MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حقيقة الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية

     


الوعبان لرباس

ماستر القضاء الإداري

جامعة محمد الخامس
كلية العلوم الٌقانونية والاقتصادية
والاجتماعية سلا



حقيقة الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية

" يمنع على المحاكم عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة أن تنظر ولو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شأنها أن تعرقل عمل الإدارات العمومية للدولة أو الجماعات العمومية الأخرى أو أن تلغي احدى قراراتها,

ولايجوز للجهات القضائية أن تبث في دستورية القوانين "
 
في هذا الشان اصدر المجلس الأعلى اصدر بتاريخ 24/2/1982 تحت عدد 117 قرارا يقضي طبقا لهذا الفصل بان على المحاكم أن لا تصدر أي أمر أو قرار يعوق عمل الإدارة العمومية وان القضاء الاستعجالي الذي لا يبت في الموضوع من مشمولات الفصل 25 ولهذا فالنزاع الذي ينشب بين الإدارة العمومية والأفراد يجب أن يحال على قاضي الموضوع طبقا للفصل 18 من قانون المسطرة المدنية.

وقد بنى المجلس رأيه على أن القضايا الإدارية التي تنشب بين الإدارة والأفراد أعطى فيها المشرع للقضاء نوعين أساسيين من الاختصاص.

 1)   قضاء الإلغاء.
2)   قضاء التعويض

فقضاء الالغاء مسند للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بمقتضى الفصل 353 من قانون المسطرة، وهو خاص بالطعن بالشطط في استعمال السلطة في المقررات الإدارية،

أما قضاء التعويض الذي هو قضاء عادي موضوعي فهو الذي يحتاج إلى تفصيل القول فيه ليتبين ما إذا كان قرار المجلس الأعلى صدر في اتجاه صحيح.

 وأساس القول في الموضوع هو  أن الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية عكس القانون الفرنسي اسند الاختصاص العام للمحاكم العادية في القضايا الإدارية، بحيث كان يمكن بمقتضى هذا الفصل ان تعتبر الادارة طرفا عاديا أمام القضاء وتعامل كما يعامل به الافراد العاديون، ولا تتمتع الادارة باي امتياز، وتوجه اليها الاوامر كما توجه الى الافراد، وتامر استعجاليا كما تامر الافراد، وتلغى قراراتها الادارية كما تلغى قرارات الافراد، الا ان المشرع حماية للادارة وتمتيعا لها بامتياز السلطة العمومية الساهرة على المرافق العامة استثنى من القاعدة عدة استثناءات ليس من اختصاص المحاكم العادية ان تنظر فيها، منها :

       
·
الطلبات التي من شانها ان تعرقل عمل الادارة العمومية للدولة ان للجماعات العمومية الاخرى، والمعنى واضح فكل طلب يرمي الى عرقلة العمل الاداري يمنع على القضاء نظره باي وجه من الوجوه ولو باستصدار قرار استعجالي، فللإدارة ان تواصل عملها لتحقيق اهدافها، وللافراد الذين يتضررون من اعمالها ان يلتجئوا الى القضاء العادي لاستصدار حكم بالتعويض كيفما كان مسلك الادارة الذي سلكته للقيام بعملها كان مشروعا او غير مشروع ( الفقرة الاولى من الفصل 25).

        ·القرارات الادارية التي تصدرها الادارة لا يسوغ للقضاء العادي ان ينظر في طلبات الغائها ( الفقرة الاولى من الفصل 25) واسند المشرع النظر فيها الى الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى ( الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية).

        ·دستورية القوانين والمراسيم لا يسوغ للقضاء العادي ان ينظر فيها ليتخذ قرارا بشانها، وانما الاختصاص في ذلك الى الجهات التي حددها الدستور.
فهذه استثناءات  منع المشرع القضاء العادي من النظر فيها، ولا ينبغي التمييز بينها فاذا ما سمح للقضاء ان ينظر في الطلبات التي تعرقل عمل الادارة فيجب بالتالي ان يسمح للقضاء بالغاء المقررات الادارية والحكم بعدم دستورية القوانين والمراسيم.

 ولأجل توضيح المدلول الحقيقي للفصل 25 من قانون المسطرة المدنية لا بد من الإشارة الى  ان الفصل 25 يفهم على أساسين :

        ·أساس تاريخي.
        ·أساس فقهي.

 الأساس التاريخي:

فالأساس التاريخي يوضح المدلول الحقيقي لهذا الفصل، فإذا ما علينا أن المصدر التاريخي لقانون المسطرة المدنية هو قانون المسطرة المدنية الملغى الصادر في 1913، وان مصدر القانون الملغى هو القانون الفرنسي، ومصدره التاريخي هو قانون الثورة الفرنسي، فيجب ايضا ان نتذكر واقع النظام القضائي العالمي :

ان للقضاء نظامين عالميين متميزين بعضهما عن بعض ومنهما اخذ العالم نظمه القضائية .

النظام الانجلوسكسوني الموحد

والنظام الفرنسي المزدوج.

فالنظام الموحد يمنح للمحاكم الموحدة النظر في جميع المنازعات كانت مدنية او ادارية، وللقضاء في هذا النظام سلطة واسعة على عمال الادارة وبالتالي على الادارة، فالقاضي يوجه اوامر مكتوبة الى الموظفين يتضمن أمرهم بفعل شيء او الامتناع عن فعل شيء فالمحكمة تعطي اوامر للموظف كما يفعل رئيس الادارة بالنسبة لمرؤسيه، وهذا تكون الادارة خاضعة للقضاء (1).

 اما النظام المزدوج فمحاكم ادارية تنظر في المنازعات الادارية ومحاكم عادية تنظر في منازعات الافراد. وهكذا يقوم على اساس وجود جهتين قضائيتين : جهة القضاء العادي التي تختص بنظر المنازعات التي تنشئ بين الافراد، وجهة القضاء الاداري وتنظر في المنازعات بين الادارة والافراد عكس النظام الموحد.

 وهذا النظام يقوم على اساسين : سياسي دستوري والاخر تاريخي .

فهو من ناحية يعتبر تطبيقا لمبدا الفصل بين السلطات الذي اعتنقه مشرعو الثورة الفرنسية، ومن ناحية اخرى يعتبر ابعاد لسلطة المحاكم القديمة (CES – PAFICEMENTS) في ظل العهد القديم السابق على الثورة واعتداءاتها المتكررة على الادارة وعرقلتها لنشاطها.

ويدعم هذا الاساس السياسي الدستوري اعتبار تاريخي فرجال الثورة الفرنسية كانوا يحملوا أسوأ الذكريات عن المحاكم القديمة فقد كانت تصرف في التدخل في اعمال الادارة الملكية، لذلك كان من اوائل القرارات التي اتخذتها الجمعية الوطنية التأسيسية الغاء هذه المحاكم، فقد انتقل سوء الظن وعدم الثقة الى المحاكم القضائية الجديدة التي حلت محل المحاكم القديمة، وجاء القانون الصادر في 16-24 غشت 1790 محققا لهذا الغرض بنصه على ان الوظائف القضائية متميزة وتظل دائما منفصلة عن الوظائف الإدارية.

 وقد فسر هذا النص على ان المحاكم ليس لها ان تنظر في القضايا او المنازعات الادارية لان ذلك يتيح لها فرصة فحص اعمال الادارة ومراقبة تصرفاتها ويجعل من المحاكم هيأة رئاسة تهيمن على الادارة، الامر الذي اراد المشرع استبعاده تحقيقا لاستقلال الادارة (2).

وتطور هذا النظام القضائي المزدوج من نظام الادارة القاضية الى القضاء الاداري المستقل المتخصص، ومع ذلك بقيت روح قانون 1790 مهيمنة على القضاء الاداري وبقي الحذر من سلطة القضاء العادي على الادارة بارزا في القوانين الفرنسية حتى لا تقع الادارة بصفة مباشرة تحت رقابة القضاء، وتبعا لذلك جاء المشرع في عهد الحماية ونص في الفصل الثامن من الظهير التاسيسي الصادر بتاريخ 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) على ما يلي:

في القضايا الادارية تخص المحاكم الفرنسية بالنظر في الدعاوي التي ترمي الي التصريح بمديونية الادارات العمومية بناء على عقود او اشغال او ضرر.

        ·يمنع على المحاكم المدنية ولو بصفة تبعية ان تامر باي اجراء من شانه عرقلة اعمال الادارات العمومية وذلك اما بعرقلة تنفيذ قراراتها واما باعطاء امر بإنجازه.هذا الفصل وإن ثم إلغائه لكن ظلت روحه مستمرة عبر مقتضيات الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية

 ففرنسا رغم انها اكثر دول العالم حرصا على نشر ثقافتها وبكل مظاهرها وإيصالها الى اكبر قدر من البلاد والعباد لم تتخل عن هذه القاعدة عندما استقرت لها الأمور في المغرب ولا فيما يتعلق بالقضاء الاداري فقد كان هذا القضاء قد وصل حينئذ الى درجة يجعل رقابته شديدة الوطأة على اعمال رجال الادارة حماية لحقوق المواطنين الفرنسيين وحرياتهم ولم يكن مقبولا الاعتراف بمثل هذه الحقوق للمغاربة. وبخاصة ان الاداري الفرنسية كانت تنوي عمل الكثير من اجل تشديد قبضتها على البلاد الامر الذي يستلزم اطلاق يدها في هذا شان بعيدا عن اية رقابة قضائية، وبخاصة اذا كانت من نوع الرقابة التي يمارسها مجلس الدولة الفرنسي.

 الا ان هذه الاعتبارات لم تمنع سلطات الحماية من الإيعاز بانشاء بعض المحاكم العادية التي سميت بالمحاكم الفرنسية وفقا للفصل 8 من ظهير التنظيم القضائي الصادر في 12 غشت 1913، وقد نص على اختصاصها وحدها بنظر جميع الدعاوي التي ترمي الى تقرير مديونية الادارات العمومية سواء بسبب تنفيذ العقود المبرمة من جانبها او بسبب الاشغال التي امرت فيها او بسبب أي عمل من جانبها ألحق ضررا بالغير ولا اختصاصها في جميع الدعاوي التي ترفعها الادارة على الافراد.

 ولكن وفي نفس الوقت فقد حرم على هذه المحاكم العمل على تعطيل نشاط الادارة او عرقلة اعمالها بصفة اصيلة او عرضية سواء بوضع العراقيل امام تنفيذ القرارات التي تصدرها او باقتضاء تنفيذ الاشغال العامة او وقف الاستمرار فيها او بتغيير مدى ونطاق الاشغال المذكورة او كيفية تنفيذها، وبعبارة موجزة ان جميع المحاكم في المغرب منعت من تنظيم دعاوي الغاء القرارات الادارية او نظر وقف تنفيذها وان كان ممكنا طلب التعويض عن بعض اعمال الادارة اذا ألحقت ضررا بالغير امام المحاكم الفرنسية، وجعلت الدعاوي الادارية ( المقصورة على قضاء التعويض وحده) دائما من اختصاص المحاكم الابتدائية من الدرجة الاولى مع جواز استئنافها ايا كانت قيمتها وان يكون للادارة وحدها حق الطعن امام محكمة النقض الفرنسية، وسمح سنة 1928 لموظفي الادارة أجانب ووطنيين بالطعن بالالغاء في القرارات الادارية الصادرة لتطبيق قانون الوظيفة العمومية بدعوى الشطط امام مجلس الجولة الفرنسي (3).

 وجاء المشرع في عهد الاستقلال ونص بنفس الحذر في الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الحالي الصادر بتاريخ 28/9/1974 والذي الغى الفصل الثامن المشار اليه قبل على :

يمنع على المحاكم  عدا اذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة ان تنظر ولو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شانها ان تعرقل عمل الادارات العمومية للدولة او للجماعات الاخرى او ان تغلي احدى قراراتها.

يمنع عليها ايضا ان تبث في دستورية قانون او مرسوم.

وعلى ضوء الاساس التاريخي للفصل 25 من قانون المسطرة المدنية نخلص الى القول بان استبعاد المشرع في عهد الثورة الفرنسية وبقانون 1790 نظر القضاء العادي في المنازعات الادارية وفي الطلبات التي ترمي الى عرقلة اعمالها، ثم انشاء الادارة القاضية، هو الذي استهدفه المشرع في عهد الحماية بالفصل الثامن من ظهير 1913، وبالتالي فهو الذي استهدفه المشرع في عهد الاستقلال بالفصل 25 من ظهير 1974، اذ ورد الفصل الثامن مثل ما ورد في قانون 1790 نصا وروحا وورد كذلك الفصل 25 من ظهير 1974 مثل الفصل الثامن من ظهير 1913 نصا وروحا.

 ونظرا لكن الفصل 25 استثناء لمخالفته المبدا العام فيبقى تفسيره ضيقا خصوصا وقد شدد على استثنائيته بان استثنى منه فقط ما اذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة فيما لم توجد نصوص قانونية مخالفة تنص على جواز النظر في اعمال ادارة والغاء قراراتها وعلى انه يسمح للقضاء ان ينظر فيها فانه يمنع منعا باتا على القضاء البث فيها.

 ونجد فقط هذه المقتضيات المخالفة بالنسبة للقرارات الادارية التي سمح المشرع للغرفة الادارية بالمجلس الاعلى بمقتضى الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية بالنظر في طلبات الغائها بسبب شطط في استعمال السلطة، بشرط أن لا يكون في استطاعة من يعنيهم الأمر المطالبة بحقوقهم أمام المحاكم المختصة، كما في قضايا المعاشات المدنية، والضرائب وبعض قضايا نزع الملكية، ودعاوي التعويض عن القرارات الإدارية، والمنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية، والدعاوي الجنسية.

 كما نجد هذه المقتضيات مخالفة بالنسبة للطعون الانتخابية كالطعون المتعلقة بالانتخابات الجماعية، والمتعلقة بمجالس العمالات والأقاليم والغرف المهنية كالغرف التجارية والصناعية العصرية والصناعية التقليدية والغرف الفلاحية والطعون المتعلقة بالانتخابات النيابية فكلها منظمة بمقتضيات تنظيم الطعن في القرارات الإدارية والنظر في طلبات إلغائها إما أمام المحاكم الابتدائية أو أمام المجلس الأعلى.

 وما لم توجد هذه المقتضيات المخالفة فان الاستثناء يبقى مجاله ضيقا لمخالفته للقاعدة العامة، فلا يجوز للقاضي أن يتدخل في أعمال السلطة الإدارية أو إيقافها سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة سواء كانت قرارات صدرت بصفة قانونية أو لم تصدر بصفة قانونية كما لا يجوز له أن يلغي قراراتها وكما لا يجوز له أن يتصدى للقوانين والمراسيم ويتخذ قرارات بشان دستوريتها أو عدم دستوريتها فلكل من هذه الأعمال والقرارات والقوانين والمراسيم الجهات التي تراقبها .

 فالإدارة لا يتعرض القضاء لأعمالها ولا يعرقلها ولا لقراراتها إلا طبق المقتضيات المسموح بها ولمن يعنيه الأمر أن يلتجأ إلى الجهة المختصة بها.

 
 الأساس الفقهي للفصل 25 :

عندما نعود الى المعطيات الفقهية والنظرية لتوضيح المدلول الحقيقي للعمل الاداري الذي منع القضاء من عرقلته والقرار الاداري الذي منع من الغائه، وبالتالي لتحديد الجهة المختصة برفض رقابتها على العمل الاداري والقرار الاداري وتقرير شرعيتهما او عدم شرعيتهما ثم بالتالي لتحديد مدى السلطة القضائية ورقابتها عليهما فاننا نكون في حاجة الى بسط القول حول المواضيع التالية :

العمل الإداري والقرار الاداري.

مشروعية العمل الاداري والقرار الاداري
.

جزاء الاخلال بالمشروعية
.


        ·الجهة المختصة بالرقابة على العمل الاداري والقرار الاداري .

        ·مدى رقابة السلطة القضائية عليهما.

 العمل الإداري والقرار الإداري :

ورد في الفصل 25 في فقرته الاولى ان المحاكم لا يسمح لها ان تعرقل الاعمال الادارية وفي فقرته الثانية ان المحاكم لا يسمح لها بان تلغي القرارات الادارية،
فما هو العمل الاداري وما هو القرار الاداري؟


اذا رجعنا الى اقوال الفقهاء نجدهم حددوا بكل وضوح القرارات الادارية وتضاربت اقوالهم فيما يتعلق بتحديد الاعمال الادارية فبعضهم يعبر بالاعمال الادارية عن كل ما يصدر عن الادارة من اعمال سواء اتخذت صبغة قرارات او صبغة اعمال مادية ويرى ان الاعمال الادارية هي كل ما تأتيه الادارة في سبيل اداء وظائفهما ومباشرة اوجه نشاطها المتشعبة.

 وهذه الاعمال هي :

1)   الاعمال القانونية وهي الاعمال التي تاتيها بقصد ترتيب اثار قانونية معينة عليها كترتيب حق او التزام، وهي اما اعمال صادرة من جانب الادارة وحدها كالقرارات الادارية التنظيمية او التشريعية او القرارات الادارية الفردية، واما اعمال صادرة من جانبين كالعقود .

2) الاعمال المادية وهي الاعمال التي تقوم بها الادارة دون ان تقصد ترتيب أي اثار قانوني عليها وانما تقوم بها تنفيذا لاعمال قانونية كعملية تمهيد شارع او شق ترعة او هدم منزل آيل للسقوط تنفيذا للقرارات الادارية الصادرة.

3) كما يعتبر من قبيل هذه الاعمال ايضا الافعال المادية الضارة والاحداث التي تأتيها الادارة او يقترفها العاملون بها او تتسبب او يتسببون في نشوئها اثناء اداء المرافق العامة لخدماتها ومباشرتها لوظيفتها ويترتب عليها تحريك المسؤولية التقصيرية للادارة او لهؤلاء العاملين (4).

4) وبعضهم يأتي بتحديد ادق لقرارات الادارية والاعمال الادارية وان كان المآل واحدا، ويرى هذا البعض استنادا الى تحديد مجلس الدولة المصري ان القرار الاداري هو افصاح الادارة عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد احداث مركز قانوني معين متى كان ممكنا وجائزا قانونيا وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة.

 وعلى ضوء هذا القرار الاداري لا بد فيه من امور ثلاثة :

الاول: ان القرار الاداري تصرف فردي ويعبر جانب الادارة وحدها عن ارادتها، وهذه الارادة وحدها كافية لاحداث الاثر القانوني دون ان تقابلها ارادة اخرى، وبهذا يتميز القرار عن العقد الاداري.

والثاني : ان القرار الاداري يحدث اثارا قانونية وهذا ما يميز القرارات الادارية عن طائفة اخرى من اعمال الادارة تسمى الاعمال المادية كهدم منزل آيل للسقوط تنفيذا لحكم قضائي او لقرار اداري، واعمال الادارة المادية اما عمدية او قصدية فهي شديدة الشبه بالقرارات الادارية واما غير عادية كإلحاق اصابة باحد المواطنين بسيارة تابعة للادارة او بحجر اثناء قيام رجال الادارة بهدم منزل.

 والثالث: ان القرار يصدر عن الادارة أي دولة بصفتها الادارية فهو لا يصدر عن السلطة التشريعية ولا عن السلطة القضائية.

 والقرارات الادارية وحدها هي التي يطعن فيها بدعوى الشطط في استعمال السلطة دون الاعمال المادية ولكن يمكن دائما للمواطن طلب تعويض عن الاضرار التي تلحقها بهم اعمال الادارة المادية وهي نفس المعاملة المقررة للقرارات الادارية غير مشروعة (5).

 مشروعية القرارات او الأعمال الإدارية :

ان القرارات والاعمال الادارية لكي تكون مشروعة لابد ان تكون خاضعة للقانون لان الدولة في الوقت الحاضر دولة قانونية فلابد من خضوع الحاكمين والمحكومين للقانون فالضمانة الاساسية التي تحمي الافراد من تعسف الادارة وتحكمها انما تتركز في خضوعها للقانون فيما تأتيه من اعمال وتتخذه من تصرفات وتتمتع به من امتيازات، وتخضع الادارة للقانون - حسبما بالقانون الوضعي في كل من فرنسا ومصر، وكما اتفق عليه اغلبية الفقه والقضاء فيهما  بان لا تاتي عملا قانونيا مخالفا للقانون، وبان ان تستند في كل ما تأتيه من اعمال الى اساس من القانون.

 النظريات الموازية لمبدأ المشروعية :

اذا كانت القرارات او الاعمال الادارية يتعين ان تتصف بالشرعية، وسريان هذا في جميع الظروف والاحوال يعتبر المثل الاعلى لحماية حقوق الافراد وحرياتهم فان تطبيقه يحتاج مع ذلك الى قدر من المروءة بالنسبة لبعض الحالات وفي ظل الظروف الاستثنائية لذلك ترد على مبدا المشروعية نظريات معينة يعتبر بعضها عوامل موازية لها تخفف من حدة تطبيقه في ظروف معينة او بالنسبة لتصرفات معينة لجهة الادارة، وتعتبر استثناء حقيقيا لمبدا المشروعية وهذه النظريات هي :

1)   نظرية الضرورة او الظروف الاستثنائية.
2)   نظرية السلطة التقديرية
3)   نظرية اعمال السيادة او اعمال الحكومة السياسية.
 (4 القرارات التأكيدية مثلا قرار رفض التظلم يعتبر قرار تأكيدي لا يقبل الطعن بالإلغاء
 
جزاء الإخلال بالمشروعية :

وجزاء مخالفة الادارة للمشروعية هو بطلان العمل الاداري سواء كان عملا قانونيا او عملا ماديا.
فاذا كان عملا قانونيا حكم القضاء بالغائه ويترتب على ذلك زوال نتائجه باثر رجعي.
واذا كان عملا ماديا فان بطلانه يستلزم الحكم على الادارة بإزالة ما يترتب عليه من اثار واعادة الحال الى ما كانت عليه قبل وقوعه.
ولكن نظرا لان القضاء " في النظم اللاتينية" على عكس النظم الانجلوسكسونية لا يمكن بناء على مبدا فصل السلطات  توجيه اوامر او نواهي الى جهة الادارة ولا الحكم عليها بتهديدات مالية، فان التزام الادارة بإزالة اثار عملها المادي الباطل يتحول الى التزام بالتعويض (6).

 رقابة الأعمال الإدارية وقراراتها :

ولكي يتحقق خضوع الادارة للقانون يجب ان يتقرر الجزاء ضد الادارة على مخالفتها للقانون وهو بطلان اعمالها المخالفة، وبالتالي يجب ان تنظم رقابة على هذه الاعمال وتحدد السلطات التي يعهد اليها بهذه الرقابة حتى تحترم القانون وتلتزم باحكامه.

ويختلف نوع الرقابة على اعمالها باختلاف الجهة التي تباشرها فقد تكون الرقابة برلمانية وقد تكون ادارية، وقد تكون قضائية.

 الرقابة البرلمانية او السياسية :

في النظم الديمقراطية يباشر البرلمان رقابة على اعمال الادارة اذ الوزراء مسؤولون امام البرلمان مسؤولية سياسية، وعن طريق هذه المسؤولية يباشر البرلمان مراقبته على اعمال كل وزير من الوزراء واعمال المصالح التابعة لها، وتتم هذه المراقبة اما باستجواب الوزراء، واما باجراء تحقيق بواسطة لجان يعينها البرلمان، واما بعرض ملتمس الرقابة وسحب الثقة من الحكومة كلها، اما تلقائيا، واما على اثر تقديم عرائض الى البرلمان من طرف الافراد والجماعات.

 الرقابة الإدارية :

وهي اما رقابة ذاتية، وتراقب الادارة نفسها بنفسها اما باصدار الرؤساء المنشورات والاوامر والتعليمات الى مرؤوسيهم بقصد توجيههم في اعمالهم وارشادهم الى كيفية تنفيذ القوانين والقرارات واما بمراجعة تلك الاوامر لاقرارها او وقفها او تعديلها او الغائها، واما بحق الرؤساء في توقيع العقوبات التأديبية على المرؤوسين.

وهذه الرقابة تباشر اما تلقائيا واما بناء على تظلم الافراد المتضررين من الاعمال الادارية وتؤدي الى حماية الافراد من اعتداء الادارة.

 وكل من الرقابة السياسية والرقابة الادارية محدودة المفعول لان الاولى لها طابع سياسي، قد تؤدى الاعتبارات الحزبية الى تعطيلها، فلا تكون فعالة في حماية الافراد من اعتداء الادارة، وان الثانية رقابة ذاتية فهي تقوم بدور الخصم والحكم، وليست رقابة من جهة محايدة مستقلة، لذلك كانت الرقابة القضائية هي اكمل انواع الرقابة واكفلها لحماية الافراد.

 الرقابة القضائية على أعمال الادارة:

ان السلطة القضائية تتولى الرقابة على الاعمال الادارية وتباشرها المحاكم سواء كانت عادية او ادارية في فرنسا ومصر، وفي المغرب تمارسها المحاكم العادية الا ان نوعا من هذه الرقابة تمارسه محكمة خاصة هي الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى.

 وتتميز الرقابة القضائية عن الرقابة البرلمانية والرقابة الادارية بأمرين :

        ·ان الرقابة القضائية لا تباشر الا بناء على دعوى ترفع من الافراد المتضررين.

        ·ان القائمين بها هم رجال السلطة القضائية المستقلون عن الادارة والعاملون بما يتوفر فيهم من ضمانات الحياد والإلمام القانوني والتخصص.
 ومظاهر الرقابة القضائية هي :

1)   قضاء للالغاء.

وهو حق المحاكم في الغاء القرارات الادارية المخالفة للقانون، بناء على دعوى يرفعها صاحب المصلحة.
ولما كان هذا النوع من مظاهر الرقابة خطيرا اذ يترتب عليه الغاء القرارات الادارية المخالفة ويتضمن اعتداء صارخا على استقلال الادارة نجد ان هذا الاختصاص لم يترك في فرنسا ومصر الى المحاكم العادية، بل عهد به الى القضاء الاداري.
وهذه الخطورة هي التي دعت المشرع المغربي الى قصر نظر هذه الدعوى على المحكمة وحيدة هي الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى المتركبة من خمسة من المستشارين المفروض انهم يمثلون خيرة العناصر القضائية واكثرهم خبرة وإلماما بالقانون وبظروف الادارة والمجتمع.

 2)   قضاء التعويض والتضمين او قضاء المسؤولية الادارية :

وتتحقق الرقابة القضائية في هذا المظهر عند رفع دعاوي المسؤولية الادارية التقصيرية او بسبب مخاطر او التعاقدية من الافراد على جهات الادارة امام المحاكم للمطالبة بالتعويض عما اصابهم من ضرر بفعل الموظفين العموميين او من جراء سير المرافق الادارية او للمطالبة بحق في مواجهة الادارة يستند الى عقد مبرم بينها وبين الافراد، فيكون على القاضي في الحالة الاولى ان يحكم بالتعويض بعد ان يثبته من توافر اركان المسؤولية التقصيرية وهو الخطا والضرر وعلاقة السببية بتعويض الفرد عما اصابه من ضرر بفعل الادارة، وفي الحالة الثانية ان يحدد حقوق الافراد ومدى هذه الحقوق فيحكم للمدعي بحقه الذي تنازعه الادارة اصله او مداه.

 فسلطة القاضي مقصورة في مثل هذه الحالة على الحكم بالتعويض الضرر وثبوت الحق الناشئ عن عقد اداري وتقدير مدى مشروعية العمل الضار احيانا على اكثر تقدير، وليس له ان يقضي بالغاء القرار غير المشرع.

ويجوز في مصر وفرنسا الجمع بين طلب الالغاء والتعويض في دعوى واحدة اذا توفرت شروطها اما في المغرب فان دعوى التعويض تنظر امام المحاكم الابتدائية منفصلة عن دعوى الالغاء التي تنظر امام الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى (7).
 3)   القضاء الشامل.
في قضايا استثنائية ومجموعة متباينة من الدعاوي يتمتع فيها القضاء بالسلطات الشاملة فله ان يحكم بالغاء القرارات الادارية اذا قدر عدم مشروعيتها كما في القانون المصري ويعلن على الاجراء الصحيح او يحكم بالتعويض عن الاضرار الناتجة عنها.
فمثلا الطعون الانتخابية قد تعلن خطا اللجنة الادارية المشرفة على الانتخابات عن فوز احد المرشحين فاذا طعن المضرور في هذا القرار فانه يجوز للمحكمة ان تقضي بالغاء قرار اللجنة وان تعلن فوز ونجاح صاحب الحق بعد الحكم ببطلان قرار اللجنة ( قانون الانتخابات).
 وكذلك تعتبر من هذا النوع المنازعات المتعلقة بالقيد في جدول هيأة المحامين، حيث يجوز لمحكمة الاستئناف التي تنظر الطعن في قرار الهيئة القاضي برفض القيد في الجدول مثلا، ثم للغرفة الادارية بالمجلس الاعلى اذا طعن في قرار محكمة الاستئناف بالنقض - ان تقضي بتقييد الطاعن في الجدول المطعون فيه اذا ما اقتنعت بعدم مشروعية قرار رفض القيد كما استقر عليه اجتهاد المجلس الاعلى.
ولكن هذا النوع من القضايا محدود يقتصر فيه على ما ورد فيه نص يبيح للقاضي ان يحكم حكما كاملا يلبي كل مطالب المدعي من الغاء قرار اداري وتعويض عنه ولا يعمم في كل الدعاوي.
وتجدر الإشارة الى ان الفرق بين دعوى الإلغاء والقضاء الشامل ليس فرقا شكليا يتجسد في أداء الرسوم القضائية في القضاء الشامل وعدم أدائها في قضاء الإلغاء بل الفرق يمتد الى مسألة جوهرية تتمثل على مستوى الغاية من كل دعوى

 4)   قضاء فحص الشرعية:

ويتحقق هذا المظهر من مظاهر الرقابة القضائية في حالة الدفع بعدم شرعية عمل من اعمال الادارة اثناء نظر قضية من القضايا رفعت على المدعى عليه فيها بدعوى اصلية مستندة الى قرار الاداري ويطعن المدعى عليه ذو المصلحة في شرعية القرار نفسه كأن تصدر الادارة قرارا تنظيميا او قرارا فرديا وعند محاولة تطبيقه على الافراد يطعن هؤلاء بعدم شرعيته.
وعلى القاضي الذي يثار امامه مثل الدفع ان يفحص شرعية هذا القرار فاذا تبين له انه مخالف للقانون استبعد تطبيقه على القضية المعروضة عليه دون ان يقضي بالغائه، فالقرار الاداري يظل قائما حتى تلغيه او تصححه الجهة الادارية التي اصدرته او الغرفة الادارية.
ولذلك يختلف الدفع بعدم الشرعية اختلافا جوهريا عن دعوى الالغاء التي يترتب عليها في حالة تحقق القاضي من مخالفة القرار الاداري للقانون  ان يحكم ببطلان القرار او الغائه بالنسبة للكافة .
وفي فرنسا الاصل ان تختص المحاكم الادارية وحدها بفحص شرعية الاعمال الادارية، فاذا دفعا بعدم الشرعية امام المحاكم العادية وجب عليها ان توقف نظر الدعوى وتحيل مسالة الشرعية الى المحاكم الادارية ولا يختص القضاء العادي بفحص الشرعية الا على سبيل الاستثناء (8).
 اما في المغرب فانه اذا كانت سلطة الغاء القرارات مقصورة على المجلس الاعلى وحده فان سلطة فحص شرعية القرارات الادارية معترف بها كما في مصر لجميع المحاكم تقريبا طالما كان الفحص في شرعية القرار او الامر لازما وضروريا للفصل في الدعوى الاصلية، وقد اعتراف المشرع صراحة للمحاكم الجنائية على الاقل بحقها في فحص شرعية القرارات بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 44 من قانون 90/41 نجد أنها تنص على "للجهات القضائية كامل الزجرية كامل الولاية في تقدير شرعية أي قرار إداري وقع التمسك به أمامها سواء باعتباره أساسا للمتابعة أو باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع".
اما بالنسبة لاستدلال بالفصل 609 من مجموعة القانون الجنائي والقاضي بتوقيع عقوبة الغرامة على من خالف مرسوما او قرارا صدر من السلطة الادارية بصفة قانونية ما لم ينص القرار أو المرسوم على عقوبات خاصة  كأساس تشريعي لاختصاص المحاكم الزجرية في دعوى فحص الشرعية , فهو فهم خطير ينم عن جهل عميق بتراتبية القوانين التي تقوم على تكريس مبدأ دستورية القوانين , ونحن نعرف ان الألف والواو في القانون لها مكانة جوهرية في تفسير النص القانوني فالفقرة 11 من الفصل 609 تمنح للقرار المشروع سلطة اصدار عقوبات خاصة والفصل 71 من الدستور يتناول اختصاص مجال القانون ويقر في الفقرة 7 منه تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها يدخل في مجال القانون المخول لسلطة التشريعية ولم يخول للجهات الإدارية المصدرة لقرارات إدارية تتضمن عقوبات خاصة .
 ومهما اختلفت جهة الاختصاص بين المغرب ومصر من جهة وبين فرنسا من جهة اخرى فان فحص الشرعية كدفع لا يؤدي الى الغاء القرار الاداري وانما قد يؤدي الى عدم تطبيقه في الدعوى الاصلية التي رفعت على من دفع بعدم شرعيتها.

