MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





من الحكامة التمثيلية إلى الحكامة التشاركية

     

يونس أربيلة
باحث في القانون العام والحكامة



من الحكامة التمثيلية إلى الحكامة التشاركية
 

إن تدبير الشأن العام يتمحور حول رقابة مزدوجة، رقابة من الأعلى يقوم بها شخص أو أشخاص من القانون العام؛ متمثلا في الدولة أو الهيئات العمومية، أو الجماعات الترابية،....؛ ورقابة من الأسفل تكون من نصيب الفرد المنضوي في هيئات المجتمع المدني الفاعل "المصاحب" في هذه المنظومة، فالأولى تحددها الحكامة التمثيلية من خلال التشريعات والقوانين الجاري بها العمل، أما الثانية فهي موكولة إلى مجتمع مدني فاعل وناجح.

   لقد ظهر مصطلح الحكامة في تقارير البنك الدولي سنة 1989 ليجيب عن مجموعة من التساؤلات التي تهم بالخصوص واقع التنمية في ارتباطها بالسياسات العمومية في بعض البلدان خاصة بإفريقيا.

   وواقع الحال يقر بأن الفاعل السياسي قد أخذ هذه الملاحظات محمل الجد فحاول تبني إصلاحات ذات بعد بنيوي واجتماعي عن طريق نهج في مرحلة أولى التشخيص الموضوعي لرصد مكامن القوة والضعف في مستويات تراوحت بين ما هو سياسي واقتصادي، وما هو ثقافي واجتماعي، وهذا ما أمكن من خلال تقرير الخمسينية "2003".

أما المرحلة الثانية فكرست توجها جديدا تمحور أساسا في توضيح العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وهذا ما تأتى من دسترة "الحكامة الجيدة" وتخصيص الباب الثاني عشر من دستور 2011 الذي يعد منعطفا متميزا في تاريخ المملكة.

    لقد نص الفصل 154 من دستور 2011 في بابه الثاني عشر على أن يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنين في الولوج إليها، والانصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات.

   "تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية، والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور.."

   بقراءة أفقية يتضح أن المرافق العمومية سواء الوطنية أو المحلية تعتبر آلية من آليات التنمية بإعمال الحكامة التمثيلية في ثلاثة أبعاد أساسية:


  1. البعد الأول: يتمحور حول المبادئ الأساسية التي تحكم سير المرافق العامة، فالأول يتعلق بمبدأ الاستمرارية .
  2. المبدأ الثاني: مبدأ قابلية المرفق العام للتعديل الدائم سواء كان مرفقا عاما ماديا أم معنويا.
  3. المبدأ الثالث: وهو مبدأ المساواة أمام المرفق العام، لكن جديد دستور 2011 هو إضافة مبدأ رابع وهو الإنصاف، هذا المبدأ الذي كرس واقعا جديدا هو الإنصاف المجالي في تقديم الخدمة العمومية للمرتفق... يوازيه في ذلك ما نص عليه الفصل 19 من الباب الثاني "الحريات والحقوق الأساسية"
 
"يتمتع الرجل والمرأة على قدر من المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية،" فمن منطوق الفقرة الأولى يتضح مدى إصرار المشرع الدستوري على أهمية "الحق"، وما يهمنا نحن هي الحقوق وعلاقتها بالمساواة والانصاف والعدالة.

    أما البعد الثاني فيتعلق بخضوع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، إذ يحمل الفاعل العمومي على عاتقه توفير هذه المعايير لتحقيق الهدف المنشود بإعمال الموارد البشرية اللازمة والموارد المالية الكافية خدمة للمصلحة العامة.

   تنسجم هذه المعايير مع ما نص عنه الفصل الأول من الباب الأول في فقرته الثانية: "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة"، وما نص عليه الفصل السادس في نفس الباب: " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.

   تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، والاجتماعية.
    إن حضور الحكامة التمثيلية هو حضور تشريعي وقانوني مرتبط بوظيفة السلطة التنفيذية في علاقتها بالسلطة التشريعية والقضائية، إذ يتطلب ذلك حديثا عن الحكامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية، بارتباط مع تطور هذا المفهوم على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، وتحديد خصائص الحكامة وأنواعها.

     فإلى وقت قريب كنا نتحدث عن أزمة تدبير المرافق العمومية ومدى انعاكسها على تدبير الشأن العام الوطني أو الترابي التراتبي للجهات، الأقاليم، الجماعات الترابية (حضرية وقروية)، مما أدى إلى في ضبابية العلاقة بين الدولة والمواطن وغياب الرؤى الاستراتيجية للفاعل العمومي.

لذلك، انصب الاهتمام في دستور 2011 على مشروعية وإلزامية الحكامة "التمثيلية" الذي يعد ذا حمولة اقتصادية واجتماعية، وبعد قيمي، ثم توضيح المسار الإصلاحي في بعده السياسي والتنموي الإنساني.

   هذا التعاقد الجديد "السالف الذكر" سوف نجد تأطيره من منطوق الفصل 157 "يحدث ميثاق المرافق العمومية قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية وللجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية".

   إذ،  يتضح أن هذا الميثاق سيحدد الفاعل العمومي الذي سيضطلع بهذا الدور الأساسي مع مراعاة الاختصاص المكاني، وبالطبع الزماني، مع تحديد دقيق لهذه القواعد، وهنا لا بد من الإشارة إلى – وحسب ما نص عنه الفصل 159- عن ضرورة اسقلالية هذه الهيئات واستفادتها من دعم أجهزة الدولة.

 " تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة وتستفيد من دعم أجهزة الدولة، ويمكن للقانون أن يُحدث عند الضرورة علاوة عن المؤسسات والهيئات المذكورة بعده، هيئات أخرى لضبط الحكامة الجيدة".

هذه الهيئات الأخرى سيتكفل القانون بإنشائها، وهذه ضمانة أخرى لتوسيع  قاعدة الحكامة التمثيلية، للستجابة لمستجدات دينامية المجتمع والدولة، والإسهام في رسم واقع جديد للعلاقة بن القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

    علاوة على ذلك فإن تقارير هذه المؤسسات، " حسب الفصل 160"، : " يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان".

  يُضاف إلى ما سبق الحضور القوي للحكامة السياسية حيث سيلعب البرلمان الدور المنوط به في هذا الموضوع.

   من خلال هذه المعطيات السالفة الذكر يتبين لنا بجلاء أن أحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان (الفصل 161)، ومؤسسة الوسيط (الفصل 162)، ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج (163)، والهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز (164)، إضافة إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (الفصل 165)، ومجلس المنافسة (الفصل 166)، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة الفصل 167)، سيمنح للحكامة التمثيلية حضورها كآلية من آليات التنمية المستدامة المندمجة، ستستجيب لتطلعات المواطنين في حياة أفضل.

البعد الثالث: إذا كانت للحكامة التمثيلية حضورها على  المستوى الدستوري والتشريعي والقانوني وارتباطها بالفاعل العمومي  من خلال تدبيره للشأن العام بمختلف مستوياته فإن للحكامة التشاركية وجوداً قوياً في الباب الثاني عشر (هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية ؛ مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، (168)، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (الفصل 169)، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي (الفصل 170).

يتحدد مفهوم الحكامة التشاركية من خلال تنوع المقاربات المعتمدة فلا بد من أجرأة القوانين المتعلقة بالفصول السالفة الذكر، وهذا هو الدور المنوط بالفاعل العمومي، أي ترسيخ المقاربة القانونية التشاركية مع المجتمع المدني كفاعل أساسي في رسم معالم

الترسانة القانونية التي تهدف إلى خلق مشاركة فعلية للمواطن من أجل بعث الثقة وبناء تعاقد جديد بينه وبين الدولة.

   إننا أمام مواجهة مختلف التحديات الجديدة تتعلق بتهييء وإعداد الإطار القانوني لأجل إدارة فعالة، وخدمة تستجيب لمتطلبات الفرد والمجتمع على السواء، لذلك نص الفصل 14 من الباب الأول "أحكام عامة".

للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع.

   من بين أهم مستجدات دستور 2011 هي تقديم الملتمسات حيث أنها "خدمة تشاركية" تنم عن حس ووعي  مواطناتي يوفر مناخ المشاركة، ففي نفس الإطار نتحدث عن الفصل (15) للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية.

    ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفية ممارسة هذا الحق.

إن الرهان على الحكامة التشاركية   هو رهان أساسي وهادف وينسجم ما يسعى لتحقيقه المجتمع المدني، حيث يعتبر النواة والخلية الأساس للتربية مبدأ المشاركة والتشارك حيث أن المجتمع المدني بنوعيه الواقعي ولافتراضي يساهم في نشر ثقافة المشاركة والعمل التطوعي الذي يتكامل مع عمل السلطات العمومية، لذلك نجد ما نص عنه الفصل (13) من دستور 2011:" تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها، وتنفذها، وتقييمها.

إن هناك دينامية للشباب والمجتمع المدني والتي باتت تُحاط باهتمام كبير ومتزايد من طرف الفاعلين في الشأن العام، فإن هذه الدينامية يجب أن توازيها حكامة تشاركية، أي التحفيز والمبادرة والإبداع مع ربط المسؤولية بالمحاسبة لكي نتمكن من تطوير الحياة الجمعوية وتقديم كل ما يمكن أن يسهم في الرفع بالشأن وتطويره.

وهذا ما تم تكريسه والتنصيص عليه في الفصل (12) "تؤسس جمعيات المجتمع المدنية المنظمات غير الحكومية وتمارس أنظمتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون".

وخلاصة القول، إن إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية رهين بإعمال الحكامة التمثيلية والتشاركية في مستوى الرفع من جودة المرافق العمومية حيث أن أداء الفاعل العمومي في تدبيره للشأن العام يكون دوره محوريا، وإن في مستوى تقديم خدمة عمومية للمرتفق لتحقيق طموحه في حياة أفضل، وبجعل الحكامة كآلية من آليات التنمية المستدامة.



الثلاثاء 23 أبريل 2013

تعليق جديد
Twitter