رفقته نسخة من المقال للتحميل

1 |
- إشكالية البحث:
تتجلى إشكالية البحث في أهمية حسن نية الملزم في مواجهة الإدارة الضريبية وما لها من تأثير على فرض العقوبات الضريبية سيما وأن المشرع لم يتطرق إليها بصفة صريحة في المدونة العامة للضرائب، وقصد الإحاطة بهذا الموضوع يمكن أن نطرح التساؤلات التالية :
- أين تتجلى أهم مظاهر حسن نية الملزم ؟
- وما هي الآثار المترتبة على هذا المبدأ ؟
- وكيف أخد القضاء الإداري بحسن نية الملزم ؟
- أهمية وأهداف الدراسة:
تندرج أهمية هذه الدراسة في كونها تناولت موضوعا تمحور حول الإحاطة بحسن نية الملزم في علاته بالإدارة الضريبية من أجل بناء علاقة قائمة على الصدق والشفافية بين الملزم والإدارة الضريبية، مما يقلل من النزاعات ويعزز التعاون ، كما يساهم المبدأ في الحد من محاولات التهرب الضريبي، إذ يشجع الملزمين على تقديم إقرارات دقيقة وصادقة، وعليه يبقى الهدف الأساسي من هذا الموضوع تبيان كيف تعامل المشرع الضريبي مع الملزم حسن النية، والدور القضائي في هذا المجال .
.
- منهجية الدراسة:
2 |
- خطة الدراسة:
من أجل الإحاطة الشاملة بموضوع الدراسة فقد تم تقسيم الموضوع إلى مطلبين، حيث تم تخصيص المطلب الأول لمظاهر حسن نية الملزم في المجال الضريبي ، على أن نخصص المطلب الثاني لآثار حسن نية الملزم في العلاقة مع الإدارة الضريبية.
3 |
المطلب الأول: مظاهر حسن نية الملزم في المجال الضريبي
تتجلى مظاهر حسن نية الملزم في المجال الضريبي من خلال مجموعة من السلوكيات والالتزامات التي تعكس احترامه للقوانين الضريبية، وتعاونه مع الإدارة الضريبية، وعليه سنخصص الفقرة الأولى لتعريف مبدـأ حسن نية الملزم على أن نخصص الفقرة الثانية لتجليات هذا المبدأ في النصوص الضريبية.
الفقرة الأولى:المقصود بمبدأ حسن نية الملزم
حسن النية، وسوء النية عبارتان، لا يخلو استعمالهما في أي مجتمع، للتعبير عن تصرف ما، إذ ترتبطان غالبا بالتعامل المرتبط بمجال الأخلاق[2] ويعد مبدأ حسن النية أحد المبادئ العامة للقانون التي تحكم العلاقات التعاقدية والإدارية، ويكتسب أهمية خاصة في المجال الضريبي باعتباره يُجسد التزام الملزم بشفافية وصدق تجاه الإدارة الضريبية، غير أن موقع هذا المبدأ داخل المنظومة الضريبية المغربية لا يزال يفتقر إلى نص قانوني صريح يقرّ به ويحدد آثاره، بخلاف بعض الأنظمة المقارنة، حيث و بالرجوع إلى المدونة العامة للضرائب، نلاحظ أن المشرّع لم ينصّ صراحة على مبدأ حسن النية[3] كعنصر يعتد به في تقييم سلوك الملزم، بل يرتكز في الغالب على الشك والافتراض، خصوصاً في حالات المراقبة، مما قد يخلق نوعاً من التوتر في العلاقة بين الإدارة والملزم.وقد اختلف الفقه [4]في تحديد مفهوم مبدأ حسن النية، وإن أجمعوا على أنه مبدأ قانوني وأخلاقي، بحيث عندما تساءل فابروكيت [5]عن معنى حســـــن النية أجاب “هو النية المستقيمة، الصدق، هو عكس الخيانة، عكس الخداع، عكس الغش أو التحريف، وأن حسن النية ينظر إليه أيضا بالمعنى المرادف للقسط، وأخيرا فإنه يعني الرأي الواصف للشخص الذي يتصرف على وفق ما له الحق أي بصفة مشروعة”.
4 |
لدلك و كما سبق نعتقد من باب إبداء الرأي، أنه ما دام أن أساس فكرة حسن النية يدور بين دائرة الأخلاق والقانون، لدرجة يصعب معها إعطاء تعريف لحسن النية من الناحية القانونية، لأن وحدة القياس في الأخلاق تختلف في مجال القانون، فإنه يستحسن عدم إعطاء أي تعريف لمبدأ حسن النية حتى يؤدي دوره على أحسن وجه في ميدان العقود عموما، وفي عملية التفسير على وجه الخصوص[8]
الفقرة الثانية: تجليات حسن نية الملزم في النصوص الضريبية
تتجلى حسن نية الملزم في المجال الضريبي من خلال سلوكياته القانونية والإجرائية التي تعكس احترامه لالتزاماته الضريبية، واستعداده للتعاون مع الإدارة الضريبية بشكل شفاف ومسؤول، وسنعمل من خلال هاته الفقرة على تحديد بعض مظاهر حسن نية الملزم في إطار علاقته بالإدارة الضريبية .
فعلى سبيل المثال، يُعتبر تقديم التصريحات الضريبية داخل الآجال القانونية، وتقديم البيانات والمعطيات الصحيحة، وكذا الاستجابة لاستفسارات الإدارة الضريبية في إطار المراقبة، من أبرز المؤشرات على حسن نية الملزم، كما أن طلبات التوضيح الموجهة للإدارة، أو اللجوء إلى مسطرة التصحيح الطوعي قبل اكتشاف المخالفة، تُعد بدورها دليلا على نية الملزم في احترام المقتضيات القانونية وعلى ضوء هذه التصرفات، غالباً ما تأخذ الإدارة الضريبية أو القضاء الضريبي بعين الاعتبار حسن نية الملزم عند تقييم وضعيته الضريبية، وهو ما ينعكس في التخفيف من العقوبات أو إسقاطها في بعض الحالات، وذلك ما يكرسه بشكل خاص الاجتهاد القضائي المغربي الذي يراعي النية الحسنة كلما ثبتت من خلال الوقائع والوثائق المقدمة.
و لا شك أن حسن نية الملزم قد يختلف باختلاف الإقرار الضريبي وعلي سنعمل على حصر أهم مبادئ حسن نية الملزم في النقط التالية :
5= |
أولا : افتراض الصدقية
يفترض في التصاريح والوثائق المودعة لدى إدارة الضرائب أو المقدمة لها أن تكون صحيحة وذات مصداقية.
ثانيا : الالتزام بتسهيل عملية المراقبة
حيث يخول للإدارة حق المراقبة الذي يمكنها من فحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين من أجل التحقق من تناسب دخولهم مع نفقاتهم وموجوداتهم النقدية، كما يمكن للإدارة أن تقوم بصورة تلقائية بإعطاء تعريف ضريبي للأشخاص الذاتيين الذين لا يتوفرون على هوية ضريبية وبمباشرة تقييم مجموع دخلهم السنوي.[9]
ثالتا : الالتزام بتقديم الوثائق المحاسبية
حيث يجب على الخاضعين للضريبة أن يضعوا في التاريخ المحدد للمراقبة الوثائق المحاسبية والأوراق المثبتة رهن إشارة المفتش المكلف بالمراقبة، ويجب على الخاضعين للضريبة الذين يمسكون محاسبة بطريقة إلكترونية أن يدلوا كذلك بالوثائق المحاسبية السالفة الذكر على دعامة إلكترونية.
و تقدم الوثائق المحاسبية، بحسب الحالة، في محل الموطن الضريبي أو المقر الاجتماعي أو المؤسسة الرئيسية للخاضعين للضريبة من الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين المعنيين، إلى أعوان إدارة الضرائب الذين يتحققون من صحة البيانات المحاسبية والإقرارات التي أدلى بها الخاضعون للضريبة ويتأكدون في عين المكان، من حقيقة وجود الأموال المدرجة في الأصول.
كما أنه عندما تمسك المحاسبة بواسطة أنظمة معلوماتية، فإن المراقبة تشمل جميع المعلومات والمعطيات والمعالجات الإعلامية التي تساهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تكوين الحاصلات المحاسبية أو الخاضعة للضريبة وفي إعداد الإقرارات بالضريبة وكذا الوثائق المتعلقة بتحليل المعطيات وبرمجتها وتنفيذ المعالجات.
6= |
أما إذا لم يقدم الخاضع للضريبة الذي يمسك المحاسبة بطريقة إلكترونية الوثائق المحاسبية على دعامة إلكترونية، وجهت إليه رسالة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب[10]، تدعوه للتقيد بهذا الالتزام داخل أجل خمسة عشر (15) يوما من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة. وفي حالة عدم القيام بذلك، يتم إخباره في رسالة بتطبيق الغرامة المنصوص عليها في المادة 191 المكررة من المدونة العامة للضرائب.
و في حالة عدم تقديم جزء من الوثائق المحاسبية وأوراق الإثبات المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، يدعى الخاضع للضريبة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب لتقديم هذه الأوراق والوثائق داخل أجل ثلاثين (30) يوما ابتداء من تاريخ تسلم طلب تقديم الأوراق والوثائق المذكورة، ويمكن تمديد هذا الأجل إلى نهاية فترة المراقبة.
كما لا يمكن تقديم الوثائق والأوراق الناقصة من طرف الخاضع للضريبة لأول مرة أمام اللجنة الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة واللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.[11]
رابعا : الالتزام بتقديم الوثائق التي تمكن من تبرير سياسة أثمان التحويل
يجب على المنشآت التي أنجزت عمليات مع منشآت توجد خارج المغرب والتي ترتبط معها بعلاقة تبعية مباشرة أو غير مباشرة والتي يفوق أو يساوي رقم معاملاتها المحقق والمصرح به دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة أو إجمالي أصولها المبينة في الموازنة عند اختتام السنة المحاسبية المعنية خمسين (50) مليون درهم، الإدلاء الإدارة الضرائب بطريقة إلكترونية عند تاريخ بدء عملية فحص المحاسبة، بالوثائق التي تمكن من تبرير سياسة أثمان التحويل التي تعتمدها وفق اللائحة والكيفيات المنصوص عليها بنص تنظيمي.
خامسا : حق الاطلاع وتبادل المعلومات
7= |
كما يجوز للإدارة أن تطلب من المنشآت الخاضعة للضريبة بالمغرب والتي أنجزت عمليات مع منشآت توجد خارج المغرب غير تلك المشار إليها في النقطة 11-5-باء من المدونة العامة للضرائب، الإدلاء بالمعلومات والوثائق المتعلقة بما يلي:
طبيعة العلاقات التي تربط المنشأة الخاضعة للضريبة بالمغرب بالمنشآت المتواجدة خارج المغرب
طبيعة الخدمات المقدمة أو المنتجات التي تم تسويقها طريقة تحديد أثمان العمليات المحققة بين هذه المنشآت والعناصر التي تثبتها؛
أنظمة وأسعار فرض الضريبة على المنشآت المتواجدة خارج المغرب.
يتم طلب المعلومات وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، يجب على المنشأة المعنية الإدلاء الإدارة الضرائب بالمعلومات والوثائق المطلوبة داخل أجل ثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ تسلم الطلب السالف الذكر، و عندما لا تدلي المنشأة بالوثائق المذكورة داخل هذا الأجل أو تدلي بوثائق ناقصة أو غير كافية أو خاطئة، تعتبر علاقة التبعية بين المنشآت المعنية قائمة.
سادسا : الحق في الخضوع لعملية الفحص داخل أجل زمني محدد[12]
لا يمكن لعملية فحص المحاسبة أن تستغرق أكثر من ثلاثة (3) أشهر بالنسبة للمنشآت التي يعادل أو يقل مبلغ رقم معاملاتها المصرح به برسم السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص عن خمسين (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، وأكثر من ستة (6) أشهر بالنسبة للمنشآت التي يفوق رقم معاملاتها المصرح به برسم إحدى السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص خمسون (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
ولا يدخل في مدة الفحص المحددة في ثلاثة (3) أو ستة (6) أشهر، حسب الحالة، كل توقف ناتج عن:
عدم تقديم الوثائق أو رفض الملزم الخضوع للمراقبة إرسال طلبات الحصول على المعلومات إلى إدارات الضرائب التابعة للدول التي أبرمت مع المغرب اتفاقيات أو اتفاقات تمكن من تبادل المعلومات الأغراض جبائية، وذلك في حدود مائة وثمانين (180) يوما ابتداء من تاريخ إرسال الطلبات المذكورة،وتجدر الإشارة إلى أن التقادم ينقطع بإرسال هذه الطلبات.
8= |
سابعا : الحق في محاورة شفوية وتواجهية
قبل اختتام فحص المحاسبة، توجه الإدارة دعوة للخاضع للضريبة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب الإجراء محاورة شفوية وتواجهية تنظم في مقر الإدارة الضريبية، وذلك بشأن التصحيحات التي تعتزم إدخالها على الإقرار الجبائي.
وتأخذ الإدارة بعين الاعتبار الملاحظات التي أدلى بها الخاضع للضريبة خلال المحاورة المذكورة، إذا اعتبرت أنها تستند إلى أساس صحيح.
ويحرر محضر من طرف مفتش الضرائب، يحدد تاريخ انعقاد المحاورة المذكورة والأطراف الموقعة على المحضر، وتسلم نسخة منه للخاضع للضريبة.
غير أن رسالة التبليغ المنصوص عليها في المادتين 220-1 (الفقرة الثالثة) و 221- الفقرة الثانية من المدونة العامة للضرائب تظل الوثيقة الوحيدة التي يستند عليها لتحديد مبالغ التصحيحات المبلغة وإثبات الشروع في مسطرة تصحيح الضرائب[13]
ثامنا : حق الخاضع للضريبة في الجواب على رسالة التبليغ الأولى
يمكن للخاضع للضريبة أن يضمن في جوابه إما قبوله الكلي أو الجزئي أو ملاحظاته على الأسس التي تم تبليغه بها، وذلك إما في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل يوجهها إلى الإدارة أو رسالة يودعها لدى مصلحة الضرائب المعنية، في العنوان المبين في رسالة التبليغ الأولى داخل أجل كامل محدد في ثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ تسلم رسالة التبليغ المذكورة.
ويترتب عن دراسة جواب الخاضع للضريبة من لدن الإدارة إما تخلي كلي عن التصحيحات التي تم تبليغها أو احتفاظ كلي أو جزئي بالتصحيحات المذكورة.
وفي حالة عدم جواب الخاضع للضريبة أو في حالة الجواب خارج الأجل، يتم إصدار الواجبات التكميلية بواسطة جدول تحصيل أو قائمة إيرادات أو أمر بالاستخلاص دون الإخلال بتطبيق الجزاءات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب.
تاسعا: حق الخاضع للضريبة في الجواب على رسالة التبليغ الثانية
9= |
وتأخذ المسطرة مجراها بالنسبة للتصحيحات المقدم فيها طعن من لدن الخاضع للضريبة أمام اللجنة الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة أو أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة، حسب الحالة، ولا يجوز إثارة حالات البطلان السالفة الذكر والمشار إليها في المادتين 220-VIII و 221-IV لأول مرة أمام اللجنة الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة أو أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.
عاشرا : الحق في إثبات الموارد وتوضيح العناصر المتضاربة بين الدخول والنفقات والموجودات النقدية
يمكن للإدارة أن تطلب من الشخص المعني وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب أن يدلي بجميع الإثباتات الضرورية ويقدم جميع الوثائق التي توضح العناصر المتضاربة أو المتباينة التي تم رصدها، وذلك داخل أجل ثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ تسلم طلب الإدارة.
تعتبر الدخول التي تم تقييمها في إطار مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين والتي لم يبرر مصدرها، دخولا مهنية لتطبيق الضريبة على الدخل.
ويحق للأشخاص الذاتيين في إطار مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية أن يثبتوا مواردهم بأي وسيلة من وسائل الإثبات، وأن يشيروا بوجه خاص إلى:
- دخول رؤوس الأموال المنقولة الخاضعة للحجز المنجز في المنبع الذي يبرئ من الضريبة أو تلك المتعلقة بالتوزيعات المعتبرة خفية من الناحية الجبائية[14] المشار إليها في المادة 13-VII من المدونة العامة للضرائب
- حاصلات بيوع المنقولات أو العقارات
- الاقتراضات المبرمة لدى البنوك أو الغير لأغراض غير مهنية؛
- المبالغ المتأتية من تحصيل القروض الممنوحة من قبل لفائدة الغير.
المطلب الثاني: آثار حسن نية الملزم في العلاقة مع الإدارة الضريبية
11= |
الفقرة الأولى: حسن النية كعنصر لتخفيف الجزاءات
إن تحسين العلاقة بين إدارة الضرائب والملزمين وإرساء ثقافة ضريبية لدى الملزم، كفيل ببناء مناخ من الثقة على المدى الطويل، في ظل روح المواطنة الضريبية واحترام حقوق الملزمين، ويقتضي تحسين العلاقة بين الإدارة والملزمين في المقام الأول احترام القانون من الطرفين معا، ويجب أن تفي الإدارة بالالتزامات التي تقع على عاتقها، لا سيما في ما يتصل بالمبالغ المسترجعة والمبالغ المردودة ومعالجة الشكاوى التي يتقدم بها الملزَمون بالضريبة، والتي ينبغي أن تتسم بمزيد من الشفافية، وإذا لم يتم بناء هذه العلاقة على الثقة، فإنها ستقود نحو التهرب والتملص والفساد، وأخيرا فإن ترسيخ روح المواطنة الضريبية، وتعزيز الانخراط التلقائي في المنظومة الضريبية، يقتضي إرساء مراقبة واسعة تطمئن المتعاملين بكل شفافية من بين الملزمين وتردع من يسعون من بينهم إلى التملص من التزاماتهم، كما يقتضي ذلك توعية الرأي العام وتعبئته حول حق الجميع في أن ينعم الجميع بالمساواة الضريبية.[15]
من كل هذا يمكن اعتبار امتثال الملزم للقرارات الضريبية والاستجابة لجميع التساؤلات الضريبية الموجهة إليه من طرف الإدارة الضريبية في الوقت المحدد، وسيلة تمكنه من تخفيف الجزاءات في حقه سيما وأن الإدارة الضريبية تعمل جاهدا على انهاء النزاع حبيا قصد توفير الوقت من جهة، ومن جهة ثانية لطول مسطرة المنازعة مع الملزم والتي قد تنتهي في بعض الأحيان لصالح الملزم بسبب عدم احترام الإدارة الضريبية لأحد الشكليات القانونية والتي تجعل المسطرة في مواجهة الملزم لاغية حتى ولو كان الملزم يتوفر على سوء النية،ومع غياب تعريف جامد نجد حضور ضمني لحسن النية في بعض النصوص والمساطر التي تُظهر اعترافاً ضمنياً بحسن النية، نذكر منها:
12= |
بالإضافة إلى المادة 134 من القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية فعلى سبيل المثال، تُفرض زيادة بنسبة 15% على المبالغ المستحقة في حالة المخالفات العادية، بينما تُرفع هذه النسبة إلى % 100عند ثبوت سوء نية الملزم.
وإذا كان التشريع الضريبي المغربي لم يعطي أي فرق للأخطاء و الاختلالات المرتكبة من طرف الملزمين سواء كانت عن حسن أو سوء النية بصفة صريحة عكس التشريع الفرنسي حيث فرق بين العقوبات المترتبة على الأخطاء أو الإغفالات في التصريحات الضريبية، مع التمييز بين الحالات المرتكبة بحسن نية وتلك الناتجة عن سوء نية أو تحايل.
فعندما يُثبت أن الملزم تصرف بسوء نية تفرض غليه غرامة بنسبة %40 في حالة المخالفة المتعمدة (manquement délibéré)، و غرامة بنسبة 80% تُطبق في حالات التحايل أو المناورات الاحتيالية (manœuvres frauduleuses). ، أما إذا لم يُثبت سوء النية، يُمكن اعتبار الملزم قد تصرف بحسن نية، مما يُجنبه هذه الغرامات[17]
بالإضافة إلى المادة 80 /ب من كتاب الإجراءات الضريبية الفرنسي تمنح هذه المادة حماية للملزمين الذين يتصرفون بحسن نية، خاصة في الحالات التالية:
- عندما يتقدم الملزم بطلب مكتوب ودقيق لتوضيح وضعه الضريبي، وتفشل الإدارة في الرد خلال ثلاثة أشهر، يُعتبر أن الملزم تصرف بحسن نية.
- في مثل هذه الحالات، لا يُمكن للإدارة فرض ضرائب أو غرامات إضافية على الملزم[18]
13= |
الفقرة الثانية: التقدير القضائي لحسن نية الملزم
إن التقدير القضائي لحسن نية الملزم هو موضوع يرتبط بكيفية تعامل القضاء مع نية الأطراف في تنفيذ الالتزامات، وخاصة عندما يُثار النزاع حول ما إذا كان أحد الطرفين قد تصرف بحسن نية أم لا ، و القضاء عند نظره في أي نزاع يتعلق بحسن أو سوء نية الملزم، يعتمد على الظروف الواقعية، فهل كان من المعقول أن يجهل الملزم ما إذا كان تصرفه مخالفا للالتزام، لدلك يبقى للقاضي الإداري السلطة التقديرية في معرفة نية الملزم، ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا عدد 4939 في الملف المدني عدد 2004/3/1/1092 والمتعلق بالبناء في ملك الغير، إعمال مبدأ حسن النية أو سـوئها، مراعـاة أخف الضررين ، حيث أن الباني في عقار محفظ عائد للغير تسري عليه قاعدة حسن وسـوء النية في البناء الذي يقيمه عليه، وليس التحفيظ قرينة قاطعة على سوء نيته مادام قانون التحفيظ نفسه ميز بين الحالتين،يحق لمالك العقار المحفظ طبقا للقانون الاحتفاظ بالبناء المحدث على ملكه من طرف الغير سيئ النية على أن يؤدي له قيمة المواد أو يلزم محدثه بإزالة الأنقاض على نفقته، وفي حال ما إذا كان الباني حسن النيـة فلا يمكن للمالك أن يطالب الباني بإزالة البناء وإنما له فقط الخيار بـين أن يؤدي للباني قيمة مواد البناء مع أجرة اليد العاملة أو أن يدفع له مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك، وإن محكمة الموضوع في قضائها بإزالة الضرر، عليها أن تـوازن بـين الضرر الحاصل للباني في حالة هدم جزء مـن بنائـه والـضرر الحاصـل للمالك في حالة تخليه بدون إرادته عن جزء من ملكـه مقابـل تعـويض بالقيمة، و تغلب الضرر الأصغر على الأكبر[19] ويُبرز هذا القرار أهمية مبدأ حسن النية في النزاعات العقارية، حتى في حالة العقارات المحفظة. كما يُوضح أن التحفيظ لا يُعتبر دليلاً قاطعًا على سوء النية، ويُشدد على ضرورة تحقيق التوازن بين حقوق المالك ومصالح الباني، مع مراعاة الضرر المحتمل لكل طرف
14= |
وقد حدى القضاء الفرنسي على نفس المنوال عندما "افترض حسن النية لمحامٍ ضريبي سابق في حالة عدم التصريح بمكافأة استثنائية كان المعني بالأمر متقاعدا وشريكا أغلبيا في مكتب استشارات قانونية وضريبية، وقد خضع، بعد التحقق من حسابات الشركة، لعدة تعديلات ضريبية، من بينها تعديل تضمن عقوبات على أساس سوء النية، أدى إلى فرض ضريبة عليه عن سنة 1997 في فئة الرواتب والأجور، بسبب مكافأة استثنائية غير مصرح بها بلغت 180,000 فرنك (حوالي 27,441 يورو) منحت له من قبل الشركة عقب تصويت جمعيتها العامة. اعتبرت الإدارة الضريبية أن هذا يشكل سوء نية وفرضت عليه غرامة. ومع ذلك، قضت المحكمة بأن جودة المحامي كخبير في القانون الضريبي لا تعد دليلا كافيا على سوء النية، وألغت الغرامة المفروضة[21].
15= |
- لائحة المراجع :
- محمد شيلح، “تأويل العقود في قانون الالتزامات والعقود المغربي”، محاولة دراسة ميتودولوجية للفهم القضائي والفقهي للقانون التعاقدي، مختبر قانون الالتزامات والعقود، كلية الحقوق، فاس، الطبعة الأولى، 2017
- تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد سنة 2019
- خالد عبد حسين الحديثي، “تكميل العقد، دراسة مقارنة”، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، دون ذكر مكان النشر، سنة 2012
- ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية طبعة 2024
- المدونة العامة للضرائب 2025
- القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية
- كتاب الإجراءات الضريبية الفرنسي 2025
- قانون الضرائب الفرنسي (Code général des impôts - CGI)
- حكم منشور بالموقع الالكتروني للمجلس الوطني لخبراء العدل https://www.cnej.ma/decision/138/fiche اطلع عليه بتاريخ 2025/04/01 على الساعة العاشرة ليلا
- حكم منشور بالموقع الإلكتروني lexbase https://urlz.fr/uwvM العاشرة
- مجلة قضاء محكمة النقض ‐ الإصدار الرقمي 2012 ‐ العدد 73 ‐جميع الحقوق محفوظة لمركز النشر و التوثيق القضائي
16= |
- Fabreguettes « la logique judicaire et l’art de juger », Librairie générale de droit et jurisprudence, paris, 1914.
- Jacque Ghestin « La notion d’erreur dans le droit positif actuel », librairie générale de droit et jurisprudence, paris 1971, N° 84
- Santa Maria « les systèmes d’interprétation des contrats », université de paris, faculté de droit et des sciences économiques, 1968
17= |
[1] من أجل نظامٍ جبائي يشكل دعامةً أساسيةً لبناء النموذج التنموي الجديد
[2] لدرجة أن أحد الفقه الفرنسي اعتبر أن حسن النية وسيلة لإدخال القاعدة الأخلاقية إلى القانون الوضعي
[3] على عكس القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية حيث جاء في المادة 134 في حالة تصحيح أساس فرض الرسم المصرح به في الإقرار، تطبق زيادة %15 على مبلغ الواجبات المترتبة عن هذا التصحيح دون الإخلال بتطبيق الجزاءات المنصوص عليها في المادة 147 أدناه
. III-. يتم إصدار تحصيل المبالغ التكميلية والجزاءات المشار إليها أعلاه عن طريق جداول. ويمكن الرفع من نسبة الزيادة من %15 المنصوص عليها أعلاه إلى %100 عند ثبوت سوء نية الملزم. وتطبق زيادة %100 دون أن تقل عن مبلغ مائة '100' درهم كحد أدنى ودون الإخلال بتطبيق الذعيرة والزيادات المنصوص عليها في المادة 147 أدناه.
. III-. يتم إصدار تحصيل المبالغ التكميلية والجزاءات المشار إليها أعلاه عن طريق جداول. ويمكن الرفع من نسبة الزيادة من %15 المنصوص عليها أعلاه إلى %100 عند ثبوت سوء نية الملزم. وتطبق زيادة %100 دون أن تقل عن مبلغ مائة '100' درهم كحد أدنى ودون الإخلال بتطبيق الذعيرة والزيادات المنصوص عليها في المادة 147 أدناه.
[4] محمد شيلح، “تأويل العقود في قانون الالتزامات والعقود المغربي”، محاولة دراسة ميتودولوجية للفهم القضائي والفقهي للقانون التعاقدي، مختبر قانون الالتزامات والعقود، كلية الحقوق، فاس، الطبعة الأولى، 2017، ص 535-536
[5] Fabreguettes « la logique judicaire et l’art de juger », Librairie générale de droit et jurisprudence, paris, 1914.
[6] Jacque Ghestin « La notion d’erreur dans le droit positif actuel », librairie générale de droit et jurisprudence, paris 1971, N° 84 p : 99
[7] Santa Maria « les systèmes d’interprétation des contrats », université de paris, faculté de droit et des sciences économiques, 1968, p : 136-137
[8] أنظر في هذا المعنى، خالد عبد حسين الحديثي، “تكميل العقد، دراسة مقارنة”، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، دون ذكر مكان النشر، سنة 2012، ص 90.
[9] ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية طبعة 2024
[10] المادة 219 من المدونة العامة للضرائب يتم التبليغ بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه إما برسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه بو اسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو المفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية. يجب أن يقوم العون المبلغ بتقديم الوثيقة المراد تبليغها إلى المعني باألمر في ظرف مغلق. يثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين بمطبوع تقدمه الإدارة و تسلم نسخة من هذه الشهادة إلى المعني بالأمر. يجب أن تتضمن شهادة التسليم البيانات التالية: - إسم العون المبلغ وصفته؛ - تاريخ التبليغ؛ - الشخص المسلمة إليه الوثيقة وتوقيعه
[11] ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية طبعة 2024
[12] ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية طبعة 2024
[13] ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية طبعة 2024
[14] ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية طبعة 2024
[15] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد سنة 2019 صفحة 13
[16] المادة . 236 من المدونة العامة للضرائب :-إسقاط الضريبة والإبراء منها وتخفيف مبلغها -1° يجب على الوزير المكلف بالمالية أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض أن يقرر داخل أجل التقادم المنصوص عليه في المادة 232 أعاله إسقاط الضريبة جميعها أو بعضها إذا ثبت أنها زائدة على المبلغ المستحق أو أن الأمر يتعلق بضريبة فرضت مرتين أو فرضت بغير موجب صحيح. 2° - يجوز له أن يسمح بناء على طلب الخاضع للضريبة ومراعاة للظروف المستند إليها بالإبراء أو التخفيف من الزيادات والغرامات والذعائر المقررة في النصوص التشريعية الجاري بها العمل. -3° يمنح تخفيض قدره %3 من مبلغ طلب التنابر للموزعين المساعدين المأذون لهم بصفة قانونية من لدن إدارة الضرائب لبيع التنابر المذكورة للعموم .
[17] المادة 1729 من قانون الضرائب الفرنسي (Code général des impôts - CGI)
[18]. المادة L.80 B من كتاب الإجراءات الضريبية الفرنسي (Livre des procédures fiscales – LPF
[19] مجلة قضاء محكمة النقض ‐ الإصدار الرقمي 2012 ‐ العدد 73 ‐جميع الحقوق محفوظة لمركز النشر و التوثيق القضائي ص 23و 24
[20] حكم منشور بالموقع الالكتروني للمجلس الوطني لخبراء العدل https://www.cnej.ma/decision/138/fiche اطلع عليه بتاريخ 2025/04/01 على الساعة العاشرة ليلا
[21] حكم منشور بالموقع الإلكتروني lexbase https://urlz.fr/uwvM اطلع عليه بتاريخ 2025/04/01 على الساعة العاشرة