
سوف نتطرق في هذا التعليق الى قرار تناقلته بعض وسائل الاتصال الاجتماعي أصدرته الغرفة الإجتماعية لدى محكمة الاستئناف بالدرار البيضاء بتاريخ 26/6/2025 تحت رقم 3795بالملف عدد 2711//1501/2025 و أثار الكثير من الاهتمام والفضول ، لأنه ربما استبعد من دائرة وسائل الاثبات آلية التواصل بين الأجيرة و مشغلتها عن طريق الواتساب ، و كأن القضاء يغرد خارج السرب لأنه يرفض الانخراط في العالم الرقمي او عالم الديجيتل فالى اي حد كان القرار موضوع التعليق مصادفا او غير مصادف للصواب ؟
1– ماذا تقول وقائع الدعوى :
حسب مدونة الشغل قد تكون للأجير أسباب شخصية عديدة للتغيب عن العمل ( المادة 274 من مدونة الشغل ) ، ومن بين هذه الأسباب المرض ( المادة 271 من مدونة الشغل ) ، و في النازلة موضوع هذا التعليق يخص الأمر أجيرة أصيبت بمرض و اضطرت الى التغيب عن العمل - كما تدعي - و لذلك قامت بإشعار مشغلتها المقاولة المدعى عليها عن مرضها و فطنت الى أن تبعث بشهادة طبية بواسطة شبكة التواصل الاجتماعي " الواتساب " إلى مصلحة الموارد البشرية في شخص من يمثلها قانونا وفقا لما جرى به العمل لدى تلك المقاولة على النحو المبين في المقال الافتتاحي للدعوى .
و لم تقتصر الأجيرة على تبليغ الشهادة الطبية عن طريق الواتساب ، بل سعت لاحقا الى تمكين المقاولة من الشهادة المذكورة ، و" تم التأشير عليها " بعد نهاية فترة العلاج وعودة الأجيرة لاستئناف عملها، لكنها فوجئت بقرار توقيفها ومنعها من الدخول الى مقر العمل بدون سبب أو مبرر قانوني مشروع، بدعوى أنه لديها نزاع مع إدارة الشركة ، و يفترض ان يكون تغيبها عن العمل أو مغادرتها للعمل تلقائيا هو سبب فصلها عن العمل نهائيا ، و بالطبع كانت هناك محاولة لتسوية النزاع وديا بين الطرفين أمام مفتش الشغل لكنها باءت بالفشل وبقي الملاذ الأخير للأجيرة هو اللجوء الى المحكمة / القضاء الإجتماعي حيث طالبت الأجيرة الشركة المدعى عليها في شخص ممثلها القانوني بأداء مستحقاتها من تعويضات عن الفصل والضرر وعن فقدان الشغل و العطلة السنوية و التعويضات اليومية، وتسليمها شهادة عمل تحت طائلة غرامة عن كل يوم تأخير.
2– ماذا يقول القانون في هذه النازلة :
تنص المادة 271 من مدونة الشغل :
(( يجب على كل أجير، تعذر عليه الإلتحاق بشغله بسبب مرض أو حادثة، أن يبرر ذلك، ويشعر مشغله خلال الثماني والأربعين ساعة الموالية لذلك إلا إذا حالت القوة القاهرة دون ذلك.
يجب على ألأجير، إذا استمر الغياب أكثر من أربعة أيام، إخبار مشغله بالمدة المحتملة لغيابه، والإدلاء له بشهادة طبية تبرر غيابه، الا إذا تعذر عليه ذلك.
يمكن للمشغل أن يعهد على نفقته، إلى طبيب يختاره بنفسه، بأن يجري على ألأجير فحصا طبيا مضادا، داخل مدة التغيب المحددة في الشهادة الطبية المدلى بها من قبل ألأجير. ))
Article 271 DU CODE DE TRAVAIL : (( Tout salarié qui ne peut se rendre à son travail pour cause de maladie ou d'accident, doit le justifier et en aviser l'employeur dans les quarante-huit heures suivantes, sauf cas de force majeure.
Si l'absence se prolonge plus de quatre jours, le salarié doit faire connaître à l'employeur la durée probable de son absence et lui fournir, sauf en cas d'empêchement, un certificat médical justifiant son absence…))
3– بماذا حكم القضاء :
الحكم في القضية تم عبر مرحلتين أمام المحكمتين : الإبتدائية والاستئنافية .
أ - حكم المحكمة الإبتدائية :
انصفت المحكمة الابتدائية الأجيرة و قضت على مشغلتها المقاولة بأن تؤدي لها تعويضات مالية مختلفة عن الإخطار والفصل والضرر والعطلة السنوية والأجرة، فاقت في مجموعها مبلغ : 22 مليون سنتيم ، مع تسليمها شهادة العمل تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم و استندت المحكمة الابتدائية في حكمها على نص المادة 271 من مدونة الشغل المشار اليه أعلاه و أن “المشرع لم يحدد أو يحصر وسائل أو آليات معينة ينبغي بواسطتها تبليغ الشواهد الطبية للمشغل من أجل إشعاره بمدة التغيب للمرض،
ب - قرار محكمة الإستئناف :
هذا الحكم الابتدائي لم ترض به المقاولة المشغلة، التي تمسكّت امام محكمة الاستئناف بأنه لم يسبق لها أن فصلت الأجيرة عن العمل، وأن “المستأنف عليها اي الأجيرة هي التي تغيبت عن العمل لمدة تفوق 25 يوما، و بدون مبرر قانوني ومن دون أن تشعر مشغلتها لا بغيابها ولا بسببه داخل أجل 48 ساعة طبقا للقانون ، ونازعت الشركة كذلك في كون وسيلة أو محادثة "واتساب" التي أدلت بها الأجيرة متعلقة بها أو بأحد أجرائها، وفي اعتيادها على اعتماد تطبيق "واتساب" كوسيلة رسمية للتواصل مع أجرائها، بل أكدت أنها تتوفر على مكتب ضبط متخصص في تلقي جميع الرسائل والبعثيات كيف ما كان نوعها، وأن الأجيرة لم ترسل الشهادة الطبية حتى عبر البريد الإلكتروني المهني الذي يمكن للعارضة أن تقبله بصفة احتياطية عند استفائه الشروط المستلزمة قانونا ، و اقتنعت محكمة الاستئناف بأسباب الطعن التي تقدمت بها المقاولة المحكوم عليها ابتدائيا وفي ضوء كل ذلك قررت محكمة الاستئناف الغاء الحكم الابتدائي ، و استندت في تعليل قرارها على أن (( ... التنظيم يفرض التعامل بالوسائل القانونية ، وأن توجيه الرسالة عبر واتساب إلى المسؤولة عن الموارد البشرية وليس عبر البريد الإلكتروني باعتباره وسيلة التواصل المعتمدة لدى المشغلة ، يجعل من هذا الإجراء "رسالة الواتساب" غير منتج خاصة و أن المشغلة تمسكت بعدم التوصل بها، كما عجزت الأجيرة عن إثبات كون تطبيق واتساب من الوسائل المتاحة للتواصل مع المشغلة ... )) وفي النهاية خلصت المحكمة الى أن الأجيرة تبقى هي من أنهت علاقة الشغل بإرادتها، وبالتالي لا تستحق للتعويض الثلاثي المعروف : عن الإخطار والفصل والضرر
4– بماذا يمكن التعليـق على حكم القضاء ابتدائيا و استئنافيا ؟
هذا القرار الاستئنافي يطرح للنقاش إشكالية ماهية وسائل الإثبات في منازعات الشغل و إثبات تغيب الأجيرلمرض نموذج أو خير مثال لهذه الإشكالية ، و الأصل في الاثبات أنه حر بما يعني أن حرية الإثبات تسمح للمعني بالأمر إثبات العقد او الالتزام او أي إجراء او اية أشياء بكل الوسائل المتاحة ، فمثلا أن العقد يمكن إثباته بأية وسيلة كانت و لاسيما بشهادة الشهود مادامت قيمة العقد تقل عن مبلغ معين و لا تتجاوزه ( الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود ) ، و إذا تجاوزه بما يفوق 10.000.00 درهم فلا بد من إثبات العقد كتابة ، و شرط الكتابة شكل خاص في الاثبات نص عليه القانون و لا يخضع لمشيئة هذا الطرف او ذاك في العقد ، وبالرجوع الى قرار محكمة الاستئناف موضوع التعليق فهو قابل للنقاش لأنه لم يساير مبدأ حرية الاثبات لواقعة مرض الأجيرة سواء بالواتساب او بغيره من الوسائل الأخرى وهو المبدأ الذي انتصرت اليه المحكمة الابتدائية انسجاما مع المادة 271 من مدونة الشغل التي تنص على أنه : (( ... يجب على ألأجير، إذا استمر الغياب أكثر من أربعة أيام، إخبار مشغله بالمدة المحتملة لغيابه، والإدلاء له بشهادة طبية تبرر غيابه، الا إذا تعذر عليه ذلك)) ، وهذه المادة تثير لدينا الملاحظات التالية :
5– مدى اعتبار الحكم موضوع التعليق إجتهادا قضائيا و ما أثره الاقتصادي و الإجتماعي :
إن القرار الاستئنافي موضوع هذا التعليق ينطوي على نوع من تطبيق المادة 271 من مدونة الشغل قد يراه البعض تطبيقا سليما للقانون و قد يراه البعض الاخر – وانا واحد منهم – انه تطبيق مخالف لروح و نص المادة 271 المذكورة ، والجهة القضائية الوحيدة المؤهلة لحسم الموضوع هي محكمة النقض / الغرفة الإجتماعية في حالة عرض النزاع عليها من خلال الطعن بالنقض في القرار موضوع التعليق و عندئد سنكون امام اجتهاد قضائي او على الأقل بداية اجتهاد قضائي يتبلور ، ولايفوتنا ان نشير الى أن بعض التطبيقات القضائية لمدونة الشغل إن كانت مخالفة للقانون بشكل غير مفهوم فإن آثارها ستكون وخيمة على مصالح المقاولات وازدهارها وقد تعرضها للإفلاس ، كما أن خرق المحاكم لمدونة الشغل و عدم إنصاف الأجراء من غير تعليل قانوني مقنع سيؤثر على استقرارهم في عملهم و سيحرمهم من تعويضاتهم عن ضرر الفصل و من أجورهم التي اعتادوا الانفاق منها على أسرهم و سداد بعض القروض الصغيرة أو غيرها لتمويل شراء سيارة او سكن إجتماعي الى غير ذلك من الحاجيات الضرورية
خاتمة :
نختم هذا التعليق بالتأكيد مرة أخرى على أهمية حياد القضاء في التطبيق السليم للقانون ، والى عهد قريب كان السيد فيليب فاكي قيدوم قضاة الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض الفرنسية PHILPPE WAQUETكان يطبق القانون او يفسره لصلح العمال اي بنكهة نقابيىة ، ولما جاء خلفه القاضي رئيس الغرفة الاجتماعية السيد جان إيف فروين JEAN - YVES FROUIN كان يفسر مدونة الشغل لصالح المقاولات اي بنكهة رأسمالية ( أنظر جريدة لوفيغارو / صفحة الاقتصاد ليوم1/11/2018) ، و نحن لا نريد لقضائنا الاجتماعي ان يكون قضاء احمرا و أزرقا ، لا نقابيا و لا رأسماليا ، بل قضاء إنسانيا يطبق القانون تطبيقا سليما و بحياد تام و بالانصاف كما يلزمه بذلك دستور المملكة المغربية أملي ان تكون الرسالة قد وصلت ، والله ولي التوفيق .
1– ماذا تقول وقائع الدعوى :
حسب مدونة الشغل قد تكون للأجير أسباب شخصية عديدة للتغيب عن العمل ( المادة 274 من مدونة الشغل ) ، ومن بين هذه الأسباب المرض ( المادة 271 من مدونة الشغل ) ، و في النازلة موضوع هذا التعليق يخص الأمر أجيرة أصيبت بمرض و اضطرت الى التغيب عن العمل - كما تدعي - و لذلك قامت بإشعار مشغلتها المقاولة المدعى عليها عن مرضها و فطنت الى أن تبعث بشهادة طبية بواسطة شبكة التواصل الاجتماعي " الواتساب " إلى مصلحة الموارد البشرية في شخص من يمثلها قانونا وفقا لما جرى به العمل لدى تلك المقاولة على النحو المبين في المقال الافتتاحي للدعوى .
و لم تقتصر الأجيرة على تبليغ الشهادة الطبية عن طريق الواتساب ، بل سعت لاحقا الى تمكين المقاولة من الشهادة المذكورة ، و" تم التأشير عليها " بعد نهاية فترة العلاج وعودة الأجيرة لاستئناف عملها، لكنها فوجئت بقرار توقيفها ومنعها من الدخول الى مقر العمل بدون سبب أو مبرر قانوني مشروع، بدعوى أنه لديها نزاع مع إدارة الشركة ، و يفترض ان يكون تغيبها عن العمل أو مغادرتها للعمل تلقائيا هو سبب فصلها عن العمل نهائيا ، و بالطبع كانت هناك محاولة لتسوية النزاع وديا بين الطرفين أمام مفتش الشغل لكنها باءت بالفشل وبقي الملاذ الأخير للأجيرة هو اللجوء الى المحكمة / القضاء الإجتماعي حيث طالبت الأجيرة الشركة المدعى عليها في شخص ممثلها القانوني بأداء مستحقاتها من تعويضات عن الفصل والضرر وعن فقدان الشغل و العطلة السنوية و التعويضات اليومية، وتسليمها شهادة عمل تحت طائلة غرامة عن كل يوم تأخير.
2– ماذا يقول القانون في هذه النازلة :
تنص المادة 271 من مدونة الشغل :
(( يجب على كل أجير، تعذر عليه الإلتحاق بشغله بسبب مرض أو حادثة، أن يبرر ذلك، ويشعر مشغله خلال الثماني والأربعين ساعة الموالية لذلك إلا إذا حالت القوة القاهرة دون ذلك.
يجب على ألأجير، إذا استمر الغياب أكثر من أربعة أيام، إخبار مشغله بالمدة المحتملة لغيابه، والإدلاء له بشهادة طبية تبرر غيابه، الا إذا تعذر عليه ذلك.
يمكن للمشغل أن يعهد على نفقته، إلى طبيب يختاره بنفسه، بأن يجري على ألأجير فحصا طبيا مضادا، داخل مدة التغيب المحددة في الشهادة الطبية المدلى بها من قبل ألأجير. ))
Article 271 DU CODE DE TRAVAIL : (( Tout salarié qui ne peut se rendre à son travail pour cause de maladie ou d'accident, doit le justifier et en aviser l'employeur dans les quarante-huit heures suivantes, sauf cas de force majeure.
Si l'absence se prolonge plus de quatre jours, le salarié doit faire connaître à l'employeur la durée probable de son absence et lui fournir, sauf en cas d'empêchement, un certificat médical justifiant son absence…))
3– بماذا حكم القضاء :
الحكم في القضية تم عبر مرحلتين أمام المحكمتين : الإبتدائية والاستئنافية .
أ - حكم المحكمة الإبتدائية :
انصفت المحكمة الابتدائية الأجيرة و قضت على مشغلتها المقاولة بأن تؤدي لها تعويضات مالية مختلفة عن الإخطار والفصل والضرر والعطلة السنوية والأجرة، فاقت في مجموعها مبلغ : 22 مليون سنتيم ، مع تسليمها شهادة العمل تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم و استندت المحكمة الابتدائية في حكمها على نص المادة 271 من مدونة الشغل المشار اليه أعلاه و أن “المشرع لم يحدد أو يحصر وسائل أو آليات معينة ينبغي بواسطتها تبليغ الشواهد الطبية للمشغل من أجل إشعاره بمدة التغيب للمرض،
ب - قرار محكمة الإستئناف :
هذا الحكم الابتدائي لم ترض به المقاولة المشغلة، التي تمسكّت امام محكمة الاستئناف بأنه لم يسبق لها أن فصلت الأجيرة عن العمل، وأن “المستأنف عليها اي الأجيرة هي التي تغيبت عن العمل لمدة تفوق 25 يوما، و بدون مبرر قانوني ومن دون أن تشعر مشغلتها لا بغيابها ولا بسببه داخل أجل 48 ساعة طبقا للقانون ، ونازعت الشركة كذلك في كون وسيلة أو محادثة "واتساب" التي أدلت بها الأجيرة متعلقة بها أو بأحد أجرائها، وفي اعتيادها على اعتماد تطبيق "واتساب" كوسيلة رسمية للتواصل مع أجرائها، بل أكدت أنها تتوفر على مكتب ضبط متخصص في تلقي جميع الرسائل والبعثيات كيف ما كان نوعها، وأن الأجيرة لم ترسل الشهادة الطبية حتى عبر البريد الإلكتروني المهني الذي يمكن للعارضة أن تقبله بصفة احتياطية عند استفائه الشروط المستلزمة قانونا ، و اقتنعت محكمة الاستئناف بأسباب الطعن التي تقدمت بها المقاولة المحكوم عليها ابتدائيا وفي ضوء كل ذلك قررت محكمة الاستئناف الغاء الحكم الابتدائي ، و استندت في تعليل قرارها على أن (( ... التنظيم يفرض التعامل بالوسائل القانونية ، وأن توجيه الرسالة عبر واتساب إلى المسؤولة عن الموارد البشرية وليس عبر البريد الإلكتروني باعتباره وسيلة التواصل المعتمدة لدى المشغلة ، يجعل من هذا الإجراء "رسالة الواتساب" غير منتج خاصة و أن المشغلة تمسكت بعدم التوصل بها، كما عجزت الأجيرة عن إثبات كون تطبيق واتساب من الوسائل المتاحة للتواصل مع المشغلة ... )) وفي النهاية خلصت المحكمة الى أن الأجيرة تبقى هي من أنهت علاقة الشغل بإرادتها، وبالتالي لا تستحق للتعويض الثلاثي المعروف : عن الإخطار والفصل والضرر
4– بماذا يمكن التعليـق على حكم القضاء ابتدائيا و استئنافيا ؟
هذا القرار الاستئنافي يطرح للنقاش إشكالية ماهية وسائل الإثبات في منازعات الشغل و إثبات تغيب الأجيرلمرض نموذج أو خير مثال لهذه الإشكالية ، و الأصل في الاثبات أنه حر بما يعني أن حرية الإثبات تسمح للمعني بالأمر إثبات العقد او الالتزام او أي إجراء او اية أشياء بكل الوسائل المتاحة ، فمثلا أن العقد يمكن إثباته بأية وسيلة كانت و لاسيما بشهادة الشهود مادامت قيمة العقد تقل عن مبلغ معين و لا تتجاوزه ( الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود ) ، و إذا تجاوزه بما يفوق 10.000.00 درهم فلا بد من إثبات العقد كتابة ، و شرط الكتابة شكل خاص في الاثبات نص عليه القانون و لا يخضع لمشيئة هذا الطرف او ذاك في العقد ، وبالرجوع الى قرار محكمة الاستئناف موضوع التعليق فهو قابل للنقاش لأنه لم يساير مبدأ حرية الاثبات لواقعة مرض الأجيرة سواء بالواتساب او بغيره من الوسائل الأخرى وهو المبدأ الذي انتصرت اليه المحكمة الابتدائية انسجاما مع المادة 271 من مدونة الشغل التي تنص على أنه : (( ... يجب على ألأجير، إذا استمر الغياب أكثر من أربعة أيام، إخبار مشغله بالمدة المحتملة لغيابه، والإدلاء له بشهادة طبية تبرر غيابه، الا إذا تعذر عليه ذلك)) ، وهذه المادة تثير لدينا الملاحظات التالية :
- المادة 271 لا تحصر إثبات الاخبار بمرض الأجير في وسيلة معينة مثل الايميل او البريد الالكتروني ، وتنحو منحى مبدأ حرية الاثبات هو الأصل
- المادة 271 م.ش لا تفرض توجيه الشهادة الطبية بواسطة البريد او المفوض القضائي او بالايميل بل نصت على ان الأجير يدلي بها لجهة عمله بشكل مباشر ، والادلاء يعني تسليمها يدا بيد الى المشغل و المصطلح المقابل لكلمة " الإدلاء " في مدونة الشغل بالفرنسية هو fournir وليس TRANSMETTRE،
- بل اكثر من ذلك فالمشرع كان كريما و متسامحا وسخيا و متفهما لحالة الأجير المريض و اعفاه من الادلاء بالشهادة الطبية إذا تعذر عليه ذلك او بسبب قوة قاهرة كأن يكون الأجير قد أصيب بمرض بمنطقة نائية و لايتواجد فيها أطباء ، أو انه خضع لعملية جراحية الزمته الفراش لمدة طويلة لم يتمكن معها من التواصل مع مشغله الا لاحقا
- و لكن المشرع حافظ على حقوق المشغل ليتاكد بنفسه من صحة رواية الأجير أنه كان فعلا متغيبا بسبب المرض وليس بسبب آخر ، ولهذا اعطاه المشرع حق عرض الأجير على فحص طبي هو الكفيل بكشف الحقيقة ،
- المادة 271 تمت صياغتها بحكمة حققت التوازن بين مصالح متناقضة الهدف منها أساسا الحفاظ على استقرار الأجير في عمله و ليس فصله بشكل تعسفي و بجرة قلم ، و أقدمية 10 او 20 سنة من العمل تتبخر في رمشة عين و كأن شيء لم يكن كما هو بالنسبة للاجيرة موضوع هذا التعليق والتي ما كانت المحكمة الابتدائية لتحكم لها ب 22 مليون سنتيم كتعويض عن مختلف الأضرار لو لم تكن لها أقدمية مهمة في المقاولة فكيف يعقل ان تنهي المقاولة علاقة العمل معها بدعوى انها تغيبت اوغادرت العمل تلقائيا والحال ان هذا السبب غير مقنع و مصطنع والبحث فيه واجب ،
- نعم كان على محكمة الاستئناف ان تأمر بإجراء بحث او خبرة الكترونية للتأكد من كون المقاولة لم تتوصل بالشهادة الطبية بالواتساب او انها لا تعتاد استعمال هذه الوسيلة في إدارة شؤونها الداخلية أو في علاقتها بعمالها ، وهذا اضعف الايمان و ان كان التطبيق السليم للقانون و للمادة 271 يعفيها من اللجوء الى اية خبرة او بحث
- هذه النازلة تثبت للمرة الألف او المليون مدى الاستغلال البشع للدفع ب ((مغادرة الأجير للعمل تلقائيا)) من طرف المشغلين و المقاولات حتى يتخلصوا من بعض العمال القدامى او المزعجين في نظرهم ، ونهيب بوزارة التشغيل أو الشغل ان تقدم مشروع قانون لتعديل المادة 63 من مدونة الشغل حول ((مغادرة الأجير للعمل تلقائيا)) والتي يتحمل المشغل عبء إثباتها بناء على المادة 63 ولكن المقاولات تتحايل في تفسير هذه المادة 63 وقلبت عبء الاثبات على الأجير المسكين و الاجتهاد القضائي يساير مع الأسف هذا الطرح او التحايل على القانون ، من غير تعليل مقبول او مقنع ،
- فلما كانت مغادرة العمل تلقائيا المنسوبة للأجير هي في الواقع ((تغيب غير مشروع عن العمل )) وفقا للمادة 39 من مدونة الشغل وهو خطأ جسيم باعتراف مشرع مدونة الشغل لأن التغيب بدون مبرر تجاوز 4 أيام ، فلماذا لا تطبق بشأنه مسطرة الفصل المنصوص عليها في المادة 62 وما بعدها من مدونة الشغل ؟
- إن القرار الاستئنافي موضوع التعليق لما استبعد من دائرة وسائل الاثبات آلية التواصل بين الأجيرة و مشغلتها عن طريق الواتساب ، يبدو و كأنه يغرد خارج السرب لأنه يرفض الانخراط في عالم الرقمنة او عالم الديجيتل ، فالى اي حد كان القرار موضوع التعليق مصادفا او غير مصادف للصواب ؟ الحكم لجمهور الفقه و لقضاء النقض .
5– مدى اعتبار الحكم موضوع التعليق إجتهادا قضائيا و ما أثره الاقتصادي و الإجتماعي :
إن القرار الاستئنافي موضوع هذا التعليق ينطوي على نوع من تطبيق المادة 271 من مدونة الشغل قد يراه البعض تطبيقا سليما للقانون و قد يراه البعض الاخر – وانا واحد منهم – انه تطبيق مخالف لروح و نص المادة 271 المذكورة ، والجهة القضائية الوحيدة المؤهلة لحسم الموضوع هي محكمة النقض / الغرفة الإجتماعية في حالة عرض النزاع عليها من خلال الطعن بالنقض في القرار موضوع التعليق و عندئد سنكون امام اجتهاد قضائي او على الأقل بداية اجتهاد قضائي يتبلور ، ولايفوتنا ان نشير الى أن بعض التطبيقات القضائية لمدونة الشغل إن كانت مخالفة للقانون بشكل غير مفهوم فإن آثارها ستكون وخيمة على مصالح المقاولات وازدهارها وقد تعرضها للإفلاس ، كما أن خرق المحاكم لمدونة الشغل و عدم إنصاف الأجراء من غير تعليل قانوني مقنع سيؤثر على استقرارهم في عملهم و سيحرمهم من تعويضاتهم عن ضرر الفصل و من أجورهم التي اعتادوا الانفاق منها على أسرهم و سداد بعض القروض الصغيرة أو غيرها لتمويل شراء سيارة او سكن إجتماعي الى غير ذلك من الحاجيات الضرورية
خاتمة :
نختم هذا التعليق بالتأكيد مرة أخرى على أهمية حياد القضاء في التطبيق السليم للقانون ، والى عهد قريب كان السيد فيليب فاكي قيدوم قضاة الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض الفرنسية PHILPPE WAQUETكان يطبق القانون او يفسره لصلح العمال اي بنكهة نقابيىة ، ولما جاء خلفه القاضي رئيس الغرفة الاجتماعية السيد جان إيف فروين JEAN - YVES FROUIN كان يفسر مدونة الشغل لصالح المقاولات اي بنكهة رأسمالية ( أنظر جريدة لوفيغارو / صفحة الاقتصاد ليوم1/11/2018) ، و نحن لا نريد لقضائنا الاجتماعي ان يكون قضاء احمرا و أزرقا ، لا نقابيا و لا رأسماليا ، بل قضاء إنسانيا يطبق القانون تطبيقا سليما و بحياد تام و بالانصاف كما يلزمه بذلك دستور المملكة المغربية أملي ان تكون الرسالة قد وصلت ، والله ولي التوفيق .