إن استعمال الدول للغة معينة في تصرفاتها و أعمالها يعبر عن هويتها اللغوية. و لما كان الأمر كذلك، فإن تنصيص واضع الدستور المغربي لسنة 2011 في الفقرات الأولى من فصله الخامس على أن " تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.
و تعمل الدولة على حمايتها و تطويرها، و تنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء."، ما هو إلا تأكيد على الهوية العربية و الأمازيغية للدولة المغربية. غير أن الواقع الإداري ما زال يحتفظ في بعض مناحيه على استعمال اللغة الفرنسية، بحكم أنها كانت تعتبر لغة الإدارة المعاصرة منذ نشأتها و إنشائها في عهد الحماية الفرنسية. لكن بعد إصدار دستور 2011، أصبحت تبرز بعض المنازعات الإدارية أمام القضاء الإداري، و التي تنصب على مخاصمة تصرفات الإدارة المحررة باللغة الفرنسية عوض اللغة العربية؛ و هكذا فقد صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط الحكم رقم 4550 الصادر في الملف عدد 846/7110/2017 بتاريخ 20/10/2017 الذي جاء في حيثياته ما يلي: " حيث إن الثابت من الفصل الخامس من الدستور أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، و تعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، و تنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
و حيث إنه استنادا إلى ذلك، فإن الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية بجميع مرافقها تكون ملزمة باستعمال اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها و أعمالها، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها و عقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها سواء كانت داخلية أو موجهة للعموم، و في جميع حالات التواصل و التخاطب الكتابي والشفهي بأي وسيلة كانت مع المغاربة والأجانب، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، من قبل ممثلي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية و المرافق والإدارات العمومية التابعة بصفتها هاته، في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا وعلنيا، فضلا على ما يتعين على الدولة القيام به من إجراءات و تدابير بغاية حماية اللغة العربية و تطويرها و تنمية استعمالها، وفقا للمقطع الأول من الفصل الخامس أعلاه.
وحيث إنه تأسيسا على ما ذكر، فإن إصدار وزير (...) لقرار محرر باللغة الفرنسية مؤثر في المركز القانوني للطاعنة يعد عملا مخالفا لقواعد الدستور، وهو بذلك مشوب بعيب المخالفة الجسيمة للقانون، ذلك أن اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الإمتداد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة في أبعادها المشار إليها، و انتهاكا لإرادة المواطنين المجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية و الأمازيغية لغتين لمخاطبتهم من قبل الدولة وجميع المرافق العمومية الأخرى، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأي مسوغات واقعية أو قانونية جدية، لأن الحاجة للإنفتاح على مختلف الثقافات بما تشمل عليه من لغات، و الحرص على تعلمها و تعليمها إلى جانب اللغتين الرسميتين، في إطار "توسيع وتنويع المبادلات الإنسانية و الإقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية مع كل بلدان العالم" حسب ما ورد بديباجة الدستور، لا يتم قطعا عن طريق إحلال هذه اللغات بديلة عن اللغة الرسمية، و من ثم فإن استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارات العمومية المغربية يعد عملا مخالفا للدستور، لأن اللغة المذكورة غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني، فضلا على أنها لا تمثل أي مظهر من مظاهر الهوية المغربية ماضيا و حاضرا وليس لها أي امتداد تاريخي بالمغرب ذي بعد وطني مشروع.
وحيث إنه تأسيسا على ما ذكر يكون القرار المطعون فيه المحرر بغير اللغة الرسمية مشوبا بعيبي مخالفة القانون و الشكل، مما يجعله متسما بتجاوز السلطة و يتعين تبعا لذلك الحكم بإلغائه."
كما جاء في حكم اَخر لنفس المحكمة تحت رقم 1061 في الملف عدد: 23-7113-2015 بتاريخ 10 مارس 2016 ما يلي: "و حيث إن التبين من مدى مخالفة القرار المطعون فيه للقانون يقتضي بيان ما إذا كان هناك نص قانوني يلزم الإدارة باستعمال اللغة العربية في مراسلاتها الموجهة إلى مرتفقيها، وفي هذا الصدد، وبالاطلاع على المقتضيات الدستورية ذات الصلة نجد أن الفصل الخامس من الدستور ينص على أنه:" تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها..." بما يعني ذلك أن اعتبار العربية لغة رسمية للدولة مؤداه استعمالها من قبل مرافقها في تواصلها مع مرتفقيها، وأنه من مظاهر حمايتها وتنمية استعمالها اعتمادها في المراسلات والوثائق الصادرة عنها، كما أن قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية المكرسة دستوريا من خلال الفصول 157,155,154 تقتضي تقريب الإدارة من المواطنين وتسهيل التواصل معهم من خلال استعمال اللغة العربية في المجالات التي ترتبط بعلاقات الإدارت مع مرتفقيها من قبيل المراسلات والوثائق والمذكرات الإدارية، وأنه اعتبارا للقيمة القانونية للمقتضيات الدستورية المذكورة تبقى الإدارة ملزمة بالتقيد بها. وفي النازلة، فإن تمسك الطاعن بترجمة الإنذار الموجه إليه إلى اللغة العربية، ورفضها ذلك، يجعل قرارها بهذا الخصوص مخالفا لمقتضيات دستورية شرعت من أجل تنزيلها وليس من أجل اعتبارها مبادئ تفتقد إلى عنصر الإلزام، الأمر الذي يبقى معه القرار محل الطعن والحال ما ذكر مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة السلطة ومآله الإلغاء مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك."
لكن يبقى التساؤل مطروحا حول التقعيد الدستوري للعربية و الأمازيغية كلغتين رسميتين للدولة و مدى اعتبارهما مظهرا من مظاهر السيادة بصفة مطلقة، أم أن هناك استثناءات يمكن أن ترد عليها، و هل من الممكن أن تُعتبر الدولة بمثابة المتنازلة عن سيادتها عندما تستعمل لغة أجنبية في التواصل مع مرتفقيها، أو مع دولة أخرى. فالمغرب الذي يعتبر أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، عندما أراد أن يعترف بهذا الإستقلال، وجه رسالة محررة باللغة الإسبانية إلى و.م.أ باعتبارها لغة مفهومة لدى الأمريكيين، و هذا الأمر ليس من شأنه الإنتقاص من مسألة السيادة. بالإضافة إلى ذلك، فالدولة عندما تتعامل بالعملة الصعبة في معاملاتها التجارية الدولية عوض عملتها الوطنية التي تعتبر مظهرا من مظاهر السيادة، فهذا لا يعني أنها تتنازل عن سيادتها. و هكذا فقد صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط الحكم رقم: 4752 في الملف عدد 773-7110-2018 بتاريخ 12 نونبر 2018 الذي جاء فيه: "و حيث إنه لئن كان الدستور ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، فإن تحرير القرار المطعون فيه باللغة الفرنسية تم بناء على مراسلة محررة باللغة الفرنسية وجهت إلى المكتب المدعى عليه من طرف المدعية، وبالتالي فإن المدعية تكون بمراسلتها للمكتب المذكور باللغة الفرنسية قد اختارت بذلك لغة التواصل الإداري، مما تكون معه وسيلة الطعن هذه غير مؤسسة.". كما اعتبرت نفس المحكمة في حكم اَخر، بأن المشارك في طلب العروض المحرر باللغة الفرنسية، والذي يطعن في قرار إقصائه بعلة عدم استعمال اللغة العربية من طرف الإدارة في إصدار طلب العروض، يعتبر بأنه قد اختار لغة التعاقد مع الإدارة، عندما استجاب للمشاركة في طلب العروض المحرر باللغة الفرنسية، وبذلك يكون ما بني عليه الطعن غير مؤسس.
