MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



النقاش العمومي بين العالم الواقعي والفضاء الافتراضي قراءة متقاطعة

     



النقاش العمومي بين العالم الواقعي والفضاء الافتراضي
قراءة متقاطعة
 
من المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية: الحوار والنقاش العمومي والمشاركة السياسية بين جميع الأطراف في تدبير الشأن العمومي، إذ أنه بدون نقاش عمومي يبدو من الصعب أن تنشأ وتنمو الديمقراطية؛
إلا أنه ومع تطور الحياة الاجتماعية، أضحت المشاركة السياسية اليوم تعتمد على الرقمية بشكل متزايد، والتي حلت محل التواصل المباشر سواء عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني والفيس بوك وموقع يوتيوب وموقع تويتر..؛ حيث تتيح هذه المجالات لكل المستخدمين فرص متساوية في المشاركة والتحاور وإنتاج المعنى؛
إن هذه الثورة الرقمية مكنت لمستخدميها مجالا عاما افتراضيا من خلال التعبير عن آرائهم المختلفة، وممارسة الديمقراطية الافتراضية من خلال المجال الاجتماعي، لكن  السؤال المطروح هل كل ما يحصل من تداول عام، يمكن أن نطلق عليه “نقاشا عموميا”؟، وما حقيقة  هذا النقاش العمومي في الفضاء الافتراضي على وسائل التواصل الاجتماعي؟، وهل هو تعبير حقيقي للرأي العام كما ظهر في بداياته الأولى؟؛ أم أنه هروبا من تبعات النضال الجسدي والنقاش التواجهي التفاعلي؟؛ وما هي قدراته السياسية في تشكيل رأي عام حقيقي أو توجيهه أو في إرساء ثقافة سياسية أو وعي سياسي؟؛
أولا: الرأي العام: قراءة مفاهيمية
لقد قاد التطور التكنولوجي في وقتنا الحاضر، في البيئة الرقمية الجديدة، إلى تغيير نمط وأساليب تكوين وبلورة وتحريك الرأي العام، ومن ثم السيطرة عليه، من خلال إعادة إنتاج وتوزيع محتوى مكونات الوعي التثاقفي، والذي بات يُنْقَل من الجميع إلى الجميع، دون واسطة أو سيطرة، وهو ما حوَّل الانتباه باتجاه الحوامل الجديدة والمحتوى نفسه الذي تزداد أهميته بين الفاعلين، أفرادًا ومؤسسات ودولًا، ليس فقط في إبراز التَّمثُّلات والرؤى حول القضايا والأحداث الجارية، وإنما في الصراع الرمزي والقيمي بين مختلف القوى عبر حروب إعلامية تُسْتَخْدَم فيها جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وتُسْتَثْمَر فيها أيضًا خصوصية البيئة الرقمية التي تُؤَمِّن مجالًا واسعًا لانتشار السرديات البديلة في زمن اتصالي أفقي.  [[1]]
وتؤكد الدراسات على صعوبة وضع تعريف دقيق محدد "للرأي العام" ويذهب بعض الباحثين إلى أن القدرة على قياس "الرأي العام" تفوق القدرة على تعريفه وتطويعه، فعلى الرغم من أن المفهوم ّ ظهر في القرن 18م ّ فإنه لم يعرف بشكل محدد أو مرض، فالرأي العام من "الصعب وصفه، ومن غير الميسور قياسه ومن المستحيل رؤيته" ورغم كل هذه الصعوبات فإن قوة الرأي العام لا يمكن تجاهلها في أي مجتمع. يذهب "ألبيج ALBIG "في كتابه "الرأي العام الحديث" إلى أن الرأي العام " تعبير عن موضوع معين يكون موضع مناقشة من جماعة ما"، ويعرفه الدكتور "عبد الرحمن عزي" بأنه: "مجموعة آراء الأفراد حول موضوع ذي أهمية عامة (أي الآراء) التي في مقدورها ممارسة التأثير على مواقف الأفراد والجماعات وعلى سياسة الحكومات[[2]] ".
في الوقت الحاضر، وبعد تطور تكنولوجيا الاتصال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحول الفرد إلى منظومة إعلامية تساهم (لوحدها أحيانا) في صناعة رأي عام، أو التأثير به على أقل تقدير، وليس بالضرورة أن يكون هذا الفرد من النخب المتعلمة، أو ممن يمتلكون استراتيجيات تفكير متقدمة، بل يكفي أن يتقن هذا الفرد أو هذه المجموعة، أدوات السيطرة على (التفكير الوجداني- الانفعالي)، ليحرك فئات وقطاعات كبيرة من المجتمع، تحركا تتفاعل معه هذه الفئات بجدلية نقاش سطحية تقود إلى تكوين رأي عام، قد تنتشر مديات تأثيره وتصل حتى إلى طبقة المثقفين.[[3]]
ثانيا: الفضاء العمومي
يحتل الفضاء العمومي Espace public عند هابرماس موقعا مركزيا في الفكر السياسي المعاصر، باعتباره مجالا للمناقشة وإطارا لمختلف القدرات الفكرية على البرهنة والاقناع. ففي داخله تتكون الإرادة السياسية التي تفرض استقلالا معينا في تشكيل الرأي،[[4]] ومن هذا المنطلق يرى أن "الفضاء العمومي" هو مفتاح الممارسة الديمقراطية. فهو دائرة التوسط بين المجتمع المدني والدولة، أي بين دائرة المصالح الخاصة المتعددة والمتنوعة والمتناقضة، ودائرة السلطة الموحدة والمجردة.
ضمن هذا السياق، وفي إطار ما يسميه هابرماس بـ "نظرية سوسيولوجية للرأي العام"، يلاحظ أنه من أجل استيعاب مستويات التواصل داخل مجتمع ديمقراطي منظم من طرف الدولة الاجتماعية Etat –social، لا بد من مواكبة تحولات الرأسمال الرمزي الذي من خلاله يتشكل الرأي العام.
لكن بالنسبة لهابرماس هناك إشكالا مفهوميا ولغويا بين مفهوم [[5]] "تواصلي" و"اتصالي". فالذي يبدو واضحا وجليا بالنسبة إليه هو أن مفهوم التواصل أشمل ويشمل مفهوم الاتصال. لأن الأمر هنا يتعلق بإرادة المشاركة (الذوات) وليس بالميكانيزمات الآلية للاتصال كما هو الحال في مجال الإعلام، فهو يرفض الخلط الشائع بين الإنسان ككائن اتصالي وككائن تواصلي.[[6]]
في المحصلة إن الفعل التواصلي، عند هابرماس، هو "ذلك التفاعل المصاغ بواسطة الرموز، إنه يخضع ضرورة للمعايير المعمول بها والتي تحدد تطلعات السلوكات المتبادلة بحيث يتعين أن تكون مفهومة ومعترفا بها من طرف شخصين فاعلين على الأقل"[[7]].
ثالثا: انتقال النقاش العمومي من العالم الواقعي إلى الفضاء الإلكتروني
كل يوم نطالع فيه عالم “الفيس بوك”، نجد نقاش جديد كل حسب مستواه الثقافي والسياسي، كل له رأي، حتى باتت الشبكات الاجتماعية تؤرق بال المسؤولين، سواء على مستوى المراقبة أو التأطير؛
ولقد منحت مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية للمتظاهرين الشباب خلال مظاهرات ثورات الربيع العربي وسيلة تقنية ساعدتهم على الإطاحة بأنظمة متسلطة ومتجذرة، بعد أن انتشرت بواسطتها روح الثورة، وقامت انتفاضات شعبية لم يتوقعها أحد توسعت بسرعة بفضل تويتر وفيس بوك ويوتيوب.
وتتسم مثل هذه الاحتجاجات بكثافة استخدام الإنترنت والافتقار إلى قيادة، فتبدأ وتنتفض فجأة بشكل خاطف، ما يصعب على السلطات تعقبها وقمعها، بينما تتولى الجماهير عبر الإنترنت التعبير عن مظالمها ومطالبها[[8]].
ومن المظاهر التي أبانت عن قوة الفيس بوك بالمغرب حركة 20 فبراير التي أفضت إلى دستور جديد، وقضية مقتل سماك الحسيمة التي أدت إلى احتجاجات ميدانية واسعة بالحسيمة؛ وقضية دانيال كالفان التي أفضت إلى دخول القصر على الخط وإقالة مندوب إدارة السجون؛ قضية فتاتي إنزكان التي أدت إلى تداول وسم “صايتي حريتي” و”التنورة ليست جريمة”، لتنتهي ببراءة الفتاتين؛
الدعوة إلى مقاطعة منتوجات حيوية شهدها المغرب مؤخرا؛ فضلا عن معاشات البرلمانيين كل هذا غيض من فيض[[9].
عديدة هي القضايا التي "تشعل الفيسبوك" حيث أضحى مصنعا حقيقيا للأخبار، مع العلم أن الظاهرة الفيسبوكية تتميز بالذاكرة القصيرة، فكل موضوع مستجد يلغي الآخر.
ولقد ساهمت عوامل متعددة في هذا الانتشار، منها هامش الحرية الواسع، منسوب الجرأة المرتفع، يجعلان هذه المنصات صعبة المراس، تتجاوز محددات الممارسة الحزبية التي يجدر بها أن تؤطر المواطنين سياسيا، وتضرب الخطوط الحمراء المفترضة، عرض الحائط.
حتى داخل الفيس بوك نفسه، هناك تحولات مثيرة! لم يعد الوسم/الهاشتاغ وحده المعبر الرسمي عن التوجه الجماعي لرواد الفضاء الأزرق، بل تطور الأمر إلى كون المستخدمين للفضاء الأزرق لا يكتفون بالتعبير الكتابي، إنما تجاوزوا ذلك إلى بث فيديوهات شخصية يتحدثون فيها عن مواضيع تشغل بالهم، وسرعان ما يتحول الكثير منها إلى نقاشات تتصدر الرأي العام؛
إن السؤال الذي يطرح ما حقيقة هذا النضال في العالم الافتراضي؟؛ مع ضرورة استحضار أن مخاطر التواصل عن بعد أنه تواصل لا يتحمل فيه المستخدمون التزامات النضال التقليدي وتكاليفه والمسؤوليات التي تستتبعه؛ لأن المحيط الذي يعيش فيه لا يمكّن من معرفة هويته، فالعالم الرقمي يتيح الدخول إليه متنكرا، حتى إن كان باسم حقيقي. علما أن الناس يتوهمون أن الافتراضي افتراضي، بينما هو في الحقيقة فقط تواجد عن بعد، بل إنه أصبح يعزز الواقع بشكل من الأشكال؛
يوضح الباحث الشكدالي باحث في علم النفس الاجتماعي أن الفرضية التي يمكن أن تشرح لنا هذه التفاعلات، هي أننا نعتبر الآلة مخيالا؛ أي نعتقد أن الشيء المحتمل وغير المحقق هنا والآن هو أجود وأحسن، لذلك فالروابط الاجتماعية عبر الوسائط الرقمية، يدخل فيها الخيال على الخط، لأن أغلب المستخدمين، لا يدركون بأنه واقع لكونك تتواصل مع أناس حقيقيين حتى وإن بأسماء مستعارة.
من جهة أخرى، فإذا ذهبنا إلى “الفيسبوك”، نجد ما يسمى بـ “Statut”، هذه الكلمة تعني "الدور"، فالإنسان إذا لم يستطع في الحياة الواقعية أن يقوم بدور خاص به بالمفهوم السوسيولوجي، يبحث عن دور افتراضي. ونجد كثيرا من الناس أصبحوا بهذه الطريقة مشهورين وأصبح لهم وضع اجتماعي عبر الافتراضي، وفق ذات المتحدث.
إن استعمالات المواقع الاجتماعية أصبحت بمثابة عرض للذات، وفق ما أفاده مصطفى الشكدالي، مضيفا أن المستخدم في آخر المطاف حتى وإن أدلى برأيه، فهو يدلي به وفي نفس الوقت يقوم بعرض لذاته وكأنه يريد أن يقول: "أنا مناضل، أنا لدي موقف"، ومن ثم، فإن هذه الوسائط خلقت أيضا مشكل الهوية الاجتماعية الرقمية.
من جانبه، يؤكد حمزة الترباوي، أن مواقع التواصل تعاني من متلازمة معلومة/رأي، إذ ضمنت مساحة واسعة للتعبير لكنها بالمقابل سمحت بنشر المعلومة دون مصدر أو دليل على ناشرها الأول؛ ومع ذلك، لا يتورع المغاربة عن تقديم رأيهم وسط معلومة قد تكون صحيحة أو مغلوطة، كما يعتبر أن منطلقات التفاعل والإدلاء بالرأي في هذه الشبكات تختلف باختلاف دوافع البشر الفطرية، كالبحث عن مزيد من الشهرة، ونيل إعجاب الجانب الآخر، والتذاكي، والرغبة الحقيقية في التغيير، وضرب الخصم، والدفاع عن مصالح، وغيره كثير[[10].
ومن أجل ضبط هذه الطفرة الحرياتية على مستوى النقاش العمومي في كل ما هو سياسي وغير سياسي، جاءت مسودة مشروعُ قانون رقم 22.20، والمتعلق بتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والتي اعتبرت رسالة سلبية ومؤشرا على النكوص الحقوقي وتعبيرا عن عجز بنيوي عن تدبير الاختلاف، ما اعتبره البعض تأسيسا لمفهوم جديد للنظام العام الاقتصادي[[11]. 
إلا أنه أمام كل هذه التحولات على مستوى النقاش العمومي، يطرح التساؤل أين هو الواقع؟ هل هو الفضاء الافتراضي أم الواقع الذي وقعت فيه الأحداث؟ على سبيل المثال، في المجتمع المغربي، يمكنك أن ترى شابا وشابة يقبلان بعضهما، لكن لم يصبح الأمر مشكلا إلا حينما نشرت قبلة الناظور، وكأن الافتراضي أصبح هو الواقع الحقيقي، ويجب أن يظهر الأمر على الفيس بوك حتى يتدخل المعنيون، مع العلم أن المشكل حدث في الواقع!.[[12]]
وأمام كل هذه المعطيات فإنه لا زال هناك انقساما بين الباحثين حول صلاحية الفضاءات الافتراضية في تكوين الفضاء العمومي بالمعنى الهابرماسي. حيث يؤكد المسح السريع لأدبيات دراسة العلاقة بين المجتمعات الافتراضية والفضاء العمومي كما يشير اسلام حجازي: "أنها أسفرت عن اتجاهين متضادين، يرفض أحدهما وجود علاقة بين المجتمع الافتراضي والفضاء العمومي بسبب ما يتميز به الحيز الافتراضي من مادية وعدم إنسانية. وهو ما لا يتوافق مع طبيعة الفضاء العمومي القائم على التفاعلية الاجتماعية بين مختلف الأفراد الخصوصيين. بينما يذهب الاتجاه الثاني إلى إمكانية مساهمة الحيز الافتراضي في بناء الفضاء العمومي، خاصة في ظل قدرة الأفراد الخصوصيين على استخدام الفضاءات التقليدية نتيجة خضوعها للسيطرة من جانب قلة من أفراد المجتمع. وهو الأمر الذي قد يمنع تشكيل الهيئة العامة المكونة للفضاء العمومي في داخل الأطر التقليدية المعروفة".[[13]]
إن حقبة الفضاء العمومي البورجوازي العزيز على "هابرماس"   Jürgen Habermasقد راوحت مكانها وبدأت، لتحل محلها حقبة الفضاء العمومي الرقمي الذي يشكل في الوقت نفسه امتدادا وتوسيعا للفضاء الأول، وتحويرا وتحويلا له. إذ أضحى يتحدد عبر الإحالة إلى أشخاص في فضاء خصوصي يستعملون عقلهم استعمالا عموميا، بل يستعملون كل شيء على نحو عمومي ومشاع. "لقد غدا الفضاء العمومي فضاء شاسعا، وأضحت الفضاءات الرقمية وعلى غرار مقاهي القرن التاسع عشر مجالا مفتوحا أمام الجميع؛ فكل فرد يمكن أن يلج إليها ويجول فيها ويقرأ ما يكتب داخلها؛ يقرأ ويناقش لأجل مواجهة الآخر وفهمه. إنها ذلك المكان حيث يبنى ويخلق الرأي". [[14]]
ومما يمكن قوله أن فضاءات النقاش العمومي تتغير وتتبدل بتغير ظروف الزمان والمكان وثقافة الفاعلين، حيث يمكن القول أن "الفضاءات العمومية الرقمية اليوم ترسم حدودها بأسلاك إلكترونية. لقد أضحت المقاهي والنوادي أيضا بصيغة رقمية،  أساسها روابط توجهها كائنات افتراضية تختزل الزمن، وتذيب المسافة، وتجعل الكل يتحرك في عالم افتراضي".[[15]]
رابعا: مزالق ظهور نقاش عمومي في العالم الافتراضي بديلا عن العالم الواقعي
إن ظهور هذ العالم سيكون له تأثيرات سلبية على عدة مستويات أهمها:
  • تمكنت منصات التواصل الاجتماعي ومستخدميها، من سحب البساط من تحت الأحزاب السياسية ودورها في حشد الرأي العام تجاه القضايا المختلفة.
  • فضاء الفيس بوك أصبح مؤسسة بديلة عن الوساطات المؤسساتية التقليدية، والمتمثلة في الأحزاب السياسية، وهو ما سيؤدي إلى تقليص أدوارها الواقعية المتمثلة في تنظيم وتأطير المواطنين.
  • ظهور مؤثرين ونشطاء قادرين على حشد عدد كبير من المناصرين لنشاط معين، بشكل يفوق قدرة الأحزاب السياسية.
  • أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ومريدوها، بديلاً لممارسة الحياة السياسية الطبيعية. 
  • أصبح الفضاء الافتراضي ومن خلال مختلف تعبيراته الرقمية، مجالا للتأطير والتثاقف بين مختلف مستخدميه، حيث ساعد في ظهور فاعلين ومدونين وعلاقات بين مجموعات أفكار التي يتم تداولها بعيدة عن الأشكال التقليدية في تناولها، من خلال الجرأة وكسر مختلف القيود والطابوهات المتعارف عليها في مجال الإعلام العمومي.
  • ستساهم الرقمية في العزوف الانتخابي بسبب عدم قدرة الأحزاب السياسية على مجاراة إيقاع جرأة المواضيع التي يتم تداولها ومناقشتها في الفضاء الافتراضي، منها البرامج الانتخابية ذات الأثر المحدود مقارنة مع سقف مطالب الرأي العام الافتراضي.
إن هذه الأمور مجتمعة ستساهم في صنع رأي عام قوي افتراضي وواقعي نظرا لوجوده بالفعل، وهو ما سيفرض على الحكومات التعامل بجدية مع هذا الواقع من خلال التفاعل مع مطالبه وإيجاد قنوات للتواصل والتفاعل مع مختلف تعبيراته. وأمام هذه المعطيات فإن النخب مطالبة بمضاعفة جهودها، وتغيير استراتيجياتها (من حيث الكسب المعلوماتي- الثقافي، أو التصدير التثقيفي)، خاصة وأن أنماط الجمهور في التلقي التثقيفي، تكون من خلال جهود بسيطة تميل للكسل الفكري، وقلة السعي في التمحيص، هذا المجال هو الذي سيمكن النخبة من إعادة الرأي العام إلى خانة تقنيات التفكير الاستراتيجي العالي، فالجمهور عادة يعجز، أو يتكاسل عن الغوص في التفاصيل ومعرفة أسباب الأحداث وتشابكاتها ومؤثراتها، بينما تمتلك النخب المتخصصة أدوات كثيرة تمكنها من الإبداع في هذا المجال، لخلق نوع محايث من التسييج الوقائي لعمليات تضليل الرأي العام.[[16]]
في الأخير لا بد من القول أن حركية المجتمع ومع الثورة الغير مسبوقة في عالم الاتصال، خلق رأي عام افتراضي /واقعي لا يمكن تجاوزه، لأن لديه منتسبين كثر، والذي سيساعد على ظهور مفهوم المواطن العالمي الافتراضي والديمقراطية الافتراضية، رغم المؤاخذات التي قد تكون لدينا عليه، وهي نفس المؤاخذات التي لم تسلم منها تعثرات نشوء التجربة الديمقراطية في بداياتها الأولى.
محمد لكموش
دكتور في العلوم السياسية
 
[[1]] -الراجي، محمد ، صناعة الأخبار الكاذبة ولولب الحصار المعلوماتي للرأي العام، بحث منشور على موقع (مركز الجزيرة للدراسات)، وعلى الرابط التاليhttp://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2018/05/180527110035087.html
 
[[2]] - أ.فرحات مهدي(جامعة وهران1 أحمد بن بلة) تحت إشراف أ.د.عبد اللاوي عبد االله(جامعة وهران2 أحمد بن بلة)، الرأي العام في الفضاء العمومي الجديد: https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/206/6/2/101599
 
 
3 - الرأي العام – بين التضليل والتغيير !، اعداد : د. محمد أبو النواعير – دكتوراه في النظرية السياسيةالمدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة، المركز الديمقراطى العربى، منشور بتاريخ 8  يناير 2019. https://democraticac.de/?p=58498
[4] - محمد نور الدين أفاية: الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة: نموذج هابرماس، ط2، الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، 1998، ص.95.
[[5]] - مالك سماح: نقد الخطاب الحداثي والمقاربة التواصلية عند يورغن هابرماس، رسالة ماجستير، قسم الفلسفة، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة الجزائر 2، 2010-2011، ص 133.
[[6]] - نفس المرجع السابق، ص 141.
[[7]] - كمال بومنير: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت (من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث)، ط1، الجزائر: منشورات الاختلاف، 2010، ص 118.
[[8]] - هل ساهمت الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي في تغذية ثورات "الربيع العربي"؟، https://www.france24.com/ar/
 
[[9]] - كريم الهاني: المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟،http://marayana.com/laune/
 
[[10]]- كريم الهاني: هل يرقى التداول العام في المغرب اليوم إلى ما يسمى بـ”النقاش العمومي”؟، https://marayana.com/laune/
[[11]] - مصطفى علوش: قراءة في خلفيات مشروع قانون رقم 22.20، https://www.hespress.com
[[12]] - كريم الهاني: استخدام المغاربة للشبكات الاجتماعية… حينما يصبح الافتراضي واقعا!، http://marayana.com/laune/
[[13]] - إسلام حجازي: الثقافة الافتراضية وتحولات المجال العام السياسي: ظاهرة الفايسبوك في مصر نموذجا، مرجع سبق ذكره، ص 7.
[[14]]- حجيبة قاقو: "الفضاء الالكتروني والتعبئة السياسية الذكية"، مجلة الدراسات الإعلامية، برلين: المركز الديمقراطي العربي، ع1، يناير 2018، (ص ص 167- 195)، ص 169.
[[15]] - حجيبة قاقو: نفس المرجع، (ص ص 167- 195)، ص 170.
[[16]] - الرأي العام – بين التضليل والتغيير !، نفس المرجع السابق.
 
الجمعة 24 مارس 2023




تعليق جديد
Twitter