MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



جريــمة غسل الأموال

     

خبالي حسن

ماستر القانون الجنائي المعمق

كلية الحقوق أكدال

جامعة محمد الخامس الرباط



جريــمة غسل الأموال
 
 
مــــقـــــدمــــــة:  

تعتبر جريــمة غسل الأموال من الجرائم التي لها اثر بالغ في ميدان المعاملات الاقتصادية اليومية سواء في جانبها القانوني أو الاقتصاد والجريمة التي نحن بصددها لم يحسم بعد الجدل بين الفقهاء والمشرعين حول إعطاء اسم موحد لها فهناك من يطلق عليها الجرائم البيضاء وهناك من يسميها تبييض الأموال وهناك من يطلق عليها غسل الأموال او تطهير الأموال وكيف ما كانت التسمية فان هدفها واحد هو إضفاء الشرعية على أموال متحصلة من الجريمة   وهي جريمة قديمة لكنها كانت مقتصرة على الجرائم المتأتية من المخدرات وكانت تستعمل فيها أساليب تقليدية ولقد نشأت أول مرة في البيئة الغربية وبالضبط في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة مابين 1920 و1930 وذلك عندما استخدم رجال الأمن فيها هذا المصطلع للدلالة على على ما كانت تقوم به عصابات المافيا الإجرامية من شراء المشروعات والبضائع التجارية بأموال قذرة ومن ثم دمجها في الأموال المشروعة لإخفاء مصدرها الحقيقي[1], لكن مع التقدم التكنولوجي في ضل شبح العولمة أصبحت  هده الجريمة كإخطبوط تتعدد أطرافه ويصعب التحكم فيها  حيث أصبحت جريمة عابرة للحدود كما ان الأموال الناتجة عن هده الجريمة أصبحت تستخدم في ارتشاء وإفساد الجهاز الإداري والسياسي والأمني والمؤسسات المالية  ومن تم أضحى تجريم غسل الأموال ضرورة تشريعية ملحة لضمان حقيقة الأنشطة الاقتصادية الوطنية وتوفير الظروف الملائمة لجعل المناخ الاقتصادي أكثر نزاهة وملائمة لمتطلبات الحياة التجارية وهدا ما أدى إلى تكاثف الجهود الدولية من اجل وضع إطار تشريعي لهذه الجريمة وكانت اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية أول وثيقة دولية تتضمن إستراتيجية جديدة لمكافحة غسل الأموال لكنها اقتصرت على الأموال المتأتية من المخدرات وتواصلت الجهود بعد ذلك إلا أن تم صدور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنضمة عبر الوطنية سنة 2000 والتي نصت في مادتها السادسة على جريمة غسل الأموال حيث جاءت بمجموعة من الإجراءات و حثت الدول على إدراج تلك الإجراءات في قوانينها الوطنية كما صدرت في سنة 2003 التوصيات الأربعون الصادرة عن قوة العمل للمهمات المالية بعد أن تم تعديلها والتي أصبحت معيار دولي لمكافحة غسل الأموال ولقد جاءت كل هده الاتفاقيات نضرا لخطورة جريمة تبييض الأموال وبعدها الدولي كما أن الأموال المتحصلة منها أصبحت تمول العمليات الإرهابية وهدا ما جعل كل الدول تسارع من اجل تجريم هده الجريمة التي كانت تعرف فراغ قانوني والمشرع المغربي وفي اطار احترام التزاماته الدولية والاستجابة للمتطلبات الدولية في مجال غسل الأموال عمل على إصدار ظهير شريف رقم 79/07/01 بتاريخ 17 ابرير 2007 بتنفيذ القانون رقم 05/43 المتعلق بمكافحة غسل  فما هي جريمة غسل الأموال ؟ما هي خصائصها واليات ارتكابها؟ وما هي الوسائل المتاحة للوقاية منها؟ تلك هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها بتفصيل في هذا العرض حيث سنتناوله وفق فصلين  مبحثين نتناول في الفصل  الأول الإطار القانوني لجريمة غسل الأموال  قبل أن نتناول في المبحث الثاني مكافحة جريمة غسل الأموال على الصعيد الدولي والوطني  وذلك وفق التقسيم التالي 

الفصل  الأول:  الإطار القانوني لجريمة غسل الأموال  
الفصل الثاني : مــــــكافحة جريمة غسل الأموال على الصعيد الدولي والوطني
 
 
الفصل الأول  :الإطار القانوني لجريمة غسل الأموال


سنتحدث في هذا الفصل عن الإطار القانوني لجريمة غسل الأموال في التشريع المغربي وبعض التشريعات المقارنة لكن قبل ذلك يجب التطرق إلى ماهية جريمة غسل الأموال حيث سنتطرق إلى خصائصها مميزاتها طرق ارتكابها والخطورة التي تشكلها على جميع المستويات ومن ثم فان تناولنا لهذا الفصل يقتضي منا تقسيمه إلى مبحثين وفق التقسيم التالي
 
 
 المبحث الأول  ماهية جريمة غسل الأموال

 المبحث الثاني  جريمة غسل الأموال على ضوء التشريع المقارن و التشريع المغربي  

المبحث  الأول : ماهية جريمة غسل الأموال   .

جريمة غسل الأموال جريمة حديثة يقتضي الأمر الوقوف على تعريفها وتحديد خصائصها وخطورتها ووسائل ارتكابها وهذا ما سنعمل على التطرق إليه في هذا المبحث حيث سنتطرق في البداية إلى تعريف جريمة غسل الأموال وخصائصها وأثارها ( المطلب الأول) قبل أن نتطرق في المبحث الثاني إلى جريمة غسل الأموال مراحل ووسائل ارتكابها  (المطلب الثاني )

المطلب الأول  مفهوم جريـمة غسل الأموال وخصائصها واثارها   

سنتطرق في هذا المطلب إلى مفهوم جريمة غسل الأموال (الفقرة الاولى )وخصائصها (الفقرة الثانية ) واثارها  (الفقرة الثالثة )

الفقرة الأولى :مفهوم جريمة غسل الأموال  

يرى البعض أن غسل الأموال يعني إخفاء حقيقة الأموال المستمدة من طريق غير مشروع عن طريق القيام بتصديرها أو ايداعها في مصارف دول أخرى أو نقل أو إيداعها استثمارها في أنشطة مشروعة للافلات بها من الضبط  والمصادرة وإظهارها كما لو كانت متحصلة من مصادر مشروعة سواء كان الايداع أو النقل أو التحويل أو التوظيف أو الاستثمار قد تم في دول متقدمة أو دول نامية[2] ويرى البعض الآخر بأن عملية غسل الأموال عملية تـهدف إلى إخفاء  المصدر  الحقيقي للدخل الغير المشروع ومحاولة  إضفاء الشرعية عليه  واظهاره كما لو كان ناتجا من أنشطة  مشروعة [3].
ويرى الأستاذ خالد كردودي بأن غسل الأموال عملية تـهدف إلى إخفاء المصدر الحقيقي للدخل الغير المشروع ومحاولة إضفاء الشرعية عليه وإظهاره كما لو كان ناتجا من أنشطة مشروعة[4].
يمكن القول بأن كل التشريعات الدولية والآراء الفقهية تعرف غسل الأموال بأنـها عملية تـهدف إلى إخفاء المصدر غير الحقيقي للدخل الغير المشروع ومحاولة  إضفاء الشرعية عليه وجعله كما لو كان ناتجا من أنشطة مشروعة لكن ما يمكن قوله في هذا الإطار هو أن التشريعات والآراء الفقهية انقسمت في تحديدها للفعل غير المشروع الذي تدخـل الأموال المتحصلة منه في جريمة غسل الأموال إلى قسمين ومن هنا يمكن تقسيم تعريف غسل الأموال إلى التعريف الضيق (الفقرة الاولى ) والتعريف الواسع (الفقرة الثانية ) مع  إعطاء موقف المشرع  المغربي (الفقرة الثالثة ) .

أولا :   التعريف الضيق لجريمة غسل الأموال :

التعريف الضيق هو الذي يتم بمقتضاه  تحديد لائحة محصورة للجرائم التي تدخل متحصلاتها في جريمة غسل الأموال  ومن بين التشريعات والاتفاقيات التي  أخذت بـهذا المفهوم نجد:
  1. اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية[5] والمشرع المصري في المادة 2 من قانون رقم 80 لسنة 2002 [6].
ونفس الاتجاه نجده عند المشرع الإماراتي حيث نصت في المادة 20 على قائمة بالجرائم  التي تدخل عائداتـها في نطاق جريمة غسل الأموال من قبيل جرائم المخدرات والقرصنة والارهاب والاتجار غير المشروع في الأسلحة .والاتجار غير المشروع في البشر[7].

ثانيا :  المفهوم الموسع لجريـمة غسل الأموال .

يعني هذا المفهوم عدم وضع قائمة محددة للجرائم التي تستمد منها المتحصلات محل غسل الأموال .حيث يمكن تعريف غسل الأموال وفق هذا المفهوم بأنها عملية يتم من خلالها إضفاء الشرعية على أموال غير مشروعة متحصلة من أي نشاط إجرامي . ولقد نـهج هذا النهج أغلب التشريعات والاتفاقيات الدولية من قبيل القانون البحريني  حيث عرفت المادة الأولى منه الخاصة بالتعريفات مكاسب الجريمة بأنـها الأموال المتحصلة بطريق مباشر أو غير مباشر كليا أو جزئيا من أي نشاط إجرامي[8].ونفس  الشيء بالنسبة للقانون الجزائري[9] وكذلك القانون الأمريكي  الصادر سنة 1985 الذي اعتبر غسيل الأموال  هو كل عمل يهدف إلى إخفاء طبيعـة أو مصدر  الأموال الناتجة عن النشاطات  المجرمة[10].
وهذا التوجه نفسه نـجده عند المشرع الفرنسي الذي نص على نوعين من التكييف القانوني لجريمة غسل الأموال أولهما تكييف عام يشمل غسل الأموال المتحصلة من جناية أو جنحة وثانيهما تكييف خاص لغسل الأموال الـمتحصلة من جرائم المخدرات .
وبالإضافة إلى الاتجاه الأول والثاني نجد اتجاه مختلط كالاتجاه الألماني حيث يعتبر جميع المتحصلات  الناتجة عن جناية تدخل في نطاق غسل الأموال بينما  إذا كانت الأموال متحصلة من جنحة  يـجب أن تكون من ضمن الجنح المنصوص عليها على سبيل الحصر[11].

ثالثا   : موقف  التشريع المغربي :

بالرجوع إلى القانون المغربي 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال  نقف على ملاحظتين  الملاحظة الأولى  هو أن التشريع المغربي  لم يعرف جريمة غسل الأموال على عكس التشريعات  السابقة . ولكنه قام بتعداد بعض الأفعال التي تكون جريـمة غسل الأموال. وهي منصوص عليها في المادة 1-574[12]  .
 الملاحظة الثانية هو أنه نـهج النهج الأول الذي يعتمد على تحديد قائمة الجرائم التي تعتبر  متحصلاتها محل لجريمة غسل الأموال حيث حدد هذه الجرائم على سبيل الحصر في المادة 2-574 وبالرجوع إلى هذه المادة نـجد  هذه الجرائم  على الشكل التالي :
  • الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية.
  • المتاجرة بالبشر
  • تـهريب المهاجرين
  • الاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخيرة .
  • الرشوة  واستغلال النفوذ واختلاس الأموال  العامة والخاصة.
  • الجرائم الإرهابية.
  • تزوير النقود وسندات القروض العمومية أو وسائل الأداء الأخرى .
لكن المشرع المغربي ورغبة منه في  تجاوز بعض الانتقادات الموجهة اليه في هذا الاطار لقد قام في التعديل الاخير[13]لقانون  بالتوسيع من لائحة هذه الجرائم حيث أصبحت تشمل اثنان وعشرون جريمة [14]  لكن رغم ذلك كان على المشرع أن يتخلص من هدا التحديد المحصور لينضاف إلى  التشريعات التي أخذت بالمفهوم الواسع لجريمة غسل الأموال والتي لا تضع لائحة محصورة للجرائم التي تدخل  متحصلاتها في جريمة غسل الأموال حيث ما زالت بعض الجرائم الخطيرة التي لا يوجد لها مكان في ألائحة المنصوص عليها ومن قبيل ذلك جريمة تهريب المواد النووية. وكيف ما كان الأمر فإن المشرع بتوسيعه لهذه اللائحة يكون قد استجاب للتوصيات الأربعون (FATE) الصادرة عن قوة المهمات المالية  في سنة 2003 . والتي أوجبت على الدول في التوصية الأولى تطبيق جريمة غسل الأموال على جميع الجرائم الخطيرة وان يشمل ذلك مجموعة واسعة من الجرائم ويمكن وصف الجرائم بالإشارة إلى كل  الجرائم أو إلى حد أدنى يرتبط إما بفئة الجرائم الخطيرة، أو عقوبة السجن المطبقة  على الجريمة مضيفا أنه في حالة الدول التي تطبق منهج  الحد الأدنى  يجب أن تكون الجرائم  التي في الحد الأدنى تشمل جميع الجرائم  التي تقع ضمن فئة الجرائم الخطيرة  بموجب القانون المحلي .

الفقرة الثانية  : خصائص جريمة غسل الأموال 

تتميز جريـمة غسل الأموال بمجموعة من الخصائص تميزها عن الجرائم العادية وهذا ما يزيد من خطورتتها ويجعل  مهمة التحقيق  في عناصر ارتكابـها معقدة فهي جريمة تبعية واقتصادية وعابرة للحدود وجريمة منضمة وهذا ما سنعما على تناوله في هذه الفقرة وفق ما يلي  

اولا :  جريمة غسل الأموال جريمة تبعية
.
تعتبر جريمة غسل الأموال جريمة تبعية  لكونها تفرض وقوع جريمة أصلية سابقة عليها  حقق مرتكبها فائدة أو منفعة معينة، وهي مصدر  الأموال غير  المشروعة .

ثانيا : جريمة غسل الأموال جريمة اقتصادية .

الجريمة الاقتصادية هي كل فعل أو امتناع له مظهر خارجي يخل بالنظام الاقتصادي والإئتماني  للدولة يحظره القانون[15]  .
إذا كانت الجرائم العادية تمس الفرد في جسمه أو سمعته فإن الجريمة الاقتصادية تمس المصالح الاقتصادية للدولة والأثر المترتب عنها هو الإضرار  بالمال العام إما بالاستيلاء عليه أو عدم المحافظة عليه وهـي من الجرائم ذات المسؤولية المطلقة أو دون خطأ كما أنها من الجرائم التي  يسأل عنها الشخص المعني . كما أنـها سريعة التغير نظرا لتغير الظروف الاقتصادية[16] . وجريمة غسل الأموال تعتبر من الجرائم الاقتصادية المستحدثة .

ثالثا: جريمة تبييض الأموال جريمة منظمة .وعابرة للحدود

باعتبار جريمة غسل الأموال من الجرائم الدولية الخطيرة والتي تؤثر  سلبا  على الاقتصاد الدولي نجد أنـها في أغلب الحالات تكون جريمة  منظمة تفرض تعدد الجناة ووحدة الجريمة ماديا ومعنويا  بحيث يساهم كل واحد منهم  بعنصر أو أكثر من العناصر المؤثرة في الجريـمة .وهذا ما يجعلها معقدة  ومتشابكة وذات بعد دولي حيث تتم على مراحل الإيداع  التمويه تم مرحلة الدمج ويستخدم فيها وسائل فنية قابلة للتطور وغالبا ما تتم هذه العملية في أقاليم دول مختلفة فقد يتحصل على  الأموال المراد غسلها مثلا  في المغرب نتيجة الاستثمار في المخدرات مثلا تم تـهرب  هذه  الأموال إلى إحدى الدول التي تكون قوانينها لا تـهتم بمصدر تلك الأموال  كالـمجر مثلا وهي ما تسمى  بالثقب  الأسود  وتوضع هذه الأموال في إحدى  المؤسسات المالية بـها تم يقوم الشخص الذي يريد غسل الأموال الحصول على قرض استثماري  من إحدى البنوك المصرفية بضمان ودائعه في الخارج ففي الـمثال السابق نجد أن الجريمة وقعت في أكثر من إقليم وبمساعدة العديد من الأشخاص ذوي الجنسية المختلفة . هذا ما يتطلب تضافر الجهود الدولية وتقديم المساعدات  بين الدول وتبادل الخبرات والمعلومات لوضع حد لهذه الجريمة والوقاية منها .

الفقرة الثالثة  : اثار  جريمة غسل الأموال

ترتبط ظاهرة غسل الأموال بالجريمة المنظمة العابرة للحدود والتي اكتسحت كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية في السنوات الأخيرة وسنتحدث في هذه الفقرة عن أثار التي تخلفها جريمة غسل الأموال ويمكن التمييز هنا بيت الآثار الاجتماعية والاقتصادية (أولا) والآثار السياسية والأمنية( ثانيا

أولا :الآثار الاجتماعية والاقتصادية

  1. البطالة وازدياد معدل الجريمة
يؤدي تحويلات الأموال من داخل البلاد الى الخارج عبر القنوات المصرفية الى نقل رؤوس الأموال الى لدول الأخرى ومن ثم العجز عن الإنفاق على الاستثمارات ألازمة  لتوفير فرص الشغل للمواطنين وانتشار البطالة هذا من جهة ومن جهة أخرى فان نجاح أصحاب الدخول غير المشروعة في الإفلات من العقاب يشجع غيرهم الى الانزلاق الى هاوية الجريمة الأمر الذي يؤدي في النهاية الى ارتفاع معدل الجريمة
2-انتشار الحقد وتوسيع الهوة بين طبقات المجتمع الواحد
ظاهرة غسل الأموال تساهم بشكل كبير في تكديس رؤوس الأموال في يد فئة قليلة من أفراد المجتمع مما يزيد من حجم الهوة بين طبقاته التي تدخل في صراع طبقي يتولد عنه انتشار الحقد
3 –ارتفاع الأسعار
إن استثمار الأموال المغسولة في المشاريع والعقارات يؤدي إلى ارتفاع الأسعارعن طريق احتكار السوق والمنافسة غير المشروعة  
ثانيا :الآثار السياسية والأمنية
قد تستخدم بعض الأحزاب السياسية حصيلة أموال تجارة المخدرات وتزييف النقود في تمويل العمليات الانتخابية لان هذه الأموال تجعل أصحابها مصدر قوة وسيطرة مما يزيد من فرض قوانينهم على نضام المجتمع كما أن هذه الأموال قد توظف في تمويل العمليات العسكرية ضد نظام الحكم في إطار الصراع بين السلطى السياسية كما أن هذه الأموال تسهل أصحابها وتساعدهم على القيام بمختلف الخروقات وذلك عن طريق ارتشاء الجهاز الأمني والقضائي وهدا ما يصعب من  مهمة القبض عليهم وملا حقتهم  

المطلب الثاني: مراحل ووسائل ارتكاب جريمة غسل الأموال

 سنتطرق في هذا مطلب  إلى مراحل ارتكاب جريمة غسل الأموال( الفقرة الأولى) ثم  وسائل ارتكاب هذه الجريـمة(الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى : مراحل ارتكاب جريمة غسل الموال:

استقرت الدراسات القانونية على أن غسل الأموال تتم عبر ثلاثة مراحل وهي مرحلة الإيداع ومرحلة التمويه وأخيرا مرحلة الدمج .
  1. مرحلة الإيداع :
 وهي المرحلة التي يقوم فيها أصحاب الأموال المكتسبة من الأنشطة غير المشروعة  بإدخال  أموالهم وتوظيفها  وإيداعها في الدورة المالية[17] ،حيث تكون المنظمات  الإجرامية قد تحصلت على أموال ناتجة عن أفعال جرمية وتبحث كل السبل من أجل التخلص منها عن طريق إيداعها في المؤسسات المالية لتصبح أموالا نظيفة، وتعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل بسبب التعامل المباشر مع الأموال غير المشروعة كما أنـها  المهمة التي تقضي تدخل الجهات المسؤولة وإيقافها قبل الدخول  في النظام المصرفي والمرور بالتالي إلى المراحل  اللاحقة التي تعقد مهمة البحث والتحقيق.
  1. مرحلة التمويه :
تتم   هذه المرحلة من خلال سلسلة من العمليات تقوم بـها المنظمات الإجرامية مباشرة بعد مرحلة الإيداع وذلك لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال[18] . حيث بعد دخول الأموال في النظام المصرفي يتم إخفاء علاقة هذه الأموال بمصادرها غير المشروعة عن طريق القيام بالعديد من العمليات المصرفية كالإيداع أو السحب، حيث يتم إيداع أموال متحصلة من مصدر مشروع والهدف من هذه المرحلة هو تضليل الجهات الرقابية والأمنية والقضائية من معرفة المصدر غير المشروع، حيث غالبا ما يكون الأشخاص الذين يقومون بغسل الأموال يملكون مشاريع أو استثمارات قانونية وهذا يسهل عليهم عملية التمويه والتضليل، وفي هذه  المرحلة تواجه  الجهات المكلفة بالبحث والتحري صعوبات معقدة نظرا لانتقال الأموال  بسرعة عبر البنوك ليتم دمـجها مع الأموال المشروعة وهي المرحلة الأخيرة .

3)مرحلة الدمج:

تأتي هذه المرحلة  بعد مرحلة الإيداع والتمويه وهي آخر مرحلة  من مراحل غسل الأموال حيث يعاد من خلالها ضخ الأموال  في الاقتصاد مرة أخرى كأموال عادية، سليمة تكتسب مظهرا مشروعا وقانونيا حيث يتم إشراك هذه الأموال في مشروع تجاري آخر معروف بمشروعيته .
ومن الأمثلة التي تقوم بـها عملية الدمج نذكر على سبيل المثال :
بيع وشراء العقارات- القروض الصورية أو الوهـمية – الاتجار في الذهب .

الفقرة الثانية  : أساليب غسل الأموال

يقصد بأساليب غسل الأموال طرق الغسل التي يستخدمها مرتكبوا الجريمة في تحويل إيرادات ومتحصلات الجرائم إلى أصول وممتلكات تبدو في صورة مشروعة، وتتفاوت هذه الأساليب بين الطرق البسيطة والمعقدة .
ويمكن القول أن التقدم التكنولوجي وما عرفه  من ظهور وسائل  مستحدثة يزيد من تطوير هذه الأساليب وتعقيدها وجعل مهمة اكتسابـها صعبة . ويمكن التمييز في هذا الإطار بين الأساليب التقليدية والأساليب الحديثة :

أولا: الأساليب التقليدية

1-المصارف المالية :

تعد المصارف هي الوسيلة الأكثر استخداما في عملية غسل الأموال  حيث  كانت وما تزال هي الملاذ المفضل التي يلجأ إليها غاسلو الأموال من أجل إيداع أموالهم  وتحويلها ونقلها إلى الخارج عن طريق مجموعة من العمليات التي تتيحها الأبناك والمصارف من قبيل تحويل الأموال النقدية،القروض ، شراء وبيع بطاقات الائتمان، الشكات السياحية، أوامر الدفع المصرفية، شراء الأسهم والسندات ، لكن نظرا للجوء لأبناك إلى اتخاذ تدابير مشددة ورفع السرية عن الحسابات  والوثائق المصرفية إذا كانت العملية مشبوهة  من خلال قاعدة أصبحت معروفة في هذا المجال وهي  اعرف عميلك والتي نصت عليها التوصيات الأربعون(FATE) لفريق العمل المالي في توصيتها  الخامسة[19] وهذا ما جعل غاسلوا الأموال يعملون  على انتقاء البنوك الموجودة في دول لا تعاقب على غسل الأموال ولا تزال تتمسك بسرية العمليات  المصرفية[20] .

2-استخدام الشركات الوهـمية :

يتم أحيانا تأسيس  شركات صورية ولكنها لا تمارس في الواقع أي نشاطات  فعلية ويتم فتح حسابات باسم الشركة داخلية أو خارجية وتكون بالتالي الملاذ القانوني لمحاولات غسل الأموال وتكون  هذه الشركات منتشرة في الدول التي تفتقر  إلى الرقابة الـمحكمة .
 
 
3- الصفقات الوهمية ودور السمسرة والقمار :

تستخدم الصفقات الوهمية كإحدى الوسائل التقليدية في عمليات غسل الأموال  ويأتي ذلك من خلال استخدام الأسعار العالمية وتضخيم الأرقام الفعلية واستخدام الفواتير المزيفة وكل ذلك  لغاية تبرير الأموال المتحصلة من عمل غير مشروع .

4- الغسل العيني للأموال :

بالإضافة إلى الغسل النقدي قد يتم الغسل عن طريق تحويل المتحصلات إلى أموال عينية ذات قيمة منقولة كانت أو عقارية وذلك عن طريق  شراء الأصول ذات القيمة العالية كالمباني والاتجار في العقارات المبنية وفي الذهب والمجوهرات، ويتلخص الغسل العيني في أن يتم شراء أعيانا منقولة أو  عقارية بالأموال القذرة  تم تباع هذه العقارات أو المنقولات أو يتم تصديرها فيتعذر معرفة مصدرها .

ثانيا : الأساليب الحديثة في غسل الأموال

برزت الأساليب التكنولوجية المتقدمة كإحدى الوسائل السريعة لعملية غسل الأموال والتي تضيع معها إمكانية الرقابة على مصدر  تلك الأموال ، ولقد ظهرت هذه الوسائل كنتيجة للتطورات التي عرفها مجال الاتصال والمعلوميات، ومن هذه الطرق نذكر ما يلي :
  1. غسل الأموال الالكتروني:
لقد استغل غاسلو الأموال التطور والتقدم في مجال الخدمات البنكية والمصرفية حيث بدأ يتم استعمال مجموعة من الوسائل منها البطاقة الائتمانية ، حيث يتم تحويل أو نقل الأموال من أي جهاز صرف آلي في أي بلد أجنبي ومن تم يعتمد الفرع الذي تم الصرف من جهازه الآلي طلب تحويل المال إليه، من الذي سبق وأن أصدر بطاقة الائتمان وبـهذه الطريقة  يكون العميل قد تخلص من القيود المالية التي تفرض على هذه التحويلات[21].
ومن خلال شبكة الانترنيت يمكن أن يتم التعامل مع المصارف بالدخول للحسابات المصرفية وإجراء عمليات مالية ونقدية مع أي جهة أو مؤسسة ويتم تغطية الحسابات والتحويل والدفع بسرعة كبيرة جدا وبدرجة عالية من السرية مـما يجعل هذه العمليات بعيدة عن الرقابة والتتبع .
  1. الصيرفي عبر الهاتف :
لقد أصبح استخدام الهاتف من الوسائل المعتمدة والمتبعة في القيام بالخدمات المصرفية على مدار الساعة ودون التعرف على هوية الزبون وهذا ما يحقق  مزايا أهمها المرونة في  التعامل وتوفير الوقت .
 
 
المبحث الثاني : الإطار التشريعي لجريمة غسل الأموال بين التشريعات المقارنة والتشريع المغربي .

المطلب الأول: جريمة غسل الأموال في التشريعات المقارنة .

لقد أصبحت كل الدول تقريبا تتوفر على تشريعات تجرم غسل الأموال سواء الغربية منها أو العربية وسنتطرق في هذا المطلب على بعض التشريعات الغربية (الفقرة الاولى) والعربية (الفقرة الثانية )مع إبراز موقف الشريعة الإسلامية من غسل الأموال الفقرة الثالثة 

الفقرة الاولى جريمة غسل الاموال  في التشريعات الغربية

أولا :التشريع الفرنسي

كانت جريمة غسل الأموال في التشريع الفرنسي تقترن بجنحة المخدرات627 من قانون الصحة والمادة 415 من قانون الجمارك ثم اصدر قانون خاص لتنظيم مكافحة غسيل الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع في المخدرات بتاريخ 31/12/1987 [22] .كما انشأ المرسوم الصادر بتاريخ 10 /5 /1990 المتعلق بوزارة المالية هيأة( تراكفين ) المكلفة بدراسة وتحليل المعلومات والتأكد من قواعد المكافحة ثم صدر القانون الفرنسي رقم 614/90 بتاريخ 12/07/1990 يفرض على الهيئات المالية التصريح لهيأة تراكفين بالمبالغ المسجلة في دفاترها والتي تبدومتحصلة من جريمة المخدرات  اذا كانت قيمتها تتجاوز  50000 فرنك فرنسي [23].وفي سنة 1993 صدر قانون  مكافحة غسل الأموال المتحصلة من الاتجار في المخدرات وفي 13/05/1996 صدر تعديل لهذا القانون والذي وسع نطاق الغسيل ليشمل جميع الأفعال الإجرامية [24] وبذلك يكون المشرع الفرنسي في التعديل الأخير وسع في مكافحته لجريمة غسل الأموال ليشمل كل النشاطات الإجرامية .ولقد نص على الركن المادي لهذه الجريمة  حيث نص على مطهرين للسلوك وهما تمويه مصدر الأموال أو الدخول غير المشروعة والتبرير الكاذب لمصدر الأموال أو الدخول المتحصلة من جناية او جنحة بالإضافة  إلى المساعدة في إخفاء او إيداع او تحويل العائد المباشر أو غير المباشر عن جناية او جنحة[25] .

ثانيا التشريع السويسري

تأخرت سويسرا في معالجة نشاط غسل الأموال وذلك راجع إلى تشددها في المحا فضة على السرية المصرفية فضلا عن حيادها السياسي المعروف لكنها لم تستطيع الصمود أمام الضغوط الدولية حيث استحدث المشرع المسويسري المادة 305 مكرر2 من قانون العقوبات والتي تعاقبعلى غسيل الأموال وكدا المادة 305 مكرر 3  التي تعاقب على عدم الحرص والإهمال في العمليات المالية وذلك بوموجب التشريع الصادر سنة 1990 والذي بدا سريانه بتاريخ 01/08/1990 [26]   حيث نص في الفصل 305 مكرر 2 على عقاب كل من ارتكب فعلا يعوق بطبيعته التعرف على المصدر غير المشروع لأموال يعلم أنها متحصلة من جريمة [27]سواء ارتكبت الجريمة داخل سويسرا أو خارجها  ,كما اصدر المشرع السويسري تشريع جديد في 10/10/1997 والذي جاء بمجموعة من المقتضيات منها  إلزام المؤسسات المالية بالتحقق من العملاء, إنشاء لجنة خاصة من اجل تلقي التبليغات وعدم مسؤولية المؤسسات المالية  عن إفشاء السر المهني عند قيامها بالإبلاغ عن العمليات المشبوهة[28].

الفقرة الثانية :جريمة غسل الأموال في التشريعات العربية ا

اولا :التشريع المصري

لقد اصدرا لمشرع المصري قانون رقم 80 لسنة 2002 والمعدل بقانون رقم 78 لسنة 2003 ولقد عرف هذا القانون جريمة غسل الأموال في المادة 1 فقرة ب حيث اعتبرها  "كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها او التصرف فيها او إدارتها او حفضها او استبدالها او إيداعها او ضمانها او استثمارها او نقلها او تحويلها او التلاعب بقيمتها  إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 مع العلم بذلك متى كان القصد من هدا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانها أو صاحبه او صاحب الحق فيه او تغيير حقيقته او الحيلولة دون اكتشاف ذلك او عرقلة التوصل إلى شخص مرتكب الجريمة . وبالرجوع إلى المادة 2 نجدها نصت على مجموعة من الجرائم على سبيل الحصر والتي تدخل في نطاق غسل الأموال  .

ثانيا التشريع الكويتي

اصدر المشرع الكويتي القانون رقم 35 لسنة 2002 بشان مكافحة جريمة غسل الأموال ويرتكز هذا القانون على تحقيق أقصى قدر ممكن من الحماية  ولقد عاقب على جريمة غسل الأموال المتحصلة من أي جريمة كانت وهذا من نستشفه من المادة 1 التي تنص على ما يلي "عملية غسل الأموال هي عملية أو مجموهة من العمليات  المالية او غير المالية  التي تهدف الى إخفاء او  تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة واظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع ويعتبر من قبيل هذه العمليات كل فعل يساهم في عملية توظيف او تحويل أموال او عائدات بصورة مباشرة او غير مباشرة من جريمة أو إخفاء أو تمويه مصدرها  "
 
الفقرة الثالثة: موقف الشريعة الإسلامية من جريمة غسل الأموال

تقر الشريعة الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها من حب للمال حيث قال تعالى "المال والبنون زينة الحياة الدنيا [29] "لكن الإسلام اقر طرق كسب المال من الحلال ودكر العلماء طرق الكسب المشروع وهي العمل المشروع الإرث الهبات والصدقات والزكاة ولقد نهى الإسلام عن كسب  المال الحرام  قال تعلى "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها  إلى الحكام لتأكلوا فريقا  من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون [30]" والرسول ص بين  لنا أن المال الحرام يبطل عمل صاحبة  قال ص" أن الله طيب لا يقبل الا طيبا[31]"    كما قال تعالى" يا أيها الدين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم[32]" وانطلاقا مما سيق يتبين  أن الشريعة الإسلامية تحرم وتجرم عملية غسيل الأموال بالمعنى الاقتصادي الحديث الذي يعني اعتبار الأموال المحرمة أموالاً مشروعةً عن طريق عدة إجراءات بنكية ومصرفية واستثمارية هروبًا من القوانين وإخفاءً للحقائق، وإيهامًا للناس.. لأن ذلك في الشريعة الإسلامية يمثل عدة جرائم من الكذب والتزوير والنفاق والخداع؛ فهو يضيف إلى الجريمة الأصلية في اكتساب المال الحرام عدة جرائم، وأن هذا الغسيل ليس غسيلاً شرعيًّا يطهر المال وينظفه بل يزيده نجاسةً وتلوّثًا؛ فهو مجاز غير صحيح، ومن هنا فإن جميع القوانين المحلية والعالمية التي صدرت ضد غسيل الأموال بهذا المعنى توافق الشريعة الإسلامية التي سبقت جميع القوانين والنظم إلى تحريم ذلك وتجريم فاعله، وعلى هذا لايجوز أن يكون في البلاد الإسلامية ولا أن يقوم أي مسلم بارتكاب هذه الجريمة والتعاون أو التعامل فيها، أما الغسيل الشرعي لمثل هذه الأموال المحرمة فيكون كما بينا بالتخلص منها بالكلية إن كانت كلها حرامًا، وبالتخلص من الجزء المحرم منها إن كان بعضها حلالاً وبعضها حرامًا، ويكون التخلص الشرعي بإعادة الأموال المحرمة إلى أصحابها إن كانوا معروفين أو بالتصدق بها على الجمعيات والمشاريع الخيرية.كما أن الشريعة الإسلامية تفرض على أصحاب الأموال الحلال غسيلاً شرعيًّا وذلك بإخراج الحقوق الشرعية منها كالزكاة والصدقات والنفقات والضمانات.. وأن المسلم إذا لم يخرج هذه الحقوق الشرعية تلوث ماله الحلال بالحرام وإلا تعرض للعقاب الشرعي والقانوني في الدنيا والآخرة.

المطلب الثاني :جريمة غسل الأموال في التشريع المغربي

نضم المشرع المغربي على غرار  باقي التشريعات غسل الأموال بمقتضى القانون رقم 05.43 [33]
حيث حدد أركانها والجهة المختصة بالبث فيها وسنتناول في هذا المطلب أركان جريمة غسل الأموال (الفقرة الأولى ) وعقوبتها (الفقرة الثانية ) والجهة المختصة بالبث فيها (الفقرة الثالثة )

الفقرة الأولى: أركان جريمة غسل الأموال

ان جريمة غسل الأموال مثلها مثل باقي الجرائم يتطلب تحققها توافر الركن القانوني والركن المادي والركن المعنوي لكن ما يميز هذه الجريمة عن خيرها هو انه يتعين توافر عنصر مفترض يتمثل في وقوع جريمة سابقة غلى وقوع النشاط وهي مصدر المال غير المشروع

اولا: الركن القانوني

الركن  القانوني كما هو معلوم هو نص التجريم الذي  يجرم و يعاقب عليه و يمكن القول في هذه الصدد أن التشريع المغربي كان يعرف  فراغا تشريعيا قبل صدور قانون 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال الصادر بتاريخ 17-04-2007 المعدل والمتمم بظهير شريف رقم 1.11.02 الصادر في 20 يناير 2011 و ذلك استجابة للاتفاقيات الدولية[34] و تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي تأخر كثيرا قبل إخراج  هذا القانون إلى حيز الوجود على خلاف باقي التشريعات العربية التي سارعت إلى سن تشريعات  تخص غسل الأموال منذ مطلع القرن الحالي كمصر و الإمارات العربية و الكويت و الجزائر و انطلاقا من هذا القانون تكون بلادنا قد تمكنت من احترام التزاماتـها الدولية و استجابت للتوصيات العالمية ،و يحدد هذا القانون الأفعال المجرمة و يضع العقوبات المناسبة لذلك . عند توفر باقي أركان هذه الجريمة.

ثانيا : العنصر المفترض[35]

 يقصد بهذا العنصر  ارتكاب جريمة أصلية تكون  هي محل جريمة غسل  الأموال و كما سبق القول لقد اختلفت التشريعات في تحديد الجرائم  التي تدكون متحصلاتها محل لجريمة غسل  الأموال . فهناك اتجاه اعتبر بان  الأموال المتحصلة من أي جريمة كيف ما كان نوعها يمكن أن تكون محل لجريمة غسل  الأموال في حين هناك بعض التشريعات نصت علا لائحة من الجرائم على سبيل الحصر ومن بينها التشريع المغربي
الذي حدد نطاق الجريمة الأولية في إطار قانون غسل الأموال في عدد من الأفعال غير المشروعة والمحددة على سبيل الحصر في المادة 2-574 هذا الأخير تمم بمقتضى الظهير أعلاه حيث عمل على توسيع نطاق الجرائم الأصلية التي تشكل مصدر قيام جريمة غسل الأموال ليصل عددها إلى 24 جريمة بعدما كانت محددة في 7 جرائم كما وسع المشرع المغربي نطاق ارتكاب هذه الجرائم بحيث عاقب عليها ولو ارتكبت خارج التراب المغربي و هي التي تكون الأموال المتحصلة منها محل لجريمة غسل الأموال.
و من هذا المنطلق فان  النهج الذي نهجه التشريع المغربي في تجريمه   لجريمة غسل  الأموال تقتضي ارتكاب جريمة أصلية منصوص عليها على سبيل الحصر
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن جريمة غسل الأموال  هي جريمة مستقلة ، تكون متوفرة سواء تم تحريك الدولة العمومية أو لم يتم تحريكها ، ما دامت توفرت عناصرها القانونية ولا  تلازم  بين إدانة مرتكب الجريمة الأصلية  وتحقق  المسؤولية الجنائية  لـمرتكب جريمة  غسل الأموال
 
ثالثا : الركن المادي.
     الركن المادي هو السلوك الذي يرد على مـحل الجريمة . و يترتب عليه نتيجة إجرامية معينة مع ضرورة وجود علاقة السببية بين السلوك و النتيجة .
  1. النشاط الإجرامي .
حدد المشرع المغربي السلوك المادي لجريمة غسل الأموال في  عدة صور نص عليها في الفصل 1- 574  تتمثل في الاكتساب أو الحيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل او نقل  الممتلكات او عائدات بـهدف إخفاء أو تمويه مصدرها و كذا مساعدة أي شخص متورط في إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2-574 أو  تسهيل التبرير الكاذب لمصدر الممتلكات أو تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو  إخفاء أو استبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . وفي هذا الاطار تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي بعد تعديله لهذا الفصل أضاف  صورة أخرى تشكل ركنا ماديا في جريمة غسل الأموال وتتمثل في نقل الممتلكات او العائدات .و يـمكن تقسيم هذه الأفعال إلى ثلاث مجموعات[36] .
المجموعة الأولى تـهدف إلى تجريم الأفعال لمجرد  الاتصال بالمال  دون التعامل به كالحيازة مثلا .
المجموعة الثانية : تـهدف الى تجريم الأفعال التي تدفع المال إلى دائرة التعامل كالاستبدال أو التحويل والنقل .
 المجموعة الثالثة : تـهدف إلى تجريم الأفعال عند تقديم المساعدة أو المشورة  لأي شخص سواء كان متورط في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2 – 574 أو يبحث عن كيفية توظيف أو إخفاء أو استبدال أو تـحويل العائدات المتحصل عليها من هذه الجرائم و مـما سبق نلاحظ بأن المشرع المغربي يعاقب  على المشاركة و المساهمة في جريمة غسل الأموال .
  1. النتيجة الإجرامية
تعتبر النتيجة الإجرامية أحد عناصر الركن المادي للجريمة وهي الأثر الذي يترتب عن السلوك الإجرامي ويمثل مساسا  بالمصلحة المحمية جنائيا والنتيجة  الجرمية في جريمة غسل الأموال  تتمثل في تغيير صورة المال الذي يتم الحصول عليه من وسائل غير مشروعة ليصح كأنه تحصل بطريقة مشروعة و من تم إدخال هذا المال في الدروة الاقتصادية و ظهوره في مظهر مشروع و هذا ما يكون له تأثير كبير على المصلحة المالية للدولة.
3 ) علاقة السببية :
علاقة السببية هي تلك الرابطة التي تصل بين النشاط و النتيجة الإجرامية و في جريمة غسل الأموال  فإن هذه  العلاقة تتوفر

ثالثا : الركن المعنوي.

  الركن المعنوي هو العنصر النفسي للجريمة و يتوفر الركن المعنوي بتوفر القصد الجنائي يمكن أن يكون قصد عام أو قصد خاص و السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هل يمكن أن ترتكب جريـمة غسل الأموال عن طريق الخطأ؟.
بالرجوع إلى اتفاقية فينا لسنة 1988 فان الركن المعنوي الذي نصت عليه هو القصد الجنائي العام بعنصريه العلم  والإرادة . لذا فانه لا يمكن أن ترتكب هذه الجريمة عن طريق الخطأ.
كذلك  المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن  المشرع المصري فقد اعتبر جريمة غسل الأموال جريمة عمدية وتتطلب القصد العام بالإضافة إلى القصد الخاص و الذي يتوفر في حالة إذا كان الغاسل قد قصد من نشاطه إخفاء المال أو تمويه مصدره أو مكانها حيث نص  المشرع المغربي في الفصل 1-574 .على انه "تكون الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما ترتكب عمدا وعن علم "
ولم يتطرق المشرع المغربي إلى الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه العلم بالأموال غير المشروعة محل جريمة غسل الأموال و بالرجوع إلى صور السلوك الإجرامي التي  حددها المشرع من حيازة الأموال و تحويلها و اسثمارها يتبين أن جريمة غسل الأموال جريمة مستمرة  و لذا فلا يتطلب تزامن العلم بالمصدر الإجرامي مع السلوك الإجرامي بل قد يكون العلم لاحقا على السلوك الإجرامي.

. الفقرة الثانية : عقوبة غسل الأموال :

يـمكن التمييز هنا بين الأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنوية .

أولا: بالنسبة للأشخاص الطبيعيين .

يعاقب المشرع الأشخاص الطبيعيين بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 100.000  درهم[37] وتشدد العقوبة في الحالات التالية[38]:
عندما  ترتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها  مزاولة نشاط  معين.
عندما  يتعاطى الشخص بصفة اعتيادية لعملية غسل الأموال .
عندما ترتكب الجرائم في إطار عصابة  اجرامية منظمة في حالة العود.

ثانيا : بالنسبة للأشخاص  المعنوية

يعاقب الأشخاص المعنوية بعقوبة أصلية والمتمثلة في غرامة   مالية من 500.000 إلى 3.000.000 درهم [39] والمصادرة الكلية للأشياء والممتلكات والأدوات التي استعملت او كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة [40] كما يمكن الحكم على مرتكبي غسل الأموال بواحدة او أكثر من العقوبات الإضافية التالية   :
- حل الشخص المعنوي .
- نشر المقررات المكتسبة لقوة الشيء  الحقيقي به الصادرة بالإدانة بواسطة جمع الوسائل الملائمة  على نفقة المحكوم عليه
- الحكم على مرتكب جريمة غسل الأموال بالمنع المؤقت أو  النهائي من أن يزاول بصفة مباشرة  أو غير مباشرة  واحدة أو أكثر  من المهن أو الأنشطة  التي ارتكبت الجريمة  أثناء مزاولتها .ويمكن أن أشير في هذا الإطار بان المشرع المغربي في تعديله الجديد للفصل 5-574 نص علة وجوب الحكم بالمصادرة الكلية دائما في حالة الإدانة بجريمة غسل الأموال خلافا للنص القديم الذي كان ينص على المصادرة الكلية او الجزئية .
الفقرة الثالثة:  الجهة القضائية المختصة نوعيا ومحليا في البث في جرائم غسل الأموال
نصت المادة 38 من الباب الرابع المتعلق بالأحكام الختامية من قانون رقم 05/48 المتعلق بمكافحة غسل الأموال على ما يلي
بالرغم من قواعد الاختصاص المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية أو في نصوص أخرى تختص محاكم الرباط فيما يتعلق  بالمتابعات والتحقيق والبث في الأفعال التي تكون جرائم غسل الأموال
ويمكن للمحاكم المذكورة لأسباب تتعلق بالأمن  العام وبصفة استثنائية ان تعقد جلساتها في مقرات محاكم أخرى.
يتبين من هذا النص أن محاكم الرباط المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف هي المختصة نوعيا ومحليا للبث في جرائم غسل الأموال حيث تحال لها القضية من طرف الوحدة المكلفة بمكافحة غسل الأموال [41]كما نص قانون مكافحة غسل الأموال على وجهة قضائية أخرى يعود لها الاختصاص للبث في القرارات الصادرة عن الوحدة وهذه الجهة هي المحكمة الإدارية بالرباط حيث يعود لها الاختصاص في الطعن في العقوبة المالية  التي تصدرها الهيئة  في حق الأشخاص الخاضعين لهدا القانون في  حالة الإخلال بواجباتـــهم عندما لا يتوفرون على هـــــيـــــئة إشراف أو مراقبة[42] .
 
الفصل الثاني  :مكافحة جريمة غسل الاموال على المستوى
                الدولي والوطني


المبحث الأول: مكافحة جريمة غسل الاموال على المستوى  الدولي .

بالنظر لعولمة الظاهرة الإجرامية بصفة عامة واستفادتها من الانفتاح الذي عرفته العلاقات الدولية  و التطورات التكنولوجية التي جعلت من العالم قرية صغيرة. اتجهت الجماعة الدولية في محاولة منها للحد من هذه الظاهرة إلى وضع مجموعة من الاتفاقيات الدولية و الإقليمية التي تعنى بمكافحة الظاهرة وكذالك وضع مجموعة من الآليات التي تؤطر  التعاون الدولي.

المطلب الأول: الاتفاقيات الدولية و الإقليمية لمكافحة جريمة غسل الأموال

تعتبر جريمة الاتجار في المخدرات وغسل الأموال من اخطر الجرائم بوجه عام كجرائم مستقلة، من هنا فان الضمير العالمي وعيا منه بهذه المسالة عمل على وضع ترسانة قانونية لمكافحة هذه النوعية من الجرائم. وقد تعددت أوجه هذا التعاون الجنائي الدولي وفق مستويات متباينة ما بين العالمي و الإقليمي.

     الفقرة الاولى : الاتفاقيات الدولية

   تتمظهر تجليات التعاون الدولي في مجال مكافحة جريمتي الاتجار في المخدرات وتبيض الأموال من خلال مجموعة من الاتفاقيات الدولية[43] وتأتي في مقدمتها:
        1- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار الغير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة [44]1988(اتفاقية فينا) وهي أول خطوة دولية مهمة اتخذت نحو تجريم الاتجار في المخدرات وتطرقت الاتفاقية أساسا إلى: 
   - الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية و الأموال الناشئة عنها ثم الأحكام التأسيسية لجريمة تبييض الأموال وبعد أن أوضحت الاتفاقية الأفعال المكونة لجريمة  غسل الأموال المتأتية في الاتجار غير المشروع في المخدرات وضعت الضوابط اللازمة لتتبع هذه الأموال عبر الدول وكيفية التصرف لحلها وعموما نوجز هذه الإجراءات فيما يلي:
ا-على الدولة أن تستصدر من سلطتها المختصة أمرا بالمصادرة ثم تقدمه إلى السلطات المختصة في الدولة الأخرى بهدف تنفيذه على الأموال المهربة. 
ب-تقوم السلطات  المختصة في الدولة الأخرى بإصدار أمرا بالمصادرة بعد  إجراء التحقيق اللازم ثم تقوم سلطتها بالبحت عن المتحصلات وتحديدها وتجسيدها ومصادرتها.
ج- يحق للدولة التي ضبطت المتحصلات في إقليمها أن تتصرف فيها وفقا لقانونها الداخلي وإجراءاتها الإدارية ويقضي بإبرام اتفاق بشان النزاع حول قيمة هذه المتحصلات أو جزء كبير منها إلى الأجهزة الدولية المعنية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات مثل صندوق الأمم المتحدة لمكافحة إساءة استخدام المخدرات.
دون إغفال إلزام هذه الاتفاقية  الدول الأعضاء فيها باتخاد إجراءات قانونية داخلية لتجريم كل عمل من شانه مخالفة أحكام الاتفاقية.
2- اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 1 اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة في الدورة 55 لسنة 2000 وقد عالجت بنود الاتفاقية عددا من المسائل كتجريم المشاركة في الجماعات الإجرامية المنظمة، تجريم غسل عائدات الجرائم، تدابير مكافحة غسل الأموال، تجريم ومكافحة الفساد مسؤولية الهيئات الاعتبارات الملاحقة و المقاضاة و الجزاءات، مصادرة وضبط الأموال، التصرف في عائدات الممتلكات المصادرة، الولاية القضائية، تسليم المجرمين ، نقل الأشخاص المحكوم عليهم......
3- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
صادقت الجمعية على الاتفاقية سنة 2003 وقد عينت بتدابير منع غسل الأموال عبر تنصيصها على أن تتخد الدول الأطراف، إجراءات معينة لمنع هذه الجريمة عبر السعي إلى التنمية وتعزيز التعاون العالمي و الإقليمي ودون الإقليمي، إنشاء إقليم داخلي للرقابة و الإشراف على المصارف و المؤسسات المالية الغير المصرفية، كفالة قدرة السلطات المكرسة لمكافحة غسل الأموال
4- توصيات لجنة عمل المالية لمكافحة غسل الأموال.
وضعت هذه التوصيات سنة 1990 ما بين الدول الصناعية السبع وذلك بهدف إعاقة واكتشاف أعمال تبيض الأموال وتمت مراجعتها سنة 1996 وتعد بمتابة برنامج عمل لمكافحة هذه الجريمة وتشمل النظام القضائي للقضاء عليها وقد أصبح مرجعا بالنسبة لكافة الدول من اجل التصدي لهذه الظاهرة وقد تمت مراجعتها وإقرارها سنة 2003.
الفقرة ثانية: الاتفاقيات الاقليمية :
نحت الاتفاقيات الإقليمية نفس المنحى الذي رسمته الاتفاقيات الدولية في مكافحة جريمتي الاتجار في المخدرات وغسيل الأموال

1- أوروبيا:

*إعلان لجنة بازل: جاء هذا البيان استجابة للمخطط الشامل المتعدد الاختصاصات للأنشطة المقبلة في ميدان مكافحة إساءة استخدام المخدرات والذي أصدرت في شانه جدولا يقضي بإلزامية المصاريف والمؤسسات الاستشارية والتأمينية على تعقب الإيرادات المتأتية عن أنشطة الاتجار غير المشروع في المخدرات، كما أكد على ضرورة التعاون بين المؤسسات المالية وخاصة البنوك ورفض المساعدة التي تبدو مرتبطة بغسل الأموال وقد صدر البيان سنة 1988 وقد عمل على بذل كافة الجهود  للتعرف على العملاء الجدد وفق القواعد الأخلاقية والقوانين المحلية، وقد أصدرت اللجنة سنة 1990 إرشادات أهمها إزالة القيود المتعلقة بالسريو المصرفية.
* إتفاقية ستراسبورغ1 .
وقعت هذه الإتفاقية 1990 /1/18 وتتعلق بمكافحة غسل الأمول الناتجة عن الجريمة والإجراءات التي يتعين لتتبع وضبط ومصادرة هذه الأموال، وقد عملت على توسيع أحكام إتفاقية فينا لتشمل غسل الأموال الناشئة عن الإتجار بالمخدرات.

2- عربيا.

لم تدخر الحكومات العربية جهدا في العمل على مكافحة جريمتي الإتجار في المخدرات وغسيل الأموال، حيث انخرطت معظم الدول في اتفاقية فينا لسنة 1988 كما وقعت الدول العربية على اتفاقية خاصة سنة 19941  بتونس تعنى بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وقد أحاطت هذه الاتفاقية عبر موادها كافة أشكال الجريمة المتمثلة في غسل الأموال علما أنها من مصدر إتجاري في المخدرات، كما وقعت الدول العربية على عدة إتفاقيات تعنى بالجرائم عبر الوطنية وأصدرت العديد منها القوانين في مكافحة عمليات غسيل الأموال كلبنان، مصر، قطر، وعمان.
 
 
المطلب الثاني:  التعاون الدولي في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال .

  بالنظر لخطورة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بصفة عامة والاتجار غير المشروع في المخدرات وغسيل الأموال بصفة خاصة فقد وضعت اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة عدة صور من التعاون البين دولي من أجل مكافحة هذه الآفة، ومن ضمن صور هذا التعاون نجد:

الفقرة الأولى: التعاون الأمني

  يتجلى هذا التعاون من خلال الشرطة الجنائية عبر منظمة الأنتربول التي تم إنشاؤها في فينا سنة 1993 وقد أصبحت تتمتع بالشخصية القانونية الدولية بعد إبرامها إتفاقية دولية مع منظمة الأمم المتحدة كمنطمة حكومية على أساس أنه لا ينقص من سيادة الدول المشتركة في عضويتها. ويسعى الأنتربول إلى البحث والتنصيص وتقديم إرشادات في مجال مكافحة الجريمة المنظمة كما تسعى إلى المساعدة المشتركة بين سلطات الشرطة الجنائية وتنميتها إضافة إلى ما إقامة وتنمية النظم الفعالة التي تساهم في منع ومكافحة جرائم القانون العادي دون التدخل في شؤون أو أنشطة سياسة، دينية، عسكرية أو عرفية.
وتقوم الأنتربول بعملها عبر مكاتبها المنتشرة عبر دول العالم، حيث تقوم هذه المكاتب بجمع المعلومات، وتبادلها.
ومسايرة منها تطور الجريمة أنشأت الانتربول مجموعة متخصصة في الجريمة المنظمة سنة 1990 حيث تهتم بتنسيق العمل . فيما يخص مكافحة الجريمة المنظمة.
كذلك فإن هاجس الأمن أصبح عاملا مشتركا بين دول المعمور، حيث لم تعد هناك دولة في العالم بمنأى عن التفكير في تعزيز دواليب أمنها وتقوية مؤسساتها للرفع من مردوديتها 1 والكثير من الدول عرفت في السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة في قوانينها الوطنية الأمنية، بل رفعت من مستويات الميزانيات المخصصة للجانب الأمني معززة تجهيزاتها بأليات حديثة ومتطورة حتى تمكنها من رصد التحركات المشبوهة وتتبع المشتبه فيهم للحيلولة دون وقوع الجريمة وتغيير التشريعات الوطنية يقتضي ملائمتها للمواتق الدولية، فالدولة بمجرد مصادقتها على معاهدة تكون ملزمة بتكييف قوانينها الداخلية بما ينسجم وروح هذه الإتفاقيات وذلك بناء على مبدأ سمو الإتفاقيات الدولية المصادق عليها في التشريعات الداخلية للدول، وهذا ما نصت عليه المادة 27 من معاهدة فيينا حول قانون المعاهدات 1969 بتأكيدها أن الأطراف لا يمكنها التدرع بالقانون الداخلي لتبرير عدم تنفيذ معاهدة صادقوا عليها.
كما أن الدول اتجهت إلى إبرام إتفاقيات ثنائية في ما بينها في ما يخص التعاون والتنسيق الأمني بين هذه الدول من أجل ملاحقة وإعتقال وتقديم ومحاكمة الأشخاص الصادرة بحثهم مذكرات بحث وكذا ملاحقة كافة الأنشطة المشبوهة من أجل منع وقوع الجرائم والوقاية منها.

الفقرة الثانية:التعاون القضائي

 يعني التعاون القضائي، تعاون السلطات القضائية في مختلف الدول لمكافحة الجريمة المنظمة، من حيث إجراءات التحقيق والمحاكمة إلى حين صدور الحكم وضمان عدم إفلات الجاني من العقاب ويتمظهر هذا التعاون من خلال عدة أوجه سواء عبر تبادل الخبرات والمعلومات القضائية، أو تسليم المجرمين الهاربين أو غيره كالاعتراف بالأحكام الجنائية أو تقل هذه الإجراءات ويمكن إيضاحها عبر ما يلي:

اولا : تسليم المجرمين2

 ويقصد به تخلي دولة ما عن شخص مقيم على أراضيها وتسليمه إلى دولة أخرى لتتولى بمقتضى قوانينها محاكمته عن جريمة منسوبة إليه أو تنفيذ حكم صادر عليه من محاكمها، ويتم التسليم عادة عن الطريق الدبلوماسي بعد أن تقوم الدولة بإحالة الطلب إلى محاكمها الوطنية لتفصل في مدى صحة هذا الطلب.
وقد تستند الدولة إلى مبدأ المعاملة بالمثل وهو قبول الدولة تسليم المجرمين إلى دولة أخرى شريطة أن تتعهد الدولة الطالبة بالموافقة على طلبات التسليم وتشترط الدول تسليم المجرمين إلى الدول الأخرى:
* أن يكون الفعل الذي إرتكبه الشخص مجرما في القانون الداخلي وهو ما يعبر عنه بازدواجية التجريم وهو ما أكدته المادة 18 من إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة وطنية.
* أن يكون الإختصاص القضائي لمحاكم الدولة لمالية التسليم، إذ تعطي الإتفاقية الإختصاص القضائي عند وقوع جريمة من الجرائم المنظمة لمحكمة الدولة الطرف عندما يرتكب الجرم في إقليمها أحد مواطنيها أو شخص عديم الجنسية يقيم على إقليمها أو عند إرتكاب جريمة المشاركة في جماعة إجرامية منتظمة خارج أرضها بهدف إرتكاب الجريمة فوق إقليمها.

ثانيا : مصادرة الأموال المتحصلة في الجريمة المنظمة: 

هي إحدى أكثر الآليات المنظمة لأنها تستهدف الهدف الرئيسي لهذه الأعمال المجرمة وهو الربح والمصادرة تعني تملك الدولة جزءا من املاك المحكوم عليه أو بعض أملاك معينة له. وعادة ما تقوم العصابات بإخفاء الأموال الناتجة عن الإتجار في المخدرات أو غيرها من الجرائم في دول أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة.
وتقوم المصادرة على:
  • مصادرة العائدات والممتلكات الإجرامية المتأتية في الجرائم.
  • مصادرة الممتلكات أو المعدات أو الأدوات الأخرى بالأخرى المعدة لإرتكاب الجرائم.
وهو ما أكدته مادة 12 من إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة، كما نادت بإقامة إتفاقيات ثنائية أو متعددة من أجل تسهيل عمليات المصادرة للأموال الناشئة عن الجرائم المنظمة.  ثالثا :الإنابة القضائية

تم العمل بالإنابة القضائية من أجل تفعيل التعاون القضائي الدولي في مجال الجريمة المنظمة عبر الوطنية من طرف الهيئات القضائية، وقد عملت الدول على إرساء قواعد العدالة بتبنيها لهذا النظام وتنظم الإنابة عن طريق الإتفاقيات الدولية وقواعد القانون الداخلي. وتعتمد الإنابة بالأساس على التفويض الذي يقوم به القاضي حيث يفوض سلطاته بإستثناء في الحالات التي لا يمكنه فيها القيام بالأعمال المذكورة في صك الإنابة أي إجراء مبهم أو عام.
ويخول القانون للنيابة العامة إنتداب جهة قضائية أجنبية قصد الاستماع لشهود أو مشتبه فيهم، أو معاينة إحدى الأماكن وفقا للقانون الداخلي أو تبليغ إستدعاءات
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن المشرع المغربي ومن اجل تسهيل عمليات البحث والتحري في نطاق التعاون الدولي جاء بالية جديدة من آليات البحث الخاصة ويتعلق الأمر بالتسليم المراقب من خلال تعديل مقتضيات المسطرة الجنائية [45]
 
المبحث الثاني :مكافحة غسل الأموال على المستوى الوطني

سنتناول في هذا المبحث التزامات الاشخاص الخاضعين لقانون 05-43 ( المطلب الاول) ودور وحدة معالجة المعلومات المالية  (المطلب الثاني )

المطلب الأولى : التزامات الأشخاص الخاضعين لقانون 43-05

تناول المشروع هذه الالتزامات في نقطتين : النقطة الأولى : التزامات باليقظة و التصريح بالاشتباه ،و النقطة الثانية عالج فيها الالتزام بالمراقبة الداخلية .

الفقرة الأول : التزامات اليقظة و التصريح بالاشتباه

  في البداية ، عالج المشرع التزامات اليقظة بفرضه جمع كل المعلومات التي تمكن من تحديد هوية الزبناء ، و إذا تعلق الأمر بشخص معنوي فإضافة إلى التحقق من المعلومات الخاصة به ، يجب تحديد هوية مسيريه و السلط المخولة للأشخاص المؤهلين لتمثيله إزاء الغير أو التصرف باسمه . لذلك يجب على الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون ألا يقوموا بأي عمل إذا لم يتم التحقق من هوية الأشخاص المعنيين بها أو عندما تكون الهوية غير كاملة أو اذا كانت تبدو غير  حقيقية ، و أضاف  المشرع كذلك التأكد من مصدر الأموال.
   إلا أن ما يلاحظ  بخصوص هذه الالتزامات المتعلقة بالحيطة ، أن المشرع استخدم لفظ التحري . و التحري كما نعلم يستخدم في قانون المسطرة الجنائية عند الحديث عن البحث في الجرائم ، أي البحث عن منفذيها و جمع الأدلة من طرف  الضابطة القضائية .
   أما في حالة الالتزامات باليقظة ، في حالتنا هذه ، فان التحري بهذا المعنى لا محل له ، لان المقصود هو تدقيق الهوية و التأكد منها . فهذا الالتزام يقع على عاتق البنك قبل القيام بالتصريح بالاشتباه الذي يقدمه إلى الوحدة المنصوص عليها في المادة 14. هذه الوحدة هي التي تتوفر على الآليات التي تمكنها من القيام بأعمال التحريات ، و البنوك ليست لها الوسائل القانونية للتحري حول الهوية الحقيقية للأشخاص أو حول مصدر الأموال  . و لا نعلم كيف يمكن لعميل البنك أن يمارس سلطة التحري في هوية الأشخاص مصدر الأموال بدون أن ينص المشرع عن الآليات التي تسمح له بذلك ، و لا كيف يمكنه تنفيذ هذه الالتزامات بالدقة المطلوبة ، خصوصا أن عمليات البنوك و المؤسسات المالية بشكل عام تحتاج إلى السرعة  و العمل على إرضاء رغبات الزبون ، و الأخذ بعين الاعتبار أن عمل البنوك عمل يفترض فيه أنه حر و مفتوح في وجه المنافسة .
    كما يلاحظ أن المشرع استعمل عبارات غير دقيقة ، و سنخلق مشاكل عملية و ذلك حيث نص في المادة 8 على أنه " يجب على الشخص الخاضع القيام بدراسة خاصة لكل عملية ..... تحيط به ظروف غير اعتيادية أو معقدة و لا يبدو أن لها مبررا اقتصاديا أو موضوع مشروع ظاهر " . فهذه العبارات الأخيرة تبقي  بدون مدلول محدد ، اذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة العمل و التقنيات في المؤسسات المالية على وجه الخصوص.
      بعد معالجته للالتزامات اليقظة ، أوجب المشرع على الأشخاص الخاضعين لإحكام هذا القانون تقديم التصريح بالاشتباه إلى الوحدة ، بشأن جميع المبالغ أو العمليات المشتبه في ارتباط بغسل الأموال و كل عملية تكون هوية الذي أصدر بشأنها أو المستفيد مناه مشكوكا فيها.
و هذا التصريح يتضمن بيانات ستقوم وحدة معالجة المعلومات المالية المنصوص عليها في المادة 14 بتحديدها . و هذا التصريح يكون كتابة لكنه يمكن أن يقدم شفويا في حالة الاستعجال . و تقديم التصريح بالاشتباه يكون سواء تعلق الأمر بعملية لم يتم تنفيذها بعد أو حتى بعد تنفيذها عندما يتبين أن الأموال المستخلصة من غسل الأموال . كما يقدم التصريح بالاشتباه كذلك في العمليات التي تم تنفيذها حالة استحالة إيقاف هذا التنفيذ.
    و لأنه يمكن بعد تقديم التصريح بالاشتباه ، قد يكشف البحث عن سلامة العمليات في هذه الحالة قد تطرح مسؤولية الأشخاص الذين قاموا بهذا التصريح طبقا للقواعد العامة.
     و قطعا لكل تأويل نص المشرع في الفرع الرابع من الباب الثاني من قانون 43-05 في المواد 25 و ما بعدها ، على مقتضيات تعفي الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون من كل متابعة أو مسؤولية . فلا يجوز اجراء أية متابعة على أساس الفصل 446 من القانون الجنائي أو على أساس الاحكام الخاصة ، بكتمان السر المهني ، ضد الاشخاص الخاضعين لهذا القانون والذين قدموا التصريح بالاشتباه عن حسن نية .
    كما لا يجوز القيام ضدهم ، بأية دعوى على أساس المسؤولية المدنية ، أو أن تصدر أية عقوبة ضدهم خصوصا من أجل الوشاية الكاذبة .

    الفقرة الثانية : الالتزام بالمراقبة الداخلية .

  لقد كان المشرع واعيا بتعقد عمليات غسل الاموال ، لذلك لم يقتصر على فرض التزامات باليقظة بل فرض على الاشخاص الخاضعين وضع تدابير داخلية لليقظة و الكشف و المراقبة ، تمكن من احترام الالتزامات التي جاء بها هذا القانون.
        و في هذا الاطار فرض المشرع على الاشخاص الخاضعين ، بتجميع المعلومات المحصل عليها حول العمليات التي لها طابع غير اعتيادي أو معقد ، و اخبار مسيرتهم كتابة بصفة منتظمة حول العمليات المنجزة من لدن الزبناء الذين يظهر أنهم يشكلون  كما أوجب على هؤلاء الاشخاص أن يطعوا " وحدة معالجة المعلومات المالية " و سلطات الاشراف و المراقبة الخاصة بهم، على جميع الوثائق و المعلومات الضرورية لانجاز مهامها ، فلا يمكن لهم الاعتراض على مختلف عمليات البحث و التحري التي تأمر بها الوحدة ، و لا يمكنهم الاحتجاج بالسر المهني.

   المطلب الثاني : وحدة معالجة المعلومات المالية .

    نص المشرع في المادة 14 من الباب الثني من قانون 43-05 على احداث وحدة لمعالجة المعلومات المالية ، تسمى " الوحدة " ، و أناط احداثها بنص تنظيمي لدى الوزارة المرتبطة بغسل الاموال و اتخاذ القرار بشأن مال القضايا المعروضة عليها ، و تكوين قاعدة للمعطيات المتعلقة بعمليات غسل الاموال . و من اجل ذلك تأمر هذه الوحدة بجميع التحريات و الابحاثوسنتحدث في هذا المطلب عن دور وحدة معالجة المعلومات المالية في اطر القانون 43-05 الفقرة الاولى  والمستجدات التي جاء بها التعديل الأخير لقانون 05-43( الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى:  دور وحدة معالجة المعلومات المالية في نطاق القانون 05 -43

       تتوفر الوحدة لإنجاز مهامها على مستخدمين يتألفون من أعوان و مؤهلين بصفة  خاصة . كما يجوز للوحدة لأجل أ داء مهامها أن تحيل الامر للقيام بمهمة على الادارات و المؤسسات العمومية و الاشخاص المعنوية الاخرى الخاضعة للقانون العام و التي من شأن اختصاصاتها في مجال مراقبة أنشطة الاشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون ، أن تمكن من كشف جرائم غسل الاموال ( م 22من ق 43-05)  
      بهذه المقتضيات المهمة يكونا لمشرع ، قد وفر " للوحدة " الاليات الكفيلة لقيامها بمهامها بشكل فعال و الوصول الى حقيقة مختلف العمليات المشتبه بها .فالمشرع وضع لخدمة هذه " الوحدة "، مختلف الاجهزة التي تتوفر عليها جميع الادارات و المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون العام ، و هنا يبرز على الخصوص دور وزارة المالية و الشرطة و بعض مصالح وزارة الداخلية ....
      و للطابع الدولي لجريمة غسل الاموال ، أجاز المشرع في المادة 24 من الباب الثاني من قانون 43-05 ،للوحدة تبادل المعلومات المالية المرتبطة بغسل الاموال مع السلطات الاجنبية التي لها اختصاصات مماثلة ، و ذلك في اطار الاتفاقيات الدولية التي انضم اليها والمغرب و تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل .
        و بعد توصل  " الوحدة " الى معلومات تبرز وجود أفعال من شأنها أن يكون جريمة غسل الاموال ، تحيل الامر على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط ، فنحن هنا أمام اختصاص نوعي يشبه الاختصاص في جرائم الارهاب . و يقوم وكيل الملك بتبليغ  " الوحدة " بالقرارات النهائية الصادرة في القضايا التي أحيلت عليه ، و من أجل تعميق البحث يمكن للوكيل احالة الملف على قاضي التحقيق .
      و فرض المشرع على كل الاشخاص الذين يساهمون في أعمال الوحدة أو يطلعون بأية صفة كانت على المعلومات المتعلقة بالمهمة المنوطة بالوحدة ، أن يحافظوا على السر المهني وفق الشروط و الاثار المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي .
    و بالمقابل أضفى المشرع على الوحدة و أعوانها الحماية من أية متابعة في اطار بالقيام بعملياتهم  في البحث و التحري و احالة القضايا على النيابة العامة المختصة ، فلا يكمن متابعتهم سواء في اطار دعوى عمومية خصوصا من أجل الوشاية الكاذبة أوز على أساس المسؤولية المدنية ( م 25 من الباب الثاني من قانون 43-5)
       و قد أفرد المشرع في هذا القانون ، مقتضيات خاصة بالجريمة الارهابية ، من خلالها أبدى مزيدا من الحرص على احالة التصريحات بالاشتباه  بخصوص الممتلكات أو العائدات أو العمليات المرتبطة
بالجريمة الارهابية ، على وحدة معالجة المعلومات المالية .
       و نص المشرع في م 36 من قانون 43-05 على مقتضى فريد يذكرنا بالمادة 59 من ق . م .ج .
      و هكذا نصت م 36 أنه " يمكن للحدة أن تضم اليها عندما تعالج حالة تتعلق بجريمة ارهابية أشخاص القانون العام الذين يهمهم الموضوع " . و هؤلاء الاشخاص لن يكونوا سوى المصالح الاستخباراتية .
     كما أضافت الى اختصاصات الوحدة ، امكانية تلقي و معالجة طلبات تجميد الممتلكات بسبب جريمة ارهابية صادرة عن الهيات الدولية المؤهلة لذلك . وفي هذه الحالة يمكن الطعن في القرارات الصادرة عن " الوحدة " أمام المحكمة الإدارية المختصة.

