MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



زواج القاصرات بالمغرب دراسة ميدانية بأقسام قضاء الأسرة 2004 /2014

     

ذ.أنس سعدون
عضو نادي قضاة المغرب
نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب
مكلف بخلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف
عضو مؤسس للمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية
باحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة





ملاحظة: نشر هذا المقال في العدد المزدوج 5/4 من مجلة العلوم القانونية لسنة 2017 الخاص بمدونة الأسرة بين القانون والممارسة على ضوء أهم الإجتهادات القضائية



نسخة للتحميل

تشكل المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة[1] الإطار القانوني الذي ينظم الزواج دون سن الأهلية بالمغرب، فإذا كان المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 19 من مدونة الأسرة جعل الأصل هو ابرام عقد الزواج عند اكتمال الأهلية ببلوغ سن 18 سنة بالنسبة لكلا الجنسين انسجاما مع المعايير الدولية[2] وفي مقدمتها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة اختصارا بسيداو[3]، واتفاقية حقوق الطفل[4]، فإنه مع ذلك أوجد قواعد استثنائية لهذا الأصل نصت عليها مقتضيات المادة 20 من نفس القانون، التي سمحت بإبرام عقد زواج يكون أحد طرفيه قاصرا تحت مراقبة القضاء، وأحاطت هذا الاستثناء بمجموعة من الضمانات القانونية حيث أكدت على صدور مقرر قضائي معلل وأن يبين المصلحة والأسباب المبررة لمنح الاذن، وألا يصدر هذا الاذن إلا بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، أو إجراء بحث اجتماعي أو الاستعانة بخبرة طبية[5].

وبالرغم من هذه المقتضيات التشريعية التي تبدو للوهلة الأولى متقدمة –على المستوى النظري-إلا أن واقع تطبيق مدونة الأسرة طيلة عشر سنوات من صدورها أفرز عدة اشكاليات عملية حيث تحول الاستثناء إلى قاعدة، وأضحى عدد طلبات الاذن بزواج القاصر في ارتفاع مثلما ارتفعت وثيرة الاستجابة لهذه الطلبات التي تعود أغلبها لفتيات قاصرات، اما ينحدرن من أوساط قروية، أو أوساط هشة تعاني من ضغوطات اجتماعية واقتصادية ، الشيء الذي أضحى يؤكد أن تزويج القاصرات تحول إلى ظاهرة تخفي بين طياتها عدة ظواهر أخرى مركبة تختلط فيها معالم ظاهرة تأنيث الفقر[6]، بالهشاشة، الأمية، والتهميش..فضلا عن الصور النمطية[7] المكرسة للتمييز بين الجنسين، وما زاد من حدة القلق المتنامي بخصوص هذا الموضوع ارتفاع النزاعات القضائية المترتبة عن تزويج القاصرات، فرغم غياب مؤشرات رقمية رسمية بخصوص القضايا المرفوعة أمام المحاكم المقدمة من طرف زوجات قاصرات إلا أن الواقع اليومي يؤكد أن شريحة كبيرة منهن تتردد باستمرار على أقسام قضاء الأسرة وعلى النيابات العامة، لتقديم طلبات تتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية بالتطليق للغيبة أو الشقاق أو الضرر أو عدم الانفاق أو دعاوى النفقة وغيرها من النزاعات الأسرية المترتبة عنها، أو لتقديم شكايات تتعلق بالعنف الممارس ضدهن من طرف الزوج أو أهله وأقاربه، الشيء الذي يؤكد هشاشة الأسر المبنية على عقد زواج يكون أحد أطرافه قاصرا[8]. فإلى أي حد وفق المشرع المغربي في معالجة ظاهرة تزويج القاصرات، وإلى أي مدى يمكن القول بكون تزويج القاصرات تحول إلى ظاهرة اجتماعية مقلقة؟ هل نحتاج إلى تدخل تشريعي جديد؟ وهل المقاربة القانونية وحدها كافية لتحقيق الحماية اللازمة للقاصر؟ هل المؤشرات الرقمية الرسمية كافية لتقدير الحجم الحقيقي للظاهرة؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لتطويقها؟
إن الاجابة على هذه الأسئلة تقتضي بداية الوقوف على المقتضيات القانونية المتعلقة بتزويج القاصرات في مدونة الأسرة (المبحث الأول)، قبل مقاربتها من الناحية العملة (المبحث الثاني).

المبحث الأول – المقتضيات المتعلقة بتزويج القاصر في مدونة الأسرة

نصت الفقرة الأولى من المادة 20 من مدونة الأسرة على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية[9] المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه[10]، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
وذهبت الفقرة الثانية من نفس المادة إلى أن المقرر القضائي الصادر بالاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر لا يقبل أي طعن.
ويبقى زواج القاصر موقوفا على موافقة نائبه الشرعي، وتتم موافقة هذا الأخير بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد حسب ما يستفاد من الفقرة الأولى من المادة 21 من المدونة؛
أما إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة فإن قاضي الأسرة المكلف بالزواج يتولى البت في هذا الموضوع طبقا للفقرة الثانية من المادة 21 من مدونة الأسرة.
ويستفاد من المقتضيات القانونية المشار إليها أعلاه أن مسطرة الإذن بزواج من لم يبلغ سن الزواج المحدد في 18 سنة شمسية كاملة تتم كما يلي:

المطلب الأول : طلب الحصول على الإذن بزواج القاصر ومشتملاته

من أهم مميزات مدونة الأسرة كونها أخضعت إمكانية تزويج القاصر للرقابة القضائية القبلية، حيث ينبغي أن يقدم هذا الطلب أمام قاضي الأسرة المكلف بالزواج، ويتعين أن يكون مكتوبا ومؤدى عنه الرسوم القضائية[11] ويحمل توقيع كل من القاصر ونائبه الشرعي، ويجب أن يشتمل على هوية القاصر طالب الإذن بالزواج وهوية نائبه الشرعي، ويبين الطلب بإيجاز دواعيه والأسباب المبررة له، ويتعين إرفاقه بالمستندات التي ينوي الطالب استعمالها لتأييد طلبه، وتتمثل خصوصا في نسخة موجزة من رسم ولادة القاصر، وشهادة طبية تؤكد أن طالب الزواج يتوفر على علامات البلوغ البيولوجية.
بعد ذلك تتم إحالة طلبات الإذن بزواج قاصر على قسم قضاء الأسرة، وتسجل في سجل خاص معد لهذا الغرض، وتقيد حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها وتاريخ التأشير عليها بكتابة الضبط بعد أداء الرسوم القضائية عليها، ويفتح لكل طلب ملف خاص به يحمل نفس الرقم الذي خصص له الطلب في السجل المذكور، ثم يعرض على قاضي الأسرة المكلف بالزواج للبت فيه.
ويتولى قاضي الأسرة المكلف بالزواج دراسة كل طلب على حدة[12]، ويلجأ إلى الاستماع إلى أبوي القاصر أو نائبه الشرعي، حتى يتسنى له تكوين فكرة ولو مبدئية حول الوسط الاجتماعي لطالب الزواج، وماهية الأهداف المرجو تحقيقها من زواج القاصر، كما يستمع للقاصر حتى يتعرف على مدى رغبته في الزواج وما إذا كانت إرادته سليمة من الإكراه، ويتأتى للقاضي تبعا لذلك تكوين قناعته بخصوص السن التقريبي لطالب الزواج ومدى إدراكه العقلي وأهليته لتحمل المسؤولية.
وفي سبيل التأكد من كون القاصر قادر على الزواج بدنيا ومعنويا، أعطت مدونة الأسرة الإمكانية لقاضي الأسرة المكلف بالزواج للاستعانة بخبرة طبية أو اللجوء إلى إجراء بحث اجتماعي، إذ يمكن للقاضي في حالة شكه في واقعة البلوغ أن يلجأ إلى خبرة طبية يعهد بما إلى أحد الخبراء المتخصصين ما دام الأمر يتعلق بمسألة تقنية يرجع أمر الحسم فيها إلى أهل الاختصاص من الأطباء، ويتعين على الخبير أن ينجز تقريرا مفصلا على ضوء الفحوصات التي خضع لها القاصر، ويعطي في الأخير وجهة نظره بشأن الحالة المعروضة عليه[13].
وفي الغالب الأعم يمكن الاستغناء عن إجراء الخبرة الطبية إذا تبين للقاضي من خلال وثائق الملف أو من خلال الاستماع إلى القاصر أن هذا الأخير بلغ مبلغ الزواج.
ويمكن أيضا اللجوء إلى إجراء بحث اجتماعي للتعرف على الحالة الاجتماعية والثقافية والسلوكية لطالب الزواج، إذ أن الزواج لا يستلزم فقط النضج البدني بل يتطلب النضج الفكري والاستعداد المعنوي لتحمل مسؤولية إنشاء أسرة.
وبالتالي يمكن للقاضي أن يتولى إجراء بحث بنفسه ويحرر به محضرا بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، ويتضمن تفاصيل دقيقة حول القدرات العقلية والفكرية للقاصر، وحالته المادية والمعنوية ووسطه الاجتماعي، وطباعه الشخصية وسلوكه وسيرته الأسرية. ويمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يصدر أمرا تمهيديا بإجراء البحث المذكور إلى جهة أخرى كالسلطة المحلية مثلا، أو إحدى الجمعيات المتخصصة في شؤون الأسرة والأمومة، وفي هذه الحالة يتعين أن يحدد في أمره المذكور النقط التي سيشملها البحث بدقة متناهية[14].
وهكذا إذا ثبت للقاضي بعد استيفاء الإجراءات المذكورة أن تحقق البلوغ الشرعي للقاصر وأن مصلحته تكمن في هذا الزواج، وأن المعني بالأمر واع بمقاصد الزواج وغاياته، وله القدرة على تحمل جميع مسؤولياته البدنية والمعنوية، فإنه يأذن له بالزواج بواسطة مقرر معلل غير قابل للطعن، وفي حالة عدم استجابة طلب الإذن بالزواج للشروط المتطلبة في المادة 20 فعليه أن يرفض الطلب بمقرر معلل أيضا حتى يتأتى لمن له المصلحة الطعن فيه[15].

المطلب الثاني : موافقة النائب الشرعي للقاصر على الزواج

لقد نصت المادة 21 من مدونة الأسرة على أن زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي وأن هذه الموافقة تتجلى في توقيع هذا الأخير مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وكذا في حضوره إبرام العقد بعد منحه الإذن.
وما يلاحظ على هذه المادة أن المشرع المغربي استعمل مصطلح النائب الشرعي والذي يشمل بالإضافة إلى الولي الوصي والمقدم طبقا للمادة 230 من مدونة الأسرة، بينما كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في فصلها التاسع تستعمل مصطلح الولي وهو ما كان يؤدي إلى الاعتقاد بأن الموافقة على زواج القاصر تقتصر على الأب أو الأم، وإن كان هناك من يعتقد أن الولي المنصوص عليه في الفصل التاسع إنما يقصد به ولي المال الذي يكون إما الأب أو الوصي الذي يعينه الأب عند موته أو الذي يقدمه القاضي ليتولى رعاية شؤون القاصر الذي لا أب ولا وصي له، ونظرا لكون أن طلب الإذن بزواج القاصر كان يقدم من طرف الولي الشرعي للقاصر فإن ذلك كان يخلق العديد من الإشكالات للقضاة في الجمع بين صفة الولي الشرعي المقدم للطلب وصفة الولي الشرعي في الزواج، غير أنه بدخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ ثم رفع هذا الإشكال ولا يخفى ما لهذا المقتضى الذي جاء به المشرع في المادة 21 من مدونة الأسرة من أهمية بالغة، في كونه يمكن قاضي الأسرة المكلف بالزواج من استخلاص الأسباب والمبررات الداعية إلى هذا الطلب ومدى توافق رأي كل من القاصر ونائبه الشرعي حول مسألة زواجه وبالتالي يمكنه من الوقوف على المصلحة المنشودة من وراء هذا الزواج.
غير أن التساؤل الذي يبقى مطروحا يتجلى في الحالة التي يرفض فيها النائب الشرعي للقاصر تمثيل هذا الأخير أمام القضاء وذلك بعدم توقيعه معه في الطلب، فهل يمكن القول بأن هذا القاصر لا يمكنه تقديم طلبه بصفة شخصية على اعتبار أن  مقتضيات المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة  والمصلحة و الأهلية تجعله غير قادر على رفع مثل هذا الطلب لوحده[16] أم أن مقتضيات المادة 22 من مدونة الأسرة تجعله يكتسب حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من التوضيح بداية بأنه لا مجال للاحتجاج بمقتضيات المادة 22 من مدونة الأسرة التي لها مجال تطبيقها الخاص وذلك نظرا لكونها تتحدث عن الزوجين والحال أن هذه الصفة لا تكتسب إلا من تاريخ الإشهاد على الزواج هذا من جهة، كما أنه من جهة أخرى فإن هذه المادة إنما تتحدث عن الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي فيما يخص آثار عقد الزواج من حقوق والتزامات فقط ولم تعترف بهذه الأهلية فيما يتعلق بإنشاء هذا العقد.
ورغم التبريرات السابقة فإنه لا يجب أن يفهم من ذلك أن الطلب المقدم شخصيا من القاصر مآله عدم القبول، ذلك أنه ينبغي الرجوع إلى المغزى والغاية من توقيع النائب الشرعي على طلب الإذن بزواج من هو تحت نيابته والذي يكمن في موافقة النائب الشرعي، فتوقيع هذا الأخير على الطلب إنما هو دليل على موافقته على زواج القاصر الذي تحت ولايته، غير أن موافقة النائب الشرعي ليست هي الفيصل في منح الإذن من عدمه، مادام أن قاضي الأسرة المكلف بالزواج سيبت في الملف برفض منح الإذن أو الاستجابة للطلب سواء أرفق الطلب بموافقة النائب الشرعي أو امتنع هذا الأخير عن ذلك.
والجدير بالذكر أنه يجب أن يؤخذ الامتناع على إطلاقه، سواء أكان صريحا كأن يؤشر على الطلب بما يفيد عدم الموافقة وإما أن يكون ضمنيا بالامتناع عن التوقيع مع القاصر على الطلب.
ومن نافلة القول إن المشرع المغربي في المادة 21 من مدونة الأسرة وإن اشترط موافقة النائب الشرعي  في تزويج القاصر الذي هو تحت ولايته بتوقيعه وحضوره مجلس العقد وذلك من أجل الوقوف على المصلحة ولاستجلاء العناصر الكافية لتحديد المصلحة في زواج القاصر فإنه لم يجعل من هذا الإجراء أو الشرط أمرا لازما بحيث لا يترتب على موافقة النائب الشرعي للقاصر على زواج هذا الأخير منح الإذن ,وهو ما يتضح بالفعل من خلال القراءة المتأنية للمادة 21 في فقرتها الأخيرة والتي تنص على أنه:
"إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع"،
فما يمكن استنتاجه من خلال المادة 21 من مدونة الأسرة أنه في حالة امتناع النائب الشرعي عن تزويج القاصر الذي تحت ولايته، كان لهذا الأخير رفع طلب الإذن له بالزواج مباشرة إلى قاضي الأسرة المكلف بالزواج الذي عليه أن يبت فيه وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 20 من مدونة الأسرة وذلك إما بترجيح رأي النائب الشرعي إذا وجدت مبررات معقولة لامتناعه أو بترجيح رأي القاصر الراغب في الزواج إذا رأى مصلحة في ذلك.
وهكذا فإنه على القاضي في جميع الأحوال مراعاة المصلحة والضرورة والاستثناء الذي تجعله يوافق أو يرفض هذا الطلب، وذلك مهما كانت حجة المعارض وأسباب اعتراضه، الشيء الذي يوضح وبما لا يدع مجالا للشك أن في جعل الأمر بيد القضاء عند امتناع النائب الشرعي عن الموافقة على زواج القاصر هو أمر معقول، لأن استقلال النائب الشرعي في التصرف دون مراقبة القضاء من شأنه أن يجعل فكرة الولاية تنقلب من فكرة حماية الصغير إلى فكرة حرمانه من حريته.[17]وهو ما يظهر بوضوح في أحد المقررات الصادرة عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بالناظور بت فيه القاضي بالقبول على الرغم من معارضة أب القاصرة على اعتبار أن هذا الأخير كان قد ادعى أن الخطيب يكبر ابنته سنا وانه سبق له الزواج وانه رجل غير صالح ,لكن بعد الاستماع إلى تصريحات الأم وبعد إجراء بحث اجتماعي تأكد أن الأب أمسك عن الإنفاق على ابنته منذ أن طلق أمها , وان ادعاءاته حول الخاطب كانت مجانبة للصواب, لأن نتيجة البحث الاجتماعي أوضحت أن هذا الأخير ذو أخلاق حسنة وانه كفء للخطيبة[18].
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان المشرع المغربي قد تطرق إلى الحالة التي يمتنع فيها النائب الشرعي عن الموافقة للقاصر بالزواج، فإنه لم يتطرق صراحة إلى الحالة التي يرغب فيها النائب الشرعي في تزويج من تحت ولايته لأسباب يراها جدية، في حين يرفض هذا الأخير مبدأ الزواج لأسباب تخصه كرغبته في متابعة الدراسة أو لعدم استعداده ماديا ومعنويا على تحمل مسؤوليات الزواج لصغر سنه.
غير أنه وإن لم ينص صراحة على هذه الحالة، فإنه تطرق لها ضمنيا من خلال مقتضيات المادة 20 من مدونة الأسرة والتي حدد فيها المشرع مجموعة من المعايير والوسائل من أجل تسهيل العملية على القاضي للوقوف على المصلحة المرجوة من زواج القاصر، فإن تحقق من وجود هذه المصلحة استجاب لطلب النائب الشرعي في تزويج القاصر حتى وإن رفض هذا الأخير في حين إذا تبين للقاضي عدم جدية الأسباب التي اعتمدها النائب الشرعي لتبرير طلبه بتزويج القاصر كأن يتبين له مثلا أن الأسباب إنما تقوم على تحقيق مصالح شخصية للنائب الشرعي في حين قد تضر مصالح القاصر، ففي هذه الحالة يمتنع القاضي عن منح الإذن ويقضي برفض الطلب.

