MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



مدونة الأسرة في الخطاب الملكي.

     

ذ وهابي رشيد محامي

بهيئة المحامين بالجديدة



مدونة الأسرة في الخطاب الملكي.

بعد ستة عشرة سنة من صدور مدونة الأسرة التي كانت فتحا جديدا مغربيا خاصا بالقوانين الخاصة بالأسرة بالمغرب، والتي كان الفضل الأكبر والرؤيا الواضحة فيها لملك البلاد، نحو رفع الظلم الذي كانت تعانيه المرأة المغربية في المساطر القانونية المتعلقة بها، وجعلها تقف في كفة ميزان متساوية مع الرجل، ها هو ملك البلاد حفظه الله وأطال عمره، يخصص مرة أخرى في خطابه فقرات مهمة وصريحة وواضحة ونقدا صريحا لبعض الموظفين ورجال العدالة، عن انحرافهم وزيغهم في التطبيق عن فلسفة مدونة الأسرة التي رسمت في مدونة الأسرة والتي كانت محل تنويه وتقدير من كل زعماء العالم، ومحل إشادة كبيرة من المتتبعين لحقوق المرأة والمدافعين عنها.

فقد بدأ الملك محمد السادس حفظه الله خطابه وخصص ست محطات مهمة فيه، وخصص المحطة الأولى، والتي يمكن أن نقول بأنها جامعة ملخصة لباقي أهم ما جاء في الخطاب، تكلم فيها عن البيعة التي كانت دوما تجمع بين المغاربة وملوكهم، وتجديد هذه البيعة التي تتم سنويا لملكهم المحبوب محمد السادس حفظه الله وتطرق لتداعيات وباء كورنا وتأثيره على الاقتصاد الوطني والدولي، وأقرن تحدي ما يجري حولنا بضرورة الجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، حتى نحافظ على الاستقرار الاجتماعي الذي تعيش في كنفه بلادنا، وجعل النهوض بوضعية المرأة والأسرة من الأسس القوية التي ستجعلنا نرفع التحديات من أجل مستقبل واعد للمملكة المغربية.

ليقف الملك محمد السادس نصره الله في المحطة الثانية من خطابه على خمسة عشرة فقرة كلها مخصصة للكلام عن المرأة المغربية، وعن ضرورة موازنتها مع حقوق الرجل وبأنها القاطرة التي ستدفع بنا إلى مزيد من التقدم، بدأها بالكلام بصراحة بضرورة فتح كل الأبواب والميادين للمرأة المغربية، وهي وصفة لكل من يريد أن يعيش في مغرب متقدم يتمتع فيه الجميع بالكرامة، ولا كرامة لشعب تعيش المرأة فيه بدون كرامة أو بكرامة ناقصة.

وعاد ملك البلاد في خطابه للتذكير بأن رؤيته واضحة ولن تتغير منذ اعتلى عرش أسلافه وهي النهوض بوضعية المرأة المغربية، وفتح كل الأبواب أمامها، وبما أن المرأة المغربية في نظر ملك البلاد تستحق مكانة أكبر من التي كانت لها قبل اعتلائه للعرش، فقد كان وراء ثورة هادئة بمشاركة الجميع قادت لإخراج مدونة الأسرة المغربية سنة 2004، التي كان هدفها تكريس المساواة بين الرجل والمرأة، والسعي لتحقيق مبدأ المناصفة بينهما في مستقبل الأيام.

وفي حس نقدي صادم وتوجيهي لرؤية ملك البلاد للمكانة التي يريد أن يرى فيها المرأة المغربية، أكد في خطابه على أن ما يتم منحه للمرأة ليس امتيازات مجانية بل هي حقوق حرمت منها في سابق الأيام، وفي ظل حكمه وفي مغرب اليوم لا يجب أن تُحرم من أي حق من حقوقها.

ليصل الملك في خطابة إلى التذكير بأنه رغم أن مدونة الأسرة كانت قفزة وخطوة كبيرة للأمام إلا أن هناك مشاكل وعقبات تحول بينها وبين تحقيق أهدافها التي سطرت من أجلها. ولكي يضع الخطاب الأصبع الملكي بخط كبير وعريض على مكمن الداء، أشار الملك إلى أن هناك أسباب سوسيولوجية (اجتماعية) متعددة من بعض الموظفين ورجال العدالة، تقف أمام استكمال مسيرة مدونة الأسرة وأهدافها الواضحة في تحقيق توازن بين الرجل والمرأة، موجها لوما واضحا بأنهم يعتقدون بأنها مدونة خاصة بالنساء، مشيرا إلى أن بعض الموظفين ورجال العدالة الذين يسهرون على تطبيق مدونة الأسرة، يحاولون أن يرجعوا مدونة الأسرة مدونة خاصة بالرجل، وتجعل الرجل في مكانة أعلى من المرأة، ليذكرهم بوضوح في الخطاب والتوجيه بأنها مدونة للجميع رجل وامرأة وأطفال، ولا فضل أو غلبة لأحد على آخر في الميزان.

وفي استرسال في بعض التوجيهات السامية لرجال العدالة المغربية، يذكرهم بضرورة الالتزام بالتطبيق الصحيح والكامل للمقتضيات القانونية.

ويستمر الملك في تشريح مكامن الداء والاعوجاج عن الخطوط التي رسمتها مدونة الأسرة المغربية في تبويء المرأة المغربية المكانة التي تسحق، وموضحا أن هناك اختلالات وسلبيات أبانت التجربة انحرافا عن بعض بنودها وأهدافها، داعيا إلى مراجعة البنود لكي يتم توضيحها بشكل يمنع بعض الموظفين ورجال العدالة من الانحراف عن أهداف المدونة.

وحتى يقفل الباب على كل من يريد أن يلعب بورقة الحلال والحرام، لكي يؤخر ما أمكن كل تمكين للمرأة المغربية وتوسيع لحقوقها المستحقة، وحتى يقفل الباب على حاملي أعلام الذكورية ومحاربي كل كلام عن حقوق المرأة وسعي لترسيمها في القانون، أطلق على هؤلاء رصاصة الرحمة مذكرا إياهم بأنه أمير للمؤمنين، وأنه لن يحل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله، خصوصا المقتضيات التي تؤطرها نصوص قطعية قرآنية.

وفي دعوته لتغيير مدونة الأسرة، وكعادة ملك البلاد طمأن الجميع بأن كل تعديل سيكون في حدود مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مراعيا الاجتهاد المنفتح والاعتدال والتشاور والحوار، سيتم إشراك الجميع فيه.

داعيا إلى تعميم تجربة محاكم الأسرة على مناطق المغرب، وتمكينها من الموارد المالية والبشرية في تحقيق هذا التطلع الملكي.

وليختم ملك البلاد المحطة الكاملة التي خصصها للكلام عن معوقات تطبيق مدونة الأسرة تطبيقا سليما والانحراف عن أهدافها، أردف أن تمكين المرأة المغربية من حقوقها المسحقة لا يعني أنها ستكون على حساب حوق الرجال المغربي، موضحا أن تقدم المغرب هو رهين بمكانة المرأة فيه، وبالتيسير لمساهمتها الفاعلة في كل أوراشه التنموية.

 
الاثنين 22 غشت 2022




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter