MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



واجبات الانخراط والاشتراك في هيئات المحامين بالمغرب - دراسة نقدية - بقلم الأستاذ خالد خالص

     

الأستاذ خالد خالص

محام بهيئة المحامين بالرباط حاليا،
عضو منتخب بمجلس هيئة المحامين بالرباط وعضو منتخب بمكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب مكلف
بالشؤون الثقافية وأستاذ جامعي سابقا.



واجبات الانخراط والاشتراك في هيئات المحامين بالمغرب -	دراسة نقدية -  بقلم الأستاذ خالد خالص
 
 
تنص المادة 78 من النظام الداخلي الموحد لجمعية هيئات المحامين بالمغرب[1] على أن على المرشح لمهنة المحاماة أن يرفق طلبه بوصل يثبت أداء الرسوم المحددة من قبل الهيئة مقابل الانخراط من جهة ومقابل الاشتراك السنوي من جهة ثانية.[2]

ويختلف رسم الانخراط من مبلغ إلى آخر إن كان المرشح قد جاء مباشرة من الجامعة أو إذا سبق له الممارسة في القطاع العام أو شبه العام أو الخاص. كما يختلف مبلغ الانخراط من هيئة لأخرى إلى درجة مطالبة بعض الهيئات بمبالغ جد مرتفعة كانت سببا في لجوء البعض إلى القضاء لإلغاء رسوم الانخراط باعتبار أن القانون المنظم للمهنة لم يكن يتكلم في السابق إلا على رسم الاشتراك السنوي بالمادة 85 من ظهير 10 شتنبر 1993 التي أصبحت هي المادة 91 الفقرة الرابعة من القانون المنظم لمهنة المحاماة المؤرخ في 20 أكتوبر 2008.

كما يؤدي المحامي المتمرن إلى جانب رسم الانخراط اشتراكا سنويا كما تمت الإشارة إلى ذلك. وكان من الأعراف والتقاليد أن يتحمل صاحب مكتب التمرين أي الممرن مبلغ "الانخراط" ومبلغ الاشتراك السنوي وكذا جميع نفقات المتمرن أثناء مدة التمرين، سواء فيما يتعلق بالندوات أو المؤتمرات أو غيرها. ويظهر أن هذا العرف قد تم التخلي عنه باعتبار أن النفقات كانت رمزية في الماضي على عكس ما هو عليه الأمر الآن إذ أصبح مبلغ الانخراط جد مرتفع بالنسبة للمتمرن ويوازي أحيانا قيمة شراء عقار بالنسبة للمعفى من التمرين.

ويمكن القول بأن هذا الأمر أصبح غير موضوعي، إذ من شأنه لا محالة إثقال كاهل من يلج المهنة بديون هو في غنى عنها. ومن المحتمل أن تجد من سيحاول استرجاع هذه المبالغ بطرق غير مشروعة وهو ما يشكل خطرا عليه بصفة خاصة و على مهنة المحاماة بصفة عامة.

وقد تضاربت الاجتهادات بهذا الخصوص إذ اعتبرت محكمة الاستئناف بالرباط- بناء على المادة 85 من الظهير الشريف الصادر في 1993- بأن "تقدير رسوم التقييد هو من اختصاص مجلس الهيئة وأن القاضي ليس له أي حق في مراقبة التعاريف التي يحددها المجلس"[3]
كما قضت محكمة الاستئناف بالرباط في نازلة أخرى بأن "طلب الإعفاء من واجب الانخراط أو تخفيضه لم ينص عليه قانون المهنة ولم ينظم شكل الطعن فيه، وأن النظام الداخلي هو الذي اشترط أداء الواجب المذكور عند طلب التقييد في الجدول، وما دامت المادة 85 من قانون المهنة (ظهير 1993 ) أعطت لهيئات المحامين الحق في وضع قوانينه الداخلية، فإن الشرط المذكور يعتبر مرتكزا على أساس قانوني يبقى  النظر فيه من اختصاص مجلس الهيئة ويبقى تقدير واجب الانخراط متروك لسلطة هذا المجلس وحجة ولا رقابة عليه في ذلك".[4]

وسارت في نفس الاتجاه محكمة الاستئناف بوجدة التي اعتمدت النظام الداخلي الذي ينص في الفصل 89 على أنه يتعين على كل محام سجل في الهيئة أن يؤدي لصندوق هذه الأخيرة واجب الانخراط وواجب الاشتراط. ومعلوم يقول القرار بأن "واجب الانخراط يؤدي عند التقييد بينما الاشتراك يؤدى عند الشروع في المهنة أو قبله وأن تحديد واجب الانخراط يعود لسلطة مجلس الهيئة"[5]

واعتبرت محكمة الاستئناف بالقنيطرة من جهتها بأن النظام الداخلي لإحدى الهيئات "لا يمكن أن يرفع إلى مستوى قانون وهو بالتالي يمكن أن يكون محلا للنقاش".[6]

كما أثار أداء واجب الانخراط للهيئات مؤخرا مناقشات بين الهيئات وبعض الأساتذة الجامعيين والمحامين وكذا مع بعض المرشحين إلى درجة لجوء هؤلاء أحيانا إلى القضاء الذي أصدر أحكاما في غير صالح الهيئات.

وهكذا قضت محكمة النقض بتاريخ 6 أكتوبر 2010 قرار يحمل رقم 1499 في الملف المني عدد 2008/6/1/55 جاء فيه : "المقصود بواجبات الاشتراك الواردة في المادة 85 من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي يتولى تحديدها مجلس الهيئة هو المبلغ المالي أو الخدمات التي تحددها الجمعية أو النقابة لمساهمة أعضائها في تحمل أعباء تسييرها، وهي تنحصر في العضو المنتمي للهيئة فقط، لا الوافد عليها كالمحامين الرسميين المنتقلين من هيئات أخرى والمعفيين من شهادة الأهلية والتمرين، والمحامين الأجانب وغيرهم.[7]"

وقد علق النقيب عبدالله درميش على قرار المجلس الأعلى ( محكمة النقض ) بالقول بأن هذا الأخير قرار مبدئي وذو أهمية وصادر عن هرم القضاء المغربي.[8]

كما قام النقيب الطيب بلمقدم بتعليق على القرار قائلا بأن هذا الأخير تجاهل  العرف الذي يعد أحد مصادر القانون وقام بتحليل مستفيض للعرف[9] في القانون المغربي والمقارن كما أثار مقتضيات الأنظمة الداخلية للهيئات التي تفرض منذ القدم أداء واجب الانخراط وكذا صفة الأشخاص الذين من حقهم الطعن في الأنظمة الداخلية.[10]

   وإذا كان تعليق النقيب بلمقدم يرجع إلى سنة صدور القرار أي إلى سنة 2010 فإن التعليق أعيد نشره بتاريخ 17 غشت 2015  بموقع رقمي ( Marocdroit ) من قبل أحد الأساتذة الجامعيين الذي نشر بعد ذلك بنفس الموقع وبنفس التاريخ تعليقا على التعليق هو عبارة عن دراسة بعنوان : "رفقا بالقانون، يا أهل القانون - العرف والأنظمة الداخلية لا يمكنها مخالفة القانون" [11] مع العلم بأن القرار صدر في ظل ظهير 1993 لان الطعن تم سنة 2006 بينما التعليق على التعليق يثير مقتضيات جديدة أتى بها قانون 2008 ولا سيما المادة 20.

وقد ركز الرد أساسا على الفصل 475 ق.ل.ع الذي ينص على أنه :" لايسوغ للعرف والعادة أن يخالفا القانون، إن كان صريحا".  كما تم التركيز من قبل صاحب الرد على أنه  "يتعين الإشارة إلى أن دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، بما تعنيه من وجوب مطابقة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى درجة منه هي مبادئ ملزمة، وتبعا لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخالف الأنظمة الداخلية الموضوعة من طرف مجالس الهيئات القانون المنظم لمهنة المحاماة باعتباره تشريع أعلى درجة".

وقد أصاب صاحب التعليق حينما ركز على أنه لا يمكن للعرف أن يخالف القانون ولا يجوز للأنظمة الداخلية أن تخالف القانون. وقد استفضنا في شرح كنه النظام الداخلي ومدى تراتبيته مع القانون المنظم لمهنة المحاماة بمناسبة تعديلات أقدم عليها مجلس هيئة المحامين بالرباط بتاريخ 10 يونيو 2008 من بينها أنه "لا يقبل ناخبا أو مرشحا في الانتخابات المهنية للهيئة إلا المحامون الذين أدوا مبالغ الاشتراكات السنوية بالهيئة لغاية آخر السنة التي تجري فيها الانتخابات".[12] وللتاريخ فإن محكمة الاستئناف بالرباط أصدرت بناء على هذه الدراسة يوم 9 أكتوبر 2008 القرار رقم 35 في الملف عدد 35/2008/3 قضى بإلغاء المقرر المطعون فيه بعدما أقر بأن "حق الانتخاب حق دستوري ويعتبر من الحقوق المهنية الأساسية للمحامي، لا يمكن المساس بها إلا بمقتضى قرار قضائي يمنع من ممارسته لأسباب محددة بمقتضى القانون".[13]

    وبالرجوع إلى قرار المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) الصادر سنة 2010 فإن بعض محاكم الاستئناف استلهمت منه قراراتها حيث أصدرت محكمة الاستئناف بالرباط مثلا بتاريخ 29 مايو 2014 قرارا يحمل رقم 23 في الملف رقم 43/1124/2013 جاء فيه بأنه لا يوجد بالقانون المنظم لمهنة المحاماة أي نص يشفع لمجلس الهيئة بتحديد واجب الانخراط وأنه قام بمخالفة القانون حينما حدد وفرض واجب الانخراط مخالفا بذلك مضمون المادة 92 التي تنص على أن  :

" كل المداولات أو المقررات
التي تتخذها أو تجريها الجمعية العامة، أو مجلس الهيئة خارج نطاق اختصاصهما، أو خلافا للمقتضيات القانونية، أو كان من شأنها، أن تخل بالنظام العام، تعتبر باطلة بحكم القانون.

تعاين محكمة الاستئناف هذا البطلان، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك، بعد الاستماع إلى النقيب، أو من يمثله من مجلس الهيئة".

كما أسست محكمة الاستئناف بالرباط قرارها على المادة 91 التي تتحدث عن صلاحية مجلس الهيئة في تحديد واجب الاشتراك ولا تتحدث عن واجب الانخراط.[14]

وإذا كانت محكمة النقض قد بثت سنة 2010 في نازلة تخضع لظهير 1993 الذي لم يكن يشير في أي من فصوله إلى واجب الانخراط فإننا نعتقد بأن محكمة الاستئناف التي بثت سنة 2014 لم تنتبه للتعديل الذي طال المادة 20 من هذا الظهير والذي أصبح كالتالي :

"يجري مجلس الهيئة، بحثا حول المرشح.
يبت مجلس الهيئة في طلبات التسجيل في الجدول بعد استكمال عناصر البحث داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ إيداع الطلب وأداء واجبات الانخراط..."

وباعتبار أن صاحب الطعن وهو قاض سابق يطلب تسجيله في جدول المحامين فإنه كان عليه أداء واجب الانخراط وأن محكمة النقض لم تصادف الصواب في ما قضت به وسيذهب الظن بالكثير من المحامين وغيرهم بأن مضمون القرار هم محاباة للطاعن باعتباره قاضيا سابقا.

وكيفما كان الحال وبالرجوع إلى قانون 2008 فإن الباحث يلاحظ إذن بأن المشرع  ينص صراحة على واجب الانخراط بالنسبة لمن يريد التسجيل في الجدول ولم يشمل أولائك الذين يتقدمون بطلب تسجيلهم في لائحة التمرين الذين يبقوا معفيين من أداء واجب الانخراط. كما أن تدخل المشرع في مادة معينة يضع حدا لعرف أو لعادة لان القانون يسبق على العرف حينما يكون صريحا.

وبدراسة متأنية لواقع الأمر فإن مطالبة المرشح للتمرين بأداء واجب الانخراط هو أمر لم يصادف الصواب من أساسه ولو أقره العرف في الماضي لأنه سابق لأوانه باعتبار أن مجلس الهيئة يقوم بتسجيل المتمرن في لائحة التمرين ولا ينخرط هذا الأخير بعد في الهيئة كمحام لأنه يظل متمرنا لمدة ثلاثة سنوات يمكنه على إثرها مغادرة المهنة لأسباب متعددة كما يمكن للمجلس خلالها وضع حد للتمرين والتشطيب على المتمرن من لائحة التمرين[15]. ويزكي ذلك بأن على المتمرن وعند نهاية التمرين أن يتقدم بطلب ثان لتسجيله في الجدول (مرفقا بالوضعية التي سيكون عليها إما مستقلا أو متساكنا أو متشاركا أو في إطار شركة مدنية مهنية...) ويؤدي واجبات أخرى تسمى حسب الوصولات المسلمة بهيئة الرباط مثلا "واجبات التسجيل والتقييد بجدول المحامين الرسميين."

