MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الوصايا السبعة للمحكمة الدستورية حول النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

     



الوصايا السبعة للمحكمة الدستورية حول النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 13 شتنبر 2017 قرارها عدد 38ـ17 حول دستورية مشروع النظام الداخلي المحال عليها من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي قضى في منطوقه بأن المواد 5 و الفقرتين الأولى و الثانية من المادة 17 و 47 و الفقرة الأخيرة من المادة 48 و 49 و 50 و 51 و 52 و 54 مخالفة للدستور و القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة . و بأن باقي أحكام النظام الداخلي ليس فيها ما يخاف الدستور و القانونين التنظيميين المذكورين مع مراعاة الملاحظة المسجلة بشأن المادة 28 منه.
و محاولة لتلخيص أهم مؤاخذات المحكمة الدستورية على مشروع النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حاولنا تجميعها في سبعة محاذير دستورية سقط فيها المشروع المذكور على الشكل الآتي:

ــ الوصية الأولى: لا يجوز للرئيس المنتدب احتكار صلاحية من صميم اختصاص المجلس في كليته.

قررت المحكمة الدستورية أن مقتضى المادة الخامسة ــ الذي ينص على أن الرئيس المنتدب يسهر على إحاطة أعضاء المجلس علما بمضمون الاتفاقيات المبرمة بين المجلس مع الهيئات الأجنبية المماثلة أو الهيئات المهتمة بالعدالة ــ غير دستوري لأن صياغة المادة يفهم منها بأن أعضاء المجلس لا يطلعون على مضمون الاتفاقيات المبرمة إلا بمناسبة تنفيذها أو تتبع تنفيذها خلافا للمادة 113 من القانوني التنظيمي للمجلس الذي ينص بكيفية صريحة على أن المجلس هو الذي يقيم علاقات تعاون و شركة مع المؤسسات المذكورة.
و الواقع أن الصيغة التي جاء بها نص مشروع النظام الداخلي لا يحتمل بشكل صريح التأويل الذي تبنته المحكمة الدستورية و لكن يتبين أن هذه المحكمة قد تعمدت أن تكرس قاعدة أساسية تحصن المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أي استفراد للرئيس المنتدب في تدبير موضوع الاتفاقيات المبرمة مع الغير و تقر بأن الصلاحيات المخولة للمجلس في كليته لا يجوز بتاتا أن ينتقص منها، و بذلك فإن لأعضاء المجلس جميعا الحق في الاطلاع على مشاريع الاتفاقيات حتى قبل إعدادها و المصادقة عليها. و بمعنى آخر فإن صلاحية الرئيس المنتدب كممثل قانوني للمجلس و إن كان تخوله التوقيع على هذه الاتفاقيات فإنها لا تعفيه من إطلاع باقي الأعضاء على مشاريع هذه الاتفاقيات قبل اعتمادها بشكل رسمي ما دام أن إبرام هذه الاتفاقيات هو من صلاحية المجلس ككل.
 
ــ الوصية الثانية: لا يحق للمجلس تجاوز اختصاصه الاستثنائي في التشريع.

معلوم أن الدستور أناط مهمة التشريع للسلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب و مجلس المستشارين و أنه استثناء أناط ببعض الهيئات الدستورية إمكانية إعداد أنظمتها الداخلية كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
إلا أن ممارسة المجلس الأعلى لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع تم تقييده بشرطين أساسيين أولهما عدم تجاوز مجال الإحالة التشريعية و ثانيهما عدم دخول القانون المقترح حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة المحكمة الدستورية عليه و اعترافها بدستوريته و قانونيته.
في هذا الإطار قررت المحكمة الدستورية بأنه لا يجوز للنظام الداخلي للمجلس أن ينظم شروطا من أجل قبول الشكايات و التظلمات خلافا لما ورد في المادتين 49 و 50 من مشروع النظام الداخلي. و أعادت المحكمة الدستورية التأكيد بأن الإحالة التشريعية في المادة 86 من القانون التنظيمي للمجلس على النظام الداخلي تنحصر في كيفية تدبير و معالجة التظلمات و الشكايات و لا تتعداها إلى وضع شروط خاصة لقبول هذه الأخيرة.
و يبدو ضمنيا من قرار المحكمة الدستورية أنه كان صارما في الاعتراف بحق التشكي و التظلم دون وضع قيود مسبقة من طرف المجلس ما دام أن المشرع الأصلي و هو البرلمان لم يضع قيودا لذلك. و بذلك ستكون مهمة المجلس في تدبير و معالجة الشكايات و التظلمات المرفوعة إليه جد صعبة و معقدة ما دام أنه يفهم بمنطق المخالفة أنه يحق لأي كان أن يتقدم بشكايته أو تظلمه إلى المجلس سواء كان ذا صفة و مصلحة أم لا و سواء كان معلوما أو مجهولا. علما بأنه ثار نقاش صاخب مؤخرا حول إمكانية قبول البحث في الوشايات المقدمة من أشخاص مجهولين على هامش تصريح وزير العدل السابق و الوزير الحالي المكلف بحقوق الإنسان.
 
ــ الوصية الثالثة: وجوب اعتماد مسطرة واحدة لنشر جميع نتائج المجلس.

نصت المادة 60 من القانون التنظيمي للمجلس على نشر النتائج النهائية لكل دورة من دورات المجلس، و أحالت على النظام الداخلي للمجلس لتنظيم كيفية نشر هذه النتائج.
و إذا كان مشروع النظام الداخلي قد نظم طريقة النشر بالتمييز بين نوعين من قرارات المجلس: النوع الأول يخص القرارات التي تحتاج إلى صدور ظهير ملكي شريف بالموافقة و يتعلق الأمر بتعيين المسؤولين القضائيين أو بتعيين القضاة لأول مرة في مختلف محاكم المملكة. فهذه النتائج تنشر فور موافقة الملك عليها. و النوع الثاني و يتعلق بمختلف القرارات التي يختص بها المجلس و لا تحتاج إلى صدور قرار ملكي بالموافقة فهي تنشر فور اتخاذها.
و قد عابت المحكمة الدستورية على مشروع النظام الداخلي عدم دستورية هذا المقتضى التمييزي بين أنواع مقررات المجلس و أعلنت بشكل واضح وجوب إطلاع الملك بوصفه رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ــ الفصل 56 من الدستور ــ و الضامن لاستقلال السلطة القضائية ــ الفصل 107 من الدستور ــ على كل نتائج دورات المجلس مهما كان موضوعها و دون تمييز بينها.
و يستشف من قرار المحكمة الدستورية أن رئاسة الملك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى الدستور ليست مجرد رئاسة صورية أو رمزية لأن المبدأ الدستوري الذي يقرر بأن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية يفرض من الناحية العملية إطلاع الملك على جميع النتائج النهائية لدورات المجلس قبل نشرها و بالتالي قبل تنفيذها حتى تكون سارية المفعول نظرا لما قد يكون لها من آثار مهمة على مستوى استقلال السلطة القضائية.
و بديهي أن الغاية من التمييز الذي أقرته المادة 17 من مشروع النظام الداخلي بخصوص كيفية النشر كان الغرض منه الإسراع بنشر نتائج المجلس المتعلقة بالقرارات التي لا تحتاج إلى موافقة الملك عليها غير أن المحكمة الدستورية اعتبرت هذا التمييز غير دستوري بناء على ركيزتين دستوريتين أساسيتين هما: رئاسة الملك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و ضمانه لاستقلال السلطة القضائية. و غني عن البيان أن النظام الداخلي السابق كان يفرض على المجلس الأعلى للقضاء ضرورة صدور إذن ملكي لعقد دوراته و هو الإذن الذي اختفى من مشروع النظام الداخلي الحالي اعتبارا لكون المجلس أصبح ينعقد فعليا تحت رئاسة رئيس منتدب له صلاحيات واضحة بمقتضى الدستور و القانون التنظيمي للمجلس بخلاف القانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء الملغى الذي كان فيه وزير العدل مجرد نائب للملك في ترؤسه أشغال المجلس المذكور.
 
ــ الوصية الرابعة: لا يحق لوحدة تدبير الشكايات تجاوز الضمانات الممنوحة للقضاة.

نصت المادتين 51 و 52 من مشروع النظام الداخلي للمجلس على التوالي على أنه ٌيمكن لشعبة الشكايات و التظلمات مراسلة المسؤول القضائي للمحكمة التي يمارس بها المشتكى به مهامه قصد التأكد من صحة البيانات الواردة في الشكاية أو التظلم، و عند الاقتضاء إبداء ملاحظاتهم و تقديم أية معلومات أو توضيحات تقتضيها معالجة الشكاية أو التظلم ٌ، و ٌتتحرى شعبة الشكايات و التظلمات حول مدى جدية الشكايات و التظلمات و تحيل البيانات بشأنها دون تأخير إلى الرئيس المنتدبٌ.
و عابت المحكمة الدستورية على هاتين المادتين عدم دستوريتهما لمخالفتهما مضمون المادتين 86 و 87 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس للعلل التالية:
1/ عدم تحديد طريقة تشكيل هذه الشعبة و عدم بيان مكانتها ضمن الهيكلة الإدراية للمجلس.
 2/ منح هذه الوحدة الإدارية إمكانية فحص جدية الشكايات و التظلمات و الاتصال بالمسؤولين القضائيين.
3/ إغفال ضمانة الاستماع إلى القاضي موضوع الشكاية أو التظلم.
يتبين من العلل المذكورة أن المحكمة الدستورية رفضت بشكل مطلق أن تمنح لوحدة إدارية وظيفة فحص مدى جدية الشكايات و التظلمات الموجهة ضد القضاة متجاوزة الوظيفة الإدارية المتمثلة في التدبير و المعالجة ليس إلا، كما رفضت بشكل مطلق منح هذه الوحدة حق مراسلة المسؤولين القضائيين لجمع معطيات و الإدلاء بآرائهم حول الوقائع المنسوبة للقاضي المشتكى به دون تمكين هذا الأخير من الاستماع إليه لإبداء وجهة نظره على خلاف القواعد المقررة في القانون التنظيمي للمجلس الذي يمنح اختصاص البحث و التحري لقضاة مفتشين و يكفل حق الاستماع إلى القاضي المعني بالأمر و هي مقتضيات لا يمكن تجاوزها من طرف النظام الداخلي للمجلس لمساسها بضمانات المسطرة التأديبية للقضاة. 
 
ــ الوصية الخامسة: عدم جواز إحداث وحدتين إداريتين متنازعتين في الاختصاص.

تجسد هذه التوصية رقابة المحكمة الدستورية على القوانين ليس فقط من زاوية الشرعية القانونية و لكن أيضا على مستوى الملاءمة أو الحكامة. هكذا كشفت المحكمة الدستورية عن التناقض الموجود في المادتين 47 و 54 من النظام الداخلي على مستوى إحداث وحدتين إداريتين مكلفتين بمعالجة الشكايات و التظلمات، فالمادة 47 تتحدث عن وحدة تدبير و معالجة الشكايات و التظلمات منتظمة ضمن قطب الشؤون القضائية بينما تتحدث المادة 54 عن إحداث وحدة للشكايات و التظلمات بجانب الرئيس تعمل تحت إشرافه المباشر و تتكون من قضاة و موظفين يعينهم هذا الأخير.
و قد أكدت المحكمة الدستورية على أن تكليف هيكلين إداريين مختلفين بمهمة تدبير و معالجة الشكايات و التظلمات ــ دون بيان اختصاص كل واحد منهما و مدى تكاملهما توخيا للنجاعة التدبيرية ــ قد يؤدي إلى تنازع ممارسة الاختصاص بينهما، و بالتالي فهو مقتضى غير دستوري لمخالفته مقتضيات المادة 86 من القانون التنظيمي للمجلس الذي أناط بالنظام الداخلي مهمة تحديد كيفية تدبير و معالجة التظلمات و الشكايات.
 
ــ الوصية السادسة: وجوب تحديد طريقة توجيه الشكايات مسبقا بشكل إجرائي واضح.
إذا كانت المحكمة الدستورية حريصة على احترام ضمانات استقلال القضاة بما فيها ضمانات البحث و التحري و المتابعة التأديبية الممارسة في حقهم فإنها بالمقابل كانت حريصة على ضمان حق التشكي و التظلم ضد القضاة كما تم بيانه أعلاه و تيسير حق المواطنين في الولوج إلى المجلس لهذه الغاية. و في نفس السياق أكدت المحكمة الدستورية عدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 48 النظام الداخلي التي نصت على طريقة توجيه الشكايات بقولها: ٌيمكن للمشتكي أن يوجه عبر البريد المضمون أو بأي وسيلة يعتبرها المجلس ملائمة لهذا الغرض..ٌ
في تسبيب قراراها اعتبرت المحكمة الدستورية أن معالجة الشكايات و التظلمات يتوقف بدء على تحديد طرق هذه الشكايات و إيرادها بشكل صريح داخل النظام الداخلي حتى يتأتى للمعنيين بها معرفتها و المفاضلة بينها، و أن النص على تلقي الشكايات و التظلمات بأي وسيلة يراها المجلس ملائمة مقتضى يمس بحق المواطنين في معرفة الوسائل التي تمكنهم بشكل قبلي من الولوج إلى المجلس لتقديم شكاياتهم و تظلماتهم، و بالتالي فهو غير دستوري.
 
ــ الوصية السابعة: وجوب احترام اختصاصات مفتشية القضاة.

على الرغم من أن التنظيم القانوني لمفتشية القضاة يدخل ضمن مجال التشريع لا ضمن مجال النظام الداخلي للمجلس ما دام أنه لم يكن موضوع إحالة على النظام الداخلي، فإن المحكمة الدستورية كانت حريصة ــ في معرض مراقبتها لدستورية و قانونية مشروع النظام الداخلي ــ على عدم المساس بصلاحيات مفتشية القضاة. هكذا رفضت المحكمة الدستورية من جهة أولى أن تكون مفتشية القضاة ــ التي تشتغل إشراف مفتش عام ــ تابعة لجهاز أو شخص معين غير المجلس الأعلى للسلطة القضائية في كليته ضمانا لاستقلاليتها الوظيفية. كما رفضت من جهة ثانية اختزال صلاحيات المفتشية في المجال التأديبي مكرسة توجه قرار المجلس الدستوري سابقا عدد 16ـ991 بمناسبة تفسيره للمادة 53 من القانون التنظيمي الخاص بالمجلس. و منعت من جهة ثالثة أن تمنح لأي جهاز آخر صلاحيات من صميم اختصاصها بإعلانها بشكل واضح عدم دستورية تخويل وحدة إدارية مهمة فحص جدية الشكايات و التظلمات الموجهة ضد القضاة و تجهيز ملفات الشكايات و التظلمات من الجانب القضائي معتبرة أن هذه الصلاحيات هي من صميم البحث و التحري المخولة بصفة خاصة لمفشين قضاة من ذوي الخبرة تفعيلا للضمانات التي خص بها الدستور و القانون التنظيمي للمجلس المسطرة التأديبية للقضاة. 
الاحد 18 فبراير 2018




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter