرؤساء ورؤساء الادارة الجماعية والمديرين العامين ومدراء المؤسسات العمومية
7 مرسوم بقانون 2.20.292 صادر في 28 رجب 1441 موافق 23 مارس 2020 يتعلق باحكام حالة الطوارئ الصحية
8 المادة 6 من مرسوم حالة الطوارئ الصحية الصادرفي 23/03/2020
9 القرار المشترك ما بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل والنيابة العامة بتاريخ 16/03/2020 القاضي بتعليق الجلسات باستثناء الجلسات المتعلقة بالمعتقلين وجلسات ذات الصبغة المستعجلة
10الفصل 128 من ق ل ع
11 La cour de cassation N 10—17.726 en 16/0/2012
12 Article 1218 code civile
13 La cour d’appel de Colmar le 12/03/2020 voir N20/010.98
14 الفصل 26 من ظهير 24/0/1955 المنظم للكراء التجاري
2 د مامون الكزبري .- نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي – ج 1 – ط الثانية 1972 –ص415
3د عبد القادر العرعاري – مصادر الالتزامات – الكتاب الثاني المسؤولية المدنية – ط3 2005 ص 119 مطبعة دار الأمان
4 المرسوم رقم 2.14.394 الصادر في 6 شعبان 1437 موافق 13 ماي 2016 القاضي بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال
5 دفتر الشروط الخاصة هو عبارة عن عقد يجمع ما بين الإدارة صاحبة المشروع والمقاول نائل الصفقة يحدد على وجه التدقيق مختلف الجواتب المفصلة للعقد من المدة والثمن والمواد المستخدمة و الاشطر ...
6 منشور وزير الاقتصاد والمالية واصلاح الادارة مؤرخ في 31/مارس/2020 موجه الى الرؤساء ورؤساء الادارة الجماعية والمديرين العامين ومدراء المؤسسات العمومية
7 مرسوم بقانون 2.20.292 صادر في 28 رجب 1441 موافق 23 مارس 2020 يتعلق باحكام حالة الطوارئ الصحية
8 المادة 6 من مرسوم حالة الطوارئ الصحية الصادرفي 23/03/2020
9 القرار المشترك ما بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل والنيابة العامة بتاريخ 16/03/2020 القاضي بتعليق الجلسات باستثناء الجلسات المتعلقة بالمعتقلين وجلسات ذات الصبغة المستعجلة
10الفصل 128 من ق ل ع
11 La cour de cassation N 10—17.726 en 16/0/2012
12 Article 1218 code civile
13 La cour d’appel de Colmar le 12/03/2020 voir N20/010.98
14 الفصل 26 من ظهير 24/0/1955 المنظم للكراء التجاري