MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



قراءة في استعمال الفصل 77 من الدستور من قبل الحكومة ضد مقترح إعفاء المتقاعدين من الضريبة على المعاش

     

العربي محمد مياد
باحث في العلوم القانونية والإدارية



نقاش كبير الذي واكب مناقشة  مشروع القانون المالي لسنة 2020 ولاسيما ما يخص استعمال وزير المالية للفصل 77 من الدستور في مواجهة التعدي الذي أدخلته بعض الفرق البرلمانية بخصوص إعفاء المتقاعدين من أداء الضريبة على معاشهم . فضلا عن المادة 9 التي اعتبرها البعض نكسة وتحقيرا للمقررات القضائية وتملصا من السلطات العمومية عن تنفيذ الحكام القضائية النهائية الصادرة ضدها الآن وقد هدأت العاصفة الكلامية  والقيل والقال حول كل هذا سنحاول إبداء رأينا القانونية والسياسي في  استعمال الفصل 77 الموضوع بكل تجرد ونزاهة علمية ، على أن نعود في مقال مقبل للمادة 9 ومدى دستوريتها .
   
ينص الفصل 77 المذكور على أنه " يسهر البرلمان والحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة . وللحكومة أن ترفض ، بعد بيان الأسباب ، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية ، أو إلى إحداث تكليف عمومي ، أو الزيادة في تكليف موجود ."
  
والتساؤل المطروح  متى يحق للحكومة  التلويح بهذا الفصل ، وترفض التعديلات المدخلة على مشروع قانون المالية ، هل أثناء المناقشة وقبل التصويت على التعديل أم بعده  ؟
 
هذا التساؤل له خصوصيته وأهميته مادام أن أحد  فرق المعارضة بمجلس المستشارين  تقدم بتعديل لمشروع قانون المالية يخص إعفاء المتقاعدين من الضريبة على الدخل وتم التصويت عليه  بالإيجاب في مجلس المستشارين دون أن تتقدم الحكومة بالفيتو الذي يخولها لها الدستور ، ولما أحيل مشروع قانون المالية بتعديلاته على مجلس النواب في القراءة الثانية ، حرك  وزير الاقتصاد والمالية المحسوب على حزب الأحرار وهو حزب في الأغلبية  الحكومية مقتضيات الفصل 77 المذكور بدعوى أن استثناء معاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل سيكون له أثر مالي على الميزانية يصل إلى مليار و600 مليون درهم.، ونسي أن القانون المالي  ينبغي أن يقدم التوازن المالي والمحاسبي على المفعول الاجتماعي والنفسي على المتقاعدين وأسرهم الذين بدون شك من الأشخاص الذين يعولونهم معطلين ومعوزين وربما التلاميذ والطلبة الذين لا يستفيدون من المنحة رغم هزالتها .
 
لكن لماذا لم يستعمل الوزير المذكور الفصل 77 أمام مجلس المستشارين بمجرد اقتراح التعديل وقبل التصويت عليه ؟، هل كان كل همه تمرير المادة 9 من مشروع القانون المالي،  وهل من حقه استعمال هذا الفصل أمام الجهة  التي لم تتقدم به والتي من المفروض أنها مستقلة عن مجلس النواب ؟ ألم ينص الدستور على أنه يتكون البرلمان من مجلسين ، مجلس النواب ومجلس المستشارين ، وبالتالي ليس مجلس المستشارين ملحقة لمجلس النواب ؟
 طبقا للمادة 49 من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 13-130 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم     62-15-1 بتاريخ 14 من شعبان 1436 (2 يونيو 2015) " يبت مجلس النواب في مشروع قانون المالية للسنة داخل أجل ثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ إيداعه. تعرض الحكومة ، فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة ، على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها في مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة .يبت مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل اثنين وعشرين (22) يوما الموالية لعرضه عليه.يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية في أجل لا يتعدى ستة (6) أيام.
 
إن الدراسة الرزينة  لهذه المادة ، تقطع الشك باليقين، بأن التصويت على التعديلات من طرف مجلس المستشارين دون أي اعتراض من الحكومة يفيد قبولها الصريح لتلك التعديلات، حتى لو سكت وزير الاقتصاد والمالية لأن السكوت في معرض البيان بيان وينسب في هذه الوضعية للساكت قول. وبالتالي    يبقى فقط من حق مجلس النواب الموافقة على التعديلات المقترحة من طرف مجلس المستشارين أو رفضها ولا حق للحكومة في أن تواجه التعديلات التي لم تعترض عليها بمجلس المستشارين بالفصل 77 من الدستور خارج هذا المجلس.
  
والحاصل أنه  تكون الحكومة في شخص وزير الاقتصاد والمالية ارتكبت خطأ سياسيا ودستوريا قاتلا، يؤكد بالملموس أن مستشاريها القانونيين وليس الاقتصاديين قد غيبوا عن إبداء الرأي في هذا التوجه، أو تمت استشارتهم ولم يؤخذ برأيهم ، ألم يقل الله تعالى "وأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ."
 والغريب أن رئيس الحكومة وهو يدافع عن هذا التوجه يتشبث بأن هذه الشريحة من المواطنين وقدرهم مليون و 800 ألف مواطن  _ الذين أفنوا زهرة شبابهم في الإدارة العمومية والجماعية بأجور زهيدة  ورمزية مقارنة مع ما يجنيه زملاؤهم في القطاع الخاص _  تستفيد  من مجموعة من الامتيازات الضريبية ، هكذا . وأن ما يقرب من مليون و600 ألف متقاعد معفي من الضريبة على الدخل وهو ما يمثل 90 في المئة من المتقاعدين.( المصدر جلسة المساءلة الشهرية ) . متناسيا أن الإقرار بهذه الوضعية مقلق  وليس انحازا ، لأن ذلك يعني  وبالعين المجردة أن أكثر من مليون ونصف مليون من الموظفين المحالين على المعاش معوزين وأصحاب معاشات زهيدة .
   
ثم إن  ما يلفت الانتباه  كذلك أن رئيس الحكومة يقر  والإقٌرار  سيد أدلة  بالتمييز بين المواطنين على أساس المعاش ، فكيف يقر بوجود إعفاءات بالنسبة لبعض الموظفين ولا يستفيد من نفس الإعفاء شريحة أخرى  مهما قلت أو كثرت . أليس في هذا خرق صريح للدستور يا رئيس الحكومة ، ألم ينص الفصل 6 من الدستور على أن " القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة  والجميع ، أشخاصا ذاتيين  أو اعتباريين ، بما فيهم السلطات العمومية ، متساوون أمامه ، وملزمون بالامتثال له . ألم ينص الفصل 40 من نفس القانون على أن "على الجميع أن يتحمل ، بصفة تضامنية ، وبشكل يتناسب مع
الوسائل التي يتوفرون عليها ، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد ؟

 والملفت للانتباه أنه من جهة فإنه طبقا للقانون رقم 24.92 المتعلق بإحداث نظم المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب الذي تم تطبيق أحكامه على أعضاء مجلس المستشارين بمقتضى القانون رقم 53.99، كما وقع تعديله وتتميه،  يتقاضى البرلماني الذي أكمل مدة ولايته التشريعية 5 سنوات، معاشا يقدر ب 5000 درهم صافية معفية من الضريبة على الدخل( وهنا لا بد من التسطير على معفاة من الضرائب ) وغير خاضعة لأي تصريح مدى الحياة .  وقد حدد  مبلغ
الجمعة 27 ديسمبر 2019




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter