MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي

     

ذ/ياسين الفاسي
محام بالحسيمة(هيئة المحامين بالناضور-الحسيمة)



مسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي
    يعد الحق في الصحة من أعظم الحقوق التي أقرتها جل الدساتير الوطنية للدول العالمية وحتى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا دستور منظمة الصحة العالمية.
    ولا يخفى عن الكل أن العمل الطبي المعهود إلى الطبيب والممارس على المرضى الذين يلجؤون إليه يمس جسد الإنسان و صحة و سلامة هذا الأخير، بحيث يجيز الواقع و القانون للطبيب بممارسة نشاطه اليومي على جسم الإنسان على الدوام، لكن هذه الإجازة مقررة لعلاج وحماية جسد الشخص الذي يعاني من ألام أو أمراض معينة أو غير ذلك من أوجه المعاناة، ويتعين على الطبيب أن يمارس نشاطه في إطار القانون وقواعد العمل المسؤول والشرف وأخلاقيات المهنة، أما إذا مارس أعماله الطبية خارج النطاق الصحيح فإنه يصبح في محل متعدي ويأتي أفعالا تنتفي معها المشروعية، مما ينتج عن ذلك مسؤوليته الطبية عن أعماله غير المشروعة أو المرتكبة خارج نطاق الواجب أوما هو مطلوب، وهو ما يصطلح عليه في العمل القانوني بالخطأ الطبي.
    إن الخطأ الطبي يشمل كل إخلال يمس من خلاله الطبيب القواعد والواجبات اللازمة في ممارسة مهنة الطب، والقواعد المشار إليها عبارة عن مجموعة من المبادئ العلمية والتقنية الخاصة بمهنة الطبيب، والتي يعد التقيد والالتزام بها أمر واجب أثناء مزاولة مهنة الطب ونؤكد أن مفهوم الخطأ الطبي هو مفهوم واسع يشمل كل عمل خاطئ يصدر عن الطبيب أثناء ممارسته لعمله اليومي سواء في مؤسسة طبية خاصة أو عامة.
      إن أساس مسؤولية الطبيب مبنية على الخطأ، وهذا الأخير تتضح معالمه وتجلياته بعد مقارنته بأفعال الطبيب العادي الذي يتسم بكثير من الحذر ومتوسط التكوين وجيد في أداء الواجب، بمعنى أن كل جرح أو إيذاء أو قتل نتج عن فعل يعد إهمالا أو تجاوزا أو ...خارجة عن مقاييس أفعال الطبيب العادي يعد خطأ طبيا يستوجب مساءلة مرتكبه مسؤولية جنائية وأخرى مدنية تابعة، الأمر الذي يتعين معه القول بأن مسؤولية الطبيب تقوم واقعا وقانونا كلما ارتكب ممارس مهنة الطب ما يخل بواجبات وقواعد المهنة نتج عن ذلك ضرر في جانب مستهلك الخدمة الطبية، وهذا ما يعرف بالخطأ الايجابي في الطب، أما إذا ترك الطبيب ما كان يجب فعله أو ما يقتضيه دوره الفعال وطبيعة مهنته الدقيقة، فتنسب إليه المسؤولية على أساس انه ارتكب خطأ سلبيا نتج عنه ضرر في جانب المرتفق أو مستهلك الخدمة الطبية، فقيام الطبيب بتشخيص المريض وعلاجه دون اتخاذ ما يلزم من احتياطات ضرورية بمفهوم أصول مهنة الطب وأيضا عدم مراعاة قواعد يتعين الإحاطة بها أثناء مزاولة المهام تعد أخطاء مخالفة تستوجب مسؤوليته أمام المريض، ومثاله إقدام أحد الأطباء على تنظيم برمجة خاصة بعملية جراحية معينة تحت إشرافه، ودون استشارة الطبيب المختص في التخدير ليقوم هو بنفسه بمهام التخدير، ونظرا لعدم إلمامه بتقنيات هذه العملية الأولية في إجراء العمليات الجراحية فقد المريض حياته على إثر ذلك، مما يجعل الطبيب مرتكبا لجريمة القتل، ويعد مسؤولا عنها لأنه جمع بين الخطأ السلبي والخطأ الايجابي في حدوث الجريمة وبالتالي قيام مسؤوليته، فالأمر الأول يظهر من خلال فعل ما يجب تركه، وذلك لما أقدم على حقن المريض بمخدر بنفسه، أما الأمر الثاني فيتجلى في عدم إقدامه على فعل ما كان ينبغي فعله وتقتضيه طبيعة المهنة في مثل هذه الحالات، وهو الاستعانة بطبيب مختص في عمل حقن المريض بالمخدر المناسب والكم والكيف المناسبين.
    إن الممارس لمهنة الطب تتحتم عليه طبيعة مهنته اتخاذ ما هو لازم من العناية والدقة وعدم التسرع في كل عملياته الطبية التي يجريها بمناسبة مزاولة عمله بداية بعملية التشخيص المرضي، هذه الأخيرة تعد من أهم المراحل المشكلة للعمل الطبي، بحيث يقوم فيها الطبيب بمعرفة طبيعة المرض وأسبابه ومدته عن طريق تشخيص ما يعانيه المريض تشخيصا دقيقا ومهنيا قصد التعرف على المرض دون أن يجعل أي إمكانية لوجود خطأ ما في التشخيص بسبب إهمال أو جهل بضروريات عملية التشخيص المرضي، وذلك بالاستعانة بالطرق المهنية الفعالة، فالمفروض منه أن يجري التحاليل المناسبة ويوصي المريض بالفحوصات والأشعة الكافيتين واللازمتين للتشخيص الطبي الصحيح، وذلك تفاديا منه لأي خطأ في التشخيص قد يؤثر على باقي العمليات الطبية والمراحل الموالية للعلاج التي قد تكون نتائجه حياة المريض بكاملها، وإذا كان الطبيب قد أحس في يوما من أيام عمله وهو في إطار عملية التشخيص أنه في حاجة إلى استشارة غيره من الأطباء المختصين في نقطة معينة تدخل في إطار عملية التشخيص الذي هو بصدد ممارستها على مريض معين، فعليه أن يلتجأ إلى ذلك الإختصاصي ويأخذ منه الاستشارة اللازمة أو يعهد له للقيام بما لا يتقنه أو لا يستطيع القيام به على أحسن وجه.
     لأجل كل ما ذكر أعلاه فإن أي خطأ قد يشوب عملية التشخيص الطبي من قبيل الخطأ في تشخيص أسباب المرض أو تحديد طبيعة المرض بناء على تخميناته فقط دون اللجوء إلى التحليلات أو الفحوصات اللازمة ترتب عنه اكتشاف المريض انه مصاب بمرض غير الذي وصفه وحدده الطبيب المشرف على عملية التشخيص، الأمر الذي يؤسس لمسؤولية الطبيب عن خطئه المهني سواء في الحالة المشار إليها أعلاه أو في باقي الحالات التي يمكن أن تندرج ضمن عمليات التشخيص والراجعة إلى تقصير أو إهمال أو جهل واضح بقواعد المهنة، أو كذلك إذا امتنع الطبيب أو أغفل ما لا يجب إغفاله فيما يتعلق باستعمال الأدوات الطبية التي يوصي بها علم الطب في الحالات المعينة-المختلفة، وذلك نظرا لطبيعة المرض، حدته وتطوره، وفي مثل هذه الحالات لا يمكن الدفع بعدم قيام مسؤولية الطبيب إلا إذا اثبت هذا الأخير أنه اتخذ اللازم من الحيطة والإهتمام وأنه أجرى الفحوصات اللازمة وأوصى أيضا بالتحاليل الضرورية.
    وتجدر الإشارة إلى أن معايير تقدير الخطأ في التشخيص من أصعب ما يوصف عندما يعرض الأمر على القضاء، هذا الأخير غالبا ما يسند أمر تقدير هذه الأخطاء إلى أهل الخبرة والمهنة عندما يتعلق الأمر بحالات تتطلب الدقة في تحديد ذلك الخطأ.
     إن الأخطاء الطبية المفترض ارتكابها من طرف الطبيب قد تطال صحة المريض وجسده أكثر أثناء مرحلة العلاج التي تأتي كنتيجة منطقية لمرحلة التشخيص الطبي، وإذا افترضنا أن عملية التشخيص مرت في أحسن الأحوال وفي أمان تام دون تسجيل أي خرق طبي أو إهمال فإن العملية العلاجية أكثر دقة وخطورة وأهمية لدى الطبيب والمريض على حد سواء، فالطبيب بموارده وإمكانياته المهنية عليه أن يختار العلاج الأصلح والطريقة الناجعة لطبيعة المرض والحالة الصحية للمريض، وبصفة عامة مراعاة مصلحة المريض الصحية في اختيار الطريقة الملائمة، لإعتبار أن الطبيب المعالج لا تلزمه قواعد مهنته ولا نصوص القانون بإتباع طريقة محددة أو معينة في علاج مرضاه، وإنما اختيار الطريقة الصحيحة أمر يرجع لشخصه فقط، بشرط أن يراعي في تحديدها صحة ومصلحة المريض، دون أن ننسى  أن لكل طبيب بعد تجربة مهمة في مجال الطب طريقة علاجية معينة خاصة بعلاج كل مرض على حدة، الأمر الذي يجرنا إلى القول بأن طرق تحقيق علاج المريض من مرض معين هو أمر نسبي يختلف من طبيب لأخر ومن مستشفى أو مصحة لأخرى، طالما أن القاعدة العامة في عملية العلاج هي أن الطبيب المعالج أوالفريق المعالج له كامل الحرية في اختيار العلاج المناسب للحالة الصحية للمريض بناء على أخلاقيات المهنة الطبية التي همها الأول والأخير هو دفع كل ما يمكن الإضرار بصحة المريض من عمليات علاجية، فالطبيب يكون بحكم عمله ملزما بمنع أخطار المرض المشخص بأحسن الطرق العلاجية وأقلها خطورة على صحة المريض، وأيضا يجب أن تتوافق الطريقة العلاجية المختارة مع القواعد المهنية للطب وكذا أصول علم الطب، مما يمكن أن نقول بقيام مسؤولية الطبيب أو الفريق الطبي عن الخطأ الطبي في حالة ثبوت أن الطبيب اختار نهج علاجي لا يتوافق والحالة الصحية للمريض أو أن الطريقة العلاجية المعتمدة لا توافق قواعد مهنة الطب أو علومه، الشيء الذي نتج عنه أثار خطيرة على صحة المريض.
    فالأساس الصحيح المتبع مثلا في العلاج هو اعتماد أسلوب العلاج بالأدوية كمرحلة أولية وضرورية قبل اللجوء إلى العلاج بالعمليات الجراحية، وأيضا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مدة العلاج المطلوبة، بحيث يتعين اعتماد الطرق العلاجية الواضحة والدقيقة واستبعاد المعقدة والطويلة منها.
    إن انعقاد العزم في العلاج بين الطبيب والمريض لا يجوز أن ينقطع لسبب غير مشروع أو غير مبرر راجع إلى الطبيب، فبمجرد بداية العلاج يتوجب على الطبيب إتباع ومراقبة مريضه وتنفيذ مراحل العلاج بدقة وحذر واهتمام، وإذا صادف الطبيب أثناء سريان عملية العلاج مسألة طبية تفوق مستواه العلمي أو غير مختص فيها وجب عليه الاستعانة بطبيب آخر أكثر تكوينا وعلما منه أو طبيبا مختصا يتقن ما صادفه الطبيب المعالج أثناء مرحلة العلاج، وإما أن يحيل المريض على ذلك الاختصاصي مراعاة لمصلحة المريض وصحته وتحقيقا لأهداف مهنة الطب التي وجدت أساسا لحماية صحة الإنسان والاعتناء بها من جراء ما أصابها أو يصيبها بفعل الطبيعة.
   وتجدر الإشارة إلى أن مهنة الطب وما يرتبط بها تقتضي من الطبيب المعالج شدة الإطلاع على تطورها وتجدد وسائلها وفنونها من قبيل مراجعة الدراسات الحديثة المتعلقة بالطب والوسائل المعاصرة للعلاج، وكذا طرق التعامل مع المرضى وكيفية إقناعهم بالطريقة العلاجية المختارة وضرورة السير قدما  فيها بغية تحقيق النتيجة المرجوة من الطرفين...   
 
...إذا كان الخطأ الطبي الصادر عن شخص الطبيب أو الطبيبة يختلف حسب الصيغة التي ظهر بها في الواقع فإنه أيضا يختلف من حيث الحدة و الخطورة حسب وقت اتيانه أثناء امتداد مراحل تقديم الخدمة الطبية .
ونظرا لتعدد الأخطاء الطبية واتساع رقعة المسؤولية المدنية الواقعة على الأطباء، نجد أن المسؤولية الجنائية عن هذه الأخطاء هي عكس ذلك، بحيث أن نطاقها مقتصر على بعض الأخطاء الفادحة التي تؤدي إلى نتائج وخيمة من قبيل الجرح والقتل المرتكبين من قبل رجال ونساء الطب، لأجل ذلك نجد أن بعض مواد مجموعة القانون الجنائي المغربي وخصوصا المادتين 432 و433 تنظم هذه الأخطاء بصور متعددة، الأمر الذي يجعل أحكام هاتين المادتين واجبة التطبيق على كل طبيب أو طبيبة تسبب لأحد مستهلكي الخدمة الطبية في جرح على اختلاف حدته وطبيعته أو في حالة وفاته كليا، طالما أن الأخطاء الزجرية التي يرتكبها رجال و نساء هيئة الطب لم يفرد لها نصوص جنائية خاصة.
لقد جعلت المادة 432 من القانون الجنائي للطبيب او الطبيبة المرتكب لخطأ طبي نتيجة عدم التبصر أو عدم الاحتياط أو عدم الإنتباه أو الإهمال أو عدم مراعاة النظم و القوانين المرتبطة بمهنة الطب عقوبة قد تصل إلى خمس سنوات سيقضيها الطبيب أو الطبيبة عقابا عن ما ارتكبه من خطأ طبي أو مجموعة أخطاء أدت إلى تحقق ضرر مدني من جهة ونتيجة إجرامية من جهة ثانية، و ذلك في حال نتج عن الأخطاء المذكورة وفاة الضحية وهو ما يصطلح عليه بالقتل الخطأ الصادر عن رجال ونساء الطب.
وقد يؤدي الخطأ المفترض ارتكابه من قبل الطبيب إلى تعرض مستهلك الخدمة الطبية لجرح على اختلاف مستوياته، ففي هذه الحالة جاء المشرع بأحكام المادة 433 من مجموعة القانون الجنائي، هذه الأخيرة تعاقب الطبيب أو الطبيبة بعقوبة جنائية قد تصل إلى سنتين إذا ثبت أن الجرح أو الجروح ناتجة عن عدم تبصره أم عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته للنظم و القوانين التشريعية والتنظيمية لمهنة الطب.
وإنطلاقا من أحكام المادتين أعلاه فإن كل جريمة ثبتت في حق الطبيب أو الطبيبة سواء كانت من قبيل القتل أو الجرح فإنه لا يآخذ بها إلا إذا تحققت النتيجة الإجرامية المادية، وكانت هذه النتيجة عبارة عن جريمة غير عمدية سببها عدم التبصر أو عدم الانتباه أو عدم الاحتياط أو ثبوت الإهمال أو مخالفة القوانين الخاصة بالمهنة، لذلك فإن وفاة المريض أو حصوله على شهادة تثبت تعرضه لإيذاء نتيجة خطأ الطبيب أثر بشكل أو بآخر على سلامة جسده يحقق مبدئيا قيام مسؤولية الطبيب جنائيا طبقا لأحكام المادتين المذكورتين أعلاه، أما إذا لم تتحقق الوفاة أو الجروح فإن المسؤولية الجنائية لا يمكن تصورها و لا يتحملها الطبيب مهما كان الخطأ المفترض ارتكابه في حق المريض، وهذا ما أشرنا إليه أعلاه لما أكدنا أن المسؤولية الجنائية للطبيب لا تصل اتساعا قدر المسؤولية المدنية عن الأخطاء التي يمكن صدورها عن الطبيب، وبعبارة أخرى فإننا قد نتصور خطأ طبي أدى إلى ضرر ألحق بالمريض واستطاع هذا الأخير إثباته ولكن دون متابعة الطبيب جنائيا بخصوص الخطأ المرتكب، وفي هذه الحالات لا يكون لدى المريض المتضرر سوى اللجوء الى مقاضاة الطبيب مدنيا فقط.
      ولعل أكبر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الطبيب أو الطبيبة هو القتل الخطأ الذي سنحاول الإحاطة به في إطار أحكام المادة 432 من مجموعة القانون الجنائي و ما يتعلق بها في مضامين، قوانين و مراسيم مهنة الطب، وذلك نظرا لضخامة و خطورة الأخطاء الطبية التي قد تؤدي في غالب من الأحيان إلى وفاة المريض، وواقع المستشفيات والمصحات المغربية يبرر اختيارنا لمثال القتل الخطأ الناتج عن واقع الأخطاء الطبية الواقعة من جانب رجال ونساء الطب.
      وإنطلاقا من أحكام المادة 432 من مجموعة القانون الجنائي يتضح أن جريمة القتل الخطأ المرتكبة من قبل الطبيب أو الطبيبة تتركب من ركنين اثنين، الأول مادي يتمثل في قيام الطبيب أو الطبيبة بقتل المريض، أما الثاني فهو معنوي يتجلى في كون القتل المرتكب من قبل الطبيب أو الطبيبة كان عن غير قصد أو دون نية إحداثه.
      إن جرائم القتل بصفة غير عمدية التي يحدثها الطبيب كسائر الجرائم المنصوص عليها في القانون المغربي تستوجب تحقق ركنها المادي، هذا الأخير بدوره يقتضي لقيامه وجود فعل إجرامي في جانب الجاني الطبيب أو الجانية الطبيبة باعتبار هذا الفعل سببا جرميا، وكذا توفر نتيجة إجرامية غالبا ما تتمثل في وفاة المريض أو مستهلك الخدمة الطبية، و يتعين إلى جانب شرطي الركن المادي أعلاه ضرورة تحقق رابط مادي  و قانوني بين الفعل الجرمي و النتيجة (وفاة المريض)الإجرامية، ويطلق على هذا الشرط بالرابطة السببية بين نشاط الطبيب الإجرامي ونتيجة ذلك النشاط (الوفاة).
      فالطبيب قد يأتي نشاط إراديا في إطار ممارسة مهامه فيؤدي إلى وفاة المريض بشرط أن يكون هذا النشاط دون نية تحقيق النتيجة الإجرامية التي تجسدت في الواقع بعد ذلك النشاط، كما يتعين التأكيد على ضرورة كون الفعل أو النشاط الإجرامي المفضي إلى وفاة المريض عن خطأ ما هو فعل إرادي، وذلك بغض النظر هل كان الفعل الإجرامي المرتكب ايجابيا أو سلبيا؟
       إن النشاط الإيجابي أو السلبي المشار إليه أعلاه جسدته أحكام المادة 432 من مجموعة القانون الجنائي لما أوردت صورا للنشاط الإجرامي المولد لمسؤولية الطبيب الجنائية، فقد اعتبر من عدم مراعاة النظم و القوانين المرتبطة بقواعد المهنة و قوانينها وعدم الإنتباه مثالا للنشاط الإجرامي الإيجابي الذي يمكن ارتكابه من قبل الطبيب أو الطبيبة، كما جعلت الإهمال خير مثال عن الأنشطة الإجرامية السلبية المفترض ارتكابها من جانب الطبيب في حق المريض أو مستهلك الخدمة الطبية بصفة عامة.
يعد عدم التبصر خطأ طبيا (مهنيا) سائدا و مشار إليه في أحكام المادة 432 من مجموعة القانون الجنائي، فهذا الخطأ يتحقق لما يتسبب الطبيب في قتل المريض نتيجة عدم قيام الطبيب أو الطبيبة بواجبه كما يجب على الوجه الصحيح أو جهل هذا الأخير لقواعد مهنته بحيث لا يفترض أن يجهله طبيب في مثل تكوينه، مثال ذلك قيام الطبيب بتعيين أدوية معينة دون إجراء التحاليل اللازمة، فتتسبب تلك الأدوية العشوائية في وفاة المريض أو مستهلك الخدمة الطبية.
       كما يعتبر فعل الإهمال من أهم الأخطاء الطبية السلبية السائدة التي تفرض على الطبيب القيام بكل الإجراءات اللازمة في اتباع الحالة المرضية لمريضه أو مريضته، فعدم إجراء الفحوصات اللازمة أو إجراء العمليات الطبية الضرورية في الوقت المناسب من قبل الطبيب يعد إهمالا يترتب عنه مسؤوليته الجنائية إذا أدى الإهمال إلى وفاة المريض. هذا ودون إيراد باقي الأخطاء الطبية الزجرية الواردة في مقتضيات المادة 432 من القانون الجنائي من عدم الانتباه، عدم الاحتياط و عدم مراعاة النظم و القوانين التشريعية أو التنفيذية.
       وتجدر الإشارة علاقة  بالمشار إليه أعلاه إلى أن إتيان الطبيب لنشاط إجرامي سواء كان سلبيا أو ايجابيا غير كاف لإعتبار الطبيب مرتكبا لخطأ طبي يستوجب المسؤولية الجنائية، بل لابد من تحقق الشرط الثاني للركن المادي ألا وهو النتيجة الإجرامية الطبية المتمثلة في تحقق إزهاق روح المريض، لإعتبار أن جرائم الأطباء والطبيبات تعد من الجرائم المشروطة بالنتيجة، فاكتمالها يستوجب ماديا وجود نتيجة الوفاة بسبب نشاط طبي بغض النظر عن جسامة الخطأ الطبي المسجل في حق الطبيب الذي مس جسد و حياة المريض أو مستهلك الخدمة الطبية، كما يجب أن يكون تكوين هذه النتيجة مقتصر على خطأ الطبيب فقط دون غيره من الأسباب الخارجية عن الخطأ.
وحتى يكتمل الركن المادي لجريمة القتل غير العمدي المرتكب من قبل الطبيب أو الطبيبة فلابد من ثبوت العلاقة السببية بين نشاط الطبيب الإجرامي و النتيجة المضرة بذوي حقوق المريض الهالك (الوفاة)، فلما تتحقق الرابطة السببية بشكل واضح في حالة استقلال النشاط الإجرامي للطبيب بالنتيجة الواقعة فحينئذ لا يطرح أي إشكال في شق المسؤولية و مداها، و عكس ما قلنا أعلاه فإن إشكالات عدة تطرح في حالة عدم وضوح أو ثبوت الرابطة السببية في جانب واحد، كما يتضح ذلك لما تتداخل عدة ظروف مساهمة في تحقق القتل الخطأ الواقع على جسد المريض، ففي حالة تداخل الظروف أو الأسباب المؤدية إلى وفاة المريض فإن كل جاني يتحمل مسؤوليته الجنائية باعتباره فاعلا أصليا في الجريمة.
        بمجرد تحقق النتيجة التي هي وفاة المريض عن غير قصد بسبب نشاط إيجابي أو سلبي صادر عن الطبيب، واعتبار النتيجة الإجرامية ثابتة في حق الطبيب أو الطبيبة نظرا لقيام الرابطة السببية ونظرا أيضا لإرتباط الشرطين الأول (نشاط الطبيب) و الثاني (وفاة المريض)، بعد ذلك نكون أمام جريمة طبية تامة ماديا لإكتمال الركن المادي لها، أما الركن المعنوي في جريمة الطبيب المنتجة للقتل الخطأ فهو يتوافر عند إتيان الطبيب لأي نشاط غير مشروع أو ترك نشاط مشروع واجب نتج عنه قتل المريض دون نية قتله سواء كانت هذه النتيجة ناتجة عن عدم تبصره أو عدم احتياطه أو إهمال الطبيب لمريضه.
فذوي الحقوق (أصول أو فروع الهالك...) أو النيابة العامة يحق لهما تحريك الدعوى العمومية في مواجهة الطبيب مرتكب الخطأ الطبي المؤدي إلى وفاة المريض، فالجهة الأولى عن طريق تقديم شكاية عادية إلى ممثل النيابة العامة أو شكاية مباشرة إلى رئيس المحكمة الابتدائية. أما الجهة الثانية فيحق لها إثارة الدعوى العمومية تلقائيا ثم تأمر بإجراء بحث في جميع الحالات، فإذا توفرت لها وسائل إثبات الجريمة المنسوبة للطبيب تحرر في حقه متابعة من أجل القتل الخطأ طبقا لأحكام المادة 432 من القانون الجنائي فتحيله على قاضي التحقيق، الذي يجري بدوره تحقيقا وفق المسطرة الخاصة بمهامه، فإذا تولدت لديه قناعة ثبوت الخطأ الطبي المؤدي الى الوفاة في حق الطبيب يحيله متابعا  الطبيب بجنحة القتل الخطأ على المحكمة المختصة التي تستدعي ذوي حقوق الهالك قبل إجراء بحث و مناقشة القضية على النحو المفروض في الجريمة الزجرية.
وتجدر الإشارة إلى أن متابعة الطبيب بالقتل الخطأ يمنح ذوي حقوق المريض الهالك حق تقديم مطالبهم المدنية في إطار الدعوى المدنية التابعة أمام المحكمة الزجرية أو تسجيل دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية بعد انتهاء الفصل في الدعوى الزجرية.
إن المادة 432 من القانون الجنائي تفرض على المحكمة الزجرية أن تقضي في مواجهة الأطباء المرتكبين لجرائم القتل الخطأ بعقوبة حبسية تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات بالإضافة إلى غرامة مالية، و قد شدد المشرع العقوبة وضاعفها في حالة اقتران جريمة الطبيب أو الطبيبة التي نتج عنها قتلا غير عمديا بجنحة محاولة التخلص من المسؤولية الجنائية أو المدنية.



السبت 18 يوليوز 2020

تعليق جديد
Twitter