MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



وجهة نظر حول مشروع مخطط الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة

     

الدكتور إدريـــــــــس فـــــجـــــر
المستشار بالنقض
دكـــــــــتور في الحــــــقـــــــوق



وجهة نظر حول  مشروع مخطط الإصلاح الشامل  والعميق لمنظومة العدالة
1- هو أول مشروع مخطط رسمي من نوعه لوزارة العدل منذ سنة 2007 بشأن إصلاح منظومة العدالة التي يعد القضاء أحد مكوناتها ، والظاهر أن أطر الإدارة المركزية بذلوا في هذا الصدد مجهودات لا يمكن تجاهلها و لابد من التنويه بها .

وعرض السيد وزير العدل المشروع على السادة المسؤولين القضائيين بمحاكم المملكة بالمعهد العالي للقضاء في آخر فبراير2012 ، وارتأينا أن ندلي بوجهة نظرنا - أولية- بخصوص هذا المشروع وللمساهمة في النقاش الدائر حوله منذ مدة ومن المنتظر أن تدشن الوزارة حوارا وطنيا بشأنه.

2- إذن هناك على ما يبدو إرادة سياسية للحكومة الجديدة برئاسة السيد عبد الإله بنكيران لإصلاح القضاء بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في 25/11/2011 تمهيدا لتنزيل مضامين الدستور الجديد المستفتى بشأنه في 1-7-2011.

ولم يفت الملاحظين أن يتساءلوا عن علاقة القرابة التي يمكن أن تكون بين مشروع الإصلاح وبين البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية حول إصلاح القضاء على اعتبار أن السيد وزير العدل والحريات ينتمي لهذا الحزب، وبعبارة أصح وأدق هل هناك انسجام بين المشروعين علما بان برنامج الحزب وضعه سياسيون بينما المخطط وضع أرضيته-على الأرجح - تيكنوقراط الوزارة ؟ والبرنامج الحزبي لإصلاح القضاء المنشور سنة 2007كان مشروعا متقدما في الكثير من جوانبه لا ينقصه إلا التفعيل ، وتجاوب مع بعض فقراته دستور 1يوليوز 2011، و أعتقد أن ديوان السيد الوزير لا زال يتذكر ذالك المشروع الحزبي للعدالة والتنمية حول القضاء،خاصة وأن الحزب يتوفر على خبراء في القانون من مستوى عالي من أمثال : حامي الدين ،وعبد المالك ، وبن عبد الصادق ،خليل ، وخيري ،الخ...

3- وفي جميع الأحوال - وباستثناء ما جاء في المشروع(ص.10) من إشارة عابرة إلى بعض الأرقام والإحصائيات - لوحظ أن مرجعيات مشروع مخطط الإصلاح تفتقر إلى دراسة علمية و عملية مسبقة ترصد كل جوانب الخلل في الجهاز القضائي وتجيب بكل بساطة عما ينتظره المواطن العادي و المثقف والمستثمر من هذا الإصلاح ؟ ويضاف إلى ما سبق أن بعض فقرات المشروع تمت صياغتها بلغة ممزوجة بكثير من التفاؤل ، أما تدابير المخطط أو مشاريعه فلقد تم تعدادها بشكل مبالغ فيه (174مشروع)، أي انه فيه كثير من الإطناب ،ولا تدخل كلها في صلب الإصلاح وجوهره، على اعتبار أن بعض فقراته تدخل في العمل المعتاد و اليومي للوزارة (ص.12 ومابعدها) ، ولعلم السادة واضعي المخطط أن الأفكار الأكثر بساطة هي الأكثر نجاحا:
les idees les plus simples sont les plus reussies

ولم يأخذ المشروع بعين الاعتبار التعديلات الدستورية الأخيرة والتي جعلت من المجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤسسة دستورية مستقلة عن وزير العدل ، في حين أن المخطط يتعامل مع هذه المؤسسة الدستورية وكأنها لازالت تابعة لوزارة العدل (الصفحة 8 من المخطط)، كما يلاحظ على مشروع المخطط أنه أدمج المجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمن المؤسسات القضائية الأخرى، يعني المحاكم،في حين أن المجلس المذكور ليس بمحكمة(نفس ص.8)

4- وفيما يتعلق بالأولويات في مشروع المخطط فهي غير مرتبة بشكل منطقي ، فمثلا قضاء القرب (الرتبة 27من أصل 174 مشروع) أعطيت له الأسبقية على حساب أولويات أخرى أكثر أهمية ،وفي هذا السياق نرى أن موضوع التخليق (الرتبة 9من أصل 174 مشروع)لا يحتل المكانة البارزة التي تليق به ، رغم أن السيد الوزير يوليه أهمية قصوى في كل تدخلاته تقريبا ، وهو كذالك مرتبط أشد الارتباط بمسألة تحسين الوضعية المادية للقضاة التي لم يقع الالتفات إليها رغم المساعي العديدة التي بذلتها كل من الودادية الحسنية للقضاة وجمعية نادي القضاة بالمغرب.

وفي مقابل ذالك أعطى المشروع أسبقية لبعض الملفات كملف حقوق الطفل(له رتبة جد متقدمة : الرتبة 7 من أصل 174 مشروع) وان كان هذا الملف من اختصاص وزارات أخرى كالوزارة المكلفة بشؤون الأسرة والمرأة ووزارة التشغيل ، ويستحسن أن يترك لقيصر ما لقيصر، فلو استطاع الوزير الأستاذ مصطفى الرميد ، من جهة ، إصلاح الأعطاب العديدة التي لحقت بالجهاز القضائي وتراكمت خلال العشرين سنة الأخيرة وقام بالتأهيل التقني لهذا الجهاز حتى يصبح قادرا على إعطاء أفضل إنتاج سواء من حيث الكم أو الكيف، واستطاع ، من جهة أخرى،أن يعيد تنظيم علاقة القاضي بالمسؤول القضائي لاسترجاع الاحترام والثقة المفقودتين بينهما ، لكان أول وزير للعدل يحق له أن يفخر بأنه قد نجح في مهمته قبل أن يغادر قصر المامونية عند انتهاء ولايته، وعليه أن يبادر و أن يسرع في تحقيق مخططاته .

5- أما فيما يتعلق بملف تكوين القضاة وموظفي المحاكم فإن إصلاح المعهد القضائي غير وارد في مشروع المخطط ، اللهم ما كان من إشارة المشروع إلى تشييد بناية جديدة لهذه المؤسسة (الرتبة 14في المشروع ) ، وهذا ليس بإصلاح ،لأن بناء الإنسان أولى من بناء بناية، ، طالما أن الإصلاح المنشود لا يمس مناهج التدريس بالمعهد وبرامج التكوين و الشروط الواجب توافرها في طاقم التدريس بالمعهد ، وعقلنة التسيير الإداري وتحسين النتائج المحصل عليها على المستوى التطبيقي والتكوين المهني للموارد البشرية قضاة وموظفين .

والظاهر أن المشروع لم يتجاوب لحد الساعة مع احتجاجات القضاة الشباب على كيفية التدريب بالمعهد القضائي وعلى شروط تنظيم حلقات التكوين المستمر الذي تلقى البعض منهم استفسارات من المسئولين القضائيين بسبب مقاطعتهم لهذه الحلقات ، ولقد عبر البعض منهم على أن المعهد مجرد محطة للعبور نحو الترسيم في السلك القضائي ، أما التدريب الفعلي فلا يبدأ حقيقة إلا بعد الالتحاق رسميا بأول محكمة .

6- لم يرد ذكر في مشروع المخطط للوسائل المادية والمالية التي ستعتمد في تنفيذ المشاريع ، ولن نفاجأ بتاتا إذا ما أشهرت وزارة نزار البركة ((فيتو)) اعتراضها على ميزانية الإصلاح - والذي يجب أن ترصد له ميزانية خاصة - نظرا للميول التقشفية المعهودة في هذه الوزارة ولا سيما ضد كل ما له صلة بالقضاء ،فلا إصلاح بدون ميزانية ، علما بأن ميزانية وزارة العدل لا تتعدى في أحسن الأحوال 1.5ما بين إلى 2 بالمائة من الميزانية العامة للدولة .

أما من حيث عامل الزمن في المشروع ، فالملاحظ أن جدولة المخطط الزمنية جاءت فضفاضة، بل وحسب عنوان مشروع المخطط فالإصلاح سيمتد أمدها مابين 2012 و 2015،علما بان السنة الحالية بقي منها أقل من 6 أشهر ولا زلنا فقط في مرحلة تشخيص علل منظومة العدالة في حين أن انتظارات المواطنين و المتقاضين من الإصلاح مطروحة أمام المسؤولين بشكل مستعجل ويريدون حلولا سريعة اليوم قبل الغد .

وعلى صعيد آخر لم يحدد مشروع المخطط بعد ما هو الدور الذي سيسند إلى المسئولين القضائيين وكذا إدارة كتابة الضبط للمساهمة في إنجاز الإصلاح مع أن دورهم محوري في إنجاح كل عملية الإصلاح ، ونفس الملاحظة تنطبق على الإدارة المركزية ، لأن تنفيذ مخطط الإصلاح لا يستلزم حشد الموارد المادية الكافية ، بل كذالك الموارد البشرية ذات الكفاءة والخبرة في مجال صناعة القضاء التي اكتسبها قضاة القضاء الجالس والواقف والإدارة المركزية كل حسب اختصاصه

7- في ختام هذه الورقة يمكن اعتبار مشروع مخطط إصلاح منظومة العدالة (في جانبه القضائي)مبادرة ايجابية على درب الإصلاح ، ويمكن وصفه بالمخطط العام لإصلاح العدالة و القضاء ، و لابد من أن تلحق به مخططات أخرى للتنفيذ ستكون أكثر تفصيلا يجب أن يساهم فيها كل الأطراف المعنية بالإصلاح القضائي ولا سيما الجمعيات الممثلة للقضاة الجادة شريطة أن يؤخذ برأيها في مشروع المخطط باعتبارها شريك أساسي في عملية الإصلاح وليس مجرد متفرج عليها .

ويعول الكثير من القضاة والفعاليات المهتمة بالشأن القضائي على الحوار الوطني المرتقب لمعرف النوايا الحقيقية للحكومة حيال الإصلاح القضائي الذي لا زالت منهجيته في علم الغيب ، وكذالك فرص نجاح عملية الإصلاح؟

ولنا عودة إن شاء الله إلى موضوع الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة ، لأن هذه الورقة الأولى تخص فقط مشروع مخطط إصلاح منظومة العدالة الذي تم الإعلان عليه في 28 فبراير2012 .



الاثنين 8 أكتوبر 2012

تعليق جديد
Twitter