MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



طبيعة النيابة العامة على ضوء قرار محكمة النقض وسؤال السلطة القضائية ..؟

     

شريف الغيام أستاذ زائر، مستشار لدى محكمة الإستئناف بالحسيمة .



طبيعة النيابة العامة على ضوء قرار محكمة النقض وسؤال السلطة القضائية ..؟





أثار قرار لمحكمة النقض الفرنسية بجلستها العامة يوم 15دجنبر الصادر عن الغرفة الجنائية القاضي بعدم اعتبار قضاة النيابة العامة سلطة قضائية لإنتفاء عنصري الحياد
و الاستقلالية مع إعتبارهم جهة إدارية
هذا الذي أثار نقاشا واسعا داخل الأوساط القضائية و الحقوقية
مما أدى لإعادة نقاش محسوم بنص القانون المغربي بحسب ما نص عليه الدستور (كالفصل 110 - 128 منه) وكذا القوانين الداخلية الجاري بها العمل .

إلا أن ذلك لا يمنع من فتح هذا النقاش مرة أخرى لإماطة اللثام عن هذا القرار الذي إعتبرته شريحة مهمة من المهتمين بشؤون العدالة و القانون قفزة نوعية في باب الاجتهاد القضائي بل لدرجة إعتبره البعض قرارا رائدا تتوفر فيه جميع شروط الاجتهاد المتطلب من جهة و انتصارا للمفهوم الحقيقي للسلطة القضائية

لكن أعتقد أن قراءة هذا القرار يستلزم عدم الانسياق وراء ظاهر ما تم إقراره وكأن الأمر يتعلق بقرار منشأ لحق بقدر ما يمكن إعتباره كاشفا لحق

فالالتباس الحاصل حول طبيعة جهاز النيابة العامة موضوع قرار المحكمة النقض بعدم إعتبارها سلطة قضائية لإنتفاء عنصري الحياد و الاستقلالية يجعلنا نحاول قراءة هذا المقتضى من جهات مختلفة بالقول بمفهوم المخالفة لنفس القرار أن قضاة الحكم ليسوا قضاة نيابة عامة أو جهة للإتهام

بمعنى أنه مادامت النيابة العامة ليست سلطة قضائية في الفصل بالنزاعات بين الأفراد و الجماعات والتي لا يعدوا فيها هذا الإختصاص مجرد افتراض لا غير

كما أن إقحامها لا يدخل من الأصل في مهامها
حتى يتأتى معه توافر عنصري الاستقلالية و الحياد أثناء الفصل بالنزاعات
الشئ الذي يدفع معه للقول كذلك أن قضاة الاحكام ليسوا جهة إتهام

مما يجعل من مكمن إعتبار قضاة الاحكام سلطة قضائية ينصرف لتوافر عنصري الحياد و الاستقلالية أثناء البث أو الفصل في القضايا المعروضة أمامهم الذي يعد اختصاصا أصيلا لهم دون غيرهم يجعل من من مفهوم السلطة القضائية مفهوما ضيقا تتحدد حدودهم في الفصل بالنزاعات لا غير
وهذا ما يجعل غيرهم من القضاة لا يشكلون سلطة قضائية
كما هو الامر لقضاة التحقيق طالما أنهم أيضا جهة متابعة مثلهم مثل النيابة العامة بهذا الشأن
ولا يمتلكون صلاحية البث أو الفصل بالنزاعات حتى يتأتى توافر الاستقلالية و الحياد

وهذا أمر ربما يبتعد عن قواعد المنطق القانوني السليم

مما يجعل من مسوغات القرار المذكور ناتج عن
خلط بين صلاحية قضاة الاحكام في الفصل بالنزاعات وما يتطلبه من حياد واستقلال واسباغ ذلك لجهة غير مكلفة من الأصل في الفصل بالنزاعات الا وهي النيابة العامة،
وكأن الأمر يتعلق بتحميلها أكثر مما تحتمل ناتج عن تصور معيب أو خلط بين المهام الوظيفية للمؤسسة القضائية ومتطلباتها الموضوعية و البنية الهيكلية للسلطة القضائية

فالحديث عن السلطة القضائية بمفهومه الواسع لا شك أنه يتسع لمؤسسات عديدة كهيئة الدفاع التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من أسرة القضاء و هيئة كتابة الضبط التي تعد العمود الفقري للسلطة القضائية وكذا باقي مساعدي القضاء الذين تتظافر جهودهم كل من موقعه لبلورة تصور جامع و مانع للمفهوم الحقيقي للسلطة القضائية
والتي يظل فيها مطمح للعدالة لا محيد عنه.

ذلك أنه لا مجال للقول اليوم أن قضاة النيابة العامة ليسوا بسلطة قضائية لإنتفاءا عنصري الحياد و الاستقلالية وخاصة إذا استحضرنا الأدوار المسندة لقضاة النيابة العامة بدءا من صلاحياتهم في البث بالشكايات وخاصة مقرراتهم بالحفظ او المتابعة وكذا تنفيد المقررات القضائية وغيرها من المهام التي تدخل في صلب مهام السلطة القضائية
كما أن مبادئ الاستقلالية و الحياد تكون أكثر حضورا بالنسبة للنيابة العامة إلا أن لمعانيها خصوصية مستمدة من طبيعتها كجهة إتهام التي تفرض عليها أن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية من جهة
وبعيدة كل البعد للتأثير عن قضاء الحكم أو التأثر من قبل أي جهة كانت أي أن لمفهوم الاستقلال والحياد مما يجعل من تجليات استقلال النيابة العامة و الحياد ذات أبعاد عمودية و افقية بنفس الوقت

اذ لا مجال للقول أن قضاة النيابة العامة جهة إدارية
فلا يمكن تصور مجرد جهة إدارية تمتلك أحقية قطع طريق للأفراد و الجماعات في تقديم بالشكايات بحفظها أو بتقرير المتابعة بشأنها
والذي يشكل لا محالة صورة من صور الحق في التقاضي وكذا تنفيذ الاحكام و المقررات القضائية.

كما أنه لا يمكن الاصطفاف إلى جانب ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية بهذا الشأن مع الاحترام الواجب لما جادت به بمضمون مقررها
لأن خصوصية جهاز النيابة العامة بالمغرب جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية طالما أنها تتمتع بكافة الضمانات التي تجعلها جهازا مستقلا تمام الاستقلال عن السلطة التنفيذية وبعيدة كل البعد عن أي مؤثرات ماسة بمبدأ الحياد طالما أن رئاستها مسندة لجهة قضائية ممثلة في السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
والذي يعد انتصارا حقيقيا لمبادئ السلطة القضائية .
الاربعاء 8 يناير 2020




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter