MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تقرير حول مناقشة أطروحة تحت عنوان مركز الفقه المالكي في مدونة الأسرة دراسة في المصادر المادية للمدونة من خلال كتاب الزواج من إنجاز الباحث عمر المزكلدي تحت إشراف الدكتور عبد السلام فيغو

     

بتاريخ: 30/06/2014 ناقش الطالب الباحث عمر المزكلدي بن أحمد أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص تحت عنوان:
مركز الفقه المالكي في مدونة الأسرة
دراسة في المصادر المادية للمدونة من خلال كتاب الزواج

وذلك بجامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية طنجة، مدرج 1
وقد تركبت اللجنة العلمية من السادة الأساتذة
:
الدكتور عبد السلام فيغو.......................................................................................رئيسا
الدكتور عبد الخالق أحمدون................................................................................مشرفا
الدكتور عبد اللطيف البغيل..................................................................................عضوا
الدكتور مرزوق آيت الحاج. ..................................................................................عضوا
الدكتورة وداد العيدوني. ..................................................................................عضوا

وبعد المناقشة منحت اللجنة العلمية الطالب الباحث الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التنويه



تقرير الاطروحة

تقرير حول مناقشة أطروحة تحت عنوان مركز الفقه المالكي في مدونة الأسرة دراسة في المصادر المادية للمدونة من خلال كتاب الزواج من إنجاز الباحث عمر المزكلدي تحت إشراف الدكتور عبد السلام فيغو


1― مما لاشك فيه ان البحث في مصادر القانون يمثل مسألة في غاية الأهمية ، ليس فقط بالنسبة للباحث في مجال فلسفة القانون وعلم الاجتماع[1]، حيث اهتمامه هو دراسة مختلف الحقائق المتعلقة بتحديد أساس القانون وجوهره، وكذا أصل نشأته، والغاية من وضعه، أو البحث عن أثره على البيئة والمجتمع المحيطين به.

لكن البحث في مصادر القانون يبقى مهما  أيضا  حتى بالنسبة للباحث في الميدان القانوني، بالنظر إلى ماتتيحه هذه الدراسة من إمكانية  معرفة " الأشكال التي تنشأ بها القاعدة القانونية " [2]ومن ثم الوقوف على مختلف المصادر والمرجعيات المتحكمة في نشأة النص القانوني، ولحظة ولادته، وطبيعة موضوعه، وتوجهات واضعيه، والطرق المعتمدة في إنتاجه وصياغته، وهو مايعرف  عند رجال القانون " بالمصادر المادية أو الموضوعية للقاعدة القانونية ".

ولعل موضوع هذه الأطروحة يدخل ضمن هذا النطاق، حيث تم تحديد الصيغة النهائية  لعنوانه على الشكل التالي:
"مركز الفقه المالكي في مدونة الأسرة"

  • دراسة في المصادر المادية للمدونة من خلال كتاب الزواج –
 
2― وإذا كان البحث  في هذا المجال تعترضه صعوبات جمة، لا داعي لإثقال مسامعكم بها،  فإنه يبقى من اللازم تقديم مبررات اختيارنا لموضوع  هذه الأطروحة (أولا)  وكذا موضوع الدراسة ونطاقها (ثانيا).  ثم إشكالية البحث وفرضيته (ثالثا)  وأخيرا المنهجية المتبعة في تناول الموضوع وتقسيماته الأساسية (رابعا) على أن نختم بالنتائج المستخلصة من ذلك (خامسا)  .
 

أولا:   تقديم مبررات اختيار موضوع الأطروحة
 
  
 

3― تنطلق مبررات اختيارنا لموضوع هذه الأطروحة من الأسئلة التالي:                        
  • لمذا البحث في الفقه المالكي؟
  • لمذا مدونة الأسرة؟
  • لماذا الفقه المالكي كمصدر مادي؟
 
  • من حيث مبررات البحث في الفقه المالكي:
4―  يمكن أن نرد ذلك إلى مبررين أساسيين،  أحدهما عام والآخر خاص:  فالمبرر العام يرتبط بأهمية البحث في الفقه  الإسلامي ، سواء أكانت هذه الأهمية في ذاته، أو أثره، أو في مستقبله.
فالفقه الإسلامي في ذاته يشكل منظومة قانونية  متميزة تصنف ضمن العوائل القانونية الكبرى المقارنة إلى جانب كل من العائلة الرومانية الجرمانية، والعائلة الانكلوسكسونية، وهي باعتراف الخصوم قبل الأنصار تمثل فكرا قانونيا أصيلا ومتفردا، سواء في مصادره، أومنهجه، وحتى أسلوب صياغته للقاعدة القانونية.
و الفقه الإسلامي من حيث أثره،  تأثرت به العديد من القوانين العربية في صياغة مضامين نصوصها القانونية، وخصوصا القانون المدني، بل إن منها ما يعتبر تقنينا لأحكام الفقه الإسلامي (القانون المدني الأردني). 
ثم إن الفقه الإسلامي من حيث مستقبله يعتبر حلقة الوصل، بل الأصل المشترك للنظام القانوني العربي والإسلامي، ومن ثم منطلق لتوحيد القوانبن بهذه البلدان، وهو عامل قل نظيره بالنسبة للقوانين المقارنة الأخرى.
5أما المبر الخاص للبحث، فيرجع إلى أهمية الفقه المالكي، سواء من حيث بعده التاريخي، او حاضره التشريعي.
من حيث البعد التاريخي:  يمكن القول أن  الفقه المالكي ومنذ استقراره  كمذهب رسمي بالمغرب، مثل القاعدة التشريعية المحكمة في كافة المجالات الدينية، والمدنية، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية، حيث ظل هو المعتمد في الفتوى  والقضاء ، من خلال الرجوع إلى كتب الفقه المشتهرة، والاجتهاد وفق أصوله وقواعده. بل حتى مع دخول الاستعمار إلى المغرب،ظل هو المعتمد ولو بشكل جزئي.
وعليه فالفقه المالكي من هذا المنطلق يمثل مرحلة تاريخية مهمة  في مسيرتنا التشريعية، بل وعاملا أساسيا ومياعدا في الدراسات التاريخية والسوسيولوجية لتاريخ المغرب.
أما من حيث حاضره التشريعي: فالفقه المالكي  شكل أحد المصادر الأساسية للعديد من النصوص القانونية بالمغرب، سواء كمصدر مادي معتمد في انتاج القاعدة القانونية وتشكيلها ( كمدونة الأحوال الشخصية، مدونة الأسرة،ظهير الالتزامات والعقود،مدونة الحقوق العينية....)أو كمصدر رسمي تكميلي  كالمادة 400 من مدونة الأسرة، و المادة 4 من مدونة الحقوق العينية
 
  • من حيث مبررات البحث في مدونة الأسرة:
 
6―بالإضافة إلى التخصص كمفترض موضوعي يبرر لنا اختار مدونة الأسرة محلا لهذه الدراسة، حيث يندرج هذا العمل تحت  إشراف وحدة البحث والتكوين في قانون الأسرة المغربي والمقارن,  فإن أهمية المادة الأسرية في حد ذاتها شكلت دافعا قويا لهذا الإختيار، إذ لا اختلاف  في أن قانون الأسرة يمس جانبا مهما وأساسيا من  كيان المجتمع ، ولذلك فبقدر مايطلع التشريع الأسري بأهمية قصوى  نظرا لهذا الإرتباط ، بقدر مايشكل   مادة خصبة للنقاشات الفقهية،  والاختيارات الإجتماعية   وحتى  التوجهات السياسية.
7― ثم إن المادة الأسرية بجانب أهميتها تلك فقد شكلت مادة خصبة لاختيارات المشرع من الفقه الإسلامي عموما ، والفقه المالكي على وجه الخصوص، سواء كمصدر مادي  لمدونة الأسرة، أو كمصدر تكميلي فيما لم يرد به نص في المدونة. (المادة 400).
 
 
  • من حيث مبررات البحث في الفقه المالكي كمصدر مادي:
8― تنطلق  مبررات  البحث في هذا الإطار من أهمية هذه الدراسة في حد ذاتها، سواء على المستوى النظري  العلمي، أو على المستوى العملي التطبيقي.
من الناحية العلمية: يوفر البحث في الموضوع أرضية خصبة لمقاربة مصدر مهم من مصادر مدونة الأسرة، والبحث في نطاق الأخذ به من قبل مشرع المدونة.  وعليه، فالموضوع من حيث أهميته العلمية يكمن في إعمال الفكر القانوني (التأصيل والمقارنة) بقصد معالجة الإشكالات التي يطرحها، في أفق الوصول إلى إجابات مقنعة بشأنها، تكون معبرة عن الصورة الحقيقية لمركز الفقه المالكي في مدونة الأسرة، وطبيعة هذا المركز، واختيارات المشرع من أقواله.
أضف إلى ذلك، فالبحث في موضوع مركز الفقه المالكي بالمدونة، يشكل في حد ذاته أهمية علمية بالغة، نظرا لما يحظى به هذا الفقه من مكانة متميزة، ليس فقط في مجال تنظيم الروابط الأسرية وتقنينها، وإنما أيضا لمركزه المتميز في إطار النظام القانوني المغربي، بل ومرتكزا للإصلاح الديني بالمغرب [3]
أما من الناحية العملية: فالبحث كما هو معلوم يرتبط بمجال الأسرة، وتحديدا مركز الفقه المالكي في تنظيم هذه الروابط الأسرية، ولذلك فأهمية هذه الدراسة ترتبط ارتباطا وثيقا بأهمية وخطورة المجال الذي نحن  بصدد البحث فيه، ألا وهي مؤسسة الأسرة، باعتبارها الخلية الأولى واللبنة الأساس في بناء كل مجتمع وكل أمة، كما تتعلق بجانب حيوي وأساسي بالنسبة للقاعدة القانونية، ألا هو الفقه، الذي يلعب دورا مهما ليس فقط من حيث تفسير القواعد الفقهية ومناقشتها، وإنما أيضا لدوره الفاعل في إصلاح القانون نفسه[4].
هذا وعلى الرغم من الطابع النظري الذي قد يحكم هذه الدراسة التأصيلية المقارنة على الجملة، إلا أنها مع ذلك تنطوي على أهمية وفائدة عملية كبرى، ذلك أن بحث مركز الفقه المالكي بالمدونة، هو في حد ذاته بحث في المصادر والأصول الفقهية لهذه الأخيرة، وهي عملية بقدر ما تعترضها صعوبات متعددة على مستوى التناول القانوني، بقدر ما تشكل دراسة مفيدة عمليا، سواء بالنسبة للقاضي الممارس، أو الباحث الدارس.
بالنسبة للقاضي؛ يشكل البحث في مصادر المدونة، ومركز الفقه المالكي فيها، مدخلا مهما، وطريقا أساسيا من طرق تيسير سبل الفهم السليم للنص القانوني وحسن تطبيقه، ذلك أن ربط النص القانوني بمصدره المادي، يساعد القاضي في تلمس روح ومقاصد النص، وهو ما ينعكس إيجابا في البداية على مستوى فهمه، وفي النهاية على مستوى تطبيقه وتنزيله على الوقائع الماثلة أمامه.
أما بالنسبة للباحث، فالوقوف على الأصول الفقهية لنص المدونة من زاوية موضوعه، يمثل أرضية معرفية وقانونية مهمة، تفيد الباحث، ليس فقط من حيث حصول معرفته بهذه الأصول وإطلاعه عليها، وإنما أيضا كدراسة تعينه على فهم النص القانوني للمدونة، واستيعاب مقتضياتها على ضوء ما تحصل له من المعرفة القانونية  بتلك الأصول، وطبيعة القواعد المأثرة فيها ونطاق هذا التأثر.
 
