MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مدى قانونية الحكم على موظف عمومي بغرامة تهديدية يؤديها من ماله الخاص؟

     



مدى قانونية الحكم على موظف عمومي بغرامة تهديدية يؤديها من ماله الخاص؟
أصدر رئيس المحكمة الابتدائية الادارية بالرباط بصفته قاضيا للمستعجلات الأمر رقم 787 في الملف الإداري عدد 807 ـ 08 من تاريخ 11 دجنبر 2008 يقضي بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الخزينة العامة للمملكة في شخص الخازن الرئيسي لوزارة للتجهيز والنقل السابق في مبلغ 2000 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ.
وتتمثل وقائع هذه النازلة في أنه في إطار استخلاص مستحقاتهم المالية تقدم المدعون بطلب تنفيذ الحكم القاضي بالمصادقة على الحجز المضروب بين يدي الخازن.... لدى وزارة التجهيز والنقل على حساب هذه الأخيرة في حدود مبلغ 125.040.1 درهم وتسليمه إلى كتابة الضبط لدى المحكمة قصد تسليمه للطالبين طبقا للاجراءات القانونية مع النفاذ المعجل. غير أن الخازن الرئيسي امتنع عن التنفيذ.
وفي معرض جواب الوكيل القضائي للمملكة نيابة عن المدعى عليهم التمس التصريح بعدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت في طلب الغرامة التهديدية واحتياطيا رفض الطلب استنادا إلى أن هناك مسطرة طلب إيقاف التنفيذ، كما أن الطلب لا تتوفر فيه الشروط المقررة في الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية، ناهيك عن أن طلب الحكم بغرامة تهديدية في مواجهة الخازن الرئيسي بصفته الشخصية ينافي الفصل 448 المذكور وعقب المدعون بأن محكمة الاستئناف الإدارية أصدرت قرارا قضى برفض طلب إيقاف التنفيذ وأدلوا بشهادة منطوق القرار.
وأجاب الوكيل القضائي أن الحكم قد تم تنفيذه كليا وبالتالي فان طلب الغرامة التهديدية أصبح غير ذي موضوع.
وبعد التأمل أصدر رئيس المحكمة الادارية الأمر المذكور بناء على التعليل التالي:
ـ 1) إن الاختصاص يعود إلى رئيس المحكمة ليس بصفته قاضي المستعجلات وإنما قاضي للتنفيذ.
2) إن المرجع القانوني في تحديد الغرامة التهديدية كوسيلة لاجبار الادارة ورجالاتها على التنفيذ هو مضمون الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية بناء على الاحالة الواردة في الفصل 7 من القانون رقم 90/41 على قواعد المسطرة المدنية ومادام أن الصيغة جاءت عامة فهي تخص الشخص العام والخاص.
ـ 3) إن التنفيذ لا يجري ضد الادارة كشخص معنوي وآلية إدارية بقدر ما يجري ضد المسؤولين في الادارة المعنية بالتنفيذ.
ـ 4) إن الامتناع عن التنفيذ من طرف الخازن الرئيسي باعتباره محجوز بين يديه عن تنفيد حكم حائزقوة الشيء المقضي به بدون مبرر يرتب مسؤولية المطلوب ضده على اعتبار أن الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ يسمو على القاعدة القانونية المتمثلة في قانون المحاسبة العمومية.
إن النقط المثارة في هذا الحكم يمكن تلخيصها كالتالي:
- مدى مسؤولية المحاسب العمومي عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية المتمثلة في تمكين المدعين من الأموال المودعة لديه.
ـ هل الأحكام القضائية تسمو على القاعدة القانونية
ـ مدى مشروعية تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الموظف العمومي إذا كان موضوعها قرارات إدارية.
وعليه سنقسم الموضوع إلى 3 مباحث

المبحث الأول: مسؤولية المحاسب العمومي:
يقصد بالمحاسب العمومي طبقا للمادة 2 من القانون رقم 99.61 المتعلق بتحديد مسؤولية الآخرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 3 أبريل 2002 كل موظف أو عون مؤهل لأن ينفذ باسم الدولة أو الجماعات لمحلية وهيئاتها أو المؤسسات والمقاولات العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة عمليات المداخيل أو النفقات أو التصرف في السندات إما بواسطة أموال وقيم يتولى حراستها وإما بتحويلات داخلية للحسابات وإما بواسطة محاسبين عموميين آخرين أو حسابات خارجية للأموال المتوفرة التي يراقب حركاتها أو يأمر بها.
وعلى هذا الأساس فان المحاسب العمومي مقيد بما يأتيه من أوامر من الآمر بالصرف ولاحق له في الحلول محل هذا الأخير وبالتالي فان مهامه تنحصر في الافتحاصات التالية:
ـ المحافظة على الأموال والقيم المعهود إليه بحراستها
ـ وضعية الحسابات الخارجية للأموال المتوفرة التي يراقب أو يأمر بحركاتها.
ـ القبض القانوني للمداخيل المعهود إليه بتحصيلها
ـ مراقبة صحة النفقة فيما يتعلق بإثبات العمل المنجز وصحة حسابات التصفية ووجود التأشيرة المسبقة للالتزام والتقيد بقواعد التقادم وسقوط الحق والطابع الابرائي للتسديد.
ـ الأداءات التي يقوم بها.
كما أضافت المادة 6 من القانون المذكور فإن المحاسب العمومي ملزم بالتحقق من صفة الآمر بالصرف وتوفر الاعتمادات وصحة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة بها وكذا تقديم الوثائق المثبتة التي يتعين عليه طلبها قبل أداء النفقات.
وبصفة عامة فان المحاسب ملزم بالتأكد من انجاز الخدمة موضوع النفقة وكذا الدائن الحقيقي. وهو بذلك يتسلم المبالغ التي أصدر الآمر بالصرف أمرا بمداخيلها على سبيل الوديعة ولا يحق له التصرف فيها من تلقاء نفسه أو بأمر من الغير الا في الحدود التي تقع به القوانين والأنظمة تحت طائلة المسؤولية الشخصية.
لكن إلى أي حد يمكن للمحاسب العمومي التمسك بنص تنظيمي إذا كان على علم بأنه مخالف لقانون اسمى منه؟
في هذا الإطار اذكر أن هناك قرار لوزير الاقتصاد والمالية صادر تحت رقم 09.266 بتاريخ 29 يناير 2009 القاضي بتحديد قائمة الوثائق والمستندات المثبتة لمقترحات الالتزامات وأداء نفقات الدولة الخاصة بالمعدات والخدمات - المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5732 بتاريخ 7 ماي 2009 - يتضمن جملة من الوثائق الواجب تقديمها للخزينة العامة للمملكة من أجل التأشير على النفقة وهي وثائق أصبحت متجاوزة أو لا أساس قانوني لها. نذكر على الخصوص في باب الاقتناءات العقارية وثيقة الأمر بالتخلي في باب الاقتناء بالتراضي وكذا المرسوم للآذن بالاقتناء.
فبالنسبة لمقرر التخلي فهو يخص الاقتناءات العقارية عن طريق نزع الملكية لا الاقتناء بالتراضي. ذلك أن الفصل 12 من قانون نزع الملكية الصادر بتاريخ 6 ماي 1982 نص في فقرته الأخيرة على أنه إذا كان الأمر يتعلق بعقارات غير محفظة ولا في طور التحفيظ فان مشروع مقرر التخلي يودع لدى كتابة الضبط بالمحكمة الادارية التابع لها موقع العقارات لأجل تقييده في السجل الخاص المنصوص عليه في الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية ويسلم كاتب الضبط إلى نازع الملكية شهادة تثبت هذا التقيد والسجل الخاص هنا هو سجل خاص، بإشهار العمليات العقارية ويوضع رهن إشارة العموم.
ورغم صراحة الفصل 12 من قانون نزع الملكية فان الخزينة العامة للمملكة تتمسك بالإدلاء بمقرر التخلي حتى في مجال الاقتناء بالتراضي استنادا على خطأ وارد في قرار وزير المالية مما قد يتبع ذلك من عرقلة لسير صرف مستحقات المواطنين الذين فوتوا للدولة عقاراتهم من أجل تشييد مشاريع تربوية أو اجتماعية أو اقتصادية.
أما بالنسبة للمرسوم الآذن بالاقتناء، فانه سنة 2002 تم تغيير قانون المحاسبة العمومية ولاسيما الفصل 82 منه وبالتالي أصبح كل من الاقتناءات والتفويتات العقارية التي تكون الدولة طرفا فيها تتطلب فقط استصدار قرار وزير المالية من أجل انجازها دون أهمية للسقف المالي. ومع ذلك وبعد مرور أكثر من 7 سنوات يصدر قرار لوزير المالية يتحدث عن مرسوم الوزير الأول دون الالتفات إلى أنه ألغي سنة 2002 الشيء الذي يؤكد أن خللا كبيرا يعتري الأجهزة القانونية في الإدارات العمومية
لكن كيف حال الجهاز القضائي؟
المبحث الثاني: مدى سمو الحكم القضائي على قاعدة قانونية:
ورد في الحكم موضوع التعليق أن الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ تعتبر بمثابة وثيقة محاسبة تلزم المحاسب العمومي بالتنفيذ باعتبارها تسمو على القاعدة القانونية!
ان المتمعن في هذا التحليل لابد أن يستشف رغبة رئيس المحكمة الإدارية بالرباط في الاجتهاد، لكن هل فعلا يمكن اقرار أن الحكم القضائي أسمى من قاعدة قانونية؟ إن الفيصل في هذه النقطة هو الدستور. وقد نص الفصل الرابع أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، ويجب على الجميع الامتثال له، وليس للقانون أثر رجعي.
وكلمة الجميع، هنا واردة بصفة قطعية وعامة بحيث تشمل كل السلط سواء كانت تنفيذية أو قضائية أو تشريعية أو مواطنين عاديين ملزمون بالامتثال إلى القاعدة القانونية. ومن ثم فإن أهم اختصاص يعود إلى السلطة القضائية حماية القانون وتطبيقه السليم لاتجاوزه ذلك أنه طبقا للفصل 82 من الدستور فإن كل سلطات الدولة مستقلة عن بعضها ولايحق للسلطة القضائية أن تحل محل السلطة التشريعية في إصدار القوانين تحت ستار أحكام قضائية أو إتفاقات. كما هو الحال عندما تجاوزت المحاكم الإدارية الاختصاصات الواردة في المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية وصرحت باختصاصها في مجال الاعتداء المادي رغم صراحة هذه المادة وأن مقتضياتها من النظام العام، بحيث كان على وزارة العدل الرجوع الى المشرع لإضافة هذا الاختصاص إلى المحاكم الإدارية عوضا عن خرق نص قانوني صريح عن طريق إعداد مشروع قانون، تعديلي ونرى أن القاضي الاداري هنا تجاوز اختصاصه عندما الزم المحاسب برفع يده عن المبلغ المحجوز لديه، وبالتالي كان عليه الزام الآمر بالصرف بأداء مستحقات المدعي.
هذا الاتجاه كرسه الفصل 67 من قانون التنظيم المالي الجماعي الصادر بتاريخ 30 شتنبر 1976 ويمكن الاستئناس به، عندما نص على أنه إذا لم يكن هناك شك في حقيقة الخدمة المنجزة وكانت الاعتمادات والأموال متوفرة جاز للآمر بالصرف بعد رفض القابض أن يطلب الأداء كتابة تحت مسؤوليته الشخصية. ويكون القابض حينئذ غير مسؤول ولاشك أن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة الى أن يثبت العكس سواء عن طريق نقضه أو إلغائه، وبالتالي كان على المدعي الزام الآمر بالصرف بالآداء تحت مسؤوليته الشخصية وبالتالي يكون المحاسب ملزما بالآداء لأنه ليس مالكا للأموال المتوفرة لديه وإنما مودع لديه.
المبحث الثالث: مدى مشروعية الحكم بأداء غرامة تهديدية تستخلص من المال الخاص للموظف العمومي:
درجت بعض المحاكم الإدارية على الحكم على الموظف بصفته الشخصية بأداء تعويضات أو غرامة تهديدية من ماله الخاص عوضا عن الميزانية العامة.
وقد علل الحكم موضوع التعليق اتجاهه هذا بأن التنفيذ في نهاية الأمر لايجري ضد الإدارة كشخص معنوي وآلية إدارية بقدر ما يجري ضد المسؤولين في الإدارة عن التنفيذ.
لاشك أن هذا التعليل يطرح جملة من الأسئلة. من بينها هل القاضي الإداري لايعترف للإدارة بالشخصية المعنوية مع مايترتب عنها من استقلال مالي وإداري؟
ثم ماهي الجهة الواجب رفع دعوى ضدها إذا كانت الدولة طرفا، هل الموظف بصفته الشخصية أم ضد شخص الوزير الأول.
ينص الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية على أن ترفع الدعوى ضد الدولة في شخص الوزير الأول وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء. أما بالنسبة للخزينة العامة للمملكة فالدعوى توجه في مواجهة الخازن العام وقد قضى المجلس الأعلى بأنه يكون التبليغ الموجه للشخص المعنوي صحيحا ومنتجا آثاره إذا وجه الى ممثله القانوني بصفته هذه (قرار رقم 684 بتاريخ 7 ماي 1996 في الملف عدد 94/8517 مجلة المحامي عدد 21 ص 338).
وقد نص الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود على أن الدولة والبلديات مسؤولة عن الاضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها.
ويستخلص من هذا الفصل أن هناك تمييزا بين الدولة وأطرها وبالتالي فان الخطأ الوظيفي لاينسب الى الموظف وإنما الى الإدارة إلا في حالتين إثنين أوردهما الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود وهما:
ـ التدليس.
ـ الخطأ الجسيم.
ولانعتقد أن تجري المحاسب العمومي والتشبث قبل الأداء يعتبر خطأ جسيما، خاصة وأنه هذا الأخير مودع لديه وليس مالكا للأموال التي تحت إمرته.
وفي هذا الصدد لابد من التذكير أن الوزير الأول أصدر بتاريخ 4 فبراير 2008 المنشور رقم 1 / 2008 يتضمن توجيهات وتدابير تتعلق بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية بموجبه رخص للمحاسبين العموميين العمل على تنفيذ الأوامر القضائية المتعلقة بحجز ما للمدين لدى الغير التي توجد بين أيديهم أو سيتم تبليغهم بها إثر عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية من طرف المصالح الآمرة بالصرف، وذلك مباشرة من مبلغ الاعتمادات المرصدة للإدارة المعنية.
وبذلك يكون الوزير الأول رخص للمحاسبين العموميين تنفيذ الأحكام الثقافية الصادرة لمصلحة الغير كلما تعلق الأمر بحجز ما للمدين لديهم. ولا غرو أن هذا المنشور تم اعداده من طرف الخزينة العامة للمملكة وتم عرضه على الوزير الأول من أجل التوقيع دون استشارة الوكالة القضائية للمملكة وإلا لما تمت المصادقة عليه لما فيه من فرق صريح لعدم تطابق اختصاصات المحاسب العمومي مع الآمر بالصرف خاصة وأن الاعتمادات الموجودة لدى المحاسب العمومي لا حق له في صرفها الا بإذن من الآمر بالصرف. وهذا ما يؤكد عليه قانون المحاسبة العمومية. لكن هذا المنشور تم إعداده تلافيا للغرامات للتهديدية الصادرة من المحاكم الإدارية في مواجهة المحاسبين العموميين. وهذا يعني أنها أتى لحماية أطر الخزينة العامة وان كان ذلك منافيا لقواعد المحاسبة العمومية وقواعدها من النظام العام ومهما يكون فإن القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة، أما الاجتهاد القضائي فقد يكون أحد مصادره ولكن لايعلو عليه وإذا استمر القضاء الإداري في اصدار أحكام وأوامر تقضي بإلزام الموظف العمومي بتنفيذ الأحكام تحت طائلة المبادلة الشخصية فسيأتي يوما قد لانجد فيه أي موظف عمومي يتحمل المسؤولية الإدارية.
لكل هذه الأسباب يكون الحكم موضوع التعليق جانب الصواب جزئيا بخصوص تحمل الخازن الرئيسي أداء الغرامة للتهديدية من ماله الخاص وكان عليه توجيه قراره ضد الخازن العام للمملكة بصفته لاشخصه.

الدكتور العربي مياد
دراسة منشورة في جريدة العلم



الثلاثاء 8 يونيو 2010

تعليق جديد
Twitter