أيضا فقد جاء في حكم لنفس المحكمة تحت رقم 4076 في الملف عدد: 197-7113-2013 ما يلي: "لكن، حيث إن تحرير مقرر اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية باللغة الفرنسية لا يمكن أن يشكل سببا لإبطاله طالما أن وجوب استعمال اللغة العربية يقتصر على المرافعات والأحكام دون باقي الوثائق ومنها المقرر المطعون فيه، كما أن مثيرة الدفع المتصل بذلك قد استوعب مضمن المقرر المذكور بدليل مناقشتها لموضوعه و إبدائها لأوجه دفاعها بخصوص ما تضمنه، فضلا على أنه يمكن للمحكمة إذا آنست في نفسها القدرة على استيعاب مضمون الوثيقة المحررة بلغة أجنبية أن تستعمل سلطتها في ذلك دون الاستعانة بترجمان مادام لم يقع أدنى تشكك في تفسير أو تأويل الوثيقة وفقا لما أكدته محكمة النقض بمقتضى قرارها عـدد : 42 المؤرخ فـي : 21/1/2010 ملف إداري عــــدد : 639/4/1/2009، مما يبقى معه ما أثير بهذا الصدد غير مرتكز على أساس سليم."
فمن خلال الأحكام السالفة الذكر، يتبين بأن القضاء الإداري بما له من الولاية العامة في البت في جميع المنازعات الإدارية إلا ما استثني بنص قانوني، يلعب دورا متميزا في إنشاء القاعدة القانونية، و هكذا فقد قيد القاضي الإداري من نطاق تطبيق الفصل 5 المذكور، كلما تعلق الأمر من جهة أولى بلغة التواصل المختارة بين الإدارة و المُدار، و من جهة ثانية بلغة التعاقد المختارة بين الإدارة و المقاولة، و من جهة ثالثة بإحاطة الطاعن بفحوى القرار المطعون فيه.
وختاما يبقى موضوع استعمال العربية و الأمازيغية كلغتين رسميتين للدولة موضوعا خصبا للنقاش القانوني من شأنه أن يثير منازعات عديدة في المستقبل أمام القضاء، لا سيما بعد التفعيل الكلي للطابع الرسمي للغة الأمازيغية، و كذا الدور الذي سيلعبه القاضي الإداري في تحديد مدى نطاق تطبيق الفصل الخامس من الدستور، والإستثناءات التي يمكن أن ترد عليه.
و تعمل الدولة على حمايتها و تطويرها، و تنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء."، ما هو إلا تأكيد على الهوية العربية و الأمازيغية للدولة المغربية. غير أن الواقع الإداري ما زال يحتفظ في بعض مناحيه على استعمال اللغة الفرنسية، بحكم أنها كانت تعتبر لغة الإدارة المعاصرة منذ نشأتها و إنشائها في عهد الحماية الفرنسية. لكن بعد إصدار دستور 2011، أصبحت تبرز بعض المنازعات الإدارية أمام القضاء الإداري، و التي تنصب على مخاصمة تصرفات الإدارة المحررة باللغة الفرنسية عوض اللغة العربية؛ و هكذا فقد صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط الحكم رقم 4550 الصادر في الملف عدد 846/7110/2017 بتاريخ 20/10/2017 الذي جاء في حيثياته ما يلي: " حيث إن الثابت من الفصل الخامس من الدستور أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، و تعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، و تنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
و حيث إنه استنادا إلى ذلك، فإن الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية بجميع مرافقها تكون ملزمة باستعمال اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها و أعمالها، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها و عقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها سواء كانت داخلية أو موجهة للعموم، و في جميع حالات التواصل و التخاطب الكتابي والشفهي بأي وسيلة كانت مع المغاربة والأجانب، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، من قبل ممثلي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية و المرافق والإدارات العمومية التابعة بصفتها هاته، في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا وعلنيا، فضلا على ما يتعين على الدولة القيام به من إجراءات و تدابير بغاية حماية اللغة العربية و تطويرها و تنمية استعمالها، وفقا للمقطع الأول من الفصل الخامس أعلاه.
وحيث إنه تأسيسا على ما ذكر، فإن إصدار وزير (...) لقرار محرر باللغة الفرنسية مؤثر في المركز القانوني للطاعنة يعد عملا مخالفا لقواعد الدستور، وهو بذلك مشوب بعيب المخالفة الجسيمة للقانون، ذلك أن اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الإمتداد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة في أبعادها المشار إليها، و انتهاكا لإرادة المواطنين المجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية و الأمازيغية لغتين لمخاطبتهم من قبل الدولة وجميع المرافق العمومية الأخرى، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأي مسوغات واقعية أو قانونية جدية، لأن الحاجة للإنفتاح على مختلف الثقافات بما تشمل عليه من لغات، و الحرص على تعلمها و تعليمها إلى جانب اللغتين الرسميتين، في إطار "توسيع وتنويع المبادلات الإنسانية و الإقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية مع كل بلدان العالم" حسب ما ورد بديباجة الدستور، لا يتم قطعا عن طريق إحلال هذه اللغات بديلة عن اللغة الرسمية، و من ثم فإن استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارات العمومية المغربية يعد عملا مخالفا للدستور، لأن اللغة المذكورة غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني، فضلا على أنها لا تمثل أي مظهر من مظاهر الهوية المغربية ماضيا و حاضرا وليس لها أي امتداد تاريخي بالمغرب ذي بعد وطني مشروع.
وحيث إنه تأسيسا على ما ذكر يكون القرار المطعون فيه المحرر بغير اللغة الرسمية مشوبا بعيبي مخالفة القانون و الشكل، مما يجعله متسما بتجاوز السلطة و يتعين تبعا لذلك الحكم بإلغائه."
كما جاء في حكم اَخر لنفس المحكمة تحت رقم 1061 في الملف عدد: 23-7113-2015 بتاريخ 10 مارس 2016 ما يلي: "و حيث إن التبين من مدى مخالفة القرار المطعون فيه للقانون يقتضي بيان ما إذا كان هناك نص قانوني يلزم الإدارة باستعمال اللغة العربية في مراسلاتها الموجهة إلى مرتفقيها، وفي هذا الصدد، وبالاطلاع على المقتضيات الدستورية ذات الصلة نجد أن الفصل الخامس من الدستور ينص على أنه:" تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها..." بما يعني ذلك أن اعتبار العربية لغة رسمية للدولة مؤداه استعمالها من قبل مرافقها في تواصلها مع مرتفقيها، وأنه من مظاهر حمايتها وتنمية استعمالها اعتمادها في المراسلات والوثائق الصادرة عنها، كما أن قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية المكرسة دستوريا من خلال الفصول 157,155,154 تقتضي تقريب الإدارة من المواطنين وتسهيل التواصل معهم من خلال استعمال اللغة العربية في المجالات التي ترتبط بعلاقات الإدارت مع مرتفقيها من قبيل المراسلات والوثائق والمذكرات الإدارية، وأنه اعتبارا للقيمة القانونية للمقتضيات الدستورية المذكورة تبقى الإدارة ملزمة بالتقيد بها. وفي النازلة، فإن تمسك الطاعن بترجمة الإنذار الموجه إليه إلى اللغة العربية، ورفضها ذلك، يجعل قرارها بهذا الخصوص مخالفا لمقتضيات دستورية شرعت من أجل تنزيلها وليس من أجل اعتبارها مبادئ تفتقد إلى عنصر الإلزام، الأمر الذي يبقى معه القرار محل الطعن والحال ما ذكر مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة السلطة ومآله الإلغاء مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك."