المطلب الثالث : الوسائل القضائية المعتمدة لمنح الإذن بزواج القاصر

حددت مدونة الأسرة مجموعة من الوسائل التي يعتمد عليها القاضي عند البت في ملف زواج القاصر أهمها الاستماع لأبويه أو نائبه الشرعي، وإجراء بحث اجتماعي وكذا إجراء خبرة طبية.
  1. الاستماع لأبوي القاصر: يقوم قاضي الأسرة المكلف بالزواج عند بته في ملف زواج القاصر بإجراء مهم يتجلى في الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، وهذا ما يستفاد من صياغة المادة 20 من مدونة الأسرة التي جاءت على سبيل الوجوب، والتي تنص على أنه "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي."
فقاضي الأسرة المكلف بالزواج ملزم بالقيام بهذا الإجراء وذلك حتى يقف عند المصلحة المتوخاة من وراء هذا الزواج، والأكيد أن هذا الاستماع يفيده مبدئيا في تكوين فكرة حول الزواج المطلوب وأطرافه وفرص تحقق نجاحه، كما أنه يمنح للقاضي صورة تقريبية عن السن الحقيقي للقاصر في حالة وقوع خطأ مادي في سجلات الحالة المدنية وإدلاء القاصر بعقد ولادة يتضمن بأنه دون أهلية الزواج، وهكذا يتأتى له البحث في هذه المسألة من خلال المقارنة بين مختلف الوثائق الإدارية المدلى بها أو من خلال الإطلاع على كناش الحالة المدنية.
كما أن هذا الاستماع تقتضيه المسؤولية المشتركة لأبوي القاصر في تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال والتشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال طبقا للفصل 51 من مدونة الأسرة.
  1. البحث الاجتماعي : يمكن البحث الاجتماعي القاضي من الوقوف على مدى استعداد القاصر لإنجاح الزواج، وبالتالي تحمل المسؤوليات المترتبة عنه، ومن تم فهو يوضح مدى فهم القاصر لمقاصد الزواج، كما أن هذا البحث يستعين به القاضي للتعرف على الحالة المادية والمعنوية لعائلة القاصر , والبحث عن وسطه الاجتماعي وكذا عن مستواه الأخلاقي ويفيد هذا الجانب من الأبحاث القاضي في استخلاص مدى استعداد القاصر وحرصه على الالتزام باحترام الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين وقدرته على تربية أبنائه تربية حسنة[19].
  2. الخبرة الطبية : تعتبر من المستجدات الهامة التي أقرتها مدونة الأسرة، وجعلتها وسيلة تمكن القاضي من تكوين قناعته فيما يخص منح الإذن بزواج القاصر من عدمه، فهي تمكنه من التأكد من نضج القاصر وأهليته الجسدية الشيء الذي يساعده في اتخاذ ما يراه مناسبا على ضوء ما تأكد له من وجود المصلحة أو انتفائها.[20] ومن خلالها يتأكد القاضي من قابلية القاصر للزواج، ومن المعلوم أن إجراء الخبرة مسألة فنية، يحيل القاضي القاصر بشأنها إلى خبير محلف حيث يرجع الحسم فيها إلى ذوي الاختصاص من الأطباء،[21] حيث يتعين على الخبير إجراء الفحوصات السريرية اللازمة والتي ينجز على ضوئها تقريرا مفصلا يحدد فيه بدقة ووضوح المعطيات التي اعتمدها والخلاصة التي توصل اليها بشأن الحالة المعروضة عليه. غير أن التساؤل الذي يطرح هو إلى أي حد يمكن اعتبار تقرير الخبير مقيدا لسلطة قاضي الأسرة المكلف بالزواج في منح الإذن بزواج القاصر؟
للجواب عن هذا التساؤل لا بد من التأكيد بأن قناعة القاضي تبقى هي الأساس في منح الإذن، وبالتالي فإن تقرير الخبير لا يلزمه في شيء وإنما هو مجرد إمكانية منحها المشرع للقاضي من أجل الاعتماد عليها في بناء قناعته ليس إلا، كما أن الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية يجعل القاضي غير ملزم بتقرير الخبير.[22]
ففعلا إن تقرير الخبير الذي يؤكد عدم قدرة القاصر على الزواج يكون من الصعب ـ أو من غير المعقول ـ استبعاده من طرف القاضي وعدم الأخذ به، إلا أنه رغم ذلك تبقى السلطة التقديرية للقضاء في هذا المجال جد واسعة حيث يمكن للقاضي رفض طلب زواج القاصر الذي أثبتت الخبرة الطبية قدرته على الزواج كما لو كان صغيرا مثلا.
وفي هذا الصدد ذهبت استئنافية طنجة إلى تأييد الحكم الرافض منح الإذن للقاصر بالزواج، رغم كون تقرير الخبرة الطبية قد أثبت أن لها القدرة الكافية على الوطء والنضج والأهلية الجسمانية لتحمل تبعات الزواج، ومما جاء في حيثيات هذا القرار: "وحيث إن أهلية الزواج تكتمل عند تمام السن الثامنة عشر من عمر الذكر والأنثى... والمشرع المغربي لما حدد سن الزواج في 18 سنة لم يفصل ذلك عبثا، اذ أن الزواج يقتضي أن يكون المقبل عليه تتوفر فيه الكفاءة والقدرة البدنية والعقلية ومدى استطاعته وتحمله لأعباء الحياة الزوجية، وهذه المواصفات لا تتوافر إلا في الإنسان الذي يكتمل نضجه جسديا وعقليا وتقديره لأمر ما هو مقبل عليه، وعند مخالفة هذه القاعدة فإنه يمكن النزول عن الحد الأدنى لسن الزواج ببيان أسباب ودواعي تبرر الإسراع في تزويج القاصر والمستأنف اعتمد في تبرير طلبه على موجب العنت والمحكمة بعد إطلاعها على الموجب عدد 745 صحيفة 412 فإن شهودها لم يتبينوا بوضوح ما هو السبب الداعي إلى تزويج البنت... كما أن الشهادة الطبية وكذا التقرير الطبي وإن كان في صالح البنت، فإن المحكمة ترى خلاف ما يهدف إليه الطلب لكون البنت لازالت في سن مبكرة 14 سنة، وأن مصلحتها تقتضي عدم الزج بها في مشاكل الحياة الزوجية... الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف الذي قضى برفض الطلب قد صادف الصواب فيما قضى به ويتعين تأييده." [23]
وهو نفس التوجه الذي أيدته محكمة الاستئناف بوجدة في أحد قراراتها و جاء فيها:"...وحيث إنه وفق وثائق الملف وخاصة تاريخ ازدياد البنت أنها مازالت صغيرة ـ 14 سنة ـ وغير قادرة على تحمل أعباء الزواج ومسؤولياته الجسام وأن آراء الأطباء هو رأي استشاري لا غير مما يكون معه الحكم المستأنف قد صادف الصواب وتعين معه تأييده في جميع ما قضى به..." [24]
وفي هذا الإطار هناك من يذهب للقول بأنه لا ضرورة للجوء قاضي الأسرة المكلف بالزواج لإجراء خبرة طبية، إلا إذا دعت الحاجة والضرورة القصوى لذلك، كما في حالة الغموض التام أو الشك الذي يرقى إلى مرتبة اليقين، وذلك حتى لا يتنازل القاضي عن اختصاصه لهذا الأخير. غير أن هذا الرأي يبقى محل نظر، مادامت الخبرة الطبية تشكل وسيلة يستعين بها القاضي في مسألة فنية، وعليه فإن الاستعانة بالخبير لا تشكل تنازلا للقاضي عن اختصاصه، لأن الخبير يبقى مقيدا بالأمور الفنية ولا يتجاوز ذلك إلى النقط القانونية[25].
والجدير بالذكر أنه من الناحية العملية غالبا ما يتم الاعتماد على الخبرة الطبية من أجل منح الإذن بزواج القاصر، وهو ما نلمسه من خلال الإطلاع على الكثير من الأذون بزواج القاصر على صعيد المملكة، حيث جاء في أحد المقررات الصادرة عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بالرباط[26] "...وبناء على الخبرة الطبية المؤرخة في... والمنجزة من طرف الطبيب الخبير... والتي مفادها أن القاصرة قادرة على الزواج والحمل" كما جاء في مقرر آخر: "وبناء على الخبرة الطبية المؤرخة في 12/03/2007 المنجزة من طرف الطبيب الخبير... والتي مفادها أن القاصرة قادرة على الزواج ولا يمنعها أي مانع فيزيولوجي".[27]
فمن خلال هذين المقررين نستنتج أن قاضي الأسرة المكلف بالزواج قد استند في منح الإذن بزواج القاصر لمعيار الخبرة الطبية، ولم يلتفت إلى إجراء البحث الاجتماعي حيث استشف مصلحة القاصر في الزواج انطلاقا من الخبرة.
وجاء في مقرر آخر صادر عن قسم قضاء الأسرة بالناظور: "وبناء على تصريح أبوي القاصرة... وبناء على الخبرة الطبية المؤرخة في 26/03/2008 المنجزة من طرف الطبيب الخبير... والتي مفادها أنها غير مؤهلة للزواج.. وحيث إن المعني بالأمر مولود بتاريخ 10/04/1993 حسب عقد ولادته... وحيث إنه استنادا على ما ذكر فإن المعنية بالأمر تعتبر غير مؤهلة للزواج وغير قادرة على تحمل أعبائه مما يتعين معه رفض الطلب"[28].
وجاء في قرار آخر: "حيث إن هذه المحكمة بعد إطلاعها على وثائق الملف ومحتوياته تبين لها من تقرير الخبرة المأمور بها من طرف القاضي على القاصرة أنها غير قادرة على الزواج، وحيث إن قاضي الأسرة المكلف بالزواج إن كان من صلاحياته الإذن بزواج القاصر بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، فإن ذلك مرهون بالاستماع إلى أبوي القاصرة والاستعانة بالخبرة الطبية والبحث قبل الاستجابة لطلب الإذن، وحيث إنه تبعا لما أسفرت عنه الخبرة المنجزة على القاصر، والتي تأكد على ضوئها عدم قدرة القاصرة على الزواج، وهذا سبب وجيه لرفض الإذن الشيء الذي يكون معه مقرر قاضي الأسرة في محله ويتوجب معه رد استئناف الجهة المستأنفة لعدم تأسيسه".[29]
فمن خلال هذا القرار يتبين أن قاضي الأسرة المكلف بالزواج رفض منح الإذن بتزويج القاصرة مؤسسا مقرره هذا على تقرير الخبرة الطبية الذي خلص إلى كون القاصرة غير مؤهلة لتحمل الأعباء الزوجية، ورغم ما قلناه من كون السلطة التقديرية للقاضي تلعب دورا حاسما في تقدير المصلحة التي هي مناط منح الإذن بزواج القاصر، فإن القاضي في هذا المقرر قد تأثر بنتيجة الخبرة، خاصة إذا كانت نتيجة هذه الأخيرة توضح كون القاصر غير مؤهل للزواج كما هو الشأن في نازلة الحال لأن منح الإذن للقاصر رغم كون الخبرة قد أثبتت عدم قدرته على الزواج يبقى أمرا غير مستساغ، بل غير معقول.
إن قاضي الأسرة المكلف بالزواج في حالة إذا ما رأى ضرورة إجراء خبرة طبية على القاصر للتأكد من نضجه وأهليته الجسدية، فإن عليه أن لا يبالغ في تحديد صوائرها، بل ويمكن لمن يعنيه الأمر الاستفادة من المساعدة القضائية لإنجاز هذه الخبرة.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من ينادي بأكثر من ذلك حيث يرى بأن مجرد معاينة القاصر والاستماع إلى تصريحاته توضح للقاضي ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والعائلية وبالتالي فإنه لا يجب إرهاق المواطنين بتكليفهم باللجوء إلى الخبرة وما يترتب على ذلك من تنقلات وإرهاق جسدي ومادي، خصوصا وأنه قد ثبت أن أغلبية ملفات زواج القاصرين يوجد أصحابها بالبوادي والقرى التي لا أطباء فيها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن تقاعس المعني بالأمر عن إنجاز الخبرة المأمور بها داخل الأجل يجعل طلبه يواجه بعدم القبول فقد جاء في أحد المقررات الصادرة عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج في قسم قضاء الأسرة بسلا: "...وحيث إن تخلف القاصرة وعدم إنجاز الخبرة الطبية المأمور بها جعل الطلب بالتالي يسير على خلاف المسطرة القانونية المرعية في نوازل الحال ويجعل مآله عدم القبول".[30]
وما يمكن استنتاجه مما سبق، هو أن المشرع أعطى لقاضي الأسرة المكلف بالزواج سلطة تقدير المصلحة لمنح الإذن للقاصر بالزواج عن طريق منحه وسيلتي البحث الاجتماعي والخبرة اللتان يعتمد عليهما من أجل تكوين قناعته وذلك على سبيل التخيير.
غير أن هناك من يذهب إلى أنه كان من الأفضل لو لم يستعمل المشرع صيغة التخيير وأوجب على القاضي القيام بالإجراءين معا، ويجد هذا الرأي سنده في الاختلاف بين الإجراءين من حيث أهدافهما فإذا كان البحث الاجتماعي يمكن القاضي من الوقوف على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعائلية للراغب في الزواج، فإن الخبرة الطبية تلعب دورا أساسيا في تحديد القدرات الجسدية والنفسية للقاصر المقبل على الزواج.

المبحث الثاني : الواقع العملي لزواج القاصرات - عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة.

ان تطبيق مدونة الأسرة زهاء مدة عشر سنوات كشف عن واقع مرده تنامي في حالات تزويج القاصرات، في الوقت الذي استمرت فيه المؤشرات العامة المتعلقة بمتوسط سن الزواج عموما لدى كلا الجنسين تؤكد الارتفاع الكبير في سن الزواج. مما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب هذا الاقبال المكثف على ابرام هذا النوع من الزواج.

المطلب الأول  : أرقام ومعطيات حول زواج القاصرات

يظهر تقرير المندوبية السامية للتخطيط الصادر سنة 2011 والمتعلق باتجاهات تطور الزواج والطلاق عند المرأة المغربية، الارتفاع الكبير لمتوسط سن الزواج لدى المغاربة، فبالنسبة للنساء انتقل من 17.5 سنة 1960 إلى 26.3 سنة 2011، في مقابل 24 سنة بالنسبة للرجال كمتوسط لسن الزواج سجل لدى هذه الفئة سنة 1960، وهو الرقم الذي ارتفع تدريجيا ليصل إلى 31.2 سنة 2011، وهو ما يظهر بتفصيل من خلال الجدول التالي:
 
  1. السن المتوسط للزواج الأول لدى الجنسين :
السنوات 1960 1971 1982 1994 2004 2007 2010 2011
الذكور
العدد الاجمالي
24 25 27.2 30 31.2 31.8 31.4 31.2
الانات
العدد الاجمالي
17.5 19.3 22.3 25.8 26.3 27.2 26.6 26.3
الذكور
الوسط الحضري
24.4 26 28.5 31.2 32.2 32.9 32.5 32.5
الانات
الوسط الحضري
17.5 20.9 23.8 26.9 27.1 27.9 27.4 27.2
الذكور
الوسط القروي
23.8 24.8 25.6 28.3 28.5 30.2 30 29.5
الانات
الوسط القروي
17.2 18.5 20.8 24.2 25.5 26.3 25.6 25.3
 
 
ان القراءة الأولية لتطور متوسط الزواج الأول لدى الجنسين بالمغرب يؤكد المنحى التصاعدي لسن الزواج الذي ارتفع ما بين 1960 و2011، كما أنه يكشف عن وجود تبياين بين الجنسين.
ففي سنة 1960 كان سن الزواج الأول لدى الذكور لا يتجاوز 24 سنة، في مقابل 17.5 بالنسبة للإناث، وارتفع متوسط سن الزواج بشكل تصاعدي لدى كلا الجنسين حيث أصبح محددا 31.2 بالنسبة للذكور، و26.3 بالنسبة للإناث.
ويمكن تفسير سبب هذا الارتفاع بعدة مبررات أهمها تزايد الاقبال على التعليم وهو ما أدى إلى التأخير في الزواج، وارتفاع متطلبات الزواج، وانتشار ظاهرة العزوف أو عدم القدرة على الزواج، فضلا عن أسباب اقتصادية متعددة تكمن في ارتفاع معدلات البطالة...
ويكشف تحليل الجدول أعلاه وجود اختلاف بين المعدلات المسجلة بين الوسطين الحضري والقروي، حيث ارتفع سن الزواج لدى الانات بالعالم القروي إلى 25.3، في مقابل 29.5 لدى الذكور. بينما سجل الارتفاع وثيرة أكبر في العالم الحضري حيث بلغ هذا السن 32.5 بالنسبة للذكور و27.2 بالنسبة للإناث .
ان هذه الأرقام التي تؤكد وجود مؤشر عام يتجه نحو ارتفاع سن الزواج لدى كلا الجنسين بالمغرب تصطدم بمؤشر آخر يعكس واقعا اجتماعيا لا يساير هذا التحول مفاده ارتفاع معدلات تزويج القاصرات.
 
  1. معدلات زواج القاصر خلال عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة[31]:
السنوات 2004
 
2005 2006 2007 2008 2009 2010 2011 2012 2013
عدد رسوم زواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية 18341 21660 26520 29847 30685 33253 34777 39031 34166 35152
نسبة التغيير ـــــــــــ 18% 22% 13% 3% 8% 5% 12% %12.46- 2.85%
مجموع رسوم الزواج 263574 244795 272989 297660 307575 314400 313356 325415 311581 306533
نسبة رسوم الزواج دون سن الأهلية من مجموع رسوم الزواج 7.75% 8.84% 9.71% 10.02% 9.97% 10.58% 11.10% 11.99% 10.97% 11.47%
 

فمن خلال هذا الجدول يلاحظ أن مؤشرات زواج القاصر بالمغرب تتجه عموما نحو الارتفاع من سنة لأخرى، حيث انتقل العدد المسجل من 18341 زواجا سنة
2004 وهو تاريخ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، إلى 35152 زواجا سنة 2013، وفي هذا السياق يلاحظ أن أكبر معدل تغيير تم تسجيله سنة 2006 حيث ارتفعت مؤشرات زواج القاصر مقارنة مع العام السابق 2005 بنسبة 22% ، بينما سجل أدنى معدل تغيير سنة 2012 حيث تم تسجيل نسبة انخفاض هذه الزيجات مقارنة مع سنة 2011 بحوالي %12.46- ، وهكذا تم ابرام 34166 زواج قاصر سنة 2012 مقابل ابرام 39031 عقد زواج خلال سنة 2011. أما سنة 2013 فقد ارتفع مجددا العدد حيث تم ابرام 35152 عقد زواج أي بنسبة تغيير عن السنة التي قبلها بلغت 2.85%.
ورغم ارتفاع حالات زواج القاصر فإن نسبته من العدد الاجمالي لرسوم الزواج لم يسجل ارتفاعا كبيرا خلال السنوات السبع الأخيرة، إذ شكلت سنة 2007 ما نسبته 10.02%، وسنة 2008 ما نسبته 9.97%، وسنة 2009 ما نسبته 10.58%، وسنة 2010 ما نسبته 11.10%. بينما سجلت نسبة 11.99% سنة 2011، وقد انخفضت هذه النسبة سنة 2012 إلى 10.97%، لتعاود الارتفاع من جديد سنة 2013 حيث سجلت 11.47%.
 
  1. طلبات زواج القاصر من حيث القبول والرفض :
السنوات 2006 2007 2008 2009 2010 2011 2012 2013
عدد الطلبات المسجلة 3012 38710 39604 47089 44572 46927 42783 43508
عدد الطلبات المقبولة 26919 33596 35043 42741 41098 42028 36791 37183
عدد الطلبات المرفوضة 3064 4151 4377 4047 3474 4899 5992 6325
نسبة القبول 88.81% 86.79% 88.48% 90.77% 92.21% 89.56% 85.99% 85.46%
نسبة الرفض 10.11% 10.72% 11.05% 8.59% 7.79% 10.44% 14.01% 14.54%
 
ان الملاحظة الأولية التي تظهر من خلال هذا الجدول تكمن في أن أغلب طلبات زواج القاصر يتم قبولها من طرف القضاء، فنسبة قبول طلبات زواج القاصر مرتفعة كثيرا مقارنة مع نسبة الرفض.
وهكذا بلغ عدد الطلبات المرفوضة من طرف القضاء سنة 2013 ما مجموعه 6325 أي بنسبة 14.54% وهي أعلى نسبة رفض سجلت خلال عشر سنوات. في المقابل تم قبول 85.46% من هذه الطلبات خلال نفس الفترة.
 
  1. طلبات زواج القاصر حسب جنس الطالب :
السنوات الإناث الذكور المجموع
2007 38331 379 38710
2008 39296 308 39604
2009 46915 174 47089
2010 44134 438 44572
2011 46601 326 46927
2012 42677 106 42783
2013 43416 92 43508
 
يظهر الجدول التالي أن طلبات زواج القاصرات تشكل النسبة الأكبر من طلبات الزواج دون سن الأهلية، حيث لم تتعدى طلبات الذكور 92 طلبا في سنة 2013 ، مقابل 43 ألف و508 طلبا للإناث، مما يؤكد تأنيت ظاهرة زواج القاصر.
 
  1. طلبات زواج القاصر حسب السن :
السنوات 14 سنة 15 سنة 16 سنة 17 سنة 18 سنة
2007 348 2730 9865 25767 38710
2008 348 2609 12550 24097 39604
2009 359 3111 12407 31211 47088
2010 69 555 8374 32100 41098
2011 309 2676 12771 31171 46927
2012 200 2405 10958 29220 42783
2013 97 1515 13010 28886 43508
المجموع 1730 15601 79935 202452 299718
النسبة 0.58% 5.21% 26.67% 67.55% 100%
 
يبرز هذا الجدول أن طلبات الإذن بزواج القاصر خلال السبع سنوات الأخيرة تتوزع بين سن 14 و17 سنة بنسب مختلفة، إذ أن طلبات القاصرين الذين يصل سنهم إلى 17 سنة تشكل النسبة الأكبر بمجموع وصل إلى 202452 طلبا خلال السبع سنوات الأخيرة، أي بنسبة 67.55%، في حين بلغت طلبات من يصل سنهم إلى 16 سنة خلال نفس المدة 79935 طلبا بما يشكل نسبة 26.67%، وقد بلغت طلبات القاصرين في سن 15 سنة، 15601 طلبا بنسبة 5.21%، في حين لم تتجاوز طلبات من يبلغ سنهم 14 سنة حوالي 1730 طلبا بنسبة 0.58 % من مجموع الطلبات المقدمة للمحاكم خلال السبع سنوات الأخيرة.
 
  1. طلبات زواج القاصر حسب وسط الاقامة :
السنوات البادية المدينة المجموع نسبة طلبات سكان البادية نسبة طلبات سكان المدينة
2007 20324 18386 38710 52.50% 47.50%
2008 23157 16447 39604 58.47% 41.53%
2009 29373 17715 47088 62.38% 37.62%
2010 25283 19289 44572 56.72% 43.28%
2011 24761 22166 46927 52.76% 47.24%
2012 21903 20880 42783 51.20% 48.80%
2013 20976 22532 43508 48.21% 51.79%
 

إذا كان الاعتقاد السائد يذهب لاعتبار زواج القاصر بالمغرب يبقى ظاهرة قروية بامتياز فإن المؤشرات العددية تؤكد عدم وجود اختلاف واضح بين الوسطين القروي
والحضري بخصوص معدلات الزواج دون سن الأهلية خلال السنوات الأخيرة، إذ عرفت سنة 2012 نسبة اقبال على هذا النوع من الزواج تكاد تكون متساوية بين سكان القرى والمدن، حيث بلغ عدد طلبات زواج القاصر المقدمة من سكان البوادي 21903 طلبا بنسبة 51.20%، بينما بلغ عدد الطلبات المقدمة من سكان البوادي 20880 طلبا بنسبة 48.80%.
ونفس التقارب في العدد تمت ملاحظته سنة 2011 بتسجيل 24761 طلبا خاصا بسكان البوادي بنسبة 52.76%، و22166 طلبا خاصا بسكان المدن بنسبة 47.21%، بينما كان الفارق بين الوسطين القروي والحضري واضحا خلال السنوات السابقة حيث سجل سنة 2010 ما مجموعه 25283 طلبا خاصا بسكان البادية بنسبة 56.72%، مقابل 19289 طلبا مقدما من طرف سكان المدن بنسبة 43.28%، وبلغ عدد طلبات سكان البوادي سنة 2009 ما مجموعه 29375 بنسبة 62.38%، في مقابل 17715 طلبا مقدما من ساكنة المدن بنسبة 37.63%.
وعموما إذا كانت جميع السنوات من 2007 إلى 2012 شهدت تفوق طلبات زواج القاصر المقدمة من طرف سكان البادية مقارنة مع سكان المدن فإن المفارقة التي يمكن الوقوف عليها سجلت سنة 2013 حيث أن عدد طلبات سكان المدن فاق نظيره الخاص بسكان البادية،إذ سجل هذا الأخير 20976 طلبا بنسبة بلغت 48.21%، في حين سجل 22532 طلبا مقدما من طرف سكان المدن بنسبة 51.79%.

6- طلبات زواج القاصر حسب النشاط المهني :
السنوات المشتغلون بدون مهنة المجموع
2007 598 38112 38710
2008 419 39185 39604
2009 134 46955 47089
2010 266 44306 44572
2011 717 46210 46927
2012 199 42584 42783
2013 31 43477 43508
 
يظهر الجدول التالي المتعلق بالنشاط المهني لطالبي الاذن بزواج القاصرات أن المشتغلين منهم يشكلون نسبة منخفضة جدا مقارنة مع الأشخاص الذين لا يتوفرون على مهنة. حيث بلغ عدد المشتغلين سنة 2013 على سبيل المثال ما مجموعه 31 شخصا فقط، في مقابل 43477 طلبا قدم من طرف قاصرين بدون مهنة. وهذا أمر طبيعي طالما أن الشخص دون سن الثامنة عشر يعتبر في نظر القانون لا يزال قاصرا وبالتالي لا يجوز تشغيله إلا وفق مسطرة خاصة.
المطلب الثاني  : قراءة في أرقام ومعطيات زواج القاصرات بالمغرب
تظهر الأرقام الرسمية المتعلقة بزواج القاصر مند دخول مدونة  الأسرة لحيز التطبيق وجود اتجاه عام يؤكد ارتفاع هذه الظاهرة التي تمس أساسا الإناث[32]، ويلاحظ من خلال الوقوف على عدد من نماذج مقررات الاذن بزواج القاصرات الصادرة عن أقسام قضاء الأسرة المختلفة أن الأذون الممنوحة في هذا الإطار غالبا ما تكون معللة بما يلي :
 
  • المصلحة الفضلى للفتيات في الزواج والتحصين وحمايتهن،
  • انقطاع الفتيات عن الدراسة،
  • عدم امتهانهن لأي عمل،
  • ضعف الحالة المادية للوالدين،
  • عادات أهل المنطقة التي دأبت على تزويج الفتيات في سن مبكرة خوفا عليهن من العنوسة..
إن مثل هذه المبررات وان كانت مقبولة من أجل تعليل المقررات القضائية الصادرة بهذا الشأن إلا أنها تدفع لطرح المزيد من الاشكالات، من قبيل كيف يمكن أن يكون انقطاع الفتاة عن الدراسة مبررا لتزويجها؟ ألا يعد ذلك سببا من أجل البحث عن سبل لاعادة الفتاة المنقطعة عن المدرسة إلى فصول الدرس والتحصيل من أجل تحصينها معرفيا وتمكينها عوض الزج بها في علاقة زوجية قد لا تدرك جسامتها؟ وكيف يستقيم القول بكون عادات المنطقة دأبت على تزويج الفتيات في سن مبكر، هل المطلوب من القانون الاسهام في تغيير بعض العادات الضارة والسيئة، أم الاكتفاء بشرعنة هذه العادات والاستسلام لها؟، هل ضعف الحالة المادية للوالدين سبب كاف للقبول بتزويج البنات القاصرات؟ ألا يمكن أن يؤدي التسليم بهذا التوجه إلى اضفاء نوع من الطبقية والتراتبية الاجتماعية على بعض بنود مدونة الأسرة، هل الهشاشة الاقتصادية لكثير من الأسر يمكن معالجتها فقط بحلول ترقيعية من قبيل تزويج الفتيات اللواتي ينتمين لأوساط اجتماعية فقيرة وهشة أم أن ذلك يستدعي التفكير في استراتيجيات اجتماعية وتنموية للفئات الأكثر هشاشة؟ هل فعلا المصلحة الفضلى للفتاة القاصر تستدعي العمل على تزويجها؟ وما هي الآليات المكفولة للقضاء من أجل استجلاء المظاهر الحقيقية لهذه المصلحة والتأكد من وجودها؟ ألا ينبني زواج القاصرات على عدد من المخاطر من قبيل تعريضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتحميلهن مسؤولية فشل هذه العلاقة الزوجية غير المتكافئة في ظل مجتمع يحمل المرأة دوما مسؤولية فشل الزواج وينظر بارتياب كبير للمرأة المطلقة؟ من جهة ثانية لا بد من الاعتراف بأن الأرقم الرسمية المتعلقة بزواج القاصرات لا تعكس حجم هذه الظاهرة بشكل دقيق لأسباب عديدة، على رأسها وجود نسبة من هذه الزيجات تتم بشكل غير موثق[33] في البوادي والأرياف والقرى، بل وحتى داخل المدن، فغياب جزاء قانوني لعدم توثيق عقد الزواج يشجع الكثير من أولياء أمور الفتيات القاصرات على تزويجهن بالفاتحة، لا سيما في حالة صدور مقرر قضائي برفض منح الاذن.
وإذا كان المادة 16 من مدونة الأسرة تسمح بمعالجة هذه الحالات بشكل لاحق من خلال اعطاء الشرعية لهذه الزيجات التي تمت في غفلة عن القانون، فإن انتهاء الأجل المحدد في هذه المادة انعكس سلبا على وضعية الفتيات القاصرات خصوصا اللواتي زوجن بالفاتحة، فمجرد خلاف بسيط بين الزوجة وبين زوجها أو بينها وبين أهله، كاف برميها في الشارع في غياب أي وثيقة تؤكد وجود العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها، وحتى في حال انجابها لأبناء فإن عدم مبادرة الزوج بالاعتراف بنسب هؤلاء الأبناء لديه من خلال اللجوء للإقرار بالنسب سيجعله في حل من كل الالتزامات القانونية اتجاه أبنائه، مما يؤكد هشاشة الأسر المبنية على الزواج غير الموثق.
وهي ذات الملاحظة التي يمكن ابداؤها بخصوص وضعية الأسر التي يكون أحد طرفيها قاصرا –وفي الغالب الأعم الزوجة- فرغم غياب أي احصائيات رسمية دقيقة وواضحة بخصوص ظاهرة طلاق القاصرات التي تعتبر ظاهرة بادية للعيان بعدد من المحاكم، فالجهاز الاحصائي التابع لوزارة العدل والحريات لا يزال يغفل هذا المعطى الهام من المؤشرات العددية التي يقوم برصدها بشكل سنوي.
لكن العمل القضائي بعدد من أقسام قضاء الأسرة، يكشف عن حقيقة مفادها أن نسبة كبيرة من حالات زواج القاصرات تنتهي بالفشل سواء بعد بلوغ الزوجات سن الرشد القانوني أو حتى قبل ذلك، وهو ما تترجمه حالات لجوئهن للقضاء بشكل مكثف لطلب التطليق لسبب من الأسباب المحددة قانونا، أو لرفع دعاوى تتعلق بآثار عقد الزواج لا سيما تلك المتعلقة بواجب الانفاق أو السكن، الشيء الذي يدفع لطرح اكثر من تساؤل حول أسباب فشل هذه الزيجات ؟
ان المتتبع لتنامي مؤشرات زواج القاصرات بالمغرب يؤكد أن الأمر تخطى مستوى الظاهرة وأصبح يشكل ثقافة موجودة ومترسخة داخل أوساط عديدة ولا سيما في المناطق القروية، وبهوامش المدن وهي المناطق التي افتقدت منذ عقود لبرامج اجتماعية تنموية تمكن أولياء الفتيات القاصرات من ضمان مستقبل أفضل لبناتهم إذ يبقى الحل الأوحد المتاح لهم هو تزويجهن للتخلص من أعباء آنية وللهروب من حالة الفقر والتهميش التي يعانون منها، إلا أن واقع الحال قد يؤدي إلى نتائج عكسية في حال فشل هذا الزواج – وهو ما يحدث في كثير من الأحيان بسبب هشاشة الأسر المبنية على حالات زواج قاصر - إذ يضطر أولياء أمور هؤلاء الفتيات إلى تحمل أعباء مضاعفة، حيث تصبح أسرة الفتاة القاصرة التي طلقت ملزمة بتحمل أعبائها وأعباء الأبناء الذين قد ينتجون من علاقة لم تكتب لها فرص النجاح، خاصة أمام هشاشة الأوضاع المادية للأزواج وللأسر عموما، مما يحول زواج القاصرات إلى نواة لظهور أمراض اجتماعية أخرى..
ان النقاش المفتوح على الصعيد الوطني والذي تشارك فيه كل القوى الحية والفاعلة في البلاد وكذا الفعاليات المهتمة بالشأن الأسري والذي يتزامن مع حدثين مهمين : الأول له علاقة بالحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة والتي يروم تقوية سلطة القضاء، والثاني المتعلق بحدث تخليد الذكرى العاشرة لصدور مدونة الأسرة ، هو نقاش يصب في اتجاه محاولة فهم هذه الظاهرة التي أضحت تبرز بقوة داخل عدة اوساط مجتمعية وتثير عدة اشكاليات على مستوى الممارسة والبحث عن سبل مواجهتها بالشكل الأسلم، ولعل أغلب المقترحات المقدمة في هذا الصدد تركز على دور الاصلاح التشريعي في سد الثغرات المسجلة على مستوى التعامل مع ظاهرة زواج القاصرات[34]، حيث تقترح عدة جهات تحديد سن أدنى للزواج لا يتعدى 16 أو 17 سنة، وتقييد السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للقضاة من أجل منح اذن بزواج القاصر، وإلزامية القيام بالخبرة الطبية اللازمة، وإلزامية الاستعانة أيضا بالخبرة الاجتماعية المتخصصة كعنصر أساسي يدخل ضمن العناصر المكونة للسلطة التقديرية للقاضي.

المطلب الثالث : مقترحات لمعالجة ظاهرة زواج القاصرات 

في الوقت الحالي تبدو هناك عدة سيناريوهات للتعامل مع موضوع زواج القاصرات بحسب مطالب الفعاليات الحقوقية المهتمة بالموضوع، حيث يمكن أن نميز بين توجهين:
-توجه أول : يدعو إلى حذف المقتضيات القانونية التي ترخص بزواج القاصرات[35]؛ وهو توجه يبدو مستبعد التطبيق لعدة اعتبارات منها ما هو داخلي يتعلق بالواقع المعاش الذي لا يزال يقبل بتزويج القاصرات ومن ثم يكمن الحل في محاولة تقييد هذه الممارسة، قبل محاولة العمل على منعها، كما أن التشريعات المقارنة حتى في البلدان المتقدمة تسمح بالنزول استثناء على السن المحددة للزواج لتحقيق مصلحة القاصر أو لمواجهة بعض الحالات الاستثنائية، وتقبل تزويج القاصر تحت مراقبة القضاء[36]، لكنها تقيد ذلك بعدة قيود قانونية كما أنها تتولى توفير الرعاية الاجتماعية للقاصر للحيلولة دون تعسف قد يطاله من وراء هذه الممارسة.
- توجه ثان : يدعو للإبقاء على الفصل 21 من مدونة الأسرة وإدخال تعديل تشريعي عليه، إما بوضع حد أدنى لسن تزويج القاصر محدد في 16 أو 17 سنة  لكلا الجنسين، أو تقييد السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء من خلال التنصيص على الزامية الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي[37].
وحتى تتضح الصورة مع الاعلان عن مضمون الاصلاح التشريعي المرتقب لمدونة الأسرة بعد مرور أزيد من 10 سنوات على دخولها حيز التنفيذ، يمكن تقديم بعض المقترحات لمعالجة مساطر زواج القاصر :

 
  1. توفير الامكانيات اللازمة لإجراء البحث الاجتماعي المتخصص :
من الناحية العملية وبالنظر لعدم توفر إمكانة إجراء بحث اجتماعي متخصص للتأكد مما إذا كانت الادعاءات المعتمدة في طلب تزويج القاصرة مقبولة قانونا وواقعا، يكتفي قاضي الأسرة في الإذن بتزويجها بالبحث الذي يجريه بنفسه بغرفة المشورة بالاستماع إلى تصريحات الخطيبين وأولياء أمور القاصر، ويستأنس ببعض المعطيات التي تحصلت لديه من خلال هذا البحث ولو من خلال تصريحات الأطراف وذلك من أجل تعليل الاذن الذي يصدره، من قبيل توفر القاصرة على القدرة الجسدية لتحمل أعباء وواجبات الزواج (ويستدل على هذه القدرة بكون الفتاة صامت خلال شهر رمضان لسنتين متتاليتين...)، أو وجود روابط عائلية بين المخطوبين، أو كون عادات أهل المنطقة تسمح بتزويج الفتيات في مثل سن الفتاة المعنية؛ أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفتاة القاصر؛ أو اقتراب القاصرة من السن القانوني للزواج، لكنه على أرض الواقع لا يتأكد من صحة المعطيات التي يطرحها الأطراف ومن مدى وجود مصلحة القاصر في هذا الزواج، ولا حتى من شرط الامكانيات المالية والاستعداد النفسي وهو ما يفرض بالضرورة الاستعانة بالبحث الاجتماعي المتخصص وتوفير مساعدات اجتماعيات يتولين اعداد تقارير حول ظروف كلا الخطيبين ودراسة أوضاعهما الاجتماعية والعائلية ومدى استعداد كلا الطرفين الراغبين في ابرام عقد زواج لتأسيس أسرة يكون أحد طرفيها لا يزال قاصرا. ولا شك أن التقارير التي ستنجز في هذه الأحوال ستسهم في توفير أرضية صلبة يعتمد عليها القاضي في بناء قناعاته لمنح الاذن بزواج قاصر من عدمه.

 
  1. التنصيص على الزامية الخبرة الطبية ؛
رغم أن الخبرة الطبية تعتبر من بين الوسائل التي يعتمد عليها القاضي لتكوين قناعته لمنح الاذن بتزويج القاصر من عدمه، إلا أنه من الناحية العملية لا يلجأ لإعمالها في جميع الأحوال لعدة اعتبارات، من بينها مشكل مصداقية بعض الشواهد الطبية المدلى بها.

 
  1. الحرص على التكوين المستمر للقضاة وتشبعهم بمبادئ حقوق الانسان للمرأة والنوع الاجتماعي؛
كان من أبرز النتائج التي خلصت إليها عدد من البحوث الميدانية حول حصيلة تطبيق مدونة الأسرة خلال العقد الأول لصدورها استمرار الدور السلبي لبعض القيم الأبوية والتقاليد الراسخة في أوساط المهن القضائية التي تقاوم التغيير الذي أحدتته مدونة الأسرة حيث "ينزع بعض القضاة إلى الالتزام بالتقسيم التقليدي بين الفضاء العام الذي يسيطر عليه الذكور والفضاء الخاص المخصص للإناث"، وهو ما يجعلهم لا يستحضرون فلسفة مدونة الأسرة القائمة على المساواة بين الجنسين ومبادئ الانصاف ومن أمثلة ذلك التطبيع مع ظاهرة العنف ضد المرأة خاصة العنف الأسري واعتبار ذلك أمرا مقبولا ويدخل ضمن نطاق ما للزوج من سلطة لتأديب زوجته في اطار المعروف، والتردد في التعامل بصرامة مع زواج القاصرات أو التطبيع مع ظاهرة تعدد الزوجات والتوسع في تفسير مفهوم المبرر الاستثنائي الموضوعي بقبول أي سبب يثيره الزوج الراغب في التعدد، والاكتفاء بالموافقة الشكلية للزوجة الأولى التي تكون في كثير من الأحيان مضغوط عليها ولو بطريقة غير مباشرة حيث تضطر إلى قبول فكرة التعدد حفاظا على أسرتها من التفكك، وبالتالي فإن من شأن التفكير الجدي في تنظيم دورات تكوين مستمر للقضاة والفاعلين في أوساط المهن القضائية تركز على التربية على قيم المساواة بين الجنسين وفلسفة النوع الاجتماعي وحقوق الانسان للمرأة، ودعم القضاء المتخصص اعطاء دفعة قوية لتطبيق مدونة الأسرة التطبيق الأسلم .

 
  1. تجريم زواج القاصر بشكل غير قانوني ؛
ان رفض طلبات الاذن بزواج القاصر من طرف أقسام قضاء الأسرة لا يعني بالضرورة استسلام الأطراف لهذا القرار القضائي، إذ يمكنهم التحايل على المقرر القاضي برفض الطلب، من خلال الاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة، ثم التقدم في وقت لاحق على ذلك بطلب أمام المحكمة من أجل استصدار حكم بتوثيق هذه العلاقة الزوجية في اطار المادة 16 من مدونة الأسرة-في حالة تعديلها وتمديد الفترة الاستثنائية لمدة جديدة- وهو ما يحدث في كثير من الأحيان ، لذا لا يمكن ضمان الاحترام الأمثل للضمانات التي وضعها المشرع لتنظيم مسطرة زواج القاصر إذا لم يتدخل بنص تشريعي آمر يقضي تجريم كل حالات التحايل على القانون عامة، وتجريم حالة التحايل على المقتضيات المتعلقة بزواج القاصر، لأن من شأن التساهل مع هذه الظاهرة أن يؤدي إلى التطبيع معها وتفشي ظواهر أخرى قد يكون من بينها التشجيع على زواج الأطفال، وإمكانية الزج بهم في شبكات الاتجار بالبشر خاصة وأن من أبرز مظاهر هذا النوع من الاجرام المنظم الاتجار بالبشر بهدف الزواج خاصة تزويج القاصرات[38].

 
  1. اعتبار طلاق القاصر طلاقا تعسفيا موجبا للتعويض :
يفترض  في زواج القاصر أنه استثناء من قاعدة عامة مفادها عدم ابرام عقد الزواج إلا بين شخصين بالغين لسن الرشد القانوني المحدد في 18 سنة، وذلك بالنظر إلى أهمية هذا العقد وخطورة الآثار المترتبة عليه والتي تتعلق بإنشاء أسرة وما يترتب عنها من أوضاع قانونية وحقوق، لذا فإن الشخص الراشد الذي يسلك مسطرة زواج القاصر يفترض فيه العلم بأن الطرف الذي ينوي الارتباط به لا يزال قاصرا وبالتالي يتعين عليه تحمل مسؤولية اختياره، بل والوفاء بالتزاماته أمام المحكمة التي منحت الاذن بالزواج في هذه الحالة بعدما تبين لها وجود مصلحة للقاصر من مثل هذا الزواج، إلا أنه على أرض الواقع مثلما أضحت حالات زواج القاصر في تزايد مستمر أمام أغلب أقسام قضاء الأسرة فإنه ثمة ظاهرة أخرى لا تكاد تخطؤها العين المجردة تتعلق بطلاق القاصر، إذ أن عددا كبيرا من حالات الطلاق والتطليق تكون نتيجة فشل زيجات كانت الزوجة فيها قاصرا وهو ما يؤكد أن الاذن القضائي الذي منح في تلك الحالات لم يكون مؤسسا على معطيات موضوعية، وأن الزوج الذي سلك مسطرة زواج القاصر لم يتحمل التزاماته اتجاه القانون بضمان مصلحة الزوج القاصر في هذا الزواج، ومن أجل التصدي لظاهرة طلاق القاصر أضحت بعض أقسام قضاء الأسرة تعتبر طلب انهاء عقد الزواج المقدم من طرف الزوج بمثابة انهاء تعسفي للعلاقة الزوجية، وفي هذا السياق يمكن الاشارة إلى نماذج لأحكام صادرة عن بعض أقسام قضاء الأسرة التي تبنت هذا الموقف من بينها الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالناظور والذي حدد مبلغ المتعة الواجبة للزوجة في 60.000 درهم معللا ذلك بكون الطلاق تم بالارادة المنفردة للزوج ومدة الزواج لم تتعدى شهرين، كما أن الزوجة كانت قاصرا، الأمر الذي اقتضى رفع مقدار المتعة[39]..

 
  1. تدعيم الاصلاح التشريعي بتحفيز جهود التنمية للنهوض بوضعية الأسرة في جميع المجالات :
إن الأرقام الرسمية تؤكد أن زواج القاصرات لا يعتبر ظاهرة قروية بامتياز وإنما هي موجودة أيضا داخل المدن سواء الكبرى منها أو الصغرى وقد أسهم في تفشيها تنامي ظاهرة الهجرة القروية، لذلك يبقى الاقتصار على مقاربة الاصلاح التشريعي من خلال التدخل بتعديل جديد يضع حدا أدنى لسن الزواج بتحديده في 16 أو 17 سنة قاصرا عن التصدي للظاهرة إذا لم يتم التفكير في ايجاد حل لها من جذورها، وذلك بالتفكير في سبل النهوض بالعالم القروي من خلال ايجاد البنيات التحتية الكفيلة بإدماجه في التنمية والنهوض بواقع المرأة والأسرة القروية عموما، وضمان تمدرس وتنمية أبناء العالم القروي دون تمييز قائم ولو من الناحية الواقعية بين الجنسين ، والاهتمام أيضا بالفئات والأوساط الأكثر هشاشة داخل المدن وإيجاد محفزات تدفع الأسر لحت بناتها خصوصا وأبنائها عموما لعدم الانقطاع عن الدراسة حتى لا يبقى الزواج المبكر الخيار الوحيد المطروح أمام الفتاة وأسرتها للهروب من واقع مرير قائم على الفقر والحرمان والتهميش إلى واقع قد يكون أكثر مرارة يتجسد في بناء أسرة على أسس هشة وضعيفة  وقائمة على حيف في حق أحد أطرافها الذي لا يستطيع تحمل أعباء الزواج باعتباره لا يزال طفلا في حاجة إلى الرعاية فبالأحرى أن يتحمل مسؤولية عقد زواج اعتبره الله عز وجل ميثاقا غليظا بين الزوجين، أو تحمل أعباء أسرة اعتبرها المشرع قائمة على أساس الرعاية المشتركة للزوجين.

خاتمة :

عموما لا بد من الاعتراف بأن مشكلة زواج القاصر هي مشكلة مركبة يختلط فيها البعد الاجتماعي بما هو اقتصادي وثقافي وقانوني وبالتالي فإن ايجاد حلول آنية لها لا يمكن أن يتحقق بمجرد اللجوء إلى الحل التشريعي وإنما لا بد من اعتماد مقاربة شمولية وهنا لا بد من التفكير في القيام بدراسات اجتماعية تستهدف فهم هذه الظاهرة وأسباب تفاقمها في وقت تراجعت فيها معدلات الزواج عموما وارتفعت نسبة الوعي .
ان النقاش الذي أثير في الآونة الأخيرة حول موضوع زواج القاصر في المغرب ركز في جانب كبير منه على الممارسة القضائية حيث حملها مسؤولية تفشي الظاهرة، والحال أن القضاء لا يعدو أن يكون مجرد قناة لتطبيق القانون، وبالتالي لا بد من استحضار النص القانوني الموجود وهو نص لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرتفع عن الواقع.
ومن ثم فّإن المقاربة الواجب اعتمادها لمعالجة هذا الموضوع ينبغي أن تكون شاملة تستحضر الجانب القانوني إلى جانب المعطى السوسيوثقافي للمجتمع المغربي .
 


 
 
[1]- القانون رقم 70.03 الصادر بمقتضى ظهير شريف رقم 1.04.22 صادر في 12 ذي الحجة 1424 الموافق لـ 03 فبراير 2004، منشور بالجريدة الرسمية ع 5184 بتاريخ 14 ذو الحجة 1424 (5 فبراير 2004)، ص 419.
[2]- أكدت عدد من المؤتمرات الدولية التي نظمت من طرف منظمة الأمم المتحدة في سياق جهودها الرامية للنهوض بوضعية المرأة، على ضرورة رفع سن الزواج ، نظرا للمخاطر التي تهدد زواج الصغار، ومن ذلك ما جاء في تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، المقام ببكين في  الفصل الرابع – جيم - الفقرة 93 : "إن الأوضاع التي تضطر الفتيات إلى الزواج والحمل، والولادة في وقت مبكر، تشكل مخاطر صحية جسيمة، ولا يزال الحمل المبكر يعوق إحداث تحسينات في الوضع التعليمي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة في جميع أنحاء العالم، وبصورة عامة فإن الزواج المبكر والأمومة المبكرة للشابات يمكن أن يحدا قدرة كبيرة من فرص التعليم و العمل، ومن المرجح أن  يتركا أثرا ضارا طويل الأجل على حياتهن وأطفالهن".
واهتمت الفقرة 107 من تقرير المؤتمر بضرورة "إعطاء الأولوية إلى كل من البرامج التعليمية الرسمية وغير الرسمية ، التي تدعم المرأة و تمكنها من تنمية احترام الذات، واكتساب المعرفة، واتخاذ القرارت وتحمل المسؤولية فيما يتعلق بصحتها مع التركيز بصورة خاصة على البرامج الموجهة إلى كل من الرجل والمرأة، والتي تؤكد على القضاء على الزواج المبكر بما في ذلك زواج الأطفال."
وقد خلص المؤتمر إلى ضرورة "سن القوانين المتعلقة بالحد القانوني الأدنى لسن الرشد، والحد الأدنى لسن الزواج، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة ورفع الحد الأدنى لسن الزواج عند الاقتضاء".
وفي نفس السياق أوصت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في التوصية  العامة رقم 21 الدورة الثالثة عشرة لسنة 1992 بما يلي : "– المادة 16 (2)  36 – يحث إعلان وبرنامج عمل فيينا اللذين اعتمدهما المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا في الفترة من 14 إلى 25 يونيو 1993، الدول على إلغاء القوانين و الأنظمة القائمة ، ونبذ الأعراف و الممارسات التي تميز ضد الطفلة و تسبب لها أذى . و المادة 16 (2) و الأحكام الواردة في إتفاقية حقوق الطفل تمنع الدول الأطراف من السماح بالزواج للأشخاص اللذين لم يبلغوا سن الرشد، و من المصادقة على صحة هذا الزواج ، و في سياق اتفاقية حقوق الطفل : "يعني الطفل كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره ، ما لم يكن سن الرشد محددا بأقل من ذلك في القانون المنطبق عليه ."
 وبصرف النظر عن هذا التعريف، ومع أخذ اللجنة أحكام إعلان فيينا في الإعتبار ، فهي ترى وجوب أن يكون الحد الأدنى لسن الزواج هو ثمانية عشرة سنة لكل من الرجل و المرأة ، ذلك أن زواج الرجل و المرأة يرتب عليهما مسؤوليات هامة ، وبالتالي ينبغي ألا يسمح بالزواج قبل بلوغهما سن النضج الكامل و الأهلية الكاملة للتصرف. وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنه عندما يتزوج القصر، و لاسيما الفتيات و ينجبن أطفالا، فإن صحتهن يمكن أن تتضرر و يمكن أن يتعطل تعليمهن، و نتيجة لذلك يصبح استقلالهن الاقتصادي مقيدا.
37– وهذا لا يؤثر على المرأة شخصيا فحسب بل يحد أيضا من تنمية مهاراتها و استقلالها ، و يقلل من فرص حصولها هلى العمل، ومن ثم يؤثر تأثيرا ضارا على أسرتها و مجتمعها المحلي .
38- و تحدد بعض البلدان سنا لزواج الرجل تختلف عن سن زواج المرأة ، و بما أن  مثل تلك الأحكام تنطوي على افتراض خاطئ مؤداه أن معدل النمو الفكري لدى المرأة تختلف عنه لدى الرجل أو أن طور النمو البيئي والفكري عند الزواج لا أهمية له ، فلا بد من إلغائها.
وفي بلدان أخرى يسمح بقيام أفراد الأسرة بإجراء خطوبة الفتيات أو بمواعدة بالزواج نيابة عن الفتاة ، ومثل تلك التدابير لا تخالف الاتفاقية فحسب بل و تتعارض أيضا مع حق المرأة أن تختار شريكها بحرية.
39- وينبغي أيضا للدول الأطراف أن تشترط تسجيل جميع الزجات سواء كانت بعقود مدنية أو بعقود عرفية، أو للشرائع الدينية ، فبذلك يمكن للدولة أن تكفل الإمتثال للاتفاقية ، أن تقييم المساواة بين الشريكين و تضع حدا أدنى لسن الزواج...وتكفل حماية حقوق الطفل ."
-أنظر لمزيد من التفاصيل :
- أنس سعدون: واقع المرأة من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة- اعلان بكين نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأسرة المغربي والمقارن، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2007-2008.
[3]- اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 دجنبر 1979، ودخلت حيز التنفيذ في 3 شتنبر 1981، وقد صادق عليها المغرب في 12 يونيو 1993، ودخلت حيز التطبيق في 21 يوليوز 1993، ونشرت   في الجريدة الرسمية في 26 دجنبر 2000.
[4]ـ - اعتمدتها الجمعية العامة بتاريخ 20 يونيو 1989، ودخلت حيز التنفيذ دوليا بتاريخ 2 شتنبر 1990، وصادق عليها المغرب في 14 يونيو 1993، وصدرت بالجريدة الرسمية في 19 دجنبر 1996 تحت رقم 4440.   
[5]- تنص المادة 21 من مدونة الأسرة على أنه : "زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي.
تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد.
إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع".
[6]- عمل مؤتمر بيجين على الربط بين ظاهرة الفقر ومفهوم النوع الاجتماعي الذي يظهر الدور البارز للمفاهيم الثقافية والتنشئة الاجتماعية في تزايد الفقر على المرأة دون الرجل، وهو ما يظهر من خلال ظاهرة أخرى وهي تأنيث الفقر التي تنتشر في أجزاء واسعة من دول العالم الثالث، والتي تؤكد أن الفقر يصيب النساء بوثيرة أكبر من الرجال، لعدة اعتبارات من بينها صعوبة وصولهن إلى الموارد الاقتصادية، والاكراهات التي تواجه تمكينهن من الحق في الصحة والتعليم. أنظر لمزيد من التفاصيل :
- عبد الرزاق الفارس: الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، فبراير 2001، ص 71.
[7]- يقصد بالصور النمطية مجموعة التمثلات والصور الجاهزة والأحكام المسبقة التي يتم انجازها وترويجها في محيط ثقافي تمييزي بين الجنسين، وتتنوع مصادر هذه الصور حيث نجدها في الثقافة العالمية وأيضا في الانتاجات الثقافية الشعبية، وفي الشارع، وفي الصحافة وباقي وسائل الاعلام، وبالمناهج التعليمية، وتجد صداها أيضا في بعض الخطابات الدينية..، وتتغذى الصور النمطية من واقع التمييز الذي تعاني منه النساء، لكنها تساهم في تبرير ذلك الواقع واعادة انتاجه ، باعتبارها تشكل جزء من متخيل الأفراد الذي يضفي المعنى على موافقتهم وسلوكاتهم، ولذلك فإن محاربتها تتطلب عملا ثقافيا وتربويا شموليا على المدى المتوسط والبعيد، يساهم في اقرار قيم وثقافة المساواة وتغيير العقليات.
- أنظر لمزيد من التفاصيل :
- كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين : الاستراتيجية الوطنية من أجل الانصاف والمساواة بين الجنسين بادماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية، ت.ط.غ.م، ص29 وما بعدها.
[8] - ليلى حنفي : دراسة حول تطبيق مدونة الأسرة بعد عشر سنوات من صدورها، أنجزت بتعاون مع المركز الدنماركي للمعلومات حول النوع الاجتماعي والمساواة والتنوع KVINFO  ، نونبر 2013.
[9]- إذا كانت مدونة الأسرة قد حددت سن الزواج في 18 سنة بالنسبة للجنسين، فإنه من المعلوم أن سن الزواج غير محدد في الشرع الإسلامي لا في الكتاب ولا في السنة. انظر:
أحمد الخمليشي: كلمة حول تأصيل المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة، مقال منشور في كتاب ثورة هادئة من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة 2004، ص 125.
عبد الهادي بوطالب: حقوق الأسرة وتحرير المرأة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2005، ص 87.
 [10]-يلاحظ أن اشتراط المشرع حصول القاصر على إذن بالزواج  يشكل حماية له من كل أشكال الاستغلال التي قد يتعرض لها، أنظر:
- تشوار الجيلالي: حماية الطفل عبر الاذن بالزواج، مقال منشور بالمجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول 2001، ص13.
[11]- يقصد بالرسوم القضائية المبلغ المالي الواجب أداؤه عند إقامة الدعوى أو تقديم طعن ضد حكم قضائي أو ممارسة أي إجراء قضائي من الإجراءات التي تتطلب بموجب نص في القانون تأدية مبلغ مالي. ويخضع استيفاء الرسوم القضائية عن الطلبات الرامية لتطبيق أحكام مدونة الأسرة عموما  لمقتضيات الفقرة الأولى  من الفصل 25 من القانون المالي لسنة 1984 المتعلق بتطبيق المصاريف القضائية، وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل قامت بتوجيه دورية في الموضوع إلى مختلف المحاكم تحت رقم 32س 4/2 بتاريخ 18 يونيو 2004.
حول هذا الموضوع أنظر:
- محمد القدوري: الرسوم القضائية في ضوء القانون المغربي، مقال منشور في مجلة الإشعاع، العدد 25، سنة 2005، ص 30 وما بعدها.
- محمد بلهاشمي التسولي: الإعفاء من أداء الرسوم القضائية ومجانية الدفاع في التشريع المغربي، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الثانية 2000، ص 145.
[12]- سنتطرق بتفصيل للآليات المتاحة للقاضي لإصدار الاذن بزواج القاصر في المطلب الثالت من المبحث الأول من هذه الدراسة.
[13] - أنظر لمزيد من التفاصيل حول مسطرة زواج القاصر في مدونة الأسرة:
- محمد الشتوي: الإجراءات الإدارية والقضائية لتوثيق الزواج،  المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ، الطبعة الأولى 2004، ص 147.
[14] - زهور الحر: زواج الفتاة القاصرة بين النص التشريعي والواقع العملي، مقال منشور ضمن مؤلف جماعي يحمل عنوان: "زواج المغتصبة والقاصرة بين النصوص القانونية والواقع العملي"، سلسلة ندوات محكمة الاستئناف بالرباط، العدد الخامس 2012، ص 62 وما بعدها.
[15] - محمد الشتوي: الإجراءات الإدارية والقضائية لتوثيق الزواج،  مرجع سابق،ص 148.
 
[16]- ينص الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية على أنه :  "لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة, والأهلية, والمصلحة, لإثبات حقوقه ".
[17]- إدريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي, الجزء الأول, مطبعة دار النشر الجسور بوجدة, الطبعة الأولى 2005، ص 70 وما بعدها.
[18] ـ مقرر صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بالناظور عدد 12/09 في ملف رقم 06/2009, غ.م
[19] ـ ان الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي يتقاطع مع البحث الاجتماعي في كونهما وسيلتين تمكنان القاضي من تكوين قناعته عن طريق المعاينة والاستماع مباشرة للمعني بالأمر غير أن الاختلاف الذي نجد بينهما يكمن في أن الأول ينصب على أبوي القاصر أو نائبه الشرعي في حين أن الإجراء الثاني ينصب على القاصر نفسه، كما أن الإجراء الأول هو إجباري في حين أن البحث الاجتماعي ما هو إلا إجراء اختياري يخضع لسلطة قاضي الأسرة المكلف بالزواج.
[20] ـ تعد الخبرة إجراء من إجراءات التحقيق، يعهد به القاضي إلى شخص مختص بمهمة محددة تتعلق بواقعة أو وقائع مادية، يستلزم بحثها وتقديرها لإبداء رأي يتعلق بها علما لا يتوافر في الشخص العادي ليقدم فيه رأيا فنيا لا يستطيع القاضي الوصول إليه. أنظر لمزيد من التفاصيل :
- محمود جمال الدين زكي، الخبرة في المواد المدنية والتجارية، مطبعة جامعة القاهرة، طبعة 1990 ص 11
[21] ـ تتم هذه الخبرة طبقا لمقتضيات الفصول 55 و59 وما يليه من قانون المسطرة المدنية.
[22] ـ تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "لا يلزم القاضي بالأخذ برأي الخبير المعين..."
[23]- قرار محكمة الاستئناف بطنجة رقم 401/05/7صادر بتاريخ 9/6/2005 في ملف رقم 164/05/7، أشار إليه الاستاذ إدريس الفاخوري ، العمل القضائي الأسري ، الجزء الأول الزواج ،إنحلال ميثاق الزوجية ، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى 2009ص35 و ما بعدها.
[24] ـ قرار محكمة الاستئناف بوجدة رقم 445 ف الملف عدد 781/7 صادر بتاريخ 04/05/2008 ، غ.م.
[25] ـ محمد الكشبور،  الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الاولى 2000، ص 96 وما بعدها.
[26]ـ مقرر صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بالرباط رقم 03 في ملف رقم 06/09 بتاريخ 06/01/2009, غ.م.
[27]ـ مقرر صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بالسمارة رقم 06/09 في ملف رقم 06/2009 بتاريخ 15/-3/2009, غ.م.
[28] ـ مقرر صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بالناظور رقم 230 في ملف رقم 198/8 بتاريخ 05/08/2008 , غ.م.
[29] ـ قرار صادر عن محكمة الاستئناف بوجدة بتاريخ 09/02/2005 في ملف عدد 580/04 منشور بالمنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل العدد 10، فبراير 2009 ص 29
[30] ـ مقرر صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بقسم قضاء الأسرة بسلا رقم 361 في ملف رقم 318/08  بتاريخ 08/10/2008 ،غ.م.
[31]- أنظر لمزيد من التفاصيل : إحصائيات وزار العدل والحريات المتعلقة بتطبيق مدونة الأسرة، ماي  2014.
[32]- فاطنة سرحان مختار الهراس : تطبيق قانون الأسرة المكتسبات والتحديات، طبع ونشر الفنك، 2006، ص  41.

[33] - صارة بن شويخ : نظام توثيق الزواج بين الثبات والتطور – دراسة مقارنة بين دول المغرب العربي، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون الخاص ، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، الموسم الجامعي 2013/2014، ص 05.

وأنظر لمزيد من التفاصيل :
- أنس سعدون : إشكالية إثبات العلاقة الزوجية قراءة على ضوء الجلسات التنقلية المتعلقة بثبوت الزوجية، المحكمة الابتدائية بأزيلال نموذجا، مقال منشور بكتاب "قضايا الأسرة اشكالات راهنة ومقاربات متعددة"، الجزء الثاني، منشورات مجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط، الطبعة الأولى 2015، ص 175.
 
[34]- عبد الحفيظ مشماشي : زواج القاصر بين مثالية وجاذبية الواقع، مقال منشور بالمجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء، العدد الأول، دجنبر 2012، ص 114.
[35] ـ أنظر على سبيل المثال ما ورد في المذكرة التي أنجزتها جمعية عدالة والتي جاء فيها ما يلي :"إلغاء المادة 21 من مدونة الأسرة المتعلقة بتزويج القاصرات"،
-جمعية عدالة : مذكرة حول المرجعيات والقواعد الأساسية لسلطة قضائية مستقلة، يونيو 2013، ص 34.
[36]- اذا كانت أغلب التشريعات الحديثة قد حددت سن الزواج في 18 سنة بالنسبة للجنسين معا تماشيا مع ما تقتضيه الاتفاقيات الدولية التي حددت أمد انتهاء الطفولة في هذا السن، إلا أن ذلك لم يمنع من تنصيص تشريعات عدد من البلدان الأورية على استثناءات تسمح بإبرام عقد الزواج قبل اتمام الفتاة أو الفتى لسن 18 سنة.
ففي القانون الفرنسي يمكن لوكيل الجمهورية لمكان ابرام عقد الزواج الاعفاء من شرط السن في حالة توافر أسباب جدية، ولا يتم الزواج في هذه الحالة إلا بموافقة أبوي القاصر، طبقا للمادتين 145 و148 من القانون المدني الفرنسي.
وفي القانون الاسباني يجوز ابرام عقد زواج حتى وان كان أحد طرفيه قاصرا وذلك متى توافرت أسباب وجيهة، وبعد صدور اذن قضائي وموافقة العائلة، طبقا للمادتين 45 و46 من القانون الاسباني.
وفي القانون البلجيكي يسوغ لمحكمة الشباب أن تمنح صلاحية تزويج من هم أقل من 18 سنة في حالة وجود أسباب خطيرة.
وعموما يمكن تصنيف الدول الأوربية إلى ثلاث مجموعات :
  • مجموعة أولى : حددت السن القانوني للزواج في 18 سنة، وحددت الاستثناء في 16 سنة بموافقة الوالدين أو المحكمة (ايطاليا، النرويج..)؛
  • مجموعة ثانية : حددت السن القانوني للزواج في 18 سنة، ولم تحدد السن الأدنى للزواج، وانما جعلت الأمر رهين موافقة الوالدين أو المحكمة. (فنلندا، ارلندا..)؛
  • مجموعة ثالثة : حددت السن القانوني للزواج في 18 سنة، وحددت الاستثناء في سن أدنى يتراوح ما بين 14 و15 سنة، وربطته بموافقة الوالدين أو المحكمة. (الدنمارك، جورجيا، استونيا..، ).
[37]ـ ان اشكالية عدم تحديد السن الأدنى الذي في اطاره يمكن الاذن بزواج القاصر شكلت موضوع جدل فقهي وقانوني وسياسي وحقوقي، إلى أن عرضت هذه المسألة على البرلمان المغربي خلال أوائل سنة 2013حيث تقدمت إحدى الفرق البرلمانية بمقترح قانون يرمي إلى تحديد السن الأدنى للزواج في 16 سنة، ونوقش المقترح المذكور بلجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين التي انتهت من مناقشته والتصويت عليه بالاجماع، ثم طرح للمناقشة أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، ليطلب أعضاء اللجنة المذكورة مهلة كافية لتعميق النقاش، وفي خضم مناقشة هذا المقترح تم طرح مقتضيات أخرى للتعديل تتضمنها المادة 21 من مدونة الأسرة تهم بالأساس الزامية الخبرة الطبية والزامية البحث الاجتماعي.وأن يراعي قاضي الأسرة المكلف بالزواج فارق السن بين الخطيبين.
-أنظر لمزيد من التفاصيل : وزارة العدل والحريات، ورقة حول زواج القاصر،  2014.
[38]- محمد مطر : المبادئ العامة حول تجريم الاتجار بالبشر وحماية الضحايا، ورشة عمل لفائدة القضاة منظمة من طرف هيأة الأمم المتحدة للمرأة بتعاون مع وزارة العدل والحريات بمراكش، 06 و07 يناير 2015.
[39]ـ حكم ابتدائية الناظور رقم 80 في الملف 429/04، بتاريخ 23-11-2004. غ.م.



الاربعاء 14 ديسمبر 2022

تعليق جديد
Twitter