5- دعوى ايقاف التنفيذ:

تمثل دعوى إيقاف التنفيذ الدعوى الثالثة من دعوى قسم الإلغاء ,فهي ليست دعوى مستقلة بما تحمله الكلمة من معنى بل هي مرتبطة وجودا وعدما بدعوى الإلغاء ولو عند البث وتتميز عنها دعوى الإلغاء كون هذه الأخيرة تهدف الى إلغاء القرار وإعدامه بينما إيقاف التنفيذ كما يدل عليها اسمها تهدف الى إيقاف التنفيذ بصفة مؤقة أي أنها ذات طابع احترازي وقائي. لكن من الناحية القانونية هذه الدعوى تثير جملة من الإشكالات كان من بينها أن دعوى إيقاف التنفيذ منصبة على القرارات التنفيذية وبالتالي تستثني القرارات السلبية لان المستقر عليه فقها وقضاء أن القرارات السلبية لا تقبل إيقاف التتفيذ والشاهد عندنا هنا هو قرار مجلس الدولة في قضية امروسو والذي وردت فيه عبارة " لا المحاكم الإدارية ولا مجلس الدولة مؤهل لإرسال أوامر لإدارة "
وثم وثم تناسي ان حكم إيقاف التنفيذ من الناحية الجوهرية هو أمر الإدارة بإيقاف تنفيذ قرارها وهذا أمر مرفوض بمنطوق الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية
 مدى رقابة السلطة القضائية على الأعمال الإدارية وقراراتها :

وتخلص الى القول مما سبق كله انه اذا كان القضاء في فرنسا فرض وجوده على الإدارة وغدا مجلس الدول يوجه اوامره الى الادارة قريبا من النظام الانجلوسكسوني ويقضي في المنازعات الإدارية باستثناء المنازعات المتعلقة بالمرافق الاقتصادية والمتعلقة باعتداء السلطات الادارية على حق الملكية او على الحريات العامة وأعمال التعدي المادي كالغصب والاستيلاء على حق الملكية العقارية هذه المنازعات التي اسندت للقضاء العادي ويتمتع بها بسلطات واسعة في مواجهة الادارة غير مألوفة للقضاء في الفكر اللاتيني كالحكم بازالة اعمال التعدي او الحكم على الادارة بالغرامات التهديدية، ويبرر هذه السلطات الاستثنائية ان الادارة تعتبر بارتكابها لاعمال الاعتداء المادي قد خرجت عن الحدود المشروعة لدورها، الامر الذي يوجب على القضاء معاملتها معاملة الافراد العاديين، اذا كان ذلك في فرنسا فاننا في المغرب امام وضعية اخرى وواقع اخر مستمد من التطور التاريخي للتشريع القضائي فيه، فقد استمد القانون التنظيمي سنة 1913 اساسه لا مما ذهب اليه مجلس الدولة الفرنسي ولكنه استمده من نص وروح قانون الثورة الفرنسية 1970، واهداف المشرع حينئذ معروفة، وهي الحد من سلطة القضاء على الادارة والحذر من اوامره التي تعرقل اعمالها واخيرا استمد المشرع المغربي سنة 1974 القانون التنظيمي ايضا من روح ونص قانون 1913.
 واذا كان وضع القضاء  بالمغرب لا يسمح لنا بالتنقيب على اهداف المشرع المغربي من هذا التشريع مادامت الاعمال التحضيرية لاعداد هذا القانون غير موجودة بين ايدينا، ولم تصغ بالمغرب وانه من  الاسباب التي دعت المشرع الى اتباع نهج القانون الصادر سنة 1913 ضمان الاستقرار في الدولة وحماية مشاريع التنمية من العراقيل، ولذلك قرر ان القضايا الإدارية ينظر فيها القضاء العادي باستثناء :
1) الطلبات التي ترمي إلى عرقلة أعمال الإدارة مطلقا بقطع النظر عن كونها مشروعة او غير مشروعة ويعود من يعنيه أمرها لطلب التعويض عنها.
2) القرارات الإدارية فإنها تسند إلى الغرفة التي تقدر شرعيتها فتقرها او عدم شرعيتها فتلغيها وتطلبها ويعود من يعنيه أمرها إلى القضاء العادي لطلب التعويض عنها.
3) دستورية القوانين والمراسيل اللاحق للقضاء في النظر فيها.
 وهو يجب التذكير بان في الفقه الاداري الفرنسي يتحدث الفقهاء عن نظريتين مثيرتين صاغهما القضاء الفرنسي وهما نظرية الاستيلاء او شغل الادارة لعقار مملوك لاحد الافراد ونظرية الغصب (9)
فالمنازعات الناشئة عن اعتداء الادارة على الملكية الخاصة استيلاء او غصبا  أو ما يسمى الإحتلال المؤقت ترجع الى اختصاص القضاء العادي لا القضاء الاداري استنادا الى الفكرة التقليدية في فرنسا مؤداها ان القاضي العادي هو حامي الحقوق الاساسية والامين عليها وهو وحده الذي يضمن للافراد حماية الملكية والحرية الفردية كتقرير اختصاص القضاء العادي بالحكم بنزع الملكية او بتحديد تعويض عن الاستيلاء او تعويض الاضرار التي تصيب الاموال من جراء اشغال عامة وكتقرير اختصاص القضاء العادي وحده بالنسبة للجرائم التي يرتكبها الموظفون العموميون وتتضمن اعتداء على حرية الافراد او حرمة مسكنهم سواء بالنسبة للدعوى المدنية او الجنائية.
 ونظرية الاستيلاء يقصد بها ان تشغل الادارة عقارا مملوكا لاحد الافراد وتستولي عليه وتضع يدها عليه سواء كان الاستيلاء مؤقتا او نهائيا مشروعا او غير مشروع ويكون نظر دعاوي التعويض التي يرفعها المالك المضرور من اختصاص المحاكم العادية كما في المغرب ويشترط لتطبيق هذه النظرية في فرنسا.

1)  ان يكون الاعتداء واقعا على ملكية عقارية وعلى حق الملكية ذاته، أما إذا كان الاعتداء واقعا على منقولات فلا تنطبق النظرية، او على حق عيني عقاري كحق إرتفاق بالمرور فانه يعتبر ضررا من الاضرار التي تسببها الأشغال العمومية ويكون من اختصاص المحاكم الإدارية.
2) أن يصل الاعتداء الى درجة الاستيلاء على العقار ونزعه من حيازة مالك ووضع اليد عليه، أما إذا كان مجرد أضرار بالعقار دون نزع حيازته فانه يعتبر من أضرار الأشغال العامة التي تدخل في اختصاص المحاكم الإدارية.
 وتنحصر سلطة المحاكم العادية في تقدير التعويض عن الضرر الذي يلحق بمالك العقار من جراء الاستيلاء عليه، ويميز القاضي في تقديره للتعويض بين حالة الاستيلاء المشروع والاستيلاء غير المشروع، فإذا كان الاستيلاء مشروعا وتم بناء على عمل اداري موافق للقانون فتقدير التعويض يكون على أساس القواعد القانونية التي حددها القانون المصرح بهذا الاستيلاء والمنظم له، ويكون عادة على حسب قيمة العقار الذي تم الاستيلاء عليه، أما إذا كان الاستيلاء غير مشروع وليس له سند من القانون فان القاضي يقدر التعويض وفقا لمجموع الأضرار التي سببها الاستيلاء وفرق بين التعويض الناشئ عن قانون يجيز التعويض عنه وبين التعويض المقدر من طرف القضاء بسبب الضرر، وفرق بين التعويض عن المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية الناتجة عن جرم أو شبهه يترتب عنهما التعويض عن الضرر، والمحاكم لا تملك في حالة الاستيلاء الا الحكم بالتعويض، فلا تختص بفحص الشرعية بل عليها ان توقف النظرية في النزاع وتحيل مسالة الشرعية على القاضي الإداري، ولا تملك إلغاء قرار الاستيلاء غير المشروع ولا تملك توجيه أوامر إلى الإدارة بوقف الاستيلاء غير المشروع.
 أما نظرية الغصب فيقصد بها ان تقوم الادارة بعمل مادي غير مشروع يتضمن اعتداء جسيما على حق الملكية، ويشترط لتطبيق هذه النظرية :
1) أن يكون هناك عمل تنفيذي مادي اما القرار الاداري الذي يكون هذا العمل المادي تنفيذا له فلا يعتبر في حد ذاته عملا من اعمال الغصب مهما كانت درجة عدم مشروعيته.
2) ان يكون عدم المشروعية جسيما ظاهرا وقد يكون عدم المشروعية راجعا الى القرار الذي تقوم الادارة بتنفيذه كأن يكون هذا القرار لم يصدر فعلا او صدر وحكم ببطلانه او كان عدم مشروعية القرار جسيما بحيث يجعله منعدما فيكون التنفيذ في هذه الحالات منصبا على معدوم.
ويشترط لتطبيق نظرية الغصب ان يكون عدم المشروعية جسيما ظاهرا لان القاضي العادي مختص في حالة اعمال الغصب بفحص شرعية الأعمال الإدارية خلافا للمبدأ العام الذي يجعل فحص شرعية الأعمال الإدارية من اختصاص القضاء الإداري وحده، فلا يمكن تبرير الخروج عن هذا المبدأ الهام إلا إذا كان عدم المشروعية جسيما ظاهرا بحيث لا يحتاج إلى مجهود كبير من القاضي لاكتشافه أو التعمق في البحث لتقديره.
3) أن يكون العمل المادي متضمنا الاعتداء على حق الملكية، وبذلك تتحقق النظرية إذا تعلق الأمر باعتداء على حق الملكية سواء كانت الملكية عقارية أو منقولة.
 والفرق بين الغصب والاستيلاء أن الغصب أضيق نطاقا من الاستيلاء بسبب الشرط الثاني، لان الغصب لا يتحقق إلا في حالة عدم المشروعية الجسيم الظاهر بينما الاستيلاء يتحقق سواء كان مشروعا أو غير مشروع، كما أن الشرط الثالث يجعل الغصب أوسع تطبيقا من الاستيلاء إذ الغصب يشمل حالة الاعتداء على الملكية بنوعها عقارية ومنقولة، بينما الاستيلاء قاصر على الملكية العقارية وحدها.
 وتتمتع المحاكم العادية فيما يخص نظرية الغصب بسلطة واسعة فهي وحدها دون المحاكم الإدارية تختص بالحكم بالتعويض عن مجموع الأضرار المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن إعمال الغصب وتمارس عند نظر الدعاوي المترتبة عليها سلطات خطيرة، فهي مختصة بتقدير عدم شرعية القرار الإداري السابق على الغصب وذلك خروجا عن المبدأ العام الذي يجعل فحص شرعية الأعمال الإدارية من اختصاص المحاكم الإدارية، كما لها أن توجه الأوامر إلى الإدارة بوقف أعمال الغصب فتحكم برد الشيء إلى أصله أو بالهدم أو بالطرد، مع أن المبدأ المقرر هو أن القضاء الفرنسي لا يملك ما يملكه القضاء الاجلوسكسوني من سلطة توجيه أوامر إلى الإدارة لعمل شيء أو بالامتناع عن عمل شيء ولها اكثر من هذا ان تعزز أوامرها بالحكم على الإدارة بتهديدات مالية لتحملها على تنفيذ هذه الأوامر، ويبررون هذه السلطات الواسعة التي تباشرها المحاكم العادية في مواجهة الإدارة في حالة الغصب لانها هذا الغصب من شانه ان يجرد تصرف الإدارة من صفة العمل الإداري ويجعلها في نفس المركز الذي يوجد فيه الفرد العادي.
 تلك هي نظرية الاستيلاء وتلك هي نظرية الغصب كما صاغهما القضاء الفرنسي وتحدث عنهما الفقهاء كثيرا في إطار الفقه والقضاء الفرنسي، واعطي في نظرية الغصب بصفة خاصة للقضاء العادي سلطة واسعة وخطيرة تمتد إلى خرق المبدأ الفرنسي القائل بان القضاء لا يحق له ان يتجاوز سلطته ويصدر الأمر إلى الإدارة بإزالة أثار الاعتداء ووقف أعمال الغصب، أما نحن في المغرب فليس لنا مجلس للدولة يشرف على القضاء الإداري ومستقل عن القضاء العادي، وانما يوجد في المغرب قضاء عادي تتوزع القضايا الادارية بين مختلف درجاته من المحاكم الابتدائية والاستئنافية الى المجلس الاعلى الذي توجد فيه غرفة ادارية تختص النظر في طلبات نقض القرارات الاستئنافية الصادرة في القضايا الادارية، وفي طلبات الغاء القرارات الادارية، وحتى في هذه الحالة ليس لها ان تحكم بغير الالغاء أي بازالة اثار القرارات الغير المشروعة الا استثناء.
 واذا كان القرار الاداري الغير مشروع لا يلغي الا من الغرفة الادارية، وفي هذه الحالة لا تملك حق ازالة اثار القرار الغير مشروع أي بالامر برد الشيء الى اصله، فمن أين للقضاء في المراحل قبلها ان يملك حق الالغاء ورد الشيء الى اصله، ومن اين للقضاء ان يملك حق اصدار الاوامر الى الادارة برد الشيء الى اصله، والقضاء مستقل عن الادارة، ومن اين للقضاء ان يصدر امرا استعجاليا الى الادارة بايقاف عمل الادارة وطردها من عقار، والفصل 25 يمنع عليه ان يعرقل عملها والتاريخ يوضح مدلوله والفقه يؤيد اهدافه.
 اعتقد ان القضاء في بلادنا تغافل عن الاصول حتى اصيب بداء ما يسمى بالاجتهاد فاصبح لا يعتمد الفقه والقانون كمنهج سليم، وانما يعتمد الاجتهاد وربما الاجتهاد فقط وحتى اذا ما كانت هناك محاولة البحث والتحقيق في نازلة من النوازل لا يلتجا الى الفقه والقانون اولا، وانما يلتجا الى الاجتهاد اولا، ثم قد يلتجا الى القانون بالدرجة الثانية، مع ان المبدا العام ان الاجتهاد لا يملا الفراغ الا اذا خلا المكان من القانون ثم الفقه،ولا جتهاد مع نص
فكيف يمكن ان نتجاهل الفصل 25 بروحه وماضيه,إذا يجب على القاضي  تطبيق القانون، ولا حق له في الدخول في صراع مع المشرع الذي يملك ان يشرع ما شاء ولا يملك القاضي الا ان يطبق ما شرعه المشرع، ولا يملك ان يصارعه، ولا ان يخالفه، ولا ان يلغي قراره، الا في حالات استثنائية مسموح له بذلك.
 لكن إذا اتجاه كبير من الفقه يرى ان المحاكم الإدارية غير معنية بالفصل 25 من قانون المسطرة المدنية وفي مقدمته الأستاذ محمد اليوبي الذي اشار لذلك في عرضه المتعلق بالحكم الصادر في دعوى الإلغاء وتنفيذه إعتبر أن عبارة مقتضيات مخالفة الواردة في الفصل 25 تحيل على القانون 41,90 الذي يتناول إختصاص المحاكم الإدارية  متنسيا ان المادة 50 من نفس القانون نسخة الفقرة الثانية من الفصل 25 المتعلق بعدم  بالبث في دستورية القوانين مما يفتح المجال من الناحية المنطقية قبل القانونية بتطبيق الفقرة الأولى من الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية
بل أكثر من ذلك هذا الفصل يطرح على مستوى الصعوبات القانونية المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة نظرا للإحالة العامة التي اعتمد عليها المشرع المغربي في القانون 41.90 في المادة 7 منه على قواعد المسطرة المدنية فإن هذه الإحالة لايجب ان تقرأ من منطق " ويل للمصلين " ونصمت عن باقي الآية
 التي هي مكمن الآية  بمعنى ان الإحالة على قواعد المسطرة المدنية تستدعي الوقوف على الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية  الذي يمنع على المحاكم اصدار اوامر لإدارة والغرامة التهديدية امر قبل ان تكون من وسائل تنفيذ الأحكام القضائية
لكن السؤال المطروح ماهو السبب في الإبقاء على هذا الفصل منذ 1913 الى حدود اليوم مع العلم انه من المرتقب
وفي ظل تفعيل مضامين الدستور الجديد وخاصة الفصل 133 " تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم الدستورية قانون أثير امام النظر في قضية وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور "
وفي انتظار اصدار القانون التنظيمي للمحكمة الدستوري فإن عبارة أثير وعبارة قضية وعبارة الأطراف تحيل على إختصاص محاكم الموضوع في تقديم الإحالة إلى المحكمة الدستورية  مما يوجب ضرورة إلغاء الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية.
 
 
 
 المراجع :

1)   القضاء الاداري للدكتور محمد محمود حافظ استاذ القانون العام بكلية الحقوق لجامعة القاهرة طبعة 1966 صحيفة 84.
2)   المرجع السابق صحيفة 103.
3)   المبادئ العامة للقانون الاداري المغربي للدكتور محمد مرغني الاستاذ بكلية الحقوق بالرباط صحيفة 398
4)   القضاء الاداري صحيفة 67.
5)   المبادئ العامة للقانون الاداري للدكتور المرغني صحيفة 286.
6)   القضاء الاداري صحيفة 66.
الوجيز في القضاء الاداري للدكتور سليمان الطماوي، طبعة 1982، صحيفة 341.
7)   المبادئ العامة للقانون الاداري المغربي صحيفة 374
8)   القضاء الاداري صحيفة 76
9)   القضاء الاداري صحيفة 226.
 * مجلة المحاكم المغربية، عدد 56، ص 15.



الخميس 14 فبراير 2013

تعليق جديد
Twitter