 
 

ثانيا:   بيان موضوع الدراسة ونطاقها.
 
  
 

  • طبيعة الموضوع وفكرته الأساسية:
9 تتحكم في البحث موضوع الدراسة ثنائية مركزية من طبيعة مختلفة، الأولى ذات طبيعة فقهية خالصة مرتبطة بأحكام الفقه المالكي و مقرراته، أما الثانية فذات طبيعة قانونية وضعية متعلقة بنص مدونة الأسرة، على أن مقصد البحث ضمن هذه الثنائية هي الكشف عن طبيعة العلاقة الرابطة بين المفهومين وحدودها، القائمة أساسا في مدى اعتماد المشرع على أحكام الفقه المالكي كمصدر  مادي لنص مدونة الأسرة، وذلك من زاوية التأصيل لهذه العلاقة وتحديد نطاقها، ومن ثم الخلوص إلى طبيعة تعامل المشرع مع المصادر المادية  للمدونة إعمالا أو إهمالا.
10― إن بحث موضوع مركز الفقه المالكي بالنظر إليه كمصدر مادي لمدونة الأسرة من خلال كتاب الزواج، يهدف بالأساس إلى استجلاء مكانة هذا الفقه، ومدى تأثيره في نصوص المدونة، وطبيعة هذا التأثير، وحدوده، وهو ما يمثل مدخلا متميزا لفهم الأصول والمصادر الفقهية لمدونة الأسرة، وطريقة المشرع في التعامل معها إعمالا وإهمالا.
ولذلك فهدف البحث هو المساهمة بشكل متواضع إغناء وتكثيف البحث والدراسة في المجالات المرتبطة بالأسرة، خصوصا وأن الإطار القانوني المنظم لهذا المجال ما يزال حديث العهد بالمقارنة مع بعض القوانين الأخرى، كظهير ل.ع، والتحفيظ العقاري. [5]
وعليه، فالبحث بهذا المعنى يمثل محاولة متواضعة تسعى إلى إبراز مكانة الفقه المالكي وأثره في النصوص القانونية المنظمة للروابط الأسرية، وذلك وفق تصور منهجي يقوم على التأصيل لهذه النصوص من حيث ارتباطها بأحكام الفقه المالكي من عدمه، وعلى المقارنة بين النص القديم ― مدونة.أ.ش.م― والنص الجديد ―مدونة الأسرة― بما يكشف طبيعة هذا المركز وحدود اعتماده من طرف المشرع.
ثم إن فكرة البحث لا تقوم على أساس تحليل نصوص مدونة الأسرة، وبيان مضامينها، ومقتضى الحكم الذي تنطق به، فالباحث الحقوقي مدعو إلى تجاوز التركيز على هذا المنهج الضيق المعتمد على شرح المتون، فلا يكفي قراءة ما كتب حول موضوعات مدونة الأسرة وإعادة إنتاجها بشكل أو بآخر، وإنما لابد من ربط النص بأصوله، وقراءته على ضوء تلك الأصول، ومدى توافقه معها من عدمه.  وعليه، إنها أرمي من خلال هذا العمل، توجيه البحث نحو مصادر مدونة الأسرة ومركز الفقه المالكي داخلها، وما إذا كان المشرع قد حافظ على الإطار المرجعي العام الذي كان يحكم مدونةأ. ش.م، ―الذي هو الفقه المالكي―أم أنه عدل، أو بالأحرى كانت له اختيارات أخرى؟ وما هي حدود   ونطاق ذلك؟
 
  •  نطاق البحث
11   تمثل مسألة تحديد نطاق البحث وحصر مجالات الاشتغال فيه عملية في غاية الأهمية، ليس فقط من حيث كونها تساعد الباحث على مقاربة الموضوع بشكل واضح ودقيق، ولكن أيضا من حيث كونها تفيد في تجنب الموضوعات التي لا تصب في الغاية التي يهدف إليها البحث ويقصد.
وللوصول إلى هذا المبتغى، فقد حاولت حصر نطاق البحث وتحديد المضامين التي ستشكل موضوع معالجته وفق التصور التالي:
❶  إن غاية البحث ابتداء، هو بيان مركز الفقه المالكي كمصدر مادي لمدونة الأسرة، ولذلك فإن استخدام مصطلح "الفقه" بدل "المذهب" يجد تبريره في أن موضوع البحث هو دراسة للأحكام الفقهية الفرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، سواء أكانت هذه الأحكام منقولة عن الإمام صاحب المذهب نفسه، أو عن اتباعه من الفقهاء الذي التزموا مذهبه حكما واستنباطا، خلافا لمصطلح المذهب الذي في مفهومه العام[6]   ولو أنه يبقى في دائرة الاجتهاد يتضمن بالإضافة إلى الأحكام الفقهية الفرعية، الأصول الاجتهادية التي يعتمدها المذهب في استخلاص الحكم الفقهي وتخريجه؛ كالمصالح المرسلة، والاستحسان، والاستصحاب،  وسد الذرائع، ومراعاة الخلاف...   وعلى هذا الأساس، فإن الدراسة سوف تهتم بنصوص المدونة الموافقة للأحكام الفقهية الاجتهادية التي قررها فقهاء المذهب، وليس بالنصوص التي يمكن أن توافق أصول المذهب الاجتهادية وتأصيلها بها.
ثم إن البحث ما دام أنه يتعلق بالفقه، الذي هو اجتهاد وليس بنص شرعي[7]، فإننا نستبعد من الدراسة نصوص مدونة الأسرة ذات المرجعية النصية القطعية، الراجعة إلى القرآن والسنة النبوية[8].
  لقد تم توجيه العناية في هذا البحث، إلى بيان مركز الفقه المالكي بمدونة الأسرة من حيث كونه مصدرا ماديا، [9] وليس كمصدر تكميلي رسمي،  وذلك لسببين؛ الأول: يتمثل في عدم وجود دراسات أكاديمية متخصصة تناولت الفقه المالكي من حيث كونه مصدرا ماديا لمدونة الأسرة، خصوصا على مستوى تأصيل هذا المركز  واستقراء النصوص الفقهية التي استلهم مشرع مدونة الأسرة منها أحكامه، أما السبب الثاني فيرجع إلدراسة الفقه المالكي كمصدر تكميلي، سبق وأن تم تناوله ―نظريا― في بعض الدراسات،[10] ناهيك عن أن عمر مدونة الأسرة ما زال قصيرا حتى يتحقق تراكم للعمل والاجتهاد القضائي، الذي من خلاله يمكن صياغة نظرية عامة تحدد معالم تطبيق المادة 400 من مدونة الأسرة، ومن ثم تحديد التطبيق القضائي لأحكام الفقه المالكي فيما لم يرد به نص بالمدونة.
  لقد تم التركيز  في معالجة الموضوع على الكتاب الأول من المدونة، أي القضايا المرتبطة بعقد الزواج إنشاء وآثارا، والذي يبرر لنا حصر نطاق البحث من حيث امتداده الموضوعي في هذا المجال، اعتباريين أساسيين:
أولا: اعتبار موضوعي؛ ينبني على أساس أن قضايا الزواج تشكل أهم المواضيع والأكثر إثارة للإشكالات القانونية والعلمية، بل إنها تبقى أهم القضايا حساسية من الناحية الاجتماعية [11]، وهذا ما يظهر بشكل جلي عندما نطلع على العمل القضائي، الذي تدور جل أحكامه وقراراته حول القضايا المرتبطة بهذا الكتاب [12].
 أضف إلى ذلك، فمضامين كتاب الزواج تشكل أرضية خصبة ومثالا ملائما لتحديد مركز الفقه المالكي في نصوصها، خصوصا وأنها غنية من حيث اعتمادها على مرجعيات متنوعة كالمذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى،[13] والقوانين المقارنة،[14] والاتفاقات الدولية[15].
ثانيا: اعتبار منهجي؛ يقوم على أساس أن مقاربة موضوع مركز الفقه المالكي في مدونة الأسرة عبر استقصاء كتب المدونة جميعها، سوف يضطرنا في كثير من الحالات إلى الاختصار والاقتضاب نظرا لاتساع المجالات التي نظمتها المدونة، والتي لا تتسع لها مثل هذه الدراسات الأكاديمية  وهو ما سيؤدي في النهاية إلى  الإخلال بهدف هذه الدراسة ومقصدها الذي تم الالتزام به، وسوف يقود في كثير من الأحيان إلى المعالجة السطحية للموضوعات، وهو ما لا يمكن القبول به بالنسبة لهذا المستوى من البحث.
 
 

ثالثا:   تحديد إشكالية البحث  وأطروحته الأساسية
  
 

  • تحديد اشكالية البحث.
21     تنطلق التساؤلات التي يثيرها موضوع البحث من فكرة أساسية هدفها الوصول إلى تحديد المركز القانوني للفقه المالكي كمصدر مادي لمدونة الأسرة، وطبيعة هذا المركز ، ونطاق إعمال المدونة لأحكام هذا الفقه أو إهمالها، وتقود هذه الفكرة إلى تحديد الإشكالية العامة لموضوع الدراسة المتمثلة في التساؤل عن حدود تمثل المشرع لأحكام الفقه المالكي ،بنصوص المدونة المنظمة لكتاب الزواج؟ ونطاق هذا التمثل بالمقارنة مع مدونة الأحوال الشخصية الملغاة؟ وبصيغة أخرى، هل احتفظ الفقه المالكي بمركزه كمصدر مادي للنصوص المنظمة للزواج وآثاره بالمقارنة مع نص مدونة الأحوال الشخصية الملغاة؟  أم أن توجهات المشرع بمدونة الأسرة كانت أكثر ميلا إلى الاختيار من خارج الفقه المالكي في اتجاه مصادر المدونة الأخرى؟
 
  • اقتراح أطروحة  الموضوع وفرضيته الأساسية.
31     وعلى ضوء هذه الإشكالية، واعتمادا على مقاربة تأصيلية مقارنة، ينطلق البحث من فرضية أن مشرع مدونة الأسرة، ورغم توجه إرادته نحو الاختيار من خارج الفقه المالكي؛   سواء من حيث اعتماده على أحكام المذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى إما إختيارا[16]  أو تلفيقا[17].  أو  من حيث  اعتماده على مقتضيات لا تجد لها موضعا  في أحكام الفقه الإسلامي، إما اقتباسا من القوانين الوضعية المقارنة، أو ملائمة  للاتفاقات الدولية، إلا أن مركز الفقه المالكي كمصدر مادي ظل ثابتا بالمقارنة مع مدونة أ.ش.م، فيما يرتبط بقضايا الزواج وآثاره، ومن ثم يبقى من المستبعد الحديث عن تحول  في توجهات المشرع، تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل تطور المصادر المادية للنصوص المنظمة للروابط الأسرية بالمغرب.
 

رابعا:   عرض منهجية البحث وتقسيماته الكبرى .
 
  
 

  • عرض منهجية الدراسة.
14  من خصائص الموضوع محل الدراسة، أنه يجمع بين مقتضيات فقهية وأخرى قانونية، ولذلك، فهو من جهة أولى: يتطلب الوقوف على النصوص الفقهية التي صاغها فقهاء المذهب المالكي بخصوص كل مقتضى من مقتضيات مدونة الأسرة الخاصة بالزواج وآثاره، ومن جهة ثانية؛ فالموضوع يقتضي استقراء النصوص القانونية (موقف المشرع) وبحث أوجه ارتباطها بمقررات الفقه المالكي صياغة ومضمونا، وتأصيل ذلك كله.
 على أن يكون العمل القضائي جزء لا يتجزؤ من الوسائل المتطلبة في المعالجة القانونية للموضوع، خصوصا فيما يتعلق بطبيعة تعامل القضاء مع نصوص المدونة المستمدة من الفقه المالكي.
 وعلى هذا الأساس سوف نقارب الموضوع وفق الوسائل والمنهج التالي:
  • استقراء النصوص القانونية المنظمة للزواج وآثاره بمدونة الأسرة، وكذا مدونة أ.ش.م، مع تحديد مضامينها الموافقة للفقه المالكي.
  • استقراء النصوص الفقهية للمذهب المالكي المرتبطة بمباحث الزواج وآثاره، ومقارنتها مع نصوص المدونتين.
  • اعتماد العمل القضائي (القرارات والأحكام)، سواء من حيث استخدامه في تأكيد النصوص القانونية وحدود التزامه بتطبيق مقتضياتها، أو من حيث ربط القضاء لتلك النصوص بمصادرها الأصلية (الفقه المالكي).
 
15  وفيما يخص المنهج المعتمد في هذه الدراسة، على الرغم من أن المناهج تتكامل بطبيعتها سوف يعتمد البحث مقارنة تأصيلية لنصوص المدونة، وذلك على ضوء النظر الفقهي والعمل القضائي، مستعينا بالمنهج التحليلي، القائم على أساس تفكيك النص القانوني، وتحديد عناصره، وتفسيرها في ضوء الأصول الفقهية لها، مع استخلاص واستنباط حدود ارتباطها بتلك الأصول من عدمه.
كما سنعمد إلى استخدام المنهجية المقارنة، من خلال إعمال الموازنة بين النصوص الفقهية ونص مدونة الأسرة من جهة، وبين نص هذه الأخيرة ونص مدونة أ.ش.م، حتى يتضح لنا نطاق اختلاف أو ائتلاف اعتماد الفقه المالكي كمصدر مادي بالنسبة للمدونتين.
 
  • تحديد التقسيمات الكبرى للموضوع.
16  والتزاما بذلك، سوف تتم معالجة الموضوع انطلاقا من تقسيم ثنائي، يخصص فيه الباب الأول لبيان حدود اعتماد الفقه المالكي كمصدر مادي للنصوص المنظمة لانعقاد الزواج بمدونة الأسرة، على أن يتم تخصيص الباب الثاني لبسط نطاق تمسك المشرع بأحكام الفقه المالكي كمصدر مادي للنصوص المنظمة لآثار الزواج.
وعلى ذلك، فمخطط البحث سوف يرتسم على الشكل التالي:
 
الباب الأول: اعتماد الفقه المالكي كمصدر مادي للنصوص المنظمة لانعقاد الزواج بمدونة الأسرة
 
  • الفصل الأول: الالتزام بالفقه المالكي في تحديد أسس بناء عقد الزواج
  • الفصل الثاني: استلهام أحكام الفقه المالكي في تنظيم الصداق
 
الباب الثاني: اعتماد الفقه المالكي كمصدر مادي للنصوص المنظمة لآثار الزواج بمدونة الأسرة
 
  • الفصل الأول: تمثل أحكام الفقه المالكي في تحديد آثار الزواج الصحيح
  • الفصل الثاني: مراعاة أحكام الفقه المالكي في تحديد الزواج غير الصحيح وآثاره
 

خامسا:   كشف النتائج المتوصل إليها.
 
  
 

  • النتيجة المستخلصة
 
 
  • مشرع مدونة الأسرة، ورغم اعتماده في إنتاج نصوص المدونة وتخريجها على اختيارات من خارج الفقه المالكي — سواء في اتجاه انتقاء أحكام المذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى، اختيارا، أو تلفيقا، أو في اتجاه استلهام مقتضيات تنتمي إلى مجالات لم يتطرق إليها الفقه الإسلامي، إما اقتباسا من القوانين الوضعية المقارنة، أو ملائمة  للإتفاقيات الدولية الخاصة بمجال المرأة والطفولة— إلا أنه في الحقيقة ظل وفيا في اعتماده الفقه المالكي كمصدر مادي للنصوص المنظمة للكتاب الأول بالمقارنة مع نص مدونة أ.ش.م قبله؛
 
 
  • جملة القول أنه،  رغم الاختلافات الحاصلة بين كل من مدونة الأسرة، ومدونة أ.ش.م، في الاختيار من الفقه المالكي أو خارجه، إلا أن هذا الاختلاف يبقى محدودا، ولا يمس بمركز الفقه المالكي كمصدر مادي ، حيث ظل ثابتا من غير تحول جوهري، ومن ثم لا يمكن الحديث — على الأقل بالنسبة للكتاب الأول من مدونة الأسرة— عن مرحلة جديدة في تعامل المشرع مع المصادر المادية للنصوص المنظمة للروابط الأسرية ، فسمة الثبات هي ماميزت المشرع في تعامله مع الفقه المالكي بمدونة الأسرة بالمقارنة مع مدونة.أ.ش.م .
 
 
  • المظاهر المحددة للنتيجة
 
" التوافق بين مدونة الأسرة ومدونة.أ.ش.م في الاختيار من الفقه المالكي كمصدر مادي "
 
  • إن أهم سمة ميز ت  تعامل المشرع،  بل وطبعت اختياراته من الفقه المالكي كمصدر مادي بمدونة الأسرة مقارنة بمدونة.أ.ش.م،  وتحديدا كتاب الزواج، هو طابع الإستقرار والثبات، وهذا مايجد أساسه في كم الموضوعات التي أخذت بها المدونتين، والتي ترجع في مصادرها المادية إلى أحكام الفقه المالكي.
 
  • هناك أحكاما أخرى اعتمد فيها مشرع مدونة الأسرة الفقه المالكي ووافق مقتضياته، مع العلم أن المشرع لم يتعرض لها بمدونة أ.ش.م.
 
" التوافق بين مدونة الأسرة ومدونة أ ش م في الاختيار من خارج الفقه المالكي كمصدر مادي "
 
  • إن سمة الثبات التي ميزت اختيارات المشرع من الفقه المالكي بمدونة الأسرة، مقارنة بمدونة أ.ش.م، هي نفس السمة الذي ميز ت اختيارات المشرع من غير الفقه المالكي، فانحصر الأمر في الموضوعات محددة:
  • على أن مشرع مدونة الأسرة أضاف بعض الاختيارات من خارج الفقه المالكي، والتي لم تتطرق إليها مدونة.أ.ش.م في كتاب الزواج من بينها تحديدا:
  1. اشتراط عدم تقييد عقد الزواج بأجل أو شرط واقف أو فاسخ (المادة 11)
  2. اكتساب القاصر الأهلية المدنية في ممارسته حق التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق وواجبات (المادة 22).
  3. اشتراط كمال أهلية الموكل في عقد الزواج (المادة 17).
" محدودية الاختلاف بين مدونة الأسرة ومدونة أ ش في الإختيار من الفقه المالكي كمصدر مادي  "نطاق الاختلاف الحاصل بين المدونتين فيما يتعلق بهذا الاختيار، يبقى محدودا، وهو ما يمكن حصره في مسألتين:

الأولى: ترتبط بالصياغة القانونية للنصوص؛ ذلك أن ما ميز مدونة الأسرة على هذا المستوى، أنها تخلت عن بعض المصطلحات الفقهية التي كانت من اختيارات المشرع بمدونة.أ.ش.م، فاستخدمت مصطلح "الزواج" بدل "النكاح " واستعملت مصطلح "البناء" بدل "الدخول أو الوطئ"، كما أنها اعتمدت فكرة توحيد المصطلح القانوني لنصوص المدونة، فاستخدمت  مصطلح "الصداق" في كافة كتب المدونة، خلافا لمدونة.أ.ش.م التي أعملت بجانب هذا اللفظ مصطلح "المهر".

الثانية: تنصرف إلى انتقاء بعض المفاهيم من خارج الفقه المالكي خلافا لمدونة.أ.ش.م، منها
  • جعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين بصفة مطلقة، دون النظر إلى الاعتبارات الفقهية الأخرى، والتي قد تتناقض مع هذا المفهوم، كمسألة القوامة، والطاعة الزوجية.
 
  •  الأخذ بتقسيم الفقه الحنفي للزواج غير الصحيح، والاعتبار بالزواج الباطل إلى جانب الزواج الفاسد، خلافا لما جرت عليه أحكام الفقه المالكي، وكذا مدونة أ.ش.م.
 
 
  •  الاستغناء عن التقسيم الفقهي للحقوق والالتزامات المترتبة عن الزواج الصحيح، وتركيزها فقط بالجانب المتعلق بالحقوق والالتزامات المتبادلة، خلافا لما ذهب إليه المشرع في إطار مدونة.أ.ش.م، وكذا الفقه المالكي.
 
 
 
  لكن السؤال الذي قد تثيره هذه النتيجة،
 
  • هي الدوافع التي جعلت المشرع يحافظ على مركز الفقه المالكي بمدونة الأسرة، بالمقارنة مع التقنين السابق؟ .
 
 
  • هل ذلك راجع إلى طبيعة الفقه المالكي في ذاته كفقه لا غنى عنه في المادة التشريعية، وكفقه مازال يستجيب، من حيث الحلول التي يقدمها، إلى حاجات الناس، والمتطلبات التي يفرضها الواقع المعيش  ؟
 
 
  • أم أن ذلك في الحقيقة يبقى راجعا إلى التوجهات الفكرية للمشرع، وقناعاته الشخصية تجاه هذا الفقه؟
 
تلك إشكالية أخرى.
 