فالمرشح يتقدم بطلب تسجيله بقائمة التمرين لكي يقضي تمرينه بمكتب أحد المحامين المسجلين بالجدول ولا يمكن له المطالبة بتسجيله في الجدول ومن تم بانخراطه في الهيئة إلا إذا أنهى تمرينه وفق الشروط التي يتطلبها القانون. ثم إن قانون 2008 حسم في الأمر حينما فرض صراحة أداء واجب الانخراط على طالب التسجيل في الجدول ( المادة 20 ) وأعفى طالب التسجيل في لائحة المتمرنين من أداء هذا الرسم بينما ألزمه صراحة بأداء واجب الاشتراك.

ولا يمكن للأنظمة الداخلية أن تحل محل القانون لفرض واجب الانخراط على المتمرنين الذين ستتكفل الدولة مستقبلا بتدريبهم والذين لا يتوفرون على صفة محامين إلا إذا كانت مشفوعة بمتمرنين.

ولابد من الوقوف على الأنظمة الداخلية التي حاول النقيب السابق إيجاد الأساس القانوني لواجب الانخراط بناء عليها[16]. فالمادة 91 من القانون المنظم للمهنة تنص حقا على أن مجلس الهيئة يتولى ، "زيادة على الاختصاصات المسندة إليه وضع النظام الداخلي للهيئة وتعديله، وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها وأعرافها، مع تبليغه إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، والوكيل العام للملك لديها، وإيداع نسخة منه بكتابة الهيئة، وكتابة ضبط محكمة الاستئناف".

ويمكن التعريف بالنظام الداخلي بأنه وثيقة مكتوبة ضرورية، إذا كان القانون الأساسي المنظم للمهنة ينص عليها، وملزمة للمحامين وأجهزتهم، تقوم مقام العقد الذي يسمح بالعيش والتعايش بين المحامين أنفسهم وبينهم وبين أجهزة الهيئة من نقيب ومجلس وجمعية عمومية.

فالنظام الداخلي إذن مصدر من القانون ألاتفاقي يحدد بموجبه الإطار والحدود ونقط الإرشاد بالنسبة للمحامين وهذا النظام  يساعد على الحياة الجماعية بين المحامين وأجهزتهم لان القانون الأساسي المنظم لمهنة المحاماة لا يمكنه أن يتطرق لجميع الأسئلة المرتبطة بالتنظيم وبالتسيير بل يقتصر في أغلب الأحيان على الخطوط العريضة للمهنة.

ولا يمكن لوثيقة النظام الداخلي أن تفهم كوسيلة ضغط أو كمقتضيات قسرية بقدر ما يجب أن تسمح للمحامين المنضوين تحت هيئة معينة بحياة جماعية منسجمة. كما لا يمكن للنظام الداخلي أن يتلخص في جمع "الممنوعات" بل عليه أن يتضمن النصوص الأساسية للقانون ويفسر معانيها ومداها ويكملها طبقا للأعراف والتقاليد المهنية.

ويجب على مجلس الهيئة وقبل وضع أو تعديل النظام الداخلي للهيئة  أن يقوم بقراءة وبدراسة متأنية للقانون المنظم للمهنة لكي لا يصبح النظام الداخلي يشكل ضربا للحقوق الشخصية والحريات العامة التي تبقى الأساس ويكون الحد منها هو الاستثناء.

وإذا كان المشرع عبر المادة 91 من قانون المهنة قد أعطى الصلاحية لمجلس الهيئة لوضع النظام الداخلي فانه لم يحدد الإطار القانوني لهذا النظام ( وكان من الأفضل أن يعمل على ذلك ) – على عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة للنظام الداخلي للأجراء المنصوص على مضمونه في المادة  138 وما يليها من مدونة الشغل[17] مثلا، وان الفقه والاجتهاد هما اللذان رسما حدود النظام الداخلي للمحامين لان بعض مجالس الهيئات، سواء على المستوى الوطني أو الخارجي، كانت تذهب بعيدا في ممارسة سلطتها وكانت في بعض الأحيان تدوس حقوق الأشخاص وتدوس حتى حرياتهم.

فمقتضيات النظام الداخلي يجب أن تكون إذن متطابقة مع القوانين الملزمة للجميع. ولا يمكن للنظام الداخلي أن يغير مقتضيات القانون أو أن يصدر قواعد تتناقض مع هذه المقتضيات. فدور النظام الداخلي،  الذي هو عقد "اتفاقي"، يتمثل في إحداث فضاء للحرية يحمي ضد تعسف واستبداد سلطة الأجهزة من نقيب ومجلس هيئة وليس فضاء للقيود التي قد يحلو للأجهزة وضعها ضدا على القانون.

ولا بد من الوقوف تأملا على ما نصت عليه الأنظمة الداخلية للهيئات بالمادة 78 المشار إليها سابقا  من أداء المتمرنين لواجب الانخراط كشرط من شروط القبول للتسجيل في لائحة التمرين للرجوع إلى القانون الأساسي لسنة 2008 الذي لا ينص على أداء واجب الانخراط إلا بالنسبة للمرشحين للتسجيل في الجدول دون سواهم.

وباعتبار أن النظام الداخلي للهيئة لا يمكنه أن يرقى إلى مرتبة القانون المنظم للمهنة وباعتبار أن الفرع لا يمكنه أن يتناقض مع الأصل فإن مجالس الهيئات تكون لا محالة قد تجاوزت صلاحياتها وسلطاتها حينما قرروا داخليا فرض رسم الانخراط على المتمرنين.

وقد سبق لنا أن كتبنا في مناسبة أخرى أنه لا يعقل أن يتم تجاوز السلطة بالنسبة لأجهزة حقوقية يجب أن يكون شعارها وبرنامجها الأول والدائم هو المأسسة لدولة القانون.[18] ثم هل تتساءل هذه الأجهزة عن شعور الطرف الضعيف الذي هو المتمرن الذي ما عليه إلا الإدعان لنظام يتناقض مع القانون الأساسي لمهنة المحاماة ؟.

ومن جهة أخرى فانه لا بد من الإشارة إلى مقتضيات قانون المالية المغربي التي تمنع فرض واجبات مالية على المواطنين دون موجب مشروع وتحيل على مجموعة القانون الجنائي. وهكذا ينص الفصل الأول - الفقرة III - من هذا القانون على أن :

"كل ضريبة مباشرة أو غير مباشرة سوى الضرائب المأذون فيها بموجب أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها وأحكام قانون المالية هذا تعتبر ، مهما كان الوصف أو الاسم الذي تجبى به ، محظورة بـتاتا ، وتتعرض السلطات التي تفرضها والمستخدمون الذين يضعون جداولها وتعاريفها أو يباشرون جبايتها للمتابعة باعتبارهم مرتكبين لجريمة الغدر ، بصرف النظر عن إقامة دعوى الاسترداد خلال ثالث سنوات على الجباة أو المحصلين أو غيرهم من الأشخاص الذين قاموا بأعمال الجباية . ويتعرض كذلك للعقوبات المقررة في شأن مرتكبي جريمة الغدر جميع الممارسين للسلطة العمومية أو الموظفين العموميين الذين يمنحون بصورة من الصور وألي سبب من الأسباب ، دون إذن وارد في نص تشريعي أو تنظيمي ، إعفاءات من الرسوم أو الضرائب العامة أو يقدمون مجانا منتجات أو خدمات صادرة عن مؤسسات الدولة".[19]

ومن تم فإن كل ما يمكن للهيئات اليوم أو للدولة غدا المطالبة به بالنسبة للمحامين المتمرنين هو "واجبات التمرين" أو "واجبات التمدرس على المحاماة " بمقتضى نص قانوني حينما سيحدث المعهد الوطني للتكوين شريطة أن تكون المبالغ مطابقة لما سيتم تقديمه من تكوين ومناسبة للواقع الاجتماعي للمغاربة وليست مبالغ تعجيزية الهدف منها سد الباب على من لا يمكنه توفير المبالغ المادية المطالب بها.

ونعتقد بصدق أنه بإمكان هيئات المحامين بالمغرب الحد من العدد الكبير للذين يرغبون في ممارسة مهنة المحاماة مستقبلا على أساس كفاءة المرشحين وذلك بنظام المباراة لا الامتحان  لانتقاء أفضل العناصر وبنظام التكوين الجيد المبني على برامج مدروسة سلفا بصفة عامة وبإقرار شعب للتخصص بصفة خاصة.
وقد نشر أحد الأساتذة الجامعيين على صفحته بالفيسبوك عريضة "شعبية" للمطالبة "بمجانية الولوج لمهنة المحاماة" موجهة إلى وزير العدل والحريات وأعضاء مجالس هيئات المحامين بالمغرب وطالب رواد صفحته التوقيع على العريضة بالضغط على عبارة "أحب" (j’aime). وذكر صاحب العريضة بالمبالغ[20] التي تطالب بها بعض الهيئات المرشحين المقبلين على التمرين مع "الإشارة إلى أن تلكم المبالغ تضاعف أربع مرات إذا تعلق الأمر بقدماء القضاة والأساتذة الجامعيين والموظفين" والقادمين من القطاع الخاص...[21]

    أما بخصوص واجب الانخراط عند التسجيل بالجدول بالنسبة لهؤلاء، أي لمن سبق له العمل في مجال من المجالات التي تسمح بإعفائه من شهادة الأهلية ومن التمرين، أو بالنسبة لمن أنهى فترة التمرين، فإنه يلزم تحديده وتوحيده على الصعيد الوطني بما يناسب الوضعية الاجتماعية والمعيشية للمغاربة إما من قبل هيئات المحامين السبعة عشر وفي حالة عدم الاتفاق من قبل وزارة المالية ( وهو أمر سنأسف له لنسفه الاستقلال الجماعي للمحامين) لان المترشحين يتوجهون إلى الهيئة التي تطالب بأقل المبالغ من جهة ولان الواقع أصبح يستدعي وقفة تأمل أمام المبالغ المهولة المطالب بها والتي تفوق أحيانا مبلغ 220.000،00 درهم وهو أمر لا يتقبله لا المنطق ولا معدل الدخل لمعظم المغاربة ويثير الشفقة[22] خصوصا إذا ما قارنا الوضع بالمغرب مع هيئة المحامين  بباريز مثلا وهي أعرق هيئة بفرنسا والتي لا يتعدى واجب الانخراط فيها 800 أورو أي 8800 درهم لا غير رغم أن نوعية القضايا وقيمتها تختلف مع ما هو موجود ببلادنا ورغم أن عدد المحامين بهذه الهيئة يتجاوز 25.000 محامية ومحام وسيصل العدد سنة 2020 إلى 35.000 محامية ومحام مع العلم أن واجب الاشتراك يحتسب بناء على دخل المحامي.[23]
وسيكون من الإنصاف أن تقف جميع الهيئات على التساؤلات التي أثارتها هذه الدراسة الأكاديمية النقدية[24] لمعرفة مدى مشروعية  الرسوم التي تستخلصها من المتمرنين، لأنهم أبناءنا وأبناء المغاربة جميعا، وقيمة البعض الأخر الذي تستخلصه من المطالبين بتسجيلهم بالجدول، والذين سيصبحون زملاء لنا بمجرد أدائهم للقسم ، لان الجميع يطمح لبناء محامين أقوياء ومستقلين، محامين أكفاء بعلمهم  وبتكوينهم وليس محامين ينطلقون في حياتهم المهنية بالإحساس "بالحكرة" حتى قبل أداء اليمين.
 
 
الهوامش
 http://www.barreaurabat.ma/barreau/reglement_interieure.php [1]
[2] النظام الداخلي الموحد تم وضعه من قبل جمعية هيئات المحامين بالمغرب وتبنته الهيئات السبعة عشر.
[3] محكمة الاستئناف بالرباط،   قرار 24/1/2001، مجلة المحاكم المغربية GTM، العدد 88، الصفحة 155  .
 محكمة الاستئناف بالرباط، قرار رقم 4 بتاريخ  24 يناير 2001، ملف عدد 4978/00، مجلة المحاكم المغربية، عدد 88، الصفحة 155.[4]
 ابراهيم الزعيم ومحمد فركت، "وكالة الخصام – المحاماة"، الجزء الثاني، 1997، الصفحة 196.[5]
[6]  محكمة الاستئناف بالقنيطرة 25/7/2000، الإشعاع رقم 23، صفحة 150
 
 اطلع عليه يوم 2 شتنبر 2015 ، الرابعة بعد الظهر.http://www.marocdroit.comموقع : [7]
 [8]التقيب عبدالله درميش، مجلة في رحاب المحاكم، العدد 6   يونيه 2010 ،كلمة العدد، مع العلم إلى أن القرار منشور بالصفحة 102 من نفس المجلة.
 [9]ركز صاحب التعليق دراسته على العرف أساسا رغم أن  العرف ينمحي أمام القانون الصريح  وكان من الأجدر شرح ماهية واجب الانخراط أي الأساس القانوني الذي على إثره يفرض هذا الواجب وما هي الغاية منه. فهل هيئة المحامين نادي خاص ومغلق يجب الحصول على تزكية عدد من الأعضاء المنخرطين  به وأداء رسوم لقبول الجدد كما يقع بنوادي الكولف والقنص والصيد وغيرها من الجمعيات الخاضعة لظهير 15 نونبر 1958 بخصوص تأسيس الجمعيات والذي ينص على أداء واجب الانخراط بالفصل 6 هذا الواجب الذي  كان في السابق لا يجب أن يفوق 240 درهم  قبل التعديل أم أن الأمر يختلف بالنسبة لهيئات المحامين المنظمة بمقتضى قانون 2008 الذي ترك لها حرية تحديد واجبات الانخراط بالنسبة للتسجيل في الجدول والتي تدفع مرة واحدة وواجبات الاشتراك التي تؤدى سنويا ؟. ونعتقد بأن الأساس  الذي جعل الجمعيات والهيئات تفرض واجب الانخراط هو مساهمة العضو الجديد ولو نسبيا في ما بناه السلف. فالمحامي الرسمي يستفيد ابتداء من تسجيله بالجدول من جميع الخدمات التي تقدمها الهيئة من كتاب ومكاتب لدى مختلف المحاكم مجهزة  بأحدث الآلات، ومن خزانة، ومن قاعات ونوادي الهيئة وغيرها من الإمكانات التي تتيحها . ولا يدخل المتمرن ضمن هاته الخانة باعتباره لا يمارس المهنة لحسابه الخاص بل لحساب ممرنه وأن استفادته تبقى علمية مهنية غير مادية.
: الطيب بلمقدم "العرف يخول فرض رسم الانخراط لولوج مهنة المحاماة" ، تم الاطلاع على الدراسة يوم 2 شتنبر 2015.Marocdroit  موقع [10]
 [11]الصوصي العلوي عبد الكبير، Marocdroit ، "رفقا بالقانون، يا أهل القانون - العرف والأنظمة الداخلية لا يمكنها مخالفة القانون"، نفس المرجع السابق ونفس اليوم.
 [12]خالد خالص، "تعديلات ضدا على القانون للنظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط"، جريدة العلم، الأربعاء 2 يوليوز 2008، صفحة المجتمع والقانون.
 خالد خالص، "من منبر لآخر، دفاعا عن الدفاع"، مطبعة بالماريس، نونبر 2008، الصفحة 47.[13]
 [14] يتولى مجلس الهيئة، زيادة على الاختصاصات المسندة إليه، النظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة، المهام التالية:
 4- إدارة أموال الهيئة وتحديد واجبات الاشتراك، وإبرام عقود التأمين عن المسؤولية المهنية لأعضائها مع مؤسسة مقبولة للتأمين؛
 
 فهل يجب على الهيئة أن ترجع له واجب الانخراط ؟.[15]
 الطيب بلمقدم، المرجع السابق.[16]
 الظهير الشريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون 99/65 المنظم لمدونة الشغل.[17]
 خالد خالص، "من منبر لأخر، دفاعا عن الدفاع"، مطبعة بالماريس، 2008، الصفحة45.[18]
 يطبق الأمر حتى على استخلاص واقتطاع مبالغ مالية من ودائع الموكلين من قبل بعض الهيئات بدون سند قانوني.[19]
 [20]طنجة   151.000 درهم، تطوان 100.000 درهم، أكادير 80.000 درهم، بني ملال 60.000 درهم، سطات 55.000 درهم،  الدارالبيضاء  52.776 درهم ، مراكش 51.000 درهم ، الرباط 50600 درهم، مكناس 50.000، الناضور، خريبكة، الجديدة ، القنيطرة  50.000 درهم، تازة 30.000 درهم.... ( هذه الأرقام مأخوذة من صفحة الأستاذ الصوصي العلوي  )
صفحة الأستاذ الصوصي  العلوي عبد الكبير بالفيس بوك. [21]
 بعض الهيئات تسمح بأداء المبلغ على شكل أقساط لإيمانها بعدم قدرة المرشح على الأداء.[22]
[23] http://www.avocats.paris/actualite/1722-bareme-des-cotisations-2013.html, consulté le16 septembre 2015, 18h.
 ولو بندوة وطنية.[24]



الثلاثاء 22 سبتمبر 2015


1.أرسلت من قبل محمد فجار في 22/09/2015 22:30

لست أظن أن الدكتور عبد الكبير العلوي الصوصي ، وهو على ما عليه من علم ومعرفة ودراية وخبرة اكتسبها خلال سني ممارسته بالوكالة القضائية للمملكة المغربية ومدرسا للقانون بكلية الحقوق بمكناس ، ومعروف عنه أنه لا يحركه فيما يكتبه ويجاهر بنشره سوى الهاجس العلمي الذي يقلق كل عالم وفقيه ، والهم المعرفي والثقافي الذي يؤرق كل دارس وباحث ، كان يدور بخلده ولو للحظة واحدة ، وهو يقوم على موقعه الإلكتروني ، بنشر بعض القرارات الصادرة عن القضاء المغربي بإلغاء مقررات بعض هيئات المحامين المغرب التي كانت تشترط أداء رسم انخراط على من يتقدم إليها بطلب من أجل قبول قيده بها ، ويقوم بالتعليق عليها ، وبكتب عريضة من أجل المطالبة بإلغاء هذا الشرط من الأنظمة الداخلية لهيئات المحامين ، أن هذا النشر سيثير عليه عاصفة من الانتقادات و يحرك ضده زوبعة من الاحتجاجات الكثيرة من فئة من المحامين كانت الأغلبية الغالبة منها تشتط عن قواعد مقارعة الحجة بالحجة وعن أصول مجابهة الدليل بالدليل . بل وتصل إلى حد النيل منه والتجريح فيه والنشكيك في مقدراته العلمية والبحث عن الدوافع الكامنة وراء " خرجته " في هذا الوقت بالذات الذي يتوهمون أن المهنة تتعرض فيها للمؤامرات والدسائس .
قد لا يكون قد دار بخلده ذلك هو الذي لا يربطه أي انتماء وظيفي بمهنة المحاماة ويطل عليها من الخارج ، أما بالنسبة إلى من ينظر إليها من الداخل بحكم انتمائه إليها وقضائه ردحا من الزمن بها وتحمله لمسؤوليات بأجهزتها ، فإنه لن يفجأه هذا الموقف من هؤلاء الزملاء المنتمين إليها الذين غالبا ما تحرك أغلبهم النوايا الحسنة في أن هذه القلعة " الحصينة " التي يتخندقون ويتمترسون فيها تتعرض دوما وباستمرار للخطر من قبل البعض من غير المنتسبين إليها ، وحتى من قبل بعض المنتسبين إليها الذين لا يتورعون عن تخوينهم ولا يرون أي غضاضة في توجيه التهمة إليهم بالعمالة لجهات خارجة عن المهنة ، وفي نعتهم في أحسن الأحوال بالانبطاح وغيره من العبارات القدحية الأخرى المشابهة . وليس في ذلك من عجب ، فنحن ننتسب إلى أمة اشتهرت بأن فكرة المؤامرة عليها من الآخر راسخة في أذهانهم ومعششة في عقولهم . ولو انهم قصروا نظرهم على صلب الموضوع الذي طرحه الدكتور عبد الكبير العلوي الصوصي للنقاش ، وتدبروه ، وتفكروا فيه ، وقلبوه من جميع أوجهه وعلى جميع جوانبه ، وطافوا عليه من كافة مناحيه وأرجائه ، لتبينت لهم عدة حقائق . منها :
 - أن هذا الموضوع ، وهو موضوع لزوم أو عدم لزوم أداء رسم الانخراط إلى الهيئة ممن يرغب في الانتساب إليها ، كغيره من المواضيع المهنية الأخرى لا يتسم بأي قداسة تجعله في منأى من التفكر فيه وإبداء الرأي فيه . ولذلك لا يكون هنالك من ضير إذا ما تم طرحه للنقاش من أي شخص كان أو أي جهة كانت . فإن النقاش حوله وبشأـنه إذا كانت الإرادة الحسنة من ورائه لا يمكن له أن يفضي إلا إلى ما فيه خير للشرعية التي ما وجدت المحاماة إلا للدفاع عنها وحمايتها وترسيخ قواعدها .
 - أنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها إثارة هذا الموضوع للنقاش . فقد سبق أن طرح هذا الموضوع عدة مرات على بساط البحث والدرس وكان موضوعا للتساؤل . أولا : من قبل الوافدين على المهنة المعنيين بأداء هذا الرسم خصوصا عندما تم الرفع منه عدة مرات . وثانيا : من قبل أعضاء مجالس هيئات المحامين أنفسهم وخصوصا عندما كانوا يقعدون لمناقشة إمكانية تطبيق مسطرة التغاضي على أولئك المحامين الذين استفادوا من جدولة أقساط أداء هذا الرسم ولم يقوموا بالوفاء بها . بل ووصل الأمر ببعض من رأوا أنهم متضررون منه إلى حد أن تظلم منه إلى القضاء الذي قال كلمته فيه في العديد من الحالات والمناسبات ، كما تدل على ذلك الأحكام المنشورة في هذا الصدد .
نعم إن هذا الموضوع كان مطروحا على بساط البحث والنقاش منذ تم فرضه في بداية الأمر من قبل بعض الهيات على من يتقدمون إليها بطلبات من أجل الانتساب إليها . ولكنه لم يكن يتسم بهذه الحدة التي طرح عليها الآن . ولعل ذلك أن يكون سببه ومرده في نظرنا :
أولا : إلى أن هذا الرسم الذي كان يعتبر لدى مجالس الهيئات في البدء بمثابة مقابل للمصاريف التي يستلزمها فتح وتكوين ملف الترشيح للتمرين فقط ، كان مقداره في بداية العمل به ، ضئيلا جدا لا يصل إلى الحد الذي يرهق دافعه ويكون فوق طاقته ووسعه .
ثانيا : أن عدد المقبلين على المهنة في تلك الأيام كان قليلا جدا . ولم يكن يتسبب في أي تضخم في أعداد الملتحقين بالمهنة إلا بالنسبة إلى بعض الهيئات القليلة جدا كهيئة الدار البيضاء مثلا التي كان الإقبال عليها يفوق نسبيا عدد المقبلين على غيرها .
ثالثا : أن دافعه كان من جانبه يعتبر هذا الرسم لا يعدو أن يكون مجرد مشاركة منه ومساهمة منه فيما قد تكون الهيئة التي يرغب في الانتماء إليها قد راكمته منذ نشأتها لفائدة الأعضاء المنتمين إليها من أصول ومغانم ومكاسب . ومساعدة منه لها على تحمل ما يكلفها القيام بتسيير وشؤون الهيأة من مصاريف ونفقات . خصوصا في وقت لم تكن تتوفر فيه لهذه الهيئات موارد مالية كافية للقيام بذلك ، كما أصبح عليه الأمر الآن بعد إحداث حساب ودائع وأداءات المحامين المستحدث بمقتضى المادة 57 من قانون المحاماة ، الذي تحسنت بسببه مداخيل الهيئات بشكل لافت وملحوظ .
ولكن الإقبال على مهنة المحاماة عندما أصبح يتخذ منحى تصاعديا بوثائر سريعة . وخصوصا بعد صدور ظهير 08 نوفمبر 1979 الذي فتح الباب على مصراعيه أمام حملة الإجازة في الحقوق وفي الشريعة من أجل الولوج إلى المهنة دونما ضرورة لاجتياز أي مباراة أو امتحان . وبدأت هذه الهيئات تستشعر الخطر المحدق بالمهنة بسبب ذلك ، ولاسيما بعد أن لاحظت ، عن حق ، أن المهنة لم تبق محجا لمن كانت تحدوه الرغبة الحقة في الانتماء إليها وكانت تتوفر لديه أدوات العمل لمزاولتها من كفاءة وتكوين وسلوك وغير ذلك ، وإنما أصبحت ملجأ وملاذا لمن انقطعت به سبل البحث عن عمل بعد أن أظناه انتظار العثور عليه والظفر به . وما ترتب عن ذلك من أثار سلبية على أداء هؤلاء بعد تخرجهم بعد نهاية فترة تمرين قصيرة كانت تنتهي باجتيازهم امتحانا بسيطا كانت الغالبية العظمى منهم تنجح فيه بسهولة ويسر . ووجدت أن الحل الأنسب في نظرها للحد من موجات الإقبال الكثيف على المهنة هو الرفع من مقادير رسوم الانخراط فيها . وقامت بالتنسيق فيما بينها على الصعيد الوطني بالرفع من مقادير هذه الرسوم إلى الحدود التي اتسمت بالمبالغة والغلو . عندئذ ، لم يعد هنالك من مفر أمام من يرغب في الولوج إلى مهنة المحاماة ، ولا يكون متوفرا على المقدار المطلوب منه أداؤه سوى الإذعان لهذا الشرط والقيام بأدائه ليتم قبول طلبه . ولو لقي في سبيل ذلك لأيا شديدا وناله من ذلك عنت كبير . أو العدول عن طلبه في انتظار قيامه بتدبير هذا المبلغ بطريق من الطرق ، أو اللجوء إلى القضاء من أجل الطعن في المقرر الضمني أو الصريح الصادر عن مجلس الهيئة بعدم قبول أو برفض الطلب الذي تقدم به إليها . وكان القضاء يستجيب لطعنه ، ويقضي بإلغاء القرار الصريح أو الضمني بعدم قبول أو برفض طلبه ، ويحكم بعد التصدي بقيده بجدول الهيئة التي تقدم إليها بطلبه . وكان يؤسس ما قضى به على أن : " قانون مهنة المحاماة ليس فيه ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسوم الانخراط في المرشح لمهنة المحاماة وفق مقرر مجلس الهيئة . وأن المقصود بواجبات الاشتراك الواردة في الفصل 85 من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي يتولى تحديدها مجلس الهيئة هو المبلغ المالي أو الخدمات التي تحددها الجمعية أو النقابة لمساهمة أعضائها في تحمل أعباء تسييرها . وهي تنحصر في العضو المنتمي للهيئة فقط لا الوافد عليها لأول مرة ( قرار محكمة النقض رقم 1499 بتاريخ : 6 أبريل 2010 المنشور بالصفحة 94 من العدد 73 من مجلة قضاء المجلس الأعلى الصادر سنة 2011 ) . أو على : " أن المرشح لمهنة المحاماة لا يشترط فيه سوى أن يكون مغربيا . وأن مجلس هيئة المحاماة لا يحق له فرض رسم الانخراط . وأن النظام الداخلي لمجلس الهيئة يجب ألا يكون متعارضا مع قانون مهنة المحاماة " ( قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم 23 بتاريخ : 29 ماي 2014 ) .
فهل هذا الاتجاه الذي سارت عليه ، وبدون استثناء ، كل غرف المشورة لدى محاكم الاستئناف بالمملكة التي عرض عليها الأمر ، وثبته وشايعها فيه أعلى مستوى للقضاء وهو محكمة النقض ، اتجاه صحيح مطابق للقانون أم أنه خلاف ذلك ؟
جوابا على هذا السؤال أبادر إلى قول إن هذا المنحى الذي سار عليه القضاء الذي جاء يحدث ميزا واضحا ما بين واجب الانخراط الذي أكد على أنه رسم ، وواجب الاشتراك المنصوص عليه في المادة 91 من قانون المهنة ، كان حليفه الصواب في الوقت الذي صدر فيه ، وكانت المهنة فيه منظمة بمقتضى ظهير : 10/09/1993 ، وقبل أن يصدر القانون المنظم لمهنة المحاماة رقم : 28.08 المتضمن نصا يخول لمجالس الهيئات أن تبت في طلبات التسجيل في الجدول بعد استكمال عناصر البحث داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ إيداع الطلب وأداء واجبات الانخراط ؛ هو نص المادة 20 منه . ذلك بأن الفرق بين هذين الواجبين واضح لا غبار عليه . فإن واجب الاشتراك هو عبارة عن قدر مالي غالبا ما يكون سنويا ، يحدده مجلس الهيئة التي ينتمي إليها المحامي ويفرض عليه أداءه برسم مساهمة منه في تحمل تكاليف الهيئة وأعبائها . وذلك تحت طائلة اتخاذ مقرر بالتغاضي عنه في حال امتناعه من أدائه كليا أو جزئيا بدون مبرر مقبول ( المادتان 75 و 91 من قانون المهنة ) . فأمر تحديد هذا الواجب ، إذن ، مما يدخل في صميم اختصاص مجالس الهيئات بحكم ما يخوله لها قانون المهنة من صلاحية لوضع أنظمة أساسية وسن ضوابط داخلية تحكم علاقة هذه المجالس بالمحامين المنتمين إليها . ومن صلاحية كذلك لإدارة أموال الهيئة وتحديد واجب الاشتراك . وهي حرة في أن تفرض هذا الواجب على المحامين المنضوين تحت لوائها وفي أن لا تفرضه عليهم ، مثلما هي حرة مبدئيا في حال فرضه ، في أن تعين مقداره وطريقة أدائه ودورية هذا الأداء . ولا يحد من هذه الحرية سوى أن يكون تقديرها لهذا الواجب منصفا وعادلا لا يشوبه غلو أو مغالاة . حيث إنه في هذه الحال الأخيرة يكون من حق المحامي الذي يعتبر نفسه متضررا منه أن يلجأ إلى القضاء ، بما له من ولاية عامة ، من أجل تحديد هذا الواجب في مقدار عادل . أما واجب الانخراط في المهنة ، فهو كما يدل على ذلك إسمه ، ليس قدرا من المال يفرضه مجلس الهيئة على محام ينتمي إليها ويخضع لأنظمتها وضوابطها ، وإنما هو قدر مالي يفرضه على شخص أجنبي عن الهيئة لم يلتحق بها بعد ويريد الانضمام إليها أو إن شئت قل على شخص وافد عليها إذا ما استعرنا عبارة قرار محكمة النقض سالف الذكر . فهو إذن واجب مالي توجب مجالس الهيئات أداءه على أشخاص أجانب عنها ما زالوا لم يلتحقوا بها . وذلك ليس من حقها وصلاحيتها ؛ لأن فرض أداء مالي على المواطنين مقابل خدمة معينة يعتبر رسما ضريبيا . وليس من حق مجالس الهيئات أن تسن رسوما ضريبية عن خدماتها ، وأن تفرضها على غير المنتمين إليها . فإن سن الرسوم الضريبية يكون بمقتضى نصوص قانونية صريحة وليس متروكا أمره إلى العرف ، كما حاول البعض أن يبرر ذلك ، وسن النصوص القانونية هو من عمل واختصاص السلطة التشريعية ، وليس من عمل واختصاص غيرها من الهيئات المنظمة أو غير المنظمة . وهذا ما جعل محكمة النقض تؤكد على هذه الصبغة في قرارها سالف الذكر عندما عللت ما قضت به بأن : " قانون مهنة المحاماة ليس فيه ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسوم الانخراط في المرشح لمهنة المحاماة ... " . كما أن حق السلطة التشريعية ذاتها في سن رسوم ضريبية عن الخدمات مقيد بالا يكون القصد منه تقييد حريات المواطنين في ممارسة مهنة من المهن ، أو وضع عراقيل أمام الفئات المستضعفة من أجل الحد من ممارستها لهذه المهن ، وفسح المجال أمام الفئات المثرية وحدها من أجل الاستمتاع بممارسة هذا الحق . وإلا اعتبر منها ذلك عملا لا شعبيا منافيا للدستور وللعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذين يضمنان لكل مواطن الحق في أن يختار الانتساب إلى أي مهنة من المهن أو ممارسة أي عمل من الأعمال التي يختارها بحرية دون أن يخضع في ذلك لأي تمييز بسبب العرق ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي سياسي أو غير سياسي ، أو الأصل القومي أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو النسب أو غير ذلك من الأسباب .
ومن ذلك نخلص ، إذن ، إلى أن فرض مجالس هيئات المحامين رسوم انخراط على الوافدين عليها الراغبين في الانتساب إليها ، في ظل سريان مقتضيات ظهير : 10/09/1993 الذي كان العمل جاريا به في ذلك الوقت ، وبذلك الشكل المغالى فيه كثيرا ، لم يكن فقط ، عملا منطويا على خرق لقانون المهنة ، بل كان كذلك عملا طبقيا لا شعبيا منافيا لدستور المملكة وللعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . من ناحية ، بما يضعه من عراقيل ضد ممارسة الضعفاء من المواطنين حقهم في اختيار العمل والمهنة التي يختارون مزاولتها بحرية ودون قيود ، ومن ناحية أخرى ، بما يكرسه من تمييز بين المواطنين بسبب الثروة أو الأصل القومي والاجتماعي عندما يجعل الولوج إلى مهنة المحاماة قصرا على ذوي الثراء وحدهم الذين بمقدورهم أداء تلك الرسوم الباهظة ، مثلما كانت مزاولتها في البداية في أوربا قصرا على النبلاء وحدهم دون بقية الفئات الأخرى من المواطنين . وهو أمر لا يمكن للمحامي الديمقراطي الحق المدافع عن الفئات المحرومة في المجتمع أن يرضاه وأن يدافع عنه لا في ظل ظهير 10/09/2013 ، ولا في نطاق المادة 20 من قانون المحاماة الجديد التي أتت به ( ما عدا ، بطبيعة الحال ، إذا كان المقصود منه فقط واجبا رمزيا يكون بمثابة مصاريف عن تكوين ملف القيد ) . وذلك مهما كانت المبررات والذرائع الدافعة إلى ذلك . وذلك حتى لو كان القصد من ذلك الدفاع عن مهنة المحاماة ضد التضخم بسبب التدفق المتوقع لعدد الأفراد الذين سيفدون عليها في شهر أكتوبر المقبل من الناجعين في امتحان الأهلية الأخير الذين وصل عددهم خلال هذا الامتحان وحده إلى رقم يكاد يقترب من 2500 ناجح . وذلك لأن السبيل الأنجع في نظرنا للحد من هذا التضخم لا يكمن في فرض رسوم انخراط مبالغة في الارتفاع على الوافدين على المهنة ، وإنما هو يكمن في تجند كافة المعنيين من جمعية وهيئات ومحامين من أجل المطالبة بتعديل نص المادة 6 من قانون المحاماة الذي يسمح بالولوج إليها عن طريق الامتحان وليس عن طريق المباراة التي تكون فيها المناصب المطلوبة محدودة العدد ، كما هو العمل جار به بالنسبة إلى باقي المهن القضائية الأخرى . خاصة وأن من مطالبنا إخراج معاهد تكوين المحامين المتمرنين إلى حيز الوجود . ولا يمكن أن تتحقق الغاية المنشودة من هذه المعاهد في ظل هذا الوضع إذا ما استمر التدفق على المهنة بمثل ذلك العدد الذي وصل إلى خلال سنة واحدة إلى خمس عدد كافة المحامين بالمغرب . وذلك من جهة ، بسبب انعدام الوسائل اللوجستيكية الكافية لدى جمعية هيئات المحامين بالمغرب ولدى الهيئات ذاتها (من بنايات وتجهيزات وأساتذة ) لاستقبال هذا الكم الهائل من الراغبين في الالتحاق بالمهنة في شهر أكتوبر المقبل . ومن جهة أخرى ، لأن وزارة العدل مهما كان يتوفر لديها من حسن نية وصفاء طوية ورغبة صادقة في مشاهدة هذه المعاهد تخرج إلى حيز الوجود ( ë ) ، فإن أحدا لا يمكن أن يذهب به التفاؤل بعيدا إلى حد أن ينتظر منها أن تسهم مع الجمعية والهيئات في تكاليف تجهيز وتسيير هذه المعاهد بسبب الطبيعة الخاصة لهذه المعاهد ولمن سيتكونون بها . والدولة لا تهيء ميزانيات التكوين إلا بالنسبة إلى المعاهد ذات الطبيعة العامة التي تكون وتخرج الموظفين التي هي في حاجة إليهم . نعم من الممكن أن ينتظر منها أن تسهم من جانبها بتمكين الجمعية والهيئات من قاعات بالمعهد القضائي أو بقاعات المحاكم للقيام بأشغال التكوين بها ، وربما ساهمت كذلك بتحمل نفقات بعض المكونين من القضاة . ولكن الجهات المسؤولة عن مالية الدولة لا يمكن ، حسب اعتقادنا ، أن تسمح لها بأكثر من ذلك ، وأن توفر لها الميزانية اللازمة لتكوين الخواص .



وحرر بالجديدة مساء يوم : 20/08/2015



الأستاذ محمد فجار
نقيب سابق لهيئة المحامين بالجديدة



ë نشر هذا الموضوع بدون هامش مجزءا في حلقتين بالصفحة 8 من العددين : 2767 و 2768 من جريدة " المساء " المغربية الصادرين على التوالي
بتاريخ : 27/08/2015 و 28/08/2015 .


تعليق جديد
Twitter