MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



النظام الرقابي المغربي ومحدودية نجاعته في مكافحة الفساد

     





النظام الرقابي المغربي ومحدودية نجاعته في مكافحة الفساد
 
بقلم: د. زهير السهلي
مقدمة
يتوفر النظام الرقابي المغربي على مجموعة من أجهزة الرقابة الإدارية والمالية التي يعتمد عليها في مكافحة مختلف مظاهر الفساد المنتشرة داخل دواليب الإدارة العمومية، والتي تم تعزيزها بالتدرج عبر إحداث عدة مؤسسات تختلف مهامها وآليات عملها، قصد المساهمة في الجهود الوطنية المبذولة في هذا المجال، إلا أن التزايد المضطرد لمختلف مظاهر الفساد بجل المرافق العمومية بشهادة مختلف التقارير الوطنية والدولية الصادرة في هذا المجال، وكذا المراتب المتدنية التي حصلت عليها بلادنا في مختلف مؤشرات إدراك الرشوة، ناهيك عن العدد الهزيل من تقارير أجهزة التفيش والمراقبة المحالة على الهيئات القضائية المختصة بالمقارنة مع حجم الاختلالات المرصودة، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك عدم فعالية ونجاعة الآليات الرقابية المعتمد عليها لمكافحة الفساد ببلادنا.
ويمكن إرجاع عوامل غياب نجاعة الأجهزة الرقابية بالمغرب في التصدي لمختلف مظاهر الفساد بالمرفق العمومي حسب اعتقادي المتواضع إلى عاملين أساسيين اثنين:
  1. محدودية أجهزة المراقبة الإدارية والمالية؛
  2.  غياب الاستقلالية والتنسيق بين مكونات الجهاز الرقابي.
ولبسط هذين العاملين ومحاولة استقرائهما، سنقوم بتقسيم الموضوع إلى محورين اثنين، نتناول في الأول مظاهر محدودية المنظومة الرقابية في مكافحة الفساد، بينما نخصص الثاني لمظاهر غياب الاستقلالية والتنسيق بين مكونات الجهاز الرقابي في مجال مكافحة الفساد.
المحور الأول: محدودية أجهزة المراقبة الإدارية والمالية
رغم أهمية المنظومة الرقابية التي تتوفر عليها بلادنا، سواء تعلق الأمر بأجهزة الرقابة الإدارية كالمفتشيات العامة للوزارات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية، أو أجهزة الرقابة المالية المتمثلة في المحاكم المالية، إلا أن نتائجها المرصودة في مجال التصدي لظاهرة الفساد داخل المرافق والمؤسسات العمومية، تبقى محدودة الأثر ودون الفعالية والنجاعة المنتظرة منها.
ويمكن إرجاع أسباب محدودية وعدم نجاعة وفعالية أجهزة الرقابة الإدارية والمالية في التصدي لأخطبوط الفساد الذي ينخر جسم الإدارة المغربية، بالنظر إلى طبيعة المهام الموكولة إليها وطريقة اشتغالها على أرض الواقع، إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
  • محدودية نجاعة عمليات التفتيش والمراقبة التي لا تتأسس عليها حتما المتابعات الجنائية، ولا تستدعي غالبا سوى الاكتفاء باتخاذ إجراءات تأديبية، بدل إحالة الملفات على الجهات القضائية المختصة لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة، مما ينعكس سلبا على تحقيقها للردع العام، الذي يقتضي إحالة كل التجاوزات التي رصدتها أجهزة التفتيش والمراقبة في مجال مكافحة الفساد على الهيئات المختصة من أجل المتابعة القضائية والتأديبية كما ينص عليهما القانون؛
  • تعطيل مفعول تقارير المفتشيات العامة في مختلف القطاعات الوزارية، ، نتيجة السلطة التقديرية الكبيرة الممنوحة للوزير الوصي على القطاع دون غيره من أعضاء هيئة التفتيش والمراقبة في إحالة تقارير التفتيش والمراقبة الراصدة لأفعال الفساد على الجهات القضائية المختصة للنظر فيها وتحريك مسطرة المتابعة بشأنها عند الاقتضاء أو على اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء القائمة بدور المجالس التأديبية في الإدارات العمومية بهدف البث في مضامين التقرير وتنزيل إحدى العقوبات الإدارية المنصوص عليها في الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية عند الاقتضاء؛
  • غياب إلزامية إحالة تقارير لجان التفتيش مباشرة على النيابة العامة المختصة في حالة وقوقفها على شبهة ارتكاب أفعال الفساد، الأمر الذي يحول  في الكثير من الأحيان دون المساءلة، وبالتالي إفلات المرتشين والمفسدين من العقاب، وذلك عكس ما هو معمول به في الكثير من التشريعات المقارنة الرائدة في ميدان مكافحة الفساد الإداري، كما هو الحال عليه في بعض الدول الأوربية كبلجيكا والبرتغال وفرنسا واللوكسمبورغ، التي تسمح للموظف المكلف بالتفتيش الذي وقف على اختلالات متعلقة بالرشوة أو أحد مظاهر الفساد الأخرى، بإحالة الملف مباشرة على النيابة العامة المختصة[[1]].
  • عدم إفضاء تقارير أجهزة الرقابة الإدارية إلى إطلاق المتابعات القضائية بشأن أفعال الفساد المرصودة، حيث لا تعتبر مخرجات عمل أجهزة المراقبة والتفتيش في جميع الحالات كمدخلات أساسية لعمل وصلاحيات سلطات تنفيذ القانون، خاصة أمام قلة المتابعات التي لا ترقى لمستوى المخالفات المرصودة؛
  • تحجيم دور المجلس الأعلى للحسابات في تحريك المتابعة القضائية مباشرة لدى وكلاء الملك، حيث تلزمه المواد 111، 114، 162، 163 من مدونة المحاكم المالية برفع الأفعال التي تشكل مخالفات جنائية إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما، دون توجيهها مباشرة إلى النيابة العامة المختصة، علما أن أحكام وقواعد المادة 42 من قانون المسطرة الجنائية، تلزم كل سلطة منتصبة أو موظف بلغ إلى علمه أثناء ممارسة مهامه ارتكاب جريمة، أن يخبر فورا النيابة العامة المختصة، مع إمدادها بجميع ما يتعلق بالجريمة من حجج وأدلة ووثائق أو محاضر، الأمر الذي يجعل الكثير من جرائم الرشوة والفساد التي يقف عليها قضاة المجلس الأعلى للحسابات لا تعرف طريقها إلى القضاء؛
  • ضعف تفاعل الإدارة العمومية مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات بالشكل المطلوب تحقيقا للعدالة، نتيجة عدم توسيع صلاحياته ومجالات تدخله، بغية تمكينه من ممارسة دوره الرقابي كما يجب، باعتباره أحد أهم آليات الرصد والمساءلة فيما يتعلق بالحفاظ على الأموال العمومية ومحاربة الفساد؛
  • عدم الإقدام على نشر تقارير أجهزة الرقابة الإدارية، لاسيما تلك الراصدة لاختلالات الفساد والرشوة، وذلك قصد التشهير بمرتكبي تلك الأفعال وتحقيق الردع العام، والمساهمة في عدم الإفلات من العقاب؛
  • عدم توفر المحاكم المالية والمفتشية العامة للمالية باعتبارهما أهم الآليات الرقابية على الموارد البشرية اللازمة التي تمكنهما من رصد مختلف أفعال الرشوة والفساد في مختلف القطاعات العمومية، الأمر الذي يحد من فعاليتهما في المساهمة في الجهود الوطنية لمواجهة هذه الآفة المدمرة.
المحور الثاني: غياب الاستقلالية والتنسيق بين مكونات الجهاز الرقابي
يعتبر غياب الاستقلالية والتنسيق والتعاون بين مكونات الجهاز الرقابي المغربي، أحد مكامن القصور والضعف التي تعرفها المنظومة الرقابية ببلادنا، بالنظر للدور الكبير الذي تلعبه مسألة استقلالية هذه الأجهزة والتعاون والتنسيق بينها في مواجهة كافة الأفعال المنحرفة التي تكون الإدارة العمومية مرتعا لها. فبالرجوع إلى طريقة اشتغال منظومة الرقابة الإدارية والمالية، يلاحظ وجود عدة إكراهات وصعوبات  تعترض مختلف مكوناتها، والتي تتجلى بالأساس في غياب استقلالية هذه الهيئات، وخضوع تقاريرها  للسلطة التقديرية الواسعة لرئيس الإدارة حينما يتعلق الأمر بأجهزة الرقابة الإدارية، والتي لا تسمح لها بإمكانية التصدي المباشر لأفعال الرشوة والفساد التي تقف عليها في تقاريرها، والقيام بإحالتها مباشرة على جهاز النيابة العامة المختصة دون موافقة رئيس الإدارة، الذي تبقى له سلطة الملائمة واتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة، سواء بإحالة تلك التقارير على الجهات القضائية المختصة، أو الاكتفاء بالمتابعة التأديبية.
يضاف إلى ما سبق، التبعية المباشرة لهذه الأجهزة للوزير الوصي وخضوعها لسلطته عوض اعتبارها أجهزة رقابية مستقلة، لاسيما وأن التعيين فيها جعله المشرع بمقتضى القانون التنظيمي رقم02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا من الاختصاصات الأصلية لرؤساء الإدارات العمومية[[2] ، ناهيك عن عدم إمكانية المفتشون العامون للوزارات القيام بمأموريات تفتيش مفاجئة وطارئة دون أمر من الوزير المسؤول، وإنما وفق برنامج سنوي يقره ويصادق عليه[[3] ، الأمر الذي يحد من استقلاليتها ونجاعتها في مواجهة مظاهر السلوكات المنحرفة داخل الإدارة والتصدي لمختلف أشكال الرشوة والفساد.
 أما بالنسبة لمنظومة الرقابة المالية، فإنه بالرجوع إلى المقتضيات الواردة في مدونة المحاكم المالية، نجد أنها تقيد من سلطة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات في إحالة تقاريرها التي وقفت على مخالفات تشكل أفعالا تقتضي عقوبة جنائية مباشرة على النيابة العامة المتخصصة، بل تلزمها بضرورة إحالتها على وزير العدل، الذي تبقى له سلطة الملائمة، سواء بإحالة تلك الأفعال على النيابة العامة واتخاذه قرار المتابعة أو حفظ الملف، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية، التي أرجعت إليه حرية تقدير وجاهة المتابعة، وبالتالي تبقى الدعوى رهينة بالسلطة التقديرية للجهاز التنفيذي، الأمر الذي يحد من استقلالية هذه المحاكم المالية وقدرتها على مواكبة جهود التصدي لمختلف أفعال الفساد.
كما تعاني أجهزة الرقابة الإدارية والمالية، من غياب التعاون والتكامل والتنسيق بين مكوناتها، وذلك بالنظر لضعف علاقاتها المؤسساتية، وقصور تعاونها وتبادلها للخبرات والمعلومات، إذ تشتغل بمعزل عن بعضها البعض دون تصور مشترك يوحد عملياتها، أو اعتبار مخرجات بعضها كمدخلات لدى البعض الآخر، تتأسس عليها المتابعات التأديبية أو القضائية عند الاقتضاء، الشيء الذي يؤدي إلى عدم التكامل فيما بينها، ويحد من فاعلية جهودها جميعا في كبح جماح الرشوة والفساد والسيطرة عليهما.
وقد أكدت إحدى الدراسات[[4] على هذا القصور والضعف الذي يعتري طريقة اشتغال أجهزة الرقابة الإدارية والمالية، حيث أشارت إلى أن مسألة غياب التناسق والتعاون بين الأجهزة المكلفة بالمراقبة والتفتيش، يشكل أحد الأسباب الرئيسية في تفشي ظاهرة الرشوة والفساد داخل دواليب الإدارة العمومية، وعدم نجاح مختلف جهود التصدي لها ومكافحتها، وهي نفس النتيجة التي خلصت إليها مجموعة  من التقارير الوطنية والدولية الراصدة لظاهرة الفساد ببلادنا، حيث جاء في أحد تقارير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة[[5] ، أنه من بين العوائق التي رصدتها الهيئة، والتي تصعب مهمة مكافحة ظاهرة الرشوة والفساد بالمغرب، هناك غياب وضعف التنسيق بين الأجهزة والهيئات العاملة في هذا المجال٬ وكذلك بين هذه الأخيرة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والإعلام، لتخلص في النهاية إلى أنه لا يمكن لسياسة محاربة الفساد أن تعطي نتائج ملموسة دون تضافر جهود مختلف الفاعلين، ولاسيما التعاون والتنسيق والتكامل بين أجهزة الرقابة والتفتيش، تجسيدا للمقاربة التشاركية في سياسة الوقاية من الرشوة ومكافحتها.
 كما جاء في أحد تقارير المجلس الأوربي لسنة 2014[[6] ، المنجز بتعاون مع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة وعدد من المؤسسات والشركاء الحكوميين، الذي بدأ الاشتغال عليه سنة 2012 بطلب من السلطات المغربية، أن تفشي ظاهرة الرشوة والفساد في المنظومة الإدارية المغربية، يعود في جزء كبير منه، إلى ما اعتبره التقرير غياب إجراءات كافية للحد والوقاية من تفشي الرشوة، نتيجة غياب التنسيق والتعاون بين الأجهزة المكلفة بالمراقبة والتفتيش.
الخاتمة:
مما لامراء فيه أن ضعف نجاعة ومحدودية هيئات التفتيش والمراقبة في مواجهة مختلف مظاهر السلوكات المنحرفة في الإدارة العمومية، نتيجة الصعوبات والإكراهات التي تواجهها في القيام بواجباتها الرقابية، لمن شأنه أن يجعل من إمكانية الاعتماد عليها كقاطرة وركيزة أساسية لتخليق الحياة العامة ومواجهة الانتشار المرضي لظاهرة الرشوة والفساد في دواليب الإدارة المغربية[[7]مجرد آمال صعبة المنال في ظل وضعيتها الحالية، على اعتبار أن عدم تعزيز قدراتها في مجال مكافحة الفساد، سيشكل لامحالة أحد العوامل الرئيسية المؤدية إلى ازدياد رقعة انتشار هذه الاختلالات بالإدارة العمومية، لاسيما جريمة الرشوة وباقي أنماط الفساد الأخرى، خاصة ونحن نعلم أن الأجهزة الرقابية الفعالة تشكل قوة رادعة للموظفين والمستخدمين الذين قد تسول لهم أنفسهم الخضوع لإغراءات مشينة، الأمر الذي يقتضي معه تظافر جهود مختلف هذه الأجهزة من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة، لاسيما عبر التأسيس لقاعدة التنسيق والتعاون فيما بينها، من خلال تقوية و تمثين جسور الشراكة التي تجمعها بما من شأنه أن يضمن تكامل أدوارها باعتبارها دعامات أساسية لمنظومة الشفافية والنزاهة، وكذا تمكينها من تشكيل حلقات مترابطة يكمل بعضها الآخر، وتمتيعها بالاستقلال الوظيفي الذي يعتبر أمرا ضروريا لقيامها باختصاصاتها بصورة موضوعية وفعالة، خاصة إذا كانت مستقلة عن الجهة الخاضعة لرقابتها، وكانت تتمتع بالحماية ضد نفوذ الآخرين.
 

[[1]] Revues de Gouvernance Publique, les mécanisme de collecter de l’information sur la corruption au Maroc , étude d’apprentissage mutuelle OCDE ,2009, P71
[[2]]  المادة الثانية من القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 42 و 92 من الدستور، التي جعلت من المناصب العليا بالإدارات العمومية، التي من ضمنها المفتش العام للمالية والمفتش العام للإدارة الترابية والمفتشون العامون للوزارات التي تكون موضوع مداولة في مجلسي الحكومة والتي يعين فيها بموجب مرسوم.
[[3]]  المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.11.112الصادر في 23 يونيو 2011 في شأن المفتشيات العامة للوزارات.
[[4] La lutte contre la corruption : Une priorité politique et institutionnelle au Maroc : Khalid El Harrak :24 Mai 2010.                                                                                                                               
[[5] تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة 2010-2011، الملخص التنفيذي، ص 3.
[[6] لقاء بعنوان "تقوية الديمقراطية في دول الجوار المتوسطية" يوم 19 فبراير 2014، الرباط
[[7] لقاء إقليمي حول ''الآليات المؤسساتية للوقاية من الفساد: تعزيز الوقاية من الفساد''، 2 و 3 دجنبر 2010 بالرباط، المنظم من طرف الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة وبرنامج منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الثلاثاء 5 يونيو 2018




تعليق جديد
Twitter