MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



حان الوقت للتشريع لقرارات نقض ملزمة

     

الأستاذ وهابي رشيد
المحامي بهيئة الجديدة



حان الوقت للتشريع لقرارات نقض ملزمة
في الوقت الذي مازال فيه بإمكان الساهرين على التعديلات المرتقبة لمسودة المسطرة المدنية، أن يضيفوا إليها ما ينفع المتقاضين المغاربة بترياق مستقبلي ليشرعوا لعقود مقبلة، ويؤسسوا لجعل قرارات محكمة النقض ذات قيمة وتأثير على عمل السادة القضاة بمختلف درجاتهم وحسب درجة المحكمة التي صدرت أحكامهم عنها، في محاولة جادة للتأسيس، لتوجه جديد ينفتح على التوجهات الكبرى للأنظمة الأنكلوساكسونية، التي تجعل من نظام السوابق القضائية، طريقا يكتسي أهمية كبيرة ومفصلية في الأنظمة القضائية للدول التي تتبه هذا النظام، بعد أن جعلت السادة القضاة مقيدين باتباع السوابق القضائية التي نظرت في نفس النزاع، لتسير على نهجه وطريق حكمه، والهدف من كل هذا أن تكون الأحكام الصادرة في النوازل المتماثلة واحدة حتى ولو تغير الحاكمون فيها وأطراف الخصومة، ونحن ندعوا من هذا المنبر للانفتاح على النظام الانكلوساكسوني للأخذ بنظام السوابق، على أن يكون التوجه المقترح بشكل يبصم على التميز المغربي الخاص به وفق ما سنعرضه، مندفعين لإثارة انتباه  المشرع المغربي في وقت حساس ما زال الزمن التشريعي  ولو كان ضيقا يُسعف لتبني  هذا التوجه، حتى نقلل من انتقادات أصبحت توجه منذ عدة سنوات من أشخاص لا علم لهم بأبجديات التقاضي وأحيان أخرى من رجال قانون مختصين وباحثين أو متقاضين بعد أن بحثوا وأكثروا السؤال والاستشارة والبحث حول كل ما يتعلق بملفهم من قريب أو بعيد، يبدؤون  استفهامهم بتوجيه انتقاد أو عتاب قد يكون مقبولا في بعض الأحيان وقد يكون مسيئا في أحيان أخرى للتوجه القضائي الذي سلكه الحكم أو القرار الصادر ضدهم، معززين وجه نظرهم بقرارات قضائية لمحكمة النقض تخالف التوجه القضائي الذي سار عليه الحكم الصادر ضدهم، وبلا شك أننا عرفنا  أو اطلعنا أو وقفنا على  ملفات صدرت فيها أحكام وقرارات، وظهرت للعلن في مقالات بحثية أو حتى في كتب قانونية تبرز هذه التناقضات في  قرارات  صادرة في بعض الأحيان حتى  عن محكمة النقض والتي تكون صادرة تقريبا في نفس موضوع النزاع، و في أحيان قد تكون  صادرة  من  السادة القضاة في نفس موضوع  النزاع في محاكم مختلفة أو في نفس المحكمة، وقد يحصل أن يكون الأمر أكثر إثارة  حين نجد غرفة معينة تقضي بحكمين مختلفين، بين طرفين مختلفين في ملفين منفصلين، في نزاع متشابه، والمثير حين يكون الحكم صادر عن نفس  القاضي المقرر أو عن نفس الهيئة في ملفين  بنوازل متشابهة بمنطوق حكمين مختلفين متناقضين، ولا يمكن أن نجزم أن هذا الاختلاف في الحكمين  يمكن أن يكون بسوء النية، لأنه أحيانا قد يحصل بحسن نية بسبب كثرة الملفات والجهد الذي يبذله السادة القضاة في تحرير الأحكام أو تعليلها دون أن ننسى مشكلة قلة السادة القضاة، ولكن حين يرفق طرف من أطراف الخصومة مقاله أو جوابه أو استئنافه أو طعنه،  بقرار صادر عن نفس الهيئة في نفس النزاع مع اختلاف الأطراف، ويصدر حكم بقبول الدعوى بعد أن تم رفضها في الحكم السابق أو العكس، هنا نصبح أمام إشكال حقيقي، فليس هناك أي نص قانوني يلزم القاضي بالسير على نفس نهج حكمه السابق حتى ولو أدليت له بحكمه السابق ولكن أدبيا صدور حكمين عن نفس القاضي أو الهيئة بشكل متناقض، حتى في حالة تذكيرهم بحكمهم السابق، والنحي عنه وإصدار حكم جديد مخالف للحكم الأول الذي أصدروه وعلموا به سيجعل حكمهم الثاني محل شك وسوء فهم كبير من الطرف الذي تضرر من الحكم الثاني وعدالتنا التي يعمل الجميع على جعلها في أعلى عليين، ستصبح في هذه الحالة محل قيل وقال وتأويل قد يضر بها وبسمعتها، لذلك فأعتقد أنه حان الوقت، لكي يُضمن المشرع المغربي بشكل تدريجي، فكرة  حجية السوابق القضائية، ويدخلها إلى تعديلات قانون المسطرة المدنية، مقترحين في سبيل تقريب الفكرة من النص القانوني المقيد، ما يلي من أفكار وتعديلات قد تعزز من فعالية مشروع المسطرة المدنية المرتقب، وهي كتالي:

 
  1. التنصيص على أن قرارات محكمة النقض الصادرة عن الغرفة الواحدة، تعتبر ملزمة لكل القضاة المغاربة، بما فيهم قضاة محكمة النقض، في النوازل المشابهة، وخصوصا كلما بلغت إلى علم القاضي من أطراف الخصومة ودفاعهم يصبح ملزما بالسير على هديها وتوجهها.
  2. التنصيص على أن القاضي لا يمكن أن يصدر أحكام متناقضة متى كانت النازلة الأولى مشابهة للنازلة الثانية في وقائعها، وكان أحد أطراف النازلة الأولى والثانية واحد، خصوصا إذا إلى علم القاضي حكمه السابق من أطراف الخصومة ودفاعهم، يصبح ملزما بالسير على توجه حكمه السابق.
  3.   التنصيص على أن أي غرفة بمحكمة النقض، أرادت أن تتراجع عن توجهها في نازلة وتوجه قضائي معين معروف، يجب أن تعرض الأمر هذا التراجع على غرفتين، وإذا صدر حكم جديد عن الغرفتين، تم فيه التراجع عن توجهها القديم المتعارض مع التوجه الجديد الذي سار عليه قرار الغرفتين، يصبح توجه الغرفتين في النوازل المشابهة، ملزما لكل المحاكم ولغرف محكمة النقض الواحدة.
  4. التنصيص على أنه لا يمكن التراجع عن قرارات محكمة النقض الصادرة بغرفتين، إلا بعرض الأمر على جميع غرف محكمة النقض للبث في أمر التراجع، وسواء تراجعت محكمة النقض عن اتجاه الغرفتين أو لم تتراجع، يصبح هذا القرار الصادر عن جميع الغرف، توجها ملزما لكل محاكم المملكة ولجميع غرف محكمة النقض بما فيها مجالس قضاء محكمة النقض المشكل من غرفتين.
  5.  التصريح على أن توجه محكمة النقض الصادر بجميع الغرف، يمكن استثناء التراجع عنه، عبر غرفة مشكلة من جميع السادة رؤساء غرف محكمة غرف محكمة النقض و سنى من رؤساء أقسام بعض غرفها، ويترأس هذه الغرفة السيد رئيس محكمة النقض بصفة شخصية، ويمثل النيابة العامة بمحكمة النقض الوكيل العام لمحكمة النقض شخصيا،  ويمثل كتابة ضبط بهذه الجلسة السيد رئيس كتابة الضبط بمحكمة النقض، ويصبح توجه قرار محكمة النقض الصادر عن هذه الغرفة الاستثنائية ، قرارا ملزما لكل المحاكم والغرف، ويبلغ هذا القرار إلى وزارة العدل للعمل على تضمين توجهها في تعديلات قانونية مقبلة، ولا يمكن التراجع عن توجه قرار محكمة النقض هذا،  الذي يمكن أن نسميه بقرار محكمة النقض الكبير، إلا بقانون يلغي بشكل صريح هذا التوجه.
  6.  وحتى يكون المشرع منصفا للسادة القضاة الذي يمكن ألا يكون لهم علم بتوجه محكمة النقض في نزاع مشابه، يجب التنصيص على أن عدم إرفاق الطرف بتوجه محكمة النقض وبالقرار الصادر فيه سواء كان القرار منشورا أو غير منشور، يجعل القاضي والمحكمة في حل من الأخذ بأي توجه يمكن ألا يكون له علم به.
  7. التنصيص على أن قرارات محكمة النقض الصادر بغرفتين أو بجميع الغرف أو القرارات الكبرى لمحكمة النقض، يجب أن يكون للقاضي علم بتوجهها، ويجب عليه أن يسير على نهج قراراتها في القضايا والنوازل المشابهة حتى ولو لم يدلي أطراف الخصومة بنسخ من القرار.
  8. التنصيص على أنه إذا استفاد قضاة محاكم الموضوع أو قضاة محاكم النقض، من برامج تعمل بالذكاء الاصطناعي وبالتقنيات والتطبيقات الذكية التي تتيح لهم، الوقوف على قرارات لمحكمة النقض صادرة في موضوع يشبه القضية التي ينظرون فيها بغرفة واحدة، يجب عليهم عدم مخالفة توجه محكمة النقض، تحت طائلة المسائلة المهنية.  
  9. مسك الختام


إن العمل على إخراج هذه التعديلات المقترحة في هذا المقال، من شأنه أن يرفع من وزن وقيمة القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض، ويجعل طريقها وتوجهها المعروف والصادر عنها وفق المبين أعلاه توجها ملزما للقاضي، طريقا وتجها من شأنه أن يجعل الرؤيا واضحة لكل متقاضي ومدافع، ويعزز من ثقتنا في التوجهات القضائية لمحكمة النقض التي تعتبر في نظر رجال القانون محكمة قانون، بات الوقت مناسبا لجعل قراراتها ملزمة، لأنها تناقش القانون ومدى مطابقة أحكام الموضوع للقانون، ولا تهتم بموضوع الدعوى وبأطرافها، وهي حين تشرح أو تفسر نصا معينا أو مسطرة أو إجراء معين غير واضح أو ملتبس في نص قانوني، يجب أن يكون تفسيرها وعملها وتوجهها القضائي ملزما لجميع القضاة، والمشرع المغربي يجب عليه الآن أكثر من أي وقت مضى التشريع لجعل القرارات الصادرة عن محكمة النقض، التي تقرر وتحكم وتُنظر للعدالة القضائية القانونية، ينبوعا صافيا متدفقا، مستقر الوجهة، وتكون توجهاتها ملزمة لجميع القضاة، ويكون توجهها الواحد محترما من قبل الجميع، يعملون به ويتكؤون بكل ثقة وموثوقية على علمها القانوني وعملها أو اجتهادها القضائي الثابت، كلما كانت النازلة والواقعة التي بثت فيها محكمة النقض سابقا مشابهة للمعروضة على محاكم الموضوع أو حتى غرف محكمة النقض، حتى ولو اختلفت أسماء السادة القضاة وأطراف الدعوى وبنايات المحاكم ودرجاتها التي تنظر في الدعوى الجديدة.



الاثنين 12 ماي 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter