MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع على ضوء المستجدات التشريعية

     

عدنان الوهابي
باحث في القانون العقاري.



مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع  على ضوء المستجدات التشريعية
مقدمة

تحظى أراضي الجموع بأهمية بالغة داخل المنظومة العقارية بالمغرب، ولهذا سارع المشرع المغربي إلى سن مجموعة من النصوص القانونية واتخاذ عدة تدابير من شأنها الحفاظ على خصوصيتها و حمايتها من الإستيلاء والترامي، وقد عرفها الأستاذ محمد خيري بأنها:" أراضي ترجع ملكيتها إلى جماعات سلالية في شكل قبائل أو دواوير أو عشائر، قد ترتبط بينهم روابط عائلية أو روابط عرقية واجتماعية ودينية وحقوق الأفراد فيها غير متميزة عن حقوق الجماعة، بحيث أن استغلالها يتم مبدئيا بكيفية جماعية. ولاينبغي الخلط بينها وبين الأملاك البلدية التي ترجع ملكيتها للجماعات الحضرية والقروية"[1].
وبقدر هذه الأهمية التي تكتسيها أراضي الجماعات السلالية في مجال التنمية الإقتصادية والإجتماعية، دعت الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع "السياسة العقارية للدولة ودورها في التمنية الإقتصادية والإجتماعية يومي 8،9 دجنبر 2015 للعمل على تسريع وتيرة التصفية القانونية للأراضي الجماعية، بهدف توفير مناخ ملائم لدمج أمثل لهذه الأراضي في مسلسل التنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد"[2].
وتعتبر مسطرة التحديد الإداري المنصوص عليها بمقتضى القانون رقم 63.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.116 الصادر في 9 أغسطس 2019[3]  من أنجع وأهم الوسائل التي تحقق حماية هذا الرصيد العقاري، وذلك بتدقيق مساحته و ضبط حدوده بصفة نهائية ومن ثمة تطهيره من كل حق عيني لم يطالب به أثناء جريان المسطرة.
وبالرغم من إيجابيات هذه المسطرة في تحصين أراضي الجموع، إلا أنها تواجه بالعديد من الإشكالات والصعوبات على مستوى التطبيق، والذي يزكيه قصور النص القانوني وازدواجيته بين تفعيل مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري وظهير التحديد الإداري. وعليه فإن الإشكالية الرئيسية المثارة حول هذا الموضوع تتعلق بمدى مساهمة مسطرة التحديد الإداري في التوفيق بين حماية أملاك الجماعات السلالية ورعاية مصالح الأغيار وذلك من خلال المستجدات التي جاء بها القانون رقم 63.17؟
وبناء على ما سبق، سوف أتطرق لهذا الموضوع من خلال مبحثين، الأول يتعلق بالتحديد الإداري كآلية لحماية أراضي الجموع، في حين سأخصص المبحث الثاني إلى تصفية أراضي الجموع والإشكاليات التي تعترضها.
 
المبحث الاول:التحديد الإداري كآلية لحماية أراضي الجموع.
يتطلب إخضاع عقار لمسطرة التحديد الإداري، إتباع مسطرة خاصة تقوم على إشهار واسع يتضمن النشر بالجريدة الرسمية والتعليق لدى مجموعة من الجهات، بالإضافة إلى عملية التحديد كإجراء قانوني وتقني في نفس الوقت، وذلك حتى لا يتضرر الأغيار بصدور مرسوم المصادقة الذي يحدد الوضعية القانونية للعقار وحدوده ومشتملاته بصفة قطعية (المطلب الأول). بحيث يسمح لكل من ينازع في ملكية الجماعة السلالية للعقار  موضوع التحديد الإداري وفي حدوده أن يتدخل في المسطرة عن طريق مؤسسة التعرض التي أحاطها القانون رقم 63.17 بخصوصية تميزه عن ما هو منصوص عليه في ظهير التحفيظ العقاري (المطلب الثاني).
 
المطلب الأول:مراحل مسطرة التحديد الإداري.
تتميز مسطرة التحديد الإداري بقواعد إجرائية دقيقة ومعقدة، والتي تمتد من حيث الزمان إلى سنوات طويلة تتوزع بين الأبحاث والدراسات قبيل صدور القرار الوزيري بإفتتاح عملية التحديد، وبين الإجراءات المصاحبة لجريان المسطرة. ويمكن حصر هذه الإجراءات بشكل تسلسلي، في المراحل التالية:
أولا: إذا توفرت في عقار قرينة على أنه من أملاك الجماعات السلالية يمكن لوزارة الداخلية بصفتها وصية على الجماعات السلالية[4] أو بطلب من الجماعة يتضمن كافة المعلومات المتعلقة بالعقار أن تباشر عملية التحديد الإداري[5] وذلك بإصدار السيد وزير الداخلية لمرسوم يحدد افتتاح هذه العمليات.
يتضمن المرسوم تاريخ افتتاح عملية التحديد الإداري سواء تعلق الأمر بعقار واحد أو عدة عقارات، كما يبين إسم الجماعة السلالية المالكة[6]، الإسم الذي يعرف به العقار، موقعه الجغرافي، حدوده، مساحته التقريبية، وعند الإقتضاء ذكر أسماء المجاورين والتحملات العقارية والحقوق العينية المترتبة عليه وكذا القطع الأرضية المحصورة داخله[7].
وينشر المرسوم المحدد لتاريخ افتتاح عمليات التحديد الإداري، خلال مدة 30 يوما على الأقل قبل التاريخ المحدد لبدء العملية، حيث يتم تعليق نسخة منه في مقرات السلطة المحلية، المحكمة الإبتدائية، مصلحتي المحافظة العقارية والمسح العقاري والمصالح التابعة لمديرية أملاك الدولة والمياه والغابات التي يقع العقار في دائرة نفوذها الترابي[8].
ويترتب على نشر المرسوم الإفتتاحي لعملية التحديد الإداري الآثار التالية:
- منع إبرام أي تصرف يتعلق بالأراضي موضوع عملية التحديد تحت طائلة البطلان، باستثناء الحالات المنصوص عليها في المواد 16،17،19،20 و 21 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أحكامها، والمتعلقة بتوزيع الإنتفاع بين أعضاء الجماعة السلالية وعقود الأكرية والتفويتات التي تبرمها سلطة الوصاية، وكذا عملية تقسيم الأراضي الفلاحية لفائدة أعضاء الجماعة.
- عدم قبول أي مطلب تحفيظ مقدم من طرف الغير، يتعلق بالأراضي موضوع التحديد الإداري، ما لم يكن هذا المطلب تأكيدا لتعرض مقدم وفقا لأحكام المادتين 6 و 9 من القانون رقم 63,17 .
حيث يمتد هذا المنع من تاريخ نشر المرسوم المشار إليه في المادة 2 من القانون رقم 63.17 إلى غاية المصادقة على عملية التحديد الإداري.
ثانيا:تعتبر عملية التحديد ركيزة أساسية في مجال تطهير الأملاك العقارية، باتباع مسطرة قانونية وهندسية تعتمد على الإشهار و التموقع الدقيق للعقار ورصد الحقوق العينية التي تترتب عليه مع تثبيت حدوده ومساحته. حيث تنجز بواسطة لجنة تحمل إسم "لجنة التحديد الإداري" نصت المادة 5 من القانون رقم 63.17 على تكوينها والتي تترأسها السلطة المحلية وتضم في عضويتها ممثلا عن العمالة أو الإقليم الذي يقع العقار في دائرة نفوذه ونائب أو نواب الجماعة أو الجماعات السلالية المعنية وعند الإقتضاء ممثلا عن سلطة الوصاية، كما تضم مهندسا مساحا طبوغرافيا أو تقنيا طوبوغرافيا. حيث استغني عن المترجم والعدلين واللذين كانا منصوصا عليهما كعضوين في لجنة التحديد في الفصل الثاني من الظهير الشريف المؤرخ في 18 فبراير 1924 بتأسيس ضابط خصوصي المتعلق بتحديد الأراضي المشتركة بين القبائل.
ثالثا: تستهل عملية التحديد من طرف اللجنة المذكورة سلفا في التاريخ والمكان المبين في المرسوم الإفتتاحي المشار إليه في المادة 2 من القانون رقم 63.17، حيث تقوم بمعاينة العقار والوقوف على حدوده ووضع الأنصاب، مع الأخذ بعين الإعتبار جميع الملاحظات التي يبديها الحاضرين، وعلى الخصوص التعرضات المثارة والمتعلقة بحق من الحقوق العينية العقارية أو عند المنازعة في حدود العقار[9].
إذا أسفرت عملية التحديد عن تحديد سلبي لأي سبب كان، قام رئيس اللجنة بتحديد تاريخ جديد لمواصلة عملية التحديد وأخبر الحاضرين بهذا التاريخ[10]. وفي حال إنجاز عملية التحديد تحرر اللجنة محضرا بذلك[11] يتضمن لزوما البيانات المنصوص عليها في المادة 7 من القانون رقم 63.17 وهي: تاريخ العمليات وأسماء الحاضرين، وصفا دقيقا للعقار المعني بمميزاته ومشتملاته وحدوده ومساحته مع الإشارة لموقع الأنصاب. وعند الإقتضاء أجزاء الملك العام والقطع المحصورة بداخله والحقوق العينية المترتبة عليه والتعرضات والملاحظات المقدمة إلى اللجنة والوثائق المدلى بها، ثم تضع تصميما مؤقتا للعقار موضوع التحديد.
وبعد إتمام عملية التحديد تودع اللجنة نظيرا من المحضر والتصميم المؤقت لدى السلطة المحلية و مصلحتي المحافظة العقارية والمسح العقاري الواقع بدائرة نفوذهم الترابي العقار المعني، وذلك حتى يتسنى للعموم الإطلاع عليه تدعيما لعملية الإشهار الذي تتميز به مسطرة التحديد الإداري. ويتم نشر إعلان عن هذا الإيداع بالجريدة الرسمية مع تعليقه لدى نفس الجهات المنصوص عليها بالمادة 3 من القانون رقم 63.17.
رابعا: يمكن التعرض على عمليات التحديد الإداري إذا كانت المنازعة تهم العقار موضوع التحديد أو حدوده أو مشتملاته أو تهم حقا عينيا عقاريا. ونظرا لخصوصياته في مسطرة التحديد الإداري وما يطرحه من إشكاليات ولا سيما في الطبيعة القانونية لمطلب التحفيظ التأكيدي للتعرض ومدى خضوعه لمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري من عدمه، فإنني ارتأيت التطرق له في مطلب مستقل. 
خامسا: بعد إستيفاء جميع الإجراءات والمراحل المنصوص عليها في القانون رقم 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، فإنه يصادق على عملية التحديد الإداري كليا أو جزئيا، بمرسوم يتخذ باقتراح من السيد وزير الداخلية و ينشر في الجريدة الرسمية، إستنادا إلى محضر أو محاضر لجنة التحديد الإداري والتصميم العقاري الملحق به، وإلى شهادة يسلمها المحافظ على الأملاك العقارية لممثل سلطة الوصاية يشهد فيها حسب الحالة على ما يلي:
- أنه لم يقدم أي مطلب تحفيظ تأكيدا للتعرض على التحديد الإداري المعني.
- أو أنه قدمت في شأنه مطالب تحفيظ تأكيدا للتعرضات مع حصرها وذكر مراجعها.
- أو أنه قدمت في شأنه مطالب تحفيظ قبل تاريخ نشر المرسوم الإفتتاحي لعملية التحديد الإداري.
ويترتب على المصادقة تصفية الوضعية القانونية للعقار موضوع التحديد الإداري وحدوده ومشتملاته بصفة نهائية.
 
المطلب الثاني: خصوصيات التعرض على مسطرة التحديد الإداري.
يعتبر التعرض دعوى استحقاقية بامتياز، يطالب من خلالها المتعرض بحق من الحقوق العينية القابلة للتقييد في الرسم العقاري سواء كانت حقوقا أصلية أو متفرعة عن حق الملكية أو تكاليف عقارية[12]. ويقدم التعرض على التحديد الإداري بعين المكان أمام اللجنة المكلفة بالتحديد الذي يضمن بمحضر التحديد. ويمكن تقديمه كذلك أمام السلطة المحلية المختصة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية عن إيداع محضر التحديد والتصميم المؤقت لدى السلطة المحلية مقابل وصل بذلك. وإذا قدم التعرض بواسطة تصريح شفوي تحرر السلطة المذكورة محضرا بهذا الخصوص، وتسلم نسخة منه إلى المتعرض.
وبعد مضي أجل ثلاثة أشهر إبتداء من تاريخ نشر الإعلان عن إيداع محضر التحديد والتصميم المؤقت لدى السلطة المحلية ومصلحة المحافظة العقارية والمسح العقاري الواقع بدائرة نفوذهما الترابي العقار المعني في الجريدة الرسمية[13]، فإن التعرض لا ينتج أي أثر إلا إذا تقدم المتعرض على نفقته بمطلب تحفيظ تأكيدا لتعرضه لدى المحافظة العقارية المختصة مكانيا خلال ثلاثة أشهر الموالية لإنقضاء الأجل المحدد لتقديم التعرضات. عوضا عن أجل ستة أشهر الذي كان منصوصا عليه في الظهير الشريف المؤرخ في 18 فبراير 1924 المنسوخ .
فما هي الطبيعية القانونية لمطلب التحفيظ التأكيدي؟ وهل يخضع كغيره من مطالب التحفيظ لنفس القرارات المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري من قبيل الرفض والإلغاء و كذلك إمكانية إبرام تصرفات قانونية بشأنه؟
في ظل سكوت النص القانوني عن تحديد طبيعة مطلب التحفيظ التأكيدي، فإنه ينبغي التعامل معه كأي مطلب آخر مودع طبقا لمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري. حيث أنه يجب على طالب التحفيظ تدعيمه بالحجج والوثائق المؤيدة له تحت طائلة الرفض، مع إرفاقه بشهادة إدارية تسلمها السلطة المحلية تفيد بأنه سبق وأن تقدم بتعرضه داخل الأجل القانوني، ثم يؤدي عنه رسوم المحافظة العقارية.
وفي هذا الصدد صدرت عن السيد المحافظ العام المذكرة عدد 4145 المؤرخة في 24 نونبر 2000 والتي جاء فيها: "ألفت انتباهكم إلى أن المشرع لم ينص على مقتضيات خاصة متعلقة برسوم المحافظة العقارية والمستحقات على طلبات إيداع مطالب التحفيظ التأكيدية للتعرضات المصرح بها ضد مساطر التحديد الإداري لأراضي الدولة والجماعات السلالية". حيث أكدت على كون مطالب التحفيظ المودعة تأكيدا للتعرض على عمليات التحديد الإداري تسري عليها نفس القواعد المطبقة على مطالب التحفيظ العادية في هذا الباب.
وهذا التوجه تم تأكيده بصدور المرسوم المتعلق بتحديد تعريفة وجيبات المحافظة العقارية بتاريخ 18 يوليوز 2016 في الباب الأول منه، والذي حسم في التفرقة بين إيداع مطالب التحفيظ الإختيارية و مطالب التحفيظ التأكيدية للتعرض على التحديد الإداري ووحدها في نفس الرسوم المستحقة.
من جهة أخرى يطرح النقاش حول إمكانية إبرام تصرفات قانونية لعقارات موضوع مطالب تحفيظ تأكيدية وإيداعها طبقا لمقتضيات الفصلين 83 و 84 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه؟
إجابة عن هذا التساؤل يمكن القول بأن المشرع المغربي نص على أن فترة المنع محددة ما بين تاريخ صدور المرسوم الإفتتاحي إلى غاية صدور مرسوم المصادقة وبأن العقود المبرمة في هذه الفترة باطلة، مما ينبغي على المحافظ على الأملاك العقارية عند بته في الطلبات المعروضة عليه بخصوص إيداع عملية تفويت أو رهن أو غيره من التصرفات المنصبة على مطالب تحفيظ تأكيدية أن يتأكد من تاريخ تحرير العقد وبأنه لم يبرم في فترة المنع، وإلا فإن مصير الطلب الرفض ولو أرفق بعقود لاحقة وذلك قياسا على فترة المنع المنصوص عليها في الفصل 4 مكرر من الظهير رقم 1.62.105 المؤرخ في 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض والتي تمنع القيام بأي نوع من الأعمال الإرادية التي من شأنها تفويت العقارات المضمومة خلال الفترة الفاصلة بين تاريخ نشر الإعلان بإيداع التصاميم واللوائح التجزيئية بمقر السلطة المحلية وتاريخ نشر مرسوم المصادقة على عملية الضم، كما تقع تحت طائلة البطلان كل العقود المنشأة خلافا لذلك وهو ما أكده المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- في قراره عدد 1264 بتاريخ 29 مارس 2000 والذي يؤيد قرار محكمة الإستئناف بمكناس رقم 3230 الصادر بتاريخ 10/0/1996 والذي قضى ببطلان العقد المنشأ خلافا لمقتضيات الفصل 4 مكرر وكذا بطلان العقد الملحق به[14].
أما عدا ذلك من الحالات فإن جميع مطالب التحفيظ التأكيدية تقبل جميع التصرفات القانونية على غرار مطالب التحفيظ العادية ويجب لزاما إيداع العقود المبرمة بشأنها بمطالب التحفيظ طبقا لمقتضيات الفصلين 83 و 84 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه.
و بخصوص إمكانية قبول تعرضات بمطالب التحفيظ المودعة تأكيدا للتعرض، فقد أشار المحافظ العام من خلال الدورية عدد 381 المؤرخة في 8 ديسمبر 2010 إلى إمكانية قبول تعرضات ضدها على أساس أن تتم في مواجهة طلاب التحفيظ وليس في مواجهة الجماعة السلالية المعنية بالتحديد وذلك أمام غياب نص يمنع قبول التعرضات ضد هذه المطالب وأيضا حماية لمصالح الأغيار.
لكن إذا كان لزاما على من يتقدم بمطلب التحفيظ لتأكيد أو تصحيح تعرضه على التحديد الإداري، إثبات حقوقه في مواجهة الإدارة كمدعي، فما هو المركز القانوني للمتعرضين على مطلب التحفيظ التأكيدي في مواجهة شخص يقع عليه هو بدوره عبء الإثبات[15]؟
إجابة عن هذا الإشكال، يرى بعض المختصين[16] في الميدان العقاري، أنه يمكن للمحكمة أن تبت بداية في المطلب التأكيدي في مواجهة طالبة التحديد الإداري، وعلى ضوء ما ستقضي به من صحة أو عدم صحة مطلب التحفيظ التأكيدي، تحدد مآل باقي التعرضات المثارة في شأنه، وهكذا ففي حالة الحكم بعدم صحة المطلب التأكيدي ضد مسطرة التحديد الإداري، تصرح المحكمة، بالضرورة ترتيبا على ذلك، بعدم صحة باقي التعرضات. وفي حالة الحكم بصحة المطلب التأكيدي ضد التحديد الإداري كليا أو جزئيا، فإن طالب التحفيظ يتغير مركزه القانوني من مدعي في مواجهة التحديد الإداري إلى مدعى عليه في مواجهة باقي المتعرضين الذين ينازعونه في العقار موضوع مطلب التحفيظ، وبالتالي يمكن للمحكمة أن تنظر في التعرضات الموجهة ضد طالب التحفيظ على إثر تغيير مركزه القانوني من مدعي إلى مدعى عليه، لكون مطلب التحفيظ التأكيدي، بعد إحالته من طرف القضاء على المحافظ على الأملاك العقارية، لم يعد موجها ضد التحديد الإداري، وصار على إثر استبعاد وعائه من دائرة التحديد الإداري مطلبا عاديا تواصل في شأنه باقي إجراءات التحفيظ العقاري.
وعلى غرار ما جرى به العمل في قضايا التحفيظ العقاري فإن الإثبات يقع على عاتق المتعرض. و في مسطرة التحديد الإداري فإن صاحب المطلب التأكيدي يكتسب صفة المتعرض، وهو ما نصت على الفقرة الأخيرة من المادة 11 من القانون رقم 63.17 على أنه:"يقع عبء الإثبات على عاتق طالب التحفيظ بصفته متعرضا على التحديد الإداري". أما بخصوص مطالب التحفيظ التي تشكل تعرض متبادل مع مسطرة التحديد الإداري والمودعة قبل صدور المرسوم الإفتتاحي لعملية التحديد، فإنهم يستمرون بصفتهم تلك –طلاب التحفيظ- في حين أن الجماعة السلالية تكون في مركز المدعي –متعرضة- وهو التوجه الذي أقرته محكمة النقض من خلال قرارها عدد 2500 الصادر بتاريخ 24 ماي 2011 في الملف عدد 391/1/1/2010  والذي جاء فيه:"إذا قدم مطلب التحفيظ قبل انطلاق عملية التحديد الإداري من طرف الجماعة، فإن مسطرة التعرض الواجبة التطبيق هي تلك المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 وليس ظهير 18 فبراير 1924، وتعتبر صاحبة التحديد متعرضة يقع عليها عبء إثبات الملك"[17]
وقد خول المشرع المغربي للمحافظ سلطة تقديرية واسعة لمراقبة سير إجراءات التحفيظ ومدى تفاعل طالب التحفيظ معها و تجاوبه مع الأعمال و الإجراءات المطلوبة منه مثل حضور أشغال عملية التحديد و إعداد الوسائل اللازمة لإجرائها، ومد المهندس المساح بالإرشادات الضرورية حول حدود العقار، و تكملة النقص الذي قد يظهر على طلب التحفيظ وما إلى ذلك من أعمال و إجراءات[18]. ومنها مطالب التحفيظ التأكيدية التي يمكن أن تكون موضوعا لقراري الرفض أو الإلغاء. و  يمكن التطرق لهذين القرارين وفق الحالات المنصوص عليها في الفصلين 23 و 50 من ظهير التحفيظ العقاري، وكذا إنطلاقا من مفهوم المخالفة لمقتضيات الفصل 30 من نفس القانون. ومثال ذلك:
- إلغاء مطلب التحفيظ إذا تغيب طالب التحفيظ أو من ينوب عنه عن عملية التحديد أو عدم قيامه بما يلزم لإجرائها. وذلك  بعد توجيه إنذار مع إشعار بالتوصل إلى طالب التحفيظ، من أجل تقديم طلب جديد داخل أجل شهر من تاريخ التوصل يتضمن بيان الأسباب التي حالت دون حضوره أو من ينوب عنه لعملية التحديد. مع أداء الرسوم المستحقة والمتمثلة في مبلغ 500.00 درهم المتعلقة بمصاريف انتقال المهندس لعين المكان. وفي حالة العود يتضاعف المبلغ إلى 1000.00 درهم وذلك طبقا لمقتضيات المرسوم رقم 2.16.375 المؤرخ في 18 يوليوز 2016 المتعلق بتحديد تعريفة وجيبات المحافظة العقارية.
- إلغاء مطلب التحفيظ إذا تعذر إنجاز عملية التحديد أو المسح العقاري لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك.
- اعتبار الطلب الرامي إلى التحفيظ والعمليات المتعلقة به لاغيا وكأن لم يكن إذا لم يقم طالب التحفيظ بأي إجراء لمتابعة المسطرة، وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إنذاره من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بواسطة عون من المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ.
- رفض مطلب التحفيظ إذا ما تبين أثناء جريان عملية التحديد تموقع الملك موضوع مطلب التحفيظ التأكيدي خارج الوعاء العقاري المحدد إداريا.
 
المبحث الثاني:التصفية القانونية لأراضي الجموع والإشكاليات التي تعترضها.
إنطلاقا مما سبق، فإن هدف المشرع المغربي من مسطرة التحديد الإداري هو إثبات حق الملكية للجماعات السلالية وحماية وضعيتها القانونية وضبط وعائها هندسيا حتى تساهم في تدعيم المسار التنموي المراد إدماجها فيه باعتبارها تشكل رصيدا عقاريا هاما ينبغي تقنينه وإيجاد قواعد تضبطه وتضبط المنازعات التي يثيرها.
وقد أبان تدبير أراضي الجماعات السلالية ولا سيما في شقه المتعلق بتصفيتها، عن مجموعة من الإشكالات المرتبطة أساسا بقصور النص القانوني الذي لم يملأ فراغه صدور القانون رقم 63.17 (المطلب الأول)، وكذلك المعيقات التي تبرز بمناسبة جريان المسطرة على المستوى العملي (المطلب الثاني).
 
المطلب الأول: التصفية القانونية لأراضي الجموع المصادق على عملية تحديدها.
إن التصفية القانونية لأراضي الجموع تتطلب تظافر جهود مجموعة من الإدارات والمؤسسات العمومية التي تلعب دورا هاما في حماية الرصيد العقاري للجماعات السلالية، ومن بينها الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، حيث أبرمت هذه الأخيرة مع وزارة الداخلية اتفاقية في شهر مارس 2013 من أجل تحديد الشروط والتدابير اللازمة لإنجاز عمليات تحفيظ عقارات الجماعات السلالية. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دور مصلحتي المحافظة العقاري والمسح العقاري في مسطرة التحديد الإداري خاصة وأنهما ليسوا من ضمن أعضاء لجنة التحديد الإداري؟
بمجرد توصل المحافظ على الأملاك العقارية ورئيس مصلحة المسح العقاري بنسخة من المرسوم الإفتتاحي لعمليات التحديد الإداري يعملان على تعليقه بمكان بارز بالمصلحة. مع فتح ملف للعقار المراد تحديده وتدوين ملخص منه بسجل خاص للملفات الخاضعة لمسطرة التحديد الإداري، ثم يعمل كل في اختصاصه (مصلحة المحافظة العقارية ومصلحة المسح العقاري) بنقل الوعاء العقاري موضوع التحديد على الخرائط الهندسية حتى يتسنى مراقبة ملفات مطالب التحفيظ المودعة سابقا عن التحديد الإداري، مع رفض المطالب المراد إيداعها بعد نشر المرسوم الإفتتاحي لعمليات التحديد إلا بمناسبة تأكيد التعرض طبقا لمقتضيات المادة 10 من القانون رقم 63.17.
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي نص على الأثر التطهيري لمرسوم المصادقة على عملية التحديد الإداري، إلا أنه حث سلطة الوصاية أو الجماعة السلالية المعنية، بتقديم مطلب أو مطالب تحفيظ في شأن العقار الذي تمت المصادقة على تحديده[19] مع أداء وجيبات المحافظة العقارية. حيث يقوم المحافظ بتأسيس الرسم العقاري أو الرسوم العقارية لعقار الجماعة أو الجماعات السلالية موضوع التحديد الإداري المصادق عليه، وذلك بمجرد التحقق من وضع الأنصاب والحدود.
فما المقصود بعملية تحقيق أو مراجعة الحدود؟ وكيف للمحافظ أن يتخذ قرار التحفيظ دون الخضوع لمقتضيات الفصل 30 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه[20]؟
تتمثل عملية تحقيق الحدود في اعتماد علامات الحدود المثبتة أثناء عملية التحديد الإداري وجعلها مطابقة للعلامات المعمول بها في نظام التحفيظ العقاري وربطها بالشبكة الجيوديزية وتعويض العلامات المفقودة وإضافة علامات جديدة إن اقتضى الأمر ذلك مع تحيين المعلومات الخاصة بالمجاورين. حيث يقوم المهندس المنتدب من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بتحرير محضر تدون فيه حالة العقار المادية والقانونية وتضاف إليه كل المستجدات المحدثة بعد المصادقة على التحديد المذكور بموافقة من الجهة طالبة التحفيظ[21] دون أن يضمن في هذا المحضر أي تعرض.
ويتخذ المحافظ قراره بالتحفيظ بمجرد توصله بمحضر تحقيق الحدود والتصميم العقاري المرفق به والتأكد من عدم وجود أي تعرض، دون اللجوء إلى أي إجراء آخر كما هو معمول به في مسطرة التحفيظ العادية، لكون مسطرة التحديد الإداري تمر بمجموعة من المراحل والإجراءات المسطرية -كما سبق التطرق إليه- تجعل العموم على إطلاع بها.
وبما أن مرسوم المصادقة على عملية التحديد الإداري يصدر ولو بوجود تعرضات، فإن تأسيس رسم عقاري للمطلب المودع طبقا لمقتضيات المادة 13 من القانون رقم 63.17 يبقى رهين بما ستسفر عنه المرحلة القضائية، علما أن المشرع المغربي لم يشر إلى الإجراءات الواجب على المحافظ اتباعها قصد البت في هذه المطالب في حالة صدور أحكام قضائية نهائية.
حيث دأب العمل الإداري لدى السادة المحافظين على الأملاك العقارية أثناء بتهم في مطالب التحفيظ المودعة في إطار مسطرة التحديد الإداري، والتي تشكل تعرضات مع مطالب تحفيظ أخرى أن يميزوا بين الحالتين التاليتين:
1- في حالة وجود مطالب تحفيظ مودعة قبل تاريخ نشر المرسوم الإفتتاحي لعملية التحديد الإداري: فبمجرد توصل مصلحة المسح العقاري بالملف التقني لعملية التحديد مرفق بالمرسوم الإفتتاحي لمسطرة التحديد الإداري تعمل على نقله بالخرائط الهندسية وحصر الرسوم العقارية ومطالب التحفيظ المتواجدة داخل الوعاء العقاري المراد تحديده، ثم تراسل المحافظ في الموضوع قصد إدراج تعرضات متبادلة مع مسطرة التحديد الإداري حتى لا يتم اتخاذ أي قرار بمطالب التحفيظ المودعة سابقا. وبعد صدور مرسوم المصادقة وإيداع مطلب تحفيظ في إسم الجماعة السلالية –صاحبة التحديد الإداري- يعمل المحافظ على الأملاك العقارية على تحيين التعرض السابق إدراجه بسجل التعرضات وتحويله إلى تعرض متبادل سواء كان كليا أو جزئيا مع مطلب التحفيظ المودع في إسم الجماعة السلالية.
2- في حالة إيداع مطالب تحفيظ تأكيدية للتعرض على مسطرة التحديد الإداري فإن المحافظ على الأملاك العقارية يشير إلى ذلك بملخص المطلب قبل توجيهه للنشر بالجريدة الرسمية[22]، ثم يعمل على إدراج تعرض متبادل مع مطلب التحفيظ المودع في إسم الجماعة السلالية.
ويمكن للمحافظ على الأملاك العقارية في حالة وجود تعرض جزئي متبادل بين مطلبي التحفيظ السالف ذكرهما، أن يعمل إما تلقائيا أو بطلب من الأطراف على تجزيء مسطرة المطلب وتأسيس رسم عقاري خاص بالجزء الذي لا يشمله النزاع بعد إجراء تحديد تكميلي والذي في غالب الأحيان يكون بالمكتب دون التنقل إلى عين المكان، حيث يعمل على مراسلة مصلحة المسح العقاري من أجل تجزيء مسطرة مطلب التحفيظ وموافاته بتصميمين عقاريين يشتمل إحداهما على التداخل بين المطلبين، في حين يضم التصميم الآخر الوعاء العقاري للتحديد الإداري خالصا من كل تداخل أو تعرض. ثم يحيل ملف المطلب في الجزء المشمول بالنزاع على أنظار القضاء المختص للبت فيه، خصوصا إذا لم تستنفذ التعرضات المدرجة المساحة الكلية للعقار موضوع مسطرة التحديد الإداري.
وبعد توجيه ملف التعرض إلى المحكمة وصدور أحكام قضائية نهائية باتة في موضوع النزاع بين طالب التحفيظ – صاحب التحديد الإداري – والمتعرض –صاحب المطلب التأكيدي- فإن المحافظ على الأملاك العقارية يعمل على تطبيق الأحكام وفق الشروط والشكليات التالية:
- في حالة الحكم بعدم صحة المطلب التأكيدي: فإن المحافظ يعمل على إتخاذ قرار الرفض بشأنه وإخبار مصلحة المسح بذلك قصد إستخراجه من وعاء التحديد الإداري ثم يستدعي المتعرض لسحب الوثائق المودعة من طرفه بعد التحقق من هويته[23].
- أما في حالة الحكم بصحة المطلب التأكيدي وفي غياب النص القانوني الممكن الإستناد إليه في ظهير التحديد الإداري، فإنه يمكن العمل بالقواعد العامة المنصوص عليها بظهير التحفيظ العقاري والدوريات الموضحة لبعض مضماينه، فقد نصت دورية السيد المحافظ العام عدد 391 المؤرخة في 30 ديسمبر 2011 على أنه في حالة التداخل الكلي بين مطلبي تحفيظ فإن المحافظ يعمل على التشطيب على التعرض المتبادل بمطلبي أو مطالب التحفيظ المعنية، ثم رفض المطلب أو المطالب التي حكم القضاء بعدم صحتها طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظ.ت.ع والبت في المطلب أو المطالب التي حكم القضاء بصحتها.
أما إذا كانت قد أثيرت تعرضات في مواجهة المطلب التأكيدي وبت القضاء بصحتها واستنفدت جزء أو كل وعاء الملك موضوع المطلب أو الإقرار بحقوق مشاعة، فإن المحافظ ملزم بتطبيق الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه والإعلان عن الحقوق المحكوم بها طبقا لمقتضيات الفصل 83 من ظ.ت.ع[24]، وفي حالة رفض المطلب أو المطالب التأكيدية للأسباب الموجبة لذلك بعد صدور أحكام قضائية نهائية لفائدتها، فإن المحافظ يعمل على استثناء وعاء هذه المطالب من مساحة العقار موضوع التحديد الإداري عند اتخاذه قرار التحفيظ.
 
المطلب الثاني: الإشكاليات القانونية والعملية لمسطرة التحديد الإداري.
باستقرائنا لمقتضيات القانون رقم 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية نجدها نصوصا جافة لا تلتقي مع الواقع العملي مما يجعل تطبيقها رهين لتأويلات المؤسسات المسؤولة عن مسطرة التحديد الإداري، وهو مانتج عنه عدة إشكاليات نوجز البعض منها فيما يلي:
1- مدى فعالية الوسائل المعتمدة في إشهار عملية التحديد الإداري؟: عند إجراء مقارنة بين مقتضيات ظ.ت.ع المنظمة لإشهار مطالب التحفيظ وبين نصوص ظهير التحديد الإداري المتعلقة بنشر وتعليق المرسوم الإفتتاحي لعملية التحديد، يلاحظ أن هذا الأخير لم يتضمن مقتضيات كافية تروم حماية أملاك الأغيار من خلال إقرار وسائل إشهارية تراعي خصوصية الأملاك موضوع التحديد الإداري لكونها تتعلق بمساحات شاسعة وتقع في الغالب داخل المدار القروي والذي يصعب فيه على سكان تلك المناطق الإطلاع على الجريدة الرسمية (بسبب إنتشار الأمية أو لغياب الثقافة القانونية ...) أو عدم إمكانية التوجه إلى إدارات أو مؤسسات عمومية بعيدة عن محل سكناهم حتى يتسنى لهم إبداء ملاحظاتهم أو تقديم تعرضات ضد مسطرة التحديد الإداري، لذلك كان الأجدر على المشرع المغربي إضافة المجلس الجماعي كجهة يعلق بمقرها المرسوم المذكور وأيضا إعتماد نظام البراح.
و كما هو معلوم فإن القيام بعملية تحديد أراضي الجماعات السلالية تواجه في غالب الأحيان بمنع لجنة التحديد الإداري من القيام بمهامها بعين المكان، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 5 من القانون رقم 63.17 على أنه:"إذا تعذر لأي سبب من الأسباب، على لجنة التحديد الإداري مواصلة أشغالها، قام رئيس اللجنة بتحديد تاريخ جديد لمواصلة عملية التحديد وأخبر الحاضرين بذلك". غير أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في معالجة هذا الإجراء، وخاصة أن القيام بعملية التحديد في وقت لاحق دون القيام بأي إجراء مصاحب والإكتفاء بإخبار شفوي من طرف اللجنة للحاضرين يمس بمبدأ الإشهار الذي تنبني عليه مسطرة التحديد الإداري، حيث أنه من المفترض في حالة تحرير محضر سلبي أن تعمل اللجنة على تعيين تاريخ جديد لعملية التحديد وتعليقه مرة أخرى طبقا لمقتضيات المادة 3 من القانون رقم 63.17 حتى يرتب أثره و يكون حجة في مواجهة الغير .
وكان على المشرع المغربي أن ينص أيضا على استدعاء المجاورين المبينين في المرسوم الإفتتاحي لعملية التحديد، وعلى كافة الإدارات المسؤولة عن حماية ممتلكات الدولة سواء الخاصة منها أو العامة من قبيل: مندوية أملاك الدولة، المديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحارية التصحر والماء، وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك ... وذلك لكون المساحة الشاسعة المفترض تحديدها إداريا تضم في غالب الأحيان مشتملات وقرائن قد تفيد ملكية هذه الإدارات لأجزاء من الملك موضوع التحديد الإداري.
2- قصور على مستوى تشكيلة لجنة التحديد الإداري: إن التنزيل السليم لمقتضيات القانون رقم 63.17 بإعتباره قانون إجرائي ، يتطلب مشاركة ذوي الإختصاص من الممارسين الذين لهم تجربة كبيرة في الميدان العقاري وخاصة أطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية الذين يتوفرون على تكوين قانوني وهندسي هام سيساهم لا محالة في حل النزاعات المثارة بعين المكان والمتعلقة بالحدود والحيازة، أو ببعض الحقوق الواردة على هذه العقارات، وكذلك في ضبط الوضعية المادية والتقنية لها. علما أن دور مصلحتي المحافظة العقارية والمسح العقاري حاسم في التصفية القانونية لأراضي جموع .
3- هل صدور مرسوم المصادقة يكسب الملك أثر تطهيري و قيمة ثبوتية تعادل تلك التي يخولها قرار التحفيظ؟
للإجابة على هذا التساؤل فإنه يتعين علينا التطرق لكل من آثار قرار التحفيظ وآثار مرسوم المصادقة. حيث أنه من الآثار الجوهرية لقرار التحفيظ، أنه نهائي ولا يقبل الطعن القضائي أو التظلم الرئاسي لدى مؤسسة المحافظ العام. كما أنه لايمكن العدول عنه. هذا بالإضافة إلى أهم خاصية يتميز بها-أي قرار التحفيظ- وهو تطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة بالرسم العقاري وبطلان ما عداه من الرسوم وذلك استنادا إلى مقتضيات الفصول 1 ، 62 و 63 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه.
أما صدور مرسوم المصادقة فإنه يترتب عليه تحديد الوضعية القانونية للعقار موضوع التحديد الإداري وحدوده ومشتملاته بصفة نهائية[25] .
ويطرح الإشكال هنا في التفرقة بين القرارين المذكورين، ذلك أن قرار التحفيظ لا يصدر إلا بعد أن يتأكد المحافظ على الملكية العقارية من سلامة الإجراءات المسطرية وعدم وقوع أي تعرض، أو سبق البت في التعرضات وتم تطبيقها طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه لفائدة المحكوم له. في حين أن مرسوم المصادقة يصدر ولو بوجود تعرضات سواء كانت كلية أو جزئية ليحال على إثر ذلك ملف مطلب التحفيظ على أنظار القضاء المختص ليبت في النزاع. وقد يكون الحكم لصالح طالب التحفيظ صاحبة التحديد الإداري – الجماعة السلالية – أو لفائدة المتعرض. ما يعني أن مرسوم المصادقة لا يكتسب صفته التطهيرية إلا عند عدم وقوع أي تعرض داخل الآجال القانونية أو بصدور حكم نهائي لفائدة صاحبة التحديد الإداري . هذا بالإضافة إلى أن المشرع المغربي لم يمنح مرسوم المصادقة هذا الإمتياز ولو بدون تقديم أي تعرض ضد مسطرة التحديد الإداري ما يجعله قرارا قابلا للطعن أمام القضاء الإداري للأسباب الموجبة لذلك. هذا وقد ألزم المشرع من خلال المادة 13 من القانون رقم 63.17 سلطة الوصاية أو الجماعة السلالية بإيداع مطلب تحفيظ للعقار موضوع التحديد الإدراي قصد تأسيس رسم عقاري له[26].
4- عدم الإحالة على مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري وبالأخص إمكانية تلقي تعرضات إستثنائية: من السلبيات التي كان على المشرع المغربي تجاوزها أثناء تحيينه لنصوص ظهير 18 فبراير 1924 هو تخويل المحافظ إمكانية قبول تعرض خارج الأجل طبقا لمقتضيات الفصل 29 من ظ.ت.ع كما وقع تغييره وتتميمه والتي تنص على ما يلي:"... يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية ...". ذلك أنه يمناسبة إجراء عملية تحقيق الحدود لمطلب التحفيظ المودع في إطار المادة 13 من القانون رقم 63.17 تثار تعرضات من طرف بعض الحائزين والذي يتوفررون على سندات تملك تفيد ملكيتهم لبعض القطع موضوع التحديد الإداري، لكنهم لم يكونوا على دراية بإجراءات سابقة سلبتهم الحق في منازعة الجهة المستفيدة من هذه العملية. وخاصة أن غالبية المراسيم الإفتتاحية أو مراسيم المصادقة صادرة قبل حصول المغرب على الإستقلال.
وبما أن الفصل 29 من ظ.ت.ع هو نص خاص واستثنائي، وأمام غياب نص صريح فإنه لا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه، ولو أراد المشرع المغربي السماح بهذه التعرضات لأفرد لها فصلا صريحا وواضحا كما فعل مع ظ.ت.ع عوض استعماله صيغة الأمر في الفقرة الأخيرة من المادة 9 من القانون رقم 63.17:"لا يقبل أي تعرض بعد مضي الأجل المذكور".
5- نصت المادة 5 من القانون رقم 63.17 على أن لجنة التحديد الإداري ترأسها السلطة المحلية والتي غالبا تكون في شخص القائد، وقد خولها القانون مجموعة من الصلاحيات من ضمنها تلقي التعرضات والتصريح بوجود حقوق عينية وقطع أرضية محصورة لفائدة الغير. ما يجعل السلطة المحلية بهذه الإختصاصات خصما وحكما في نفس الوقت. لذلك يتعين إسناد مهمة تلقي التعرضات في جهة إدارية أو قضائية محايدة.
6- إن النصوص القانونية التي جاء بها ظهير التحديد الإداري لم تتطرق إلى جانب التعامل مع مطالب التحفيظ المودعة طبقا لمقتضيات الفصل 10 منه، حيث يتم تدارك هذا الفراغ باللجوء إلى تطبيق إجراءات المسطرة العادية المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري. ومثال على ذلك تعارض بين ماهو منصوص عليه في المادة 4 من القانون رقم 63.17 بخصوص منع تفويت العقارات المتواجدة داخل منطقة التحديد الإداري خلافا لما هو منصوص عليه في ظ.ت.ع والذي يخول إمكانية خضوع مطالب التحفيظ لجميع التصرفات القانونية من تفويت ورهن وقسمة .
     وهذا المنع ينسحب إلى العمليات المذكورة دون أن يطال طلبات إنجاز رسوم الملكية التي يقيمها الأشخاص الذي يزعمون تملكهم لقطع أرضية أو حقوقا عينية تدخل ضمن وعاء عقار التحديد الإداري، وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 31/12/2012 تحت عدد 5866 وذلك بمناسبة مناقشتها للفصل الثالث من ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بالتحديد الإداري للأراضي الجماعية[27].
7- عدم تحديد آجال ملزمة لسلطة الوصاية من أجل إيداع مطلب أو مطالب تحفيظ عقب المصادقة على عملية التحديد الإداري، ما يترتب عنه تغييرات قد تطرأ على الوعاء العقاري المراد تحفيظه وخصوصا وأن الفترة الفاصلة بين تاريخ المصادقة على عملية التحديد الإداري وتاريخ إدراج مطلب التحفيظ لتتابع في شأنه مسطرة خاصة بدون إشهار قد تصل في أغلب الحالات إلى عشرات السنين[28].
 
الخاتمة:
على الرغم من التعديلات والمستجدات التي حملها القانون رقم 63.17 لتجاوز الإختلالات القانونية والتدبيرية لتصفية أراضي الجموع، إلا أنها تبقى قاصرة عن معالجة كل الإكراهات والنواقص التطبيقية الواجب تداركها، وبالأساس:
- تدعيم مسطرة الإشهار بوسائل ذات فعالية تروم حماية حقوق الأغيار.
- تعزيز لجنة التحديد الإداري بمختصين قانونيين وتقنيين ولا سيما من أطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية لما لهم من تجربة كبيرة في الميدان العقاري.
- تمديد آجال التعرض، أو إضافة مقتضى يتيح إمكانية قبول تعرض خارج الأجل عند إيداع مطلب التحفيظ طبقا لمقتضيات المادة 13 من القانون رقم 63.17 من طرف المحافظ على الاملاك العقارية أو القائد شريطة ألا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة.
- تحديد آجال معقولة لسريان مسطرة التحديد الإداري، لما يشكله آثار صدور المرسوم الإفتتاحي من تجميد للوضعية القانونية للعقار ومنعه من التداول، خصوصا وأن مجموعة من المراسيم الإفتتاحية لمسطرة التحديد الإداري صدرت منذ عشرات السنين دون أي إجراء لاحق يذكر.
 
 
المنهجية

مقدمة

المبحث الأول: التحديد الإداري كآلية لحماية أراضي الجموع.
المطلب الأول: مراحل مسطرة التحديد الإداري.
المطلب الثاني: خصوصيات التعرض على مسطرة التحديد الإداري.
المبحث الثاني:التصفية القانونية لأراضي الجموع والإشكاليات التي تعترضها.
المطلب الأول: التصفية القانونية لأراضي الجموع المصادق على عملية تحديدها.
المطلب الثاني: الإشكاليات القانونية والعملية لمسطرة التحديد الإداري.
الخاتمة.
الهوامش
 
 1- محمد خيري :" العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي –  من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق  بالتحفيظ العقاري الطبعة السادسة 2014، دار نشر المعرفة الرباط. ص:79 و 80.
 2- عبدالقادر بوبكري:التعرض على مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، إشكالاته االقانونية والعملية،أشغال الندوة الوطنية املنظمة يومي 25  و 26 نونبر 2016 بعنوان " االعقار والتعمير والإستثمار"، مطبعة المعارف الجديدة/الرباط، الطبعة الأولى 2017.ص:253.
 3- تم نشره بالجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 26 أغسطس 2019 وقد نسخ ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بتأسيس ضابط خصوصي لتحديد الأراضي المشتركة بين القبائل.  
 4- ينص الفصل 30 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها على أنه:"يمارس وزر الداخلية أو من يفوض إليه ذلك الوصاية الإدارية للدولة على الجماعات السلالية ...".
 5-المادة الأولى من القانون رقم 63.17.
 6- الأجدر بالمشرع المغربي لو استعمل لفظا آخر يتناسب مع خصوصية هذه المسطرة، ذلك أن قرينة الجماعات السلالية لتملكها للعقار موضوع  مسطرة التحديد الإداري في غياب وثائق تفيد تملكها وفي بعض الاحيان عدم حيازتها لتلك العقارات،يبقى ضعيفا إلى حين صدور أحكام قضائية. لفائدتها.
 7- المادة الثانية من القانون رقم 63.17.
 8- المادة الثالثة من القانون رقم 63.17.
9- تنص الفقرة الأولى من  المادة 6 من القانون رقم 63.17 على أنه:" يمكن التعرض على عملية التحديد الإداري بسبب المنازعة في الحدود أو  المطالبة بحق من الحقوق العينية العقارية المتعلقة بالأراضي موضوع التحديد".
 10- المادة 5 من القانون رقم 63.17.  
 11- تنص المادة 7 من القانون رقم 63.17 على أنه:" تقوم اللجنة بإعداد محضر التحديد وتوقيعه...".
 12- عمر أزوكار:مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14.07 ومدونة الحقوق العينية "دراسة عملية ورصد للمواقف القضائية لمحكمة النقض" منشورات دار القضاء بالمغرب، الطبعة الاولى 2012، ص:100..
 13- تنص المادة 8 من قانون 63.17 المذكور على أنه:"يودع محضر التحديد والتصميم المؤقت المشار إليهما في المادة 7 –من نفس القانون- لدى السلطة المحلية التي تضعهما رهن إشارة العموم قصد الإطلاع عليهما.
تودع نسخة من محضر التحديد والتصميم المذكورين لدى مصلحة المحافظة العقارية والمسح العقاري الواقع بدائرة نفوذهما الترابي العقار المعني. يتم نشر هذا الإيداع في الجريدة الرسمية (نشرة الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية)، وإشهاره وفق الكيفية المشار إليها في المادة 3 – من نفس القانون-."
 14- قرار منشور بدورية السيد المحافظ العام المؤرخة في 10 أبريل 2000.
 15- آيت أحمد الغازي: بعض جوانب مسطرة تحفيظ العقارات المحددة تحديدا إداريا مصادقة عليه. من الندوة المقامة بمراكش تحت عنوان "نظام التحفيظ العقاري دعامة أساسية للتنمية (قراءة في مستجدات قانون 14.07)، سلسلة دفاتر محكمة النقض عدد 21. ص: 60.
 16- آيت أحمد الغازي: مرجع سابق: ص:60.
 17- قرار منشور بمجموعة ملفات عقارية (قضايا التحفيظ العقاري)، العدد 5، محكمة النقض (مرصد الإجتهاد القضائية)، 2015، ص:99.
 18- عبدالإله المرابط: التمييز بين رفض التحفيظ وإلغاء المطالب في ظ.ت.ع، مقال منشور في مجلة الحقوق "سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية"،عدد 5 .  ص:74
19- المادة 13 من القانون رقم 63.17.
20-  خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل التعرض يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في هذا القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض.
21- الأستاد حميد الربيعي و مصطفى الشطيبي:الطابع القانوني والهندسي لعملية التحديد كإجراء جوهري في نظام التحفيظ العقاري، الندوة المقامة بمراكش تحت عنوان "نظام التحفيظ العقاري  دعامة أساسية للتنمية (قراءة في مستجدات قانون 14.07)، سلسلة دفاتر محكمة النقض عدد 21. ص: 91.
 22- المادة 10 من القانون رقم 63.17.
 23- ينص الفصل 38 من ظ.ت.ع على أنه:
"في حالة رفض مطلب التحفيظ لأي سبب كان وفي أية مرحلة من مراحل المسطرة يكون التحديد لاغيا، ويلزم طالب التحفيظ بمحو آثاره، وإن لم يستجب بعد إنذار يوجه إليه، فإن ذلك المحو يباشر على نفقته ولو استلزم الأمر تسخير القوة العمومية.
يستدعي المحافظ على الأملاك العقارية الأطراف لسحب الوثائق المودعة من طرفهم بعد التحقق من هويتهم"..
 24- آيت أحمد الغازي: مرجع سابق: ص 63 و 64.
 25- الفقرة الأخيرة من المادة 12 من قانون 63.17
 تم الولوج إليه   www.marocdroit.com  26- عدنان الوهابي:التحفيظ العقار كآلية لتحصين أراضي الجموع، مقال منشور بالموقع الإلكترني
بتاريخ 21 ماي 2020 .
 27- أحمد دحمان:منازعة التحديد الإداري والتعرضات عليه، أشغال الندوة الوطنية في موضوع "الأمن العقاري"،سلسلة دفاترمحكمة النقض عدد26. مطبعة الأمنية الرباط. ص:58
 28- ادريس لزرق:آجال الإجراءات في مساطر التحفيظ العقاري، أشغال الندوة الوطنية في موضوع "الأمن العقاري"،سلسلة دفاترمحكمة النقض   عدد 26 مطبعة الأمنية الرباط.ص:481.
 



الجمعة 22 ماي 2020

تعليق جديد
Twitter