MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



جديد مقتضيات الصلح في القانون رقم 18.12 -أي جديد في مجال الحماية الاجتماعية-

     

من إعداد الطالب الباحث:
عبد الغني عباش
طالب باحث في ماستر قانون الشغل والعلاقات المهنية
كلية الحقوق سلا، جامعة محمد الخامس.

السنة الجامعية : 2015-2016



جديد مقتضيات الصلح في القانون رقم  18.12  -أي جديد في مجال الحماية الاجتماعية-
  
تقديم

        سعت جل التشريعات الى وضع أليات بديلة بجانب القضاء لحل النزاعات الشغلية، كالتحكيم  والتوفيق و الصلح وهذا الاخير هو ما يهمنا في هذا البحث المتواضع، حيث اعطيت له مهام كبيرة نظرا لما يلعبه من دور ايجابي في استقرار العلاقة الشغلية.
   إن الصلح كمفهوم مدني يعنى به ذلك العقد الذي بمقتضاه يحسم الطرفان نز اعا قائما أو يتوقيان قيامه وذلك بتنازل كل منهما للاخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو باعطائه مالا معينا أو حقا[1].
وتقديرا للدور الريادي الذي تقوم به هذه المؤسسة  في حل النزاعات  العقدية والذي تتجسد فيه فكرة العدالة بمفهومها التبادلي، فان المشرع المدني قد أحاطه بهالة فخمة من  الضمانات والمساطر ذات الأهمية بمكان.
 إلا أن هذه المؤسسة بهذا الطرح(اي بطرح الصلح المدني)، لا تتلائم وطبيعة العلاقات الشغلية، وبالتالي لا يمكنها العمل على استقرار الشغل  و لا تستطيع ضمان الإستقرار الإجتماعي، ثم كيف ( حسب بعض الفقه المغربي)  لعقد نشأ في ظل قانون العمل أن ينتهي في ظل قواعد القانون المدني ؟
وتفاديا لما سلف، عمل المشرع الإجتماعي المغربي على تلطيف مقتضياته لتتوافق والحماية الإجتماعية للطرف الضعيف في العلاقة الشغلية،  وقد  تم التكريس  لهذه المؤسسة في مختلف القوانين المنظمة للمادة الإجتماعية، ومنها على الخصوص : قانون الضمان الاجتماعي؛ قانون رقم 12.18 ؛ قانون 65.99.
الا أن دراستنا ستنصب  حول الصلح في إطار حوادث الشغل والأمراض المهنية، حيث سنعمل على استقصاء أهم المستجدات  في مجال الصلح والتي جاء بها قانون[2]12.18
و تطرح مؤسسة الصلح رهانا كبيرا يتجلى في حل النزاعات الشغلية بين الأطراف الشغلية ووضع أليات وأرضية للحوار الإجتماعي وبالتالي استقرار للعلاقة الشغلية.
وبهذا الصدد يطرح هذا القانون  الجديد اشكالا ذات أهمية بما كان  يتعلق  بمدى توفق المشرع في ضمان الطابع الحمائي للطبقة الشغيلة في مجال الصلح وبالتالي مساهمته في استقرار العلاقة الشغلية ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية عدة أسئلة نوردها  كالأثي
  1. ما مفهوم الصلح من وجهة قانون12.18؟
  2. ومدى الزامية تنصيب المحامي في مجال الصلح ؟
  3. وما الاجراءت المتبعة للقيام بكل من المسطرة الادارية والقضائية للصلح،  ؟
اسئلة سنجيب عنها في اطار هدا البحث وذلك باعتمادنا على الخطة أسفله :

        المبحث الاول : الاطار القانوني  لمسطرة الصلح في قانون 12.18
        المبحث الثاني : ازدواجية الاجراءات المتبعة في مسطرة الصلح في قانون 18.1

المبحث الأول : الإطار القانوني  لمسطرة الصلح في قانون 18.12.

          لا شك أن كل متصفح لمواد قانون 18.12 سيخرج بنتيجة مفادها أن  مسطرة الصلح تحمل الجديد  في مضمونه مقارنة بظهير 6 فبراير1963،  وقد نظم المشرع  الاجتماعي مؤسسة الصلح في القسم الخامس  في بابه الاول وعنونه ب "مسطرة الصلح "، وعليه سنقسم هذا المبحث الى مطلبين، نتناول في الاول ماهية هذا الصلح، على أن نتناول في الثاني مدى الزامية تنصيب المحامي من عدمه في إطار هذه المسطرة.
 
المطلب الاول : ماهية الصلح في قانون 18.12

         إذا كان المشرع الإجتماعي في ظل ظهير 1963 قد أحجم عن إعطاء تعريف لمفهوم الصلح،  فإنه قد عمد في ظل المقتضيات الجديدة  على اتخاذ  طرح جديد[3]،  حيث تنص المادة 2 من قانون 18.12 على أنه " تعتبر باطلة بحكم القانون كل اتفاقية مخالفة لأحكام هذا القانون التي تعتبر من النظام العام، وبصفة خاصة كل  اتفاقية  يباشر المشغل بموجبها اقتطاعات من أجور الأجراء أو المستخدمين للتأمين الكلي أو الجزئي عن حوادث الشغل أو التخفيف  من التكاليف التي يمكن أن يتحملها تطبيقا لأحكام هذا القانون في حالة عدم إبرامه لعقد تأمين".
كما تنص المادة 133 على ما يلي " يقصد بالصلح حسب مدلول هذا القانون، الإتفاق المبرم بين المصاب بالحادثة أو ذوي حقوقه والمقاولة المؤمنة للمشغل من أجل تمكينهم من الاستفادة من المصاريف والتعويضات المنصوص عليها في المادة 37[4] أعلاه وتلك المنصوص عليها في القسم الرابع من هذا القانون[5]".
انطلاقا من المادتين أعلاه يمكن أن نخرج بمجموعة من المبادئ والمقتضيات الحمائية لصالح الأجير المصاب أو لذوي حقوقه،  حيث  تعتبر  مقتضيات حوادث الشغل -حسب هذا القانون- بصفة عامة  والصلح بصفة خاصة  من النظام العام الإجتماعي، الذي لا يجب الإتفاق على مخالفته، كالإتفاق على التنازل عن بعض الحقوق أو بعض التعويضات المنصوص عليها لفائدة الاجير المصاب ( كالتخفيض من الايراد العمري)، فإن أي اتفاق أو صلح يخالف هذه المقتضيات يكون مصيره البطلان المطلق.
كما يلاحظ أن المشرع  الإجتماعي جاء بمفهوم جديد للصلح يلائم الطابع الحمائي للقانون الاجتماعي ، حيث عرفه  بكونه -حسب مدلول المادة  132 -  ذلك الاتفاق الذي يبرم بين المصاب بالحادثة ( أو دوي حقوقه في حالة الوفاة) وبين المقاولة المؤمنة، واستبعد بالمقابل (حسب هذا المفهوم) تطبيق الصلح ( الإداري) على الأجير غير المؤمن.
 وبالتالي فإن المشرع الإجتماعي قد تخلى عن الصلح بمفهومه المدني الذي  يلزم الطرفين بالتنازل عن بعض حقوقهما. وعوضه بمفهوم يتلاءم مع الطابع الحمائي للأجير، ويتجلى ذلك في اعتبار الصلح ذلك الإتفاق القائم بين الأجير والمقاولة المؤمنة  قصد الاستفادة من التعويضات المنصوص عليها بمناسبة حادثة شغل او مرض مهني علما أن هدا الإتفاق ( حسب مقتضيات هذا القانون) يخضع لرقابة وإشراف العديد من المتدخلين.
لكن لنا ان نتساءل حول طبيعة هذا الصلح، هل هو ذلك الصلح الذي يبرم قبل انتهاء العلاقة الشغلية أم يقصد به الصلح الذي يتم  بعد انتهاء هذه العلاقة ؟ أو بمعنى أخر ما هي ارادة المشرع من التنصيص على هذا المصطلح ؟
بتفحصنا لمقتضيات قانون12 . 18 يمكن القول أن الصلح المقصود به هو ذلك الصلح الذي يكون قبل وبعد انتهاء العلاقة الشغلية، كيف ذلك ؟
 إن الصلح المقصود به في هذا القانون  من ناحية  أولى  ذلك الصلح الذي يتفق بموجبه على منح التعويضات المستحقة للأجير المصاب والذي يكون قبل انتهاء العلاقة الشغلية وهذا هو  الأصل ،حيث إن الإصابة بحادثة شغل أو مرض مهني والذي  لم يؤدي الى عجز دائم أو إلى الوفاة، و بمفهوم المخالفة يكون الصلح  آنذاك حول التعويض عن  المدة التي قضاها من اليوم الموالي لتاريخ وقوع الحادثة وطيلة مدة العجز المؤقت إلى غاية يوم الشفاء[6]، فبعد شفاء الأجير المصاب من الحادثة أو المرض المهني  يمكنه أن يعود الى مقاولته من أجل الإستمرار في مزاولة عمله.لكن لنا أن نتساءل كيف سيتسنى للعامل أن يفاوض مقاولة للتأمين بالحرية المطلوبة، وهو لا يملك من وسائل الضغط (التبادلي) ما يدافع به امامها؟، خصوصا وأن المراكز المادية متباعدة، وبالتالي فإن الاحتمال الكبير هو ضعف الاجير المصاب او دوي حقوقه أمام هذا ( الغول) إن صح التعبير بهذا المصطلح.
ولعل المشرع قد جاء بحل -ولوا بشكل نسبي -عندما سمح بتمثيل محام للدفاع عن الاجير المصاب ضد الشركة المؤمنة، وبالتالي العمل على إرساء نوع من التوازن بينهما، وهذا ما سنراه لاحقا بمناسبة الحديث عن إلزامية تنصيب المحامي من عدمه في إطار الصلح الإداري.
ويعنى به من ناحية ثانية  ذلك الصلح  (وفقا لمقتضيات القسم الرابع) الذي يكون بعد انتهاء العلاقة الشغلية  وذلك  في حالة الوفاة  باعتبار  هذه الحالة  تؤدي أوتوماتيكيا إلى وضع حد للعلاقة الشغلية، أو  في حالة العجز الدائم والذي من خلاله لا يمكن للأجير الإستمرار في شغله، حيث تكون هناك مهلة فاصلة وكافية  ما بين تاريخ انهاء العلاقة الشغلية وبين تاريخ إبرام عقد الصلح الموقع من طرف العامل وصاحب العمل أو بين الأجير  وبين الشركة المؤمنة[7].
وحسنا فعل المشرع عندما أتى بهذا التعريف[8]-أي الصلح-  حيث سيضع حدا للنقاشات الفقهية  التي تثار حوله.
 لكن هذا لا يمنعنا من  أن نعيب على المشرع الإجتماعي عدم اعتماده لنهج واضح ودقيق  عند تعامله مع مقتضيات القانون الاجتماعي بصفة عامة ومقتضيات قانون حوادث الشغل بصفة خاصة،  وذلك راجع إلى كونه  يمس  شريحة واسعة من المجتمع والذي يمس من خلاله جانبهم الإقتصادي  و الإجتماعي.
كما  كان على المشرع أن يعبر عن الصلح  بعبارات واضحة  وشاملة وتكون صياغته تعبر عن جمالية هذا القانون وفلسفته باعتباره ذلك الاتفاق القائم بين المصاب بالحادثة وشركة التأمين المؤمنة على المقاولة،  دلالة على أن هذا الصلح يجُبّ  فقط الأجير المصاب  المؤمن،  دون الاجير المصاب  غير المؤمن، مع ضرورة وضعه تحت رقابة أجهزة إدارية وقضائية حتى تتحقق الحماية المنشودة.
 
المطلب الثاني : تنصيب المحامي في مسطرة الصلح في اطار قانون 18.12

           يعتبر تنصيب المحامي في نزاعات الشغل بصفة عامة وفي نزاعات حوادث الشغل بصفة خاصة امرا مهما نظرا لكونه يدافع عن الحق أينما كان، لكن بمقارنتنا لمقتضيات القانون رقم 28.08  المنظم لمهنة المحامات وقانون رقم   18.12 قيد الدراسة، قد  يقع نوع من اللبس بينهما، وقد يحسبه البعض تناقضا، خصوصا عند المقارنة بين المادة 132 من قانون 18.12 والمادة 32 من قانون 28.08،  ولكن في حقيقة الأمر لا يوجد أي تناقض بين المادتين  اعلاه،  بل إن الإمر يتعلق بمسطرتين للصلح تختلفان كل منهما يحمل طابعا ومسطرة خاصة به .

فقرة أولى: اختيارية تنصيب المحامي في مسطرة الصلح الادارية

         تلزم  المادة 132في فقرته الأولى  من قانون 18.12   بمناسبة حديثه عن مسطرة الصلح الإدارية على اتباع الأجير المصاب أو ذوو حقوقه لمسطرة الصلح مع المقاولة المؤمنة، وبالتالي فإن التمثيل يكون كمبدأ عام من طرف من يهمه الأمر،  إلا ان الفقرة الثانية من نفس المادة تنص على  أنه " ويمكن للمصاب أو ذوي حقوقه أن يوكلوا عنهم محاميا واحدا او أكثر، طبقا لأحكام القانون رقم28.08  المنظم لمهنة المحاماة للإشراف وتتبع مسطرة الصلح مع المقاولة المؤمنة للمشغل".
و ما يمكن ان نستشفه من  الفقرة  الثانية من هذه المادة أنها  استعملت صيغة تفيد الاختيار بين تنصيب محام من عدمه، فالصياغة وردت كالأتي " ويمكن للمصاب أو ذوي حقوقه أن يوكلوا عنهم محاميا واحدا او أكثر...".
وما يمكن فهمه كذلك من هذه الفقرة أن للاجير المصاب او لدوي  حقوقه أن يوكلوا عنهم محاميا او عدة محامون للدفاع  عنهم  في إطار  الصلح  الإداري.
 و بالتالي فإن فرضية إلزامية المحامي  تنتفي في هاته الحالة، والسبب في هذا وبكل بساطة، أن الأمر يتعلق بتعاقد أو اتفاق ولا  يتعلق الامر بمسطرة أمام القضاء والتي تلزم  بمقتضاه تنصيب المحامي كما سنرى .
والحكمة من التنصيص على  هذا المقتضى انما هو لتكريس الطابع الحمائي للطرف الضعيف، حيث إن الأجير يكون في مواجهة مؤسسة عملاقة  والتي تملك من وسائل الضغط ما يؤدي الى العصف بحقوق الأجير المصاب،  خصوصا أن فئات عريضة من الطبقة العاملة لا  تعرف حقوقها بشكل يجعلها تدافع عنها بكل وعي، والواقع العملي يبرهن على ذلك، ولذلك نشيد بالوعي  الذي أبداه المشرع الاجتماعي  عندما نص على إمكانية تنصيب محام في إطار عقد الصلح الاداري.
 لكن قد يطرح سؤال مفاده ما مصير أتعاب المحامي في مسطرة الصلح الادارية ؟، هل يخضع في ذلك إلى المساعدة القضائية أم أن الأمر يتعلق بمسطرة غير قضائية وبالتالي يكون الأجير المصاب  أو دوي حقوقه ملزم بأداء الأتعاب للمحامي الوكيل ؟
 
فقرة ثانية : الزامية تنصيب المحامي في مسطرة الصلح القضائية

         إذا كان تنصيب المحامي اختياريا في إطار الصلح الإداري،  فإن الامر يختلف كل الاختلاف عندما نتحدث عن الصلح  القضائي، حيث تنص المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة لسنة [9]1993 على مايلي: " المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف ومؤازرتهم، لتقديم المقالات و المستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة الومدنية، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية و الاستئنافية، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا و انتهائيا وكذا المؤازرة لقضايا الجنح والمخالفات ".
حسب منطوق المادة 32 أعلاه نجد أن المشرع المغربي قد قام بتعداد الحالات الاستثنائية التي لا يلزم فيها تنصيب المحامي لمؤازرتهم او تمثيلهم أمام القضاء، وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن تنصيب المحامي  في  القضايا الاجتماعية[10] الزامي واجباري ..
وعليه فان تنصيب المحام في اطار الصلح القضائي الزامي تحت طائلة اعتبار الحكم عديم الاثر الموازي لانعدامه.
وهذا التنصيص القانوني تم تكريسه على مستوى  الإجتهاد القضائي المغربي في العديد من قراراته، حيث يقضي بعدم قبول الدعوى في  حالة عدم تنصيب المحامي في القضايا الإجتماعية.
وهكذا  جاء في حكم المحكمة الإبتدائية بسلا : "وحيث أن الثابت في  محضر الجلسة أن المحكمة أشعرت الطرف المدعي بإصلاح المسطرة وتقديم المقال بواسطة محام وأمهلته لذلك.
وحيث ان عدم تقديم مقال الدعوى بواسطة محام وفقا لمقتضيات الفصلين 31 و32 من قانون المحاماة يجعل الدعوى على شكلها الحالي معيبة، ولا يسع المحكمة إلا التصريح بعدم قبولها.
وحيث ان خاسر الدعوى يتحمل مصاريفها طبقا للفصل 124 من قانون المسطرة المدنية، مما قررت معه المحكمة إبقاء الصائر على عاتق الطرف المدعي
ولهذه الأسباب حكمت المحكمة علنيا وابتدائيا، حضوريا للمدعيين وغيابيا للمدعى عليهم في الشكل بعدم قبول الدعوى وإبقاء الصائر على رافعها".[11]
وانطلاقا مما سلف فإن تنصيب المحامي في الدعوة الإجتماعية بصفة عامة وفي مسطرة الصلح القضائية بصفة خاصة إلزامي  تحت طائلة  عدم قبول الدعوى عكس ما هو منصوص عليه في اطار الصلح الاداري الذي جعله المشرع اختياريا.
 
 المبحث الثاني : ازدواجية الإجراءات المتبعة في مسطرة الصلح في قانون 18.12

        بالعودة الى مقتضيات المادة 140 من ق 18.12 نجد أن المشرع المغربي قد كرس لإزدواجية في التعامل مع الأجير المصاب بالحادثة أو المرض المهني، حيث سنكون أمام صلحين، صلح إداري يتم بين الأجير المصاب أو ذو حقوقه والمشغل المؤمن او شركة التأمين، وصلح قضائي بالنسبة للمشغل غير المؤمن ويخضع في هذا للمقتضيات العامة التي تطبق على باقي نزاعات الشغل، وعليه سنحاول أن نكشف عن هذا الازدواج وذلك من خلال المطلبين أسفله.
 
المطلب الاول :  الصلح الاداري

         جدير بالذكر في البداية إلى  أن قانون حوادث الشغل والأمراض المهنية قد عرف تعديلات جوهرية في مقتضياته، وذلك في محطات متعددة من بينها قانون رقم18.01 [12] وكان أخرها قانون 18.12  والذي هو قيد الدراسة، وبالتالي لنا أن نتساءل مقدما عن مدى نجاعة هذه المساطر ومساهمتها  في  استقرار العلاقات الشغلية بين فرقاء الانتاج؟.
الملاحظ في المقتضيات المنظمة للصلح الإداري والمنظمة في المواد من 132 الى 139 أنها مسطرة الزامية وتتم خارج إطار القضاء، وأن ذلك الإتفاق المبرم بينهم يكون نهائيا وغير قابل للطعن ما عدا  إذا كانت التعويضات الممنوحة للمصاب أقل من تلك المنصوص عليها قانونا.
وقبل التطرق إلى الإجراءات المنصوص عليها بمناسبة الصلح الاداري، لابد لنا من الإشارة إلى أن قانون 18.01 لما كان عبارة عن مشروع نصت  على مسطرة تحمل الكثير للطبقة الشغيلة، إلا انها لم تر النور، و سميت ب"مسطرة الصلح التمهيدي"[13].
أما على مستوى قانون 18.12 فقد اعتمد المشرع مسطرة تحمل حقوقا أقل مما تم التنصيص عليها في اطار مشروع قانون 18.01 التي  ألغيت أهم مقتضياته.
وعلى كل الأحوال يمكن القول أن مسطرة الصلح الإدارية تبتدأ مباشرة  بعد تصريح المشغل بالحادثة لدى شركة التأمين[14]، حيث يتعين على هذه الأخيرة حسب منطوق المادة [15]134 تقديم عروض للضحية  بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل اقصاه ثلاثين يوما من تاريخ  إيداع شهادة الشفاء أو الوفاة او  التوصل بهما، وعلى الضحية الإجابة على العروض داخل أجل  ثلاثين يوما من تاريخ توصله بها[16].
 ففي حالة  الموافقة  على العروض المقدمة للمصاب، يتم التوقيع على  اتفاق الصلح والذي سماه  المشرع ب"محضر الصلح" والمحدد نمودجه بقرار للسلطة الحكومية  المكلفة بالتشغيل[17].
وعند التوقيع على محضر الصلح  يتعين على شركة التأمين منح الضحية التعويضات المتفق عليها داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ توقيع محضر الصلح[18] .
أما في حالة الرفض للعروض المقدمة من لدن المقاولة المؤمنة للمشغل سواء كان الرفض صريحا أو ضمنيا [19]، فان المادة 138 تنص على أن للاجير المصاب أو دوي حقوقه إقامة دعوى أمام المحكمة الابتدائية من أجل البث في طلب التعويض عن الأضرار المترتبة عن حادثة الشغل، وذلك عن طريق مقال افتتاحي للدعوى ويرفق هذا الطلب بمجموعة من المرفقات والمستندات، وهي كالاثي :
  • نظيرين من النمودج الخاص بالتصريح بالحادثة
  •  نظير من مختلف الشواهد الطبية
  • لائحة الاجور
  •  اقتراحات العروض المقدمة من طرف المقاولة المؤمنة للمشغل وتوضيح أسباب رفض تلك العروض)
وما يمكن أن يستفاد من المقتضيات أعلاه أن  محاولة الصلح تتم لمرة واحدة فقط لا لمرتين،  بمعنى  أنه في حالة  فشل الصلح الاداري،  فان القاضي يبث مباشرة في الحكم دون القيام بمحاولة صلح ثانية ( صلح قضائي)، على أساس ان مسطرة الصلح الادارية قد باءت بالفشل، لذلك لا مجال لتضييع مزيد من الوقت لمحاولة الصلح بين الاطراف.
لكن قد يطرح سؤال عن المقتضى الذي نص عليه المشرع المتعلق  ب " توضيح أسباب رفض تلك العروض"، والذي يعمل من خلاله القاضي على تفحص مدى جدية الأسباب التي قدمها الأجير لرفض العروض المقدمة له، فهل نكون امام محاولة صلح ثانية في حالة ما  إذا اكتشف القاضي أن الأسباب المقدمة من طرف الأجير المصاب أو ذوي حقوقه  ضعيفة ولا تصلح أساسا حقيقيا لرفض تلك  العروض؟.
بالاضافة الى ذلك نجد أن المشرع قد عمل على وضع ضمانات يسعى من خلالها إلى حماية الطرف الضعيف، فقد ألزم شركة التامين بتقديم عروض للضحية داخل الاجل القانوني تحت طائلة ادائها غرامة مالية بين 20.000 درهم و 50.000 درهم[20] .
كما ألزم الضحية بضرورة تبرير رفضه المصادقة على العروض المقدمة اليه من طرف شركة التامين عند رفعه الدعوى للمحكمة تكريسا لمبدأ العدالة في التعامل.
 كما أن المشرع أضاف عنصرا أساسيا والمتمثل في  تكليف مفتش الشغل بمراقبة مدى تنفيذ مقتضيات قانون حوادث الشغل والامراض المهنية [21].وكل هذا يبين مدى رغبة المشرع في الرفع من مستوى الحماية الاجتماعية من جهة و استقرار العلاقات الشغلية من جهة أخرى.
وجدير بالذكر أن  المشرع الاجتماعي نص على امكانية  تقديم طلب تعديل محضر الصلح  مباشرة الى مقاولة التأمين داخل أجل الشهر الموالي لاداء المصاريف والتعويضات.لكن هل عدم قبول شركة التأمين لطلب التعديل يؤدي اوتوماتيكيا الى  امكانية مراجعة القضاء  من قبل الاجير المصاب ؟ المشرع لم يجب عن هذا السؤال، الا ان بعض الفقه المغربي يدهب الى ان الضرورة المنهجية تجعلنا نقترح أن يشار الى امكانية مراجعة محضر الصلح ضمن مقتضيات المادة 133 وليس ضمن المادة [22]152.
 
 
المطلب الثاني : الصلح القضائي

        نصت المادة 18   من ق 18.12 على ما يلي" يتعين على المصاب أو ذوو حقوقه اتباع المسطرة القضائية، طبقا للكيفيات وللشروط  المنصوص عليها في المواد من  141 الى 144 من هذا القانون، في حالة عدم خضوع المشغل لاجبارية التأمين أو لعدم إبرامه لعقد التأمين".
وبالعودة إلى مقتضيات المواد من 141 الى 144 من نفس القانون، فإنها تحيل بدورها على المقتضيات المنصوص عليها في ق.م.م، في الفصول 277 و 278 و 279، ويمكن أن نخلص من هذه المسطرة  أن محاولة الصلح تنعقد بحضور قاضي منفرذ وكاتب للضبط [23]، وفي هذه الأثناء  يمكن أن يؤدي هذا الإتفاق  إلى حصول اتفاق بين الطرفين المتنازعين وفي هذه الحالة فان هذا الاتفاق يثبت بواسطة أمر صادر عن القاضي المكلف، يتضمن تاريخ وقوع الحادثة، تاريخ الشروع في الانتفاع بالتعويض أو الايراد وجميع العناصر المستعملة لتقدير التعويض او الايراد طبقا للشروط  المنصوص عليها في ق 18.12 .
ويثبت الاتفاق بأمر يضع حدا للنزاع وينفذ بقوة القانون ولا يقبل أي طعن عادي أواستثنائي في ذلك .[24]
كما أن محاولة الصلح قد يكون مصيرها الفشل ، وذلك إما لاختلاف الطرفين حول التعويض المقدم له او لعدم حضور احدهما او ممثل عنه،[25] وفي هذه الحالة يعمد القاضي المكلف الى تحرير محضر بعدم الصلح ويبث في القضية حالا او يؤخرها الى جلسة اخرى عند الاقتضاء.
وهذا ما سار عليه الاجتهاد القضائي المغربي، حيث  جاء في قرار لمحكمة النقض المغربية ما يلي" ان مسطرة التصالح في القضايا الاجتماعية المنصوص عليها في الفصل 277 من ق.م.م  تجري امام القاضي الابتدائي وان التنصيص في الحكم على ان محاولة التصالح بين الطرفين قد تعذر اجراؤها لتخلف المدعى عليه، يجعل الفصل 277 من ق.م.م  قد وقع تطبيقه تطبيقا سليما[26]".
ويكون  الصلح الذي يتم بين الاطراف نهائيا وغير لأي طعن من من الطعون أمام المحكمة الابتدائية باستثناء اذا كانت المصاريف والتعويضات الممنوحة للمصاب او لذوي حقوقه يقل عن تلك المنصوص عليها في هذا القانون والتي تعد-كما أسلفنا الذكر –من النظام العام والذي لا يجب الاتفاق على مخالفته.
 
