MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



وجهة نظر حول التعويض عن فقدان الشغل في إطار المادة 59 من مدونة الشغل من خلال التعليق على حكم قضائي

     

الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 16/04/2008 تحت عدد 2953 في الملف عدد 6440/2007



وجهة نظر حول التعويض عن فقدان الشغل في إطار المادة 59 من مدونة الشغل من خلال التعليق على حكم قضائي

الأستاذ يوسف مرصود، محامي بهيئة الدار البيضاء

عــرض الوقائـــع:


المدعي الأجير نشر النزاع أمام المحكمة الإبتدائية بواسطة مقال افتتاحي بتاريخ 03/08/2007 يعرض فيه أنه التحق بالعمل لدى المدعى عليها المشغلة بتاريخ 01/01/1995 إلى أن تم توقيفه عن العمل دون مبرر مشروع بتاريخ 16/07/2007 وهو ما يشكل فصلا تعسفيا لمخالفته مقتضيات مدونة الشغل خصوصا المواد 34 و 43 و 62 وبذلك التمس القضاء له بالتعويضات عن الإخطار، والفصل، والفصل التعسفي، وفقدان الشغل في إطار المادة 59، والأقدمية والعطلة السنوية.

وأجابت المدعى عليها بجلسة 10/10/2007 بأن المدعي هو مثال للعامل السيء وأنه لا يحترم مشغله وكثير الغياب والتأخير، وأنها لم تقم بفصله وإنما عقدت جلسة تأديبية وأصدرت بحقه عقوبة التوقيف لمدة 8 أيام وأنه لم يلتحق بالعمل منذ تاريخ إيقافه والتمست الحكم برفض الطلب واحتياطيا إجراء بحث.

وعقب المدعي بجلسة 07/11/2007 بأنه لم يرتكب أي خطأ وأن المدعى عليها لما قامت بفصله دون موجب شرع ودون مبرر يجعل فصلها هذا فصلا تعسفيا يوجب أداء التعويضات وأن المدعي لم يتوصل بأي مقرر عقوبة تأديبية ولم يسبق أن حضر أي مجلس تأديبي وأن المدعى عليها فصلته دون احترام المسطرة المنصوص عليها في المادة 62 وما بعدها من مدونة الشغل.

وعقبت المدعى عليها بجلسة 28/11/2007 بمذكرة التمست من خلالها رفض الطلب واحتياطيا إجراء بحث وأنها لم تقم بفصل المدعي وإنما هو من غادر عمله تلقائيا.

وبناء على الحكم التمهيدي الصادر بإجراء بحث أجرت المحكمة بجلسة 27/ 02/2007 بحيث حضره المدعي حينما تخلفت المدعى عليها وصرح الأجير خلالها أنه تعرض للفصل التعسفي دون سبب وذلك بتاريخ 25/06/2007 وأنه لم يحضر أي مجلس تأديبي.

وبعد البحث المجرى في النازلة، وانتهاء الإجراءات أمام المحكمة الإبتدائية أصدرت حكمها القاضي بأداء التعويضات عن الإخطار والفصل التعسفي والأقدمية والعطلة السنوية، وبرفض طلب فقدان الشغل.


التعليـــق:

يعتبر عقد الشغل من العقود الملزمة والتبادلية التي ترتب إلتزامات في ذمة طرفيه (الأجير والمشغل).

وعقد الشغل إما أن يكون محدد المدة أو غير محدد المدة، فإذا كان محدد المدة فإنه ينتهي بحلول الأجل المحدد للعقد، أو بانتهاء الشغل الذي كان محلا له (المادة 33 من مدونة الشغل)، وإذا كان غير محدد المدة فإنه ينتهي لأسباب مشتركة لإنهاء عقد الشغل كما يمكن أن تلعب الإرادة المنفردة لأي من طرفيه دورا في إنهائه شرط احترام أجل إخطار (المادة 34 والمادة 43).

وإذا كان للمشغل الحق في إنهاء، عقد الشغل غير المحدد المدة بإرادته المنفردة فعليه احترام أجل الإخطار، اللهم إذا كان الإنهاء بسبب ارتكاب خطأ جسيم يبرر الفصل دون مراعاة الإخطار ودون أي تعويض (المادة 61)، لكن شريطة احترام مسطرة الفصل المنصوص عليها في المنصوص عليها في المواد 62 – 63 – 64 و 65 وإلا كان الفصل بمثابة فصل تعسفي يوجب أداء التعويضات، إذ لا يمكن تطبيق المادة 61 من مدونة بمعزل عن المواد اللاحقة بها إلى حدود المادة 65، وهذا ما استقر عليه العمل القضائي عندنا من محكمة الدرجة الأولى إلى المتربع على قمة الهرم القضائي المجلس الأعلى.

وإذا ما بحثنا على التعويضات المستحقة للأجير في حالة الفصل التعسفي في مدونة الشغل نجد أن المشرع المغربي حددها كالتالي:
- التعويض عن الإخطار (المادتين 43 و 51).
- التعويض عن الفصل (الإعفاء) (المادة 53).
- التعويض عن الضرر الفصل التعسفي (المادة 41).
- التعويض عن فقدان الشغل (المادتين 53 و 59).

وما يهمنا في هذا المجال هو التعويض عن فقدان الشغل في إطار المادة 59 من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي:
"يستفيد الأجير عند فصله تعسفا من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 41 و 51 أعلاه كما يستفيد من التعويض عن فقدان الشغل".

وإذا كانت هذه المادة أقرت بأحقية الأجير في التعويض عن فقدان الشغل فإنها لم تربط ذلك بأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية كما في المادة 53، بل إن المادة 59 لم تحل على مقتضيات المادة 53.

والأجير بمجرد فصله عن العمل سواء كان الفصل تأديبيا أو اقتصاديا، سيتعرض للبطالة، والمشرع المغربي من خلال مدونة الشغل فطن إلى أن تكون مخاطر البطالة مشمولة بنوع من الحماية الاجتماعية، وذلك من خلال المادتين 53 و 59 من مدونة الشغل.

إلا أن الملاحظ أن المشرع المغربي علق التعويض عن فقدان الشغل في نطاق المادة 53 على أسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية، وصدور قوانين تنظيمية، في حين أنه (المشرع) من خلال المادة 59 لم يعلق التعويض عن فقدان الشغل بأي شرط.

أي أنه واستنادا إلى مقتضيات المادة 59 من مدونة الشغل فالأجير المفصول تعسفا يمكنه بالإضافة إلى الاستفادة من التعويض عن الإخطار والفصل التعسفي التعويض عن فقدان الشغـــــل.

وبعودتنا إلى الحكم موضوع التعليق، نجد أن المحكمة الإبتدائية لما قضت برفض الطلب المتعلق بفقدان الشغل إنما اعتمدت في ذلك على التعليل التالي:
" وحيث يتعين رد طلب التعويضات عن فقدان الشغل لعدم صدور مرسوم تنظيمي يحدده ...."

إن هذا التعليل الذي أعطته المحكمة لحكمها القاضي برفض طلب التعويض عن فقدان الشغل، يبقى في نظرنا المتواضع تعليلا غير سليم، وأن التوجه الذي سلكه الحكم غير صائب من عدة أوجه سنحاول توضيحها من خلال التالي:


فلما كان دور القضاء كجهاز يعهد إليه بفض النزاعات بين الملتجئين لبابه كجهة مختصة وذلك بالسهر على حسن تطبيق القانون، فإن دور هذا الأخير يحتم عليه عند وجود فراغ قانوني سد هذا الفراغ والحكم وفق سلطته التقديرية الواسعة إعمالا للقاعدة القائلة بأن القضاء يعتبر مكملا للقانون.

وبالرجوع إلى المادة 59 من مدونة الشغل نجدها تنص على ما يلي:
"يستفيد الأجير عند فصله تعسفا من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار المنصوص عليها على التوالي في المادتين 41 و 51 أعلاه.

كما يستفيد من التعويض عن فقدان الشغل".

إذن ومن خلال المادة أعلاه فالتعويضات المستحقة للأجير عند فصله تعسفا من العمل هـــــــــــي:
- التعويض عن الضرر.
- التعويض عن أجل الإخطار.
- التعويض عن فقدان الشغل.

ولما كان التعويض عن الإخطار والفصل و الفصل التعسفي نظم المشرع كيفية احتسابهم من خلال المواد 41 و 51 و 53 من مدونة الشغل فإنه فيما يتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل لزم الصمت وأوكل ذلك إلى السلطة التقديرية للقضاء في انتظار صدور مرسوم تنظيمي بــذلـــك.

سيما وأنه لا يوجد في مدونة الشغل كقانون منظم للعلاقات بين الأجير والمشغل، ما يمنع القضاء من بسط سلطته التقديرية لتحديد التعويض المستحق عن فقدان الشغل في انتظار صدور مرسوم تنظيمي.

وحيث إن مقتضيات مدونة الشغل قد نصت بصفة صريحة ومن خلال المادة 59 عن التعويضات المستحقة للأجير عن فصله تعسفا وعن حقه في التعويض عن الضرر وعن أجل الإخطار المنصوص عليها تبعا في المادتين 41 و 51 وكذا الاستفادة من التعويضات عن فقدان الشغل.

وبقراءتنا للفقرة الأخيرة من المادة 59 المذكورة نستشف أن المشرع خول للأجير التعويض عن فقدان الشغل دون أن يربط ذلك بالفصل لأسباب اقتصادية أو هيكلية أو تكنولوجية، ومن غير أن يرهن نفاد هذا التعويض على صدور قوانين أو مراسيم لاحقة تنظيمية.

وعملا بمقتضيات هذه الفقرة المشار إليها أعلاه فمن حق الأجير المطالبة بالتعويض عن فقدان العمل.

وأن التعليل الذي أعطته محكمة الدرجة الأولى، لما قضت برفض هذا الطلب اعتمادا على أنه لم يصدر بعد مرسوم ينظمه، يبقى تعليلا غير مستصاغ وغير سليم ولا يتماشى والقاعدة القائلة بأن إعمال النص خير من إهماله.

فالمادة 59 من مدونة الشغل عندما أعطت الحق للأجير المتعرض للفصل التعسفي في التعويض عن فقدان الشغل لم تربط ذلك بصدور مرسوم منظم.

ولما كان المشرع من خلال مدونة الشغل نظم كيفية احتساب باقي التعويضات، فإنه سكت فيما يتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل لكنه أقر بأحقية الأجير المفصول تعسفا في هذا التعويض (المادة 59).

وما دام أن التعويض عن فقدان الشغل أقره المشرع دون توضيح كيفية احتسابه فالأمر إذن موكول إلى السلطة التقديرية للمحكمة لتحديد هذا التعويض بكفية عادلة في إطار دورها في تطبيق القانون والسهر على حسن سير العدالة.

فالقانون منح الكل عندما أقر بأحقية الأجير في التعويض عن فقدان الشغل، فكيف يمكن حرمانه من الجزء وهو كيفية تقدير هذا التعويض.

إذا كان القانون شرع هذا التعويض، فدور القضاء ودائما من خلال سلطته التقديرية هو كيفية تقدير هذا التعويض أمام غياب النص المتعلق بكيفية احتسابه فقط.

فالقضاء هو صاحب السلطة التقديرية في تطبيق القانون، خصوصا وإذا علمنا أن المشرع نفسه لم يعلق هذا التعويض على شرط أو على صدور مرسوم لا حق من خلال المادة 59 من مدونة الشغل.

فرسالة القضاء أولا وقبل كل شيء هو الحرص على تطبيق القانون تطبيقا سليما، وفقا لسلطته التقديرية الواسعة في قراءة النصوص القانونية المطبقة على النازلة المعروضة على عدالته، ولا رقابة عليه في هذا الشأن إلا من حيث التعليل.

فالنص إذن موجود، وتطبيقه يبقى موكولا إلى القضاء كجهاز يذب الروح في النص القانوني ويجعله حيا بعد جماده حتى يطبق على أرض الواقع.

فما يمنع القضاء إذن في هذه الحالة واعتمادا على سلطته التقديرية في تحديد هذا التعويض والقضاء به متى طلب منه ذلك.

وخصوصا إذا ما علمنا أن ليس هناك نص قانوني في مدونة الشغل يمنعه من ذلك خصوصا المادة المطبقة على نازلة الحال.

وأن القضاء برفض الطلب لعلة عدم وجود مرسوم تنظيمي يحدد كيفية احتساب التعويض عن فقدان الشغل سيفرغ حتما وظيفة القضاء من محتواها الكامنة في أنه يتمتع بسلطة تقديرية واسعة يسطر الأحكام وفقها بشرط أن يعلل تلك الأحكام تعليلا سليما ولا رقابة عليه في هذا المجال.

فما فائدة نصوص قانونية تبقى جامدة غير مطبقة على أرض الواقع رغم إقرارها من طرف المشرع.

إذن فذلك دور القضاء، والقضاء وحده صاحب الصلاحية والإختصاص من خلال المكانة التي يتربع عليها في السهر على تطبيق القانون تطبيقا سليما يحقق عدالة تطمئن إليها أفئدة المتقاضين وتزيدهم ثقة في القضاء.

وأن ميزة القضاء تكمن في سلطته التقديرية الواسعة في تطبيق القانون، كميزة لا يتمتع بها غيره.

فالمفروض إذن على القضاء ألا يحد من هذه الميزة بنفسه إذا كان القانون عينه لم يدخل في سلطته التقديرية ولم يحد منها بنص.






الجمعة 10 غشت 2012

تعليق جديد
Twitter