الفقرة الثانية :المستجدات التي جاء بها التعديل الأخير لقانون 05-43 بالنسبة لوحدة المعلومات المالية

لقد جاء التعديل الأخير بمجموعة من المستجدات تخص هذه الوحدة نجملها في مايلي :
لقد تم التنصيص صراحة على اعطاء الوحدة مهمة السهر على احترام الأشخاص الخاضعين للمقتضيات القانونية المقررة بمقتضى قانون غسل الأموال وإعطائها ايضا صلاحيات جمع الوثائق والمعلومات اللازمة لاداء مهامها
   وفي مجال المسؤولية المدنية او الجنائية وسع المشرع نطاق الإعفاء من المسؤولية ليستفيد منها الى جانب الوحدة وأعوانها وسلطات الإشراف والمراقبة   وأعوانهم,  أيضا الإدارات والمؤسسات العمومية او الاشخاص المعنوية الاخرى الخاضعة للقانون العام بسبب الأعمال المخولة لهم بمقتضى القانون وفي المقابل مدد العقوبات الإدارية لمن يخلون بواجبات اليقظة الى جانب الأشخاص الخاضعين مسيريهم وأعوانهم
 اعطى المشرع للوحدة صلاحيات تجميد ممتلكات الأشخاص والكيانات المتورطة في تمويل اعمال ارهابية بناء على طلب المنظمات الدولية المختصة وجعل صلاحيات الطعن في قرارات الوحدة الصادرة في هذا الشأن للمحكمة الإدارية بالرباط
 
خــــــاتـمـة

انه لا يكفي سن قوانين لمحاربة ظاهرة ما ، بل يجب أن تتوفر الارادة  لتطويقها ،و يدق الامر أكثر ، حينما يتعلق الامر بجريمة ، كجريمة غسل الاموال ، تحمل خصوصيات عديدة ، تجعل تطويقها أمرا صعبا جدا ، خاصة إذا استحضرنا البعد الدولي لهذه الجريمة و تشتتها على أكثر من إقليم دولة ، وتجددها باستمرار واستمرار المستجدات التقنية حتى أصبحنا نسمع عن ما  أصبح يعرف بالغسيل الرقمي .
      لكن يبقى أكبر تحد هو المصلحة الوطنية للدول لأنها بحاجة الى تمويل الاستثمار لمواجهة تحديات التنمية فالدول الغربية وعلى رأسها سويسرا تقوم بالتغاضي عن مصدر تلك الاموال لتنشيط اقتصادها وضمان تدفق رؤوس الأموال ضدا على كل الاتفاقيات الدولية
والمغرب لا يخرج عن هذا الإطار فالدولة محتاجة إلى تقوية الاستثمارات وبالتالي يتم استبعاد مساءلة أي مستثمر عن مصدر أمواله وما يلاحظ انه لا يتم القيام بالتصريح بالاشتباه وتشديد المراقبة الا في حالة الاشتباه بكون الأمر يتعلق بجريمة إرهابية.
كما تطرح مكافحة هذه الجريمة  مجموعة من الصعوبات ويتعلق الأمر باستعمال التقنيات الحديثة في عملية غسل الاموال وهي عمليات يصعب رصدها وتتبعها
ويمكن القول في الأخير بان المشرع من خلال التعديل الأخير[46] جاء بمجموعة من المستجدات سواء من حيث توسيع دائرة التجريم  حيث تم تغطية مجموعة من الجرائم لم يكن منصوص عليها في السابق كما وسع من نطاق الأشخاص الخاضعين لهذا القانون  ليشمل بنك المغرب وشركات الوساطة ومكاتب الصرف ومجموعة من الهيئات  الأخرى وفي مجال العقوبة اكد المشرع على الحكم بالمصادرة الكلية للاموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة من هذه الأموال لكن رغم ذلك مازالت هناك  مجموعة من التحديات مطروحة في مجال مكافحة هذه الجريمة سواء على المستوى الوطني او الدولي .    

الهوامش

 احمد بن سليمان الربيش جريمة غسل الاموال في ضوء الشريعة والقانون اكادمية نايف للعلوم الامنية ط 2004 ص 15[1
[2] -محمد محي  الدين عوض غسل الأموال تاريخه وأسباب تجريمه وطرق مكافحته  مجلة البحوث القانونية والاقتصادية  كلية الحقوق جامعة المنصورة العدد الخاص ابريل 1994 ص 182 .
[3] - دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي 2007/2008 جامعة باتنة الجزائر ص 7 .
[4] - خالد كردودي جريمة غسل الأموال على ضوء التشريع  المغربي والمقارن الطبعة الأولى 2008 ص 12 .
[5] - انعقدت هذه الاتفاقية في فينا سنة 1988 وهي أول وثيقة دولية تضمنت هذه الاستراتيجية الجديدة  المادة 3/ب 1 . 2 و 3/ ج 4.1 .
[6] - تنص المادة 2 من القانون السابق الذكر على ما يلي "يحظر غسيل الأموال المتحصلة من جرائم الزراعة وتصنيع النباتات والجواهر والمواد المخدرة  وجلبها وتصديرها والاتجار بها وجرائم اختطاف  وسائل النقل واحتجاز  الأشخاص والجرائم التي تكون الإرهاب  وجرائم  استيراد الأسلحة وجرائم  سرقة الأموال  والنصب وخيانة الأمانة .
[7] -محمد  محي الدين عوض جرائم غسل الأموال جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الرياض 2004 ص 16
[8] - محمد محي الدين عوض م س ص 58.
[9] - دليلة مباركي غسل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه  تخصص قانون جنائي 2007/2008 ص 9 .
[10] - دليلة مباركي مرجع سابق ص 9 .
[11] - خالد كردودي مرجع سابق ص 30 .
[12] - تنص المادة 1 على ما يلي "تكون  الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما ترتكب عمدا :
- اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل ممتلكات بهدف  إخفاء أو تمويه مصدرها لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير عندما تكون متحصلة من احدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2 -574
-مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2-574  على الإفلات من الآثار التي يرتبها القانون على أفعاله .
- تسهيل  التبرير الكاذب بأية وسيلة من الوسائل لمصدر  ممتلكات أو عائدات مرتكب إحدى الجرائم المشار إليها في الفصل 2-574 .
- تقديم مساعدة او مشورة  في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال  أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب احدى الجرائم المذكورة في الفصل 2 -574 .
 [13]
[14]
[15] - عبد الله كردودي مرجع  سابق ص 21 .
- عباس أبو شامة  عبد الحميد  عولمة الجريمة الاقتصادية جامعة نايف للعلوم الأمنية الرياض 2007 ص 38 .[16
[17] - خالد كردودي مرجع سابق ص 23
[18] - دليلة مباركي مرجع سابق ص 19 .
[19] - انظر الملحق 2
[20] - هناك مجموعة من الدول يطلقون عليها التقب الأسود تمنح مزايا مهمة لجلب الأموال كالإعفاء من الضرائب  والتقيد بالسرية المصرفية كسنغافورا  تايوان. موناكو- المجر محمد محي الدين عوض مرجع سابق ص 95
[21] -  الدكتور عباس أبو شامة عبد المحمود مرجع سابق ص 68 .
  دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه تخصص القانون الجنائي جامعة باتنة الجزائر 2008/2009 ص 163[22
  دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه تخصص القانون الجنائي جامعة باتنة الجزائر 2008/2009 ص6[23
 
 دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه تخصص القانون الجنائي جامعة باتنة الجزائر 2008/2009 ص 163 [24
 
 خالد كردودي جريمة غسل الاموال في التشريع المغربي والمقارن ط 1 2008 ص 33[25
دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه تخصص القانون الجنائي جامعة باتنة الجزائر 2008/2009 ص 166[26
دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه تخصص القانون الجنائي جامعة باتنة الجزائر 2008/2009 ص 166 [27
دليلة مباركي غسيل الأموال أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه تخصص القانون الجنائي جامعة باتنة الجزائر 2008/2009 ص 168[28
سورةت الكهف الآية 46[29
صورة آلعمرا ن  الآية 14'[30
 صحيح مسلم703/2 رقم 1015[31
 سورة البقرة الاية 172[32
 قانون رقم 05.43 صادر بتاريخ 17 ابرير 2007 المعدل والمتمم بظهير رقم 1.11.02 الصادر في 20 يناير 20011 ج ر عدد 5911  انضرم 2[33
1 واخص بالذكر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية لسنة 1988 و التوصيات الأربعون الصادرة  عن قوة المهمات المالية FATE  بتاريخ 20 يونيو 2003 .أنضر الملحق 1
-  
 خالد كردودي م س ص 28[35
[36] - خالد  كردودي  م س ص 37 .
 
[37] - راجع  الفصل 3-  574 من قانون غسل الأموال .
[38] - راجع الفصل 4- 574 من قانون غسل الاموال
 الفصل 3-574 [39
 الفصل 5-574[40
 راجع المادة 18 من القانون اعلاه الملحق2[41
 راجع المادة 28 من القانون اعلاه [42
[43]  عبد الله درميش، التشريع الجنائي في توطيد الأمن مجالة السياسة الجنائية بالمغرب. واقع وأفاق
[44]  عبد الله درميش،مرجع سابق
1  محمد اديب السلاوي ، المخدرات في المغرب وفي العلم طبعة اولى 2002 ص 85-88-
1  إتفاقية ستراسبورغ 1988 تقوية مراقبة أصول الأموال والتحقق من العملاء الجدد للأبناك جمعت إتفاقية سابقة ( جنيف 1925، 1931، 1936) نص الإتفاقية.
 
1  الشرا محمد سامي : السياسة الجنائية في غسيل الامول. دار النهظة العربية القاهرة 2001 ص 157 - 155
1  إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية نونبر 2000.
2  الفصول 715-714 من قانون المسطرة الجنائية المغربي . مثال
 انظر الملحق 2[45
 1 ضهير شريف رقم 1-11-02 الصادر في 20 يناير 2011 ج ر عدد 5911 المعدل والمتمم لقانون 05-43 انضر الملحق 2 

لائحة المراجع

احمد بن سليمان :    الربيش جريمة غسل الاموال في ضوء الشريعة والقانون اكادمية نايف للعلوم الامنية ط 2004
محمد محي  الدين عوض  : غسل الأموال تاريخه وأسباب تجريمه وطرق مكافحته  مجلة
البحوث القانونية والاقتصادية  كلية الحقوق جامعة المنصورة العدد الخاص ابريل 1994 
.
[1] - دليلة مباركي  :     غسيل الأموال أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي 2007/2008 جامعة باتنة الجزائر
.
- خالد كردودي :    جريمة غسل الأموال على ضوء التشريع  المغربي والمقارن الطبعة الأولى 2008 .
 عباس أبو شامة  عبد الحميد:  عولمة الجريمة الاقتصادية جامعة نايف للعلوم الأمنية الرياض 2007
عبد الله درميش،:     التشريع الجنائي في توطيد الأمن مجلة السياسة الجنائية بالمغرب. واقع وأفاق
 محمد اديب السلاوي :،  المخدرات في المغرب وفي العلم طبعة اولى ص -2002
الشرا محمد سامي :   السياسة الجنائية في غسيل الامول. دار النهظة العربية القاهرة 2001:



الاربعاء 26 ديسمبر 2012

تعليق جديد
Twitter