MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





من اجل ضابط جديد ينظم مؤسسة الحسبة بالمغرب

     




مغاري عبدالرحمان
تخصص: القانون العام



من اجل ضابط  جديد ينظم مؤسسة الحسبة بالمغرب
 
اطار عام

تعد مؤسسة الحسبة بالمغرب من بين افرازات التراث العربي الاسلامي ، استمدت شرعيتها من القران الكريم والسنة النبوية ، ومع مرور السنين تنوعت واختلفت تدخلاتها ، وان من بين اهدافها ،محاربة الغش في المواد الغذائية ، ومراقبة الاسعار والمكاييل والموازين في الاسواق ، والحفاظ على نظافة الاسواق  وزجر السلوكيات المنافية للآداب والاخلاق العامة وحل النزاعات بين الزبناء والتجار.
 والمغرب من بين الدول التي سعت الى الحفاظ على هذه المؤسسة من خلال الظهير الشريف رقم 1.82.70 ، بتاريخ 28 شعبان 1402 ، الموافق ل 21 يونيو 1982 ، المتضمن الامر بتنفيذ القانون رقم 02.82، المتعلق باختصاصات المحتسب وامناء الحرف  (1 ).
والجدير بالذكر، ان القانون السالف الذكر ، وبعد اربعة عقود عن تنفيذه ، أبان عن محدوديته  في مجالات معينة ، بالإضافة الى عدم توافقه مع باقي القوانين الاخرى التي لها علاقة بحماية المستهلك ، وكان لزاما وضع ضابط تشريعي جديد يأخذ بعين الاعتبار التحولات السوسيواقتصادية التي يعرفها المغرب وملائمته مع مقتضيات دستور  يوليوز 2011 ، ولاسيما الفصل الاول منه .
وصلة بما سبق ، تثغيا هذه الدراسة الموجزة ، ومن خلال المحاور التالية، رسم تصور شامل عن تطور مؤسسة الحسبة بالمغرب من خلال الاختصاصات الموكلة اليها ، وعن امكانية تطويرها لتواكب التحولات ولا خراج الى حيز التنفيذ  ضابط تشريعي يسعى الى استمرارية  هذه المؤسسة العريقة بالمغرب ولكونها اقرب الى اهتمامات  ومشاكل المواطنين.

  • 1 - نبذة تاريخية عن مؤسسة الحسبة :
  •  
من الناحية الاجرائية ، المقصود بها تولية شخص معين لتدبير شؤون الرعايا حيت يقوم بعملية مراقبة الأسعار والمكاييل في الاسواق وردع المخالفين للآداب والاخلاق العامة ، وفض النزاعات  ونظافة الاسواق . في بداية الدعوة الاسلامية  عين النبي محمد صلى الله عليه وسلم  سعيد بن العاص على سوق مكة ،كما عين عمر على سوق المدينة  (2). وقد تطور الامر الى اشراف هذه المؤسسة على نظافة الاسواق والمساجد  ومراقبة اصحاب الحرف والمهن ، وكذلك الاشراف على مراقبة اعمال الادارة ،وقد تضمن كتاب الاستاذ الحبيب الجنحاني حول المجتمع العربي الاسلامي الاشارة الى ان عمل المحتسبين تجاوز مراقبة الاسواق ليشمل ".. مراقبة الطرقات وتفتيش القوافل التجارية واستغلال العمال " (3).
في المغرب ، وفي فترة ما قبل الاستعمار ، ان الاحكام التي كانت تطبق في اسواق المدن العربية  الاسلامية هي نفسها المطبقة في الاسواق المغربية  (4). وفي عهد الحماية (1912-1956) ، ومع التطورات الحاصلة والمتعلقة بتجديد بنيات الايالة الشريفة وفق منظور المستعمر، وعلى اثر استصدار ضوابط تنظم عمل المحتسبين ، انتهى الامر الى تقليص دور مؤسسة  الحسبة وتحديد اختصاصاتها في القيام بتعيين لوائح لأسعار السلع والاشياء الضرورية ، و يستشف من  الفصل الاول من الظهير الشريف بخصوص تنفيذ القرارات البلدية  المتعلقة بقايمات ( لوائح ) الاسعار  (5)،  بان اختصاصات  المحتسب تشمل تحديد اسعار السلع فقط ، وان العقوبات الزجرية تطبق بشأنها القانون الجنائي الفرنسي ، وكذلك العقوبات المنصوص عليها بالظهير الشريف المؤرخ بالثامن والعشرين من ربيع الثاني لعام 1332، الموافق26 مارس 1913 ، في شأن زجر المخالفين لقرارات العمال والباشوات بالإيالة الشريفة ،كما ورد في مقتضيات الظهير الشريف في معاقبة من يخالف قرارات الباشوات والقواد وفي تغيير العقوبات التي تلحق من لا يمتثل للأسعار الذي يحدده المحتسبون ( 6).
وللإشارة ، إن امر مراقبة الاسعار والموازين  والغش في المواد الغذائية والمأكولات الفاسدة خلال الفترة الاستعمارية ،هي كذلك من اختصاص شرطة  المستعمر ولنوابهم طبقا لمنشور الصدر الاعظم الصادر في 19 شتنبر لسنة 1913 ( يتعلق الامر بالسيد الحاج محمد المقري).
ويتبين مما سبق،  بان المشرع الاستعماري ، وبالرغم من تقليصه لدور مؤسسة الحسبة من خلال توجيه اختصاصاتها في تحديد تعريفة اسعار السلع والاشياء الضرورية ( ويتعلق الامر بالزيت والشاي والسكر  والدقيق ) ، ظلت صامدة امام المشروع الاستعماري الذي ظل هاجسه تفكيك المؤسسات التقليدية ومحاولته اصدار ضوابط تأخذ بعين الاعتبار مكانته داخل التحولات التي عرفها المغرب في تلك الفترة.
وبعد الحصول على الاستقلال ، ستتوج مؤسسة الحسبة من خلال القانون رقم 82-02 ، المتعلق باختصاصات المحتسب وامناء الحرف ، وكذلك من خلال تعيين مجموعة من المحتسبين بواسطة الظهير الملكي، بالإضافة الى  ذلك تكوين عدد كبير من الحاصلين على تعليم جامعي بمدرسة تكوين الاطر بالقنيطرة ،وتعيينهم كنواب للمحتسبين ، وكذلك تعيين مرقبين للأسعار مساعدين  يتمتعون بتكوين جيد ورفيع المستوى لمساعدتهم ، كل ذلك  للرفع من مستوى هذه المؤسسة وتحديثها ولمواكبة التحديات الجديدة ولحماية المستهلك من ارتفاع الاسعار والغش في جودة المواد وفساد المأكولات الغذائية ومحاربة الاحتكار .

2- مضامين مقتضيات القانون القانون رقم 82-02

يتكون القانون السالف الذكر من بابين  ، الاول خصص للمحتسب والثاني لأمناء الحرف ومن احدى عشرة فصل ، وبالرجوع للباب الاول تضمن الفرع الاول منه اختصاصات المحتسب المتعلقة بمراقبة جودة بعض المنتجات او الخدمات وأثمانها ، كما ورد في فرعه الثاني اختصاصات المحتسب الاخرى ،وكما سبق ذكره خصص الباب الثاني منه لأمناء الحرف والمهن واختصاصاتهم ، ومجمل القول حددت مقتضيات القانون المشار اليه انفا  اختصاصات المحتسب في :
  • مراقبة جودة الاثمان وخدمات المنتجات الصناعة التقليدية والمنتجات الفلاحية والمواد الغذائية والمشروبات ومنتجات التزيين والنظافة؛
  • التحقق من ان المنتجات والخدمات المقدمة تتوفر فيها المواصفات المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل في المجال ؛
  • اتخاذ جميع الاجراءات لردع المخالفين  المنصوص عليها في القوانين والانظمة الجاري العمل بها في هذا الشأن ؛
  • السهر على الصدق في المعاملات وفرض قواعد المحافظة على الصحة والنظافة خصوصا في الاسواق الحضرية والقروية وفي الاماكن التجارية والمهنية ؛
  • فض النزاعات المرتبطة بالقضايا التي تهم العلاقات المهنية وبين الحرفيين والتجار وبين الزبناء ويساعدهم في ذلك امناء الحرف .
وهكذا مكن القانون المشار اليه سابقا المحتسبين من اختصاصات متعددة تتطلب استحضار العديد من القوانين والتشريعات وان تفعيلها يتطلب كفاءات عالية وتوفر امكانيات مادية وبشرية متخصصة خاصة تلك المتعلقة  بجودة ومكونات المنتوج ، وقد ابان القانون السالف الذكر خلال اربعة عقود من تطبيقه عن محدوديته في مجالات ليست من شأنهم ، وكان لزاما  بالتالي امام التحولات السوسيو الاقتصادية التي يعرفها المغرب حاليا ، والتي توجت بإصدار دستور جديد ( دستور 2011) من انتاج ضابط جديد يحدد بدقة اختصاصات المحتسب وحماية هذه المؤسسة من الاندثار و الاقصاء والتهميش.

3- من اجل ضابط جديد يواكب التحولات الحالية وملائمته مع مقتضيات دستور 2011 والقوانين التي لها علاقة بحمايةالمستهلك

وصلة بما سلف، يستوجب القيام بالعمليات - الجراحية - التالية قبل تسطير ضابط جديد ينظم اختصاصات المحتسب وامناء الحرف ويتعلق الامر :
  • من حيت الشكل ،اعادة صياغة القانون الجديد بالشكل اللازم والمطلوب     ،وذلك بعدم تضمينه للمقتضيات المتعلقة بجودة المنتجات، لان الامر حاليا يعود الاختصاص الى مؤسسات اخرى لها من الامكانيات المادية والبشرية للقيام بذلك ،بالإضافة الى ذلك حذف المقتضيات المتعلقة بمراقبة الاثمان.
  • ومن حيت الجوهر، حذف كل ماله الارتباط بمراقبة الاسعار ، لان الامر حاليا من اختصاص القانون  99 -06 ، المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، وكذلك كل ما يتعلق بالقوانين والانظمة المتعلقة بزجر الغش
  • كما تجدر الاشارة الى تحديد اختصاصات المحتسب  بدقة ،من خلال صياغة ضابط واضح شامل يحدد اختصاصاتهم في مجالات محددة ومعينة لا علاقة لها بمجالات اخرى ليست لهم القدرة  والقوة والكفاءة على القيام بها .
  • وعلى الضابط التشريعي الجديد ان يكون متوافقا مع المقتضيات الواردة في القانون رقم 08-31 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وكذلك القانون 99-06 ، المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة .
  • وبالإضافة الى ما سبق،  يجب تضمين الضابط الجديد للمقتضيات الجديدة المنصوص عليها في دستور 2011 ، ولاسيما الفصل الاول منه والمتعلقة بالديمقراطية التشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة،  وذلك من خلال اشراك جمعيات المجتمع المدني الى جانب امناء الحرف اثناء فض النزاعات الناشئة بين التجار او المهنيين والزبناء  .
 
 حصيلة: لمؤسسة الحسبة سند ديني، تستمده من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما شملت تدخلاتها العديد المجالات ،وقد حاول المستعمر الفرنسي تقليص اختصاصاتها ، واعاد لها المشرع المغربي شرعيتها من خلال قانون نظم اختصاصات هذه المؤسسة .
 والملاحظ ، انه بعد اربعة عقود عن تنفيذه ابان عن محدودية في مجالات معينة ،وكان لزاما ان يتم اصدار ضابط جديد ليواكب المقتضيات الدستورية الجديدة ولاسيما تلك المتعلقة بالحكامة الجيدة واشراك جمعيات المجتمع المدني ، وحذف كل ما من شأنه  لا يدخل في اهتمامات واختصاصات هذه المؤسسة .

   ......................................................

المراجع :

 (1)- الجريدة الرسمية عدد 3636 ،بتاريخ 7 يوليوز 1982 ، ص836-/838 .
(2)- د.الحبيب الجنحاني ،المجتمع العربي الاسلامي –الحياة الاقتصادية والاجتماعية – عالم المعرفة ، عدد 319 ، شتنبر 2005 ، ص 27 .
(3)- المرجع السابق الذكر، ص  103
(4) - المرجع السابق الذكر، ص  102
(5)- الجريدة الرسمية  عدد 81 ،  السنة الثانية ،  1913 ، ص478 .
(6)- الجريدة الرسمية عدد 300 ،السنة السابعة ،1919 ، ص 54 .
 



الثلاثاء 4 يونيو 2013

تعليق جديد
Twitter