MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تحديد مفهوم النوع الاجتماعي من خلال الأدوار الاجتماعية للجنسين

     

الجزء الثاني




تحديد مفهوم النوع الاجتماعي من خلال الأدوار الاجتماعية  للجنسين
الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية


لقد قادنا التمييز بين ما هو طبيعي وثقافي في الموضوع السابق إلى القول إن الاختلافات الجنسية بين المرأة والرجل هي اختلافات ثابتة ولا اعتراض عليها ، أما الفوارق المبنية على النوع الاجتماعي فهي اختلافات ثقافية وحضارية ينبني عليها تمثل وتقبل علاقات اجتماعية معينة ين الرجال والنساء ، وهي قابلة للتغيير والتطور حسب نمو المجتمع وتطوره.
وعملا بهذا التمييز اتفقنا أن الجنس يتعلق بالشروط البيولوجية والفيزبولوجية، التي تؤدي إلى تحديد الجنس من حيث الأنوثة والذكورة، في حين تؤدي جملة من العوامل التاريخية، الثقافية، الاجتماعية والسيكولوجية إلى تحديد النوع الاجتماعي، الذي تتحدد من خلاله الأدوار الذكورية والأنثوية التي تتلون بالمدركات الاجتماعية والثقافية 1
وهو ما يعني أن هذا المفهوم يحيل أساسا على التقسيم الغير العادل للأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء، والذي يكرس نمطا من التراتبية السوسيوثقافية بين الجنسين، فالأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة هي أدوار تشكلها الظروف الاجتماعية، وليس الاختلاف البيولوجي، وهو ما يعني أيضا أن هذه الأدوار ترتبط ارتباطا وثيقا بدلالات النوع الاجتماعي، فمثلا إذا كانت تربية الأطفال وأعباء العمل المنزلي مرتبطة تقليديا بالمرأة فإن ذلك ليس له علاقة بتكوينها البيولوجي كامرأة، إذ أن هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها الرجل أيضا، مما يعني أن أدوار النوع الاجتماعي تختلف عن أدوار الجنس البيولوجي، فالأولى من الممكن أن تكون متبادلة بين الجنسين، في حين أن الثانية تتسم بالثبات والاستقرار.
ولعل التنشئة الاجتماعية هي المحدد في توزيع هذه الأدوار، إذ تكرس نمطا معينا من التقاليد والقوالب الجاهزة السائدة في المجتمع، وتقر التمايز في الأدوار والمهام الاجتماعية وتكرس التفوق الذكوري، الذي يتم ترسيخه من خلال النمط التربوي السائد داخل الأسرة، التي تلعب دورا أساسيا في تكريس الخطاب الاجتماعي التقليدي الذي يقر التمييز بين الذكور والإناث، فبداخلها تنشأ ثقافة التمييز بين الجنسين، إذ يعامل المولود الذكر داخل الأسرة معاملة تفضيلية، يعطى بموجبها وضعا خاصا ومكانة متميزة، وينشأ وقد تملك مواصفات الذكورة والفحولة،عكس الفتاة التي تنشأ وقد تشربت مفهوم الطاعة والانصياع، كما يتأثر الطفل بنموذج الأب النشيط الذي يعمل خارج البيت، بينما تتأثر البنت بالأم التي تنهمك في أعمال المنزل وتهتم بالطبخ وبالأطفال، وهو ما يشكل انطباعات تبقى راسخة في أذهان الجنسين تؤثر على سلوكهما وعلى اختياراتهما المستقبلية، تم ترسيخها من خلال التمييز بينهما في المواقف وتصرفات الوالدين اتجاههما، وفي طريقة تقييم أدائهما فبينما يوصف الذكور بصفات إيجابية مثل الشجاعة والثقة بالنفس، توصف الإناث بأنهن عاطفيات، وإذا ما تم توجيه الثناء والمديح للإناث، فغالبا ما يتم ذلك بوصفهن بصفات الذكور على اعتبار أنها صفات ايجابية، بل إن بعض الآباء يرون أن هناك بعض سمات للسلوك الاجتماعي تليق بالبنين وسمات أخرى تليق بالبنات2
إن التعامل مع الجنسين داخل الأسرة وفقا للتصور الأبوي السائد يساهم في تشكيل عقلياتهما في اتجاهين مختلفين، يجعل أحدهما يقبل التمييز والدونية، في حين يشعر الآخر بالاستعلاء والتفوق 3
وليس من السهل تغيير هذا التمييز في التربية وفي التنشئة، لاسيما إذا علمنا أن الأسرة المغربية شأنها كباقي الأسر الأخرى لا تملك أدوات لمقاومة القيم المؤسسة للتمييز بين الجنسين، بل تعمل على ترسيخها من خلال إعادة إنتاجها وتلقينها.
ويزداد الأمر سوءا إذا ما علمنا أن ثقافة التمييز لا تنحصر في البناء الأسري، بل إن المجتمع يعيد إنتاجها من خلال الأدوات التي يعتمدها في التواصل، وهو ما يعني ضمنا أن الأسرة إلى جانب الدولة ( من خلال وسائل الإعلام والكتب والمناهج الدراسية) تساهمان جنبا إلى جنب في تكريس قيم التراتبية المجتمعية التي تجعل من الرجل صاحب السلطة والقيادة، وتجعل من المرأة تابعا له،والعلاقة التي تنشأ بينهما تكون محلا للمقاربات النوعية والعلاقات الجندرية.
وهو ما يؤكد أن مفهوم النوع أو الجنـدر لا يمكن أن يتم بعيدا عن الحديث عن طريقة تقسيم الأدوار داخل المجتمع ، وكذا الحديث عن الاختلال في ميزان القوة والنفوذ بين الجنسين، بهدف إعادة توزيع القوة بينهما من خلال مراجعة توزيع هذه الأدوار وكذا الفرص.
وهو ما يجعل هذه المقاربة غير لصيقة بالنساء لوحدهن، بل انها صالحة للتعميم ومعالجة كل القضايا التي ترتبط بالمجتمع لانها تهتم بالعلاقات والأدوار بين النساء والرجال، التي تتحدد بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما تتأثر بتغير هذه العوامل، لذا فتغيير هذه العلاقات الاجتماعية والأدوار يفرض أن تتوفر النساء كما الرجال على القدرات التي تمكنهن من إحداث التغييرات الضرورية والاستفادة من آثارها الايجابية 4على أن يتم الانطلاق من التنشئة الاجتماعية التي تقوم بتلقين الأدوار الاجتماعية المختلفة للجنسين معا 5

--------------------------------------------------------------------
1
- العربي وافي "مقاربة النوع والتنمية" المرجع السابق ص12-113
2
- "مراعاة المنظور الجنساني :نظرة عامة " منشورات الأمم المتحدة ابريل 2002
3
- مداخلة عبد الله ايت الخياري "وضع المرأة ودور الجمعيات غير الحكومية في تحسينه"أشغال الورشة التكوينية الثالثة في مجال التربية الغير السكانية لفائدة ممثلي المنظمات غير الحكومية –جامعة محمد الخامس السويسي كلية علوم التربية ووحدة التربية السكانية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1997:ص 26
4
- انطر " الإستراتيجية الوطنية من اجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية ث المنجزة من طرف كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين ص 27.
5
- العربي وافي وآخرون" الإنصاف في الفضاء المدرسي"وزارة التربية الوطنية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الرباط 2000 ص 22 .



الثلاثاء 2 نونبر 2010

تعليق جديد
Twitter