       يمكن القول أنه إذا كان المشرع الاجتماعي المغربي قد خطى خطوة إلى الأمام من أجل استقرار العلاقات الشغلية، وذلك باعطاء الصلح كوسيلة ناجعة لحل النزاعات المكانة التي يستحقها، فانه ورغم ذلك تبقى  قاصرة في نواحي عدة، سواء من حيث اصياغة التي صيغت بها أو من حيث المقتضيات الغامضة التي تحملها حول الصلح، وعليه يتعين مراجعة هذه المقتضيات ولعل القضاء سيلعب دورا في تبيان مضامينه بشكل يحقق يحقق لنا الحماية الاجتماعية المنشودة.
 
 
المراجع المعتمدة
النصوص القانونية:
  • ظهير الالتزامات والعقود
  • قانون المسطرة المدنية
  • ظهير 6 فبراير 1963 المنظم لحوادث الشغل والامراض المهنية
  • القانون رقم 18.01 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5031 بتاريخ 10 جمادى الاخرة 1432 الموافق ل 19 غشت 2002 والذي دخل حيز التنفيذ في 19 نونبر 2002
  • قانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم  لمهنة المحاماة،ج ر عدد 5680، بتاريخ 7 دو القعدة 1429 (6 نونبر 2008
  • ظهير شريف رقم1.14.190 صادر في 6 ربيع الاول 1436( 29 ديسمبر2014) بتنفيذ القانون رقم18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل
الكتب و الاطروحات :
  • ادريس فجر، مساهمة في دراسة نظرية أسباب انقضاء عقد العمل،ج 2، جامعة الحسن الثاني-عين الشق-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-الدار البيضاء، السنة الجامعية 1999-1998.
  • محمد العروصي، المختصر في الحماية الاجتماعية، ط1-2009، مط شركة الخطاب للطباعة- مرجان1-رقم 26 مكناس.
  • بلال العشيري ، الاجتهاد القضائي في مادة حوادث الشغل والامراض المهنية، ط 2014، مطبعة دار أبي رقراق للطبااعة والنشر.
  • رشيدة احفوض، التعويض عن حوادث الشغل على ضوء العمل القضائي،، ط  2015، مطبعة الجديدة-الدار البيضاء.
 
 الهوامش
 
[1]  الفصل 1098 من ظ .ل.ع
[2]  والمنظمة بمقتضى ظهير شريف رقم1.14.190 صادر في 6 ربيع الاول 1436( 29 ديسمبر2014) بتنفيذ القانون رقم18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل
 
[3]  و ان كان  ف 1100 قلع  ينص على أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام أو بالحقوق الشخصية الاخرى الخارجة عن دائرة التعامل ولكنه يسوغ ( يجوز) الصلح على المنافع المالية التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية أو على المنافع التي تنشأ عن الجريمة، فان هذا النوع من الصلح هو صلح يتم في رحاب القضاء   وهذا ما سار عليه الاجتهاد القضائي  في عديد من من مقرراته نورد في ذلك قرار صادر عن محكمة النقض المغربية جاء فيه مايلي"الصلح المعتمد به في نزاعات حوادث الشغل والامراض المهنية هو الذي يتم وفق مقتضيات ظهير 6 فبراير 1963 ويقع الاشهاد عليه من طرف قاضي الصلح، اما تنازل المصاب عن مستحقاته في حادثة شغل مقابل حصوله على تعويضات مجحفة في حقه –هي اقل من مما يقرره القانون المدكورة الذي يعتد به- والقرار المطعون فيه الذي اعتبره صلحا منهيا للنزاع، يكون قد خرق مقتضيات لها صبغة النظام العام لايجوز الاتفاق على ما يخالفه"
  • قرار عدد 273 صادر بتاريخ 25/3/2010، ملف اجتماعي عدد 566/5/1/2009
ذكره بلال العشيري ، الاجتهاد القضائي في مادة حوادث الشغل والامراض المهنية، ط 2014، مطبعة دار أبي رقراق للطبااعة والنشر، ص. 552.
 
[4]  تنص المادة 37 على ما يلي " يتحمل المشغل أو مؤمنه المصاريف الاتي بيانها سواء انقطع المصاب بالحادثة عن العمل أم لا :
  •  مصاريف التشخيص والعلاجات الطبية والجراحية والصيدلية ومصاريف الاستشفاء ومصاريف التحليلات  والفحوصات والمصاريف الواجب أداؤها للاطباء وللمساهمين الطبيين، وبوجه عام جميع المصاريف التي يستوجبها علاج المصاب ؛
  •  مصاريف المستلزمات الطبية التي تفرضها الحادثة بما فيها  المصاريف التي تفرضها الحادثة والمتعلقة بنيل اجهزة استبدال او تقويم الاعضاء او باصلاحها او بتجديدها؛
  • مصاريف نقل المصاب الى محل اقامته الاعتيادي أو الى مؤسسة عمومية أو خصوصية للاستشفاء والعلاج الاقرب من مكان وقوع الحادثة؛
  • في  حالة الوفاة، مصاريف الجنازة ومصاريف نقل الجثمان ومكان الدفن."
[5]   يتناول القسم الرابع التعويض في حالة العجز المؤقت او الدائم او في حالة الوفاة والمنظمة في الفصول من المادة 60  الى المادة 117 من نفس القانون.
[6]  عد المادة 61  و المادة 63،
[7]  ولمزيد من التوضيح عد الى : اطروحة ادريس فجر، مساهمة في دراسة نظرية أسباب انقضاء عقد العمل،ج 2، جامعة الحسن الثاني-عين الشق-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-الدار البيضاء، السنة الجامعية 1999-1998.
[8]  وذلك خلافا لظهير 1963
[9]  قانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم  لمهنة المحاماة،ج ر عدد 5680، بتاريخ 7 دو القعدة 1429 (6 نونبر 2008)،
[10]  وحيث جاء عن محكمة النقض ان النزاعات المترتبة عن عقود الشغل وعن خلافات بين المشغلين والاجراء لا يمكن رفعها أمام القضاء الابواسطة محام ولا يجوز مباشرتها من طرف المعني  بها بصفته تلك،قرار عدد 1203المؤرخ في 7/6/2012 م ج عدد 1527/5/1/2011.منشور بالموقع الالكتروني السالف الذكر.
 [11] حكم المحكمة الابتدائية بسلا صادر بتاريخ  2/3/ 2015 تحت رقم 164 في ملف عدد  749/14/1401 ،(غير منشور) .
[12]   القانون رقم 18.01 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5031 بتاريخ 10 جمادى الاخرة 1432 الموافق ل 19 غشت 2002 والذي دخل حيز التنفيذ في 19 نونبر 2002.
[13]  وهذه المسطرة نص عليها في اطار ذلك المشروع في مواده  من 88 ا لى  94 والتي تعد الزامية واجبارية، ومراحل هذه المسطرة تتمثل في ما يلي:   الملاحظ أن هذه المسطرة تحمل ضمانات  حمائية لصالح الاجير، وهذا ما سيؤثر على العلاقات الشغلية ويدفع بها الى الامام
عد بهذا الصدد الى  كتاب : رشيدة احفوض، التعويض عن حوادث الشغل على ضوء العمل القضائي،، ط  2015، مطبعة الجديدة-الدار البيضاء، ص.70.
 
[[24]]url:mkj  ف 278 ق.م.م.
[[26]]url:#_ftnref26  قرار صادر عن المجلس الاعلى-مح.ن.م- بتاريخ 24/4/89 تحت عدد 8027/86 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 55 ص 1 01 وما يليها.



الاحد 25 أكتوبر 2015

تعليق جديد
Twitter