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
 


[1] − انظر  في بعض الدراسات على سبيل المثال:    ـ دينيس لوير: فكرة القانون، تعريب سليم الصويص، سلسلة عالم المعرفة رقم 47، نشر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب -الكويت-، نونبر 1981م، ص: 11 وما بعدها.    ـ ميشيل تروبيرن:  فلسفة القانون، ترجمة جورج سعد، دار الأنوار للطباعة والنشر، -بيروت- الطبعة الأولى، 2004م، ص: 29 وما بعدها.   ــ  حسين عبد الحميد أحمد رشوان: القانون والمجتمع، دراسة في علم الإجتماع القانوني، المكتب الجامعي الحديث-الإسكندرية- طبعة: 2003م، ص: 3 ومابعدها ــ شمس الدين الوكيل: نظرات في فلسفة القانون، مقال منشور بمجلة الحقوق للبحوث القانونية والإقتصادية ع : 3/4، سنة: 1962/ 1963م، ص: 33 وما بعدها. ــ  ثروت أنيس الأسيوطي: أصول المذاهب الفلسفية في ضوء أفكار اهرنج والفكر القانوني الحديث، مقال منشور بمجلة القانون والاقتصاد، السنة 32، ع 3، سنة 1962م، ص: 235 وما بعدها ـ ثروت أنيس الأسيوطي: نشأة المذاهب الفلسفية وتطورها، دراسة في سيوسيولوجيا الفكر القانوني، مقال منشور بمجلة العلوم القانونية والاقتصادية، ع 2، السنة 8، يوليو 1966م، ص: 347 وما بعدها .
ـ GUY ROCHER : Études de sociologie du droit et de l’éthétique, éd thémis, Faculté de droit Université de Montréal, éd, 1996, p : 123 et s. ــ FRANçOIS GENY :  Science et technique en droit privé positif, nouvelle contribution à la critique de la société du recueil sire- -paris- , éd 1915, p : 52 et s.
[2]سمير تناغو: النظرية العامة للقانون، طبعة منشأة المعارف- الاسكندرية- طبعة 1973م.
[3] ـ انظر:    ـ عبد الرحمان الشعيري منظور: تدبير الحقل الديني بالمغرب، إعادة هيكلة الحقل الديني نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية: 2007-2008، ص: 19 وما بعدها.
[4] ـ انظر :
ـ  ABDELLAH  BOUDAHRAIN : le rôle de la Doctrine dans le réforme du droit, article publé in « acte du colloque : droit  et  pratique au Maroc, université Mohamed Ben Abdellah, F.S.F.E, et S. Fès, année 1994, p : 63 et s.
[5] ـ وهي ظهائر عمرت ما يقارب قرنا من الزمن أي منذ  1913 إلى يومنا هذا.
[6] ـ المذهب لغة: من ذهب يذهب، والمصدر منه ذهابا، وذهوبا، ومذهبا، فهو ذاهب وذهوب، سار أو مر.
والمذهب: الطريقة، يقال ذهب فلان مذهبا حسنا، أي طريقة حسنة.
ومن المجاز: المذهب، المتوضأ لأنه يذهب إليه.
ومن المجال: المذهب المعتقد الذي يصار إليه.
ـ جمال الدين محمد ابن منظور: لسان العرب، ج1، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى: (د.ذ.ت.ط)، ص: 393 وما بعدها.     ــ  مجد الدين الفيروز أبادي:  القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة: 1426هـ/2005م، ص: 86.   ـ 
أما في الإصطلاح، فالمذهب له معنيان:
« الأول: ما ذهب إليه إمام من الأئمة فيما فيه حكم اجتهادي.
والثاني: يطلق على ما به الفتوى في مذهب من المذاهب الفقهية، وهذا عند متأخري الفقهاء ».
ـ  محمد رياض: أصول الفتوى والقضاء، م.س، ص: 82.
وانظر أيضا:   ـ  عبد العزيز بن صالح الخليفي: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي مصطلحاته وأسبابه، رسالة لنيل دبلوم الدراسات الإسلامية العليا، دار الحديث الحسنية الرباط، السنة الجامعية، 1989-1990م، ص: 45-46.
والمذهب بهذا المعنى، مقيد بالأحكام الاجتهادية التي لا نص قطعي فيها، أما التي بها نص قطعي من الكتاب والسنة كوجوب الصلاة، وصيام رمضان، فهذا لا مساغ للاجتهاد فيه، ولا يرجع فيه الحكم إلى المذهب أو ينسب إليه.  لأن « الأحكام المجمع عليها، لا تختص بمذهب» ـ شهاب الدين أحمد القرافي: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تحقيق أحمد فريد المزيدي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 1425هـ/2004م، ص: 62.
كما أن المذهب لا ينطبق على الأحكام الفرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية فقط، وإنما يشمل الأصول المختلف فيها بين المذاهب، فعمل أهل المدينة من الأصول التي امتاز بها المذهب المالكي، ولذلك يقال عنها بالأصول الخاصة للمذهب، وبالتالي تكون داخلة فيه.
ـ انظر في هذا المعنى:   ـ محمد رياض: أصول الفتوى والقضاء، م.س، ص:84.
وعلى هذا الأساس، فالمذهب بمعناه العام، هو كل ما ذهب إليه صاحب المذهب والفقهاء المنتسبين إلى مذهبه من اجتهادات لا نص أو إجماع عليها، سواء تعلقت بالأصول الاجتهادية أو الأحكام الفقهية الفرعية المستنبطة وفق تلك الأصول.
[7]ـ  كثيرا ما يقع الخلط بين أحكام الفقه الإسلامي، وبين الشريعة الإسلامية ونصوصها، فالأول؛ يظل مجموعة من الأحكام المستنبطة عن طريق الاجتهاد، أما الثانية؛ فهي الأحكام الشرعية المقتضاة من أصولها الثابتة.
 وحول مفهوم كل من الشريعة والفقه والفرق بينهما راجع :   ـ عمر سليمان الأشقر:  تاريخ الفقه الإسلامي، م.س، ص: 18 وما بعدها.    ــ  عبد الخالف أحمدون: النظام القانوني الإسلامي، خصائصه ومبادئه مع مقارنة بالقانون الوضعي، مطبعة اسبارطيل، طنجة، الطبعة الثانية: 2005، م ص: 18 وما بعدها.    ــ  عبد الله الداوي: الشريعة والفقه والقانون، ملاحظات وتفصيلات، مقال منشور في إطار ندوة أكاديمية المملكة المغربية حول "الشريعة والفقه والقانون" سلسلة ندوات ومحاضرات، مطبعة عكاظ، الرباط،سنة 1989ص: 93 وما بعدها.   ــ عبد الهادي بوطالب: الشريعة والفقه والقانون، مقال منشور في إطار ندوة أكاديمية المملكة المغربية، م.س، ص: 9 وما بعدها.
ـ AHMED CHARAF ELDINE : droit musulman et doctrine islamique, R.D.CH, N° 1, année 2, janvier 1979, p : 248 et s.
[8]ـ من قبيل موانع الزواج المؤبدة والمؤقتة، التي دلت النصوص على أحكامها وأجمع الفقهاء على العمل بها، وكذا بعض الحقوق المرتبطة بالأبناء، كالحق في التربية، والحضانة، والإسم، والنسب، أو بعض الحقوق الخاصة بالمرأة  الزوجة، (الحق في النفقة، الإرث...)
وحول هذه الأحكام الثابتة الراجعة إلى النصوص الشرعية انظر:   ـ العلمي الحراق: الثابت والمتغير في أحكام الأسرة، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في الشريعة، جامعة القرويين، كلية الشريعة فاس، بالنسبة الجامعية: 1417هـ-1418م، ص. 77 وما بعدها.  ـ آمال رزكاني: مدونة الأسرة وسؤال المرجعية؟ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية 2006-2007، ص: 17 وما بعدها.
[9]ـ المصادر المادية أو الموضوعية للقاعدة القانونية، هي مجموع الحقائق الواقعية والفكرية التي تنبثق عن العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والدينية السائدة في مجتمع ما، والتي يستخلص من خلالها المشرع مجموعة من القواعد التي تضع أحكاما وحلولا تنظم العلاقات القائمة بالمجتمع، فهي بهذا المعنى مصادر تتيح للمشرع استلهام القاعدة القانونية وتكوين مضمونها وموضوعها.
راجع:   ـ غالب علي الداودي: المدخل إلى علم القانون، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الطبعة السابعة: 2004، ص: 95-96.   ــ عبد الفتاح عبد الباقي: نظرية القانون، مطبعة نهضة مصر، الطبعة الخامسة: 1966م، ص: 139-140. ــ  عبد المنعم البدراوي: المدخل للعلوم القانونية: النظرية العامة للقانون، مطابع دار الكتاب العربي مصرطبعة . 1959/1960م، ص:  157   ــ عبد المنعم فرج الصدة: أصول القانون، دار النهضة العربية، بيروت، طبعة 1972م، ص: 83
على أن هذه المصادر المادية تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن قانون إلى غيره، ففي المغرب يعتبر الفقه المالكي مصدرا ماديا لقانون الأسرة، حيث استلهم المشرع العديد من الأحكام والقواعد القانونية من هذا الفقه.
انظر:     ـ  عبد الخالق أحمدون: مدونة الأسرة، م.س، ص: 57.
[10]ـ انظر على سبيل المثال:   ـ أسامة رياض: اجتهاد القاضي كمصدر احتياطي في مدونة الأسرة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول، كلية الحقوق سطات، السنة الجامعية 2007-2008م.   ــ ليلى جييد: دور الاجتهاد في قانون الأسرة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية:2006- 2007   ــ عبد الله أبو عوض: أثر الاجتهاد الفقهي والقضائي في تعديل مدونة الأسرة المغربية، دراسة تأصيلية في المادة 400، منشورات دار الأمان، الرباط، مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة 2011م.    ــ بوشعيب الناصري: قراءة في المادة 400 من مدونة الأسرة، مقال منشور بمجلة المناهج، عدد مزدوج 7/8 سنة 2005.
[11]ـ خاصة وأن النقاش العمومي الذي أثير حول تعديل المدونة كان في مجمله يتعلق بموضوعات الزواج، مثل الرضا في عقد الزواج ― مسألة الولي ― إثبات الزواج  ― مسألة النسب في الخطبة  ― مسألة التعدد  ― مسألة سن الزواج ― مسكن الزوجية،  إلى غير ذلك من الموضوعات التي أثارت مناقشات قانونية واجتماعية.
[12]ـ انظر على سبيل المثال بعض الإحصائيات الرسمية المتعلقة بمسائل الزواج بالمقارنة مع مسائل الأحوال الشخصية الأخرى:  ـ إبراهيم الأيسر: تطبيق مدونة الأسرة، التدابير المتخذة /الحصيلة والآفاق، مقال منشور بمجلة قضاء الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية ع 4 و5 فبراير 2009، ص: 142 وما بعدها.
[13]ـ مثل اشتراط الإشهاد في عقد الزواج كشرط لصحته، استبعاد الولاية والعمل بها في حدود ضيقة، الأخذ بنظرية الحنابلة والتوسع في إعمال الشروط، اشتراط اتحاد مجلس العقد.
ـ انظر:   ـ عبد المالك السفياني: مدونة الأسرة بين الفقه المالكي والانفتاح على المذاهب الفقهية الأخرى، م.س، ص: 84 وما بعدها.
[14] ـ من قبيل تقييد تعدد الزوجات، وإمكانية ممارسة الدعوى من القاصر في المسائل المتعلقة بأحواله الشخصية، وكذلك تحديد سن معين للرشد القانوني، والاعتبار بالسن بدل البلوغ في تقرير أهلية الزواج.
[15]ـ من قبيل توسيع نطاق الرضا، واستبعاد مسألة الجبر في الزواج، الرفع من سن الزواج إلى 18 سنة، إقرار المسؤولية المشتركة بين الزوجين.
ـ انظر:    ـ أشرف بداوي: أثر الاتفاقيات الدولية على مدونة الأسرة، م.س، ص: 9 وما بعدها.   ـ  هاشم العلوي: قراءة في مدونة الأسرة بالمملكة المغربية في ضوء الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مقال منشور في إطار الندوة الجهوية الثانية المنعقدة بمكناس بتاريخ 8-9 مارس2007، بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى، تحت عنوان " قضايا الأسرة من خلال اجتهاد المجلس الأعلى" ، مطبعة الأمنية ، الرباط، طبعة 2007م، ص: 39 ومابعدها.
[16] ــ وذلك من خلال توجيه  الاجتهاد نحو إنتقاء الأحكام الفقهية المختلف فيها  بين المذاهب، والأخذ بحكم من هذه الأحكام ترجيحا على ماسواه ، مع اعتماده كقاعدة قانونية. وللتوسع حول ماهية الإختيار وضوابطه الفقهية ، انظر
ـ محمود النجيري: الإختيار الفقهي وإشكالية تجديد الفقه الإسلامي،( مع دراسة في اختيارات ابن قيم الجوزية)، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، سلسلة روافد، الطبعة الأولى: يناير 2008م، ص: 18 ومابعدها
[17] ــ وذلك من خلال الجمع بين حكمين فقهيين مختلفين في المسألة الواحدة، بحيث يتولد عن ذلك تخريج حكم جديد مركب يعتمد في مضمونه على الحكمين دون أن يشبههما،أو يتفق معهما في تخريج ذلك الحكم.
وللتوسع حول ماهية التلفيق ، وحكمه، وأنواعها، وظوابطه، انظر على سبيل المثال:
ـ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (الكويت) : الموسوعة الفقهية، طباعة ذات السلاسل، الكويت، ج13، الطبعة الثانية، 1404هـ-1983م، ص: 286 ومابعدها . ــ خليل محي الدين الميس: التلفيق، مقال منشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع 8، سنة، 1993م، ص:     295 ومابعدها    ــ ناصر بن عبد الله الميمان: التلفيق في الإجتهاد والتقليد، مقال منشور بمجلة العدل، ع: 11، السنة 3، رجب 1422ه. ص: 4 ومابعدها.
 



الاحد 14 سبتمبر 2014

تعليق جديد
Twitter