
تمهيد :
مسطرة إنهاء عقد الشغل بفصل الأجير تـأديبيا تقتضي مشاركة طرفي عقد الشغل في القيام بإجراءات إتمامها و إن رفض أحدهما ذلك فالمشرع توقع هذه الفرضية و اوجد لها الحل المناسب ، ولكن ليس على حساب مؤسسة مفتش الشغل ولا على حساب الأجير المعني الأول بهذه المسطرة .
1 - الوقائع والمسطرة :
حسب ما نشرته إحدى المواقع الالكترونية ( هسبريس ، السبت 23/8/2025 ) قضت المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء برفض الدعوى التي تقدَّم بها سائق حافلات للنقل ضد المقاولة التي تشغله، وطالب الحكم عليها من خلالها بتعويضات بسبب فصله تعسفيا عن العمل بعد رفضه سنة 2023 تنفيذ تعليماتها تأمره فيها بإجراء تحاليل طبية دورية ، وهو ما يعد في نظرها خطأ جسيما لأنه من مصلحة المقاولة تتبع الحالة الصحية للسائقين التابعين اليها وهي غاية نبيلة و هدف مشروع لا خلاف حوله ، و ربما تبقى الاشكالية في كيفية بلوغ هذا الهدف وتحقيق الغاية المرجوة منه بوسائل قانونية ، ولذلك شرعت المقاولة في مسطرة فصل الأجير / السائق و طلبت منه الحضور في جلسة الاستماع رفقة مندوب الأجراء ، وتعذر الاستماع الى الأجير بسبب رفضه الحضور للإستماع عليه كما تنص على ذلك المادة 62 من مدونة الشغل ، فقررت المقاولة فصله عن العمل نهائيا على أساس انه ارتكب خطأ جسيما طبقا للمادة 39 من مدونة الشغل لما رفض عرض نفسه على فحص طبي بطلب من مشغلته ، وقبل رفع دعوى المنازعة في مقرر الفصل التعسفي لجأ الأجير / السائق الى إلى مفتش الشغل، لكن المدّعى عليها (المقاولة أو من ينوب عنها) تخلّفت عن الحضور، رغم توصلها باستدعاءين للحضور بجلسة بمكتب مفتش الشغل التي كان من المفروض قانونا أن تعقد لهذا السبب .
الشيء الذي اضطر معه السائق الى رفع دعوى المنازعة في فصله تأديبيا و القضاء لفائدته بالتعويضات التالية: “8905,42 دراهم عن الإخطار، 4452,71 درهما عن العطل السنوية، 16.439 درهمًا عن الفصل، 46.753 درهمًا عن الضرر، ثم 50.000 درهم عن الضرر المادي والمعنوي، مع تسليمه شهادة العمل تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 300 درهم عن كل يوم تأخير من تاريخ الامتناع، و بجعل الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل .
و استند المدعي في دعواه على أن مشغّلته (( اختارت، وبدون أي سبب، أن تجري عليه تحاليل طبية لم يحن وقتها بعد”، مضيفا بأن “العنوان الذي أُحيلت عليه تفاصيل الإجراءات المعمول بها ضده من قبل الشركة المشغّلة هو عنوان لم يعد مسجلًا ببطاقته الوطنية التي قام بتسليمها لفائدتها)).
وفي مقابل ذلك التمست المدّعى عليها من المحكمة إجراء بحث للوقوف على ظروف وملابسات أسباب إنهاء العلاقة الشغلية ، الأمر الذي تم خلال عدة جلسات وبذلك و بعد الانتهاء من الاجراءات القانونية والقضائية صدر الحكم بجلسة 19 ماي 2025 قضت فيه المحكمة بسقوط حق المدعي في إقامة هذه الدعوى، وفق المادة 65 من مدونة الشغل، مؤكدة رفضها كافة طلباته جملةً وتفصيلًا، مع إبقاء الصائر على عاتقه في إطار المساعدة القضائية.
واستندت للمحكمة في تعليلها على أن المقاولة المدعى عليها احترمت كافة مقتضيات مسطرة الفصل و الاستماع في حق المدعي، ليكون بذلك دفعها و تمسّكها بسقوط الدعوى، لتجاوز الطرف الآخر اي المدعي / السائق أجل 90 يومًا المنصوص عليه في المادة 65 المذكورة، في محلّه، ما دام أنه توصّل بمقرر الفصل في 21 يوليوز 2023، ولم يبادر إلى رفع دعوى قضائية إلا في 25 فبراير 2025؛ أي بعد أكثر من سنة ونصف السنة على واقعة الطرد”.
أما بخصوص ما تمسك به المدعي بخصوص عدم استكمال المقاولة المُدّعى عليها مسطرة الفصل القانونية أمام مفتش الشغل ، فلقد ردت عليه المحكمة بأن (( الأمر يتعلق بدفعٍ قد تم تجاوزه منذ مدة طويلة، بعد أن أقرت محكمة النقض في اجتهادات متواترة أن المشغل ملزم فقط بتبليغ مفتش الشغل بذلك، وبوثائق ومسطرة الاستماع ، لكي تتحقق الغاية من الفقرة الأخيرة من المادة 62 من المدونة، وهو ما قامت به المدعى عليها، والثابت من خلال نسخة دفتر التداول المشار إليها سابقًا )) .
2 - الاشكالية المثارة في الحكم موضوع التعليق :
هل صحيح أنه إذا فشل الأجير و مشغله في إتمام مسطرة فصله تأديبيا - بسبب رفضها غالبا من طرف الأجير - يكفي المشغل ان يقوم بتبليغ مفتش الشغل بمقرر الفصل ، وبوثائق ومسطرة الاستماع كحل عملي براغماتي ، أم على العكس من ذلك هناك حلول و إجراءات أخرى قانونية يتعين القيام بها ؟
3 - القرار في ميزان القانون:
أولا - بداية نلاحظ ان المحكمة طبقت المادة 65 من مدونة الشغل و حكمت بسقوط دعوى المدعي لأنه لم يرفعها داخل أجل 90 يوما ، و إذا كان هذا صحيحا فلماذا اجرت المحكمة بحثا في الدعوى التي استغرقت كل هذه المدة ما بين 2023 و 2025 ، فعادة الأحكام القضائية المتعلقة بالتقادم او سقوط الحق في إقامة الدعوى بعد مرور مدة زمنية معينة لا تكون في حاجة الى كل هذا الوقت من بحث او تعقيب متكرر ففي مثل الدعاوى من المفروض ان يصدر الحكم بالتقادم او بسقوط الحق في رفعها داخل 3 او 4 شهور وليس سنتين ما لم تكن هناك صعوبات في تحقيق الدعوى بطبيعة الحال .
ثانيا - تنص المادة 62 من مدونة الشغل على انه : (( يجب ، قبل فصل الأجير ، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه ، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب المنسوب اليه
يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة ، يوقعه الطرفان ، وتسلم نسخة منه إلى الأجير.
إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة ، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل. )) ،
وان التطبيق السليم لهذه المادة على وقائع الدعوى يقتضي ان نناقشه من خلال الملاحظات التالية :
أ - في حالة تعذر الشروع في مسطرة الفصل التاديبي للأجير ، او في إتمامها ، او فشلها داخل مكاتب المقاولة فإنه يجب اللجوء الى مفتش الشغل ، وهو ما تمسك به المدعي / السائق و رفضته المحكمة بتعليل مفاده انــه (( يكفي المشغل ان يقوم بتبليغ مفتش الشغل بمقرر الفصل ، وبوثائق ومسطرة الاستماع ))
ب – عن أية وثائق أو مسطرة للاستماع للأجير تتحدث المحكمة الموقرة والحال ان وقائع الدعوى تشير الى أن الأجير رفض حضور جلسة الاستماع اليه مما يعني ان مسطرة الاستماع لم تجر أصلا ، فهل يتسلم مفتش الشغل الملف فارغا من المشغل ، فهل هذه نية المشرع في المادة 62 من مدونة الشغل ؟ لا نعتقد ذلك .
ج – حسب المادة 62 من مدونة الشغل مسطرة الفصل التأديبي للأجير تمر بثلاثة مراحل :
الأولى : امام المشغل ،
والثانية : امام مفتش الشغل في حالة فشل المسطرة في المرحلة الأولى ،
والثالثة : امام المحكمة لمراقبة حسن تطبيق مسطرة الفصل التأديبي للأجير وفقا لمدونة الشغل (راجع المادة 64 من مدونة الشغل)
وكل جهة سواء كانت مقاولة او مفتشية الشغل او محكمة لها نصوصها القانونية الخاصة بها و التي تحدد و تنظم اختصاصاتها و لايجوز لهذه الجهة او تلك ان تتدخل في اختصاصات الجهة الأخرى او تعدلها على نحو يضعف او يقلص او يحد من اختصاصات ووظائف الجهة الأخرى خصوصا إذا كان مبدأ فصل السلط دستوريا لا يسعف على ذلك بتاتا ، وبعبارة اوضح نقول لما كانت المادة 62 من مدونة الشغل تنص على اللجوء الى مفتش الشغل عند فشل مسطرة الفصل التأديبي امام المشغل فإن الهدف من ذلك هو إتمام المسطرة التي تعثرت او لم تبدأ اصلا بسبب موقف احد اطراف علاقة الشغل وفي الغالب يكون ذلك بسبب موقف من الأجير الذي يرفض ان يتم الاستماع اليه لأنه لا يثق في مشغله حسب تصور المشرع وربما لأنه يثق أكثر في مفتش الشغل ، فلهذا السبب ارتأى المشرع ان يتم اللجوء اليه للقيام بهذا المهمة الصعبة الا وهي إتمام مسطرة الفصل التاديبي التي لم تكلل بالنجاح امام المشغل ،فمن له يا ترى المصلحة في سلب و إفراغ مؤسسة مفتشية الشغل من اختصاصاتها الجوهرية و إدخال الكثير والمزيد من المرونة العشوائية على مدونة الشغل خارج الشرعية و خارج قبة البرلمان و بالاجتهاد فيما لا يجوز الاجتهاد فيه قانونا؟
4 - مدى اعتبار القرار إجتهادا قضائيا و أثره الاقتصادي و الإجتماعي :
إن الحكم موضوع التعليق في حالة الطعن فيه سوف تؤيده محكمة الاستئناف ومعها محكمة النقض / الغرفة الاجتماعية لاحقا لأن هذه الأخيرة سبق لها ان أصدرت قرارا بتاريخ 21/3/2023 قضت فيه بأنه : (( حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، فمن جهة أولى فإن الفقرتين الأولى والثانية من المادة 62 إذا كانتا واضحتي الدلالة، من حيث وجوب إتباع الشكليات الواردة بها ، ويفهم المراد منهما من اللفظ نفسه، فإن الفقرة الثالثة من المادة نفسها، غير واضحة الدلالة من لفظها، لعدم بيان المشرع المراد من اللجوء إلى مفتش الشغل، وقد تبين من الأعمال التحضيرية لمدونة الشغل، أنه تم اقتراح تعديل المادة 62، بإضافة فقرة جديدة تنص على إرسال المحضر إلى مفتش الشغل بواسطة البريد المضمون، في حالة رفض الأجير التوقيع عليه، وهو ما يفهم منه، أن الغرض من اللجوء إلى مفتش الشغل، هو مجرد الإخبار بتعذر إنجاز مسطرة الاستماع أو إتمامها، وليس مباشرتها، أو الإشراف عليها، أو مواصلتها، وهو بذلك يعتبر مجرد إجراء إداري لم يثبت حصول أي ضررا للأجير من عدم سلوكه، لأن نص المادة 62 من مدونة الشغل واضحة وصريحة في كون مسطرة الاستماع تتم داخل المقاولة ومن جهة ثانية، فإن الأجل الوحيد التي نصت عليه المادة 62 من مدونة الشغل هو الاستماع للأجير داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ التبين من الخطأ، ولم تنص على الأجل الذي يمنح للأجير بين تاريخ الاستدعاء وتاريخ الاستماع إليه، وأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، لما بنت قرارها على أساس خرق مسطرة الفصل بعدم اللجوء لمفتش الشغل لاستكمال المسطرة، بعد رفض الأجير التوقيع على محضر جلسة الاستماع وعدم منحه الأجل الكافي بين استدعائه وتاريخ الاستماع إليه رغم عدم التنصيص على الأجل بصريح المادة 62 أعلاه، تكون قد خرقت المقتضيات القانونية المستدل بها وجاء قرارها معللا تعليلا ناقصا موازيا لانعدامه ويتعين نقضه. ))(( قرار رقم 342/1 ملف اجتماعي عدد 3018/5/1/2022 ، منشور بموقع محكمة النقض الالكتروني ))
وغني عن البيان انه سيصعب على محكمة النقض ان تتراجع عن تطبيقها الأخير للمادة 62 من مدونة الشغل و ترجع لمفتش الشغل اختصاصاته القانونية التي سحبت منه ما لم تفعل ذلك وهي مجتمعة بغرفتين او بكافة غرفها إذا بدا لها و عن صواب ان هذه الاشكالية تحتاج الى معالجة و مداولة اخرى أو صيغة مغايرة نوعا ما للبت فيها ،
وهذا ليس بعزيز على محكمة النقض / الغرفة الاجتماعية التي سبق لها أن أصدرت قرارا بتاريخ 29/5/2014 قضت فيه بأن : (( ... مسطرة الفصل التي تتم بمكتب المفتش طبقا للفصل62 من مدونة الشغل في غياب مندوب الاجراء أو الممثل النقابي يجعل المسطرة مختلة ... ))(( قرار رقم : 739 بتاريخ 29/5/2014 ملف عدد 509/5/1/2013) مما يعني ان إشراف مفتش الشغل على إتمام مسطرة الفصل طبقا للمادة 62 من مدونة الشغل في حالة فشلها امام المشغل واجب عليه و لايمكن ان تسلب منه هذه الاختصاصات مهما كانت الذرائع او الأسباب التي لاسند لها في القانون ،
و أكدت محكمة النقض هذا الاتجاه في قرار لاحق صدر بتاريخ 29/10/2019 و قضت: (( بأن مسطرة الفصل يجب أن تتم أمام مفتش الشغل بحضور طرفي عقد الشغل و أن المادة 62 من مدونة الشغل تخاطب المشغل و الأجير ، وهذا الأخيرملزم بالتوجه الى مفتش الشغل ... )) (( الغرفة الاجتماعية قرار رقم : 1536/1 ملف عدد 621/5/1/2019 )) ، ومن البديهي أن محكمة النقض في هذا القرار لما ألزمت الأجير بالتوجه الى مكتب مفتش الشغل فليس لكي يشرب معه فنجان شاي او قهوة بل لإتمام مسطرة الفصل المتعثرة بمكتب المشغل طبقا للمادة 62 من مدونة الشغل حسب فهمنا المتواضع
خاتمة :
نأمل ان تعمل وزارة التشغيل على تقديم مشروع قانون :
1 - لتعديل المادة 62 مدونة الشغل لرد الاعتبار الى وظيفة مفتش الشغل و حتى لا يسحب منه الاجتهاد القضائي اختصاصاته على النحو المبين في القرار موضوع التعليق ، وتساءلنا فيه عمن له مصلحة في تهميش مؤسسة مفتش الشغل ؟
2- لتعديل المادة 63 من نفس المدونة حتى لا يفرغ الدفع " بمغادرة الأجير لشغله تلقائيا " مدونة الشغل من جوهرها و دورها الحمائي للأجير من الفصل التعسفي بناء على المادة 62 من مدونة الشغل ، والله أعلم .
مسطرة إنهاء عقد الشغل بفصل الأجير تـأديبيا تقتضي مشاركة طرفي عقد الشغل في القيام بإجراءات إتمامها و إن رفض أحدهما ذلك فالمشرع توقع هذه الفرضية و اوجد لها الحل المناسب ، ولكن ليس على حساب مؤسسة مفتش الشغل ولا على حساب الأجير المعني الأول بهذه المسطرة .
1 - الوقائع والمسطرة :
حسب ما نشرته إحدى المواقع الالكترونية ( هسبريس ، السبت 23/8/2025 ) قضت المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء برفض الدعوى التي تقدَّم بها سائق حافلات للنقل ضد المقاولة التي تشغله، وطالب الحكم عليها من خلالها بتعويضات بسبب فصله تعسفيا عن العمل بعد رفضه سنة 2023 تنفيذ تعليماتها تأمره فيها بإجراء تحاليل طبية دورية ، وهو ما يعد في نظرها خطأ جسيما لأنه من مصلحة المقاولة تتبع الحالة الصحية للسائقين التابعين اليها وهي غاية نبيلة و هدف مشروع لا خلاف حوله ، و ربما تبقى الاشكالية في كيفية بلوغ هذا الهدف وتحقيق الغاية المرجوة منه بوسائل قانونية ، ولذلك شرعت المقاولة في مسطرة فصل الأجير / السائق و طلبت منه الحضور في جلسة الاستماع رفقة مندوب الأجراء ، وتعذر الاستماع الى الأجير بسبب رفضه الحضور للإستماع عليه كما تنص على ذلك المادة 62 من مدونة الشغل ، فقررت المقاولة فصله عن العمل نهائيا على أساس انه ارتكب خطأ جسيما طبقا للمادة 39 من مدونة الشغل لما رفض عرض نفسه على فحص طبي بطلب من مشغلته ، وقبل رفع دعوى المنازعة في مقرر الفصل التعسفي لجأ الأجير / السائق الى إلى مفتش الشغل، لكن المدّعى عليها (المقاولة أو من ينوب عنها) تخلّفت عن الحضور، رغم توصلها باستدعاءين للحضور بجلسة بمكتب مفتش الشغل التي كان من المفروض قانونا أن تعقد لهذا السبب .
الشيء الذي اضطر معه السائق الى رفع دعوى المنازعة في فصله تأديبيا و القضاء لفائدته بالتعويضات التالية: “8905,42 دراهم عن الإخطار، 4452,71 درهما عن العطل السنوية، 16.439 درهمًا عن الفصل، 46.753 درهمًا عن الضرر، ثم 50.000 درهم عن الضرر المادي والمعنوي، مع تسليمه شهادة العمل تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 300 درهم عن كل يوم تأخير من تاريخ الامتناع، و بجعل الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل .
و استند المدعي في دعواه على أن مشغّلته (( اختارت، وبدون أي سبب، أن تجري عليه تحاليل طبية لم يحن وقتها بعد”، مضيفا بأن “العنوان الذي أُحيلت عليه تفاصيل الإجراءات المعمول بها ضده من قبل الشركة المشغّلة هو عنوان لم يعد مسجلًا ببطاقته الوطنية التي قام بتسليمها لفائدتها)).
وفي مقابل ذلك التمست المدّعى عليها من المحكمة إجراء بحث للوقوف على ظروف وملابسات أسباب إنهاء العلاقة الشغلية ، الأمر الذي تم خلال عدة جلسات وبذلك و بعد الانتهاء من الاجراءات القانونية والقضائية صدر الحكم بجلسة 19 ماي 2025 قضت فيه المحكمة بسقوط حق المدعي في إقامة هذه الدعوى، وفق المادة 65 من مدونة الشغل، مؤكدة رفضها كافة طلباته جملةً وتفصيلًا، مع إبقاء الصائر على عاتقه في إطار المساعدة القضائية.
واستندت للمحكمة في تعليلها على أن المقاولة المدعى عليها احترمت كافة مقتضيات مسطرة الفصل و الاستماع في حق المدعي، ليكون بذلك دفعها و تمسّكها بسقوط الدعوى، لتجاوز الطرف الآخر اي المدعي / السائق أجل 90 يومًا المنصوص عليه في المادة 65 المذكورة، في محلّه، ما دام أنه توصّل بمقرر الفصل في 21 يوليوز 2023، ولم يبادر إلى رفع دعوى قضائية إلا في 25 فبراير 2025؛ أي بعد أكثر من سنة ونصف السنة على واقعة الطرد”.
أما بخصوص ما تمسك به المدعي بخصوص عدم استكمال المقاولة المُدّعى عليها مسطرة الفصل القانونية أمام مفتش الشغل ، فلقد ردت عليه المحكمة بأن (( الأمر يتعلق بدفعٍ قد تم تجاوزه منذ مدة طويلة، بعد أن أقرت محكمة النقض في اجتهادات متواترة أن المشغل ملزم فقط بتبليغ مفتش الشغل بذلك، وبوثائق ومسطرة الاستماع ، لكي تتحقق الغاية من الفقرة الأخيرة من المادة 62 من المدونة، وهو ما قامت به المدعى عليها، والثابت من خلال نسخة دفتر التداول المشار إليها سابقًا )) .
2 - الاشكالية المثارة في الحكم موضوع التعليق :
هل صحيح أنه إذا فشل الأجير و مشغله في إتمام مسطرة فصله تأديبيا - بسبب رفضها غالبا من طرف الأجير - يكفي المشغل ان يقوم بتبليغ مفتش الشغل بمقرر الفصل ، وبوثائق ومسطرة الاستماع كحل عملي براغماتي ، أم على العكس من ذلك هناك حلول و إجراءات أخرى قانونية يتعين القيام بها ؟
3 - القرار في ميزان القانون:
أولا - بداية نلاحظ ان المحكمة طبقت المادة 65 من مدونة الشغل و حكمت بسقوط دعوى المدعي لأنه لم يرفعها داخل أجل 90 يوما ، و إذا كان هذا صحيحا فلماذا اجرت المحكمة بحثا في الدعوى التي استغرقت كل هذه المدة ما بين 2023 و 2025 ، فعادة الأحكام القضائية المتعلقة بالتقادم او سقوط الحق في إقامة الدعوى بعد مرور مدة زمنية معينة لا تكون في حاجة الى كل هذا الوقت من بحث او تعقيب متكرر ففي مثل الدعاوى من المفروض ان يصدر الحكم بالتقادم او بسقوط الحق في رفعها داخل 3 او 4 شهور وليس سنتين ما لم تكن هناك صعوبات في تحقيق الدعوى بطبيعة الحال .
ثانيا - تنص المادة 62 من مدونة الشغل على انه : (( يجب ، قبل فصل الأجير ، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه ، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب المنسوب اليه
يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة ، يوقعه الطرفان ، وتسلم نسخة منه إلى الأجير.
إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة ، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل. )) ،
وان التطبيق السليم لهذه المادة على وقائع الدعوى يقتضي ان نناقشه من خلال الملاحظات التالية :
أ - في حالة تعذر الشروع في مسطرة الفصل التاديبي للأجير ، او في إتمامها ، او فشلها داخل مكاتب المقاولة فإنه يجب اللجوء الى مفتش الشغل ، وهو ما تمسك به المدعي / السائق و رفضته المحكمة بتعليل مفاده انــه (( يكفي المشغل ان يقوم بتبليغ مفتش الشغل بمقرر الفصل ، وبوثائق ومسطرة الاستماع ))
ب – عن أية وثائق أو مسطرة للاستماع للأجير تتحدث المحكمة الموقرة والحال ان وقائع الدعوى تشير الى أن الأجير رفض حضور جلسة الاستماع اليه مما يعني ان مسطرة الاستماع لم تجر أصلا ، فهل يتسلم مفتش الشغل الملف فارغا من المشغل ، فهل هذه نية المشرع في المادة 62 من مدونة الشغل ؟ لا نعتقد ذلك .
ج – حسب المادة 62 من مدونة الشغل مسطرة الفصل التأديبي للأجير تمر بثلاثة مراحل :
الأولى : امام المشغل ،
والثانية : امام مفتش الشغل في حالة فشل المسطرة في المرحلة الأولى ،
والثالثة : امام المحكمة لمراقبة حسن تطبيق مسطرة الفصل التأديبي للأجير وفقا لمدونة الشغل (راجع المادة 64 من مدونة الشغل)
وكل جهة سواء كانت مقاولة او مفتشية الشغل او محكمة لها نصوصها القانونية الخاصة بها و التي تحدد و تنظم اختصاصاتها و لايجوز لهذه الجهة او تلك ان تتدخل في اختصاصات الجهة الأخرى او تعدلها على نحو يضعف او يقلص او يحد من اختصاصات ووظائف الجهة الأخرى خصوصا إذا كان مبدأ فصل السلط دستوريا لا يسعف على ذلك بتاتا ، وبعبارة اوضح نقول لما كانت المادة 62 من مدونة الشغل تنص على اللجوء الى مفتش الشغل عند فشل مسطرة الفصل التأديبي امام المشغل فإن الهدف من ذلك هو إتمام المسطرة التي تعثرت او لم تبدأ اصلا بسبب موقف احد اطراف علاقة الشغل وفي الغالب يكون ذلك بسبب موقف من الأجير الذي يرفض ان يتم الاستماع اليه لأنه لا يثق في مشغله حسب تصور المشرع وربما لأنه يثق أكثر في مفتش الشغل ، فلهذا السبب ارتأى المشرع ان يتم اللجوء اليه للقيام بهذا المهمة الصعبة الا وهي إتمام مسطرة الفصل التاديبي التي لم تكلل بالنجاح امام المشغل ،فمن له يا ترى المصلحة في سلب و إفراغ مؤسسة مفتشية الشغل من اختصاصاتها الجوهرية و إدخال الكثير والمزيد من المرونة العشوائية على مدونة الشغل خارج الشرعية و خارج قبة البرلمان و بالاجتهاد فيما لا يجوز الاجتهاد فيه قانونا؟
4 - مدى اعتبار القرار إجتهادا قضائيا و أثره الاقتصادي و الإجتماعي :
إن الحكم موضوع التعليق في حالة الطعن فيه سوف تؤيده محكمة الاستئناف ومعها محكمة النقض / الغرفة الاجتماعية لاحقا لأن هذه الأخيرة سبق لها ان أصدرت قرارا بتاريخ 21/3/2023 قضت فيه بأنه : (( حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، فمن جهة أولى فإن الفقرتين الأولى والثانية من المادة 62 إذا كانتا واضحتي الدلالة، من حيث وجوب إتباع الشكليات الواردة بها ، ويفهم المراد منهما من اللفظ نفسه، فإن الفقرة الثالثة من المادة نفسها، غير واضحة الدلالة من لفظها، لعدم بيان المشرع المراد من اللجوء إلى مفتش الشغل، وقد تبين من الأعمال التحضيرية لمدونة الشغل، أنه تم اقتراح تعديل المادة 62، بإضافة فقرة جديدة تنص على إرسال المحضر إلى مفتش الشغل بواسطة البريد المضمون، في حالة رفض الأجير التوقيع عليه، وهو ما يفهم منه، أن الغرض من اللجوء إلى مفتش الشغل، هو مجرد الإخبار بتعذر إنجاز مسطرة الاستماع أو إتمامها، وليس مباشرتها، أو الإشراف عليها، أو مواصلتها، وهو بذلك يعتبر مجرد إجراء إداري لم يثبت حصول أي ضررا للأجير من عدم سلوكه، لأن نص المادة 62 من مدونة الشغل واضحة وصريحة في كون مسطرة الاستماع تتم داخل المقاولة ومن جهة ثانية، فإن الأجل الوحيد التي نصت عليه المادة 62 من مدونة الشغل هو الاستماع للأجير داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ التبين من الخطأ، ولم تنص على الأجل الذي يمنح للأجير بين تاريخ الاستدعاء وتاريخ الاستماع إليه، وأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، لما بنت قرارها على أساس خرق مسطرة الفصل بعدم اللجوء لمفتش الشغل لاستكمال المسطرة، بعد رفض الأجير التوقيع على محضر جلسة الاستماع وعدم منحه الأجل الكافي بين استدعائه وتاريخ الاستماع إليه رغم عدم التنصيص على الأجل بصريح المادة 62 أعلاه، تكون قد خرقت المقتضيات القانونية المستدل بها وجاء قرارها معللا تعليلا ناقصا موازيا لانعدامه ويتعين نقضه. ))(( قرار رقم 342/1 ملف اجتماعي عدد 3018/5/1/2022 ، منشور بموقع محكمة النقض الالكتروني ))
وغني عن البيان انه سيصعب على محكمة النقض ان تتراجع عن تطبيقها الأخير للمادة 62 من مدونة الشغل و ترجع لمفتش الشغل اختصاصاته القانونية التي سحبت منه ما لم تفعل ذلك وهي مجتمعة بغرفتين او بكافة غرفها إذا بدا لها و عن صواب ان هذه الاشكالية تحتاج الى معالجة و مداولة اخرى أو صيغة مغايرة نوعا ما للبت فيها ،
وهذا ليس بعزيز على محكمة النقض / الغرفة الاجتماعية التي سبق لها أن أصدرت قرارا بتاريخ 29/5/2014 قضت فيه بأن : (( ... مسطرة الفصل التي تتم بمكتب المفتش طبقا للفصل62 من مدونة الشغل في غياب مندوب الاجراء أو الممثل النقابي يجعل المسطرة مختلة ... ))(( قرار رقم : 739 بتاريخ 29/5/2014 ملف عدد 509/5/1/2013) مما يعني ان إشراف مفتش الشغل على إتمام مسطرة الفصل طبقا للمادة 62 من مدونة الشغل في حالة فشلها امام المشغل واجب عليه و لايمكن ان تسلب منه هذه الاختصاصات مهما كانت الذرائع او الأسباب التي لاسند لها في القانون ،
و أكدت محكمة النقض هذا الاتجاه في قرار لاحق صدر بتاريخ 29/10/2019 و قضت: (( بأن مسطرة الفصل يجب أن تتم أمام مفتش الشغل بحضور طرفي عقد الشغل و أن المادة 62 من مدونة الشغل تخاطب المشغل و الأجير ، وهذا الأخيرملزم بالتوجه الى مفتش الشغل ... )) (( الغرفة الاجتماعية قرار رقم : 1536/1 ملف عدد 621/5/1/2019 )) ، ومن البديهي أن محكمة النقض في هذا القرار لما ألزمت الأجير بالتوجه الى مكتب مفتش الشغل فليس لكي يشرب معه فنجان شاي او قهوة بل لإتمام مسطرة الفصل المتعثرة بمكتب المشغل طبقا للمادة 62 من مدونة الشغل حسب فهمنا المتواضع
خاتمة :
نأمل ان تعمل وزارة التشغيل على تقديم مشروع قانون :
1 - لتعديل المادة 62 مدونة الشغل لرد الاعتبار الى وظيفة مفتش الشغل و حتى لا يسحب منه الاجتهاد القضائي اختصاصاته على النحو المبين في القرار موضوع التعليق ، وتساءلنا فيه عمن له مصلحة في تهميش مؤسسة مفتش الشغل ؟
2- لتعديل المادة 63 من نفس المدونة حتى لا يفرغ الدفع " بمغادرة الأجير لشغله تلقائيا " مدونة الشغل من جوهرها و دورها الحمائي للأجير من الفصل التعسفي بناء على المادة 62 من مدونة الشغل ، والله أعلم .