لكن يبقى التساؤل مطروحا حول التقعيد الدستوري للعربية و الأمازيغية كلغتين رسميتين للدولة و مدى اعتبارهما مظهرا من مظاهر السيادة بصفة مطلقة، أم أن هناك استثناءات يمكن أن ترد عليها، و هل من الممكن أن تُعتبر الدولة بمثابة المتنازلة عن سيادتها عندما تستعمل لغة أجنبية في التواصل مع مرتفقيها، أو مع دولة أخرى. فالمغرب الذي يعتبر أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، عندما أراد أن يعترف بهذا الإستقلال، وجه رسالة محررة باللغة الإسبانية إلى و.م.أ باعتبارها لغة مفهومة لدى الأمريكيين، و هذا الأمر ليس من شأنه الإنتقاص من مسألة السيادة. بالإضافة إلى ذلك، فالدولة عندما تتعامل بالعملة الصعبة في معاملاتها التجارية الدولية عوض عملتها الوطنية التي تعتبر مظهرا من مظاهر السيادة، فهذا لا يعني أنها تتنازل عن سيادتها. و هكذا فقد صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط الحكم رقم: 4752 في الملف عدد 773-7110-2018 بتاريخ 12 نونبر 2018 الذي جاء فيه: "و حيث إنه لئن كان الدستور ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، فإن تحرير القرار المطعون فيه باللغة الفرنسية تم بناء على مراسلة محررة باللغة الفرنسية وجهت إلى المكتب المدعى عليه من طرف المدعية، وبالتالي فإن المدعية تكون بمراسلتها للمكتب المذكور باللغة الفرنسية قد اختارت بذلك لغة التواصل الإداري، مما تكون معه وسيلة الطعن هذه غير مؤسسة.". كما اعتبرت نفس المحكمة في حكم اَخر، بأن المشارك في طلب العروض المحرر باللغة الفرنسية، والذي يطعن في قرار إقصائه بعلة عدم استعمال اللغة العربية من طرف الإدارة في إصدار طلب العروض، يعتبر بأنه قد اختار لغة التعاقد مع الإدارة، عندما استجاب للمشاركة في طلب العروض المحرر باللغة الفرنسية، وبذلك يكون ما بني عليه الطعن غير مؤسس.
أيضا فقد جاء في حكم لنفس المحكمة تحت رقم 4076 في الملف عدد: 197-7113-2013 ما يلي: "لكن، حيث إن تحرير مقرر اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية باللغة الفرنسية لا يمكن أن يشكل سببا لإبطاله طالما أن وجوب استعمال اللغة العربية يقتصر على المرافعات والأحكام دون باقي الوثائق ومنها المقرر المطعون فيه، كما أن مثيرة الدفع المتصل بذلك قد استوعب مضمن المقرر المذكور بدليل مناقشتها لموضوعه و إبدائها لأوجه دفاعها بخصوص ما تضمنه، فضلا على أنه يمكن للمحكمة إذا آنست في نفسها القدرة على استيعاب مضمون الوثيقة المحررة بلغة أجنبية أن تستعمل سلطتها في ذلك دون الاستعانة بترجمان مادام لم يقع أدنى تشكك في تفسير أو تأويل الوثيقة وفقا لما أكدته محكمة النقض بمقتضى قرارها عـدد : 42 المؤرخ فـي : 21/1/2010 ملف إداري عــــدد : 639/4/1/2009، مما يبقى معه ما أثير بهذا الصدد غير مرتكز على أساس سليم."
فمن خلال الأحكام السالفة الذكر، يتبين بأن القضاء الإداري بما له من الولاية العامة في البت في جميع المنازعات الإدارية إلا ما استثني بنص قانوني، يلعب دورا متميزا في إنشاء القاعدة القانونية، و هكذا فقد قيد القاضي الإداري من نطاق تطبيق الفصل 5 المذكور، كلما تعلق الأمر من جهة أولى بلغة التواصل المختارة بين الإدارة و المُدار، و من جهة ثانية بلغة التعاقد المختارة بين الإدارة و المقاولة، و من جهة ثالثة بإحاطة الطاعن بفحوى القرار المطعون فيه.
وختاما يبقى موضوع استعمال العربية و الأمازيغية كلغتين رسميتين للدولة موضوعا خصبا للنقاش القانوني من شأنه أن يثير منازعات عديدة في المستقبل أمام القضاء، لا سيما بعد التفعيل الكلي للطابع الرسمي للغة الأمازيغية، و كذا الدور الذي سيلعبه القاضي الإداري في تحديد مدى نطاق تطبيق الفصل الخامس من الدستور، والإستثناءات التي يمكن أن ترد عليه.