MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المكري والمكتري في إطار قانون كراء المحلات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي

     

ذ.الفاسي ياسين
محام بالحسيمة
هيئة المحامين بالناضور-الحسيمة



   جاء القانون 16/49 لتنظيم العلاقة الكرائية بين المكري والمكتري بشأن المحلات المخصصة للإستعمال التجاري، الصناعي والحرفي، بهدف المساهمة في إستقرار الحياة الإقتصادية بشكل أخذ بعين الإعتبار المستجدات الحديثة وضرورة خلق التوازن بين طرفي عقد الكراء التجاري، الصناعي أو الحرفي، بحيث حاول المشرع من خلال هذا القانون يتجاوز بعض السلبيات التي أنتجت بعض الإشكالات القضائية والواقعية في إطار القانون السابق، خصوصا ما يتعلق بواجبات وحقوق طرفي العقد التجاري، الصناعي أو الحرفي، ومجال تطبيق القانون المتعلق بكراء المحلات التجارية، الصناعية والحرفية، وكذا سبل إنهاء عقد الكراء التجاري، الصناعي أو الحرفي.
المبحث الأول : مجال تطبيق القانون المتعلق بكراء المحلات التجارية، الصناعية أوالحرفية.
      جاء القانون 16/49 بتحديد دقيق للمحلات الخاضعة لأحكامه، وذلك إبتداء من عقود كراء المحلات التي يستغل فيها أصلا تجاريا في ملكية شخص يحمل صفة تاجر، حرفي أو صانع بعدما كانت هذه العقود تشكل أراء متضاربة في السابق، وإختلفت بشأنها التوجهات القضائية وكان البعض يؤطرها ضمن نصوص أحكام ظهير الكراء المهني 1980، بينما كان البعض الآخر يسندها لأحكام ظهير الكراء التجاري 1955.
      كما جعل هذا القانون أيضا في إطار نطاقه عقود كراء الأراضي العقارية التي شيدت عليها، إما قبل الكراء أو بعده بنايات لإستغلال أصل تجاري يتعلق بالأنشطة التجارية المشار إليها نصا ضمن مدونة التجارة، وأصبحت كذلك عقود كراء المحلات المخصصة في إطار المركبات التجارية، الحرفية والصناعية التابعة للمؤسسات العمومية والجماعات الترابية خاضعة لأحكام هذا القانون بشرط أن لا تكون هذه المحلات مرصودة لمنفعة عامة.
     وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون قد أورد محلات جديدة لنطاق تطبيقه، إذ أصبحت المحلات التي تمارس فيها أنشطة المصحات والمؤسسات المماثلة التي يكون غرضها تقديم خدمات العلاج، الجراحة، الولادة، المستعجلات الطبية والإستشفائية كيف ما كانت عمومية أو خصوصية أنشطتها، وذلك بغاية تحقيق الربح، أضف إلى ذلك خضوع المحلات الممارس ضمنها أنشطة الصيدلة المتمثلة في تحضير الدواء أو بيعه للعموم من جهة وأنشطة التحاليل الطبية والفحص بالأشعة من قبيل التحاليل البيولوجية وتحاليل تسهيل التشخيص الطبي من جهة ثانية لنطاق أحكام القانون 16/49.
     كماجاء القانون 16/49 بإستثناءات تتعلق بالمحلات التي لا تدخل في نطاق تطبيق هذا القانون من قبيل عقود كراء محلات الملك العام للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، عقود كراء المحلات التجارية، الحرفية والصناعية التابعة لأملاك إدارة الأوقاف، عقود كراء المحلات الموجودة ضمن المراكز التجارية الكبرى، عقود كراء المحلات المتواجدة ضمن فضاءات تشجيع المقاولات الممارسة لنشاطي الصناعة والتكنولوجيا المنجزة من قبل الدولة والجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية.
     وأخيرا تم إستثناء عقود الكراء الطويلة الأمد وعقود الائتمان الإيجاري العقاري من نطاق تطبيق أحكام قانون كراء المحلات التجارية أو الصناعية أو الحرفية.
    كما أوجب القانون المشار إليه أعلاه ضرورة تحرير العقود التجارية أو الصناعية أو الحرفية الخاضعة له في إطار محرر كتابي ثابت التاريخ، وذلك بمقتضى المادة الثالثة منه، كما ألزم طرفي العقد بتحرير بيان وصفي للمحل موضوع الكراء عند تاريخ إبرام عقد الكراء.
     ويفهم من شرط الكتابة أو التحرير أعلاه، أن تحرير أو كتابة العقد إذا انصب على محل تجاري أو صناعي أو حرفي يجعل منه عقدا خاضعا لأحكام هذا القانون، وإلا كان العقد غير صحيح أو غير مكتمل بمفهوم القانون 16/49 ويبقى خاضعا لأحكام قانون الإلتزامات والعقود.
      إن الغاية من تنصيص مشرع القانون 16/49 على شرط الكتابة هو حماية حقوق طرفي العلاقة الكرائية وتفاديا لضياعها نتيجة غياب عقد كتابي يؤطر إلتزامات وحقوق الطرفين، خصوصا ما يتعلق بمدتها، قيمة الوجيبة الكرائية، وصف المحل أثناء بداية العلاقة وبيان قيمة المعجل من قيمة الوجيبة الكرائية أو أشهر الكراء.
      وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المساطر القضائية المنصوص عليها في إطار القانون 16/49 وقوانين كرائية أخرى مرتبطة تشترط الإدلاء بعقد كراء كتابي إثباتا للعلاقة الكرائية، تحت طائلة عدم قبول الطلبات الموجهة في إطار المساطر المذكورة.
 
 
المبحث الثاني : واجبات وحقوق طرفي العقد التجاري أو الصناعي أو الحرفي.
     منح المشرع المغربي بموجب هذا القانون مجموعة من الحقوق لطرفي العلاقة الكرائية مقابل مجموعة من الإلتزامات، فمن حق المكتري إجراء مجموعة من التغييرات والإصلاحات التي يكون الغرض منها إصلاح المحل وتحسين حالته تماشيا مع المتطلبات والحاجيات الآنية وقواعد المنافسة، وهو ما يقابله كذلك واجب المحافظة على العين المكتراة وعلى سلامتها، أما إذا كان من شأن التغيير المحدث بالمحل القيام بإصلاحات ضرورية لمزاولة النشاط التجاري موضوع العلاقة الكرائية، فلا يعد حينها المكتري متجاوزا لحقه في إحداث تغييرات طفيفة بالمحل التجاري المكترى طالما أن التغييرات والإصلاحات المحدثة لا تؤثر على سلامة البناء ولن يرفع من تحملاته، ومن قبيل هذه الإصلاحات والتغييرات الأكثر شيوعا والتي لا تعتبر سببا خطيرا يؤثر على بنية المحل وتصميمه (إنجاز سدة غير مؤسسة بالإسمنت ولا علاقة لها بهيكل البناء، إحداث أنابيب التهوية، إصلاحات تحسين وتزيين المحل التجاري...).
     تعد ممارسة أنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط التجاري أو الصناعي أو الحرفي الأصلي حقا من حقوق المكتري شريطة أن تكون هذه الأنشطة غير منافية لغرض وموقع المحل وليس من شأنها التأثير على سلامة بناية المحل، وأن يوجه المكتري طلبا في الموضوع للمكري يتضمن الإشارة بتفصيل للأنشطة المراد ممارستها، هذا الأخير منح له القانون 16/49 حق الجواب والإفصاح عن موقفه من طلب المكتري داخل أجل شهرين من تاريخ التوصل، وفي حالة مرور الأجل أعلاه دون جوابه يعتبر في حكم الموافقة على الأنشطة موضوع الطلب، أما في حالة جواب المكري الصريح بالرفض، فيجوز للمكتري اللجوء لرئيس المحكمة حيث يوجد المحل بإعتباره  قاضيا للأمور المستعجلة بواسطة طلب قضائي الغاية منه إستصدار أمر قضائي يأذن له بممارسة النشاط أو الأنشطة موضوع رفض المكري.
     كما منح المشرع التجاري للمكتري حق كراء محله التجاري من الباطن كقاعدة عامة بإستثناء حالة وجود بند في عقد الكراء التجاري من الطرف المكري يمنع المكتري من تولية المحل المكترى كلا أو بعضا لغيره.
     وفي حالة قيام المكتري بتولية الكراء لفائدة المكتري الفرعي فيتعين على الأول القيام بإجراء إخبار المكري بعملية التولية لفائدة الغير، بحيث لا يكون لعملية الكراء من الباطن أية آثار تجاه المكري إلا من تاريخ إجراء المكتري للإخبار المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 24 من القانون 16/49 وبعد إنجاز إجراء الإخبار المذكور يكون المكتري قد مارس حقه في الكراء من الباطن على أحسن وجه، ويكون من حق المكري بالمقابل إشعار المكتري الفرعي بكل إجراء  يعتزم القيام به تجاه المكتري الأصلي تحت طائلة عدم مواجهته به، كما أنه لا يمكن للمكتري الفرعي التمسك بأي حق تجاه المكتري الأصلي.
     وأقر القانون 16/49 حق المكتري في تفويت حق الكراء باعتباره عنصر من عناصر الأصل التجاري في كل حالة مستوفية للشروط المنصوص عليها في باب شروط تطبيق هذا القانون، وذلك كقاعدة عامة ودون الحصول على إذن مسبق من المكري أو وجود بند بعقد الكراء التجاري يخالف ممارسة هذا الحق، وأوجب نفس القانون ضرورة قيام طرفي عملية التفويت بإخبار المكري بواقعة التفويت حتى تنتج هذه العملية آثارها تجاه المكري.
     وجاء هذا المقتضى الإيجابي في إطار حقوق المكتري تكريسا لما إستقر عليه الإجتهاد القضائي في إطار القانون السابق بشأن أحقية المكتري في تفويت الحق في الكراء، بشرط أن تتم عملية التفويت في إطار عقد رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتضمن البيانات المنصوص عليها في المادة 81 من مدونة التجارة.
     يضاف للحقوق المشار إليها أعلاه حق المكتري في الحصول على تعويض بسبب إنهاء عقد الكراء من طرف المكري يعادل ما لحقه من ضرر ناتج عن الإفراغ بعد إكتسابه للحق في الكراء، وقد جعل المشرع هذا الحق ثابتا ومطلقا للمكتري لا يجوز حرمانه منه أو الإتفاق في إطار أي بند يفيد حرمانه منه أو التنازل عنه تحت طائلة إعتباره كأن لم يكن.
      يتم تحديد قيمة التعويض بناء على جداول أرقام المعاملات التي يحققها المكتري والتصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة، وكذا فاتورات الإصلاحات والتحسينات المجراة لفائدة المحل المكترى، وكل الوثائق الأخرى التي يجوز للمحكمة الأخذ بها في إطار سلطتها التقديرية سواء كانت وثائق وتصريحات إضافية أو أية حالة وجود وثائق أخرى غير المشار إليها أعلاه، دون نسيان
لجوء المحكمة إلى سلوك إجراءات تحقيق الدعوى، خصوصا إجراء خبرة قضائية الغاية منها مساعدة المحكمة على تحديد التعويض المستحق، وبالمقابل منح المشرع لفائدة المكري في إطار دعوى التعويض إستعمال كل وثيقة تثبت كون الضرر الذي لحق المكتري أقل مما يتضح من خلال وثائق المكتري وحججه، أو كون بعض عناصر أصله التجاري لن تتأثر بفعل الإفراغ.
     وبمقابل الحقوق المنصوص عليها لفائدة المكتري ضمن نصوص القانون 49.16 منح المشرع مجموعة من الحقوق لصالح المكري في حالات عديدة، ومن بين هذه الحقوق الحق في إنهاء عقد الكراء بسبب إحداث المكتري تغييرا بالمحل دون موافقته، إذا كان هذا التغيير يشكل إضرار بالبناية أو يؤثر على سلامتها أو يرفع من تحملات البناء، ولم يعبر المكتري بعد إتيان هذه التغييرات المضرة عن نيته في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليها وتجاوز الضرر داخل الأجل الممنوح له في إطار الإنذار المرسل إليه من طرف المكري أو داخل أجل أقصاه ثلاثة أشهر في جميع الحالات استنادا لأحكام المادة الثامنة من القانون أعلاه.
      ويشترط لإنهاء عقد الكراء بسبب التغييرات المشار إليها في إطار هذا القانون  أن تكون هذه التغييرات تشكل ضررا بالبناية أو تؤثر على سلامتها أو ترفع من تحملات البناء، وأن تكون هذه التغييرات تمت دون موافقة المكري، وأن يكون هذا الأخير قد وجه إنذار للمكتري ومنح له أجلا لإرجاع الحالة وتحقق إمتناع المكتري وإثبات المكري لعدم إقدام المكتري على التراجع على ما أنجزه من تغييرات بواسطة محضر معاينة.
    كما يجوز للمكري كذلك إنهاء عقد الكراء في حالة قيام المكتري بكراء المحل التجاري من الباطن خلافا لبند أو إلتزام ضمن بعقد الكراء وذلك إستثناء للأصل المنصوص عليه في هذا القانون، بحيث يكون المكري محقا في طلب إفراغ المكتري مع إعفائه من دفع التعويض لهذا الأخير طبقا لأحكام المادة الثامنة من نفس القانون.
     وحتى يتمكن المكري من سلوك مسطرة الإفراغ للسبب المذكورأعلاه يتعين توفر مجموعة من الشروط، أهمها وجود بند يمنع المكتري من الكراء من الباطن أولا، وقيام المكتري بكراء المحل جزئيا أو كليا ثانيا، وتوجيه إنذار بالإفراغ يتضمن السبب أعلاه ثالثا، وإيداع مقال المسطرة القضائية بواسطة محام لدى المحكمة التجارية حيث يوجد المحل رابعا .
 
    يحق للمكري كذلك في حالة إقدام المكتري على كراء المحل التجاري من الباطن، وكانت قيمة الكراء بمقتضى عقد الكراء من الباطن تفوق الوجيبة الكرائية الأصلية، اللجوء للمحكمة قصد تقديم طلب مراجعة الوجيبة الكرائية بعد إثبات المكري لإختلاف قيمتي الكراء، وتراعي المحكمة في مراجعة السومة الكرائية الفرق بينهما في الرفع من قيمة الوجيبة الكرائية، ويكون هذا الرفع غير خاضع لأحكام قانون مراجعة السومة الكرائية، بل يبقى إختصاصا قضائيا في إطار السلطة التقديرية للمحاكم وما هو متوفر لديها من مستندات وحجج توضح الفرق بين قيمة السومة الكرائية الأصلية وقيمة الوجيبة الكرائية بعد الكراء من الباطن.
     كما يجوز للمكري كذلك طلب مراجعة السومة الكرائية في حالة ممارسة المكتري لأنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي، وذلك سواء كان ذلك إتفاقا أو بواسطة طلب قضائي يسجل لدى المحكمة المختصة التي تقضي متى إستقام الطلب شكلا بالزيادة في الوجيبة الكرائية من تاريخ المطالبة القضائية.
 
يتبـــــع ...



الاحد 24 يناير 2021

تعليق جديد
Twitter