MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



قراءة في مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية

     



قراءة في مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية
شهد التشريع المغربي خلال الأربع سنوات الأخيرة صدور ترسانة غير يسيرة من مشاريع القوانين و المدونات التي   حاولت من خلال مضمونها مسايرة ما تضمنه دستور المملكة المؤرخ في فاتح يوليوز 2011 من مقتضيات تزيد من تعزيز و ضمان الحقوق و الحريات، و الذي رفع السقف عاليا في هذا الشأن ،في ترجمة منه لالتزام بلادنا ملكا و شعبا بكل ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من مبادئ و أسس ، سواء من حيث الحقوق أو الواجبات . حيث ان جلالة الملك محمد السادس ايده الله ما فتئ يولي فائق عنايته لإصلاح منظومة العدالة ،إيمانا منه بأن العدل هو قوام دولة الحق و المؤسسات ، وهو المحفز  للاستثمار و المحقق للتنمية في كافة المجالات .

و عليه، بات الكل يعلم أن  الدستور الجديد يعد طفرة نوعية من حيث المقتضيات المتعلقة بالقضاء المغربي و ما يمكن أن تخلقه هذه الأخيرة من رقي للسلطة القضائية و جعلها مستقلة عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، و تحقيق  الضمانات المخولة لاسترجاع الثقة في الجسم القضائي ككل،شريطة تطبيق تلك المقتضيات تطبيقا فعليا و سليما على أرض الواقع .

ومن ضمن مشاريع القوانين التي وضعت لتفعيل المبادئ الدستورية أعلاه،نجد مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي وضع استجابة لمقتضيات الفصل 116 من الدستور في فقرته الرابعة .

هذا المجلس الذي يعد هيأة عليا تسهر على استقلال القضاء و تطبيق الضمانات الممنوحة للسادة القضاة، و من المعول عليه أن يحقق مجموعة من الأهداف نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

تسيير الشأن القضائي و الإشراف على الإدارة القضائية و مراقبة مدى تخليقها للعمل القضائي بالمحاكم .
تمتعه باستقلال مالي و إداري يضمن عدم تبعيته لأية جهة .
إحاطته بكل ما يتعلق بالمسار المهني للسادة القضاة .
ضمانه لمبدأ تكافؤ الفرص و عدم التمييز و المناصفة في تدبير وضعيتهم الفردية .
فهل كان واضعوا المشروع موفقين في جعل مقتضياته تعكس ما سعى إليه الدستور المغربي من إقرار للضمانات المحققة لاستقلال القضاء و بالتالي  اعتبار المجلس الاعلى للسلطة القضائية مؤسسة كفيلة بالنهوض بالدور المنوط بها لتكريس سلطة قضائية مستقلة عن باقي السلط ؟ هل كان في مستوى التطلعات المرجوة منه و خاصة تلك التي    تسعى إليها مختلف المؤسسات الفاعلة في حقل العدالة للحصول على جسم قضائي سليم و مضطلع بدوره الاساس المتمثل في تحقيق النجاعة القضائية التي يأملها المواطن  المغربي ؟ و ماهي  التصورات التي من شأنها جعل المشروع المذكور قريبا من صفة الكمال و محققا للمأمول منه إذا ما أخذت بعين الاعتبار   في هذه المرحلة التي هي مرحلة دراسة أمام قبة البرلمان .

كلها علامات استفهام سنحاول مقاربتها من خلال  التعرض إلى الإيجابيات التي جاء بها مشروع قانون المجلس الاعلى للسلطة القضائية و كذا المآخذ التي اعترته،مع التطرق  بشكل مقتضب لمقترحات نادي قضاة المغرب باعتباره جمعية مهنية تعمل في مجال الدفاع عن استقلال السلطة القضائية و استقلال القضاة و ما يرتبط بذلك من التزامات تمليها المرحلة القضائية الراهنة،و الذي كان سباقا لوضع تصوراته حول مختلف مشاريع القوانين التي تم تنزيلها خلال الثلاث سنوات الفارطة .

ونشير هنا إلى ان الامر يتعلق بخامس نسخة من النسخ المعلن عنها ،وهي مسالة تحسب للجنة التشريعية التي قامت بسنه، وتعكس المجهودات المضنية التي بذلت من لدنها سعيا منها لبلورة قانون يليق بمؤسسة سامية ووازنة في نسيج العدالة ببلادنا .

فعلى مستوى الشكل : نجد أن هذا المشروع،يتسم بلغة جيدة و تراتبية ممتازة فيما يخص التبويب و تقسيم المواد،وهو يحتوي 112 مادة تم تقسيمها بشكل متوازن وفق  ما يلي :

– القسم الاول:احكام عامة

– القسم الثاني:تأليف المجلس  .

– القسم الثالث :تنظيم وسير المجلس.

– القسم الرابع :الاختصاصات المنوطة به .

-القسم الخامس: أحكام انتقالية و مختلفة .

و قبل التطرق  لقراءة في فحوى المشروع، نشير هنا إلى ملاحظة تتمثل من جهة في  طريقة تعاطي الهيآت الحكومية و التشريعية مع هذا القانون ،حيث  تمت إحالتها للمناقشة أمام البرلمان بمعزل عن مشروع النظام الاساسي للقضاء،مع العلم أنه وثيق الصلة به و كان من الأجدر أن يحالا معا بقصد المناقشة،و من جهة أخرى نجد أنه أحيل رفقة ترسنة مهمة من مشاريع قوانين أخرى،و هو ما سيحرمه حقه في المناقشة بشكل يتناسب و الاهمية التي يكتسيها .

-من المادة 1 إلى المادة 4:

تضمنت هذه المواد الأحكام العامة التي تؤطر القانون التنظيمي للمجلس الاعلى للسلطة القضائية، و التي تستمد أسسها من المبادئ المنصوص عليها في دستور المملكة و خاصة الفصول 107 / 113 و 116 منه، و التي  يمكن إجمالها في التاكيد على ان السلطة القضائية هي سلطة مستقلة عن التشريعية و التنفيذية و ان جلالة المالك هو الضامن للاستقلال المذكور،إضافة إلى اعتبار المجلس الاعلى للسلطة القضائية هياة مستقلة متمتعة بالشخصية الاعتبارية و الاستقلالين الاداري و المالي و أن الدولة ملزمة بتوفير كافة الوسائل المادية و البشرية و مقر خاص به كي يتسنى له القيام بالمهام المسندة له .
- من المادة 5 إلى المادة 19 :

تولت هذه المواد مهمة تبيان  مكونات المجلس تجسيدا لما نص عليه الدستور المغربي في الفصل 115 منه ،و كل ما يتعلق بالعضوية فيه، و حالات التنافي  معها ، إذ يتكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من :
ـ الرئيس الأول لمحكمة النقض , رئيسا منتدبا .
ـ الوكيل العام للملك بنفس المحكمة .
ـ رئيس الغرفة الأولى بنفس المحكمة .
ـ عشر قضاة منتخبين , أربعة منهم عن محاكم الاستئناف , و ستة عن محاكم أول درجة .
ـ الوسيط .
ـ رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان .
ـ خمس شخصيات يعينها الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى .
و الملاحظ في  هذه التشكيلة أنها تتسم بالتنوع و لا تقتصر على من يحملون الصفة القضائية،و هذه مسألة جد إيجابية، لكن حبذا لو  اعتمد الانتخاب كأسلوب لاختيار الرئيس الأول بمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها من طرف القضاة أنفسهم ، على أن يوافق جلالة الملك بظهير على تعيينهما من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية انسجاما مع الفصل 57 من الدستور .

و الإيجابي في هذا المقترح أنه يجسد الروح الديمقراطية للدستور و القائمة على مبدأ التشاركية التي يتعين أن تتجسد في هذه الحالة في إشراك القضاة أنفسهم في اختيار من يشرف على الهيئات التابعة لهم ، كما أنه يعكس المبادئ الدولية بشأن تشكيل المجالس العليا للقضاء ، و يكرس المبدأ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة علما بأن آلية الانتخاب سوف تمثل أكبر ضمانة لعدم التعسف في ممارسة السلطة .

كما أن  اعتبار رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض عضوا بقوة القانون ، لن يكون مبررا لعدم انتخابه ، و الأفضل أن يتم ذلك من لدن جمعية عمومية يتعين اعتماد العمل بها بمحكمة النقض تجسيدا لروح الاستقلالية ، من أجل ضمان الشروط السليمة لتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .

و يعتبر توفر شروط الكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل الدفاع عن استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون و ضمان احترام المؤسسات في كافة الأعضاء المذكورين آنفا من الأمور التي  لا خلاف بشأنها .

كذلك،تطرقت المواد المذكورة إلى عدم الجمع بين العضوية في المجلس و بين اي ممارسة فعلية لمهام قضائية بالنسبة للقضاة المنتخبين،و هو مقتضى جد إيجابي من شأنه ضمان حسن سير الأشغال بالمجلس و تيسير التواصل بين الأعضاء و بين باقي القضاة.

تم التعرض أيضا  لمسألة تعويضات السادة الاعضاء من لهم الصفة القضائية بمناسبة قيامهم بمهامهم في المجلس و عدم الجمع بينها و بين تعويضات أو أجور أخرى،مدة العضوية التي تم تحديدها في خمس سنوات غير قابلة للتجديد بالنسبة للاعضاء المنتخبين و قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للأعضاء المعينين من طرف العاهل المغربي،بالإضافة إلى حالات انتهاء العضوية المنصوص عليها في المادة 13 ،و نشير هنا إلى  ملاحظة بشأن  هذه الأخيرة حيث ورد فيها لفظ “الإحالة “على التقاعد بالنسبة للأعضاء المنتخبين كحالة من حالات انتهاء العضوية، و الحال أن الإحالة هي نوع من العقوبة، و كان الأولى استبدالها بكلمة “بلوغ” سن التقاعد.

تستوقفنا أيضا مقتضيات المادة 18 التي  نصت على ان القضاة المنتخبين و طيلة مدة عضويتهم لا يحق لهم الاستفادة من أية ترقية في الدرجة،و هذا في  إجحاف لهم،و عليه يتعين إلغاء هذا المقتضى ضمانا لحقهم في المساواة مع باقي قضاة المملكة،مع التأكيد على عدم إمكانية نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى طيلة مدة انتدابهم، على أن لا يحضر العضو المعني بالترقية خلال اجتماعات المجلس حين البت في وضعيته،حتى نتفادى تضارب المصالح .

- بالنسبة للمواد من 20 إلى45 :

تعرضت المواد المذكورة إلى كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية للمجلس الاعلى للسلطة القضائية، بدءا بمواعيد إجرائها،مرورا بالشكليات المستلزمة لصحتها و نهاية بنشر نتائجها و كيفية الطعن فيها .

من بين النقط الإيجابية  المسطرة في  هذا الشق أنه تم التنصيص على   أن تكون عدد المقاعد المخصصة للنساء القاضيات من ضمن الأعضاء العشرة المنتخبين(أربعة من محاكم الدرجة الثانية و ستة من محاكم أول درجة) تتناسب و نسبة حضورهن في السلك القضائي في كل هيأة،و هذا في تكريس للمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل  115 ،و اعتراف بالدور الفعال الذي تلعبه المرأة القاضية في النهوض  بمهنة القضاء ، و ما أبدته من مؤهلات لا تقل عما أبداه زميلها الرجل في هذا الشأن .
بالمقابل،لم يكن هناك داع لاشتراط أقدمية معينة للترشح لعضوية المجلس مثلما ورد في المادة 24 من المشروع ، و كان من الأولى السماح لكل من تتوفر فيه شروط الانتماء لمحاكم الدرجة الاولى و الثانية في أن يترشح من غير تقييد لهذا الحق ، و ذلك حتى لا نحرم المجلس الأعلى للسلطة القضائية من كفاءات و طاقات قد تسهم مساهمة فعالة في تكريس روح الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية .
إيجابية أخرى تسجل لصالح المشروع و هي إشراف الرئيس المنتدب  للمجلس على العملية الانتخابية منذ بدايتها إلى نهايتها ،و هذا فيه تكريس لاستقلال السلطة القضائية .

كما تم التنصيص على أحقية كل مترشح في الطعن في النتائج التي أسفرت عنها العملية الانتخابية أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض  و وفق المساطر القانونية دفاعا عن حقه في الترشح .
بالنسبة لآليات عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية

تم التنصيص عليها في المواد 46 إلى 61 من المشروع، و تهم بالأساس

 
أ : الشق المالي و الإداري  .

حيث تم تخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض بصفته الرئيس المنتدب للمجلس صفة الآمر بالصرف، وكذا الحق في تفويض هذه الصلاحية وفق الأنظمة و القوانين المعمول بها في هذا المجال.

و قد كان النص القانوني في هذا الشأن و الذي هو المادة 60 سيتصف بنوع من الكمال لو أنه تم التنصيص فيه  على أن  ينوب عنه في حالة تعذر قيامه بأعماله لأي سبب كان الوكيل العام لدى نفس المحكمة .
كذلك،كان يتعين العمل على تعزيز ضمان الاستقلال المالي للمجلس من خلال مشاركته في إعداد ميزانية السلطة القضائية و توفير جميع الإمكانيات و الموارد لتطلع بدورها في حماية الحقوق الفردية و الجماعية للمواطنين .
من سمات الاستقلال الإداري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في هذا المشروع ، تمكينه من مقر مستقل  وكذا من موظفين إداريين تابعين له و مسؤولين أمامه .

ب :بالنسبة  لآليات الاشتغال :
فإن  أداء المجلس للمهام الموكولة له يمر عبر احترام مجموعة من القواعد تتمثل في:
-احترام انعقاد الدورتين العاديتين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وفق ما نص عليه الدستور ،مع شرط الانتظام في ذلك الانعقاد .

-إمكانية عقد دورات استثنائية للمجلس كلما دعت الضرورة إلى ذلك بناء على طلب الرئيس المنتدب و وفق جدول أعمال محدد سلفا ، أو بناء على طلب أغلبية أعضاء المجلس .
-إعداد نظام داخلي للمجلس يحدد كيفية اشتغاله يتضمن معايير تكرس الشفافية و تضمن المساواة بين القضاة يصادق عليه المجلس و لا يصبح ساري المفعول إلا بعد التصريح بدستوريته من طرف المحكمة الدستورية .  -تشكيل لجان دائمة و أخرى مؤقتة تساعد المجلس في الإعداد لأشغاله و تجهيز الملفات و القضايا و المهام التي تدخل في نطاق اختصاصه .

وهي كلها مقتضيات دعت إليها جمعية نادي قضاة المغرب من خلال مختلف المذكرات التي ضمنتها تصوراتها في هذا الصدد.

-تشكيل